[align=center]المسألة الشيعية في العربية السعودية (2/2)[/align]



شبكة راصد الإخبارية - 18 / 11 / 2005م - 12:23 ص
فيما يلي الجزء الثاني من تقرير مجموعة الإزمات الدولية الصادر في 19 سبتمبر تحت عنوان «المسألة الشيعية في العربية السعودية»، والذي سبق لـ «شبكة راصد الأخبارية»أن نشرت الجزء الأول منه في 14 أكتوبر الماضي.

وتناول الجزء الأول عدة محاور حيوية فيما يتعلق بالمسلمين الشيعة في العربية السعودية، ومن ذلك؛ مقدمة حول التشيع في العربية السعودية، والتشيع السياسي البروز والمجابهة، والسياسات الشيعية المعاصرة والبنى السياسية القائمة، وأخيرا الإنتخابات البلدية وانفصام العلاقة بين الإسلاميين والليبراليين.

وتود الشبكة التذكير بأن الترجمة العربية المدرجة هنا، تمت دون أي تدخل في محتوى التقرير نهائيا. ولا تتحمل «مجموعة الأزمات» الجهة المعدة للتقرير الأصلي باللغة الإنجليزية مسؤلية هذه الترجمة.

الجزء الثاني..

4. المظالم الشيعية:
أ- التمييز.
ب‌- الشيعة كأعداء.
ج- العنف الطائفي.
د- السعوديون المفقودون.
5. مستقبل العلاقات السنية – الشيعية.
6. الخلاصة.

المظالم الشيعية

وهناك عدة أشكال يتجلى من خلالها التمييز الطائفي بحق الشيعة. وتتحمل المملكة، تاريخيا، قسطا كبيرا من المسئولية عن الطائفية المتجذرة نتيجة تحالفها مع الحركة الوهابية والصفقة التي صبغت نشوء الدولة السعودية الأولى.[65] وعلى الرغم من تقلص سلطة واستقلال المؤسسة الدينية الوهابية إلى حد كبير، إلا أنها لا زالت تمنح الشرعية الدينية للحكومة، في مقابل امتناع آل سعود عن مجابهة أساس معتقداتها التي تعتبر العداء للشيعة أحد أبرز معالمها.

وقد أثبتت الطائفية فيما مضى أنها أداة إستراتيجية فعالة، في مناهضة الخطر المحتمل والمتمثل في الثورة الإسلامية في ايران في الثمانينات، وكذلك المساهمة في توسيع دائرة النفوذ السعودي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.[66] وقد مارس رجال الدين ذوو المراكز الرسمية وغير الرسمية، في المعاهد الدينية الممولة من الدولة، والمدارس وحتى القطاع الخاص، مارسوا نشر الكراهية والتمييز الطائفي بحق الشيعة.

وتعود معظم الممارسات الطائفية للحقبة الأولى من بناء وتأسيس الدولة. لكن التوتر الطائفي اتخذ منحى أبعد من أي وقت مضى منذ الثورة الإيرانية في العام 1979. وهذا التصاعد جاء نتيجة تفاقم الأوضاع في العراق: مع تنامي السيطرة الشيعية، وتحجيم الهيمنة السنية التقليدية، في ظل التنافس الشيعي - السني العنيف سياسيا وعسكريا.

وينطلق قلق وخوف العديد من السعوديين وكذلك السُنة في المنطقة من السيطرة الشيعية في العراق من الخشية في أن يحفز ذلك مواطنيهم الشيعة. وبرزت هذه المخاوف على نحو متزايد في الخطاب المتشنج على خلفية الخشية من خطر العنف الطائفي.

أ- التمييز

[align=center]
الدكتور جميل الجشي[/align]

ويتجلى أحد أبرز مظاهر التمييز الطائفي في تضاؤل التمثيل الشيعي في المناصب الرسمية العليا. فلم يكن هناك في أي وقت مضى وزيرا شيعيا واحدا أو عضوا في مجلس الوزراء، والسفير الشيعي الوحيد كان جميل الجشي المبعوث لإيران من 1999 حتى 2003.

