بث التلفزيون العراقي الرسمي وبكل فخر في بداية التسعينيات لقاءً رسمياً جمع ابريل كاترين غلاسبي السفيرة الأميركية في بغداد مع صدام حسين ،حيث بدا صدام حسين حينها كموظف صغير أمام مسؤوله الكبير ينتظر منه التعليمات بلهفة. أتذكر جيداً أن رئيس النظام العراقي كان يبدو زكأنه ينتظر الأمر من السفيرة الأميركية، وهو يسألها عما يمكن أن يحدث لو أنه غزا الكويت، وكان جوابها إيحائياً بما فيه الكفاية ليفهم منه العبقري البعثي صدام أنه ضوء أخضر كي يغزو الكويت في شهر آب من نفس السنة. وابتلع صدام الطعم وابرز لنا مدى ذكائه ورعونته.
في كانون أول 2005 وبعد أقل من اسبوع من إنتهاء الإنتخابات خرج السنة أتباع دليمي مبتهجين يرقصون برعونة غير معهودة في بعض أحياء بغداد إضافة إلى الفلوجة. لكن شيئاً ما حدث بعد يومين، فقد نسبت بعض الوكالات الإخبارية قولاً إلى الجنرال كيسي أنه لا يستبعد أن يحدث تدخل إيراني في الإنتخابات. ولأن هذه القيادات عبقرية جداً وتنهل من عبقرية صدام وقادة جيشه (نلاحظ أن أغلب قيادات التوافق والحوار هم قيادات عسكرية فاشلة ذاقت الهزيمة تلو الهزيمة) فقد ابتلعت الطعم أيضاً، وبدأ هؤلاء في حواراتهم السرية يتناقشون صدقية هذا القول ومصدره، وقد فهموا بالتالي أنه ضوء أخضر نقله ربما السني الأفغاني زلماي خليلزاد إليهم، وفهم هؤلاء العباقرة أن الضوء الأخضر معناه الإنقلاب على نتائج الإنتخابات والإتهام بالتزوير ومطالبات بالإعادة ولجان تحقيق دولية وصياح وبكاء وعويل وتظاهرات وعمليات ذبح...، لكنهم فيما يبدو تعرضوا إلى عملية نصب جديدة أتصور أنها ستكلفهم الكثير من المكاسب السياسية التي احتملوا تحقيقها. ولا أستبعد أن كيسي وزلماي يضحكون اليوم على ارتعاشاتهم بعد أن أعلن المدعو عبد مطلك جبوري اليوم وعلى الشرقية أنهم سيقبلون بأية نتائج تتوصل إليها لجنة التحقيق الدولية بشأن الإنتخابات، وهي نتائج معروفة مسبقاً.
هذه العقلية المصابة بالصغار أمام الغربيين، إضافة إلى عدم القدرة على اتخاذ قرار صائب دون إستلام إيحاءات من الأميركان تشكل صفة مشتركة بين القيادات السنية التائهة والتي تقود الواقع السني في العراق من فشل إلى فشل ومن سقوط إلى سقوط.
الذي لا يريد ن يفهمه هؤلاء الأغبياء والحمقى والذباحين أنهم مصابون بعمى الألوان. وأن ما يرونه أضواء خضراء هي في الحقيقة أضواء حمراء تبرز حقيقة مفادها أن الأميركان لن يخاطروا أبداً في وضع قيادات سنية بعثية وعسكرية وسياسية تتعاطف مع ما يسمى بالمقاومة ضدهم ولو بمجرد القول. وأن أية مكاسب سياسية قد يتمكنون من تحقيقها ستكسرها إشارة المرور التي تضيئ لهم أضواء خضراء، خاصة إذا كانت هذه الإشارات الخضراء تحسن الدق على أوتارهم الطائفية والعقدة الإيرانية.
وكما يقال تعيش وتاكل غيرها.