النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    1,348

    افتراضي الملحق لكتاب (السفير الخامس) الحلقة 2

    (ص): الحق اقول ان الامام الصدر قد بين الكثير من متطلبات المجتمع، ولا يوجد بيت الا وترى فيه كتاباً او كراساً او صورة لسماحته حتى من غير مقلديه، وهذا من الامور المدهشة ولم يسبق لها مثيل فما هو السبب برأيك؟
    (الشيخ): السبب الظاهري هو ما ذكرته ان الامام الصدر قد لبى وتعمق في حاجيات المجتمع ولم يترك مسألة الا وكان السبّاق في حل معضلاتها، وبالامكان القول إن اي مسألة يوجد لها جواب عند كل فقيه، فهذا صحيح، ولكن كم من الفقهاء وصل الى ما وصل اليه الامام الصدر من انسجام مع المجتمع، واعتقد ان السبب الرئيسي هو المدد الغيبي، ان يد الغيب الا لهية قد امتدت لتغرس في كل قلب اسم الامام الصدر والمسألة تتفاوت بين شخص وآخر، فهناك المحب وهناك المعادي، وهناك المتوقف، وهذا ليس بغريب او جديد، فمن قبل كان اجداده صلوات الله عليهم كذلك، ولكن لو سألت المحب عن سبب حبه لأجابك بموضوعية وامانة وصدق، وتجد في الخارج مدى صحة اعتقاده، اما المتوقف فهذا نتركه جانباً لأن العين التي لا ترى الحق توشك ان تراه واما الطرف الآخر الذي يكن حقداً وعداء فلو سئلته عن السبب لما وجدت عذراً او سبباً مشروعاً.
    وقد سألنا احدهم عن سبب عداءه للامام الصدر، فقال امهلوني ثلاثة ايام وانا اعطيكم السبب في ذلك ومضت الثلاثة والشهر، ولم يعطنا شيئاً، وارى ان الخلل واضح عند الطرف المناوىء لسماحة المرجع الاعلى.
    (ص): إن هذا امر مذهل، فمن غير المستطاع التصديق ان هناك متدين بلباس رجال الدين يفتري ظلماً على عالم، ولكني على أية حال كلما تذكرت نماذج قد وصلت الى مراتب علمية كبيرة ولكنها انحرفت، ارى هذا الاحتمال واضحاً.
    على اي حال فهنا مسألة، وهي انني قد صادفت الكثير من الاخوة وحوالي تسعون بالمئة منهم يقول انه رأى الامام الصدر في الرؤيا، وحتى بعض الاطراف الاخرى التي لا تقلد سماحته فهل من سبب يمكن معرفته؟
    (الشيخ): ان هذا من الامور الغيبية، وانا ايضاً رأيته عدة مرات، واعتقد ان رحمة الله ما كانت تتركنا من دون ان تشير علينا، ولتهدينا الصراط السوي، وكأن هذه الرؤى المختلفة والكثيرة جداً احد العوامل المساعدة لنا لكي نتقدم ونتحقق عن مدى صدق ما قيل عن الامام الصدر، ونحن نسلم ان الصدفة غير موجودة فهل من المصادف ان ترى الاغلبية من الشيعة الامام الصدر في الرؤيا ولا ترى غيره من المراجع او غيرهم مثلاً، وما دامت ليست مصادفة فما هي المسألة المستهدفة منها انها ولا شك الرحمة وا لهداية الا لهية لتميز الحق من غيره.
    (ص): بقيت عندي مسألة وهي تثار احياناً، لانكم حينما تقولون ان الامام الصدر يعتبر من أبرع العلماء في علم الاصول وأن بحثه من اشهر البحوث في هذا المضمار، يقول الطرف الآخر ان المراجع الباقين لديهم قدرة إصولية قد تتفوق على قدرة الامام الصدر، ولو بحثوا لأظهروا قدراتهم الفذَّة في ذلك.
    (الشيخ): نحن لا نشك ان علماءنا قاطبة يمتلكون قدرات عقلية فذة، فأن الاجتهاد كما وصفه احد العلماء لا يناله الا ذو حظ عظيم، ومن هنا فالجميع لديه قدرة اصولية، ولكن لا شك يوجد تفاوت في المستويات، واما مسألة انهم لو باحثوا لاظهروا اعلميتهم في هذا المجال فنحن وما دام الامر في علم الغيب لا نرجح الا ما نراه امامنا، وهذا ما يقتضيه العقل السليم. وايضاً ما هو المانع من ان يباحثوا فلا يوجد اعتراض والوقت متوفر لديهم.