وعندما وسّع الملك فهد مجلس الشورى في 2005 -الهيئة شبه التشريعية التي تقدم المشورة للعائلة المالكة- من 120 الى 150 عضوا، تم تعيين عضويين إضافيين فقط من الشيعة ليتضاعف عددهم في مجلس الشورى إلى أربعة أعضاء. في حين تزامن ذلك مع تقليص عضوية الشيعة من عضوين إلى عضو واحد ضمن إعادة الهيكلة لمجلس المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية والمكون من 15 عضوا، وهو هيئة يرأسها مباشرة أمير المنطقة وتمتاز بسلطات أوسع من المجلس البلدي المنتخب.[67]

ويواجه الشيعة عدة مستويات من التمييز، فالتعليم من جهة يعد معضلة. إذ يشتكي الطلاب الشيعة من التعصب والممارسات العدائية لمدرسيهم السُنة، الذين ينبزونهم عادة بالكفار والمشركين أو الرافضة «وهي صفة ترمز للشيعة».[68] وفي نسخة من امتحان مادة التاريخ لأحد الفصول الدراسية بالمرحلة المتوسطة حصلت «مجموعة الأزمات» على نسخة منه، طُلب من التلاميذ مناقشة التالي: «لماذا يطلق أهل السُنة على الشيعة لفظ الرافضة».



وتتضمن المناهج الدينية في المدارس الابتدائية والثانوية، ومن ضمنها المدارس ذات الغالبية الشيعية، على مثل هذه المادة، ويتضمن الفصل الأول من من أحد كتب الفتاوى المتداولة تهميشا وحطّا من قدر «الرافضة».[69]

وأشار ناشطون شيعة ضمن دعوتهم المعلنة لإقامة مؤتمر عام في 2004 لغرض مناقشة التمييز في المدارس، اشاروا إلى حادثة جرت في إحدى المدارس الابتدائية في الرياض عندما شنّع أستاذ على طالب شيعي بوصف الشيعة بالمرتدين.[70]

وفي تجاهل مكرر لحقيقة كونهم يشكلون الأغلبية المطلقة، ليس للشيعة تمثيل جيد في الهيئات التدريسية في المدارس والكليات وإدارة التعليم في المنطقة الشرقية، والنساء والبنات هن الأكثر تضررا، فلا توجد مديرة شيعية واحدة في أي من مدارس البنات في المنطقة، وهو ما دفع مجموعة نسائية ناشطة الى ندب حظهن لعدم تمكنهن من الإشراف حتى على رعاية وتعليم أطفالهن.[71] ويتم تحذير المدرسين الشيعة في أنحاء الشرقية بأن لا يعبروا عن معتقداتهم وإلا تعرضوا لعقوبات صارمة، بينما يتم التركيز في المقابل على الفكر الوهابي في جميع المقررات الدراسية.

وفي وثيقة حصلت «مجموعة الأزمات» على نسخة منها في 2004 من احد محاضر الشرطة، وتتعلق بأحد المدرسين الشيعة في إحدى المدارس المتوسطة بالأحساء، ويبلغ من العمر 49 سنة، والذي تم فصله من عمله وسجنه لمدة شهر، لأنه شيّد قاعة في بيته يمكن أن يجتمع فيها الشيعة لإحياء شعائرهم الدينية ويناقشون أمورهم الاجتماعية. وقد أشار محضر الشرطة إلى هذه القاعة بإسم «حسينية». مما يُعد ذلك بدعة، وما يعطي غالبا الذرائع للوهابية لممارسة البطش.[72]

إلى ذلك يواجه الشيعة ضغوطا إضافية أخرى بمجرد التخرج من المدارس. فالوظائف في الأجهزة الأمنية -الشرطة والجيش- نادرة، وحتى من يحصل على فرصة وظيفية ضمنها، تنعدم أمامه أي فرصة للترقية.[73] والتمييز متفش كذلك في القطاع الخاص وإن كان صعبا على التوثيق.[74] والنتيجة هي معاناة الشيعة من فقر متفاوت وحياة معيشية بائسة، تبدو واضحة للعيان من خلال زيارة واحدة للشرقية، سيما في ظل غياب أي إحصاءات رسمية في هذا المجال.[75]

ب‌- الشيعة كأعداء

لاتزال المفاهيم المعادية للشيعة التي غرسها محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر تحتفظ بجزء كبير من زخمها في القرن الواحد والعشرين.[76] فلا يزال في نظر بعض السُنة، الشيعة كفارا، ومروجين للشرك المخالف لمبدأ التوحيد ومرتكبون للبِِدَع – وهي ذنوب قد يعاقب مرتكبوها بالموت-.

