بغداد/شذى الشبيبي
[align=justify]قدمت المرأة العراقية على مذبح حريتها ثمناً باهظاً شهيدة وسجينة ومنفية، نساء من طراز خاص تحدين إرهاب الدولة وصرخن عالياً بـ(يعيش العراق) وهن متوجهات إلى ساحة الاعدام أو حبل المشنقة، وتحملن كل عسف وألم زنزانات النظام المقبور. امراة عراقية أخفت زوجها وأبنها واخاها وحبيبها بل وجارها، عن أعين فئران الزيتوني البؤساء هذه المرأة مطلوب منها ان تكتب هذا التاريخ الناصع للمرأة العراقية لا تاريخ اتحاد النساء وحفلات نادي الصيد!.
السيدة التي نكتب عنها اليوم تختلف تماماً عن نظيراتها، فهي لا تستقبل احداً وترفض ان تكلم ايا كان، هي امرأة عراقية من عصر الظلم، امرأة نموذج لذاكرة المرآة.
تشبعت ذاكرتها بالفجيعة وما زالت متوقدة، فكانت سبباً باستمرار احساسها بالظلم الذي وقع عليها.. حلمها الوحيد ان تفقد الذاكرة.. انها "ام علي" التي اجزت لنفسي ان اطلق عليها اسم "قدرة" لانها تجسد لنا قدرة ايوب ـ على الصبر.
كانت "ام علي" تعيش حياتها هانئة راضية مع زوجها واطفالها بعيدا عن المشاكل، وفي يوم من ايام الزمن الدامي دوهم بيتها واخذ زوجها تصحبه الركلات والاهانات والسباب، وما هي الا ايام حتى الحقت بزوجها وهي تحمل طفلها الاخير في بطنها.. جيء بها الى السجن، وهناك عرفت "قدرة" ان وجع المخاض ليس هو الاقوى ولا الاقسى .. تقول: في السجن جاؤوا بي امام زوجي، وقاموا بتمزيق ملابسي امامه وانا حامل في ايامي الاخيرة، وكل قطعة كانوا يمزقونها من ثيابي كنت اصرخ واستغيث به وهو لا حول له سوى ان يشهق ويصرخ بأعلى صوته كلا كلا قطعوني، افعلوا ما شئتم بي واتركوها.. انا اصرخ وهو يصرخ قطعوني وفعلاً قطعوا يده ورموها عاليا وانا انظر كيف فعلوا ذلك وهم مستمتعين ... وكذلك قطعوا يده الاخرى وهكذا تم تقطيع جسد الزوج امام زوجته فهي لا تنسى هذا المشهد بل لا تستطيع نسيانه، انها ترى اشلاء مقطعة وتستعرض منظر الايدي الطائرة في فضاء غرفة التعذيب في صحوتها ونومها فهي تعيش حالة هستيريا مستمرة.. سكاكين، اوصال مقطعة، دماء وصوت الزوج المذعور من رؤية زوجته بهذا المنظر وهي حامل الله اكبر تصدح في غرفة التعذيب وما من مغيث .. تجهش "قدرة" ام علي بهيسيتريا لانها تعيش المأساة التي قضاها زوجها في لحظاته الاخيرة وهي متأكدة من انها اصعب واقسى حالة عاشها رجل غيور مؤمن كان حريصا كل الحرص على بيته وعرضه وفي لحظة يجد مجموعة ضالة لا عرض لها ولا دين ولا اخلاق تتطاول عليه بهذه الوحشية البشعة وتتلذذ بعذابه، للدرجة التي كان تقطيع جسده اهون عليه بكثير.
وفي الوقت الذي استشهد الزوج ولد ابنه بين الركلات والسباب والقهقهات الوضيعة، ولد طفل ما زالت حرارة الغيرة وانفاس والده الشجاع تملأ المكان.
لم تفقد السيدة "قدرة" ام علي وعيها رغم الفاجعة ولكن لا تتذكر سوى ان ابنها الوليد اخذ منها, وضع في كيس فيه "قطة" يبدو انها مهيأة لهذه الحالات متوحشة بدأت تنهش الطفل الذي حبست معه في الكيس وكان يجب على الوالدة ان ترى وتسمع صراخ ولدها كي تأخذ "عبرة" ولكنها تقول تعلمت عندهم اننا نظلم الحيوانات المتوحشة ان حسبنا هؤلاء المحسوبين على البشر منهم...
رغم مرور الاعوام هي لا تستطيع نسيان ما جرى، لا تختلط بالناس قليلة الكلام.. ترعى اطفالها بصمت وبقدرة واحد احد، تتحدث مع نفسها طيلة اليوم واحيانا بصوت مسموع.. وكل من يزورها من الاقارب والجيران تصرخ بوجههم "ادعوا لي" .. تتوسل وتستغيث بكل من تراه لعل دعوته مستجابة كي "تنسى" لانها تخشى "الجنون" .. وتبقى تصرخ : ادعوا لي ان يرحمني الله لانني متمسكة بخيط رفيع من التعقل اخشى ان افقد عقلي في أية لحظة واخرج الى الشارع كالمجانين.. ام علي تتمنى الموت او فقدان الذاكرة لان كل يوم يمر بها تزداد ذاكرتها صفاء وتشعر انها اقرب الى الجنون..[/align]