    ولا اكتمك ان بعض العلماء كما قيل يخشى فيما لو اظهر قدراته الاصولية ان يكون بحثه محلاً للمقارنة مع بحث الامام الصدر، وعندها سوف يكون التمييز سهلاً على اهل الخبرة، ولذلك فهو يفضل الاقتصار على البحث الفقهي، وعلى اي حال فالمسألة كما ذكرت لك اننا نحاسب امام الله عما هو ظاهر لنا واما الذي لديه علم وكتمه فهو كعدمه بالاضافة الى مسألة خطيرة الا وهي حساب الله فمن كتم علماً... وتعرف انت باقي الحديث المشهور وقال الشاعر:
    خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في رؤية البدر ما يغنيك عن زحل
    (ص): احسنت كثيراً شيخنا والآن هل ترى لي ان اباشر بتقليد الامام الصدر.
    (الشيخ): انا شخصياً اعتقد جازماً بان الامام الصدر هو الاعلم والاعدل والاورع، فلا شك ان تقليده هو الواجب علينا جميعاً، ولكني اقول لك فلتكن هذه المحاورة الخطوة الاولى للبحث وانا اكرر عليك يجب ان تثير هذه المسائل فيما لو واجهت احداً، وانا شخصياً مستعد ان اطرحها وامام اكبر الشخصيات العلمية فيما لو حدثت مناقشة حول الاعلمية، وكذلك فلو حصل لك اطمئنان من هذا الكلام فأن عليك المبادرة والله ولي التوفيق.
    1417/ النجف الأشرف
    عباس الزيدي


    حوار حول المرجعية}القسم الثاني{
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أقبل وهو يردد أفكاره على شفتيه بصوت مسموع، وترى الحيرة بادية في عينيه، والحزن والكآبة قد اعتليا وجهه، وما أسرع ما بدأ يسرد على الشيخ همومه، الذي ظن في باديء الامر ان هناك مشكلة شخصية، او هي حاجة قصوى قد طرأت على صديقه، ولكن الكلمات الاولى سرعان ما بددت هذا الظن، وها هو الامر يعود مرة اخرى الى قضية المرجعية، واحوال الامة الاسلامية، وما اصابها من تشتت وتبلبل، في الوقت الذي تعيش صحوة اسلامية في كل انحاء البلاد الاسلامية، وكان اول كلام نطق به (الصديق): الى متى نبقى في هذه الحيرة، انها والله الفتنة بعينها.
    (الشيخ): ايها الصديق العزيز، ليس من مشكلة الا و لها حل، وليس من بداية الا و لها نهاية، وما اسرع ما تنقشع غيوم الاوهام امام شـمس المحاورة العقلية السليمة الخالية من التفريط والافراط.
    (الصديق): إن قولك هذا يا شيخنا الجليل كالبلسم على الجرح، ولكن الكلام شيء والواقع شيء آخر.
    (الشيخ): حدثني يا أخي عن همومك، وستجدني إنشاء الله تعالى بغاية الصراحة والموضوعية معك، فإن توصلنا الى نتيجة فهي. وإلا بحثنا سوية حتى نصل الى الحقيقة، او على الأقل الى المتيقن من الامور، او الحل الاوسط.
    (الصديق): إنك تشجعني على الكلام، وهذا ما لا نجده عند غيرك الا القلائل من الحوزويين، فما ان نطرح إشكالاً، او نثير تساؤلاً، حتى يأخذوا علينا كل السبل، بحجة عدم اثارة الفتنة، او بقو لهم انه لا فرق بين زيد وعمر، او بقو لهم هذا ليس من شأننا او من شأنك، وهذه أول مشكلة اطرحها عليك، لماذا حينما نستفسر عن مسألة تخص مستقبل الامة، او حينما نحاول أن ننقد بعض الحالات التي تبدو سيئة وتهدد سمعة الحوزة، او نستفسر عن امر غامض، نواجه بكم الافواه وكأننا أصغر شأناً من ان نبحث مستقبلنا.
    (الشيخ): هذا الامر ليس بجديد، وقد تعارفت عليه الحوزة في أكثر عصورها مع الاسف، فان الكثير لا يكاد يفرق بين الغيبة. وبين النقد البناء للوضع السي، الذي يظهر أحياناً كثيرة.