ولهذا الازدراء جذوره الدينية حين أُعتبر الشيعة مرتكبون لأقصى درجات الضلال لرفضهم الخلفاء المباشرين للنبي محمد، أبو بكر وعمر.[77] واعتبر الشيخ محمد بن صالح العثيمين «توفى 2001» وهو رجل دين سبق وأن احتل مرتبه متقدمة في هيئه كبار العلماء، اعتبر هذا التصرف بأنه أعظم من أي خيانة ارتكبها اليهود والنصارى. كما ادعى أيضا «بان الشيعة يتحملون كذلك مسؤولية سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد وغزو المغول وقتل الكثير من العلماء». [78]



كما يمكن ان يأخذ التعصب أشكالا متطرفة أخرى، من خلال تشهير رجال الدين وآخرون بالشيعة باعتبارهم العدو الرئيس. فقد اصدر عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الذي أصبح فيما بعد عضوا في هيئه كبار العلماء، أصدر عام 1991 فتوى وصم فيها الشيعه بالمرتدين عن الدين متغاضيا بذلك عن مسألة قتلهم.[79]

وفي إجابته عن سؤال في يناير 1994 حول صلاة «الرافضة» في المساجد السُنية أصدر الجبرين فتوى أخرى أكد فيها «أنهم الأعداء وان الله يحارب أولئك الكذبة»[80] وفي فتوى أخرى في نفس العام جاءت في معرض إجابته عن سؤال حول كيفيه التعامل مع الشيعة في مكان العمل قال «إنه من الضروري إظهار مقتهم والنفور منهم وكرههم والتضييق عليهم». [81]

وضمن بعض الأمثلة الأكثر سوء كانت الخطب المتطرفة والتي وضع لها حدا بعد سبتمبر 2001 عبر قيام الحكومة بالتضييق بصورة عامة على ممارستها وتحذير رجال الدين الذين يتسلمون مرتباتهم منها، بالطلب منهم التخفيف من نبرة خطابهم. ومع ذلك ظلت المؤسسات التي ليست تحت الإشراف المباشر للدولة مستمرة في بث الإشاعات ضد الشيعة باستعمال أقصى درجات الكلام الفاحش لإثارة المشاعر حيالهم.

وقد وزعت منظمه الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي منظمة إغاثة خيرية سعودية رائدة، ذات نفوذ قوي وتتخذ من جدة مقرا لها، وزعت عام 2002 كتابا في الأحساء بعنوان مائه سؤال وجواب عن العمل الخيري، وإدّعت فيه:

انه من الضروري للمسلمين السُنة أن يظهروا البغضاء لأهل البدع، والنفور منهم واحتقارهم ونعتهم بالرافضة، والمنكرين لله، وزوار القبور «وهو سلوك فيه ضلال حسب المذهب الوهابي» واعتبارهم مرتدين. ومن الواجب على المسلم قدر استطاعته أن يتخلص من شرورهم. [82]



وقد علّق أحد المسئولين الحكوميين مؤخرا على مسألة توزيع مثل هذه المطبوعات بالقول «أنا اعلم ان تلك الكتب توزع وأعلم أننا لم نقم بعمل أي شيء حيال ذلك، إنه لأمر يغمرني باليأس».[83]

وأذكت الحرب في العراق وما صاحبها من تولي الشيعة السلطة في الدولة الروح العدائية ضد الشيعة مجددا. وشددت على ذلك منشورات دعائية على احد المواقع المشهورة في الشبكة العنكبوتية بالإشارة إلى «إنهم العدو، إنهم العدو، إنهم العدو» مضيفه «لعن الله الرافضة». [84]

وكتب ناصر العمر عام 2003، وهو رجل دين برز في التسعينات ويشتهر بعدائه للشيعة، كتب كراسا صغيرا بعنوان «الرافضة في بلاد التوحيد». اتهم العمر شيعة العراق بالوقوف مع القوات الأمريكية، مدعيا: بأنهم بدءوا بقتل إخواننا من أهل السُنة، وهو الأمر الذي كان إخواننا يخشونه قبل الحرب. وعلى الرغم من إنهم في بداية الأمر قاوموا قوات الاحتلال الأمريكي إلا أن مواقفهم الحقيقية ظهرت الآن، وهذا يظهر مدى العلاقة القوية بين أمريكا والرافضة.

