النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي تاريخ الشيعة العراقية : الجزء الثالث

    كربلاء .. الكاظمين و سامراء .
    على النقيض من طابع النجف العربي القوي فقد اتسم تركيب كربلاء الاثني وثقافتها بوجود جاليه فارسيه كبيره جدا في المدينه . وفي مطلع القرن العشرين قدر عدد سكان كربلاء وكلهم تقريبا من الشيعه بحوالي 50 الف نسمه يشكل الفرس منهم 75 % على الأقل . وتقع كربلاء على بعد حوالي 55 ميلا جنوب بغداد .
    ولاحظ زوار غربيون انها لم تكن باي حال ترتدي مظهر مدينه عربيه بل كانت عمارتها وأسواقها تعكس التأثيرات الفارسيه . ويوجد في كربلاء مرقد الحسين, نجل علي والامام الشيعي الثالث, ومرقد العباس, أخ الحسين غير الشقيق . ويعرف الحسين بين المؤمنين الشيعه بانه" سيد الشهداء" لأنه قتل متحديا وراثة يزيد بن معاويه للخلافه . وقتل الحسين مع العباس ونفر من صحبه في معركه وقعت في سهل كربلاء عام 680 , وأصبحت المعركه واستبسال الحسين وجماعته الصغيره استبسالا بطوليا أهم حدث في التارخ الشيعي والميثولوجيا الشيعيه . وظهرت كربلاء بوصفها مركز التفاني, وخاصه للمؤمنين الشيعه الفارسيين . فالتقاليد تبارك ماءها وترابها, وتعد المؤمنين بالثواب والأجر من زيارتهم للمدينه ومن الدفن في مقبرتها (وادي الايمان) التي لا تفوقها قدسيه الا مقبرة النجف .
    ويبدو أن كربلاء تمتعت بامدادات من الماء أفضل نسبيا من النجف . أمر السلطان العثماني سليمان الأول العام بشق قناة الحسينيه لنقل الماء الى كربلاء, ولكن سنوات من الأهمال أسفرت عن شحة الماء في المدينه, وعلى غرار النجف, قيل عن كربلاء أيضا ان الزوار عزفوا عنها بالكامل تقريبا في أواخر القرن السادس عشر .
    ولم تتمتع كربلاء بامدادات منتظمه من الماء الا بعد بناء سد في صدر قناة الحسينيه شيده والي بغداد العثماني حسن باشا (1704 – 1723), وتساعد هذه التطوارات على تفسير السبب في ظهور كربلاء اولا بوصفها أهم مراكز الدراسه الشيعيه في حوالي العام 1737, وليس النجف . لتحل محل اصفهان التي تراجعت بعد الأحتلال الافغاني للمدينه ثم هجرة العلماء الفارسيين الى العراق .
    وخلال شطر كبير من الفتره المملوكيه كانت ادارة كربلاء بايدي " سنّه " من بغداد يعينهم المماليك, ومع ازدياد حكم المماليك ضعفا, نجحت تنظيمات محليه تدريجيا في تولي السيطره الفعليه على المدينه, ضامّه اليها ملاك الاراضي وعوائلها التجاريه . وتحالف الزعماء العرب المحليين مع علماء كربلاء, وكانت المدينه بحسب وصف تقارير بريطانيه "جمهوريه شبه أجنبيه ذات حكم ذاتي", مما أثار قلق العثمانيين الذين استأنفوا الحكم المباشر للعراق 1831 , وسعوا الى زيادة المركزية في البلاد . وأدت مقاومة كربلاء ضد العثمانيين الى قيام الوالي نجيب باشا باحتلالها العام 1843 . مما أسفر عن ثلاث نتائج رئيسيه :
    أولا , في حين تم اخضاع كربلاء , انصاعت النجف بسلام الى شروط نجيب باشا , مما سمح للمدينه بالاحتفاظ بموقعها الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي .
    ثانيا , احتلال كربلاء ساعد النجف على الظهور بوصفها مركز العلم الشيعي الرئيسي منذ أربعينيات القرن التاسع عشر مع رحيل وانتقال الطلاب والعلماء اليها من كربلاء .
    ثالثا , في أعقاب الانباء التي بلغت ايران عن الاحتلال الدموي لمدينة كربلاء, مارس القاجاريون ضغوطا فعاله على الحكم العثماني لمنح الفارسيين في العراق حصانات . مما أدى الى تحطيم السطوه العربيه وازدياد النفوذ الايراني , لتقع المدينه تحت تأثير فارسي متزايد, وسيطرة العائلات الفارسيه " كمونه " على شؤون المدينه . حتى العام 1917 تاريخ سيطرة البريطانيين عليها .
    في حين كانت المدينتين الأخرتين: الكاظمين وسامراء بوضع مختلف نظرا لقرب الكاظمين من بغداد السنّيه, وسكان سامراء كلهم من السنّه تقريبا .
    الكاظمين , وتنبع أهميتها من ضريحها الذي يضم مرقد الامام السابع, موسى الكاظم, وحفيده محمد الجواد, الامام التاسع . وكان عدد سكان المدينه الواقعه على بعد ثلاثة أميال شمال غرب بغداد, قد قدّر في اوائل القرن العشرين بثمانية الاف نسمه سبعة الاف منهم من الشيعه . والقسم الاعظم منهم من العرب في حين كان عدد الفرس ألف . وتعزز توجه الكاظمين القوي نحو بغداد في عام 1870 عندما ارتبطت المدينه بالعاصمه بخط ترامواي تجره الخيول . وهكذا كانت سيطرة العثمانيين على المدينه أكبر منها في النجف وكربلاء .
    سامراء , وتضم مرقدي الامام العاشر, علي الهادي, وابنه الامام الحادي عشر, الحسن العسكري, كما ويعتقد أنها مسقط رأس الامام الثاني عشر, محمد المهدي, الذي يعتقد الشيعه بغيبته وعودته .
    تقع سامراء على بعد 66 ميلا شمال بغداد وكان عدد سكانها حوالي 8500 نسمه في اوائل القرن العشرين . وأغلبهم من السنّه قبل ان ينتقل المجتهد الكبير محمد حسن الشيرازي اليها من النجف العام 1875 .
    وأثار انتقال مجتهد شيعي كبير الى المدينه قلق العثمانيين الذين واجههم امتداد المذهب الشيعي بصوره مفاجئه الى المنطقه الواقعه شمال بغداد . والحق أن تدفق الأموال والطلاب الشيعه والزوار على المدينه ثم ممارسة الشعائر الدينيه علنا, عرّض السكان السنّه في سامراء الى تأثيرات شيعيه متزايده . ولا بد ان يكون دور الشيرازي في الاحداث التي أدت الى "ثورة التنباك" في ايران (1891 – 1892 ) قد أذكى مخاوف العثمانيين من حضور الشيعه المتزايد في هذا الجزء من العراق .
    ومنذ اواخر القرن التاسع عشر أخذ المسؤولون العثمانيون والعلماء السنه في العراق واسطنبول على السواء يوجهون نداءات متكرره الى اسطنبول للحد من انتشار المذهب الشيعي في العراق .
    أقام العثمانيون مدرستين جديدتين في سامراء أولهما (المدرسه العلميه السنيه) عام 1898 وسلمت ادارتها الى شيخ من شيوخ الطرق الصوفيه هو محمد سعيد النقشبندي . كما عين العثمانيون سنيا ليكون سادن المرقد الشيعي مشددين بذلك سيطرتهم على شؤون الشيعه في سامراء . وتضاءلت أهمية سامراء بدرجه كبيره بعد وفاة الشيرازي في عام 1895 . ففي غضون عام من موته رحل غالبية تلاميذه الكبار عن سامراء الى النجف التي أعادت فرض موقعها المتفوق . وحسم تدهور أحوال سامراء بانتقال تلميذ الشيرازي والمجتهد الهام المرزا محمد تقي الشيرازي من سامراء الى كربلاء في عام 1917 . وفقدت المدينه ما كان لها من امكانيه في أن تصبح معقلا شيعيا داخل العراق .