    والمشكلة ان هؤلاء لا يعرفون مسؤولياتهم كما هي على حقيقتها وكما هو معلوم فأن طالب العلم الذي يرتدي الزيَّ الحوزوي فانه ممثل بشكل او بآخر للحوزة، وبالتالي للأسلام، واي سلبية تظهر منه فأنها تؤدي الى الطعن في ظهر الاسلام، من حيث تأثر اغلب العوام بتصرفات المعمم وبالتالي تنعكس هذه التصرفات سلبياً على العوام، فيما لو كانت تصرفاته غير مسؤولة. فهم ينظرون الى الاسلام من خلال هؤلاء، وإن اخطأ هؤلاء ظنَّ الناس ان الخطأ في الاسلام نفسه، وهذا من الامور الخطيرة التي أدت الى انسحاب التأثير الاسلامي من ساحة المواجهة مع التيارات المضادة في فترات خلت. أما مسألة تحاشي الخوض في امور تخص المرجعية. فأن رائدنا هو الحق في كل امر سواء كان امر المرجعية او غيره، وعجباً من هؤلاء يقبلون ان يناقشوا الملحدين حول وجود الله تعالى، ويثبتوا ذلك بأدلة غاية في الدقة، بينما (يتورعون) عن الخوض في امر المرجعية وتفاصيلها، واثبات احقية طرف معين. وعلى اي حال دعك من هؤلاء، فانهم كانوا وما يزالون مجرد اشخاص تقليديين، ولن يقدموا او يؤخروا شيئاً في مسار الاحداث، فيما لو ارادت الامة الانعتاق، وكسر طوق التبعية العمياء.
    الصديق: انا لا اشاركك الرأي في قولك الاخير، فقولك انهم لا يقدمون ولا يؤخرون ليس صحيحاً تماماً. فهناك قطاع كبير من الجماهير ما زال تابعاً لهؤلاء، وخاضعاً لتأثيرهم، واستطيع ان اعطيك الكثير من الامثلة، هذا من جهة.
    ومن جهة اخرى فأن بعض هؤلاء من الشخصيات التي تمتلك خلفية علمية ومكانة اجتماعية لا يستهان بها، وأغلبهم ان لم نقل كلهم، قد طبع له أكثر من مؤلف، وهؤلاء من الشخصيات التي لها تأريخ حوزوي واجتماعي معروف، فعليك الآن أن تعالج هذه المشكلة الحساسة.
    (الشيخ): اولاً يجب ان ابين لك ما عنيته من انهم لن يؤثروا في المسار الاسلامي، او الجيل الذي بدأ بالنهوض ، وذلك لو راجعت بعض المؤلفات او المحاضرات حول سنن التأريخ، والسلسلة التاريخية التي تتتابع حلقاتها واحدة اثر اخرى بحتمية تاريخية لتبين لك ما يلي: أن سنن التأريخ قوانين ا لهية لا يمكن لافراد ان يقفوا حجر عثرة في طريق هذه القوانين، كما وان الافراد الشواذ لا يمكن ان يقفوا في طريق تقدم الامة اذا ارادت ان تخطو تجاه الكمال المنشود، والعكس بعكس ذلك تماماً، فان الامة اذا ما نكصت فسوف تسحقها تلك القوانين، لانها تستحق ذلك ولا يمكن لافراد حتى وان كانوا قياديين ان يؤثروا عند ذلك في تصحيح الانحراف، وعليك ان تتذكر مثلاً لماذا تاه بنو اسرائيل في الصحراء لمدة اربعين سنة؟ ستقول بسوء افعا لهم، ولكن قل لي لماذا تاه معهم موسى(ع) وهو معصوم عن الخطأ، وكذلك لماذا تبايع الامة يزيد ولماذا قُتل اخيراً الامام الحسين(ع)، هذا من جهة عكسية تماماً فان الامة اذا ارادت أن تتقدم فلن يقف في وجهها إفراد او فئات محدودة وانهزامية، واما كون هؤلاء من اصحاب الاقلام فهذا لن يغير من الامر شيئاً، فالامة تتقدم وهؤلاء يراوحون مكانهم وبالتالي سوف يكونون امام خيارين اما ان يقفوا بوجه المد والتيار الاسلامي، وهذا يعني نهايتهم على صعيد التأريخ وامام الله، واما ان يلتحقوا بالصفوف المؤمنة المجاهدة، وبالامكان ان نعطيهم خياراً ثالثاً عند عجزهم عن الامرين الا وهو الاعتزال التام وهذا اهون طبعاً من الوقوف بوجه الامة، وان كان حسابه شديداً امام الله فلا اعتزال في الاسلام. فان نصرة الحق واجبة على كل فرد كل حسب قدراته ووظيفته، والساكت عن الحق شيطان اخرس، وبالامكان ان نقارن هؤلاء بكل من خذل الحق في العصور السابقة، كالذين خذلوا امير المؤمنين صلوات الله عليه، او الامام الحسن(ع) او الامام الحسين(ع)، والى هذا الوقت، فأن الحق واحد في كل وقت ولا يمكن فصله فأننا لو تحاكمنا في كل امورنا الى الامام المعصوم(ع)، فيما لو استطعنا ذلك فهل سيقول لنا لا شأن لي بكم، واذا قال قائل ان الامام هو قائد المجتمع الاعلى ولا توجد مقارنة بيننا وبين الامام، فنقول ان الامام سوف يكون بالتأكيد مؤيداً لاحد الطرفين وانت اما معه او ضده او تارك للأمر كله وفي الحالتين الاخيرتين ماذا ستقول لله عند الحساب؟.
    الصديق: ان لهؤلاء فلسفة خاصة تقول: إننا اذا اعتزلنا فاننا سوف نسلم، وذلك ان الامر معمي علينا، وما دمنا لا نعرف الطرف المحق من المبطل فإننا عند اعتزالنا سوف لن نساهم في تضليل الناس في اتباع الباطل، ومن ذلك قول الشاعر:
    إن كان قولكما فلست بخاسر أو كان قولي فالوبال عليكما
    (الشيخ): هذا الاستنتاج ليس بصحيح جزماً، وذلك ان الاستشهاد بالبيت الذي معناه الأخذ بأحوط الامور غير متحقق في مسألتنا هذه، فأن العكس هو الصحيح، فأنهم لو اتعبوا الخط الناهض بزعامة الامام الصدر ـ دام ظله فسوف يستحصلون القدر المتيقن اكيداً، وذلك فمن ناحية فقهية فأن الامام الصدر اكثر احتياطاً من الطرف الآخر في المسائل الشرعية. ومن جهة قيادته للمجتمع فمن يستطيع ان يقول انه قبل تصدي الامام الصدر للزعامة كان هناك من يقود الامة بالصورة المطلوبة، او في حالة انسحاب الامام الصدر من الساحة ان هناك من يملك القدرة على التصدي لقيادة المجتمع، وكفاك واعظاً ما تراه من انزواء اهم الاطراف وتركهم المشاكل الخطيرة من دون أية حلول. ومن هنا فلو اتبعنا الامام الصدر فأننا بالأضافة الى استحصالنا الاحكام الاكثر قرباً للاحتياط، فأننا سوف نساهم في بناء مجتمع يتلاءم والظروف الحرجة التي تمر بها الامة الاسلامية، فكما تعلم فأن الاستكبار العالمي بقيادة الغرب الكافر، استشعر خطر الاسلام ونهضته الجبارة فصار يحوك الدسائس والمؤمرات لاجهاض النهضة الاسلامية، ومن هنا فأنه يحاول ان يمنع الامة من معرفة قيادتها الصحيحة بواسطة الاعلام، والادعاءات التي انطلت على اغلب اصقاع البلاد الاسلامية، ولو لا الرحمة الا لهية التي ادركتنا لعدنا نسير في ذلك الاتجاه المظلم، الذي لا نعرف نهاية لنفقه المرسوم لنا، ولسنا ندعي ان هناك بعض الزعامات الاسلامية متواطئة مع الاستكبار العالمي ابداً بل نقول إن اتباع هذه المدرسة ممن لا يشكلون اية مخاطر على اهداف الكفر التوسعية والتدميرية، لذا فبات لزاماً عليه ان يدعم الكثير من الاطراف التي تخدم مصالحه وبصورة لا تجعلنا نشعر بذلك، أما عندما يرون في بعض القيادات الاسلامية تحدياً يشكل خطراً عليهم فأنهم يبادرون اولاً الى تسقيطها في نظر الجماهير، وفي حال فشل هذا المسعى فأنهم يلجئون الى الحد من امتداد زحف هذه القيادة، حتى لو أدى الامر الى التصفية الجسدية، وناهيك عما حدث حينما أستشعروا التهديد من أحد أهم الشخصيات الاسلامية في وقت خلا، فبادروا الى القضاء عليها السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس). ومن هنا فاننا ومن منطلق المسؤولية امام الله وامام تأريخ الامة نحذر من أننا نتورط في مساعدة الكفر في مساعيه، وعندما تقع الكارثة ولات ساعة مندم، نضيع كما ضعنا طيلة اكثر من ربع قرن من الزمن الماضي، وكل لبيب بالاشارة يفهم.