ويورد العمر دليلا على أن الشيعة كانوا ولوقت طويل ممالئين للولايات المتحدة بالقول «إن معظم من رحب بالأمريكان لدى دخولهم بغداد كانوا من الرافضة» نحن حذرنا من قبل «بأننا لن نلتقي معهم أبدا في نفس الطريق. لا تنخدعوا بما يقولون، إنهم أكبر الكذابين عبر التاريخ».[85]

حتى أن سفر الحوالي - وهو رجل دين معروف كان قضى وقتا في السجن بسبب أنشطته السياسية- قاطع الحوار الوطني في سنه 2003 نتيجة لمشاركة الشيعة فيه.[86]

وقال سعوديون شيعة لمجموعه الأزمات أن أحداثا شبيهة بذلك سبق وأن وقعت على المستوى المحلي. ففي غمرة إدارتها للحملة الواسعة ضد الإرهاب، مولت الحكومة مؤتمرا في فبراير 2005 لإلقاء خطب وعقد ندوات تشجب أعمال العنف المسلح في أنحاء المملكة. وقد حدث في إحدى حلقات النقاش المعدة لتناول مسألة الحاجة إلى مزيد من التسامح، في جامعه الملك فيصل في الهفوف وهي مدينه شيعيه – سنيه مختلطة في المنطقة الشرقية، أن عددا من الشخصيات الدينية السُنية استشاطوا غضبا نتيجة رفض الزعامات الدينية الشيعية التحرك من مقاعد الصف الأمامي الأول في القاعة.[87]


ج- العنف الطائفي

نادرا ما حصلت اعمال عنف ضد الشيعة منذ مطلع القرن العشرين.[88] الا انه ومع تصاعد وتيرة التوتر في السنوات الأخيرة، انتشرت -على أي حال- وبسرعة إشاعات غير مؤكدة حول مخططات فاشلة لهجمات ضد التجمعات السكانية الشيعية.[89] ويعتقد عدد من الناس جازما بوجود مؤامرة مدبرة لقتل الصفار خلال أيام عاشوراء عام 2004 وبحسب ما يشاع فان العملية أحبطت حين القي القبض على مسلحين اثنين في القطيف.[90] إلى جانب محاوله مشابهة يعتقد الشيعة بأنها أحبطت في عاشوراء عام 2005، عندما تم رصد مسلحين يصورون مساجد شيعية وحسينيات زُعم انه تم اعتقالهم.

وقد وقعت في غضون السنتين الماضيتين أحداثا أوحت ضمنيا أنها ذات طابع طائفي مثل حرق مساجد للشيعة في القطيف وحسينيات في تاروت، بالإضافة إلى تدنيس مقبرة شيعية في عنك.[91] وهناك أعمال عبثيه عشوائية أخرى مثل حرق السيارات في مناطق سكنية عدة حول القطيف ساهمت في تنامي حالات الشعور بالقلق.[92]

إجمالا، يمكن القول كما ورد على لسان صحفي شيعي أنه «بتأثير من أحداث العراق صارت المواضيع السُنية الشيعية محط اهتمام عام اكبر في العربية السعودية. أما القضايا القديمة، مثل قضية فلسطين، فقد استعيض عنها أو استبدالها بتوجيه الغضب ضد الشيعة».[93]

د- السعوديون المفقودون

إن من الأمور التي صارت مصدر قلق متصاعد في العلاقة السنية الشيعية هو الخشية من تزايد أعداد الجهاديين المسلحين المتوجهين للعراق. ومن ضمن دوافعهم في ذلك وأبرزها هو معارضتهم لسياسيات الولايات المتحدة وتواجدها في المنطقة،[94] إضافة إلى رغبتهم في الفرار من المملكة نتيجة ضغط الضربات والملاحقة الأمنية. غير إن العداء للشيعة وتعاظم دورهم في العراق يتخذ كذلك جانبا مهما ضمن مبررات ذهابهم إلى ذلك البلد.



وقد استنتج احد المراقبين السياسيين السعوديين والذي قام بإجراء مقابلات مع مواطنين للاطلاع على أنشطة الجهاديين في العراق إضافة إلى إفادات الرسميين العراقيين بان العديد من هؤلاء ذهب الى هناك «لقتل الشيعة».[95] وبعبارة أخرى يمكن القول؛ على قدر تصاعد أعمال العنف هناك في العراق، على قدر ما تتنامى أخطار انتشاره في المنطقة.[96]

ويقدر عدد السعوديين المنضوين تحت حركات التمرد العراقية بين عدة مئات [97] إلى عدة آلاف. [98] وتفيد دلائل غير قاطعة استندت لها مجموعه الأزمات بأن الشبان السعودين المجندين جاءوا من مختلف أنحاء المملكة. [99] وقد أفاد احد العائدين مؤخرا من العراق إلى موطنه القصيم «وهي منطقه تقع شمال الرياض وتعتبر على نطاق واسع مركزا للخط الديني الوهابي المتشدد والمحافظ» أن عدد من انضموا إلى الجهاد في العراق من منطقته وحدها يبلغ 300 شاب. [100]

كذلك، ونتيجة لتشديد الضربات الأمنية المحلية غامر عدد من الأعضاء المعروفين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالذهاب للعراق في الأشهر الأخيرة. [101]

وتفيد تقارير إعلامية عربية بأن الجهاد في العراق استقطب سعوديين على نطاق واسع من الرياض وجدة وبريدة وحائل والخبر والأحساء والجوف وحفر الباطن وأماكن أخرى، وعُرف أولئك من خلال قوائم الذين ألقي القبض عليهم أو قتلوا هناك. [102] ان أعداد السعوديين الذين قبض عليهم في العراق وسوريا - ذات الحدود غير المنضبطة التي جعلتها الجهة المفضلة لتسلل الجهاديين عبرها من مختلف مناطق الشرق الأوسط - أضافه إلى أولئك الذين قتلوا في الأشهر الأخيره في تزايد مضطرد. [103] وتتراوح أعمار معظم هؤلاء ما بين 20 و30 سنه، متعلمون، ويتسللون عبر الحدود العراقية السورية، وكثير منهم تركوا خلفهم عوائلهم وأطفالهم.

وعلى عكس المجاهدين الذين قاتلوا في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي فان المسلحين اليوم لم يستفيدوا من الدعم الرسمي؛ والحقيقة، ان المملكة أدانت علناً الجهاد الخارجي وكانت تضغط على رجال الدين لإدانته. أما الآباء فهم في الغالب ليسو على علم بان أبناءهم «المفقودين» غادروا الوطن، ولم يعرف الكثير منهم بموت أبناءهم إلا من خلال مكالمات هاتفية قصيرة وردت من المتمردين الذين لا يزالون على قيد الحياة. [104]

ان ما يبدو في حكم المؤكد هو عودة عدة مئات من المجاهدين السعوديين ممن جربوا الحرب في العراق، لتبرز احتمالية بحثهم عن ساحة حرب جديدة -كما حدث لأسلافهم العائدين من أفغانستان- وليشكلوا بالتالي مصدر تهديد محتمل لأهداف غربية وحكومية بالإضافة إلى الأقلية الشيعية.

5- مستقبل العلاقات السنية – الشيعية

الموقف السياسي السعودي من الشيعة من حيث الأصل، نابع من العداء المتوارث، وزادته الشكوك الأخرى التي ولدت عام 1979 في أن الشيعة قد تبنوا دعوة الخميني للثورة والرغبة في الاستقلال، ومن خليط بين الرغبة في المجابهة والتضييق في أعقاب أحداث نوفمبر سنه 1979، أو من خلال الانفراج الأخير الذي أعقب لقاءات عام 1993.

على كل، وفي ظل علاقات اتسمت بالتمييز الطائفي، فقد تشكلت هناك مشاعر عميقة وتحريضية ضد الشيعة، كما برز هناك سلوك يتعامل مع الشيعة على انهم مصدر تهديد للأمن يجب احتوائه، أكثر من اعتبارهم مجتمعا يجب الاندماج معه. [105 ] وهذا لا يعني بأن الحكم السعودي قد أطلق العنان لأشد حالات عدم التسامح، لكنه فرض في واقع الأمر قيودا محدودة ومتقطعة وحذرة.

ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن الملك عبد الله في طريقه إلى بذل جهود متقدمة للانفتاح على الشيعة والدفع باتجاه اندماجهم، وقد يكون الآن في وضع يمكنه من أحداث تغيير اكبر.

وهو بدأ فعلا عام 2003 عندما كان وليا للعهد، باتخاذ خطوة هامة عبر تشكيل أطر عمل لانخراط زعماء دينيين سنة وشيعة في حوارات مباشرة، كما يوجد هناك ما يدعو للاعتقاد بأنه راغب في الاستمرار في هذا المسار، ولكن مع وضعه هذا الهدف على عاتقه فإنه يواجه عقبات كبيره.

ومن هذه العقبات اثنتان، هما؛ الانقسامات داخل العائلة الملكية، وتقدمه في العمر، ويبدو أن الوقت ضيق جدا أمام هذا الرجل الثمانيني كي يحقق أهدافه، إذ عليه أن يقاوم الصراعات المتعلقة بمن سيخلفه وبذلك فإنه من المحتمل أن يفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه أكثر من المغامرة في إجراء تغييرات جريئة. وتكمن المعارضة لإجراء التغيير في المستويات البيروقراطية الوسطى التي تتسم بقناعات آيدولوجية جامدة تعيق جميع الدعوات التغييرية.[106]



ويتردد المسئولون الرسميون في التخمين بالنتائج السياسية لإزالة السياسة المعادية للشيعة، وهو جزء من إحجام أوسع يتجنب مناقشه القضايا الطائفية. حتى إن تفاصيل لقاء الشيعة وهو الأهم مع الأمير عبد الله سنه 2003 لم تظهر للعلن إلا من خلال صحيفة القدس العربي التي تتخذ من لندن مقرا لها.

ولا يزال المسئولون الرسميون يشيرون خفية إلى أسباب ضرورة أن يحدث التغيير ببطء وترو. إذ وفي كثير من الأحيان تثار حجة ان التحرك السريع والمختلف عليه نحو الإصلاح سيكون ورقة في أيدي النشطاء الوهابيين الأكثر تطرفا. [107] وفي هذا السياق يُنظر إلى أن أمكانية حدوث أي تهديد أكبر جرّاء اضطرابات شيعية، هو اقل من تلك الأخطار الصادرة عن المسلحين السُنة في حال تم خنق مشاعرهم المضادة للشيعة، ومن ثم التسبب في تحويل غضبهم نحو النظام.

ويعكس هذا النظرة عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الله الطويرقي بقوله جازما بأن التسرع غير المحسوب سيقود إلى «أشياء كارثية» إضافة إلى أن تسارع التغييرات سيجلب للسلطة أناسا «لن يدعوني أنام بسلام». [108] ومع مثل أصحاب المصالح الخاصة هؤلاء، هناك اهتمامات ذات صلة لا يمكن أن تترك خارج السيطرة مع الأخذ بعين الاعتبار اعتماد المملكة بشكل كبير على شريعتها الدينية وعلى دورها المبدئي الواضح في موقفها غير الممالئ للتشيع.

[align=center]
الدكتور تركي الحمد[/align]

ويعترف تركي الحمد وهو من الإصلاحيين البارزين والمعروف بتنديده العلني بالتطرف الديني، بأن الدولة «لا يمكن أن تتخلى عن الوهابية فهي تحتاجها لإضفاء الشرعية». [109] مثل هذه الحساسية عند المسئولين الرسميين تعززت مؤخرا مع المخاوف من انتعاش آمال الشيعة وصعودهم في المنطقة. وقد عبر المسئولون في وزاره الخارجية عن قلقهم من التدخل الإيراني في العراق وعن إمكانية تأثير ذلك على العربية السعودية وعلى عموم المنطقة. [110]

ومن المفارقات، أنه عند الإشارة إلى التهديد الذي يمثله الجهاديون المسلحون، فإن موجة العنف الحالية قد توفر أفضل الفرص لمعالجة المسألة الطائفية، سيما مع ردة الفعل الخاطفة من قبل الحكومة تجاه سلسلة الهجمات التي حدثت في مايو 2003 حين اعتقلت وقتلت المئات من المسلحين المتهمين بهذه العمليات.

وبرعاية من الأمير عبد الله ولي العهد آنذاك وبدعم من مواطنين ذوي عقليات إصلاحية [111] نظمت الدولة كذلك لقاءات لتعزيز الوحدة الوطنية والتسامح. [112] ومن أهم تلك اللقاءات ذات المغزى كان لقاء الحوار الوطني الأول الذي انعقد في يوليو 2003، حين ناقش السُنة والشيعة والصوفيون والاسماعيليون سبل تجنب العنف المسلح وتعزيز التعددية الإسلامية.

وعقدت سلسله نقاشات غير مسبوقة بين الصفار، الزعيم الشيعي، ورجال دين سنه بارزين «من ضمنهم سلمان العودة وعايض القرني وعوض القرني» والذين سبق وأن صنفوا الشيعة بإعتبارهم كفارا. [113] وبالرغم من إن هذه اللقاءات لم تتوصل إلى نتائج راسخة، إلا أنها شرعنة مسألة الحوار الشيعي السُني ومهدت الطريق لإجراء المزيد من اللقاءات الأخرى. واستجابة لدعوة مفتوحة من الصفار، سافر عوض القرني للقطيف في 2004 ليشارك في المجلس الأسبوعي للزعيم الشيعي ويستمع للحضور من الشيعة وهم ينفسون عن غضبهم حيال عقود من التمييز الطائفي.

كما عقدت عدة لقاءات أخرى بين شخصيات شيعيه وزعامات دينيه سنية في 2005 ركزت على تقوية الروابط الداخلية بين مختلف الطوائف. [114]

وعلى نفس المنوال تعرضت الصحافة السعودية للمسألة الطائفية ضمن منحى أكثر انفتاحا، وإن كان بشكل غير مباشر.. في تقارير على سبيل المثال تشير إلى العنف الطائفي في باكستان والعراق، وتوجه ضمنها الدعوات للمسلمين عامة والسعوديين خاصة لإدراك الخطر وتجنب التصعيد. [115]

وفي ملحقها الأسبوعي الإضافي والمخصص للقضايا الإسلامية نشرت جريدة المدينة اليومية مقابلة مطولة مع الصفار موفرة له منبرا لا سابق له ليخاطب من خلاله السُنة وفق برنامج يؤكد فيه الإلتزام بالوحدة الوطنية والتعايش وتحسين العلاقات الشيعية -السنية. [116] إن التأكيد على مسألة الوحدة الوطنية عند آل سعود وحلفائهم داخل المؤسسة الدينية يعدّ أملا آخر إن لم يكن مؤشرا لا يعتريه الشك.

وتتفاوت مواقف السكان الشيعة إزاء تلك اللقاءات. فالبعض منهم رحب برغبة القرني في اللقاء والتحقق، سعيا باتجاه تغيير المواقف: «انظر إلى السلفيين الآن، أولئك الذين نعتبرهم متطرفين يتغيرون، وهذا شي في مصلحة الوطن، الحكومة تعاملت مع هذا الأمر بصورة جيدة» [117] ، على كل حال، لا يزال التوجس والحذر يلقي بظلاله على مشاعر الجميع.

وكما أشار أحد قادة المجتمع، أن المحك هو في تضاؤل خطابات الكراهية والتحريض. [118] وقال سكان القطيف والأحساء وسيهات وتاروت لمجموعة الأزمات بأن تأثير هذه اللقاءات ظل محدودا حتى الآن. وقد كشف أحد سكان الأحساء عن ذلك بالقول متهكما بأن السُنة يطبقون التقية، وهي ممارسة تعزى تقليديا للشيعة الذين يخفون عقيدتهم خوفا من الاضطهاد. [119]

الخلاصة

لازالت العلاقات الطائفية بالعربية السعودية بعيدة عن نقطة الغليان، كما أن خطر نشوب مجابهة وشيكة يبدو ضئيلا. وهذا ما يدفع المسئولين تلقائيا إلى التقليل من أهمية هذه المسألة. وكما أشار كاتب عمود بصحيفة الشرق الأوسط مشاري الذايدي وهو من الذين يدافعون عن الحكومة وبنفس الوقت من المنتقدين الأشداء للتطرف الوهابي، بالقول، بالرغم من انه «لا يزال هناك تمييز طائفي يمارس بحق الشيعة»، ألا أن خطر تصاعد التوتر لا يزال هامشيا، «واستُهدف الشيعة العراقيون لأنهم يشكلون الغالبية، أما في السعودية فإنهم لا يشكلون أولوية».[120] لكن لا يوجد مع ذلك سبب يدعو للاطمئنان؛ وعوضا عن ذلك؛ جميع الأسباب الآن تدعو لاتخاذ خطوات بإتجاه نزع فتيل أزمة كامنة وانتهاز الفرصة لاستحداث سياسات أكثر انفتاحا.

ولقد أحيا مجيء الملك عبد الله آمالا حذرة، ففي غضون ثلاثة أسابيع من مجيئه أشار إلى رغبته في تعزيز العلاقة بالشيعة السعوديين، وذلك عندما استضاف وفدا شيعيا من المنطقة الشرقية، رأسه حسن الصفار وطالب أعضاء الوفد بالعفو عن جملة من السجناء السياسيين. [121] ولم تخرج نتائج هذا اللقاء للعلن لكن رغبة عبد الله في لقاء الشيعة لمناقشة مظالمهم تعد أمرا مشجعا.

وقد أبدى -عبد الله- في الماضي رغبة استثنائية في معالجة العلاقات الطائفية، وكان من أبرز تجلياتها عندما جمع عينة من العناصر الدينية والناشطين سويا. لكن، في الوقت الذي يعد ذلك الاجتماع خطوة أولى أساسية، كونهم جميعا تحت سقف واحد. الا انه فتح الطريق أمام عقد اجتماعات متابعة خاصة، جعلت رجال دين سنة بارزين عرضة لهجمات زملائهم، المنافسين أو الأتباع، لذا فالدولة يجب أن تلعب دورا رياديا داعما.

وذلك ما يعني الاستمرار والمشاركة في عقد لقاءات الحوار الوطني دوريا، والتركيز على وجه الخصوص على التعددية الإسلامية والتسامح الطائفي على مدى فترة زمنية متواصلة لا على واقعة زمنيه مفرده. [122]

الدعم الحكومي المباشر والمستمر وتحديد قضايا الحوارات يمكن أن يوفر غطاء سياسيا ضروريا لرجال الدين الراغبين في المشاركة، كما يعد مؤشرا على دعم العائلة المالكة المتواصل. فبالإضافة إلى تحسين العلاقات بين الزعامات الدينية السُنية والشيعية يحتاج الحكام السعوديون الى تعيين الشيعة في المؤسسات الحكومية على المستوى المحلي والوطني لتجاوز عقود من التمييز الطائفي في المنطقة الشرقية على وجه التحديد.

إن مثل هذا التحرك سيزيد من وتيرة التداخل الطائفي وتجاوز البيروقراطية ضمن فروع المؤسسات الحكومية، والتعاطي في ذات الوقت مع مصدر أساسي من مصادر التوتر لدى الشيعة.

[align=center]
سوق غير مرخصة لبيع الكتب الشيعية بالقطيف[/align]

وعلى الحكام السعوديين ان يكونوا كذلك أكثر انفتاحا على المشاعر الدينية الشيعية. وهو الأمر الذي بدأ بالفعل؛ مع تصاعد حالات السماح بالممارسات الدينية الشيعية من قبل المسئولين على المستويين المحلي والوطني، بما في ذلك إحياء شعائر عاشوراء، والسماح عمليا بممارسة النشاط غير الرسمي لحوزتي القطيف والأحساء العلميتين، وبيع الكتب الشيعية -الممنوع تداولها- في السوق السوداء، والسماح حتى بإنشاء بعض المساجد الجديدة. والخطوة التالية المطلوبة هو ترسيم تلك الممارسات حكوميا وبشكل صريح ومعلن.

وأخيرا، على السلطات التصدي للوقائع الطائفية الأكثر تطرفا. وهذا الأمر يتطلب إجراءات صارمة في مواجهة العداء للتشيّع ضمن عدة صيغ: ممارسات التمييز الطائفي، التحريض وإثارة النعرات العدائية الدينية، والتمييز الطائفي في المناهج التربوية والدراسية، كما يجب كذلك اظهار الإدانة العلنية للغة الخطاب الديني الموجه ضد الشيعة، وإذا لزم الأمر يجب أن يكون هناك تحركا قانونيا في مقابل الدعوات التحريضية على العنف، بما يشمل تجريد المثقفين المحرضين من المرتبات المالية المدفوعة من خزينة الدولة، وحرمانهم من مصادر التمويل، وإصدار أوامر الاعتقال في الحالات الأشد خطورة.

من جانبهم، الشيعة عليهم أن يؤكدوا على التزامهم بالوحدة الوطنية ونبذ العنف. ومن غير المحتمل في الوقت الراهن بروز تحركات شيعية نشطة وواسعة النطاق، ولكن احتمالية ظهور مجموعات أكثر عنفا وتسلحا هو أمر وارد ويجب احتوائه.

[align=center]الرياض/ عمّان/ بروكسل، 19 سبتمبر 2005.[/align]
---------------------------------------------------------------

المصدر:
http://www.rasid.com/artc.php?id=8690