النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    قلب كل معذب
    المشاركات
    1,093

    Cool الشرقية والاستيطان الوهابي

    السلام عليكم

    [align=center]طائفية التوظيف[/align]

    لقد شعرت الحكومة السعودية بان الشيعة وخلال السنوات 1975ـ 1984 قد انتعشوا وتطوروا، وصارت لهم الجرأة والتحدي..كما بدأت تتشكل قواهم الذاتية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية.وان أمراً كهذا ـ بنظر الحكومة ـ يخرج الشيعة من قبضتها وتطويعها وضبطها، فارتدت إلى سياسة الملك فيصل ـ المعروف بمغالاته الطائفية ـ والتي كانت رغم تبدل الاوضاع السياسية والفكرية في العالم من أسوأ الفترات، لا يعادلها في السوء إلاّ العهد الحالي الذي طور سياسات فيصل ووسعها وأعطاها الدفع بهدف ارجاع الشيعة إلى حجمهم السابق، لينطووا على أنفسهم وينعزلوا عن مجرى الحياة العامة للمملكة.
    في مجال التوظيف ـ مثلا ـ فقد اصبح عدم توظيف الشيعة في المؤسسات الأمنية والعسكرية أمراً مسلماً به لا نقاش فيه ولا جدل..ولربما قيل أن الشيعة لا يحبون العمل في مؤسسات تورطهم في ممارسات قمعية تتعارض مع الشرع الكريم، كما هو الحال بالنسبة لأجهزة الأمن، وهذا إلى حد ما صحيح.
    غير أن إصدار قرار رسمي بذلك من الحكومة له معنى طائفي فاقع..ومن الصحيح أن هناك الكثيرين الذين يتوقون للانخراط في الخدمة العسكرية وغيرها من اجل حماية الوطن، وقد برهنت احداث الغزو العراقي للكويت في إغسطس 1990 على ذلك.
    غير أن مجموعات قليلة انخرطت في العمل العسكري شكلياً، حيث ادمجوا ضمن اقسام الصيانة، واستطاع افراد يعدّون على الاصابع من النفوذ، ولكنهم أقيلوا وطردوا من الخدمة، والقليل منهم أحيل على التقاعد، وقد تم طرد العسكريين الشيعة بين السنوات 1983ــ 1985..وحتى اولئك الذين يعملون في أقسام الصيانة في القاعدة العسكرية بالظهران والذين كان عددهم يقارب الأربعمائمة شخص، طرد الكثير منهم وتعرض الباقون للمضايقة، حيث سحبت جوازات سفرهم في ذي القعدة 1406هـ، ثم ختمت بالمنع من السفر، وأجبر العديد منهم على العمل في أعمال مهينة مخالفة للقانون العسكري، كتنظيف المراحيض والحمامات، وغسل سيارات رؤساء الاقسام.
    وفي نفس شهر ذي القعدة أصدر وزير الدفاع الأمير سلطان بمنع الشيعة من مغادرة أقسام العمل، وتم استجواب العاملين في القاعدة حول ميولهم الدينية والسياسية ونشاطاتهم الاجتماعية وأسفارهم السابقة للخارج، وغير ذلك..كما ألزموا بالاستماع للمحاضرات الطائفية التي تهين معتقداتهم وتتعرض لهم بالتجريح، وايضا منعوا من الإتصال بالجنود الباكستانيين الذين استقدمتهم الحكومة، خاصة الشيعة منهم والعاملين في نفس الحقل وفي نفس المكان بحجج أمنية واهية..هذا عدا الإهانات اليومية المتكررة.
    قد تطغى الحجج الأمنية في قضية إنخراط الشيعة في المجال العسكري ليصبحوا جنوداً أو ضباطاً أو حتى مخبرين..لكن هنالك عشرات المناصب المدنية والتي لا علاقة لها بالأمن [1]لا يمكن للشيعة الوصول إليها، فالمعروف أن إمارات المناطق الكبرى كلها بيد أمراء من الأسرة المالكة أو أصهارهم، وضمن النظام أو العرف يجري تعيين أمراء صغار في كل مدينة وقرية يتبعون أمير المقاطعة، ويفترض كما في مناطق البلاد الأخرى أن يعين هؤلاء من أهل البلاد نفسها، وهذا لا ينطبق على المدن والقرى الشيعية..إذ لا بد أن يأتوا لها بأمير من خارجها يمثل التوجه المذهبي الحكومي..وهؤلاء وبسبب طائفية السلطة يأتون مشبعين بالحقد على الأهالي، فيجرون صنوف التعديات في كل أمر يرون أنه يدخل ضمن صلاحياتهم...فضلاً عن أنهم لايفهمون هذه القرى والمدن وسكانها ولا طبائعهم وخصوصياتهم، وفي كثير من الأحيان ينخرطون في ممارسات طائفية صريحة.
    خذ مثالاً على ذلك، الأمير محمد الشريف، أمير القطيف.. فقد طبع على نفقته و "لوجه الله تعالى!! " كتاب الوهابي المتطرف ابراهيم الجبهان" تبديد الظلام وتنبيه النيام، إلى خطر الشيعة والتشيع على المسلمين والإسلام "..والكتاب لا يتعرض لعقائد الشيعة بالافتراء، ويشتم علماء القطيف والاحساء فحسب، حتى اولئك الذين ماتوا قبل نصف قرن، وهم يدعون في كتبهم ومؤلفاتهم إلى الوحدة بين المسلين..بل يصفهم في مئات من المواقع في الكتاب بانهم " كلاب وخنازير وكفار ويهود، وانهم يتزوجون امهاتهم، وان لهم أذناباً كالحيوانات "، إضافة إلى الكم الهائل من التحريض للشعب وللحكومة على الشيعة، وقد تولت إمارت القطيف توزيع هذا الكتاب وكتاب آخر على المراجعين الشيعة !.
    أن السّنة المعتادة هي أن لا يصل المواطن الشيعي إلى منصب الوزارة ولا إلى وكالة الوزارة أو أن يصبح مديراً عاماً لها، بل لا يمكنه أن يصبح مديراً لبلدية قرية شيعية، وحتى إلى ما دون ذلك أيضاً...لقد استثني الشيعة من كل المناصب إلاّ تلك التي في مستوى أعمال الكتبة الصغار في الخدمة البيروقراطية [2]..وقد يردد البعض مبررات ذلك، بانه طلما أن الدولة وهابية المذهب، فإن من حقها ـ وفق حكم الأغلبية ـ أن تضع من تريده في المناصب العليا والسفلى..ويجب هنا الالتفات إلى حقيقة أن تمذهب السلطة يعطي الأقلية المذهبية في أي بلد الحق في أن تطالب بحصتها في الحكم، وان يكون لها مملثون في مؤسسات الدولة بحجم نسبتهم من السكان..او يتم إلغاء التمييز وينظر إلى الكفاءة والخبرة، وحينها سيكسر الطوق المفروض على المواطنين الشيعة والذي يحجزهم عن الوصول إلى المناصب المهمة.
    ويشمل التمييز كل مجالات الحياة العامة...ففي الحقل الدبلوماسي، لا يمكن للمواطن الشيعي أن يصبح سفيراً أو قنصلاً أو حتى ملحقاً لسفارة من السفارات السعودية، ولم يبلغ علمنا أن هناك إمكانية بأن يعمل كموظف عادي في إحدى سفارات البلاد العديدة.
    في المجال الصحافي، هناك صعوبات وعراقيل عديدة توضع أمام الكتاب والصحافيين الشيعة، حتى أنه لم يعد هناك سوى صحافي شيعي بارز واحد، فيما انعزلت أعداد غفيرة منهم بسبب نظرات الريبة والشك والقيود المتنوعة، وحتى الان لا يحق للشيعي أن يصبح رئيساً للتحرير، ولا يمكن له أن يحصل على إمتياز إصدار صحيفة أو جريدة..وحدث إبان صراع الملك سعود وفيصل أن أصبح احد المواطنين الشيعة رئيساً لتحرير صحيفة اسبوعية، وقد صدر منها بضعة أعداد ثم أغلقت واعتقل رئيس التحرير لبضع سنوات..وقبل هذا تقدم احد شباب القطيف المثقفين عام 1953 بطلب إصدار صحيفة في القطيف بإسم " الجزيرة " ولكن الملك سعود شخصياً رفض الطلب، بحجة أن اسمه في القائمة السوادء !.
    وطوال عهد فيصل وجزء من عهد الملك خالد، لم يكن يسمح للفتاة الشيعية بالتدريس، وحين كسر الحاجز قبل بضعة سنوات، لم يكن الكسر إلاّ جزئياً محدوداً..فحتى الان لا يمكن للفتاة الشيعية تدريس المادة الدينية شأنها شأن المدرس الشيعي، بل لا يمكنهما التسجيل في كلية الشريعة في اية جامعة سعودية، وان كان الشيعة انفسهم قلّما يحبون الانخراط في هذه الكليات، ومن الصعب جدا في هذا الوقت أن يصبح احد المواطنين الشيعة في الاحساء مديراً لمدرسة، أو وكيلاً لها، أو أن تخترق الفتيات معهد تربية المعلمات وغيره.
    أن التدريس ـ وهي إحدى مهنتين يسمح للمرأة السعودية بالإنخراط فيهما ـ " حرمت المرأة الشيعية منها بأمر السلطات، وهذا التفريق جعل الشيعة يدركون ـ بحسب قول احد الأجانب ـ بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ,ولهذا حرموا من المساواة الاجتماعية وتساوي الفرص الاقتصادية ".
    "إن هذا الحرمان تعززه الحقيقة أنه في السنوات الأخيرة الخمس من عهد الملك فيصل، لم يزر الأخير الاحساء ولو لمرة واحدة، والشيعة ليس فقط شعروا بأن أي شيء لم يفعل للتغلب على التمييز ضدهم، ولكن أيضاً، أن أي جهد لم يبذل لدمجهم في المجتمع "[3].
    ومهنة الطب هي الأخرى شبه مسدودة أمام الفتيات والفتيان الشيعة..ذلك أن المسؤولين في جهازي تعليم البنات والمعارف، اكتشفوا تفوق الطلبة الشيعة ليس على مستوى المنطقة الشرقية، بل وعلى مستوى المملكة، فغاظهم ذلك، وأساؤوا فهم السبب الذي نرى أنه يعود إلى حالة التحدي في التجمع الشيعي المرفوض من قبل أجهزة السلطة..وبناء على هذا التفوق، إنخرط العديد من المواطنين الشيعة في كليات الطب التي تتطلب معدلات عالية..وهنا مرة أخرى إتخذت قرارات بأن يقلص عدد الشيعة المتقدمين لكليات الطب من الفتيان والفتيات الشيعة إلى أقل عدد ممكن..فأحيانا يقبل المسؤولون خمسة أو ستة أفراد، وفي بعض الأحيان لا يقبلون أحداً بتاتاً، مهما كان معدل المتقدم أو المتقدمة من الدرجات، بل وصل الأمر في السنوات الأخيرة أن فصل العديد من الفتيات والفتيان بحجة أن معدلاتهم الدراسية ضعيفة، وهي ليست كذلك...وأضاعوا على الطلبة ثلاث أو أربع سنوات من الدراسة مجاناً، وإرضاء لأحقاد طائفية لا تضر بالشيعة كأفراد فحسب، بل تضر بشعب المملكة في عمومه، والذي يعتمد بشكل كبير على الأطباء الأجانب.
    وعلى سبيل المثال، رفضت كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام قبول أي طالب شيعي عام 1988، وبعد لأي ونقاش ووساطات قبل ثلاث طلاب فقط من أصل 94 متقدم يحمل معدلاً عالياً..وكذلك فعلت جامعة الملك سعود بالرياض التي قامت بتحويل من تقدم إليها إلى كلية الصيدلة..وحتى المتقدمون للمعهد الصحي تجرى محاولات لـ "نخلهم!" وتقام لهم جلسات التحقيق، عن آرائهم السياسية في الحكومة وفي مذهبها الرسمي، ويسأل المتقدمون عن قصص التاريخ التي إختلف الشيعة في تفسيرها مع غيرهم الخ.
    وقد توسع المسؤولون الحكوميون في هذه الممارسات حتى في الدراسات غير المهمة، ومثال ذلك ما قام به معهد البريد في الدمام، الذي رفض معظم الطلبات التي تقدم بها ابناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية.