    (الصديق): جناب الشيخ أنت تلمح الى امور لا يكاد العقل يطيقها، فهل ان السذاجة تصل ببعض الشخصيات العلمية بحيث تقدم مصلحتها الشخصية، وان كان فيها خدمة للكفر على مصلحة الاسلام والامة الاسلامية.
    (الشيخ): لا اُخفي عليك ان هناك مأساة مروعة، ولولا ان منَّ الله علينا بالامام الصدر ليزيل الغمام من على اعيننا، لبقينا حيث كنا فهو الذي شجعنا وعلمنا البحث والتحقيق والاكثار من التساؤلات التي كانت بلا اجوبة، او بأجوبة ناقصة، أو مموهة، وللاسف فما زلنا نعيش مثالية لا وجود لها الا في عقليتنا الساذجة البريئة التي نشأت على الفطرة، والتي لا تقبل ان تصدق المنطق ما دام يخالف المسلمات التي غرستها ايدي اناس تحت مسميات ورتوشات منمقة بأسم العصمة غير الواجبة التي ألصقوها بأنفسهم، والتي وصفها سيدنا الصدر (بالعنعنات والتكبّر الضخم) ولست الآن في مقام يساعد على الكشف عن الحقائق التي بدأت تظهر ولله الحمد عن غير طريق النجف، فبعض الضمائر الاسلامية لم تطق صبراً على ابقاء ما كان على ما كان، فكتبت واظهرت الحقائق وجعلت الكثير يفهم التلميحات التي كان سيدنا ـ دام ظله يلمح اليها، وما عليك الا ان تراجع (سنوات المحنة) وكذلك (أزمة التاريخ) وكفى.
    (الصديق): حسناً لن اكون لحوحاً، وسوف اراجع المصدرين اللذين ذكرتهما آنفاً، ولكن هاهنا يأتي تساؤل مهم، اين كان سيدنا الصدر كل هذا الوقت، وما هو الدور الذي قام بهخلال، كل تلك الازمات الخطيرة، ولماذا لم يصرح ويواجه كما كان يتطلب منه تكليفه بصفته احد الاقطاب التي عايشت الاحداث.
    (الشيخ): لو انك راجعت ما كتب بعنوان (دفاع عن المرجعية)، وما كتبناه في القسم الاول من (حوار حول المرجعية)، لرأيت هناك ما اعيده الآن عليك، وذلك ان الامام الصدر كان معزولاً عن الساحة، وعن الخوض في هذا المجال وغيره، بل حتى عن الكشف عن مستواه العملاق في علمي الفقه والاصول، ولكنه عند اول فرصة اتيحت له قام ولم يقعد بعد ذلك الى يوم الناس هذا، ناهيك رغم ما تلقاه من سب وتعريض بل ما هو أفظع من ذلك، بغية ان يتخلى عن مطالبه المشروعة، ولكنه اصر على المضي الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً، وانبلج الصبح لدي عينين، ولم تعد قضية الصدر مقصورة على فئة قليلة، بل تعدت الحدود الى ابعد الانحاء في هذا العالم، ووجدت اصداء تبعث على التفاؤل وما هي الاجولة او ثانية، حتى ترى الامة النور الذي حجب عنها سنوات عديدة.
    (الصديق): يبدو ان هناك الكثير من الحقائق التي اخفيت عنا، ولكن ليس مهماً البحث عنها بصورة تفصيلية ما دام عندنا رؤيا عامة للماضي، والتي على اساسها سوف نرسم صورة الحاضر والمستقبل، وارى ان الامام الصدر يحاول ان يفرض سلطته المرجعية العالمية، اذ ان النظر الى ما هو محيط بالنجف الاشرف وعلى حدود لا تتعدى البلد لابد ان يؤدي الى الاختلاف في التوجهات الصحيحة للامة، والمشكلة الآن هي هل بالامكان ارساء قواعد مرجعية عالمية، وهل تم ذلك في وقت ما بحيث ان هكذا مرجعية تستطيع ان تتوسع بالمقدار المطلوب والتوجهات العصرية.
    (الشيخ): صحيح ان تأريخ المرجعية كان في اغلب عصوره مقتصراً على الامور الفقهية الخاصة بالعبادات الفردية، وذلك بسبب التهديدات والتقية والخوف من الاستئصال الذي كان ولا يزال يواجه الشيعة في العالم، ويكفيك انه في عهود مضت كان يكفي ان يكون المسلم شيعياً حتى يكون ذلك سبباً كافياً لقتله، او التنكيل به، فمنذ عهد معاوية وباقي العصر الاموي ثم العصر العباسي وبعد ذلك عصر الخلافة العثمانية، والتي واجهت الشيعة والتشيع بعنف، بحيث لا يستطيع القلم ان يحيط به خبراً، ومن اقله ما فعله مراد الرابع وسليم وسليمان القانوني وهكذا الى هذا اليوم.
    كل هذه الامور وغيرها استدعت عدم التصدي، ولو ظاهراً الى معظم القضايا على الصعيد السياسي على وجه الخصوص، وغيره من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ولكن الاصرار على أستئصال الاسلام من قلوب المسلمين استدعى ردود افعال من المرجعية، وذلك من اجل الحفاظ على بيضة الاسلام، ومن ذلك محاولات كان يعتبر التدخل فيها مصيرياً، كالفتوى الشهيرة لسماحة المرجع السيد محمد حسن الشيرازي بحرمة (التدخين)، وذلك على اثر اعطاء امتياز صناعة هذه المادة للشركات الاجنبية، مما يعني سلب خيرات المسلمين وترسيخ اقدام الاستعمار في البلاد الاسلامية فأخذت هذه الفتوى
    مفعو لها وأنسحبت تلك الشركات بعد ذلك، وكذلك فتاوى علماءنا العظام إبّان الاحتلال الانكليزي، التي جعلت الاستعمار والمستعمرين يحسبون للشيعة الف حساب، وكذلك الفتوى الكبيرة بأهدار دم المرتد ـ سلمان رشدي على إثر إهانته للديانات السماوية والانبياء صلوات الله عليهم. مما جعل هذا المرتد يقبع في بيته الى ساعة كتابة هذا الحوار تحت الحراسة المشددة خوفاً من أن تنقض عليه الايدي المؤمنة ولم تنفعه حماية الدولة العظمى، وهكذا الكثير من الأسهامات العالمية التي تجعل من قيادة المرجع أمراً مفروضاً، ولكن لابد للامة من أن تساند علماءها وان تقف صفاً واحداً لئلا تفقد المرجعية هيبتها، التي انتهكت نتيجة القبوع تحت ظلال التقية، التي كان لها دور سلبي (كما نظر اليها البعض) في ردع الاغراض الدنيئة للايدي الأستعمارية والعميلة، فأن جعل التقية مورد العزيمة وليس الرخصة يستلزم الخنوع المستمر، وحتى على أبسط الاصعدة. فمثلاً عند ما نشاهد ظاهرة دخيلة لا اخلاقية تنتشر في المجتمع فأن التصدي لها يبقى مرهوناً لرؤيتنا للتقية، وللاسف فأن الكافر يحسب لنا الف حساب بينما نحن لا نحسب لأنفسنا اي حساب.
    وقد حاول احد العلماء المجاهدين ان ينهض بالامة قبل اكثر من عقدين من الزمن، فراجع بذلك احد الشخصيات المهمة فأجابه الآخر إني أخاف، فصار السيد العالم المجاهد هو السيد الخميني(قدس) والآخر هو المحقق الخوئي. يقول بمرارة، مم يخاف هذا الرجل، والحق ان التقية بالنظرة الضيقة هي التي دعت هذا العالم الى قوله اخاف، وعلى الاكثر انه لم يكن يخاف على نفسه فقط، بل قد يكون خوفه حفاظاً على دماء المسلمين. ولكن النتيجة ان دماء المسلمين قد اهدرت، وتدهورت الحوزة والمرجعية، واما السيد العالم المجاهد فقد نصره الله نصراً مؤزراً لصموده البطولي.
    وبعد ان حددنا نظرة مختصرة لدور المرجعية، فان عالمية المرجعية امراً يخضع لرؤية وتحركات المرجع، فأما ان يجعل منها سلبية او ايجابية وكما قيل (اضرب الضعيف بقوة يخاف القوي). والامام الصدر أيدهُ الله عندما يشخص اية ظاهرة تهدد إسلام الامة فأنه يتصدى لذلك بسرعة لأن اي تحرك استعماري هو مقدمة لتحركات اوسع، فمثلاً ظاهرة الغناء فانها توسعت في عصرنا الحالي بصورة مريبة، صحيح ان كل علماءنا لا يسمحون لهذه الظاهرة بالانتشار الا ان الكلام في بطون الكتب لا يكفي لمحاصرة ومحو هذه الظاهرة، بل لابد من ان يشق الفكر الاسلامي الاصيل طريقه الى جماهير الامة عن طريق قنواته النظيفة والفعالة، فيرتفع صرخة مدوية بوجه كل مظاهر الانحراف، ومن على المنابر، وفي الاستفتاءات، والبحوث، وكل وسيلة مشروعة بهذا الشأن وغيره، وتوزيعها بصورة واسعة، وهذا ما حدث في ظل زعامة الامام الصدر، فأن أية مسألة تخص المجتمع الاسلامي لابد لها من موقف من سماحته، وهو الذي طالما عودنا بالقول المشهور (لكل سؤال جواب) وهذا لا يرتبط بالجانب النظري فحسب، بل توسع كما هو ملحوظ الى كل ما هو ممكن في هذا العالم.
    (الصديق): ان تحليلكم هذا خطير ولو كانت الامة قد تنبهت لذلك من زمن لكان لنا حديث آخر.
    (الشيخ): ان هذا كلهُ من فضل ربي، ولا أدعي العبقرية، أو الابتكار، فكن واثقاً ما أنا إلا كاشف عن وجه الحقيقة التي طالما تردد عن كشفها الكثير، وما عند سيدي الصدر اكبر واعقد ولكنه يكاشفنا بمقدار عقولنا، وهو عندما يريد ان يبادر الى مشروع جديد فأنه لا يظهر ذلك الا بعد ان يستقريء الوضع بدقة، كما حدث مثلاً في حكمه المشهور بصلاة الجمعه.
    (الصديق): احسنت كثيراً بتذكيري بهذا الحدث الجديد فما هو الداعي لهذه الصلاة.
    ولماذا لم يفت بها احد من علمائنا من قبل ومن ضمنهم طبعاً سيدنا الصدر؟
    (الشيخ): ان المقتضي للصلاة موجود بالفعل، فأن هذه العبادة المهمة ظلت في بلدنا تركة ثقيلة لا تجد متنفساً، وبالنظر للدور المهم الذي تلعبه في توحيد الصفوف فقد بادر مولانا الى الحكم بوجوب إقامتها، وقد رأيت النتائج التي تبشر بالخير الكثير.
    فان اول: هذه النتائج الايجابية كسر حاجز الخوف الذي كان متغلغلاً في قلب المجتمع.
    وثانياً: إظهار مدى إنصياع الامة لنداء قادتها العظام من مراجع الدين حفظهم الله.
    وثالثاً: ولو لم تكن فائدة سواه وهو تجمع المسلمين في مكان واحد من ابناء المدينة الواحدة لكفى ذلك، ولكنك ترى بالاضافة الى التجمع الوحدوي على صعيد واحد، فان الاستماع الى الخطبتين وما تثيره في النفوس من وهج وأطمئنان، وكذلك الاستماع الى آخر الاصدارات الحوزوية، يجعل المجتمع يسير في الخط الاسلامي الواسع الذي لابد من إنتصار كلمته في آخر المطاف شاء الكافر أو أبى.
    (الصديق): لكن لماذا نسمع البعض ممن يحاول ان يحبط من عزيمة الجماهير بخصوص هذه الصلاة، وذلك بالتحريض على عدم الحضور وإقامة الادلة على عدم وجوبها او جواز إقامتها.
    (الشيخ): هذا موجود وللاسف، ولكن لست ادري على اي دليل يستندون بذلك؟ فانهم لا يخلون من احد ثلاثة امور فيما ذهبوا اليه، اما ان يكون اجتهاداً، او تقليداً، او احتياطاً، وفي كل الاحوال فان الحجة لنا عليهم.
    ففي حال كونهم مقلدين فان عليهم
    اولا:ً ان يثبتوا صحة تقليدهم بحجة شرعية.
    وثانياً: ان عليهم الاخذ برأي مرجعهم فقط، لا ان يشنعوا على باقي المراجع في حال الاختلاف، فان المرجع الذي يقلدونه بطبيعة الحال ليس معصوماً وليس باقياً أبد الدهر، فلو افترضنا ان المرجع الذي يقلدونه قد توفي، فان عليهم في هذه الحالة ان يرجعوا الى احد المراجع الاحياء الذين من ضمنهم ولا شك الامام الصدر، وبالتالي فان صلاة الظهر عندهم ستكون باطلة على رأيه وعليهم اذن ان يبادروا الى قضاء صلاة الظهر، لانها اذا وقعت اثناء وقت صلاة الجمعة فهي باطلة.
    واما في حال كونهم مجتهدين وهم لا يرون وجوب صلاة الجمعة اجتهاداً وهذا لا ضير فيه، ولكننا نقول ان اجتهادهم في هذه المسألة وغيرها اما ان يكون حكماً واقعياً أو ظاهرياً، ولا يوجد احد من العلماء يستطيع ان يتجرأ بالقول أن فتاواه واحكامه واقعية، بل هي ظاهرية قابلة للخطأ والصواب والنظر والمناقشة، اذن فمن غير الحكمة ان يشنع احد العلماء على عالم آخر في موارد الاستنباط ما لم يكن له دليل اقوى وعندئذ يطرح استدلاله للمناقشة حتى يظهر الحق.
    واما في حالة كونهم محتاطين فهذه ادهى من اختيها، فأن على هؤلاء ان يحضروا صلاة الجمعة (بمقتضى الاحتياط) وان يصلوا الظهر بعد خروج وقت صلاة الجمعة برجاء المطلوبية، وهكذا أخذنا بكل الطرق عليهم فأين المفر.
    (الصديق): شيخنا ماهو قولكم في بعض الكتابات التي ظهرت مؤخراً، وتتهم الامام الصدر بأتهامات خطيرة منها الاعتداء على بعض المراجع؟.
    (الشيخ): لو دققت النظر في تلك الاوراق المكتوبة بخط يدوي لأستنتجت ما يلي:
    أولاً: انه يدعي كاتبها منذ ست سنين في الحوزة وهو السيد عقيل الخطيب. راجع فصل ـ أسماء ومواقف.
    وثانياً: ضحالة مستواه الفقهي والنحوي وغيرهما.
    وثالثاً: عدم دعم اي اتهام بدليل بيّن.
    وهكذا فان هذا الرجل كان في يوم من مقلدي الامام الصدر، وكان يدعو اليه الا ان جشعه وحبه للدنيا أفسده حتى اضطر الامام الصدر الى سحب وكالته، وهذا هو السبب الحقيقي لهجوم هذا الرجل، وهو احد ائمة المساجد، ويدعي انه على حافة الوصول الى مرحلة البحث الخارج، والحقيقة إنّهُ لا يستحق حتى مرحلة المقدمات، وتستطيع من خلال قراءة السطور التي كتبها ان تتبين المستوى الضحل في النحو على الاقل، وقد إتهم الطلبة الذين يحيطون بالامام الصدر، بأنهم مراهقون، والعجب هل ان المراهق من يدافع عن المرجعية او من يطعن فيها؟ هل ان المراهق من يسعى الى توحيد الصفوف، وتقديم مصلحة الامة، او من يسعى الى شق هذه الصفوف من اجل المصالح الشخصية؟
    وعلى اي حال فأن الاتهامات للامام الصدر ليست بجديدة سواء على مستوى الداخل او الخارج.
    ولكن الحقيقة قد بدأت تسطع ولن يستطيع بعض المرتزقة الذين يعيشون على الاحتيال بزي الدين ان يخدعوا الامة، ومن قبل قالوا، تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع ان تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت.
    ولن تهزنا العواصف وسنبقى مهما طال المسير اتباعاً للحق اينما كان، ولن نكون اداة طيعة بيد الاضغان وبيد الكفر.
    ولو حققوا مرادهم ـ وفقدنا الصدرـ فأن الامة سوف تنجب صدراً بعد صدر
    ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون.
    والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين:
    1418 /النجف الاشرف
    عباس الزيدي
    إنتها.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    1,348

    افتراضي .

    .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    1,348

    افتراضي .

    .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    7

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

المواضيع المتشابهه

  1. الجزيرة وقطر..الارهاب والتنكيل بشعب العراق الى متى السكوت؟
    بواسطة احمد مهدي الياسري في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-12-2005, 04:02

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني