خطاب المقابر الجماعية - قاسم عبد الامير عجام


[align=justify]الخطاب ، ايا كان من يوجهه ولاي كان التوجيه ،وايا كان الهدف منه ، يبقى مؤشرا لحياة او صوتا لها بل وحتى تعبيرا عن الرغبة في التاثير في الحياة باتجاه ذلك الهدف .
هذه الحقيقة تؤشر مفارقة ذات مغزى في الخطاب الذي نحن بصدده وهي مفارقة لاتعني الغرابة بقدر ما تنتمي لجوهر هذا الخطاب هنا لاياتي من كائن حي ..بل من بؤرة للموت ! وليست بؤرة موت اعتيادي ! الخطاب الذي نحن بصدده تبثه مقبرة او مقابر جماعية كدست فيها الجثث على بعضها بينما تحتفظ المقابر الاعتيادية بصمتها الخاص ولها هيبتها الخاصة.
وفي كل تامل لاية مقبرة في العالم ، مهما صغرت او اتسعت ، لن يزيد معناها عما تحمله من دعوة او حفز للاعتبار بحتمية الموت ومافي تلك الحتمية من عبر يختلف وزنها وتاثيرها او تجاهها باختلاف من يتامل في تلك المقابر او في حتمية الموت باعتباره المحصلة المهيمنة لامتداد تلك المقابر حيث المصير الاعتيادي لمن ينهي الموت شوطه الحياتي .
لكننا، كما قلت ، هنا ازاء مفارقة صارخة حين نقف عند المقابر الجماعية التي ضمت رفات العراقيين الذين قتلهم الطغيان البعثي والتي لا تزال تكتشف هنا وهناك من ارض العراق ....فهذه المقابر تبث خطابا مختلفا لايحيل الى عبرة الموت وحتميته بل يثير قضايا هي في الصميم من الحياة الانسانية ،والحياة المعاصرة بالذات !
لماذا ؟وكيف ؟
اول اسباب ذلك انها بالاساس ليست مقابر انتهت اليها الاجساد بعد نهاية شوطها الحياتي ـ طال ام قصر ـ بقدر ماهي حواجز قطعت الحياة عنوة او موانع اوقفت مشاريع حياة كانت في فورة انفعالها بمجتمعنا او انشغالها باملها فصارت شواهد لعملية القطع الدامية تلك محتشدة ، طيلة صمتها ، بخطاب الحقائق والامال والمشروعات والانفعالات التي دفنت في رؤوس اصحابها وصدورهم قبل ان تدفن هذه في التراب .
ولان تلك الامال والرغبات ومشروعات الحياة متصلة بمن حولها ...اهلا ،اصدقاء ، اصحاب علاقة عملية ـ او حتىاعداء ـ فان قطعها بالشكل الذي قطعت فيه لم يلغ تلك الصلة وانما نقلها من مستواى الاعتياد وهدوئه الى مستوى الاستغراب والصدمه بكل مافيهما من ضجيج الاسئلة والهواجس وحرقة البحث والتقصي .
بل ان هذا الضجيج الذي كان مكبوتا كان اول مستويات الخطاب الذي استمرت عملية قطع الحياة تبثه من مراكزها المجهولة على موجات الحيرة والتساؤلات الحائرة ! وهو المستوى الذي يمكننا اعتباره اليوم المستوى الابتدائي الذي كان يمهد او يكتب السطور الاولى في خطاب اليوم بعد ان تكشف مراكز اغتيال الحياة ،فتوقف سؤال الـ (اين ) عند هذه المقبرة الجماعية او تلك . فتوقفت اسئلة (كيف ) و(لماذا ) عند الجواب بوحشية القتلة ودموية شهوة التسلط والاستبداد لتبدا اسئلة جديدة ،وتنهض استحقاقات جديدة ومتطلبات جديدة تشمل الشهود جميعا .
بذلك وجدنا انفسنا في هدير الخطاب الذي غادر مستواه الابتدائي حيث صمت الكبت وهمس القمع الى مستوى الدلالات المعلنة وضجة المعنى ،وغضب الاسئلة الجديدة ولغة الاتهام وثقتها .
واذن ، فان خطاب هذه المقابر الجماعية ـ التي لا تزال تزداد عددا ـ خطاب الحياة .لانها كانت قطعا دمويا لحياة كانت قيد التحقق ولم تكن محطات انتهت اليها رحلة حياة او اشخاص لم يبق لها سوى عبرة الموت فلنستمع لمفردات من ذلك الخطاب .
1ـ من اولى مفردات ذلك الخطاب ان هذه المقابر التي اكتشفها او كشفها هذا المواطن او ذاك ممن كان يعلم بها لكن الخوف كان يشل لسانه ....
اولى مفردات الخطاب اجابتنا عن سؤال مأساوي دمر عوائل كاملة ، او القى بها في عتمة مخاوف وتساؤلات اورثتها كآبة مقيمة ...سؤال : اين ذهب ابناؤنا ؟اين ذهبت بناتنا ؟اخوتنا ، امهاتنا .... اباؤنا ؟اين ؟ شباب يختفون كهول ، اطفال بمن فيهم اطفال رضع ، نساء ، صبايا ..اين ذهبوا ؟ وكيف اتفق ان يختفي الاصحاء والمعاقون ؟.. لكنهم اختفوا وكانهم لم يكونوا ! فاين ذهبوا ؟!
هذه المقابر اجابتنا دونما مجاملة او تملق مشاعر ..لقد قتلوا .نعم ، دفنوا جميعا . احياء او بعد القتل دونما صلاة جنازة ..دونما قبر خاص .وما كان يفرق بينهم في العمر والجنس لحطة وجودهم في ساحة القتل ، تلاشى بعد ان جمعتهم جفرة واحدة ...اكلتهم جمعا فكانت بهم مقبرة جماعية !!
اين ذهبوا ؟ لقد قتلوهم . هكذا تجيب المقبرة الجماعية وتنفتح اذ تبوح بخفاياها على آليتين مدمرتين كانتا تعملان معا بالتوازي والتوالي في ان واحد بهدف واحد ، هو تدمير الانسان في العراق .
الالية الاولى هي اخفاء الناس ، اخفاء المصائر .الالية الثانية التصفية الجسدية بشقيها ...القتل ودفن الاحياء .
آلية الاخفاء كانت هي الآلية الاساس بالنسبة لسلطة القتلة .فهي المعول عليها في :ـ
1ـ نشر الرعب العام في صفوف الناس ...رعب من يد خفية تشطب الوجود الانساني وكانه لم يكن .الرعب من مصير مجهول قد يحصل في اية لحظة فيلحقك بمن اختفوا !
2ـ تعظيم هيمنة السلطة واظهارها بمظهر قدر خرافي لاراد له ...سلطة تنفي أي علم لها باخفاء من اختفوا فتعيد الناس الى حيرة اعمق ويعمقها الرعب المتزايد مع كل فرد يختفي ، فتجدد السلطة نفيها ان تعلم شيئا عنه وتجدد نفيها باوراق رسمية ترسلها هذه الجهة تستفسر من تلك عن هؤلاء او اولئك!
وفي ذلك ادامة للرعب وتعميق الهيمنة ....فالرعب يتحول من مجرد الشك بالسلطة الى الاحساس بطغيان هيمنتها ورعب جراتها على النفي والضحك على الضحايا اهل المحنة.
3ـ ادامة الاخفاء :ـ ادامة لعملية تعذيب لمن هم خارج مخالب السلطة المباشرة ـ او الذين لم يختلفوا بعدـ واقامة شرطة قاسية داخل كل صدر وكل عقل ،تعمق بدورها الرعب من السلطة ونشر الشك بكل شيء وبكل الناس ....بأقربهم ،الشك بالمفردات ،واحتمال ما قد تحمله من معان لايقصدها المتحدث بينما تكتفي بها السلطة لتسليط مخلب الاخفاء على من لم يختف بعد .
4ـ ومابين الشك والرعب والشك المتجدد بين الناس والوهم او الاوهام والتعلق بحبال كاذبة الامال ..يلعب بها افراد شبكة خاصةمن اهل السلطة ...وبينهم من هو في شبكة الاخفاء اوشبكة القتل ،او منهما معا :ـ
* ادفع لنا ناتيك بمصير فلان او خبر عنه .
ـ*تعاون معنا في تقديم معلومة عن جارك ،نقودك الى رؤية ابنك ...لقد شاهده من نعتمد عليه في المعتقل الفلاني .وهو بخير !
* سنعاونك في مقابلة الرفيق فلان لتسهيل مسعى وصولك الى خبر عن ابنك او اخيك ـ ان تجرأ اخ على سؤال عن اخيه ـ!