    [align=center]طائفية أرامكو[/align]

    لم يكن امام شركة ارامكو والحكومة السعودية من خيار في توظيفها الشيعة في بداية تأسيس المنشآت النفطية، فقد كانت الشركة بحاجة إلى الأيدي العاملة الرخيصة، وكانت معظم القبائل البدوية لم تستوطن بعد وهي لا ترغب في مثل هذا النوع من الأعمال، فأصبح الشيعة منذ ذلك الحين يمثلون أكبر نسبة من العمالة الوطنية في حقول النفط.
    ولم يأت الأميركيون بأفواجهم الكبيرة بعد اكتشاف النفط في مارس 1938وبدء تصديره في مايو 1938، إلاّ بعد أن شيد الشيعة أساس العمل، إضافة إلى أسرى الحرب الإيطاليين الذين بنوا اول معسكر للنفط في الظهران ,وكذلك الهنود والعراقيين الذين هيأوا المباني المكيفة والمحصنة ضد الذباب والحشرات الأخرى [4].
    وقد استحوذ الأميركيون على كل الامتيازات، فلهم أحياؤهم الخاصة التي هي قطعة من الولايات المتحدة، لها نظامها الخاص، وأمنها الخاص..ويمارس الأميركيون كل ما أعتادوا عليه في بلادهم. ان ارامكو ليست شركة، وإنما هي دولة داخل الدولة..فلها صحافتها بالعربية والانجليزية، ولها محطة تلفزيونية خاصة باللغة الإنجليزية، وصلت برامجها للمواطن السعودي قبل المحطة الرسمية من الرياض !، كما لارامكو برامج إذاعية تبث أنغامها على موجات الـ "F.M"، ولها دور السينما المحرمة في كل المملكة حتى اليوم، يصلها آخر انتاج هوليود، إضافة إلى مراكز الترفيه العديدة "برك سباحة مختلطة، ملاعب غولف، تنس ارضي، وغيرها " وأصبح لأرامكو فوق هذا آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي ملكتها إياها الدولة، ولها مطاراتها وطائراتها الخاصة..كما انها تقوم مقام الدولة في بناء المدارس والإشراف على صيانتها، وإنشاء المستشفيات والمعاهد ومراكز البحث..كل هذا يضاف إلى تدخلاتها السياسية، بما يثبت أن ارامكو كانت ولا تزال ـ رغم إدعاء تملكها من قبل الحكومة السعودية ـ انها دولة وليست شركة.
    وكان الموظفون السعوديون ولا زالوا مسخرين لخدمة الأميركي تقريباً..فإضافة إلى الأعمال الشاقة، كانوا " خدماً" في البيوت "هاوس بوي " ويرعون الحدائق وينظفون المرافق.. وقد وصف احد مسؤولي الشركة هذه المعاملة بانها معاملة بالوسائل المستنيرة!.
    وامتيازات الأميركيين لا تقف عند حد، فرواتبهم ضخمة لا يتحدثون عنها ولا عن شهاداتهم التي لا تدل على مستوى رفيع، ولا عن وظائفهم السابقة لأنهم بشكل أو بآخر إما جواسيس للمخابرات الاميركية أو من مخلفات حروب التورط الأميركي في مكان ما من العالم..ذلك أن الأولوية تعطى لهؤلاء للعمل في السعودية، ويتمتع الأميركي بسكن مريح ومجاني للعزاب والمتزوجين، ويتلقون العلاج مجاني، وبدل قساوة المعيشة "لأنهم يعملون في السعودية !"تصل إلى ربع الراتب، وإجازات سفرهم السنوية ثلاث مدفوعة الأجر والتذاكر، وهم الوحيدون المسموح لهم باستقدام زوجاتهم وأسكانهم مجاناً [5].
    وبمرور الزمن أضيف للتعالي والإمتهان الأميركيين للعمالة الوطنية صفة التمييز الطائفي، خاصة بعد إضراب عام 1945..حيث شعر رؤساء أرامكو ومخابراتها بخطر الشيعة بعد تجارب مماثلة في العراق والبحرين..وتسارع حثّ ارامكو والحكومة للمواطنين الآخرين ـ خاصة في نجد ـ للقدوم والعمل في المنطقة الشرقية، تحسباً للمستقبل، وللرهان بهم في الظروف الطارئة حيث استخدمت ارامكو فيما بعد السنّة ضد الشيعة..وبسرعة البرق ظهرت المدن الجديدة "الخبر والدمام وابقيق وغيرها "لتصبح الدمام عاصمة للمنطقة الشرقية بدل الهفوف، ولتصبح القطيف مدينة ثانوية، بعد أن نقلت منها مؤسسات الدولة، وبعد أن حرمت من كل المشاريع التطويرية [6].
    ومع أن الشيعة كانوا يشكلون أغلبية العمال، فقد منعتهم الشركة من ممارسة شعائرهم الدينية، وكان من الأمور المحظورة الغياب في المناسبات الشيعية، بينما يعطون فرصة الغياب في المناسبات المسيحية كأعياد الميلاد ورأس السنة [7].
    تعاظم إحساس ارامكو والحكومة على حدّ سواء بخطر الموظفين الشيعة، بعد الاضرابات السياسية التي عمتّ المنطقة في الخمسينيات والستينيات كما في الاربعينيات...هذا الإحساس رافقه إعتراف صريح بأن الموظفين الشيعة أكثر إخلاصاً وإتقاناً لعملهم..وقد جربت الحكومة في الفترة الوجيزة الماضية نقل الشيعة عن مواقعهم, فثبت لديها انها ستكون محتاجة على الدوام للايدي الشيعية الماهرة لإدارة العمل.
    ومنذ عام 1985تحركت ارامكو ـ التي اصبحت سعودية بالكامل كما يقال !ـ ضمن خطوات محدّدة لتقليص دور الشيعة في مناطق عملها، فأحالت على التقاعد في مطلع عام 1985، عشرين بالمائة من موظفيها الذين بلغت أعمارهم الستين عاماً على التقاعد..وهذا القرار يتأثر به الشيعة أكثر من غيرهم..ولم يكن الدافع هو الصحة أو العمر، حيث كان الأميركي يستطيع العمل في الشركة حتى سنّ الخامسة والستين [8].
    ثم تتابعت الإقالات الفردية والجماعية لأتفه الأسباب، واتخذت الحكومة قرارات بتحويل الكثير من رؤساء الأقسام الشيعة إلى وظائف أدنى دونما سبب، واستبدل طاقم الأمن الصناعي الذي كان يعمل به مئات الشيعة بطاقم سنّي جديد، ووصلت الحال إلى نطقة الحسم..ففي عام 1987اتخذ الملك فهد ـ بناء على اقتراح الأمير نايف وزير الداخلية ـ بمنع توظيف الشيعة في أي وظيفة بأرامكو..وإليك هذه الوقائع :
    ـ في أواخر يونيو 1988عرضت ارامكو ألفي وظيفة شاغرة، فتقدم المواطنون الشيعة ولم تقبل منهم شخصاً واحد..فمن خلال الاسم أو منطقة السكن ضمن إبعاد الشيعة...وصادف أن العديد من المواطنين السنّة رفضوا لتشابه الاسماء، أو للإشتباه بانهم من أتباع المذهب الشيعي...تبع ذلك توظيف 700شخص في دائرة الأمن الصناعي ليحلوا محل الشيعة في أعمالهم.
    ـ عقد اجتماع في شهر أبريل 1988حضره مدير شركة أرامكو (علي النعيمي) وأمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد، وأحد المسؤولين الأميركيين، جرى فيه بحث تنفيذ قرار وزير الداخلية باستثناء الشيعة من العمل في جهاز الأمن الصناعي، وقد صدر قرار رسمي بذلك عقب الاجتماع، وكان الأمير محمد بن فهد قد اقترح بحث إمكانية إبعاد كل الشيعة الذين يحتلون مناصب وسطية، لكنه أبلغ بأن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي خوفاً من أن تتعرض اعمال الشركة للانهيارات.
    ـ لم تمض سوى أشهر قلائل حتى أقيل نحو 300شخص من المواطنين الشيعة بتبريرات واهية، كان من بينهم عدد من رؤساء الأقسام.
    ـ في شهر مارس 1989أقيل العشرات من أقسام الصيانة بأرامكو والتي يشكل العمال الشيعة حوالي 85%من مجموع عامليها...وجرت محاولات لتوظيف مجموعات كبيرة ليحلوا محل الموظفين الشيعة داخل المناطق البحرية والتي يعمل بها حوالي 95%من الشيعة..لكن ولأن الغالبية من العمال الجدد لم تتحمل مشاق العمل الجسدي، فقد تركته وبحثت عن أعمال مكتبية سهلة.
    ـ في يوليو 1989صدر قرار بتعطيل ترقيات العمال الشيعة قدر الامكان دون الالتفات إلى جدارتهم وكفاءاتهم واستحقاقاتهم للترقيات ام لا..وفي نفس الفترة جرت تبديلات ملفتة للنظر لعدد محدد من المسؤولين الشيعة، ورافق ذلك الكثير من الضغوط والاهانات، اضطر على اثرها الكثيرون إلى ترك أعمالهم بعد عشرات السنين من الخدمة، قدّر عددهم بنحو 350شخصاً.
    ـ بعد الغزو العراقي للكويت، استمر الشيعة في عملهم، فيما هرب الكثيرون من العمال الأجانب، ومن العمالة الوطنية القادمة من مناطق أخرى من المملكة، الأمر الذي اضطر ارامكو إلى أن تزيد الرواتب 15% أملاً في إيقاف حالة ترك العمل الجماعية، خاصة وأن ارامكو كانت تضغط من اجل زيادة الانتاج للتعويض عمّا فقدته السوق النفطية من انتاج العراق والكويت، وذلك حتى لا يتضرر الغربيون بارتفاع الاسعار، ولكي تتمكن الحكومة من جني بعض المال لسداد نفقات الحرب.
    في تلك الاثناء أعلنت ارامكو عن وظائف شاغرة، فتقدم المواطنون الشيعة الذين حرموا من العمل فيها لسنوات عديدة حتى تفشّت البطالة في صفوفهم..وكان الأمل يحدوهم بأن شيئاً ما تغّير بعد الغزو العراقي للكويت، وان الحكومة يفترض أن تعيد النظر في منهج تعاملها السابق مع الشيعة الذين صدقت مواقفهم تجاه صديق المملكة السابق وعدوها الحالي "صدام "..غير أن أحداً من مئات المواطنين المتقدمين للعمل لم يبلغوا بالقبول !.
    وطوال السنين الماضية تعددت المقابلات مع رئيس شركة ارامكو لسؤاله عن أسباب رفض الشيعة، وفي كل مرة كان يقول بدون تحفظ بان هناك قراراً رسمياً بهذا الشأن من الملك فهد لا يمكن له أن يتجاوزه، وانه إذا كان لدى السائلين أي اعتراض، فليتقدموا به إلى الملك مباشرة، أن اوامره الصريحة هي رفض توظيف الشيعة حتى ولو استكمل المتقدمون جميع الشروط وحازوا على كل المؤهلات المطلوبة..ان عدد الانتماء إلى المذهب الشيعي اصبح شرطاً إضافياً رسمياً لكل ملتحق جديد بالعمل في حقول النفط !.
    من جانبهم ـ وكالمعتاد ! ـ أرسل وجهاء الشيعة رسالة إلى الملك في شهر صفر 1409هـ، قالوا فيها ضمن حديث طويل: "كنّا نطالب بشيء من الإلتفات إلى البلاد ـ القطيف ـ في المشاريع، والى المواطنين في توزيع الأراضي على ذوي الدخل المحدود، وعلى الجامعيين [9]، وكذلك الأراضي الزراعية، وهلم جرا...انها اشياء نطالب بها كمواطنين ثقة منا بعدل حكومتنا..وكانت الاجتماعات مع الهيئات المنتدبة، وكانت المرفوعات وكانت المقابلات، وكنا دائما في موقف المنتظر المتفائل يحدونا الأمل الكبير فيما نصبو اليه..لا سيما والمقابلات مع المسؤلين الكبار وتصريحاتهم الطيبة تبعث فينا الطمأنينة وتبشّرنا بالخير العميم..وآخر تلك المقابلات حينما تشرّف بعضنا باللقاء مع مقامكم الكريم بالقصر العامر بجدة..وتوالت الأيام وإذا بالمجن ينقلب من قفاه ويحدث ما لا يخطر على فكر مسلم أو يمر بخلد..الخ ".
    ثم طالبت الرسالة بتفسير الاجراءات التالية :
    (1ـ عدم توظيف الشيعة حتى من ذوي التخصصات النادرة في شركة ارامكو، مع انها أصبحت سعودية مائة بالمائة، في الوقت الذي توظف أعداداً أخرى من غير الشيعة.
    2 ـ عدم توظيفهم في المؤسسات الحكومية كجامعة الملك فيصل التي امتنعت عن توظيف كل من الدكتور حسين بو سرير، والدكتور احمد سالم، وكلاهما قد ابتعثتهما على حسابها، حيث تخصص بو سرير في الغدد الصمّاء لدى الأطفال، بينما حاز احمد سالم على ميدالية التفوق في الجراحة..كما امتنعت الجامعة من قبول الأطباء المتقدمين للتخصص في قسم طّب الأطفال، وهم الدكتور حسين شعبان ورفقاه، وامتنعت من توظيف الدكتور علي الجامع.
    3ـ عدم قبول دخولهم الجامعات ـ بنين وبنات ـ إلاّ النزر اليسير، رغم تفوقهم وحصولهم على الدرجات العالية.
    4ـ عدم ترقية المستحقين منهم إلى المراتب التي يستحقونها بجدارة، في حين نال غيرهم بأقل من مؤهلاتهم.
    5ـ حركة نقل الموظفين منهم إلى وظائف أدنى وتجريدهم من مراكز كانوا يقومون بها خير قيام، تلفت الإنتباه..".
    وتمضي رسالة الوجهاء إلى الملك صريحة معبّرة: " الحديث يطول وكلّة آلام..وأنت حاكم علينا والله حاكم عليك، فافعل معنا ما تحب أن يفعله الله بك يوم القيامة..يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم توفى كل نفس ما كسبت..فماذا يمكن أن يكون إذا سدّت أبواب العمل في وجوه الناس، ووضعت العراقيل في إكمال دراستهم، وحرموا من الحصول على أرضهم، وضويقوا في وظائفهم وأعمالهم، وكفّروا وهم مسلمون، وشتموهم مقهورين، واتهموا بالكيد للإسلام والمسلمين..".
    وفي عريضة حديثة قدمّها الوجهاء إلى الأمير محمد بن فهد بناء على طلبه في بدايات شهر ربيع الثاني 1410هـ، جاء فيها : أن المنطقة الشرقية " تأتي الثالثة في التسلسل التاريخي من حيث إنضوائها تحت علم الدولة، والاولى من حيث الموارد المالية، لكنها لم تنل إلاّ البسيط الذي لا يكاد يذكر، إذا ما قارناها بما نالته غيرها من المناطق في المملكة، وهي مع ذلك لا تمر مناسبة إلاّ وتعلن تمجيدها للدولة وخطواتها الرائدة، في حين أننا نتّهم في ولائنا، وينسحب الشك على الجميع لكل حدث، لابسبب الاحداث بل بسبب الروح الطائفية التي نمت بدل أن تضمر ويذبل عودها، فتصاعدت ضدّنا الحملات المسعورة بالاغراء والإفتراء في الكتب والصحف والإذاعات وخطب الجمعة والمحاضرات، حرب إعلامية شعواء لا هوادة فيها، وبدون وازع ولا رادع، بحيث صارت أبرز الصفات والنعوت لنا بأننا أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، وحين نعلن إسلامنا ونقوم بكافة شعائر الإسلام، يقال لنا أن فعلكم تقية في الظاهر وحقد وضغينة في الباطن، بحيث صارت النتيجة الحتمية لتلك النظرة وذلك الشك ما يلي :
    * إمتناع شركة الزيت من قبول توظيف أي شيعي مهما كانت مؤهلاته العلمية، بينما تقبل ممن هو أدنى منه بدرجات.
    * اعتماد هذا المبدأ لدى المؤسسات الأهلية والحكومية الأخرى حتى تفشت البطالة بين خريجي الجامعات، فضلاً عن غيرهم.
    * نقل أعداد كبيرة من أبناء البلاد من وظائفهم إلى وظائف أدنى بدون مبرر،
    * عدم قبول خريجي الثانويات في الجامعات والكليات إلاّ النزر اليسير، وكأنما يؤخذ للتغطية، وعدم قبولهم نهائياً في الكليات العسكرية..."
    كان من الطبيعي أن تتصاعد حالات التمييز الطائفي في المؤسسات الأهلية أسوة بالمؤسسات الحكومية، وهذا لا يعود إلى تقليد أعمى بقدر ما هو نتيجة لإثارة الحساسيات الطائفية وتعميمها في الإعلام وكل المؤسسات الحكومية الأخرى...فأصبح المواطنون وبشكل تلقائي فريسة تلك السياسات الطائفية وذلك الإعلام المريض.
    من جهة أخرى تأثرت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الشيعة والسنّة القاطنين في المنطقة الشرقية بشكل ملفت للنظر خلال العقد الماضي اكثر من أي وقت مضى، حتى بالقياس إلى عهد تسلط الاخوان في العشرينيات والثلاثينات الميلادية، رغم أن الكثير منهم يرتبط برباط قبلي.
    فالى عهد جدّ قريب، كانت العلاقات طيبة تقليدياً وتوجد صداقات قوية بين أبناء الطائفتين، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية المشتركة، وكان عدد كبير من الشيعة يعملون في مؤسسات يملكها مواطنون سنّة وبالعكس، ويمنح المتنورون من بين أصحاب هذه المؤسسات مستخدميهم الشيعة عطلة في الأيام العشرة الاولى من المحرم، كما ويتبرعون لمؤسسات خيرية شيعية [10]..لكن كل هذه العلاقات تهدمت وانقلبت الأمور رأساً على عقب، بعد أن رمت الدولة ومؤسستها الدينية الرسمية بثقلهما في الحرب الطائفية التي بلغت الذروة خلال السنوات العشر الماضية، ضمن حسابات سياسية إقليمية يعرفها الجميع.
    لقد سدّت جميع الأبواب أمام الشيعة، فأينما توجهوا للعمل يرفضون، حتى في دوائر البريد والهاتف أصبح العمل فيهما شبه مستحيل..وحتى اولئك الذين كانوا يعملون كموظفين في المطار طردوا من أعمالهم فيه وهم بالمئات، وكانت أعمالهم تصنف ضمن الأعمال الوضيعة، وقد تم ذلك في عام 1408هـ، بل وأصبح قبول الشيعة في الطيران المدني متعذراً، ورغم العدد القليل من الطيارين المدنيين الشيعة، إلاّ انهم حرموا من قيادة الطائرة ووضعوا برتبة مساعدين، كما أقصيت مجموعة من العاملين في الصيانة للطائرات المدنية وفي قسم المراقبة.
    -------------------------

    يتبع . . .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    قلب كل معذب
    المشاركات
    1,093

    افتراضي

    [align=center]مدن النفط[/align]

    جذب العامل الاقتصادي البدو وأعداداً غفيرة من سكان المملكة للقدوم إلى المنطقة الشرقية والإستقرار فيها، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، والتبدل الجزئي في المفاهيم السائدة حول العمل اليدوي والمهني، وايضا بسبب الفقر المدقع والمجاعة المتفشية، ولا شك أن النفط جذب البدو إلى الإستقرار بنجاح باهر، وهو أعظم من النجاح الذي حققه الملك عبد العزيز في مشروع الهجر الذي اتخذ صفة الإجبار.
    جاء هؤلاء بحثاً عن لقمة العيش، وأقاموا في مساكن بالقرب من المنشآت النفطية في بيوت من سعف النخيل أو الخيام أو أكواخ الخشب، أو ما يعرف بإسم "البرستيات "..فكانت هذه البيوت السعفية والأكواخ نواة المدن الجديدة، كالظهران أو الدمام والخبر وابقيق والثقبة [11]والعقربية والعضيلية، وكذلك "القيصومة والوديعة والشعيبة ورفحاء وعرعر وبدنة وطريق "..وهذه المدن والقرى الأخيرة مدينة بوجودها لإنشاء خط التابلاين، ولاشك أن الدمام والخبر والظهران وبسبب قربها من إدارة ارامكو، حظيت أكثر من غيرها من بالإهتمام وحازت على أكثر الجهود للتطوير.
    لم تكن الدمام أو الخبر قبل النفط سوى قرى صغيرة كلها مبنية بالخشب والسعف، وقد ارتبط تأسيسهما بنزوح الدواسر اليهما من البحرين في نوفمبر سنة 1923/الموافق 12/4/1342هـ، وذلك بعد الفتنة الطائفية التي اشعلها القصيبي ـ ممثل إبن سعود في البحرين ـ وما تلا ذلك من إصلاحات فرضها البريطانيون، وتم بموجبها عزل الشيخ عيسى بن علي وتوليه إبنه.
    انقسم الدواسر إلى قسمين، القسم الأعظم استقر في الدمام تحت رئاسة أحمد بن عبد الله الدوسري، والقسم الآخر استقر في الخبر تحت رئاسة محمد بن راشد بن جبر الدوسري، وقد زودهم إبن سعود بالسعف المجاني الذي جلبه لهم من مزارع القطيف [12]..وكان عماد اقتصاد الدواسر على الغوص وصيد الأسماك مما جعلهم في ضائقة مالية بعد كساد تجارة اللؤلؤ [13].
    وحتى عام 1935/1356هـ، كان عدد الأكواخ القائمة فعلاً في الدمام أقل من 300، وكان المنزل الوحيد المبني بحجر حتى عام 1939م هو منزل أمير الدمام، في حين لم تتجاوز أكواخ الخبر عام 1935خمسة عشر كوخاً فقط، حسب الصور الجوية التي التقطتها ارامكو، ولم تكن بالخبر حتى عام 1939الا حجرة واحدة مبنية بالحجارة والجص كان يسكنها أمير الخبر [14].
    وكانت الدمام والظهران والخبر تابعتان لإمارة القطيف، وقد أسست أول إمارة في الخبر سنة 1359هـ برئاسة الأمير محمد بن عبد العزيز بن ماضي، في حين أصبح أحمد بن عبد الله الدوسري أول أمير للدمام، حيث لم تمض سوى خمسة عشر عاماً حتى أصبحت الدمام عاصمة المنطقة الشرقية، وذلك في عام 1372 هـ / 1952م [15].
    وعلى مر هذه السنوات لم تجتذب هذه المدن الجديدة وبالأخص (الدمام والخبر والظهران) إلاّ أعداداً قليلة من الشيعة الذين فضلوا البقاء في مدنهم التي كانت وحتى نهاية الأربعينيات الميلادية هي المدن الرئيسية، وكانت المدن الجديدة شبه مخصصة للمهاجرين والبدو المستوطنين حديثاً، والذين وزعت عليهم أراض شاسعة لإلزامهم بالبقاء..وقد ساعدت عزلة الشيعة عن الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية السعودية على إقناعهم بالبقاء في إطار مدنهم وقراهم القديمة التي بدأت تفقد مكانتها بسرعة كبيرة، ولهذا لم تجتذب مجمعات ارامكو السكنية ـ وهي سيئة على أية حال ـ وكذلك المدن الجديدة، إلاّ أعداداً محدودة من المواطنين الشيعة[16].
    لكن أعدادهم أخذت بالتصاعد السريع في الستينات والسبعينات الميلادية لأسباب عديدة، من أهمها إستحواذ المدن الجديدة وبالأخص الدمام التي أصبحت العاصمة، على معظم الخدمات الحكومية، فقد تركزت فيها الدوائر الحكومية وفروع الوزارات وكانت قلب المنطقة الاقتصادي بسبب تأسيس فرضة الخبر وميناء الدمام، ثم إنشاء سكة الحديد..وفي مقابل ذلك لم تظفر المدن القديمة بشيء من الخدمات يستحق الإشارة، وتدهور النشاط الاقتصادي التقليدي القائم على الزراعة، بل وقضي قضاء مبرماً على مينائي المنطقة الرئيسيين بعد أن كانا عنوان حيويتها وازدهارها وهما : العقير والقطيف، إضافة إلى الموانئ الصغيرة الأخرى في جزيرة تاروت..ويرى احد الباحثين أن عملية إختيار الموقع الذي أقيم فيه ميناء الدمام، ومدة مسافة 11كيلو متراً في المياه الضحلة لكي يصل إلى الخور، حيث المياه العميقة، وعدم تعميق ميناء القطيف وإصلاح أرصفة بكلفة أقل، تكشف عن الحقيقة القائلة بأن ميناء الدمام أنشئ لمصلحة شركة النفط بقصد توفير الحماية لها وقت الحاجة وجعله جاهزاً لإستقبال البوارج الحربية..كما يؤكد ذلك إنشاء سكة حديد بطول عشرة كيلومترات لربط الميناء بمقر شركة النفط في الظهران [17].
    إن إنتقال الثقل الاقتصادي والإداري والعمراني إلى المدن الجديدة والذي بدأ بتسارع شديد بعد تحويل الدمام إلى عاصمة الإقليم، لم يترك لسكان المدن القديمة فرصاً يعتد بها للعيش، فبدأ النزوح إلى مدن النفط، خاصة من قبل الأحسائيين الذين انتشروا بشكل مكثف في الدمام والخبر وابقيق، للبحث عن فرص للعمل بعد تدهور النشاط الاقتصادي التقليدي القائم على الزراعة، وكان لبعد الأحساء النسبي ـ بعكس القطيف ـ عن مقرات ادارة ارامكو، إضافة إلى صفة التنقل التي امتاز بها الأحسائيون أثر هام في إستقرار الكثير منهم في هذه المدن.
    أن شعور الشيعة بالغبن يمكن تفهمه وقبوله، فالمنطقة الشرقية بمدنها القديمة والحديثة ليس فقط لم تحصد الكثير من خيرات النفط، إذا ما قورنت بجدة والرياض وغيرهما..بل أن مدن الشيعية الرئيسية وقراهم لم تنل معشار ما نالته مدن النفط،..وبلمحة نظر تبدو المفارقة مؤلمة، فالقطيف التي كانت قصبة الحكم، والتي أمتدت حدودها من الكويت إلى قطر في يوم من الأيام، لايمكن مقارنتها بأقل قرى النفط ومدنه.

    [align=center]الحرمان من الأرض[/align]

    أن الأراضي بمنظار الشرع هي ملك مشاع لعموم المسلمين، ممن يريد سكنها وعمارتها، فالأرض لله ولمن عمرها..اما بمنظار الأسرة الحاكمة، فهي ملك مطلق للحاكم وورثته، معتمدة في ذلك على منطق القوة وتحت شعار "ملك الآباء والأجداد ".
    ضمن هذا التصور اعتبرت الأرض وما فيها وما عليها ملكاً للحاكم، ولذا أصبحت الميزانيات نهباً لمن أراد من الأمراء، بل حتى النفط أصبح يباع لحساب هذا الأمير وتلك الأميرة..اما الاراضي فيكفي أي امير أن يكتب للجهة الحكومية التي تقع الأرض ضمن صلاحياتها كالإمارة أو البلدية، لتنتقل هذه الأرض ـ خلال أيام لملكيته ـ حتى وان كانت مملوكة، ويعوض المالك بصورة جزئية من مال الدولة تحت عنوان :" نزع ملكية للأغراض العامة "..وقد أجرى الاستاذ توفيق الشيخ استقصاء عاما عام 1982 عن الأراضي التي استملكها الأمراء في المنطقة الشرقية، فخرج بنتيجة مؤداها أن 35%تقريباً من مساحة الاراضي الحكومية الواقعة في محيط المدن بالمنطقة الشرقية، وضمن دوائر نصف قطرها 30كيلومتراً قد استملكت من قبل أمراء وأميرات العائلة المالكة، هذا غير مئات القطع من الأراضي المحجوزة للمرافق العامة، والعشرات من الحدائق العامة، والتي تحولت إلى ملكية الأمراء دون أن يدفعوا من ثمنها قرشاً واحداً [18].
    ويرى الكاتب "مايكل فيلد " في كتابة "التجار " أنه إذا اراد الحكام أن يجعلوا شخصاً غنياً، أعطوه أرضاً، فكانت النتيجة أن الأراضي أصبحت في الثلاثين سنة الأخيرة أهم مصادر الثراء الشخصي في الجزيرة العربية..وقال أن هذه العادة بدأت أيام الملك عبد العزيز ولا تزال مستمرة...ذلك أن الملك في السعودية يمنح الأراضي بانتظام إلى أقربائه ووزرائه والى أي إنسان آخر يريد الاحسان اليه أو مكافأته..وقد كانت الأرض معدومة القيمة فيما مضى ,وأحياناً تمنح مقابل خدمات صغيرة [19].
    ولذا فأن اكبر ملاك الأرض هم بعض الأمراء السعوديين الذين حصلوا عليها بأبسط وسيلة، إلاّ وهي طلبها من الملك..وهناك أمراء يملكون مساحات من الأرض تتراوح قيتمها بين مليار ومليارين من الدولارات [20].
    من جهة أخرى حصل الوافدون من مناطق المملكة المختلفة على أراض سكنية، وبعضهم حصل على مساحات شاسعة من الأرض تقدر بالكيلومترات، وهبت لهم من الملك أو احد أفراد العائلة المالكة..وفي تلك الأيام لم يكن للأرض قيمة كبيرة، وقد حاول الملك فيصل أن يخفف من غلواء النهب الأميري لميزانية الدولة، فزاد في توجيههم نحو الاراضي، ووهب أفراد الأسرة إضافة إلى مخصصات مالية محدودة، عشرات الكيلومترات من الأرض المحيطة بالمدن والقرى، فأصبح توسعها الحتمي بيد الأمراء الذين بالغوا في أسعارها، فحوصرت المدن والقرى الشيعية التي لم يحصل سكانها على شيء بملكيات تحيط بها من كل جانب ـ وقدر وجهاء المنطقة في رسالة رسمية إلى الحكومة أن أقل من 2%من الأراضي القابلة للإعمار والإسكان هي بيد الأهالي [21].
    وإذا كانت الحكومة قد اعتادت توزيع الأراضي على ذوي الدخل المحدود في أغلب مدن المملكة، إلاّ انها ـ لسخرية القدر ـ منحت الأراضي لغير ساكني المدن والقرى الشيعية ممن لا يعرف موقع المدينة أو القرية على الخريطة، ولم يسبق لها أن رآها، وكل ما يعرفه أنه يمتلك صكوك أراض منحته إياها الحكومة عبر وساطات ورشوات معروفة.
    قبل أكثر من نصف قرن وزعت الحكومة ـ ولأول مرة في تاريخ المملكة ـ أراضي على المهاجرين الجدد إلى المنطقة، ضمن أمر رسمي ملكي صادر في السادس من جمادي الثانية سنة 1358هـ، وذلك للمساعدة في خلق المدن الجديدة..وقد بدأ التوزيع في الدمام والخبر ثم مدن النفط الأخرى بعد أن نجحت التجربة..وان كان الهدف منه تغيير خارطة المنطقة الديمغرافية.
    بعد هذا جرى تخطيط هذه المدن والعناية بها، لم تشذ عن عملية التخطيط هذه سوى مدن المنطقة القديمة وما يتبعها من عشرات القرى، وهي في غالبيتها قرى ومدن شيعية [22].وحين أصبحت الحاجة ملحة للتوسع والعمران، وزعت الحكومة في كل المناطق أراضي قيل انها على ذوي الدخل المحدود، لم يظفر المواطنون الشيعة وهم سكانها بأي شيء منها.
    وحين قفزت أسعار الأراضي في بداية السبعينات إلى عشرات ومئات الأضعاف، أصبح المواطنون غير قادرين على شراء ارض، فضلاً عن بنائها، فبدأت الشكايات واتسعت حالة التذمر..وفي كل مرة يوعد المواطنون بتوزيع أراض ما يسمى بالدخل المحدود، يجدون أن نحو 90% منها يعطى لغير أهل هذه المدن والقرى، وساعد على ذلك أن رؤساء البلديات الذين يملكون هذه الصلاحيات هم من غير الشيعة، وانهم ولأسباب طائفية حرموا أصحاب الحق من حقهم، ونهبوا الأراضي وتقاسموها أو ملّكوها لأصدقائهم وأصحابهم.
    كانت مسألة الأراضي ولا تزال مثار إعتراض شديد لدى الأهالي، ولا تكاد تخلو رسالة من رسائل الوجهاء من الإشارة إليها..والقضية ليست حرماناً فحسب، بل ومصادرة أراض الشيعة..وقد حدثت سنة 1405هـ مثلاً أن مئات الأكواخ في "حزم صفوى" دمرت بالتركتورات بعد أن أمضى سكانها سنوات طويلة فيها إنتظاراً للتخطيط ولمنحة أرض، ولكن أياً من هذا لم يحدث، وتشرد المئات من الناس بحثاً عن ملجأ بعد نحو عشرين عاماً من العيش في بيوت الصفيح..ولم تكن تلك المشكلة لتمر بسلام لولا أن الشرطة كانت واقفة بالمرصاد وتجر كل شخص يرفض أن يخرج من منزله قبل أن تزحف التركتورات عليه لتدمره.
    في ربيع الثاني 1398هـ ـ أثار الوجهاء هذه القضية مع اللجنة التي أمر ولي العهد بتشكيلها للنظر في أحوال المنطقة، وقالوا أن قرار مجلس الوزراء القاضي بتوزيع الأراضي حسب الأولوية للسكان لا يعمل به في المدن الشيعية، وطالبوا "بالأولوية حسب قرار مجلس الوزراء في توزيع الأراضي السكنية والزراعية، وان الأوامر تقضي بأولوية السكان في نفس المحلة.بينما الملاحظ في التوزيع خلاف ذلك، ويمكن التأكد بالرجوع إلى كشوفات المنح والمبيعات والتوزيعات في كل من البلديات والزراعة.."[23].
    وفي رسالة الوجهاء للملك التي تلت إنتفاضة الشيعة في محرم 1400هـ نقراً : "أن إبن البلاد يرى بأم عينيه أن الكثير من الأراضي البيضاء تذهب هنا وهناك، وتعطى لهذا أو ذاك، وهو محروم منها، ثم يشتريها بأغلى الأثمان من هذا الذي وهبت له..بينما ينازع أصحاب الأملاك الحقيقيون في أملاكهم في كثير وكثير من الحالات..ان بعضاً ـ ياأصحاب الجلالة ـ كاد يلتحف السماء، ويفترش الأرض، وكثير كثير يعيش بالإيجار، وأكثر منه أن معظم بيوت المدن والقرى لا تصلح حتى للحيوان مسكناً، فضلاً عن الإنسان الذي كرمه الله ".
    وفي رسالتهم للجهات العليا، قدّم الوجهاء بتاريخ 10ربيع الأول 1403هـ إقتراحات لتحسين أوضاع المنطقة الزراعية والعمرانية والصحية وغيرها...ومن الاقتراحات :"استرداد الأراضي الزراعية التي منحت إلى بعض الأفراد ولم يقوموا بزراعتها، وإعطائها إلى مزارعين من أهل القطيف "..و" توزيع أراضي ذوي الدخل المحدود على مستحقيها من أهل القطيف "..و" توزيع الأراضي المقررة للجامعيين واصحاب المنح الخاصة من اهل القطيف " لأن "من المعلوم أن اراضي القطيف المقرّرة للجامعيين بقسميها السكني والزراعي، قد منحت، ولم يبق منها إلاّ القليل جداً، لكن المنح على مختلف أقسامها وأحجامها لم ينل أهل البلاد الأصليين الساكنين إلاّ نسبة ضئيلة جداً بحيث لا تصل 2%..بينما الذي نعرف أن هناك أوامر ملكية تقضي بأن لا يعطي أحد أرضاً سكنية إلاّ من أهل البلد والمقيمين فيها.وحيث أن ما تبقى هو القليل الذي لا يكفي..فإننا نلتمس إيقاف المنح لغيرهم، بمنح المحتاج من أهل القطيف أرضاً سكنية، والمزارعين أرضاً زراعية تحقيقاً للعدل وتعميماً للفائدة ".
    ورغم إشارة الوجهاء إلى التلاعب والنهب، والى " هذا أو ذاك " الذين سيطروا على الأراضي، فإن جرأتهم لم تصل إلى وضع النقاط على الحروف وتوجيه الطعن إلى سياسة الحكومة الطائفية، والى الأمراء الذين وصلت بهم الأمور إلى وضع لافتات على إقطاعات ذات مساحة هائلة، تحمل اسمائهم الصريحة..فهذه الأرض ملك للأمير فلان، وتلك الرقعة تحمل أسم الأميرة علانة..وهكذا دواليك.
    ولكي نقدّم للقارئ صورة من صور إقطاعات الأراضي للأمراء ومساحتها في رقعة محدودة..نشير إلى هذين النموذجين :
    الأول : حوت وثيقة صادرة من رئاسة بلدية الطقيف وتوابعها، يرجح أن تاريخ صدورها كان في العام 1988، وموضوعها : " المنح لغير أهل القطيف " التالي :
    1ـ 40000متر مربع للأمير عبد الرحمن بن سعود.
    2ـ 2042870(2مليون و 42ألفا و 870متراً مربعاً ) لسمو الأميرة نوف بنت محمد بن عبد العزيز.
    3ـ 3304350( ثلاثة ملايين و 304ألفاً 350متراً مربعاً ) لسمو والدة الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز ـ زوجة الملك الراحل خالد ـ.
    4ـ 1960125( مليون و 960ألفاً و 125متراً مربعاً ) لسمو الأميرة سارة بنت عبد العزيز ـ أخت الملك ـ.
    5ـ 1204000( مليون و 204ألفاً من الأمتار المربعة ) لسمو الأميرة العنود بنت عبد العزيز ـ أخت الملك ـ.
    6ـ 5179175( خمسة ملايين و 179 ألفاً و 175متراً مربعاً ) لسمو الأميرة منيرة بنت فيصل بن سعد.
    7ـ 4206800( أربعة ملايين و 206 ألفاً و 800متراً مربعاً ) لسمو الأميرات نوف وهيفاء بنات بدر بن عبد العزيز ـ نائب رئيس الحرس الوطني ـ.
    8 ـ 1976000( مليون و 976 ألف متر مربع )، لسمو لأمير تركي وحصة، ابناء فيصل بن سعود.
    9 ـ 1947000( مليون و 947ألف متر مربع ) لسمو الأمراء فيصل بن فهد بن عبد العزيز وإخوانه ـ أبناء الملك فهد ـ.
    10 ـ 500000متر مربع للأمير سعد بن خالد.
    11ـ 2500000( 2 مليون و 500ألف من الأمتار المربعة ) لسمو الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز ـ أمير المدينة المنورة ـ.
    12ـ 2305200(2مليون و 305ألفاً و 200متراً مربعاً ) لسمو الأمير فيصل بن خالد.
    13ـ 482300متراً مربعاً، لسمو الأميرة منيرة بنت فيصل.
    14ـ 1040000( مليون وأربعين ألف متر مربع ) لسمو الأمير مشاري بن عبد العزيز ـ أخ الملك.
    15ـ 1893000( مليون و 893ألف متر مربع ) لسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ وزير الدفاع ـ.
    16ـ 2014650(2مليون و 14ألفاً و 650متراً مربعاً ) لسمو الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أيضاً.
    هذا نموذج بسيط وواضح..وإليك النموذج الثاني، حيث تشير وثائق أخرى إلى التالي :
    1ـ الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز ـ مائة ألف متر مربع ـ جنوب كوبري قرية أم الساهك.
    2 ـ الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن ـ أربعة ملايين متر مربع ـ شمالي كوبري الجعيمة، وشرق طريق الجبيل.
    3 ـ الأمير عبد الإله بن عبد العزيز، أمير القصيم ـ أراض كبيرة مجهولة المساحة في القطيف.
    4 ـ الأمير سعود بن محمدج بن سعود الكبير ـ 300ألف متر مربع ـ في مدينة صفوى.
    5ـ الأميرة قماشة بنت عبد العزيز وأولادها ـ أراض واسعة في مدينة صفوى غير معروفة المساحة.
    6ـ الأمير سيف الإسلام آل سعود ـ أرض واسعة غير معروفة المساحة في أم الساهك.
    7ـ أبناء الأمير خالد بن عبد لله بن تركي بن عبد العزيز " بندر ورندة " وزوجته فاطمة ناصر السلّوم ـ مائة ألف متر مربع ـ في أم الساهك.
    8 ـ الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز ـ أرض واسعة مجهولة المساحة في تاروت
    9 ـ الأميرة منيرة بنت فيصل بن سعد ـ أرض واسعة مجهولة المساحة في تاروت.
    10ـت الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز ـ أرض شاسعة مجهولة المساحة في تاروت.
    11ـ الأميرة العنود بنت عبد العزيز ـ أرض مجهولة المساحة وواسعة في تاروت.
    12ـ الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز ـ أرض واسعة ومجهولة المساحة في تاروت.
    13ـ الأمير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع والطيران ـ مليوني متر مربع في القطيف.
    14ـ لأمير سلمان بن عبد العزيز ـ أمير الرياض ـ 144ألف متر مربع في العزيزية.
    15ـ الأمير فهد بن سلمان، نائب أمير المنطقة الشرقية ـ 400ألف متر مربع بالعزيزية
    وغير هذا، فإن الأراضي التي تقوم عليها الان مشاريع الهيئة الملكية في الجبيل، استملكها الأمير سلطان ثم باعها على وزارة الصناعة والكهرباء في منتصف السبعينات الميلادية بثمانية مليارات ريال، والأرض الصحراوية الواقعة بين طريق رأس تنورة ـ الجبيل شمالاً، والظهران ـ أبقيق جنوباً والتي تبلغ مساحتها آلاف الكيلومترات المربعة، استملكتها الأميرة حصة بنت عبد العزيز وأمراء آخرون، باعوها لوزارة الدفاع لإقامة مطار الملك فهد الدولي الجديد..ومثله الأرض الواقعة شمالي طريق تاروت ـ القطيف، والتي استملكها الأمير تركي، فرزت إلى مئات القطع، وبيعت الواحدة منها بـ " 150" الف ريال، وهناك عشرات الأمثلة التي لا تحصى [24].. ولأن المدن والقرى الشيعية في منطقة القطيف تطل على الساحل ـ لذا أصبحت محاصرة شرقاً من البحر، ومن الغرب بأملاك الأمراء، ومن الجنوب بمدن النفط، ومن الشمال بمنشآته وبمأملاك الأمراء، ولو أن المسألة وقفت عند حدود الأملاك البعيدة من الصحاري الشاسعة، لهان الأمر..ولكن الأمراء وحاشيتهم لم يتركوا قطعة ارض قريبة من العمران إلاّ واستولوا عليها، وما من أرض إحتمل وصول العمران إليها إلاّ وبادروا واستخرجوا وثائق وصكوك تثبت تملّكهم لها !.
    ------------------------------------
    يتبع . . .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    قلب كل معذب
    المشاركات
    1,093

    افتراضي

    [align=center]القضاء[/align]

    حين خضعت منطقة الاحساء والقطيف، كان للشيعة محاكمهم التي يترافعون إليها، وكان قاضي الشيعة في القطيف بشكل خاص، يقضي بين السنّة والشيعة، بل أن الأقلّية السنّية في المنطقة رفضت أن يعيّن لها قاض خاص مادام القاضي الجعفري يقوم بالمقام، ويفتي على مذهب المتخاصمين أياً كانوا.
    وفي السنوات اللاحقة، أشتد طغيان التفرقة الطائفية، وتشدد علماء المذهب الرسمي في ضرورة مراجعة المحاكم الشرعية التي استحدثوها..وكان بالإمكان أن تمّر الامور بشكل إعتيادي، مادام المرء يمتلك خيار اختيار المحكمة التي يريد..وطالما أن القضاء في كل المحاكم يتحرى العدل والإنصاف بعيدا على الحساسيات المذهبية.
    لكن ماكان يجري غير هذا، فالشيعي يعتبر مداناً في الغالب إذا كان الطرف الآخر مخالفاً له في المذهب..ومع إصرار الوهابيين على تعطيل فاعليّة المحاكم الشيعية، نفذّت الدولة ما ارادوه..وفي الستينات والسبعينات الهجرية، كان هناك ضغط متعاظم من الشيعة يهدف تشكيل محكمة جعفرية تتولى تسجيل الصكوك الشرعية، وإثبات ملك البيع، والبتّ في الأوقاف الشيعية والمواريث، وان يكون لها اعتبارها الرسمي ومعترف بها من قبل الدولة.
    وقد نجح الشيعة في استصدار قرار بهذا الأمر.. ففي الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة 1382هـ، صدر قرار ملكي رقم (49662) باعتماد ترك أوقاف الشيعة ومواريثهم ووصاياهم لقضاتهم..ولكن بعد سنوات من العمل بهذا القرار، ورغم تقليص صلاحيات القضاة، صدر قرار ملكي رقم (11715) في الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة 1394هـ، يلغي بأثر رجعي كل ما بتّ فيه قضاة الشيعة لمواطنيهم..وتشير وثيقة رسمية حكومية صادرة من وزير البلديات، الأمير ماجد بن عبد العزيز، وصادرة بتاريخ 24جمادى الثاني سنة 1399هـ إلى أن القرار الحكومي أدى إلى "تذمر واستياء الشيعة من وجوب تسجيل جميع مايصدر من قاضي الشيعة " في المحاكم الحكومية، ومطالبة الشيعة بتسجيل ما استجد من وثائقهم في المحاكم الحكومية..وقالت الوثيقة أن قاضي الشيعة رفض التعاون مع الحكومة لأنها أبطلت بأثر رجعي كل ما صدر عنه، وان ابناء الطائفة الشيعية رفضوا استلام التعويضات المقّدرة لأملاكهم وأوقافهم التي صادرتها الأجهزة الحكومية..وهنا اضطرت الحكومة، وبعد اجتماع ضمّ وزير العدل، ووزير البلديات ووزير الحج والأقاف، والشيخ عبد العزيز بن باز..الى العودة إلى القرار القديم، وصدر قرار جديد بالأمر يحمل رقم (14134) وتاريخ 13/6/1395هـ.
    لم تجرِ الأمور على ما يرام بسبب التقييدات الكثيرة التي وضعتها وزارة الداخلية على المحاكم الشيعية، ورغم استحداث محكمة جديدة سميت " محكمة الاوقاف والمواريث " لتحل المشاكل الكثيرة المعلقة، إلاّ أن الدولة طلبت أمرين هامين، أحدهما : الحظر على قاضي الشيعة الإعلان في الصحف بإثبات الإرث والوقف..والثانية : أن تخضع أحكام القاضي الشيعي إلى هيئة تمييز في الرياض، وليس إلى هيئة تمييز شيعية.
    وقد رفض الشيعة الأمرين.تشير رسالة وقع عليها ثلاثة عشر وجيها من القطيف ومرسلة إلى وزير الداخلية في التاسع من صفر 1402هـ، إلى أن الإثبات في مسائل الميراث وعائديته يستلزم إجراء ما نصت عليه الفقرتان 82و 83 من نظام سير المحاكم، واللتان تقضيان بالكتابة إلى البلدية والإعلان في الصحف "وما دامت محكمة الأوقاف والمواريث محكمة رسمية، فمن حقها ـ بل من واجبها ـ نظاماً إتباع هذه الطريقة، حتى تخرج صكوكها مكتملة نظاماً، مع إكتمالها من الوجهة الشرعية ".
    وبعد ثلاثة أشهر وقّع أكثر من تسعين وجيهاً على رسالة أخرى أرسلت في 23جمادى الاولى 1402هـ، إلى ولي العهد ـ الملك الحالي ـ قالوا فيها : " لقد صدرت الموافقة السامية برقم 4س 46628في 23شوال 1401على ما رآه سماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى في خطابه رقم 1444/1 في 8/8/1401هـ، من حّل هيئة تمييز القضايا التي ينظر فيها قاضي الشيعة، فيما يتعلق بالوقف والميراث والأحوال الشخصية..ان وجود هيئة تمييز لتمييز الأحكام التي تصدر من قضاة الشيعة أمر في غاية الأهمية والضرورة، ولكن لا يمكن أن تكون هيئة التمييز الحالية الموجودة في الرياض هي التي تتولى تمييز احكام قضاة الشيعة ضرورة أنها لا تراها صحيحة من الأساس، فكيف تنظر في صحة ما بنى عليها ؟...وهذا أمر في غاية الوضوح، لأن أعضاء هيئة التمييز التابعة إلى مجلس القضاء الأعلى، وهي تأخذ بفقه الإمام أحمد في الفروع لا ترى كثيراً مما يراه فقهاء الإمامية، من ذلك:
    1ـ لاتقول بصحة مايوقف من عقارات وأموال ثابتة إلى الرسول وآله، والشيعة ترى ذلك وانه إحدى القربات إلى الله.
    2ـ لا ترى الوصية لوارث، وفقهاء الإمامية يرون ذلك.
    3ـ تقول بالتعصيب، ولا تراه الشيعة.
    4ـ تأخذ بالعول، ولا تأخذ به الشيعة..الى غير ذلك من فروع في الفقه.. فإذا تنازع إثنان من الشيعة في شيء مما ذكر، وصدر حكم قاضي الشيعة، وطلب أحد الطرفين تمييز الحكم، ورفع إلى هيئة التمييز في الرياض، فماذا تكون النتيجة ؟..أليست إبطال الحكم من أساسه، لأن ما بني على فاسد ـ حسب رأيها ـ فهو فاسد ".
    "لذلك فإن الضرورة تقضي بتعيين أشخاص من أهل العلم من الشيعة ليكونوا هيئة تمييز للأحكام التي تصدر من قضاة الشيعة في حقول اختصاصاتهم، كما تنظر هيئتا التمييز في المنطقتين الغربية والوسطى في جميع الأحكام التي تصدر من القضاة في كافة المحاكم الشرعية بالمملكة..ولتوضيح الصورة اكثر فأكثر، فإن الشيعة في القطيف والاحساء يرافعون أمام المحاكم غير الشيعية في غير قضايا الوقف والميراث والأحوال الشخصية، ويميزون الأحكام عند هيئة التمييز بالرياض، وهم راضون بذلك، إلاّ أن ما هو من خصائص الشيعة، لا يمكن أن يترك في حال حصول النزاع وصدور الحكم من قاضيهم، لايمكن أن يترك بدون تمييز في حالة عدم قناعة احد الطرفين، ولا يصح أن يحال إلى جهة لا تراه أصلاً ".
    "وحيث الضرورة تقضي بإيجاد هيئة تمييز لقضاء الشيعة، ونظراً لمعرفتنا بأشخاص هم في مستوى الأمانة والنزاهة، وعلى جانب كبير من العلمية والدراية..فإننا نعرض للمقام السامي أسماءهم، راجين صدور الأمر الكريم بالموافقة عليهم كهيئة تمييز، وهم : فضيلة الشيخ عبد الله الخليفة ـ مقيم بالاحساء، فضيلة الشيخ حسين الخليفة ـ مقيم بالاحساء، فضيلة السيد علي السيد ناصر ـ مقيم بالدمام ".
    لم يستجب ولي العهد للطلب بعد مرور نحو عقد من السنين..ولا تزال المشكلة قائمة، فالشيعة يصرون على إعادة الصلاحيات كاملة لمحكمة الأوقاف والمواريث، وان تكون هيئة تمييز الأحكام من مشايخهم، وان تعترف الدولة بالأحكام السابقة التي أصدرتهارسمياً، بحيث لا تلغي الأحكام التي أصدرتها المحكمة بأثر رجعي..في حين أن الدولة تصر على أن تخضع أحكام قضاة الشيعة إلى هيئة التمييز بالرياض، وترفض إعادة الصلاحيات السابقة المنموحة للمحكمة..وتكاد لا تخلو رسالة إلى المسؤولين ولا لقاء، إلاّ وعقدة " قضاء وقضاة " الشيعة من أهم ما يطرح من مواضيع..مثال ذلك أن الوجهاء كتبوا إلى أمير الشرقية رسالة في ربيع الثاني 1410هـ، كان من بين ما اشتملت عليه من شكوى :" تقليص صلاحية محكمة الأوقاف والمواريث، وعدم الإعتراف بالصكوك الصادرة عنها وعن قضاة الشيعة السابقين، وإلغاء حتى الصكوك الصادرة من كتابة العدل، حتى لو تحولت إلى عشر مبايعات في أعوام مختلفة مادامت مبنية في الأساس على صك من قضاة الشيعة".



    [1]أن مفهوم الامن عند الحكومة السعودية واسع يشمل كل شيء كالإعلام "الذي يتبع حالياً وزير الداخلية".
    [2] Shi..ism and social protest ,p.237,238
    [3] نفس المصدر السابق.
    [4] أرامكو :...النفط والاستعمار ’جعفر الشيخ عبد الله، دار الجزيرة للنشر، لندن 1986، ص 90، 91.
    [5] المصدر السابق، ص 91، 92
    [6] المصدر السابق، ص 81، 101
    [7] قال أحد الشعراء الشعبين متظلماً :
    العذر يا حسين بالله أسألك ما يقدر ثورتك من يجلهك
    ما يبونا يا بطل في مأتمك لاجل ابو كبّوس يبغي يدفنك
    يوم عاشر نشتغل ما ارحمك يا إله الكون عجّل قائمك
    في الكرسمس نمتثل ما نشتغل من كبير القوم أو حتى الطفل
    وبمحرم اشتغل مثل العجل يا حسين الحق هل هذا عدل؟
    العذر يا حسين ما ودي اشتغل بس الأمريكان سووني خثل
    بس لازم يوم اصحى من الكرى وانقل اخبارك لشعب ما درى
    اقول لأمريكا تولي لو ترى بارامكو القشرى نسوّي منكرا
    ولو يا أمريكا ترى عيني ترى دمّكم احمر بيجري انهرا

    انظر المصدر السابق، ص 100, 101.وأبو كبوّس تعني صاحب القبعة، وهي لفظة تطلق على الأميركيين.
    [8] المصدر السابق، ص 7، ص 103
    [9] ضمن النظام المتعارف عليه، أن تقدم الدولة قطعة أرض لخريجي الجامعات، خاصة وان كل الأراضي الرحمانية تمتلكها الدولة، إلاّ أن أكثر خريجي الجامعات من الشيعة لم يحصلوا على شيء.
    [10] مايكل فيلد، مصدر سابق، ص 70، 71
    [11] تأسست الثقبة على أنقاض قرية النهيدين التي تعرضت منازلها الخشبية وخيامها إلى الحريق مرات عديدة، وخوفاً على المنشآت النفطية قررت ارامكو نقل مساكنها الـ 240 إلى حيث الثقبة قرب الخبر، حيث قدمت لهم الحكومة أراض مجانية، وتعويضاً على مساكنهم، ، إضافة إلى ثلاثين بالمائة كمساعدة، أما الذين لا يملكون مساكن، فقد أعطوا أراض مجانية بسعر رمزي نصف قرش للمتر الواحد.
    [12] كان السعف مصادراً من المزارعين، وكانت هذه الحادثة شهيرة في ذلك العام، وقيل أن الملك اعتبرها جزءاً من العقاب للإهالي الشيعة لدعمهم شيعة البحرين ضد الدواسر.
    [13] النفط وأثره على الحياة الاجتماعية في المنطقة الشرقية، للدكتور عبد الله السبيعي، ص 143.
    [14] المصدر السابق، ص 143، 163.
    [15] المصدر السابق، ص 159.والمفارقة أنه في عام 1359هـ / 1939م لم يكن في الدمام سوى بيتاً واحداً مبني بالحجر، حتى أن الملك حينما زار المنطقة لحضور إحتفال بشحن أول كمية نفط، لم يجد منزلاً يليق به، فنصبت أرامكو في مواقع جامعة البترول الحالية " جامعة الملك فهد" 350خيمة بيضاء للملك ومرافقيه ,وبعد 13سنة أصبحت الدمام عاصمة المنطقة الشرقية.
    [16] Saudi arabia modemization , the impact of change on stability ,p98
    [17]مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد 36اكتوبر 1983، ص 233.وانظر الخليج العربي، دراسة في الجغرافية السياسية، للدكتور صبري فارس الهيثي، دار الرشيد، العراق، 1982، ص 55.
    [18] توفيق الشيخ، مصدر سابق، ص 102
    [19] مايكل فيلد، مصدر سابق، ص 85، 86
    [20] المصدر السابق، ص 87، 88
    [21] رسالة مرفوعة للجهات الحكومية في العاشر من ربيع الأول 1403 هـ
    [22] النفط واثره على الحياة الاجتماعية، مصدر سابق، ص 172.
    [23] رسالة من الوجهاء إلى أعضاء اللجنة في الخامس عشر من ربيع الثاني 1398هـ
    [24] توفيق الشيخ، مصدر سابق، ص 100، 101
    ------------------------

    المصدر مركز الحرمين للأخبار الاسلامية:
    http://alhramain.com/text/kotob/125/txt/11.htm

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني