قراءات في مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام
ذكريات في السياسة العراقية :1967 - 2000
دراسة تحليلية في كتاب سياسي
الجزء الثاني
الباحث
جواد المنتفجي

ما اكثر المؤلفات والمقالات السياسية والثقافية التي صدرت منذ سقوط النظام البائد ، وخصوصا تلك التي تحكي مسيرة العراق السياسية والبعث وصدام حسين ، وهذا ما أكده المؤلف (( جواد هاشم )) حين جاء في مقدمة كتابه ، في ص11 بقوله وانه في أمسية يوم الأربعاء المصادف 27 شباط/ فبراير 1980 وعندما التقى بشاعرنا الكبير (( محمد مهدي الجواهري)) حيث انشد قصيدته الرائعة والمشهورة في مدينة أبو ظبي والتي كان مطلعها...
يا دجلة الخير شكوى أمرها عجب إن الذي جئت أشكو منه يشكوني
ماذا صنعت بنفسي قد أحقت بها ما لم يحقه بـ((روما)) عسف نيرون
كما يضيف المؤلف إلى ما تقدم في اللقاء الذي جمعهما...
- (( لقد تحدثنا كثيرا عن كيفية استلام حفنة من الجهلة والأميين الحكم لتصبح بعد حين نخبة (( ممتازة)) مارست التسلط فاستطابته ، وتمسكت بالسلطة بأيد من حديد ونار ، ثم فتحت أبواب السجون ودهاليز المعتقلات لتلقي فيها خيرة شباب الوطن ، وعلقت المشانق لمعارضيها ، ولم تترك مجالا للتعبير عن الرأي سوى جدران شوارع لندن وباريس ، يكتب عليها المعارضون شعاراتهم باللغة العربية طبعا. وحتى هذه الكتابات على الجدران البعيدة أصبحت مصدر قلق وخوف للحاكم المستبد ، فلجا إلى التصفيات الجسدية في الخارج أو قتل الأقارب في الداخل ، مع استمرار ذلك الحاكم المستبد في بيع الأحلام لشعبه المغلوب على أمره؛ أحلام التنمية والرفاه ؛ أحلام تحرير فلسطين ؛ ثم افتعال الأزمات الخارجية لتبرير بقائه اللاشرعي في كرسي الحكم)) .
في عام 1986 بدا الكاتب بوضع الخطوط العريضة لكتابه الذي وعد به الشاعر ((الجواهري )) ، وفي عام 1988 أتمم الكتاب ، أما في عام 1989 فقد بدا بإعادة النظر فيما كتبه بعد أن رفده بالوثائق والمعلومات الأخرى ، وقد اتخذ من كل تلك المعلومات الوثائقية أساسا للمنطلقات النظرية والتطبيقية حيث سعت تلك الجهود والتي قامت على منهج مرتب لفصول الكتاب والتي أتاحت له الاستمرار والتحدث من خلال مذكراته التي تنوعت بالكثير من الحوادث والمصادفات والتي سايرها المؤلف في تلك الحقبة كما أسلفنا ذلك سابقا .
يقع الكتاب في أربعة وعشرين فصلا ، يبدأ الفصل الأول بجدول لتواريخ بعض الأحداث والوقائع المتعلقة بالعراق . كما افرد الكاتب في لفصل الثاني التعريف ببعض تلك الأسماء والشخصيات ،أما في الفصل الثالث فقد تحدث عن نبذة من حياته الشخصية منذ سني مراحل تعلمه الأولية مرورا بتعرفه إلى بعض شخصيات حزب البعث وقيادته ، بدا من لندن عام 1955.
يسرد الفصل الرابع أحداثا وقعت منذ كانون الثاني / يناير عام 1967 وحتى 17 تموز / يوليو 1968، كما وتطرق من خلالها إلى تعرفه برئيس الوزراء ((طاهر يحيى)) عام 1967 ، و((احمد حسن البكر)) الذي أصبح رئيسا للجمهورية في تموز / يوليو1968 ، والفريق ((صالح مهدي عماش)) أحد قادة الانقلاب .
أما الفصل الخامس فقد قام بسرد أحداث 17 تموز / يوليو 1968 عندما أعلن راديو بغداد استلام البعث السلطة ، وما رافق تلك الأحداث من مفارقات انتهت بإبعاد رئيس الوزراء ((عبد الرزاق النايف)) ، وإتمام سيطرة البعث يوم 30 تموز / يوليو 1968 .
تطرق الكاتب في الفصل السادس من كتابه إلى تجربته في العمل السياسي منذ استيزاره لمنصب الوزارة وكيف أثار هذا الاختيار حساسيات وهواجس بعض المسؤولين .
ويروي الفصل السابع الملابسات التي رافقته أثناء زيارته إلى مدن كربلاء والنجف والحلة ، ومحتوى التقرير الذي رفعه إلى رئيس الجمهورية ((احمد حسن البكر)) وكيف اكتشف بعضا من طباعه الغريبة ومزاجه المتقلب .
في الفصل الثامن يستعرض لنا المؤلف موجزا لزيارته الرسمية التي أوفد فيها إلى باريس ولندن في شهر كانون الأول / ديسمبر 1968 وقيامه بتسليم رسالة خطية إلى الجنرال((ديغول)) في فرنسا حيث قام بالبحث عن العلاقات العراقية- البريطانية مع وزير الخارجية البريطاني .
في الفصل التاسع تعرض الكاتب لتفاصيل العلاقة بين الرئيس (( جمال عبد الناصر)) وحزب البعث ، التي لم تكن على ما يرام لأسباب تتعلق بتجربة عام 1963 ،فـ ((عبد الناصر)) لا يثق بالحزب كما أن القيادة الحزبية العراقية وعلى رأسها البكر ، لا تحمل الود لـ ((عبد الناصر)) ، ومن اجل الوقوف على موقف ((عبد الناصر)) من جهة ، وتطمنئته بنوايا القيادة العراقية قرر مجلس قيادة الثورة ترتيب زيارة للكاتب إلى مصر لمقابلة ((عبد الناصر)) وتسليمه رسالة شفوية من الرئيس ((البكر)) .
وقد افرد في الفصل العاشر المحاولة الانقلابية التي خطط لها العقيد ((عبد الغني الراوي)) نهاية عام 1969 وحاول تنفيذها في كانون الثاني / يناير 1970 ، ولأحكام الإعدام الانتقامية الني أعقبت فشلها .
أما في الفصل الحادي عشر فقد تطرق المؤلف في ذكرياته إلى التقارير الحزبية وكيفية وصولها إلى المستويات العليا في القيادة ، وما كانت تهدره تلك القيادات من وقتها للتحقيق في كل ما يرد في التقارير من مزاعم واتهامات حتى ولو كانت كاذبة أو باطلة في أغلبيتها ، وهذا ما فعله ((طه الجزراوي ))عضو القيادة إضافة إلى عمله حينذاك كوزير للصناعة ، وما قام به من تحرش مستمر بوزارتي التخطيط والاقتصاد ، إضافة إلى التدخل السافر في شؤونهما ، والتي أدت في الأخير إلى استقالة وزير الاقتصاد الدكتور (( فخري قدوري )) بعد تركه العراق ، علما انه في نفس الوقت تم إعفاء المؤلف ((جواد هاشم )) من مهام وزارة التخطيط يوم 25 كانون الثاني/ يناير 1971 .
ولم يخفي المؤلف المذكور تلك الأسرار التي سبقت عملية تأميم النفط والتي صادفت أحداثها في الأول من حزيران / يونيو 1972 ، ثم التشكيلة الوزارية حيث وضع في نهاية الفصل الثاني عشر استعراضا للظروف التي سعت إلى وضع واردات النفط من عملية تأميم حصة الـ 5% المعروفة بـ (( حصة كولبنكيان )) وبموجب قانون خاص في حساب مستقل عن الميزانية الحكومية لدعم موارد حزب البعث .
يقول الكاتب في الفصل الثالث عشر...
-(( بالرغم من أن هذا الكتاب لا يبحث تفصيلا في اقتصاديات العراق ، فقد وجدت من المناسب إعطاء نبذة موجزة عن السياسة الاقتصادية التي تبنتها القيادة العراقية خلال الفترة التي شاركت في المسؤولية فيها )) .
أما الفصل الرابع عشر فيصف الزيارة الرسمية التي قام بها صدام حسين إلى باريس بعد تأميم النفط مباشرة ، كانت تلك الزيارة ذات أهمية كبيرة لسببين :
أولهما محاولة صدام استخدام النفوذ الفرنسي وشركات النفط ( التي لم يؤمم العراق حصتها ) في الضغط على الشركات التي أممت حصتها لأجراء تسوية عاجلة مع العراق ؛ وثانيهما إعطاء أفضلية خاصة لفرنسا من اجل حصول العراق على التكنولوجيا المتقدمة من خلال القنوات الفرنسية .

ملاحظة :- يتبع في الأجزاء التالية