    وبانتظار الجزء الاخير قريبا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي

    الجزء الاخير
    تشيع العشائر .. 1 .
    ليس هناك دليل يشير الى ان الشيعه اقتربوا ذات يوم من تشكيل اكثرية السكان في العراق قبل القرن التاسع عشر بل وحتى القرن العشرين . وعلى الرغم من ان التشيع حدث في العراق طيلة التاريخ الشيعي فانه كان يقتصر بالدرجه الرئيسيه على المدن التي لم يكن يقطنها الا قسم صغير من السكان . ومن حين لاخر كانت بعض العشائر العربيه تكسب الى قبول المذهب الشيعي مثل بني سلامه والطائيين والسودان في الاهوار القريبه من خوزستان خلال سلالة المشعشع الشيعيه العربيه في القرنين الخامس والسادس عشر . ولم ترتفع نسبة الشيعه الى مستوياتها التي قدرت في 1919 و1932 بحدود 53 الى 56 بالمئه من السكان على التوالي , الا بعد تشيع القسم الاكبر من عشائر العراق العربيه السنيه اسما , على نطاق واسع خلال القرن التاسع عشر بالاساس .
    لقد كانت العشائر العربيه تشكل القسم الاعظم من السكان في جنوب ووسط العراق ابان الحكم العثماني , حيث كان الرحل وحدهم يشكلون نصف السكان في الجنوب حتى وقت متأخر هو عام 1867. ولغاية القرن التاسع عشر كانت عشائر العراق منظّمه في اتحادات رخوه كل اتحاد منها يعمل كوحده سياسيه وذات حكم ذاتي من نوع ما, وجدت ردا على تهديدات التشكيلات العشائريه الأخرى , وكانت هذه الاتحادات تقاتل من أجل الأرض وطرق التجاره بقيادة شيوخ كبار . وقد عززت الحملات التي كانت الحكومه تجردها ضد العشائر , روح الجماعه لدى هذه الاتحادات فزادت في تميز احداها عن الاخر . وكانت أقدم الاتحادات العشائيريه في جنوب العراق ووسطه خلال الفتره العثمانيه , المنتفق والزبيد والدليم والعبيد والخزعل وبني لام والبومحمد وربيعه وكعب .
    لقد نزح العديد من عشائر العراق الى هذا البلد من الجزيره العربيه فأبقت بذلك على اوجه شبه عديده مع مع عشائر الجزيره من حيث فضائلها وقيمها الاخلاقيه . وينسب أصل القسم الاعظم من عشائر المنتفق التي يقال انها وصلت العراق في مرحله مبكره من التاريخ الاسلامي , الى القبائل العدنانيه القديمه في الجزيره العربيه رغم ان البعض يدعي انتسابها الى القبائل القحطانيه والحميريه كذلك . وكان الزبيد قد هاجروا الى العراق بعد الفتح الاسلامي للبلاد في عام 634 م , وهم ينتسبون الى القبائل القحطانيه .
    وانبثق اتحادان اخران هما الدليم والبومحمد عن الزبيد , حيث تكون اتحاد عشائر البومحمد في اواخر القرن السابع عشر . كما يقال ان ربيعه وصلت الى العراق في حوالي فترة الفتح الاسلامي , وكانت لها صلات ببعض القبائل القديمه في الجزيره العربيه . وتدعي عشائر كعب انتسابها الى ربيعه . وينسب اصل العبيد الى القبائل الحميريه . ويعتبر الخزاعل وبني لام من أقدم القبائل الطائيه المعروفه في العراق , ويقال انهم وصلوا هناك في حوالي القرن الرابع عشر . وزاد عدد سكان العراق من العشائر في القرنين الثامن والتاسع عشر . فان فروعا من الشمر , ولا سيما الشمر طوقه وصائح , هاجرت من حائل الى العراق في اوائل القرن الثامن عشر .