ويتبسط (الرفيق ) فلان في الحديث بمكتبه المكيف المعطر ،ويتحدث عن الانسان هدف الثورة ووسيلتها ،وعن العدل الذي هو اساس الملك وعن الرئيس الحنون وقلبه الكبير !وو....حتى يعاد الباحث او المتسائل الى نقطة الصفر .
فاين ذهبوا اذن ؟ اثارهم في بيوتهم .علاقاتهم مع الناس .انتظارهم كلها عوامل تديم وجودهم عائليا ، اجتماعيا ...فنديم في الوقت نفسه الية الاخفاء وفعلها المدمر طويل الامد !.. ولاحظوا كيف يديم الخوف نفسه من خلال الية الاخفاء هذه ويديم معها احساسا اخطر ..
يديم معها الاعتياد على الخسارات الكبرى دونما حق في السؤال عن السبب او عن المسبب !هذا الاعتياد رهان السلطة على ترسيخ فكرة المستبد الذي يعلو على المساءلة ,لانه يرى نفسه كذلك فعلا !ولو لم يمنح نفسه هذه الدرجة الخارقة من الاستبداد لما كان القتل الجماعي او القتل اليومي السهل بالنسبة لآلة المستبد وعقله .
بما ان فكرة المستبد المتعالي على الاسئلة هي الاصل عند سلطة القتلة ولذلك كان القتل اولا .اما الاخفاء فهي الالية التي تشتغل كي ترسخ تلك الفكرة .
كان القتل اول الشوط في اخفاء الحقيقة بكل مافي الاخفاء من تعذيب لذوي القتيل / القتلى واصحاب الصلة بهم .وهكذا صار القتل مطلوبا لتصفية واخفاء ما يحملونه من حقائق الراي الاخر وصار الاخفاء مطلوبا لتعذيب ذوي الخصوم ولتحقيق اهدافه الاخرى التي وقفنا عند ابرزها .
هل كان الاخفاء اسلوبا افرزه تفاقم الطغيان بعد انتفاضة العراق عام1991مستغلا الحرب وما أعقبها ذريعة او غطاء لتفسير اختفاء الآالاف ؟
كلا . نعم ان الاسلوب تفاقم بعد الانتفاضة لاشتداد صراع الشعب في مواجهة الطغيان ، غير انه كان اسلوب المستبد البعثي منذ بدا حربه على الراي الاخر .ولقد بداها منذ قفزوا الى السلطة ..وكان القتل هو الاخر يتكامل مع الاخفاء في اشاعة الرعب وترسيخ فكرة المستبد خارج المساءلة ، باتباع اساليب العصابة المسلحة ومنها :
قتل الخصوم السياسيين بحوادث غامضة بدات بسلسلة حوادث السيارات التي تم فيها تصفية العديد ، ربما العشرات ، من البعثيين القدامى غير المرغوب فيهم .عندنا في بابل مثلا : ذهب بهذه الطريقة عبد الوهاب كريم .وعلي عجام وعامر الدجيلي ...وغيرهم وتكررت الحوادث في محافظات اخرى . من يقرا نعي (الرفاق ) الذين ذهبوا بتلك الطريقة في صحف تلك الفترة يشعر بأنه اسلوب تم اعتماده مسبقا.
*قتلهم في الشوارع ، كما حدث للعديد من الكوادر الشيوعية ...ستار خضير ، شاكر محمود ، حمزة سلمان ،وغيرهم كثير بينما كانت الاصوات تتعالى عن (وحدة القوى الوطنية ) و( الجبهة الوطنية التقدمية )..
تلك الحوادث كانت عملا مبكرا لترسيخ فكرة ان السلطة خارج المساءلة بينما كانت تحقق اهدافها في القضاء على من لا ترغب فيهم ..ولكي ترسخ فكرة كونها خارج المساءلة اعتمدت سلطة الاستبداد طريقة (يقتل القتيل ويمشي في جنازته ) فلقد اطلقت اسماء ضحايا السيارات البعثيين على الشوارع والمدارس .كان القادة البعثيون حاضرين في مجالس الفاتحة للقادة الشيوعيين الذين قتلوهم انفسهم !!
في الثلث الاخير من سبعينيات القرن الماضي ، رفعوا شعار تبعيث كل الشعب حتى عام 1980 ،وبالقوة .و خلال هذه السنوات من عام 1975حتى عام 1980 اختفى الالاف من المواطنين ممن رفضوا التوقيع على استمارات التبرؤ من معتقداتهم والانتماء لحزب البعث، بل اختفوا لمجرد رفضهم التوقيع على القرار 200 سيئ الصيت القاضي باعدام كل من دخل البعث وله انتماء سابق لم يكشف عنه او مايدخل في ذلك ! وقلة من هؤلاء واولئك المختفين ابلغ ذووهم باعدامهم ! هكذا ببساطة ..وبذرائع واهية كان اكثرها شيوعا ...الارتباط بتنظيم سياسي غير البعث ،في القوات المسلحة وهو من اشد المحرمات البعثية وكان حراما اشدها فتكا بالشيوعيين خاصته ..حتى مع سريان او دوران اسطوانة (الجبهة الوطنية ) على قاعدة (التحالف )!!
وحتى في الحوادث القليلة التي سلم فيها ذوو الشهداء جثث ابنائهم تم ذلك في مسعى منظم لترسيخ الاستبداد الخارق المتعالي على المساءلة :
ـ ارغام اهل الضحية على دفع ثمن الاطلاقات التي قتلت ابنهم .
ـ ارغامهم على دفع اجور نقل جثته اليهم .
ـ ارغامهم على دفنه سرا وعدم اقامة مجلس الفاتحة .
هذه الممارسات كما نرى متكاملة في تحقيق هدف واحد هو تدمير الانسان جلادا او ضحية !! تدمير ذوي الضحايا قهرا وارغاما على الصمت على الاذى ،وهو هدف دائم .
تدمير اكبر عدد من ازلام النظام انفسهم بغمسهم عميقا بتلك الجرائم كي ياتوا بالمزيد وبالابشع ، قتلا او ارغاما على الصمت باذلال ذوي الضحايا ،والا تخيلوا كم من (الجرأة ) او الوقاحة يلزم لشخص ما كي يقف امام اب حملت له جثة ابنه بعد غياب او اختفاء ربما لسنوات ثم يقول له اعطني ثمن الرصاص الذي قتلنا به ابنك ! كم من الوقاحة يلزم لذلك بحق السماء ؟! وكم من الصلف يلزم كي تحرر له ايصالا بذلك ؟! وكم من الصلف والوقاحة والقسوة يلزم لارغام المفجوعين بولدهم او ابيهم او .... على عدم اقامة مجلس فاتحة للضحية ؟ وكم منها يلزم لمراقبة المنزل بعد تسليم الجثة والداخلين اليه والخارجين منه ؟وتاملوا ، مع ازدياد عدد الضحايا ، كيف يزداد المنغمسون في الجريمة عددا وصلافة وكيف يتناسل فيهم النزوع السادي ويستشري المجرمون فعلا و(اجتهادا ) في الاساليب الاجرامية !!
ولان الحوادث المماثلة بالمئات ،ثم بالالاف ...تاملوا أي تخريب متصاعد ومنظم للضمير يتسع .
* ولكي تاخذ آلية القتل دورها الكامل لابد من ان تكون شاملة ودائمة ومتعددة الاشكال كي يسقط ضحاياها وذووهم والمساهمون بها المنفذون والمجتهدون ،في دائرة الاعتياد ...وهكذا كان ..
ـ قتل في الشوارع : بالرصاص او بالسيارات او حتى داخل حافلة ركاب عامة يصعد اليها المنفذ ملاحقا ضحيته ليكون (الصيد ) اسمن : المطلوب وارهاب الناس واذلالهم بالتخويف والذهول !
ـ قتل في البيوت بالمداهمات ...نهارا او ليلا .
ـ قتل تحت التعذيب ـ بما في ذلك اذابة الاجساد في الحوامض ـ حامض الكبريتيك او حتى بالثرم !!
ـ القتل شنقا ...او بالرصاص او بالسيف على ان يكون السيف صدئاً !!
* وبتعدد صور القتل تعددت دوائر التنفيذ والمنفذين ..
ـ المخابرات ..تمارس القتل بما لها من طرق.
ـ دوائر ما كان يسمى بـ(الامن )تمارس القتل بطرقها .
ـ سجون ولدي الطاغية تقتل يوميا بطرقها المتفردة .
ـ القتل في خطوط الجبهة ،وهي طويلة متعرجة ، بذريعة الجبن او الهرب او التخاذل او الخيانة!!
ـ قتل جماعي بالهجوم على الاهوار بذريعة مطاردة الهاربين او المخربين ....الطائرات تقتل ،النار تحرق الاكواخ وساكنيها ...,,
ـ قتل جماعي للاكراد والتركمان ..بالطائرات ، بالمدفعية الثقيلة ،بالغازات السامة ..بالمواد الكيمياوية الحارقة .....بدفن الاسرى احياء .
ـ قتل ..قتل ...في أي وقت باي شكل باية ذريعة ...او حتى بدونها !! المهم ،ان يعود الجلادون بحصيلة اكبر من الضحايا ..ان يعم القتل فيتعمق الرعب ويسود الذهول !
* بتلك العدوانية المستدامة المحمومة سقطت هيبة الموت وفقدت حرمة القتل حرمتها ! فلقد كان عليك ان تنسى او تتناسى مانشات عليه ..
ـ في القرآن ((من قتل نفسا بغير نفس فكانما قتل الناس جميعا ))
((ولاتقتلوا النفس التي حرم الله الابالحق ..))
ـ في الحديث (( كل المؤمن حرام على المؤمن ....دمه وماله وعرضه ))
ـ وفي المأثور عن علي ابن ابي طالب ((الانسان بنيان الله ،ملعون من هدمه...ملعون من سعى بهدمه ))!
فكيف لاتسقط حرمة القتل وهيبة الموت وقد اصبح قتل الانسان مهمة يومية لمئات من الجلادين او القادة !؟وكيف لا وماكنة تدمير الانسان بالخوف والرعب لاتتوقف لحظة واحدة !؟وكيف وقد اصبح (القائد الحزبي ) الجيد هو من يدير العملية باتجاهيها ...القتل والتخويف ؟!
قتل يومي مستمر يخفى اكثره ويتكفل القليل المعلن منه بترسيخ رعب المخفي .وبتلك الآليتين اختفى آلاف من شبابنا منذ عام 1980ثم وجدناهم اليوم في مقبرة هنا او مقبرة هناك ..وتعرفنا الى رفاتهم من بطاقات لم تبل ، في جيوبهم او من علامات فيهم او قادتنا اليهم ارقام على قبورهم ثبتها القتلة في سجن ابي غريب !
واذن لم تكن انتفاضة شعبنا 1991 هي البدء في الاخفاء بالمقابر الجماعية وانما كان الاخفاء والقتل فالاخفاء استراتيجية اولى من استراتيجيات مصادرة الاخر ونشر الرعب لترسيخ الاستبداد فوق المساءلة ! تصعيدا في تلك الاستراتيجية كانت المقابر الجماعية ...والا فان مصادرة الراي الاخر وما تتطلبه من جرائم بدات مبكرة ..بدات بالدورات الخاصة بالبعثيين لتخريج ضباط وشرطة على عجل .وبدات بالكليات المحرمة على غير البعثيين وبدات الوظائف والأعمال المحرمة على غير البعثيين ،وبذلك كان المستبد الذي يعلو على المساءلة ينمو ابتداء من الصمت على تلك المحرمات .
على هامش هذا التدمير اليومي والقتل الوحشي لابد من وقفة عند احد ملحقاته ،عند تلك المكاتب التي تخصصت بالمتاجرة بالتوسط الخفي لدى القتلة اما للانقاذ من الموت واما لمجرد الحصول على خبر عن المخفي ! ولكل ثمنه ! مكاتب (محاماة ) ...ويالخجل القانون من محاميها ـ كما سمح بعض المحامين لانفسهم بهذا الانحدار تخصصت بذلك التوسط ،مكاتب شقاة على صلة بقادة العصابة من الاقارب والاعمام ...وفي كل حال ، تصب المكاتب ولابد من ان تصب ـ في كيس طلفاح وابنائه !!!وتاملوا انتم اثار تلك المكاتب في مجتمعنا .
الجماجم التي قامت الان من ترابها وتقوم ، فتحت ملف القتل والاخفاء والمتاجرين به ...وماوقفنا عنده بعض من مفردات الملف ولابد من استيفاء مفردات اخرى وان لم تكن كل مفرداته ...
[/align]



http://www.iraqmemory.org/inp/view.asp?ID=79