مرة أخرى تفرض قضية المذيعات المحجبات نفسها في صدارة المشهد الإعلامي المصري، بعد تحديد يوم 28 كانون الأول (ديسمبر) الجاري موعداً للنطق بالحكم في الجنحة المرفوعة منهن ضد «مسؤولي التلفزيون المصري الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقهن» بالعودة للعمل والظهور على الشاشة.
وتكمن أهمية القضية في كونها تسعى الى وضع حد نهائي لموقف المسؤولين الممتنعين عن تنفيذ الأحكام السابقة بحيث ينص الحكم المتوقع صدوره على «معاقبة كل مسؤول امتنع عن تنفيذ الأحكام السابقة بالعزل من وظيفته مع الحبس والغرامة» مما يضع المسؤولين في وزارة الاعلام والتلفزيون المصري في مأزق بالغ الحرج. ولذا لم يكن غريباً سعيهم خلال الأيام الماضية الى إيجاد مخرج يحفظ لهم ماء الوجه بتنفيذ أحكام القضاء وفق نظرتهم الخاصة. وهكذا تقدموا الى المذيعات المحجبات بجملة اقتراحات أبرزها السماح لهن بالظهور على الشاشة بالأداء الصوتي فقط أو الوجود في برنامج أسبوعي لا تزيد مدته على عشر دقائق من دون أن تسلط عليهن الكاميرا، وهو المطلب الذي كان عرضه هاني سعيد رئيس القناة الخامسة الإقليمية.
ولكن قوبل هذا المطلب بالرفض وفق ما تؤكده المذيعة غادة الطويل - إحدى المحجبات الممنوعات من العمل – والتي تقول: «فوجئت خلال الأيام القليلة الماضية أنا وزميلتي هالة المالكي ورانيا رضوان بسعي المسؤولين للتفاوض معنا وإبداء مرونة في مسألة ظهورنا على الشاشة ولكن لبضع دقائق عابرة وذلك بعدما شعروا بضعف موقفهم القانوني في القضية المتداولة الآن لامتناعهم عن تنفيذ أحكام القضاء مؤيدة لمطلبنا الشرعي بالظهور على الشاشة بالحجاب، ولكن رفضنا الاستمرار في المفاوضات بعدما أيقنا أن وعودهم لنا بالظهور على الشاشة لا تعدو محاولة أخيرة منهم للتحايل على القانون قبل موعد النطق بالحكم في قضية عدم تنفيذهم لأحكام القضاء. ولذا نحن مستمرون في القضية لاسيما ان المؤشرات الأولية، وفق تأكيدات رجال القانون، تؤكد أن الحكم سيكون لمصلحتنا وان المحكمة ستعاقب كل من تقاعس عن تنفيذ أحكام القضاء وبالتالي سنعود لتقديم البرامج الجماهيرية والحوارية ونشرات الأخبار والظهور على الشاشة بالحجاب».
وتشير الطويل إلى أنها اشتاقت طوال السنوات الثلاث الماضية للعودة الى عملها، وتسأل: «لماذا يرفض المسؤولون ظهورنا بالحجاب؟ وما الضرر الذي سيلحق بالتلفزيون إذا ظهرت المذيعة محتشمة أمام المشاهدين طالما نحن نعيش في دولة إسلامية تستمد قوانينها من شرع الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم».
جدير بالذكر أن قضية المذيعات المحجبات أطلت للمرة الأولى في التلفزيون المصري فى مطلع السبعينات من القرن الماضي حينما قررت المذيعة كاريمان حمزة ارتداء الحجاب، وسمح لها في ما بعد بإعداد برنامج غير دوري ذي طابع ديني لا يتجاوز بضع دقائق وظلت تقدم برامج دينية عديدة وهي في «زي شرعي». وبعدها ساد عرف غير مكتوب أو معلن، داخل أروقة التلفزيون فحواه أن من ترغب فى ارتداء الحجاب عليها أن تبتعد عن البرامج الجماهيرية والاكتفاء بالبرامج الدينية والأخرى المتعلقة بالأطفال. ولكن في السنوات العشر الماضية أقدمت ثلاثون مذيعة تقريباً بعد ارتدائهن الحجاب، على رفض ذلك العرف السائد وطالبن بحقهن فى تقديم مختلف البرامج أسوة بزميلاتهن غير المحجبات. وعندما رفض المسؤولون الاستجابة لمطالبهن أصبحن أمام خيارين: اما التقدم بالاستقالة والبحث عن عمل آخر بعيداً من التلفزيون كما فعلت المذيعة كاميليا العربي، واما اللجوء الى القضاء كما فعلت رانيا رضوان وغادة الطويل وهالة المالكي واللاتي صدرت بحقهن من محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية أحكام عدة تباعاً بوقف وإلغاء قرار منع ظهورهن على شاشة التلفزيون لما ترتب على ذلك من آثار أضرت بهن.
وفى خضم ذلك أخذت القضية دلالات سياسية عدة بين التيارين المتنافسين سياسياً فى مصر بحيث اعتبر نواب من كتلة الأخوان المسلمين فى البرلمان السابق، عبر العديد من طلبات الإحاطة لوزير الإعلام أنس الفقي ومن قبله ممدوح البلتاجى وصفوت الشريف، أن منع قرابة 30 مذيعة محجبة من الظهور على الشاشة يعتبر «بمثابة حرب غير معلنة من قبل الوزارة على الحجاب والإسلام». وطالبت الكتلة بسرعة تنفيذ أحكام القضاء لا سيما «ان هناك فتوى رسمية من شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية بأنه يجوز شرعاً عمل المرأة في التلفزيون وظهورها بالحجاب». والطريف أن رد الوزراء الثلاثة المتعاقبين جاء موحداً حيث قالوا: «لا يوجد قرار بمنع المحجبات من العمل في التلفزيون».