    وكانت الاضافه الهامه الأخرى الى سكان البلاد من العشائر , هجرة فروع كبيره من بني تميم من نجد الى العراق في حوالي 1737 م . وكما سيتبين ادناه , فان خارطة العراق العشائريه اكتسبت شكلها النهائي في القرن التاسع عشر بعد نزوح فروع اخرى من شمر ( الجربه ) واتحادات عنزه وكذلك عشيرة الظفير من الجزيره بين 1791 و 1805 م بسبب ضغوط الوهابيين . وادعى العديد من عشائر العراق العربيه انتسابها الى هذه الاتحادات ومنها تكون القسم الاعظم من سكان العراق الشيعه ابتداء من اواخر القرن الثامن عشر .
    وفي العام 1869 اعد العالم السني البغدادي البارز ابراهيم الحيدري, قائمه بالعشائر التي تشيعت " مؤخرا " .
    باستثناء الخزاعل وكعب ( وبضمنها فرعها خزرج ) التي , حسبما يقول الحيدري , تشيعت في اوائل ومنتصف القرن الثامن عشر على التوالي , فان كل العشائر الاخرى في قائمته تشيعت قبل القرن التاسع عشر او خلاله . وكان الزبيد وبني لام والبومحمد , الاتحادات الرئيسيه التي تشيعت في قائمة الحيدري .
    يضاف الى ذلك ان القائمه تضمنت فروعا كبيره من ربيعه ( ومنها الدفافعه وبني عامر والجعيفر ) وبني تميم ( بمن فيهم اكبر فروعهم في العراق , وهم بني سعد ) , والشمر طوقة والدوّار والسواكن , كما اشتملت قائمة الحيدري على عشائر كثيره على امتداد القناة الهنديه وعشائر الديوانيه الخمس ( ال أقرع والبدير وعفك والجبور والشليحات ) التي كانت تعتمد في امداداتها من الماء على قناة الدغاره .وما يسند قول الحيدري ان الزبيد تشيعوا قبل القرن التاسع عشر او في اوائله تقرير المؤرخ المملوكي العراقي عثمان بن سند البصري . كما أقر العالم السني البغدادي في القرن العشرين , محمود شكري الألوسي , بتشيع العبيد ومعهم فروع من شمر وبني تميم قبيل القرن التاسع عشر او خلاله . وينبغي ان يضلف الى قائمة الحيدري اتحاد المنتفق الكبير الذي تشيع كله تقريبا في القرن التاسع عشر , باستثناء شيوخه من عائلة السعدون الذين ظلوا سنّه . وفي حالات عديده لم يكن التشيع كاملا . وهكذا انشقّت عشائر كثيره , مع اقامة النظام الملكي , على اسس طائفيه .
    تشيع العشائر .. 2 .
    لعله ليس من المستغرب ان تتشيع فروع كبيره من الشمر والظفير وبني تميم التي وصلت الى العراق في القرن الثامن عشر , خلال القرن التالي . ولكن مايثير الاستغراب هو ان القسم الاعظم من اتحادات العراق العشائريه القديمه , وهي المنتفق والزبيد والدليم والبومحمد وخزعل وبني لام وربيعه وكعب , لم تتشيع الا ابتداء من اواخر القرن الثامن عشر وليس قبل ذلك . وكانت تطورات كبيره عده تقف وراء تشيع العشائر بسرعه وفي وقت متأخر نسبيا . وكان في جوهر هذه العمليه هجمات الوهابيين على النجف وكربلاء وظهور هاتين المدينتين بوصفهما مدينتي السوق الصحراويه الرئيسيتين في العراق , وتغير مجرى تدفق ماء الفرات . وسياسة العثمانيين في توطين العشائر وما رافقها من تعطيل النظام العشائري , وخلق ازمه كبيره بين رجال العشائر اجبرتهم على اعادة بناء هويتهم واعادة تحديد موقعهم على الخارطه الدينيه – الاجتماعيه للبيئه المحيطه بهم . ومما سهل تشيعهم انتشار الساده ( المتحدرين من نسب ارسول ) الذين خففوا من وطأة تفكك النظام العشائري في العراق . وكانت سعة التشيع تتفاوت من منطقه الى أخرى لأن العوامل انفة الذكر كانت على درجات متباينه من التأثير في الاهوار والفرات الاوسط وجنوبه وفي منطقة دجله .
    ويساعد ظهور الوهابيين على تفسير حملة العلماء في النجف وكربلاء لتكثيف عملية تشيّع قبائل العراق . فبحلول عام 1775 كان ابن سعود قوة في الجزيره العربيه , وأتاح دخوله الاحساء في عام 1795 امكانية مد نفوذه خارج حدود نجد . وقد دفعت ضغوط الوهابيين عشيرة الظفير واقساما من عنزه وعشيرة حرب ( بمن فيهم الجبور ) والشمر جربه , الى العراق . وقام المماليك بتشجيع عشيرة الشمر جربه القويه الى البقاء في العراق , ساعين الى تاليب هذه القبيله ضد ابن سعود وكذلك استخدامها اداة ضد واحد من أقوى الاتحادات العشائريه في العراق وهم العبيد . وكان الوهابيون قد غزوا العراق مرات عديده واغاروا على المنتفق والخزعل . وفرضوا الحصار على النجف مرتين ونهبوا كربلاء في عام 1801 . كما ان القوه الكبيره من مقاتلي العشائر , التي ارسلها الحاكم المملوكي سليمان باشا , مؤلفه من عشائر المنتفق والظفير والشمر وكعب , أخفقت في دحر الوهابيين . ولم تحجّم قوة الوهابيين الا في العام 1811 على يد محمد علي والي مصر .
    وعززت هجمات الوهابيين على النجو وكربلاء , الهويه الطائفيه للعلماء الشيعه وزادت دافعهم للضغط على العشائر لتتشيّع . وبخلاف المساجلات الاكاديميه السنيه – الشيعيه , التي لم تشكل خطرا ماديا حقيقيا على المذهب الشيعي , فان نهب كربلاء والهجمات على النجف أماطت اللثام عن انكشاف العلماء الشيعه في العراق حيث كانوا يفتقرون الى الجيش العشائري الذي يمكن تعبئته ضد مثل هذا الخطر على وجود المدينتين ذاته .
    وفتحت هجمات الوهابيين أعين علماء الشيعه على الخطر الداهم ابدا من قوة العشائر بصفه عامه والتهديد الذي تشكله عشائر العراق الرحل على مصادر دخلهم . ورفع هذا التهديد رأسه من جديد في عام 1814 خلال تمرد بعض العشائر العراقيه على الحكومه مدفوعه بتراخي سيطرة المماليك على المنطقه الواقعه جنوب بغداد . وكان المشاركون في التمرد من عشائر الزبيد والخزاعل وعشائر الشاميه والجزيره مع عشائر الظفير والشمر جربه والرواله . وتزامنت تحركات العشائر المهدده قرب النجف وكربلاء والحله والكاظمين مع احدى الزيارات الشيعيه السنويه الرئيسيه لمدن العتبات المقدسه . ولم يتمكن الاربعون الف زائر ايراني الذين قيل انهم كانوا في هذه المدن حينذاك , من مغادرتها الا بعد ان تراجعت العشائر امام الحمله التي جردها الوالي .
    لقد كانت هجمات الوهابيين وضغوط عشائر العراق على المدن الشيعيه , كابحا كبيرا على تطور هذه المدن . وأثار هذا بصفه خاصه قلق العلماء الفرس الذين هاجروا الى العراق بين 1722 – 1763 وكانوا يفتقدون الى القاعده الاقتصاديه – الاجتماعيه المتينه في البلاد . وكان تشيع القبائل من وجهة نظرهم ضروريا لتدعيم موقفهم في جنوب العراق والحفاظ على استقلالهم ازاء الحكومه السنيه في بغداد .
    يضاف الى ذلك ان الدين كان المورد الرئيسي لمدن العتبات المقدسه والقوة الاساسيه التي تحرك نشاطها الاقتصادي الذي كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الهبات الخيريه والزيارات وحركة الجنائز من ايران . ولم تكن العشائر العراق الرحل مياله الى زيارة العتبات المقدسه وما كانت تعلق عليها أي اهميه دينيه اخرى , واذا كان العلماء الشيعه يدركون ذلك فانهم لربما اعتبروا تشيع القبائل ايضا فرصه لزيادة عدد من يمكن ان يكونوا مؤمنين ومتبرعين وزوارا محليين ينخرطون في ممارسة الشعائر الدينيه المرتبطه بزيارة العتبات المقدسه ويسعون الى دفن موتاهم في مقابر المدن المقدسه
    تشيع العشائر .. 3 .
    وكان قيام النجف وكربلاء بوظيفة مدن سوق صحراويه ومخازن حبوب في العراق قد جعل المدينتين قناة اتصال هامه بين العشائر . اذ كانت الرحله السنويه لعشائر العراق والصحراء السوريه والجزيره العربيه , الرحل , تدور حول موسمين . ففي موسم الأمطار كانت العشائر تتوجه نحو الرعي في المناطق الصحراويه ولكنها بين اوائل نيسان وأواخر تشرين الأول كانت توجد قرب المناطق الريفيه – المزروعه بحثا عن الماء والغذاء . وكان هذا يتزامن مع موسم حصاد القمح والشعير في جنوب العراق , حيث يبدأ في نيسان . وقبل منتصف القرن التاسع عشر كانت الحله سوقا عشائريه كبيره ومركزا للتبادل . وفي حين ان النجف كانت خربه تقريبا حتى القرن الثامن عشر فقد كانت لدى كربلاء امكانية الاضطلاع بهذا الدور حينذاك بسبب عمق اراضيها الأخصب نسبيا واصلاح قناة الحسينيه . ولكن , فاعلية النشاط التبشيري الشيعي لم تتحسن بصوره ملحوظه الا بعد الزيادة الكبيره للاراضي المزروعه حول النجف وكربلاء منذ القرن التاسع عشر نتيجة شق قناة الهنديه .
    لقد أعطت قناة الهنديه دفعه قويه للموقع الاقتصادي لمدينتي النجف وكربلاء اللتين ظهرتا بوصفهما مدينتي السوق الصحراويه الرئيسيتين في العراق . وتولت النجف القيام بدور السوق التجاريه للصحراء منذ القرن التاسع عشر حين جف شط الحله . وكانت حقول الرز الرئيسيه في العراق قد نشأت على امتداد قناة الهنديه , وخاصه بين طويريج والكوفه , وفي منطقتي الشاميه والسماوة القريبتين من النجف . وبحلول القرن العشرين كانت النجف قد فاقت كربلاء في أهميتها كمدينة سوق صحراويه . وبالاضافه الى موقعها كمدينة سوق صحراويه لبيع الحبوب والرز والتمور والأقمشه , كانت النجف مركزا لتجميع الصوف وجلود الأغنام والابل . وكانت تجتذب القبائل من الجزيره العربيه والصحراء السوريه , مثل فروع عنزة الرحل . وكانت القبائل تضرب خيامها في منطقه قريبه من المدينه تسمى " المناخه " حيث كان يجري الكثير من التبادل التجاري . وكانت كربلاء تتولى بالدرجه الرئيسيه تلبية حاجات الرحل من عشائر الشمر والعمارات وعشيرة بني حسن التي تمارس الرعي وتربية الحيوانات .
    وعمل ازدياد تفاعل النجف وكربلاء مع العشائر وخاصة خلال القرن التاسع عشر , على تمكين الدعاة الذين انطلقوا من هاتين المدينتين , من اشاعة الاسلام الشيعي بين ابناء العشائر بصوره أشد فعاليه بكثير من الفترات السابقه . ان شق قناة الهنديه هو الذي أسفر , عن اجتذاب عدد كبير من العشائر الى المنطقه الواقعه بين النجف وكربلاء , وبذلك تم تطوير العلاقات بين هاتين المدينتين والعشائر .
    بنيت قناة الهنديه التي مولت من حسن رضا خان , وزير " أوذة " الأول , في ثمانينيات القرن الثامن عشر , لنقل المياه الى النجف العطشى دائما . وأنجز بناؤها بعد عام 1803 ببعض الوقت . وتحسن تدفق الماء في القناة تحسنا كبيرا في منتصف القرن التاسع عشر بعد اجراء ترميمات واسعه , أيضا بتمويل من موارد شيعة الهنود .
    ولم تضمن قناة الهنديه ازدهار النجف في القرن التاسع عشر فحسب بل وأحدثت تغييرات مائيه وبيئيه كبيره في جنوب العراق ووسطه . اذ كانت القناة تتفرع عن الفرات في نقطة تبعد حوالي خمسة اميال جنوب المسيب . وفي الفتره الممتده من 1860 الى 1865 بدأت تستنزف ماء الفرات , وفي الفترة مابين 1865 و 1890 كانت قناة الهنديه تسحب القسم الاعظم من ماء النهر مغيّرة مجراه . ونمت قناة الهندية لتصبح نهرا يمتد حوالي 73 ميلا قبل ان يصب في بحيره قرب النجف ( بحر النجف ) . والسد الذي أقامه العثمانيون في عام 1890 لم يفشل في اعادة الفرات الى مجراه السابق فحسب بل وتسبب في توجيه كل مائه نحو الهنديه 1903 . ولقد أخل بناء قناة الهندية بالتوازن المائي التقليدي بين ضفتي الفرات الغربيه والشرقيه . فان أعالي الضفه الغربيه غمرت لتجعل الزراعه متعذره , فيما جفت المنطقه القريبه من الحله بصوره تدريجيه لأان مجرى شط نهر الحله أصبح ضيقا وبطيئا . وفقدت الحله موقعها كمركز زراعي وتجاري . وعلى النقيض من ذلك اتسع الارواء على امتداد قناة الهنديه , وأصبحت المنطقه المحيطه بها منطقة مزروعه بشكل حسن . وازدادت المساحات المرويه حول النجف زياده أكبر مع شق ثلاث قنوات أصغر في أواخر القرن التاسع عشر , موّلت القناة الاولى من حاكم كرمان الايراني والباقيتين من قبل العثمانيين .
    وأجبرت العشائر العديده في دائرة نفوذ الخزعل على هجر منطقة شط الحله , والاستقرار على امتداد قناة الهندية , مثل بني مالك ( وفروعها البني حسن وبني زريج وال علي وال فرج والعوابد والحميدات وال اسماعيل وال ابراهيم ) , وكذلك الشليحات وال فتلة والقريّط . وكان اجتذاب العشائر الكثيره الى المنطقه المتزايدة الخصوبه على طول الهنديه , بين كربلاء والنجف , قد كشف المستوطنين الجدد لتأثير المدينتين . وكانت النجف وكربلاء في موقع يمكنهما من القيام بدور العصب المركزي , وبث اشعاع من القوة الفعاله الى أفراد العشائر , أكثر من أي وقت مضى .

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني