الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي!
سعيد الكحل 30 / 10 / 2005م - 4:20 م

العمل الإرهابي الذي ضرب السعودية والمغرب
السعودية كانت ضحية للفكر التخديري والمنهج الخفي


اقتبست هذه المفاهيم ـ الفكر التفجيري، الفكر التخديري، المنهج الخفي ـ من مضمون الحوار الذي أجرته قناة «العربية» مع الأمير السعودي خالد الفيصل، أمير منطقة عسير، ليلة 14 يوليوز 2004. وكان مما ذكره الأمير وركز على خطورته أن السعودية كانت ضحية هذا الفكر التخديري منذ أحداث الحرم المكي سنة 1979 حين اقتحم أحد الإرهابيين وعصابته الإجرامية هذا الحرم، معلنا نفسه «المهدي المنتظر».

[align=center]
جهيمان العتيبي[/align]

ولم يكن ذاك الشخص الخارج على السلطة و«الثائر» ضدها غير محمد بن عبد الله القحطاني الذي نصبه أتباعه بقيادة جهيمان العتيبي، «المهدي المنتظر». ويصف الباحث الفرنسي أنطوان بسبوس في كتابه «العربية السعودية موضع تساؤل» هذا الحادث بقوله:

«هذا الحادث الغريب هز أركان عرش آل سعود. كان ولي العهد الأمير فهد يشارك في اجتماع عربي بتونس والأمير عبد الله قائد الحرس الوطني، كان يوجد بدوره بالخارج. تحولت مكبرات الصوت القوية المخصصة لإذاعة خطب العلماء وللآذان، فجأة إلى وسيلة لصب سيل من السب والطعن في آل سعود وفسادهم وزندقتهم، والدعوة إلى النبع النقي الصافي للإسلام.. أمام هذا التحدي الخطير، كل شيء كان يدل على الهلع والخوف اللذين بالملك خالد. أغلقت المطارات وقطعت الاتصالات مع الخارج، واستدعى الملك العلماء وطلب منهم إصدار فتوى تبيح للجيش الهجوم على المسجد الأكبر. بينما طالب العسكريون من أجل التدخل بأن يصدر بن باز نفسه الفتوى...

وأخيرا مروا إلى الهجوم غير أنهم تلقوا خسائر كبيرة في قبو المسجد، ثم استنجدوا بالقوات الخاصة الأردنية.. غير أن التوفيق لم يحالف تلك القوات. وبعد استنفاد كل الوسائل، التجأت العربية السعودية إلى فرنسا، التي بعثت بفرقة GIGN «فرقة التدخل التابعة للدرك الوطني الفرنسي» بقيادة القبطان بول باريل، والتي استطاعت أن تقتحم المسجد. وفي الساعات الأولى من يوم خامس دجنبر، تمكنت من أن تفرض الاستسلام على المتمردين»..

طبعا دام الاقتتال أسبوعين كاملين لم تنهج السلطات السعودية استراتيجية حازمة لمحاصر الفكر الإرهابي واجتثات جذوره وعوامل انتشاره، بل اكتفت بقتل واعتقال الإرهابيين. وكان هذا أكبر خطأ ارتكبته الحكومة، كما جاء على لسان الأمير خالد الفيصل «ارتكبنا خطأ أننا قضينا على الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الجريمة ـ جريمة جهيمان ـ ولكن تغاضينا عن الفكر الذي كان وراء تلك الجريمة وتركناه ينتشر في هذه البلاد وكأنه لم يكن موجودا. وهذا خطأ كبير».

[align=center]
جماعة جهيمان العتيبي[/align]

وحدد الأمير خطورة الفكر التخديري الذي كان من نتائجه انتشار التطرف والعنف على نطاق واسع داخل المجتمع السعودي، حدد الخطورة في قوله «أنا أقول هناك تفجيريون وهناك تخديريون. هناك مخدرون، ناس يكفرون وناس يخدرون. الذين يخدرون هم الذين يسعون في هذا المجتمع ويقولون لنا جميعا هذه حاجة بسيطة، هذا موضوع طارئ، عارض وسوف ينتهي بانتهاء هذه الشرذمة، وهذه المجموعة، وهذه الأقلية التي سوف يُقضى عليها، والأمر منتشر، والفكر منتشر».

وبالفعل سيتولى أصحاب المنهج الخفي مهمة نشر التطرف وزرع بذوره في كل مؤسسات الدولة ومناحي الحياة. بينما الفكر التخديري تولى مهمة تعمية الأبصار وصرف الاهتمام عن التطرف وهو يكتسح المجتمع بمسميات عدة ومبررات شتى. ويعطي الأمير مثالا على هذا الانفلات الخطير بقوله «هذا الفكر منتشر في جميع مناطق المملكة.. حتى دور الأيتام..

فيه شريط يُتداول الآن في المملكة، شريط فيديو مصوَّر لأحد الأطفال عمره حوالي 10 سنوات يُسأل عن مثله الأعلى فيقول: «أسامة بن لادن». يُسأل عن هويته، يقول: «الإسلام». يُسأل عن وطنه، يقول: «العالم». لا يعلم الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، ولا يدرس أن هناك عاصمة أو بلد اسمه السعودية.

فإذا كان هذا الطفل يفكر بهذا التفكير في دار الأيتام، وهذه الدار تشرف عليها إدارة حكومية، والموظفون في هذه الدار موظفون حكوميون.. تصور هذا الذي يستغل هذا الطفل اليتيم ليشكل منه قنبلة بشرية تنفجر في يوم من الأيام في شوارعنا وبيوتنا». إن خطورة التساهل مع هذا النوع من الفكر المتطرف هي التي زجت بالدولة السعودية في أتون الإرهاب الذي بات يتهدد المجتمع والدولة على حد سواء.

[align=center]
الأمير السعودي حذر حكومته من مخاطر التساهل والتغاضي عن أصحاب المنهج الخفي أو التفكير التخديري[/align]

من هنا جاء الأمير السعودي محذرا حكومته من مخاطر التساهل والتغاضي عن أصحاب المنهج الخفي أو التفكير التخديري. ويبرر تحذيره هذا كالتالي «فأنا أحذر لو مرت هذه الفترة بنفس الأسلوب، بنفس الطريقة التي مرت بها فترة جهيمان، وأزمة جهيمان، سوف تكون العاقبة في المستقبل القريب أكبر بكثير مما هي الآن. لأنه لو قارنت اليوم، ما يحدث اليوم وما حدث أيام جهيمان ترى الفرق شاسعا.

هناك كانت مجموعة تجمعت في الحرم وأعلنت التمرد. الآن لا، تغير الوضع. هناك برنامج وهناك تخطيط وهناك أسلحة متطورة، لم تعد رشاشات، أصبحت هناك متفجرات، سيارات مفخخة، قنابل الآر بي جي. تصور الفرق الذي حدث من أيام جهيمان إلى هذه الفترة، تصور الفرق الذي سوف يحدث، لا سمح الله، لو جاءت هذه المشكلة مستقبلا بعد 5 سنوات أو 10 سنوات. ماذا سوف يُستخدم من أسلحة، كيف سيكون مخططهم وتنفيذاتهم، كيف ستكون إدارتهم السياسية وإدارتهم العسكرية. سوف تكون متطورة أكثر بكثير مما هي عليه اليوم..

أكثر التأثير أتى من كتب سيد قطب والمودودي وبعض الذين انتهجوا هذا النهج مثل المقدسي والتي يُروج لها كثيرا في المجتمعات السعودية وخصوصا في المجتمعات الثقافية والشبابية».

إن هذه شهادة شاهد من أهل الديار السعودية التي اكتوت ولا زالت تكتوي بفتاوى التكفير ونيران التفجير.

مصداقية شهادة الأمير السعودي تستمدها من المسار الذي قطعه التطرف والمدى الذي اتخذه بفعل الدعم الرسمي والذيوع الخفي والمبطن. لقد كانت السعودية فعلا تحت تأثير الفكر التخديري الذي أوهمها أن هناك قلة قليلة من الشباب «الضال» ليست له أية امتدادات فكرية أو فقهية أو شعبية داخل المجتمع السعودي. وها هي المملكة السعودية تستيقظ على دوي التفجيرات المدمرة والسيارات المفخخة التي استهدفت حتى المقرات المركزية للأمن.

وبعد أن تخلصت من مفعول التخدير الذي مارسه أصحاب «الفكر التخديري»، تأكد لها وللمجتمع ولفئات واسعة من المثقفين أنهم جميعا على فوهة بركان. فكان حتما على السعودية أن تنهج استراتيجية جديدة وحازمة في محاربة الإرهاب واجتثات جذوره، عبر تجديد الخطاب الديني وإصلاح المناهج التعليمية وإقرار القوانين لمحاصرة المنابع المالية وكذا المنابع الفكرية التي تغذي التطرف. إنها خطوة على الطريق السليم لا زال المغرب يتردد في نهجها حتى الآن.

وآية ذلك أن المجتمع السعودي خلا من الأصوات المخدرة التي كانت تستهون التطرف وتتستر على مخططاته التخريبية. بينما في المغرب لا زال وقر الأصوات المخدرة يُسمع من به صمم، ولم يكُفّ عن ترديد «أن المغرب بلد آمن» وأن الفعل الإرهابي طارئ.

http://www.rasid.com/artc.php?id=8424