النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    افتراضي علي حسن المجيد ومذبحة البصرة عام 1999

    تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش

    1. مقدمة

    أقام جواد كاظم علي جنازة ولده مصطفى في 7 مايو/آيار 2003 بحي تنومة الفقير شرق البصرة. كان النعش خالياً؛ فقد كانت المرة الأخيرة التي رأى فيها جواد ولده مصطفى قبلها بأربع سنوات، في 19 مارس/آذار 1999 عندما قام أفراد الأمن العراقي وأعضاء حزب البعث بانتزاعه من سريره. كان مصطفى في التاسعة عشر من عمره وقتها؛ في السنة الأخيرة من دراسته الثانوية.


    جاء القبض على مصطفى بعد ليلتين من بدء المسلمين الشيعة انتفاضة شكلت واحداً من أخطر التحديات الداخلية التي واجهت نظام صدام حسين منذ حرب الخليج عام 1991. وقتها نزل آلاف المسلمين الشيعة في كافة أنحاء العراق إلى الشوارع، وفي بعض الحالات اعتدوا على مسئولين حكوميين ومبانٍ حكومية احتجاجاً على اغتيال آية الله العظمى محمد صادق الصدر، أحد أبرز أئمة شيعة العراق. وكانت مسئولية عملاء الحكومة العراقية عن هذا الاغتيال شبه مؤكدة. ورد صدام حسين على الانتفاضة (والتي أصبحت تعرف بـ"انتفاضة الصدر") بسرعة ووحشية. فقد قامت الحكومة في الهجوم الذي تلا الانتفاضة بتنفيذ إعدامات سريعة للعشرات وإلقاء أجسادهم في قبور جماعية حفرت بتعجل. كما أخضعت الآلاف من أفراد عائلاتهم للسجن التعسفي والتعذيب، وفي حالات كثيرة قامت بتدمير منازلهم وسبل إعاشتهم. وكان مصطفى وأسرته ضمن من تمت معاقبتهم خلال هذه الحملة الانتقامية.


    عاشت أسرة مصطفى أربعة أعوام دون أن تعلم بمصيره؛ لأن أحداً لم يخبرهم إن كان قد تم توجيه اتهام له أو محاكمته أو سجنه. كما أنهم لم يتلقوا إخطاراً بوفاته ولم يستقبلوا جثته. غير أنهم تلقوا معلومتين هامتين في الأيام التي تلت مباشرة قيام القوات الأمريكية والبريطانية بخلع صدام حسين في إبريل/نيسان 2003. كانت المعلومتان متضمنتان في وثيقة عبارة عن قائمة مكتوبة بخط اليد تم العثور عليها أثناء نهب المكاتب الحكومية عقب احتلال البصرة. وقد حصل باحثون من منظمة هيومن رايتس ووتش على أربع صفحات من هذه الوثيقة في أبريل/نيسان 2003.1 ورغم أن الوثيقة لا تحمل أية علامات رسمية إلا أن الأدلة الظرفية التي سيتم تفصيلها أدناه ترجح بقوة أنها وثيقة أصلية صادرة عن الحكومة العراقية. وتضم الصفحات الأربع من الوثيقة التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش 120 اسماً لرجال تم إعدامهم خلال شهور مارس/آذار وإبريل/نيسان ومايو/آيار من عام 1999 بسبب الاشتراك "بأحداث ليلة 17/18/3/1999" ــ أي انتفاضة الصدر.


    كانت المعلومة الأولى والمروعة التي احتوتها الوثيقة هي وجود اسم مصطفى ضمن أسماء من تم إعدامهم. وقد ورد اسمه في صفحة ذكرت أن تاريخ إعدامه كان 8 مايو/آيار 1999، مما قضى على الأمل الهزيل لدى أسرته بكونه مازال على قيد الحياة، وسمح لهم أن يقيموا له جنازة بعد ما يقرب من أربع سنوات بالضبط على تاريخ قتله، ورغم أن جثته لم يعثر عليها بعد.


    أما ثاني المعلومات الهامة التي تضمنتها قائمة الإعدامات تلك فقد كانت إشارات تقود إلى تحديد هوية المسئولين عن قتل مصطفى وعدد كبير من الشباب. ففي حالة مصطفى تذكر الوثيقة أن إعدامه قد قام بتنفيذه "ضباط مديرية الشرطة". بينما تشير صفحات أخرى إلى أن مجموعة أخرى من الشباب تم إعدامهم على يد أقارب لمسئولين بعثيين قتلوا أثناء الانتفاضة، في حين تعرضت مجموعة ثالثة للقتل على يد قيادات بعثية من البصرة ومدينة أم المعارك المجاورة لها. ولكن الأهم من كل هذا أن الصفحتين الأوليين من الوثيقة تحملان ملاحظات تشير إلى أن الإعدامات قد تمت "بناء على أمر السيد قائد القطاع الجنوبي المحترم". وكان من يحتل هذا المنصب في ذلك الوقت هو قريب صدام حسين ومرافقة المقرب علي حسن المجيد، والشهير بـ"علي الكيماوي".


    حصل المجيد على لقب "علي الكيماوي" بسبب دوره في حملة الأنفال للإبادة الجماعية بين شهري فبراير/شباط و أغسطس/آب من عام 1988، واستعماله للأسلحة الكيماوية ضد القرى الكردية في شمالي العراق بدءاً من إبريل/نيسان 1987. وقد تولى بعدها قيادة الاحتلال العراقي للكويت، كما قاد القوات التي قامت بقمع الانتفاضة الشعبية في جنوبي العراق في مارس/آذار عقب حرب الخليج عام 1991. كما لعب المجيد دوراً قيادياً في الحملة عرب الأهوال في التسعينات. وقد تميزت جميع تلك الحملات بتعرض ضحاياها للإعدامات السريعة والقبض التعسفي والاختفاء والتعذيب وغيرها من الفظائع.

    واعتمدت حملة الحكومة العراقية القمعية التي تلت انتفاضة الصدر الإجراءات الوحشية وغير القانونية نفسها. فقد أظهر التحقيق الذي أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش في البصرة عام 2003 بشكل قوي أن قوات الأمن العراقية وأعضاء حزب البعث، تحت الإشراف المباشر لعلي حسن المجيد، قد تورطت في إعدامات منهجية خارج نطاق القضاء، وحملات واسعة من القبض والاعتقال التعسفيين، والتعذيب، والعقاب الجماعي. وتشكل هذه الأفعال انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية.2


    بعد ثلاثة أشهر من جنازة مصطفى، في 21 أغسطس/آب 2003، ألقت القوات الأمريكية القبض على المجيد. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2004 عقد قاضي تحقيق عراقي جلسة قضائية تحضيرية قام فيها باستجوابه.3 وتشير تصريحات مسئولي الحكومة العراقية إلى أنه سيكون من أوائل المتهمين الذين ستتم محاكمتهم أمام المحكمة العراقية الخاصة.


    وبالنسبة لأهالي ضحايا حملة عام 1999 فإن محاكمة المجيد ستكون على درجة من الأهمية لسببين: أولهما أن المحاكمة قد تمهد الطريق لتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات الفظيعة؛ وثانيهما أن المحاكمة قد تمنح فرصة لأهالي المختفين للحصول على معلومات قد تساعدهم في تحديد مصائر أحبائهم المفقودين. فالكثير من العائلات العراقية لا زالت تفتقر إلى معلومات تقطع بكون أفرادها المختفين أحياءً أو أموات. غير أن جمع هذه المعلومات، كجزء من سير المحاكمة، يرجح أن يتم على نطاق محدود. فالمهمة الأساسية للمحاكم الجنائية هي جمع وتقديم الأدلة اللازمة لمقاضاة ناجحة. وهذه المحاكم تفتقد إلى الموارد وإلى السلطة اللازمة لمساعدة الأسر في التعرف على مفقوديها، سواء عبر اختبارات الطب الشرعي للمقابر الجماعية التي تم نبشها، أو التحقيق مع الشهود، أو فحص الوثائق الحكومية. وسيكون من الضروري إنشاء آلية أخرى للمساعدة في هذه المهام الإنسانية، بغرض مساعدة العائلات في التغلب على شعورها المستمر بالألم والفقدان.


    إن منظمة هيومن رايتس ووتش تأمن لا بد أن تتم محاسبة المسئولين عن الجرائم الجماعية المرتكبة في ظل النظام البعثي في العراق، بما فيها الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. وفي الوقت ذاته فإن المنظمة تشعر بالقلق من كون قانون المحكمة العراقية الخاصة يضم مواد من القانون العراقي تسمح بتطبيق عقوبة الإعدام على جرائم معينة. كما تشعر المنظمة بقلق مماثل لأن كلاً من القانون ومسودة قواعد الإجراءات والأدلة الخاصة بالمحكمة يتضمنان مواد متعارضة قد يتم تفسيرها بشكل ينتقص من معايير المحاكمة المنصفة. وبعد خبرة من العمل المباشر مع العديد من ضحايا الأحداث التي وقعت في البصرة عام 1999، إضافة إلى ضحايا جرائم أخرى ارتكبها مسئولون عراقيون، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش تحث السلطات الأمريكية والعراقية على اتخاذ الخطوات الضرورية لتضمن أن المسئولين عن الفظائع التي وقعت عام 1999 سيواجهون العدالة، وليس مجرد الثأر.


    ونظراً لاعتبارات أمنية فإن أسماء الشهود والضحايا الواردة في هذا التقرير قد تم تغييرها، باستثناء الحالات التي طلب فيها الشهود صراحة ذكر أسمائهم.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] توجد نسخة من تلك القائمة كملحق لهذا التقرير.

    [2] وقت وقوع هذه الأحداث كانت المقاضاة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتم أمام المحاكم الجنائية الدولية الخاصة لكل من يوغسلافيا السابقة ورواندا. وتشمل الجرائم ضد الإنسانية أياً من الأفعال التالية حين تقع كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين: القتل، والإبادة، والاسترقاق، والترحيل، والسجن، والتعذيب، والاغتصاب، والاضطهاد على أسس سياسية أو عنصرية أو دينية، إلى جانب أفعال غير إنسانية أخرى. انظر لائحة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، قرار مجلس الأمن رقم 827، وثيقة المم المتحدة رقم S/Res/827 (1993) وفقاً للتعديل (متاحة على http://www.un.org/icty/legaldoc/index.htm ) المادة رقم 5؛ ولائحة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، قرار مجلس الأمن رقم 955، وثيقة المم المتحدة رقم S/Res/955 (1994) وفقاً للتعديل (متاحة على http://www.ictr.org/ENGLISH/basicdocs/statute.htm)، المادة رقم 3. ولا يشترط أن يكون "الهجوم" على سكان مدنيين جزءاً من صراع مسلح. انظر على سبيل المثال قضية Prosecutor v. Akayesu، قضية رقم ICTR-96-4-T (Trial Chamber)، 2 سبتمبر/أيلول 1998، فقرة رقم 581.

    [3] سمير يعقوب، "قضاة عراقيون يستجوبون مساعدي صدام"، وكالة الأسوشيتد برس، 18 ديسمبر 2004، وجون ف. بيرنز "قاضٍ عراقي يستجوب مساعدي حسين بحضور محامين"، صحيفة نيويورك تايمز، 19 ديسمبر 2004، ص 18.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  2. #2

    افتراضي

    II. تحديد الجناة

    هناك أسباب عدة تجعل من أحداث عام 1999 فرصة فريدة للتحقيق في كيفية قيام نظام صدام حسين بالقمع المنهجي للمجموعات التي شعر أنها تشكل تهديداً لحكمه، والدور الرئيسي الذي لعبه المجيد في تطبيق هذا القمع.


    أول هذه الأسباب أن ضحايا هذه المذبحة والشهود الذين يملكون معلومات بشأنها يتركزون في البصرة أو حولها، وهي منطقة تتمتع بالهدوء النسبي في العراق. فقد تمكن باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2003 من إجراء مقابلات متعددة مع ضحايا وشهود عيان لجمع المعلومات التي يتضمنها هذا التقرير. كما تشير المعلومات إلى أن كثيراً من المسئولين الحكوميين والبعثيين الذين قد تكون لديهم معلومات بشأن الانتفاضة والهجمة التي تلتها عام 1999 لا يزالون يقطنون في البصرة أو حولها. ومازال في وسع محققي المحكمة العراقية الخاصة الحصول على معظم هذه المعلومات. إن جسامة الانتهاكات التي وقعت خلال الحملة تستدعي إجراء تحقيق مفصل على يد خبراء في التحقيقات الجنائية، ومقاضاة المسئولين عن هذه الانتهاكات.


    ثانياً، أن بعض ضحايا مذبحة 1999 لا يزالون مدفونين في مواقع قبور جماعية غير ظاهرة أو لم يتم نبشها. وقد يساعد فتح هذه المواقع باستخدام الوسائل العلمية للطب الشرعي على اكتشاف أدلة إضافية قد تكون ضرورية للتحقيقات والمحاكمات الجنائية.


    وأخيراً، فإن قوائم الأسماء التي ورد فيها اسم مصطفي كأحد من تم قتلهم، إضافة إلى غيرها من الأدلة الوثائقية، تقدم بدورها إشارات تقود إلى كشف هويات المسئولين عن الأمر بجرائم القتل هذه أو تنفيذها ــ ليس فقط المجيد، بل العملاء الذين قاموا بالفعل بتنفيذ الإعدامات.


    قائمة إعدامات البصرة
    لا تحمل قائمة الإعدامات أية أختام أو شعارات أو توقيعات؛ مثلها في ذلك مثل القوائم المشابهة التي تم اكتشافها منذ سقوط النظام السابق. وقد ظهرت نسخة من القائمة للمرة الأولى على لوحة إعلانات مسجد الإمام علي ومسجد الجمهورية بالبصرة عقب سقوط المدينة تحت احتلال القوات البريطانية في إبريل/نيسان مباشرة. وقد قال القائمون على المسجدين لمنظمة هيومن رايتس ووتش أنهم حصلوا على القائمة من مكاتب مديرية الأمن العام أثناء النهب الذي تعرضت له المباني الحكومية بعد وصول القوات البريطانية إلى البصرة.4 وليس لدى منظمة هيومن رايتس ووتش معلومات حول سلسلة تناقل الوثيقة قبل هذه النقطة. فقد قامت معظم المساجد الشيعية بتعليق صور ضوئية من القائمة كما تم توزيع نسخ منها على نطاق واسع بين عائلات المفقودين. وقد حصلت منظمة هيومن رايتس ووتش على أربع صفحات من القائمة في إبريل/نيسان 2003. وتعلم المنظمة بوجود صفحتين أخريين على الأقل من هذه الوثيقة تضمان أسماء لأفراد تم إعدامهم.


    وتضم الصفحات الأربع من قائمة الإعدامات التي تحوزها منظمة هيومن رايتس ووتش أسماء 120 من الضحايا مرقمين بتسلسل عبر الصفحات الأربع. وجميع الأسماء لشباب من الذكور ــ أصغرهم سناً في السادسة عشرة بينما يبلغ عمر أكبرهم ستة وثلاثين عاماً ــ يقطنون في البصرة أو حولها. وتحتوي الصفحات الأربع على الأعمدة الخمسة ذاتها: الرقم المسلسل، والاسم الكامل، وتاريخ الميلاد، وعنوان السكن، وملاحظات. وتحمل جميع الصفحات عنواناً واحداً: "قائمة بأسماء المتهمين الذين اعترفوا باشتراكهم بأحداث 17/18/3/1999".


    وتشير كل صفحة من قائمة الإعدام إلى تاريخ مختلف لإعدام الأفراد الواردة أسماؤهم. بينما يشير عمود "ملاحظات" إلى السلطات المحلية المختلفة في البصرة أو المنطقة الجنوبية من العراق التي قامت بتنفيذ الإعدام. فعلى سبيل المثال تحتوي الصفحة التي ورد فيها اسم مصطفى على 28 اسماً آخر في أعمدة مسطرة بعناية تشير إلى أسمائهم، ومحال إقامتهم، وتواريخ إعدامهم، وهويات العملاء القائمين بتنفيذ الإعدام ــ في حالة مصطفى كانوا ضباط مديرية الشرطة.


    الصفحة الأولى: 33 رجلاً تم إعدامهم في 25 مارس/آذار 1999:

    تضم هذه القائمة 33 اسماً (مرقمين من 1 إلى 33). وتقول الملحوظة: "بتاريخ 25/3/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ذوي الشهداء بناء على أمر السيد قائد القطاع الجنوبي المحترم".5


    الصفحة الثانية: 31 رجلاً تم إعدامهم في 18 إبريل/نيسان 1999:

    تضم هذه القائمة 31 اسماً (مرقمين في القائمة من 34 إلى 64). وتقول الملحوظة: "بتاريخ 18/4/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل امناء سر فرعي البصرة وأم المعارك الحزب قائد وأعضاء الفروع القيادية لهم ".


    الصفحة الثالثة: 28 رجلاً تم إعدامهم في 19 إبريل/نيسان 1999:

    تضم هذه القائمة 28 اسماً (مرقمين من 65 إلى 92). وتقول الملحوظة: " بتاريخ 19/4/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ضباط مديريتنا".


    الصفحة الرابعة: 28 رجلاً تم إعدامهم في 8 مايو/آيار 1999:

    تضم هذه القائمة 28 اسماً (مرقمين من 93 إلى 120)، بما فيهم اسم مصطفى جواد. وتقول الملحوظة: "في 8/5/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ضباط مديريتنا".


    معلومات بشأن الجناة
    تساعد قائمة الإعدامات، فيما لو ثبتت صحتها، على تحديد من يملكون معلومات بشأن هوية الجناة المسئولين بشكل مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمنهجية والتي وقعت في البصرة عام 1999. وكما سيظهر بالتفصيل أدناه، فإن شهادات كل من الناجين من الضحايا وشهود العيان تؤكد الحقائق الأساسية الواردة في قائمة الإعدامات: أن عشرات من الرجال قد تم اعتقالهم على يد قوات الأمن العراقية وأعضاء حزب البعث عقب انتفاضة الصدر، وأن عشرات الرجال قد قتلوا في إعدامات سريعة وجماعية على يد القوات الأمنية والحزبية في مناطق مهجورة داخل البصرة وحولها في غضون بضعة أسابيع في شهور مارس/آذار وإبريل/نيسان ومايو/آيار من عام 1999.


    من بين ما يؤكد صحة القائمة بقوة احتواؤها على أسماء 29 شخصاً تم التعرف عليهم بشكل احتمالي من بين بقايا 33 شخصاً عثر عليها في مواقع مقابر جماعية بالبصرة. وبينما لم يكن باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش حاضرين أثناء نبش هذه المقابر، فإن فحص البقايا بعد بضعة أيام من نقلها من موقع الدفن الأصلي أظهر قصاصات قماش عالقة بعدد من الجثث تشبه عصابات الأعين والحبال التي قد تكون قد استخدمت في تقييد الأيدي والأقدام. كما ظهر في عدد من الجماجم التي فحصها باحثو هيومن رايتس ووتش بالعين المجردة ما بدا وكأنه ثقوب سببتها طلقات رصاص.


    أربطة أعين قد وجد مع بقايا بشرية انتشلها أقارب الضحية في البرجسية. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).



    أربطة وجدت على هذه البقايا البشرية التي انتشلها أقارب الضحية في البرجسية. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).


    تشير الملاحظات الواردة في الصفحتين الأوليين من القائمة إلى كون الإعدامات قد تم تنفيذها "بناء على أمر السيد قائد القطاع الجنوبي المحترم". وكان علي حسن المجيد هو من يشغل هذا المنصب عام 1999. كما أنه اعتاد الإشارة إلى نفسه بهذا اللقب في بيانات رسمية للحكومة العراقية آنذاك.6 وقد أجمع كل من أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات في البصرة عام 2003 على كون المجيد هو "قائد القطاع الجنوبي" خلال عام 1999. وإضافة إلى ذلك، فقد أعرب كل من التقت بهم المنظمة عن اعتقادهم بأن المجيد أشرف مباشرة على جميع العمليات العسكرية والأمنية في جنوب العراق، بما في ذلك البصرة، أثناء الانتفاضة والحملة التي تلتها.


    وقد أشار الشهود والناجون من ضحايا حملة عام 1999 بأصابع الاتهام مراراً إلى مهدي الدليمي، وهو ضابط جيش ترأس مديرية الأمن العام، بالتورط في القتل وغيره من الجرائم. فقد أخبر جواد كاظم علي، والد مصطفى جواد، منظمة هيومن رايتس ووتش:

    بإمكاني أن أمنحكم اسم الشخص المسئول عن القتل والتعذيب الذي شهدته البصرة. اسمه مهدي الدليمي. وقد ترأس مديرية الأمن في البصرة لسنوات عديدة؛ وكان واحداً من أهم خمسة مدعين في العراق. واعتمد عليه صدام حسين بقوة. لا أعرف مكانه الآن. كان واحداً ممن عملوا لصالح علي الكيماوي...حيث كان مهدي يتبع علي الكيماوي مباشرة.7


    وقد أشار سيد حيدر الحسن، الزعيم الديني والمحلي من مسجد الجمهورية، أيضاً إلى المسئولية المحتملة والدراية المؤكدة لمهدي الدليمي بشأن مذبحة 1999:

    كان قد قضى في البصرة زمناً طويلاً. كان يعلم كل شيء عن البصرة وأهل البصرة. لقد كان مجرماً في الماضي. وقد قام بتتبع الحركة الإسلامية في البصرة منذ بدايات السبعينات وطور أسلوبه الخاص في الحصول على الاعترافات. استخدم كل أنواع وأساليب التعذيب الفظيعة. حتى أنه استعمل أحياناً أفراد العائلة [ليقوموا بتعذيب أفراد من نفس العائلة].8


    كما توفر قائمة الإعدام أدلة محتملة على هوية العملاء الذين قاموا مباشرة بتنفيذ أوامر الإعدام. فالصفحة الأولى من القائمة تقول " بتاريخ 25/3/1999 تم تنفيذ حكم الشعب بحق المجرمين من قبل ذوي الشهداء". ويشير هذا إلى أن أقارب أعضاء حزب البعث الذين قتلوا أثناء الانتفاضة قد يكونون قد مُنحوا أول فرصة للثأر. وعلى محققي المحكمة العراقية الخاصة أو غيرها من المحاكم تحقيق أسماء أعضاء حزب البعث الذين قتلوا في الانتفاضة من خلال السجلات الأرشيفية وشهادات شهود العيان، مما سيساعد على التعرف على العائلات التي ربما يكون قد كان لها يد في تنفيذ مذابح 1999.


    وتضم مجموعة أخرى من المتورطين في المذبحة أعضاء حزب البعث من منطقة البصرة. فوفقاً للقائمة فإن الضحايا الثلاثين الذين قتلوا في يوم 18 أبريل/نيسان قد تم قتلهم "من قبل امناء سر فرعي البصرة وأم المعارك الحزب قائد وأعضاء الفروع القيادية لهم". ويمكن من خلال الأدلة الأرشيفية التي تضم عضوية حزب البعث الحصول على قائمة للمشتبه فيهم لاستجوابهم بشأن تورطهم في جرائم القتل هذه. وهناك العديد من الشهود من البصرة أو حولها ممن كانوا مرتبطين بحزب البعث ويستطيعون توفير معلومات بشأن هيكله القيادي.


    وبالمثل، فإن القائمة تشير إلى أن 55 آخرين من الشباب قد قتلوا في يومي 19 أبريل/نيسان و 8 مايو/آيار على يد "ضباط مديريتنا". وقد كان أفراد الشرطة معروفين ويمكن تحديدهم باستخدام سجلات التوظيف والتنظيم؛ ولابد من استجوابهم بشأن دورهم في أحداث 1999.


    وقد أكد عشرات من سكان البصرة بشكل عام أن أعضاء البعث وضباط الشرطة والأمن قاموا باعتقال واحتجاز وتعذيب وإعدام الأفراد الذين يشتبه في اشتراكهم في الانتفاضة وأسرهم. وقد تمكنت منظمة هيومن رايتس ووتش أثناء إجراء تحقيقها من الحصول على أسماء الكثيرين من المسئولين العراقيين المتورطين في حملة الإعتقالات والإعدامات الجماعية التي تلت انتفاضة الصدر. ولن تستطيع منظمة هيومن رايتس ووتش إعلان أسماء هؤلاء الجناة المحتملين نظراً إلى أن المنظمة لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من هوية هؤلاء الجناة. وسيتطلب تحديد المسئولين الذين تحملوا مسئولية الإعدامات الجماعية تحقيقات إضافية؛ ولكن من الواضح أن هناك أدلة كافية للتعرف على هوية كثير من الجناة.


    وقد قامت القوات البريطانية في البصرة بإجراء تحقيقات أولية عند بعض مواقع القبور الجماعية من خلال التقاط صور للمقابر وتسجيل إقرارات الشهود.9 وعلى حد علم منظمة هيومن رايتس ووتش فإن تحقيقاً شاملاً لم يتم إجراءه حتى الآن في انتفاضة الصدر وهوية المسئولين عن قمعها.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [4] مقابلة مع سيد حيدر الحسن (اسمه الحقيقي)، مسجد الجمهورية، 24 إبريل/نيسان 2003.

    [5] في الأغلب يشير لفظ "الشهداء" هنا إلى أعضاء حزب البعث الذين قتلوا أثناء الانتفاضة.

    [6] انظر على سبيل المثال إذاعة جمهورية العراق (عبر خدمة رصد البي بي سي)، "قائد المنطقة الجنوبية يطلع صدام على نبأ إسقاط طائرة"، 30 أغسطس 1998 (نص بيان رسمي وقع عليه المجيد بصفة "قائد القطاع الجنوبي").

    [7] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [8] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

    [9] بناء على زيارة لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إلى البصرة، 2 يونيو 2003.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  3. #3

    افتراضي

    III. انتفاضة الصدر عام 1999

    تقول القائمة التي تضم اسم مصطفى جواد10 إنه وعشرات غيره من الشباب قد تعرضوا للقتل بعد إدلائهم المزعوم باعترافات بالمشاركة في الانتفاضة واسعة النطاق للعراقيين من المسلمين الشيعة احتجاجاً على اغتيال أحد أبرز قادتهم الدينيين، آية الله العظمى محمد صادق الصدر. وقد تم اغتياله في يوم 19 فبراير/شباط 1999 أثناء وجوده بسيارته في طريق العودة إلى منزله برفقة ولديه مصطفى ومأمل، والذين كانا مساعديه الأساسيين، إضافة إلى سائقه.


    صدم الاغتيال الجالية العراقية من المسلمين الشيعة، والبالغة نسبتها 55% من سكان العراق. وكانت الحكومة العراقية في نهاية السبعينات، وخاصة بعد تولي صدام حسين رئاسة البلاد عام 1979، قد استهدفت بالتحرش والقمع رجال الدين الشيعة الذين اعتبرتهم متعاطفين مع النظام الثوري في إيران. وبمرور الوقت فإن هذه السياسة، التي كانت تهدف أساساً إلى تعزيز قبضة صدام حسين على السلطة، قد أدت إلى ظهور حركة إسلامية شيعية أشد بأساً في العراق.11


    وقد شغل آية الله الصدر منصب آية الله العظمى عام 1992 بعد وفاة آية الله أبو القاسم الخوئي.12 واعترف النظام العراقي بآية الله الصدر في البداية ظناً منه أن باستطاعته احتواءه؛ فقد دعا آية الله الصدر في البداية إلى إبعاد رجال الدين عن السياسة. ولكنه بدأ لاحقاً في انتقاد سياسات الحكومة في خطب الجمعة وفي دعوة الناس إلى حضور صلوات الجماعة على غير هوى من النظام. ويذكر أنه في أوائل ديسمبر/كانون الأول عام 1998 قد قام بإلغاء مسيرة إلى قبر الإمام الحسين في كربلاء بعد أن حاصرت الحكومة المدينة بقوات الأمن لتنفيذ قرارها بمنع المسيرة. وفي 5 مارس/آذار1999 قامت صحيفة الإندبندنت اللندنية بنشر نص ما يقال إنها آخر خطبة لآية الله الصدر، والتي ألقاها في 12 فبراير/شباط 1999 وتم تسجيلها على شريط جرى تهريبه إلى خارج العراق. ووفقاً للنص المنشور فقد طالب آية الله الصدر بالإفراج عن أكثر من مئة من رجال الدين الشيعة الذين جرى اعتقالهم بعد انتفاضة مارس/آذار 1991 ولم يعلن عن مصائرهم أو أماكن وجودهم.


    نتج عن اغتيال آية الله الصدر وولديه اندلاع مواجهات عنيفة لعدة أيام بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحياء بغداد ذات الكثافة الشيعية العالية13، وكذلك في المدن ذات الأغلبية الشيعية مثل كربلاء والناصرية والكوفة والبصرة. ولقي العشرات مصرعهم في هذه المواجهات بينما اعتقل المئات.14

    وفي البصرة في يوم 17 مارس/آذار 1999، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً هاجمت مجموعات من المتظاهرين المسلحين مباني حكومية ومقار لجهات استخباراتية ومكاتب لحزب البعث. وأشارت التقارير الصحافية وقتها إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الحكومية، بلغت حد استخدام الأسلحة والمدفعية الثقيلة.15 وقال عدة شهود لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن المتظاهرين هاجموا وقتلوا 40 عضواً بحزب البعث على الأقل. ولا يزال العدد الحقيقي مجهولاً إلى اليوم نظراً لأن الحكومة العراقية لم تفصح أبداً عن حجم الانتفاضة. وقد أخبر عدة شهود عيان منظمة هيومن رايتس ووتش أن إطلاق النار قد استمر في بعض مناطق البصرة لأكثر من ساعة. بينما سُمعت أصوات طلقات الأسلحة الآلية في مناطق أخرى طوال الليل.




    --------------------------------------------------------------------------------

    [10] طلب جواد كاظم علي من منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام اسمه وأسماء أفراد عائلته الحقيقية.

    [11] انظر فالح ع.جبار، الحركة الشيعية في العراق (لندن، الساقي، 2003).

    [12] يشير منصب آية الله إلى كون حامله قد بلغ أسمى درجات الدراسة العلمية لعلوم الإسلام الشيعي.

    [13] مثل المنطقة كثيفة السكان التي تم إنشاؤها بعد ثورة 1958 وعرفت في البداية باسم مدينة الثورة، قبل أن تغير الحكومة اسمها في 1982 إلى مدينة صدام. وتعرف المنطقة منذ سقوط النظام باسم مدينة الصدر.

    [14] التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2000، ص 359.

    [15] "القوات العراقية تصطدم بالشيعة"، وكالة الأسوشيتد برس، 20 مارس/آذار 1999.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  4. #4

    افتراضي

    IV. الانتقام: الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان

    القبض التعسفي على المشتبه بهم
    في صباح اليوم التالي، 18 مارس/آذار، بدأ أعضاء مسلحون من حزب البعث، بدعم من قوات مديرية الأمن العام في بعض الحالات، باعتقال الأشخاص في البصرة، واستمروا في ذلك عدة أيام. أحد المعتقلين، حسين، البالغ من العمر 45 عاماً قال لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

    في الصباح التالي بدأ أعضاء البعث في القبض على الأشخاص في منطقتنا [تنومة، شرق شط العرب من البصرة]. جاءوا في مجموعات من حوالي 15 شخصاً، جميعهم يرتدون الملابس الخضراء الداكنة لحزب البعث. جاءوا في ثلاث عربات وسيارة نقل. ألقي القبض علي وعلى صديقي محمد مظلوم حسين [34 عاماً] في التاسعة صباحاً بينما كنا في الطريق إلى الحقل الذي كنا نعمل فيه. قاموا بوضع العصابات على أعيننا ووضعونا في سيارة وذهبوا بنا أولاً إلى مبنى حزب البعث القريب من شط العرب. وبعدها بقليل ذهبوا بنا إلى مقر حزب البعث على طريق الحكيمي.16


    وكان ما رواه لنا جواد كاظم علي حول اعتقال ولده مصطفى مشابهاً لما سمعته منظمة هيومن رايتس ووتش من كثيرين غيره:

    ألقي القبض على مصطفى في 1999...في مارس/آذار 1999. كان في السنة السادسة [من المدرسة الثانوية]. تم اعتقاله لأنه اتهم بالاشتراك في مجموعة تعمل ضد الحكومة. وتم اتهامه باتباع آية الله الصدر. ألقي القبض عليه بعد حوالي 40 يوماً من اغتيال الصدر. كان الجميع غاضباً وقتها ولكن أحداً لم يفعل شيئاً لأن الجميع كانوا خائفين.


    في 17 مارس/آذار، حوالي الساعة الحادية عشرة مساءاً قامت جماعة معارضة للنظام بإطلاق الرصاص على مبانٍ حكومية، خاصة المباني التابعة لحزب البعث. قتلوا بعض المسئولين في الحكومة، مسئولين مهمين. كان مجموع من قتلوهم أقل من 40 شخصاً. وتم اتهام ولدي بالاشتراك في هذه المجموعة.


    ولكنني في هذه الليلة [17 مارس/آذار] كنت أعمل سائقاً على سيارة تاكسي. حضرت إلى المنزل متأخراً ورأيته نائماً في غرفته. وفي 19 مارس/آذار أيضاً رأيته نائماً عندما عدت إلى البيت. في هذه الليلة طرق الباب كثير من الرجال المسلحين وقالوا "نريد ابنك". سألوا عن باسم [ولدي الكبير] وعن مصطفى. كان عددهم كبيراً، بعضهم يرتدي زياً رسمياً والبعض الآخر لا. وكانوا منتشرين داخل المنزل وخارجه.17


    يقول كثيرون ممن تعرضوا للاعتقال في هذه الفترة إنهم لم يشاركوا في الانتفاضة وإنما تم اعتقالهم كجزء من حملة واسعة ضد كل من اعتبر "مشبوهاً" في أعين السلطات. وكانت إحدى مسئوليات أعضاء حزب البعث جمع المعلومات وتقديم التقارير حول كل الأنشطة المثيرة للشك في المناطق التي يعيشون فيها. قال ناصر، البالغ من العمر ستين عاماً والذي اعتقل أولاده الثلاثة علي ومحمد وحسن، لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

    لم ينخرطوا في الانتفاضة، وإنما تم اتهامهم خطأ. لقد جاءوا [أعضاء حزب البعث المقيمين في المنطقة] إلى منزلي مراراً [قبل الانتفاضة] وسألوني إذا كان ولداي علي وحسن سيذهبان إلى إيران. كما سألوني عن محمد [الذي كان يدرس علوم الدين في الحوزة في النجف على بعد 140 ميلاً شمال غربي البصرة].18


    ووصف ناصر القبض على اثنين من أولاده في الأسابيع التالية للانتفاضة:

    لم يكن بمنطقتنا سوى عضو واحد من حزب البعث، ولذلك كانت اعتداءات المتظاهرين محدودة. أظن أن هذا العضو تعرض للاعتداء عليه. كان اثنان من أولادي بصحبتي. كانا في البصرة، يعيشان معنا بصحبة أسرتيهما. [ولدي الآخر] محمد كان طالباً في النجف. كان في المرحلة النهائية بعد خمسة أعوام من الدراسة. كان قد شارف على الانتهاء. لم يكن في البصرة عندما نشب القتال. عندما هدأت الأمور في تلك الليلة [17 مارس/آذار] رأيت ولداي الاثنين نائمين بمنزلنا فنمت بدوري. لا أظن أنهما كانا منخرطين في القتال؛ فقد كانا في المنزل. نحن لسنا أهل سياسة. لم يكن لنا في المشاكل.


    في 25 مارس/آذار قاموا بتفتيش منزلي. كانوا أفراداً بملابس رسمية إضافة إلى أعضاء في البعث. كانوا ستة أشخاص. تم التفتيش في الصباح. لم يجدوا شيئاً وقتها. وبعد يومين عادوا للتفتيش مرة أخرى. كانوا مختلفين هذه المرة. كانوا خمسة أو ستة، ربما من حزب البعث. وقد قاموا أيضاً بتفتيش منازل أخرى في المنطقة.


    وفي 7 إبريل/نيسان في الثانية صباحاً جاءت مجموعة من ستة أشخاص في سيارة. دخلوا إلى المنزل بعد أن قفزوا على السور وكسروا الباب. كان ولداي نائمان بالداخل. كان خمسة أشخاص آخرون ينتظرون خارج المنزل. في هذه الليلة اعتقلوا علي وحسن. ولم نرهما أبداً منذ تلك الليلة.19


    وكانت السلطات العراقية تلجأ إلى التهديد والخديعة عندما تفشل في اعتقال المشتبه فيهم فوراً. ففي حالة عائلة ناصر، حرضت القوات العراقية الأم على تسليم ابنها مقابل سلامة ولديها الآخرين الموجودين رهن الاحتجاز. وكما شرح ناصر:

    بعد ثلاثة أيام، في 10 إبريل/نيسان أخبرونا أننا إذا أحضرنا لهم الثالث [محمد] لاستجوابه فأنهم سيطلقون سراح الاثنين الآخرين. وصدقنا أن المسألة كانت مجرد استجواب. فلم يكن الأولاد قد فعلوا أي شيء. وذهبت زوجتي إلى النجف في الصباح لتحضر محمد الذي عاد طواعية وقال إنه سيساعد في تأمين حرية شقيقيه. وهكذا ذهب إلى السجن في البصرة مع أمه.20


    كانت هذه آخر مرة رأت فيها العائلة محمد. وبحلول مايو/آيار 2003 كانت الأدلة تتزايد على كون محمد قد قتل على يد قوات الأمن برفقة شقيقيه. ووصف لنا ناصر الأثر الذي خلفه ذلك على العائلة:

    فقدت زوجتي عقلها. لم تعد تنعم بالهدوء أبداً. تجلس في الغرفة وتعض على أصابعها لأنها تعتقد أنها قادت ولدها إلى مصرعه. حتى هذه اللحظة كان من الممكن أن نظن أنهم لازالوا على قيد الحياة. أما الآن فقد شاهدت أسماءهم في القائمة. شاهدت أسماء اثنين منهم. ربما كان الثالث لا يزال على قيد الحياة. كلا... علينا أن نواجه الحقيقة...لقد أخذوا كل أبنائي. والآن لدي أربعة بنات وجميع أطفالهن. أصبح علي أن أعتني بعائلة من أحد عشر فرداً. أين أولادي لكي يساعدوني؟21


    ونجح البعض في تفادي القبض عليهم، أو قاموا بدفع رشاوى لتأمين حريتهم. فقد أخبر محمود (41 عاماً) منظمة هيومن رايتس ووتش أن شقيقه محمد قضى في السجن الفترة من 4 إلى 10 أبريل/نيسان قبل أن يطلق سراحه بعد أن دفع 500 دولار أمريكي كرشاوى من خلال عائلة سعدون، وهي قبيلة محلية لها تاريخ طويل في التعاون مع حكومات عراقية مختلفة من بينها حكومة صدام حسين. أما شقيقه الآخر إبراهيم وعائلته فقد قضوا سبعة أشهر مختبئين.22




    الإعدامات الجماعية السريعة والدفن بمقابر جماعية غير ظاهرة
    أخبر سكان البصرة منظمة هيومن رايتس ووتش أن مئات من الرجال الذي تم اعتقالهم في أعقاب انتفاضة الصدر قد اختفوا دون أثر منذ ذلك الحين. وتتفاوت التقديرات بشأن عدد القتلى. فالحكومة لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأن الحملة. وتحوي قائمة الإعدامات التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش أسماء 120 شخصاً تم قتلهم؛ غير أنه من شبه المؤكد أن هناك عدداً أكبر من الأسماء ورد في صفحات أخرى لم تحصل عليها المنظمة. وقد علمت منظمة هيومن رايتس ووتش من جمعية البصرة للسجناء السياسيين، والتي أسسها سجناء سياسيون سابقون ومعارضون عقب سقوط صدام حسين، أن لدى الجمعية معلومات موثوقاً بها بشأن إعدام 220 شخصاً في الشهور الثلاثة التالية للانتفاضة. وقد أقامت الجمعية تقديرها في الأساس على وثائق قالت إنها قد حصلت عليها من مكاتب حكومية تعرضت للنهب؛ غير أن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من فحص أو تحقيق محتويات هذه الوثائق. بينما قدم القادة الدينيون، مثل سيد حيدر الحسن من مسجد الجمهورية، تقديراً إجمالياً لعدد الإعدامات بلغ 350 إعداماً.23


    وتشير أقوال شهود العيان، وشهادات أقارب الضحايا، والأدلة الوثائقية إلى أن أعضاء حزب البعث وقوات مديرية الأمن العام قد بدءوا في إعدام الأشخاص منذ الأيام الأولى التالية لقمع انتفاضة 1999.


    فعلى سبيل المثال، قال عبد الله، أحد من تم اعتقالهم مباشرة بعد الانتفاضة، لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "أخذنا أعضاء حزب البعث في سيارة إلى مقر الحزب على طريق الحكيمي. كان هناك أكثر من خمسين شخصاً. بعضهم أُطلق عليه الرصاص مباشرة هناك. وقد سمعت بنفسي طلقات الرصاص وصراخ الناس."24


    ولكن الظاهر أن معظم من تم إعدامهم قد جرى قتلهم بشكل جماعي ودفنهم في مقابر جماعية غير ظاهرة في المناطق المحيطة بالبصرة. فقائمة الإعدامات تظهر مثلاً أربع مجموعات منفصلة من الرجال الذين تم إعدامهم سوياً في الفترة بين 25 مارس/آذار و 8 مايو/آيار 1999.


    وقد قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلتين منفصلتين مع شاهدين قالا أنهما شهدا الإعدامات والدفن الجماعيين داخل البصرة وحولها في ربيع عام 1999. وكلتا الشهادتان تعززان صحة النمط المتواتر من إعدام المعتقلين في مجموعات ودفنهم بمقابر جماعية، وهو ما يتسق مع الحملة ضد انتفاضة الصدر.


    قال أحمد، وهو راعي غنم يبلغ من العمر 17 عاماً، لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إنه شاهد في عدة مناسبات في أواخر الربيع أو أوائل الصيف من عام 1999 أشخاصاً بملابس عسكرية يقومون بإحضار سجناء في سيارات نقل إلى منطقة الطوبة الواقعة على بعد ميل واحد من قاعدة غرب الشيبة الجوية (قاعدة عسكرية بريطانية في الوقت الحالي). ويقول أحمد إنه كان مختبئاً على تل قريب يبعد 300 أو 400 متر عن سيارات النقل. ويضيف إنه شاهد من هذا الموقع الملائم سجناء يتم رميهم رمياً في مجموعات من عشرة إلى خمسة عشر شخصاً من سيارات النقل إلى داخل حفر جرى حفرها في اليوم السباق. وكان هذا ما رآه بعد ذلك: قام ذوو الملابس العسكرية بإطلاق الرصاص على جميع السجناء ثم استخدموا الجرافات في ردم الحفر. ويضيف أحمد أنه رأى بعض السجناء يتم دفنهم أحياء.25 وعندما قام باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش بزيارة الموقع في أواسط مايو/آيار 2003 تمكنوا من رؤية عظام وما بدا أنه جمجمة بشرية على سطح الموقع، إضافة إلى قطع من الملابس. وقد كان الموقع مغطى بذخيرة مهملة، بما في ذلك قذائف المدفعية، وهو ما منع أعمال التنقيب غير المرخص في الموقع.





    الطوبة، إلى خارج البصرة، وهو الموقع الذي يقول شهود عيان بأنه قد شهد عددا هائلا من عمليات الإعدام والدفن في ربيع العام 1999. وكان باحثو هيومن رايتس ووتش قد قاموا بزيارة الموقع في أيار / مايو 2003 ووجدوا أدلة تشير ما يظهر على أنه بقايا عظام بشرية وملابس. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).




    الطوبة، إلى خارج البصرة، وهو الموقع الذي يقول شهود عيان بأنه قد شهد عددا هائلا من عمليات الإعدام والدفن في ربيع العام 1999. وكان باحثو هيومن رايتس ووتش قد قاموا بزيارة الموقع في أيار / مايو 2003 ووجدوا أدلة تشير ما يظهر على أنه بقايا عظام بشرية وملابس. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).


    أما ستّار، البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً والذي يعمل بتربية الماشية، فقد أخبر منظمة هيومن رايتس ووتش كيف شهد عملية إعدام مجموعة من السجناء في موقع آخر قرب طريق الناصرية القديم جنوب غربي البصرة:

    في أحد أيام ربيع 1999 شاهدت جرافة تقوم بحفر ثلاثة خنادق كبيرة في منطقة صحراوية بعيدة جنوب غربي البصرة حيث كنت أذهب مع قطيعي. لم أعِر الأمر اهتماماً كبيراً رغم غرابته. وفي الساعة التاسعة صباحاً من اليوم التالي وبينما كنت في المكان نفسه مع قطيعي شاهدت أربع حافلات وست سيارات تشبه سيارات حزب البعث وقد وصلت إلى الموقع. كنت مختبئاً على بعد 350 أو 400 متر من السيارات. شاهدت رجالاً بملابس عسكرية يترجلون من السيارات، ثم شاهدت سجناء وقد غميت أعينهم وقيدت أيديهم وراء ظهورهم يترجلون واحداً تلو الآخر من الحافلات. كانت سعة كل حافلة حوالي أربعين أو خمسين راكباً.


    لست متأكداً إن كانت الحافلات قد كانت ممتلئة عن آخرها لأن الستائر كانت تغطي نوافذها. وفي تقديري، دون أن أكون متأكداً، فقد كان في الحافلات حوالي 80 أو 100 سجين. بعد ذلك تم اقتياد السجناء إلى الخنادق في طابور حيث تم إنزالهم داخلها واحداً تلو الآخر. وعند هذه النقطة لم يعد باستطاعتي أن أشاهدهم. لست متأكداً ما إذا كان السجناء قد جلسوا أم ركعوا داخل الخنادق. وبعد لحظات بدأ الرجال من ذوي الزي العسكري في إطلاق النار عشوائياً على السجناء باستخدام رشاشات AK-47 و BKC. واستمر إطلاق النار بضع دقائق قبل أن تقوم جرافة بردم الخنادق بالتراب والرمال. وبعد أن انتهى الأمر غادر ذوو الزي العسكري المكان بسرعة. لم تستغرق العملية بكاملها أكثر من 45 دقيقة.26


    وعندما زار باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش الموقع وجدوه أيضاً مغطى بالذخيرة والمتفجرات غير المستعملة والتي علا أغلبها الصدأ. وقد أخبر ستار منظمة هيومن رايتس ووتش أنه شاهد سيارات نقل عسكرية تعود إلى الموقع بعد بضعة أسابيع من تنفيذ العمليات وتلقي فوق القبور المردومة حديثاً بكميات من الذخيرة. ثم قامت سيارات عسكرية بعدها بالتجول في أنحاء المنطقة، فيما بدا أنه محاولة لردع أو استكشاف محاولات نبش الموقع.


    أما أقوى الأدلة على صحة قائمة الإعدامات ودقة الشهادات بشأن الإعدامات والدفن الجماعيين لضحايا مذبحة 1999 فقد تمت إزاحة التراب عنه حرفياً عند نبش بقايا جثث من منطقة البرجسية الواقعة على مسافة 30 ميلاً جنوبي البصرة.27 وفي 11 مايو/آيار 2003 أخبر علي حسن، وهو راعي غنم يبلغ من العمر 20 عاماً، مارك سانتورا من صحيفة النيويورك تايمز أنه شاهد رجالاً أقلتهم سيارات نقل تابعة لحزب البعث إلى منطقة خالية في البرجسية، حيث تم حفر خندق عميق تم صف الرجال معصوبي الأعين أمامه قبل إطلاق الرصاص عليهم.28


    وقد تم أخذ 34 جثة جرى انتشالها من هذا الموقع في 7 مايو/آيار 2003 في البداية إلى ملعب لكرة القدم في البصرة، ثم إلى مسجد الجمهورية الواقع في أحد أحياء البصرة الفقيرة. وعندما زار باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش المسجد في 13 مايو/آيار 2003 كان من الظاهر أن بعض رفات لم تكن كاملة.







    البقايا البشرية والتي أحضرت إلى المسجد كانت في الغالب غير مكتملة. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).




    تسع وعشرون من أصل أربع وثلاثون مجموعة من البقايا البشرية تم التعرف عليها من قبل أقارب الضحايا. وقد ظهرت أسماء الـ 29 ضحية جميعا على قائمة الإعدامات. فيما كتب على هذا الكفن "مجهول الهوية". (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).


    وقال الأهالي إنهم قد تعرفوا على 29 جثة. كان من حسن حظ بضع العائلات أن وجدت رخصة قيادة أو بطاقة مدرسية أضافت اسماً إلى كومة من العظام والملابس. أما معظم الأسر فقد كانت أدلتها في التعرف على الجثث أضعف بكثير. فقد اعتمدوا على الملابس أو المجوهرات، أو حتى نوع السجائر المفضل.




    أفراد عائلات الضحايا وقد اعتصر الألم قلوبهم حزنا على موت أحبائهم بعد انتشال بقاياهم في الموقع الذي ارتكبت فيه المجزرة في حين اعتمد بعضهم على أشياء بسيطة في التعرف على هوية الضحية من مثل ساعة اليد والأحذية وحتى علب السجائر. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).


    يطلق أخصائيو الطب الشرعي على هذا النوع من تحديد الهوية اسم "التعرف الافتراضي"، نظراً إلى أن هذه الطائفة من المتعلقات الشخصية قد يتم تبادلها أو تغيير أماكنها. ولهذا فإن عملية التعرف هذه تتمتع بمصداقية أقل من وسائل "التعرف المؤكد" والتي تعتمد على مواصفات بيولوجية فريدة كالحامض النووي أو بصمات الأسنان والأصابع. ويمكن في حالة اتخاذ بعض الاحتياطات الأساسية تقليل فرص التعرف المخطئ، كأن يُطلب من أقارب الضحية أن يسجلوا ما كان قريبهم المختفي يرتديه من الملابس قبل أن يطلعوا على بقايا الجثة. ولم يتم اتخاذ أي من هذه الإجراءات في ظل الفوضى التي سادت نبش هذا الموقع في البصرة.


    وبرغم الظروف المحيطة بعملية الانتشال فإن أسماء أصحاب الجثث التسعة والعشرين التي تم التعرف على هويتها بشكل احتمالي والتي انتشلت من مقبرة البرجسية قد وردت بالفعل في قائمة الإعدامات. وبالرغم من أن هذا قد يبدو دليلاً على صحة القائمة فإن الأسلوب الذي اعتمده الأقارب في التعرف على هوية الجثث تفسح المجال أيضاً لاحتمال أن يكون بعض الأقارب قد أخطئوا في التعرف على البقايا لأن وجود الأسماء في القائمة ربما يكون قد أقنعهم بأنهم سيجدون أقاربهم المختفين في هذا الموقع.


    ويعتقد إبراهيم أنه قد تعرف على جثتي شقيقيه ضياء ومجيد في 10 مايو/آيار:

    تعرفنا على جثتيهما منذ أربعة أيام عندما أحضرها الناس إلى ملعب كرة القدم. إنهما هنا الآن، في المسجد. تعرفنا عليهما عن طريق ملابسهما. كان ضياء يرتدي تي شيرت تزينه مربعات بينما كان مجيد يرتدي قميصاً أزرق. وكان بعض الآخرين يحملون متعلقات شخصية سهلت علينا التعرف إلى هويتهم، كالخواتم والأسنان الذهبية وما إلى ذلك. كانوا جميعاً ممددين في المقبرة الجماعية فوق بعضهم البعض. كان يبدو أنهم قد عصبت أعينهم وقيدت أيديهم من الخلف قبل أن يقتلوا: فقد وجدنا حبالاً وقماشاً على أعين العديد من الجثث. كانت رؤوس الجميع، بمن فيهم ضياء ومجيد، بها ثقوب من طلقات الرصاص.


    بدأ الناس في الحفر واستخراج الجثث وأخبروا الآخرين بما عثروا عليه. إحدى الجثث كانت بطيّات ملابسها بطاقة هوية، وتم العثور على الاسم في قوائم الإعدام.29


    وفي مقابلة منفصلة قام عيسى، وهو شقيق آخر لضياء ومجيد يبلغ من العمر 41 عاماً، بتأكيد هذه الرواية.30 ويوجد اسما ضياء ومجيد في قائمة الإعدامات التي تحدد تاريخ إعدامهما في 25 مارس/آذار 1999.

    أما ناصر، الذي اعتقل أولاده الثلاثة في 1999، فإنه يعتقد أنه قد عثر على جثتي اثنين منهم: علي، البالغ من العمر 26 عاماً، وحسن، البالغ من العمر 24 عاماً. وتحمل قائمة الإعدامات اسميهما مع إشارة إلى تاريخ الإعدام في 8 مايو/آيار 1999.31 أما الابن الثالث محمد، البالغ من العمر 25 عاماً، فلا يزال مفقوداً، ولا يظهر اسمه في الصفحات التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش من قائمة الإعدامات.


    وفي 14 مايو/آيار 2003 تم نقل جميع بقايا الجثث إلى النجف لدفنها، بما فيها خمس جثث لم يتم التعرف على هويات أصحابها. وبدون فحص الطب الشرعي الملائم فإن هذه الجثث قد اصطحبت معها إلى القبر أية معلومات كان يمكن أن تقدمها بشأن هويات أصحابها أو طريقة موتهم.


    القبض التعسفي وإساءة معاملة عائلات المشتبه بهم
    بالإضافة إلى العدد الكبير من الشباب الذين تم إعدامهم، فإن الكثيرين من أقارب المشتبه في اشتراكهم في انتفاضة الصدر قد تعرضوا للسجن لشهور دون اتخاذ أية إجراءات قضائية بحقهم. وكانت القاعدة أن اعتقال فرد من العائلة يتبعه اعتقال بعض أو جميع أفراد نفس العائلة. فقد قال إبراهيم، الذي اعتقل شقيقاه مجيد (21 عاماً) وضياء (20 عاماً) ويبدو أنهما تعرضا للإعدام في 1991، لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "تم القبض على بقية أفراد الأسرة في 23 مارس/آذار، بمن فيهم شقيقي أحمد [47 عاماً] وزوجته وطفلاهما وأعمارهما سنتان وأربع سنوات، [و] شقيقتي [27 عاماً]".32


    وقد قال جميع المعتقلين الذين قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلات معهم أنهم قد تم نقلهم في البداية إلى مقار حزب البعث في البصرة، ثم إلى مبنى أو سجن تابع لمديرية الأمن العام. وقد قام أعضاء حزب البعث بالاستعراض الأولي للمعتقلين.


    وقد أخبر المعتقلون منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم قد احتجزوا في غرف شديدة الازدحام، وأنهم ــ على الأقل في حالة واحدة ــ قد تعرضوا للتعذيب الشديد. فقد روى حسين، أحد المعتقلين:

    أخذوني إلى مجمع مديرية الأمن العام ووضعوني في زنزانة ضيقة مع 20 أو 25 آخرين. كنا نستطيع الوقوف بصعوبة بالغة. تركونا هناك حتى منتصف الليل ثم بدءوا ما أطلقوا عليه التحقيق. أخذونا إلى الخارج في مجموعات من اثنين أو ثلاثة للتحقيق. وجهوا إلينا أسئلة عن الانتفاضة وعما إذا كانت لنا صلات مع إيران. ثم قاموا بتعذيبنا في محاولة للحصول على اعترافات. قاموا بسكب الماء الساخن علينا، أو صعقونا بالكهرباء في أجسادنا وأعضائنا التناسلية، أو لسعونا بأسياخ حديدية ساخنة إلى درجة الاحمرار. قضينا ستة أشهر في هذه الزنزانة، ثم أربعة أشهر بعدها في زنزانة أكبر. خلال الشهر الأول قاموا بتعذيبنا كل يوم. ثم أصبح التعذيب أقل ولكن بصفة منتظمة... مرة أو مرتين في الأسبوع.33


    وقد تم نقل بعض من رفضوا الإدلاء باعترافات إلى مديرية الأمن العام في بغداد. وكما شرح حسين: "قضيت عشرة شهور أخرى هناك. وبدلاً من التعذيب الجسدي بدءوا في استخدام التعذيب النفسي. فقد قضيت مثلاً أسبوعاً في غرفة مظلمة ذات سقف منخفض، ارتفاعه أقل من متر واحد. لم يكن يسمح لنا بمغادرة الغرفة على الإطلاق، حتى للذهاب إلى دورة المياه".34 وقد قام باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش بمعاينة عدة زنازين تتطابق مع وصف حسين في السجن الرئيسي لمديرية الأمن العام بالبصرة وكذلك في سجن أبو غريب في بغداد.




    باحثوا هيومن رايتس ووتش في داخل زنزانة احتجاز انفرادي فيما كان سابقا مديرة الأمن العام بالبصرة. (الحقوق محفوظة لـ هيومن رايتس ووتش).


    كما تم إلقاء القبض على بعض الأقارب والذين كانوا قد نجحوا في البداية في الهرب أو تفادي الاعتقال. وقد وصف لنا جواد كاظم علي واقعة اعتقاله:

    بعد خمسة وعشرين يوماً [من اعتقال مصطفى في 19 مارس/آذار 1999] جاءوا إلى منزلي وأخذوا عائلتي..زوجتي وولداي التوأم [المولودان في 1982]. هربت ابنتاي عند الجيران.كنت في العمل وقتها حين أخبرني الناس أن هناك مشاكل. عدت إلى المنزل في الثانية بعد الظهر ووجدت المنزل خالياً، والأبواب قد تم خلعها، والأسلاك تم قطعها، والأثاث كله مبعثر. قال لي الجيران "لقد اعتقلوا عائلتك". وقالوا إنهم لا يعرفون من اعتقلهم؛ ربما حزب البعث.35


    وقتها قلت لأقاربي سأذهب خلف أسرتي، ولكنهم منعوني. قالوا لي "ربما قاموا بإيذائك" فقلت لهم إنها عائلتي، ولم لم أستطع حمايتهم فعليّ أن أشاركهم مصيرهم. ذهبت إلى مقر حزب البعث لكنهم أخبروني أن عائلتي في مديرية الأمن. وعندما ذهبت إلى هناك قالوا يجب أن نعتقلك. قلت لهم "أنا مستعد" ولكنني توسلت إليهم أن يحتجزوني مع ولدي الصغيرين.. التوأم.36


    أما ناصر فقد تفادى الاعتقال لما يقرب من شهرين قبل أن يتم إلقاء القبض عليه هو أيضاً:

    تم إلقاء القبض علي في 17 يونيو/حزيران بسوق العشار على يد ضابطي أمن يرتدون ملابس رسمية. طلبوا مني بطاقة هويتي، ولما رفضت إعطاءها لهم قالوا لي لقد جئنا لاعتقالك لأن أولادك في السجن. كانوا يعلمون جيداً من أكون إذن.


    احتجزوني في مديرية الأمن في البصرة لمدة 8 أيام، في جناح الجنايات. وبعدها تم نقلي إلى سجن الإصلاح. وكانت أسرتي أيضاً هناك، حيث كانوا قد احتجزوهم لمدة شهر في سجن التسفيرات قبل نقلهم إلى الإصلاح. قضينا جميعاً ثلاثة أشهر بهذا السجن. كان النساء في غرفة مستقلة وعلمنا أنهن كن بخير. أما أولادي فلم يكونوا في ذلك السجن.37


    كانت ظروف الاحتجاز صعبة في السجون التي احتجز فيها أفراد عائلات المشتبه بهم. فقد أخبرنا إبراهيم قصة عائلة شقيقه أحمد:

    قضت العائلة سبعة أشهر [رهن الاعتقال] كان أولها في سجن التسفيرات. وفي شهر مايو/آيار تم نقلهم إلى إصلاحية تقع في مقابل مستشفى الجمهورية. كانت النساء محتجزات مع أطفالهن في زنزانة واحدة كبيرة بالتسفيرات. كانوا حوالي 70 سجينة وضعن في غرفة مساحتها 10 أمتار في 20 متراً. الكثير منهن وضعن مواليدهن في السجن. كانوا يأخذونهن إلى المستشفى لساعتين ثم يعيدونهن إلى السجن مع أطفالهم حديثي الولادة. كانت هناك دورة مياه واحدة في الزنزانة وكان النسوة يصطففن في طابور لاستعمالها.38


    كما قدم لنا جواد كاظم علي أيضاً وصفاً للأحوال داخل السجن:

    تم اقتيادي إلى المعقل، حيث سجن التسفيرات أمام محطة السكة الحديد في وسط البصرة. مكثت هناك لمدة شهر وثلاثة أيام، قبل أن ينقلونا جميعاً إلى السجن الرئيسي أمام مستشفى الجمهورية. وقتها أطلقوا سراح ولدي الأكبر باسم، ولكنهم نظراً إلى أن أحداً لم يكن بالمنزل أرسلوه إلى عائلته في السجن، حيث احتجزه أمن شط العرب.


    في سجن المعقل كنا سبعين أو ثمانين سجيناً في زنزانة مساحتها أربعة أمتار في ستة. كان في الزنزانة دورة مياه واحدة مفتوحة. لم يكن يسمح لنا بتلقي الرسائل أو استخدام المذياع أو استقبال الزيارات أو الطعام من خارج السجن. كانوا يعطون كل واحد منا رغيفي خبز بحجم الكف وحساء.. أنا أسميه حساء مجازاً لأنه كان في الواقع ماء جزر.


    كان هناك ثلاث غرف أخرى في السجن، وكانت تقريباً في الحجم نفسه وبداخلها نفس العدد من السجناء. كل من كانوا في الزنازين كانوا مرتبطين بعمليات الصدر. كان في السجن ما يقرب من ألف شخص. وكان النساء والأطفال أيضاً في غرفة واحدة بسجن المعقل.39


    حتى الأطفال والنساء الحوامل لم يجرِ إعفاؤهم من ظروف السجن القاسية. فحفيدة ناصر ــ ابنة ولده الأصغر ــ وُلدت داخل السجن. "وُلدت في السجن لأن أمها أيضاً كانت معنا. منحوها يوماً واحداً لتذهب إلى المستشفى لتضع حملها ثم أعادوها إلى السجن مع ابنتها الوليدة".40



    العقاب الجماعي: هدم المنازل والتشريد
    قامت الحكومة العراقية بشكل متكرر بهدم منازل من اشتبهت في اشتراكهم في انتفاضة الصدر. وقد وصف جميع المعتقلين الذين أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات هذا النوع من العقاب الجماعي. وقد زار باحثو المنظمة أربعة مواقع في البصرة لمنازل تم تدميرها عام 1999 عقاباً على الاشتراك المزعوم لقاطنيها في الانتفاضة: واحد في منطقة الشمشومية، واثنان في معقل، وواحد في التنومة. وقد تم تدمير هذه المنازل بالجرافات مباشرة بعد إلقاء القبض على العائلات المقيمة بها. وقد قال سيد حيدر الحسن، رجل الدين البارز بمسجد الجمهورية والزعيم المحلي، لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه بنهاية الأسبوع الأول بعد الانتفاضة كان أفراد إحدى وخمسين أسرة قد تعرضوا للاعتقال وتم هدم منازلهم.41


    وكما جرى مع بقية المشتبه فيهم، فقد قامت الحكومة بتدمير منزل عائلة ناصر كعقاب جماعي على الاشتباه في انخراطهم في الانتفاضة ضد الحكومة. وقد وصف ناصر ما حدث:

    في ظهر 12 إبريل/نيسان جاءوا إلى منزلنا وألقوا القبض على العائلة بكاملها. يومها استطعت أن أهرب، وفي اليوم التالي جاءوا وأزالوا المنزل بالجرافات. قاموا بتسويته بالأرض. وأنا بقيت بعيداً؛ ذهبت إلى العشار ومكثت عند أصدقائي ومعارفي. كنت أتنقل طوال الوقت. حاولت أن أحصل على معلومات بشأن أسرتي من الأقارب والأهل؛ ومن خلالهم علمت أن أسرتي في سجن التسفيرات.42


    وقد قام الجيران وجمعية البصرة للسجناء السياسيين بتزويد منظمة هيومن رايتس ووتش بمعلومات حول مصير بعض العائلات التي تم تدمير منازلها، مصنفة حسب المنطقة السكنية:


    الشمشومية:


    علي مكي، في حوالي الثلاثين من عمره، رجل دين، تم إعدامه في 1999. فقد شقيقه عينه نتيجة للتعذيب. ونزح باقي أفراد أسرته إلى منطقة أخرى بالبصرة القديمة بعد إطلاق سراحهم.


    ميثم كامل، 22 عاماً، طالب بكلية الهندسة بجامعة البصرة، تم إعدامه في 1999 بعد شهر من التعذيب. ترك ثمانية من أفراد عائلته البصرة.


    وسام كاظم علي، 22 عاماً، طالب في كلية الزراعة بجامعة البصرة، تم إعدامه في 8 مارس/آذار 1999 على يد ضباط مديرية الأمن العام. قضى كل من والديه وجميع أشقائه وشقيقاته الستة وجدّته عاماً ونصف العام في السجن.


    فراس مهدي هاشم، 23 عاماً، طالب بالمدرسة الإعدادية الصناعية في البصرة، تم إعدامه في 19 إبريل/نيسان 1999. قضى 13 فرداً من عائلته عاماً ونصف العام في السجن.


    معقل:


    محمد على حامد الموسوي، 57 عاماً، وأولاده الثلاثة أسامة، 27 عاماً، وفراس، 25 عاماً، وأزهر، 22 عاماً، تم إعدامهم جميعاً في 1999. ألقي القبض على زوجته في 1999. أما شقيقاها أحمد إسماعيل، 25 عاماً، ومعوض إسماعيل، 27 عاماُ، فقد تم إعدامهما أيضاً بعد أن قضيا عاماً وشهرين في السجن.


    مرتضى عبد الله العدني، 28 عاماً، عامل، تم إعدامه في 8 مايو/آيار 1999. تم اعتقال 18 فرداً من عائلته، بمن فيهم زوجته وطفلاه. نزحوا إلى الكوفة بعد إطلاق سراحهم. قضت والدته عاماً وشهرين في السجن.


    التنومة


    مصطفى، ابن جواد كاظم علي، تم قتله في 8 مايو/آيار 1999 وتم تجريف منزل العائلة. انتقلت العائلة في البداية للإقامة مع أحد الأقارب ثم استأجروا منزلاً قريباً.


    هناك صور أخرى للعقاب الجماعي كحرمان أفراد العائلة من أغلب أنواع التوظيف الرسمي. وكانت حالة جواد كاظم علي مثالاً على ذلك:

    عندما كنت في السجن فقدت وظيفتي كمدرس. ثم تمت إعادة تعييني كموظف بوزارة التعليم؛ غير أنني منعت من التدريس. كان راتبي 3000 دينار [في الشهر] ــ كان لا شيء. لم أستطع تحمل نفقات أي شيء. ولذلك بحثت عن عمل كنجار. لقد صنعت أثاثاً بيديّ. إنها مهنة شريفة، وقد علمت باسم [ولدي] مهنة النجارة أيضاً. علمته أننا أصحاب كرامة، وأننا نستطيع العمل بأيدينا. لم نضطر إلى التسول. سبق لي أيضاً أن عملت كسائق تاكسي. ولكنني لم أتمكن من الحصول على وظيفة مرة أخرى. كان ذلك ممنوعاً.43


    أما ناصر، والذي كان قد سبق له العمل كمدرس للرياضة البدنية، فقد خسر عمله أيضاً.

    كنت مدرساً للرياضة البدنية. كنت وقتها لاعب كرة قدم شهير. لا تنظروا إليّ الآن؛ كل أهل البصرة كانوا يعرفونني. حتى أننا لعبت ضمن فريقنا القومي، ضد إنجلترا، ضد إيران، ضد روسيا، في السبعينات. عندما خرجنا من السجن لم أستطع أن أعمل. لم يتركوني أعمل. كنا في منتهى الفقر. فقال بعض الناس الذين يعرفون أناساً في الحكومة لهم "ماذا يمكن أن يفعل هذا الرجل؟ اتركوه يحصل على وظيفة". وهكذا حصلت على وظيفة تسليم كوبونات برنامج النفط مقابل الغذاء. كان لي مجرد كشك صغير، بحجم شخص واحد؛ بعت فيه الكوبونات وأشياء أخرى. وبهذا استطعت الحصول على المال من أجل أسرتي وأسر أبنائي. والآن أتمنى أن أعمل من جديد، ربما في التدريس، ولكنني أصبحت عجوزاً.44




    --------------------------------------------------------------------------------

    [16] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حسين/ 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [17] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [18] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [19] السابق.

    [20] السابق.

    [21] السابق.

    [22] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع محمود، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [23] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع سيد حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

    [24] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع عبد الله، 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [25] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع أحمد، 14 مايو/آيار 2003، البصرة، الطوبة، شركة الأنفال.

    [26] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ستار، 25 إبريل/نيسان 2003، البصرة، الزبير.

    [27] تشير البيانات المعاصرة للأحداث والصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي إلى منطقة البرجسية كموقع للإعدامات والدفن الجماعيين. انظر "المعارضة العراقية تعلن اكتشاف مقابر جماعية في الصحراء"، وكالة الأسوشيتد برس، 27 سبتمبر/أيلول 1999 حيث توجد إشارة إلى بيان صحفي صادر عن الحزب الشيوعي العراقي.

    [28] مارك سانتورا "اكتشاف مقبرة جماعية قرب البصرة"، صحيفة النيويورك تايمز، 11 مايو/آيار 2003.

    [29] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع إبراهيم، 14 مايو/آيار 2003، البصرة، مسجد الجمهورية.

    [30] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع عيسى، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة. اسما ضياء ومجيد غير حقيقيان. أما اسماهما الحقيقيان فيوجدان في قائمة الإعدامات المنشورة بملحق هذا القرير.

    [31] علي وحسن اسمان غير حقيقيان. أما اسماهما الحقيقيان فيوجدان في قائمة الإعدامات المنشورة بملحق هذا القرير.

    [32] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [33] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حسين، 9 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [34] السابق.

    [35] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [36] السابق

    [37] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 7 مايو/آيار 2003.

    [38] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع إبراهيم، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [39] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [40] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 7 مايو/آيار 2003، البصرة.

    [41] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع حيدر الحسن، 13 مايو/آيار 2003، البصرةـ مسجد الجمهورية.

    [42] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش مع ناصر، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [43] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.

    [44] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 10 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  5. #5

    افتراضي

    V. الحاجة إلى المحاسبة وتحقيق العدالة

    بعد جنازة ولده، وصف جواد كاظم علي صراعه بين الرغبة في الأخذ بالثأر وبين انتظار نظام لتحقيق العدالة.

    حتى أنا أصبحت الآن أملك سلاحاً مثل الجميع. ولكنني أخفيته ولم أخبر عائلتي بوجوده. فلو علموا أنني أملك هذا المسدس لأخذوه مني ليقتلوا به أعضاء حزب البعث الذين كانوا يعيشون هنا. فهم يعلمون أنهم المسئولون عن موت مصطفى. ولدي [باسم] سيقتلهم؛ ولكن ماذا بعد؟ سيلقى القبض عليه هو الآخر؟ ليس هذا هو الطريق. إننا في انتظار أن يقبض الإنجليز على هؤلاء. لماذا لا يلقون القبض عليهم؟ الجميع يعرف من هم. ولكنني أخشى أنهم لو لم يتم إلقاء القبض عليهم، أو ظلوا هنا ، أو ـ لا قدر الله ـ لو وصلوا إلى السلطة من جديد، فإننا لن نستطيع منع العائلات من مهاجمتهم. حتى أنا يصعب علي ضبط نفسي. لقد عشت حتى دفنت ولدي...إنني أطلب العدل.45


    قد يساعد نظام قضائي قائم على الشفافية والإنصاف على إرساء أسس لاحترام حكم القانون في العراق. لقد أظهر استطلاع لآراء سكان ثلاث مدن عراقية كبرى في جنوب العراق تم إجراؤه بعد شهرين من سقوط صدام حسين أن الأغلبية الساحقة ــ 98 في المائة ــ يتطلعون إلى تحقيق العدالة والمحاسبة. ولكن ما يقرب من نصف هذه المجموعة قالت إنها تريد تطبيق مبدأ "العين بالعين". فقد اعتبر 15 بالمائة منهم مثلاً أن الإعدام والتعذيب والتعليق والقتل أخذاً بالثأر تعد وسائل ملائمة لتحقيق العدالة.46 إن مفاهيم الثأر هذه تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشكل تحدياً جسيماً أمام إقامة آلية عادلة وذات مصداقية للمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان في العراق.


    التوصيات

    إلى الحكومة العراقية الانتقالية


    ضمان إجراء تحقيق شامل ونزيه في حملة النظام السابق ضد المسلمين الشيعة بمنطقة البصرة عام 1999، والتي تضمنت تنفيذ إعدامات سريعة، ووقائع اختفاء قسري وقبض تعسفي وتعذيب، في أعقاب الانتفاضة التي تلت اغتيال آية الله العظمى محمد صادق الصدر ("انتفاضة الصدر")، بما يشمل:


    دور علي حسن المجيد، والذي كان يشغل وقتها منصب قائد القطاع الجنوبي؛


    دور مهدي الدليمي، ضابط الجيش الذي تشير المعلومات إلى كونه تولى إدارة مديرية الأمن العام في البصرة في ذلك الوقت؛


    دور قيادة وأعضاء حزب البعث في البصرة وأم المعارك.



    ضمان مثول المسئولين الرئيسيين عن الفظائع أمام محكمة عادلة وفعالة ومستقلة سياسياً. وسيكون أفضل الطرق لتحقيق ذلك هو أن يقوم العراق والأمم المتحدة بإقامة محكمة وطنية/دولية مختلطة تقوم بتطبيق معايير المحاكمة المنصفة المتعارف عليها دولياً، وتستفيد من الخبرات الدولية في مجال تحقيق ومقاضاة جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وعلى الأقل فإن من الضروري إدخال الإصلاحات التالية على نظام المحكمة العراقية الخاصة:


    على الحكومة العراقية الانتقالية أن تراجع قانون المحكمة وعلى قواعد الإجراءات والأدلة الخاصة بالمحكمة أن تضمن الحماية الأساسية لمعايير المحاكمة المنصفة. ويجب إنشاء آلية للتأكد من إنفاذ هذه الحماية في الممارسة العملية؛


    على الحكومة العراقية الانتقالية إلغاء عقوبة الإعدام، بوصفها عقوبة قاسية وغير إنسانية بطبيعتها؛


    على الحكومة العراقية الانتقالية تفعيل الإمكانية المنصوص عليها في قانون المحكمة العراقية الأساسية لتعيين قضاة غير عراقيين من ذوي الخبرة في محاكمة المتهمين بالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية؛ على أن يكونوا من المشهود لهم بالمكانة الأخلاقية العالية والحياد والمصداقية. ويجب أن يتم ترشيح هؤلاء القضاة عن طريق الأمم المتحدة؛


    يجب تعديل القانون ليسمح بتعيين مدعين وقضاة تحقيق غير عراقيين في المحكمة من ذوي الخبرة في مقاضاة و/أو التحقيق في جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية؛ على أن يكونوا من المشهود لهم بالمكانة الأخلاقية العالية والحياد والمصداقية. ويجب أن يتم ترشيح هؤلاء المدعين وقضاة التحقيق عن طريق الأمم المتحدة؛


    على الحكومة العراقية الانتقالية ومن يخلفها ضمان تمتّع المحكمة العراقية الخاصة بالاستقلالية عن النفوذ السياسي.



    إنشاء لجنة للمفقودين تستعين في البداية بالخبرات والإدارة الدولية إلى جانب مثيلتها العراقية. وعلى اللجنة أن تنشئ نظاماً لحماية وحفظ المقابر الجماعية، وأن تضع بروتوكولات تنظم نبش مواقع الدفن، وأن تحدد وتشرف على أولويات نبش هذه المواقع بما يحقق التوازن بين احتياج العائلات إلى التعرف على هوية الضحايا وبين الحاجة إلى الأدلة الضرورية للإجراءات الجنائية المتخذة ضد الجناة المحتملين.



    تعيين هيئة من الخبراء العراقيين والدوليين لاقتراح معايير ونماذج ناجحة للتعامل مع الوثائق المصادرة من النظام السابق، بما يتضمن تحقيق الأغراض التالية: 1) تحديد تسلسل حيازة الوثائق بهدف التأكد من صحتها؛ 2) تسهيل حفظ وفهرسة الوثائق بطريقة تستجيب إلى كل من الحاجة إلى الأدلة الضرورية للمحاكمات الجنائية لكبار المسئولين السابقين، والحاجات الإنسانية لأسر ضحايا النظام السابق لمعرفة مصير أحبائهم المفقودين؛ 3)العمل مع المنظمات غير الحكومية والأحزاب العراقية لتضمن بقدر الإمكان استعادة الأرشيف الوطني للنسخ الأصلية من وثائق الدولة الواقعة في حيازة هذه المؤسسات والأحزاب الآن.


    إلى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الحكومات الأعضاء في التحالف


    ضمان اطلاع مسئولي المحكمة العراقية الخاصة والمحاكم الجنائية العراقية على كافة الوثائق التي تمت مصادرتها لتحديد ما إذا كانت تضم أدلة يمكن استخدامها في التحقيقات والمحاكمات الجنائية.


    إلى الجهات الدولية المانحة


    ضمان توافر الموارد اللازمة للاستجابة إلى أولويات حماية الأدلة الوثائقية والشرعية الأساسية، بما يشمل أغراض التوثيق، والأغراض الإنسانية، وأغراض الوقوف على الحقيقة بشكل مستقل عن أية محاكمات للجرائم الجسيمة السابقة.
















    --------------------------------------------------------------------------------

    [45] مقابلة منظمة هيومن رايتس ووتش، 8 مايو/آيار 2003، البصرة، منطقة تنومة

    [46] منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، "جنوب العراق: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان والآراء بشأن العدالة وإعادة الإعمار والحكم"، 18 سبتمبر/أيلول 2003، ص 6-7.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  6. #6

    افتراضي







    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

  7. #7

    افتراضي

    كلمة شكر

    قام بكتابة هذا التقرير كل من أوليفييه بيركولت، المستشار القانوني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، وألكساندر بيتروف، نائب مدير مكتب موسكو بمنظمة هيومن رايتس ووتش، وسامان زياــ زريفي، نائب مدير قسم آسيا بالمنظمة، بناء على تحقيقات أجريت في البصرة بين 19 إبريل/نيسان و 17 مايو/آيار 2003. وقام كل من جو ستورك مدير بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمكتب واشنطن، وويدني براون، نائبة مدير البرامج بتحرير هذا التقرير. وقامت جنيفر تراهان بمراجعة التقرير نيابة عن برنامج العدالة الدولية. وأعدت التقرير للنشر ليلى هول. وقام ميكا ويليامز بتقديم المساعدة البحثية.


    وتتوجه منظمة هيومن رايتس ووتش بخالص الشكر للكثير من أسر ضحايا مذابح 1999 على ضيافتهم الرائعة ومساعدتهم القيمة لنا حتى وهم يغالبون شعورهم العارم بالألم والفقدان. كما ننوه بامتنان بالمساعدة التي قدمها لنا كل من إيريك ستوفر من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وزملاؤنا في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وبوجه خاص بيل هوجلاند وسيدني كويرم في البصرة وسوزانا سيركين في بوسطن.


    وأخيراً فإننا نتوجه بالشكر إلى المؤسسات التالية: The Rockefeller Brothers Fund, Stichting Vluchteling, ACT Netherlands, J.M. Kaplan Fund, Oak Foundation, the Ruth McLean Bowers Foundation، والكثيرين من الأفراد الذين قدموا دعماً مالياً لصندوق طوارئ العراق بمنظمة هيومن رايتس ووتش.
    [align=center] اللهم أيدنا بنصرك
    [/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني