صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 18
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي البنك اللاربوي في الإسلام // الشهيد السيد محمد باقر الصدر //

    [align=center] البنك اللاربوي في الاسلام
    اطروحة للتعويض عن الربا، ودراسة لكافة
    أوجه نشاطات البنوك في ضوء الفقه الإسلامي

    ........................................
    الطبعة السادسة

    طبعة جديدة مزيدة ومنقحة
    1400 هـ ـ 1980 م
    ........................................
    كلمتنا


    ........................................ صفحة ـ أ ـ
    بعد اليوم سوف لن يبقى الإسلام ثروة في صناديق.. ما دام إنسان اليوم قد بدأَ يتفهم الثروة ويُحسُّ إليها بالحاجة.
    في عصر ما قبل النهضة، كان الإنسان في شرقنا وغربهم يبيساً يمتص ما لديه، لا يظن في ما حوله ينابيع يمكن أن تروِّي فكره وتطَرِّي حياته.
    وفي غمرة النهضة، انطلق الإنسان يبني من عطائها وجه الدنيا، ويُطري لون الحياة.. حتى تمَّ له في سنين أن يقيم ما لم تستطعه أجياله المديدة.. أو تتخيله.
    لقد استطاع الإنسان أن يُعطي وجه حياته العجوز وجهاً تملؤه النُّضرة والفتوة حينما استطاع أن يجعل من وجهه الشاحب وجهاً تملؤه القوة والأمل..
    وكانت جهوداً كبيرة جهود الرحلة من أقصى السفح إلى أعلى القمة، جهوداً اعتصرت العقل والسواعد، ودَوَّخت الفضاء واستلَّت اللقمة من أفواه الكثيرين.. بما اقتضته من علم وعمل وتجربة ومال.
    ........................................ صفحة ـ ب ـ
    وبعد غمرة النهضة، وجهودها المضنية، يقف إنسان اليوم في قمة منجزاته لِيتَنَسَّم الهواء.. فيُحس بالإختناق!
    ما أعطى لحياته من كَدْح وبناء.. لم يقتل يبسها، ولم يُرطِّب نسماتها!
    تكاد تطبق على الصدر تلك النسمات التي تحمل إليه جفاف جوع الملايين، وجفاف عُرْي الملايين، وجفاف قلق الملايين، وجفاف رائحة الجثث الكثيرة التي عافتها الضَّواري ولم تَعف إنتاجها حضارته!!
    أنَّى بالنسمة الندية وهواء الحياة في هذا العصر مختنقٌ برائحة الظلم.
    كذلك هو إنسان اليوم في صرحه الحضاريّ الحديث. لم يجد له متنفساً في هذا الصرح.. ولم يعثر على نفسه.
    * * *
    وما بعد الضيق والضياع إلا أن يبحث الإنسان عن نفسه في جديد، وعن حياته في جديد.
    هل سيستطيع الإنسان كما كافح يأسه أن يكافح ضياعه؟ وكما أعطى لحياته البناء أن يعطي لبنائه الحياة؟
    هل من جديد في تفسير الحياة وإدارتها وتَنْدِية هوائها.. يردُّ عليه منجزاته التائهة، ونفسه المفقودة؟
    ........................................ صفحة ـ جـ ـ
    هنا يقول المطلعون على الإسلام: سيعثر الانسان على هذا الدين وسيجد نفسه في دفئه، وحياته في أفقه.
    سيعثر الإنسان على الاسلام: فلسفة حياة تستطيع أن تهضم حصيلته الجديدة من المعرفة فتمنهجها وتبلورها وتسندها.
    وسيعثر الإنسان على الاسلام: طريقة حياة تستطيع أن تستقطب تكنيته وآلاته فتطورها وتوجهها.
    وفي ذلك لا جِدّة على الاسلام ولا استكثار. فتلك هي طبيعة رسالة الله في صيغتها الخالدة، جديدة شاملة أصيلة، مهما تمّ في الحياة وإنسانها من تغيير وتطوير.
    طبيعة رسالة الله للإنسان أنها حكاية الوجود وطريقة الحياة، الوحيدة أبداً، الجديدة دائماً.
    إنه لا جديد في أن تملك الحقيقة الموضوعية في ذاتها إثبات ذاتها.. لا جديد على الإسلام أن يكون ضَالَّةَ الإنسان في القرن العشرين.. أو الستين. وإنما الجديد في الانسان أن يدع ضلالته ليجد ضالَّتَه..
    وهذا ما سيتم للإنسان ولو بعد حين.
    * * *
    نعم؛ أن يعودَ الانسان إلى ربه يتلقى منه منهجه وهداه، وأن يعودَ الاسلام عقيدة الحياة وطريقة عيشها ويتبخر ما عداه،
    ........................................ صفحة ـ د ـ
    حتميةٌ ضاربة الجذور في أعماق الوجود، مستشرفة الأغصان إلى مستقبله السعيد.
    وهي حتميةٌ بدأَ يفتح بابها للإنسان المعاصر إفلاس نهضته الحديثة ويبس حضارته الحديثة.
    وهي كذلك حتميةٌ تتطلب الجهود الكبيرة ما دامت حركةً كبيرةً في المحتوى العقلي والنفسي للإنسان.
    ومن هنا كان وُعَاة الإسلام ودُعَاته أمام مسؤولية كبيرة وتاريخية.. مسؤولية تقضي بمضاعفة الجهود لهذا الدين من أجل أن نقيم من كلمة الله سبحانه مشعلا للإنسان في الوقت الذي بدأ يرى أن شموعه التي يرفعها لا تضيء.
    ومَن أجدر من جامعاتنا العلمية كجامعة النجف والأزهر ودمشق والقرويين والزيتونة وعليكرة وقم وأمثالها بالنهوض بهذه المسؤولية وهي جامعات عاشت في مهد الاسلام وعاش الاسلام في مهدها.
    إن على حملة الإسلام في هذه الحواضر وحملته في كل مكان من أرض الله أن يرتفعوا بجهودهم إلى مستوى العمل لرسالة الله سبحانه.
    ومستوى العمل للعقيدة الالهية، في هذا العصر، أن يُنْظَر إلى أحدث ما بنَتْه العقيدة المادية من فلسفات ومناهج ثم تستَنْطق العقيدة الالهية لتأتي على تلك الفلسفات والمناهج وتقيم على أنقاضها صرح كلمة الله سبحانه.
    ........................................ صفحة ـ هـ ـ
    ومع عِظَم المسؤولية عظيم أمل ..
    أمل لا يستمد عمقه من حتمية الهدى فحسب، بل ومن العطاء الفكريّ الاسلامي الذي توفق لتقديمه حملة الإسلام في العشرين سنة الأخيرة عطاء اضطر الكثيرين من مفكري العالم ومن الناس أن يعدلوا عن اعتبار الاسلام (ديناً) بمفهومهم عن الدين ويعتبروه رسالة حياة تملك الوقوف إلى جانب فلسفات الإنسان ونظمه الحديثة، بل وتملك مقارعتها.
    ومن أطرف ما نلاحظ من مفكري الحضارة الحديثة موقفهم حينما يرون عطاء إسلامياً يهزم ما بنوا من عقائد، ويُفلِّس ما وضعوا من تشريع.. نراهم يقولون:
    عبقريٌّ هذا المؤلف كيف استطاع أن يقيم من (الدين!) فلسفة حياة أو مذهب اقتصاد!
    يستكثرون هذا الإبداع على دين الله.. فيضيفونه إلى واحد من عباد الله!
    مع ذلك.. فهذا بداية تفهم للثروة وإحساس بالحاجة إليها.
    وما بعد البداية أن يفهم أولاء أن قضية هذا الدين واقع حياتي كبير، وأن العجائزية والأسطورة والكهنوت كضلال الإنسان كانت أستاراً دون الرؤية.. رؤية الحياة في هذا الدين.
    ........................................ صفحة ـ وـ
    وما بعد البداية أن يدرك الإنسان أن أُفق الرؤية إنما هو في سطور كتاب يدعى القرآن، وفي صفحات أشخاص يدعون محمداً وآله.
    وحينئذ سوف لا يستكثر الإنسان إبداعاً من باحث وجده في دين الله فقدمه ولم يخترعه.. وسوف لا يستكثر الإنسان أن يوجد في دين الله الحلُّ لمشكلة الحياة الفلسفية، والحلول لمشاكلها الإجتماعية.. لأنه سيدرك أن الباحث في الإسلام يغترف من تفسير للحياة من صانِعِها، وتشريع للحياة من خَبِيرها.
    إنه ليس أعظم خدمة للبشرية المعذبة من أن نقدم لها كلمة الله سبحانه في مختلف مجالات حياتها، وندعوها للسعادة في ظلها.
    * * *
    وكتاب (البنك اللاربوي في الاسلام) الذي يشرف مكتبتنا أن تقوم بنشره هو جزء من جهود جامعة النجف على يد أحد كبار فقهائها أعزه الله لتقديم كلمة الله سبحانه في جانبيها الفلسفي والتشريعي على وضح من تطوُّر الفلسفة والتشريع الحديثين.
    وفضل التسبيب في هذا البحث (للجنة التحضير لبيت التمويل الكويتي) التي شكلت في وزارة الأوقاف لوضع نظام لبنك اسلامي لا ربوي فوجهت السؤال بذلك إلى عدد من كبار الفقهاء ليكون نظام البنك المذكور على هُدى النظام المصرفي في الاسلام.
    وإن مما يسعد حقاً أن مواجهتنا لمشاكل النظام الربوي وآثاره السيئة أصبحت تبعث فينا التفكير في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي.
    ........................................ صفحة ـ ز ـ
    ومما يسعد أيضاً أن تتجاوب مع فكرة البنك اللاربوي بلدان اسلامية أخرى وتنوي إقامته حينما تتم تجربته في الكويت.
    ذلك دليلٌ على أن أمتنا بدأت تتخذ الموقف الإيجابي من مشاكلها وتدرك أن في الإسلام ما يضمن لها الحياة الكريمة.
    وليس أنفع في تعريف العالم بقدرة الإسلام على حل المشاكل الإجتماعية ـ بعد تقديمه بناءً فكرياً ومنهجاً كاملاً ـ من تقديم تجربة إسلامية حية.. في حقل صغير من الحياة أم كبير.
    شكرنا لفقيه الاسلام المؤلف دام ظله على تفضله باجازتنا طبع هذا البحث.
    وأملنا للبنك الإسلامي أن يشق طريقه ويثمر ثماره في وسط النظام الربوي ليثبت جدارة الإسلام بإدارة وتطهير هذا الجانب من جوانب حياتنا الإقتصادية.
    وأملنا بالله سبحانه أن يأخذ بيد القائمين عليه ويوفقهم
    وأن يأخذ بيد أمتنا لتفهم إسلامها وتطبيقه وهو سبحانه الموفق.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=CENTER]........................................ صفحة ـ حـ ـ
    محتويات الكتاب
    موقفنا من الأطروحة......................................... 5
    سياسة الأطروحة المقترحة.................................... 8
    المعالم الأساسية للسياسة المصرفية............................ 11
    نظام البنك اللاربوي........................................15
    الفصل الأول
    تنظيم علاقات البنك بالمودعين والمستثمرين .................20
    الودائع الثابتة والمتحركة....................................23
    تنظيم علاقات البنك في مجال الودائع الثابتة ـ
    مفهوم المضاربة في الفقه الإسلامي ـ أعضاء
    المضاربة المقترحة ـ شروط الأعضاء.................25 ـ 30
    حقوق الأعضاء
    حقوق المودع ـ ضمان الوديعة ـ الدخل ـ
    ضمان الوديعة ـ قدرة المودع على سحب الوديعة....31 ـ 40
    حقوق البنك....................................... 40 ـ 48
    حقوق المستثمر.......................................... .. 48
    خطر تلاعب المستثمرين.................................... 50
    معرفة الأرباح وتوزيعها .....................................53
    حين يحس البنك بالحاجة إلى جذب الوداع .................. 62
    ودائع التوفير .............................................. 64
    الودائع المتحركة .......................................... 65
    ........................................ صفحة ـ ط ـ
    إلغاء العنصر الربوي من الفائدة ............................. 68
    ملاحظات عامة حول البنك اللاربوي................... ... 75
    الفصل الثاني
    تقسيم الوظائف الأساسية للبنوك
    القسم الأول الخدمات المصرفية
    قبول الودائع المصرفية ....................................... 83
    الودائع المتحركة والحساب الجاري ........................... 85
    فتح الحساب الجاري......................................... 88
    الإيداع في الحساب .......................................... 89
    السحب من الحساب ....................................... 91
    الودائع الثابتة .............................................. 96
    ودائع التوفير .............................................. 97
    الودائع الحقيقية ............................................ 98
    توظيف البنك اللاربوي للأموال العاطلة ................... 101
    التحصيل ـ تحصيل الشيكات ............................. 106
    التحصيل المستند ......................................... 111
    التحويل ـ عمليات التحويل الداخلي ـ التحويل
    المقترن بدفع نقود ـ التحويل لأمره ـ
    التحويل إلى غير الدائن .......................... 112 ـ 119
    تحصيل الكمبيالات ....................................... 119
    قبول الكمبيالات والشيكات ............................. 121
    خدمات الأوراق المالية ................................... 123
    الاكتتاب ................................................ 127
    خطابات الضمان ـ الخطابات النهائية ـ الخطابات
    الإبتدائية ...................................... 128 ـ 131
    ........................................ صفحة ـ ي ـ
    الإعتمادات المستندية ................................... 131
    تخزين البضائع ........................................... 134
    عمليات الصرف الخارجية (الكامبيو) ..................... 135
    التطوير المصرفي لتأدية الديون والطلبات
    العملات الأجنبية ـ الحوالات المصرفية
    الصادرة ـ والواردة ـ الشيكات المصرفية
    ـ خطابات الإعتماد الشخصية ................ 136 ـ 144
    أحكام النقود في الصرف
    النقود الذهبية والفضية .................................. 147
    النقود النائبة عن الذهب ................................ 149
    النقود الورقية المتعهدة .................................. 149
    الأوراق ................................................ 151
    القسم الثاني من وظائف البنك
    تقديم القروض والتسهيلات ............................. 153
    خصم الأوراق التجارية ................................. 155
    خصم الكمبيالة على أساس البيع ........................ 158
    القسم الثالث من وظائف البنك
    الإستثمار .............................................. 161
    الملاحق الفقهية
    الملحق (1) مناقشة التخريجات التي تحول
    الفائدة إلى كسب محلل ................................ 164
    الملحق (2) ضمان المستثمر لرأس المال ................. 184
    الملحق (3) التخريج الفقهي لأرباح البنك
    من المضاربة ........................................... 205
    الملحق (4) التخريج الفقهي لبقاء رأس المال
    وحد أدنى من الربح لدى المستثمر ...................... 209
    الملحق (5) فوائد الودائع الثابتة ........................ 210
    الملحق (6) التخريج الفقهي لتحصيل قيمة
    الشيك ................................................ 215
    الملحق (7) العمولة على التحويل ....................... 221
    الملحق (8) العمولة على تحصيل الكمبيالة ............... 223
    الملحق (9) التخريج الفقهي لقبول البنك
    للكمبيالة .............................................. 230
    الملحق (10) التخريج الفقهي لخطابات
    الضمان النهائية ........................................ 235
    الملحق (11) فوائد البنك عن بضائع
    المستوردين ........................................... 244
    الملحق (12) التخريج الفقهي للعمولة على
    خطاب الإعتماد ...................................... 247
    ........................................ صفحة : 4
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    الحمد للّه رب العالمين، وأفضل الصلاة على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين
    ........................................ صفحة : 5
    موقفنا من الاطروحة
    أودّ لدى محاولة التخطيط لأطروحة البنك اللاربوي أن أشير إلى نقطة أساسية في هذه المحاولة، وهي: أننا يجب أن نميز بصورة جوهرية بين الموقفين التاليين:أ- موقف من يريد أن يخطط لبنك لا ربوي ضمن تخطيط شامل للمجتمع، أي بعد ان يكون قد تسلم زمام القيادة الشاملة لكل مرافق المجتمع، فهو يضع للبنك أطروحته الإسلامية كجزء من صورة إسلامية كاملة وشاملة للمجتمع كله.
    ب- وموقف من يريد أن يخطط لإنشاء بنك لا ربوي بصورة مستقلة عن سائر جوانب المجتمع، أي مع افتراض استمرار الواقع الفاسد والإطار الاجتماعي اللاسلامي للمجتمع، وبقاء المؤسسات الربوية الأخرى من بنوك وغيرها، وتفشي النظام الرأسمالي مضمونا وروحا في الحياة الاقتصادية والحياة الفكرية والخلقية للناس.
    ان هذين الموقفين يختلفان اختلافا أساسيا. إذ على مستوى الموقف الأول يطبّق حكم الإسلام بتحريم الربا على البنك ضمن تطبيق شامل للنظام الإسلامي كله، وبذلك يؤتي تحريم الربا في‏
    ........................................ صفحة : 6
    مجال التطبيق كل ثماره المرجوّة، ولا يخلق مضاعفات، ويساهم مع باقي أجزاء النظام الإسلامي في تحقيق الأهداف الرئيسية التي يتوخّاها الإسلام في تنظيمه الاجتماعي.
    وقد قلنا في كتاب «اقتصادنا» إن النظام الإسلامي كلّ مترابط الأجزاء، وتطبيق كل جزء يهيى‏ء إمكانيات النجاح للجزء الآخر في مجال التطبيق، ويساعده على أداء دوره الإسلامي المرسوم.
    وأما على مستوى الموقف الثاني فإن تحريم الربا سوف يطبّق على بنك خاص بينما يبقى غير مطبق على سائر المؤسسات النقدية والمالية الأخرى، ويبقى كثير من جوانب النظام الإسلامي معطلا في واقع الحياة. وهذه التجزئة في مقام التطبيق سوف لن تسمح للتطبيق الجزئي المحدود لفكرة تحريم الربا أن يؤتي كل ثماره، ويحقق نفس الأهداف والمكاسب التي بإمكانه أن يحققها لو وضع ضمن تطبيق شامل للنظام الإسلامي كله.
    ولكنّ هذا لا يشكّل عذرا عن التطبيق الشرعي حيث يمكن.
    لأن كل حكم من أحكام الإسلام واجب التطبيق على أي حال، سواء طبّقت الأحكام الأخرى أم لا. وتطبيق كل حكم يقرّب المجتمع نحو إمكانية التطبيق الشامل للشريعة المقدسة.
    وهكذا نعرف أن الشخص الذي يتاح له الموقف الأول يمكنه أن يصوغ أطروحة البنك اللاربوي بشكل ينطبق على أحكام الشريعة الإسلامية نصا وروحا، ويساهم في تحقيق الأهداف‏
    ........................................ صفحة : 7
    الرئيسية التي يتوخّاها الاقتصاد الإسلامي، من توازن اجتماعي، وعدالة في التوزيع، وغير ذلك، ولا يمنى بتناقض بين أطروحة البنك اللاربوي، وباقي جوانب المجتمع. ذلك لأن الموقف الأول يعني أن تنظّم كل جوانب المجتمع على أساس الإسلام، ومع وحدة الأساس للتنظيم الاجتماعي في كل المجالات لا يبقى مجال للتناقض أو نشوء المضاعفات. إلا تلك المضاعفات التي قد تنشأ عن ضغوط المجتمعات الأخرى الربوية التي تعايش المجتمع الإسلامي.
    وعلى العكس من ذلك من فرض عليه الموقف الثاني. لأنه موقف ضيق بطبيعته إذ تفرض عليه الأرضية والإطار بصورة مسبقة، وهذا يجعل أطروحة البنك اللاربوي غير مرنة ولا حرة في اتخاذ أفضل صيغة لها من الناحية الإسلامية، بل إنها مضطرة إلى اتخاذ صيغة صالحة للعيش والحركة ضمن ذلك الإطار والأرضية، وقادرة على معاصرة البنوك الأخرى التي تواصل نشاطها الربوي حتى بعد قيام البنك اللاربوي المزمع إيجاده.
    ........................................ صفحة : 8
    سياسة الاطروحة المقترحة
    وحديثنا الآن عن أطروحة البنك اللاربوي المقترحة يجب أن يكون بروح الموقف الثاني لأن المفترض بقاء الواقع كما هو من سائر نواحيه. الاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والسياسية، ولو كنا نعالج الموضوع بروح الموقف الأول لكان لنا حديث غير هذا الحديث.
    وروح الموقف الثاني تفرض علينا أن نفتّش عن صيغة شرعية معقولة للبنك اللاربوي، ولكي تكون الصيغة المقترحة كذلك يجب أن تتوفر فيها عناصر ثلاثة:
    الأول: أن لا يكون البنك المقترح مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية.
    الثاني: أن يكون البنك قادرا على التحرك والنجاح في الجو الفاسد للواقع المعاش أي أن لا تخلق صيغته الإسلامية فيه تعقيدا وتناقضا شديدا مع واقع المؤسسات الربوية الرأسمالية وجوّها الاجتماعي العام بالدرجة التي تشلّه عن الحركة والحياة.
    نقول هذا فعلا، بينما لم يكن هذا التناقض الشديد ليشكل خطرا على البنك اللاربوي لو أتيح لنا الموقف الأول، إذ نستأصل حينئذ كل المؤسسات الربوية ونجتثّ كل جذورها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وهكذا نعرف أن الصعوبة لا تكمن في إعطاء صيغة إسلامية لا ربوية للبنك، بل في إعطائه هذه‏
    ........................................ صفحة : 9
    الصيغة مع افتراض أن يعيش ضمن الواقع الفاسد ومؤسساته المختلفة.
    الثالث: أن تمكّن الصيغة الإسلامية البنك اللاربوي لا من النجاح كمؤسسة تجارية تتوخّى الربح فحسب، بل لا بد للبنك اللاربوي هذا أن يكون قادرا ضمن تلك الصيغة على النجاح بوصفه بنكا، أي أن يؤدي في الحياة الاقتصادية نفس الدور الذي تقوم به البنوك فعلا، من تجميع رءوس الأموال العاطلة ودفعها الى مجال الاستثمار والتوظيف على أيدي الأكفاء من رجال الأعمال، وتمويل القطاعات التجارية والصناعية والقطاعات الأخرى بما تحتاجه من المال، وتكثير وسائل الدفع التي تعوّض عن العملة وتساهم في اتساع حركة التبادل ونشاطها من شيكات (صكوك) وغيرها.
    وإضافة إلى ذلك، لا بد للبنك لكي ينجح باعتباره بنكا في بلد من البلاد النامية أن يؤدي دورا طليعيا في تنمية اقتصاد البلد الذي يشكّل البنك جهازا من أجهزته المالية الحساسة، وأن يساهم مساهمة فعالة في تطوير الصناعة في ذلك البلد ودفعها إلى الامام.
    نستخلص من ذلك، أن سياسة البنك اللاربوي المقترح يجب أن توضع على ثلاثة أسس:
    أولا: أن لا يخالف أحكام الشريعة المقدسة.
    ثانيا: أن يكون قادرا على الحركة والنجاح ضمن إطار الواقع المعاش بوصفه مؤسسة تجارية تتوخى الربح.
    ........................................ صفحة : 10

    ثالثا: أن تمكّنه صيغته الإسلامية من النجاح بوصفه بنكا، ومن ممارسة الدور الذي تتطلبه الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية من البنوك، وما تتطلبه ظروف الاقتصاد النامي والصناعة الناشئة من ضرورة التدعيم والتطوير.
    وعلى ضوء هذه السياسة، سوف نتحدث عن الأطروحة المقترحة للبنك دون أن نتقيّد بحصر نشاط البنك المقترح في نطاق الدائرة التقليدية لنشاطات البنوك التجارية (بنوك الخصم والودائع)، أو الدائرة التقليدية لنشاطات بنوك التخصص (بنوك العمّال)، أو أي دائرة اخرى محدودة من هذا القبيل، بل إننا سوف نفكر في أي نشاط يمكن أن يقوم به البنك، إذا كان منسجما مع الأسس الثلاثة المتقدمة، سواء كان هذا النشاط من اختصاص هذه الدائرة أو تلك.
    ........................................ صفحة : 11
    المعالم الاساسية للسياسة المصرفية الجديدة
    يمكننا أن نلخص المعالم الرئيسية للسياسة المصرفية الجديدة التي تحدد بموجب الأسس المتقدمة فيما يلي:
    أولا: الاتّجاه إلى إبراز عنصر العمل البشري في النشاطات المصرفية بوصفه مصدر دخل، والاتجاه عكسيا إلى الحد من دخل رأس المال.
    فبينما البنك الربوي يمارس عمله بوصفه شخصية رأسمالية، ويركز على دخله بهذا الوصف، يتجه البنك اللاربوي إلى التأكيد على صفته كعامل، ويركز على دخله المستمد من هذا الوصف.
    ويتمثل هذا الاتجاه، من ناحية، في تأكيد البنك اللاربوي على العمولة بوصفها أجرة عمل واهتمامه بتوسيع نطاق دخله القائم على أساس العمولات. ومن ناحية أخرى، في تعففه عن فائدة القرض بوصفها أجرة رأس المال والممثلة لسلطانه الربوي.
    وثانيا: الاتجاه إلى الاحتفاظ مهما أمكن بروح الوساطة في الدور الذي يمارسه البنك بين المودعين والمستثمرين، وصياغة موقفه القانوني منهم بصورة تجسّد الوساطة.
    وبالرغم من أن الظروف الربوية القاهرة التي تحيط بالبنك اللاربوي تمنعه في كثير من الأحيان من تجسيد الاتجاهات التي‏
    ........................................ صفحة : 12
    يتبناها تجسيدا كاملا، إلا انها لا تمنعه على أي حال من التعبير عنها بشكل من الأشكال. وبذلك يحمل البنك اللاربوي على أقل تقدير بذرة التغيير الإسلامي الشامل في نظام الصيرفة، ويهيأ للمسلمين الانفتاح على أطروحة تسير في خطة هذا التغيير ولو على المستوي النظري أحيانا. هذا، إلى جانب ما يكسبه البنك اللاربوي من شرف الالتزام فعلا بأحكام الشريعة الإسلامية والتقيّد بحدود اللّه تعالى.
    وثالثا: استعداد البنك اللاربوي لتحمل أعباء التجربة الجديدة في سبيل إشاعة الروح الإسلامية في نظام البنك اللاربوي، واستعداده للتضحية بشي‏ء من الربح، أو المخاطرة حين يتطلب إنجاح الأطروحة شيئا من ذلك. لأن مؤسسي البنك اللاربوي إذا كانوا يريدون ان يقدموا أطروحة جديدة للعالم يجسّدون فيها بعض قيم الرسالة الإسلامية وروحها العظيمة. فلا بد أن يتحلّوا إلى جانب روحهم التجارية بروح رسالية ودوافع عقائدية تجعلهم يحسون دائما بأن العمل الذي يمارسونه ليس مجرد عمل تجاري لأجل الربح فحسب، بل هو إضافة إلى ذلك، لا بدلا عن ذلك، أسلوب من أساليب الجهاد في حمل أعباء الرسالة والأعداد لاستنقاذ الأمة من أوضاع الكفر وأنظمته. وكل جهاد يتطلب التضحية ويفرض على المجاهد البذل والعطاء.
    فالبنك اللاربوي بحكم إقدامه على هذا العمل الرسالي الضخم في عالم يزخر بالربا يجب أن يتجه إلى دراسة أرباحه لا بلغة
    ........................................ صفحة : 13
    الأرقام المادية فحسب، بل يدخل في أرباحه المكاسب العظيمة التي يحققها بعمله بأشرف رسالات السماء على الأرض. وهو أولى بتحمل أعباء التجربة والتضحية ببعض الأرباح من المودعين أو المستثمرين الذين لم يعيشوا الدوافع الرسالية للبنك، ولم يرتفعوا إلى مستوى الهمّ الكبير الذي دفع أصحاب فكره البنك اللاربوي إلى تقديم أطروحتهم الجديدة إلى العالم.
    ورابعا: البحث عن متنفس للبنك اللاربوي يستطيع عن طريقه أن يمارس عمله الفريد النبيل في الاقتراض بلا فائدة، في عالم يسوده نظام الربا والقروض بفوائد من أقصاه إلى أقصاه.
    وتقوم الفكرة في هذا التنفس على تمييز البنك اللاربوي في تعامله بين الجهات التي صنعت ذلك الوضع الشاذّ الربوي في العالم وغيرها.
    فبينما يحجم البنك اللاربوي عن إقراض الأشخاص والهيآت بفائدة تعفّفا عن الربا يسمح لنفسه أن يودع بفائدة في بنوك أشخاص لا يؤمنون بالإسلام، أو بنوك حكومات لا تطبق الإسلام.
    فالبنك، كمقرض لا يأخذ فائدة من المقترض، ولكنه كمودع في تلك البنوك يمكنه أن يأخذ الفائدة. والمبرر الواقعي لذلك هو أن الوضع الفعلي لهذه البنوك هو المسؤول عن الحرج الذي يلقاه البنك المؤمن في ممارسة نظامه اللاربوي.
    ........................................ صفحة : 14
    والتخريج الفقهي لذلك يقوم على أساس عدة أحكام على رأسها الرأي الفقهي القائل بجواز التعامل مع الكافر غير الذمي بالربا وأخذ الزيادة منه، وهو قول يتفق عليه علماء المذهب الإمامي، ويذهب إليه غيرهم من علماء المسلمين أيضا كإمام المذهب الحنفي.
    ........................................ صفحة : 15
    نظام البنك اللاربوي‏
    ........................................ صفحة : 16
    سوف يقع حديثنا عن نظام البنك اللاربوي في فصلين:
    أحدهما: في النقطة الرئيسية في البحث وهي طريقة إنقاذ البنك المزمع إنشاؤه من التعامل بالربا، والذي يتمثل لدى البنوك القائمة فعلا بصورة رئيسية في الإيداع لدى البنك بفائدة والاقتراض منه بفائدة، والذي يعبر عن المصدر الرئيسي للتناقض بين تلك البنوك وبين أحكام الإسلام.
    وطريقة إنقاذ البنك من التعامل بالربا، والقضاء على أساس التناقض بينه وبين أحكام الإسلام يتم بتقديم أطروحة تنظم علاقاته بالمودعين والمستثمرين على أساس جديد يختلف عن نظام الإيداع بفائدة والإقراض بفائدة «1».
    ........................................ صفحة : 17
    والفصل الآخر نستعرض فيه الوظائف الأساسية التي تمارسها البنوك القائمة فعلا وما تشتمل عليه من خدمات وتسهيلات واستثمارات، وندرسها في ضوء الأطروحة السابقة، لنعرف حكم الشريعة الإسلامية بشأنها، وموقف البنك اللاربوي من مختلف تلك النشاطات «1».
    ........................................ صفحة : 20

    الفصل الأول
    الاطروحة الجديدة لتنظيم علاقات البنك بالمودعين والمستثمرين‏

    تتكون الموارد المالية للبنك عادة من رأس المال الممتلك للبنك (أي رأس المال المدفوع مضافا إليه الأرباح المتراكمة غير الموزعة) ومن الودائع التي يحصل عليها ويتمثل فيها الجزء الأكبر من موارده.
    وتنصب أهم نشاطات البنك الربوي على الاقتراض بفائدة أو بدون فائدة (فان قبوله للودائع الثابتة اقتراض بفائدة، وقبوله للودائع المتحركة اقتراض بدون فائدة كما سيأتي) ثم الإقراض بفائدة أكبر. ويتكون دخله الربوي من الفائدة التي يتقاضاها- في حالة اقتراضه بدون فائدة- أو من الفارق بين الفائدتين في الحالة الثانية.
    ويستمد البنك الربوي أهميته في الحياة الاقتصادية من كونه قوة قادرة على تجميع رءوس الأموال العاطلة بإغراء الفائدة التي يعطيها للمودعين ودفعها الى مجال الاستثمار باسم قروض لرجال الأعمال ومختلف المشاريع التي تحتاج الى تمويل.
    وعلى هذا الضوء نعرف أن العلاقة التي يمارسها البنك مع المودعين من ناحية، ومع المستثمرين من ناحية أخرى، هي علاقة وسيط بين رأس المال والعمل إذا نظرنا الى طبيعتها الاقتصادية. واما إذا نظرنا الى طبيعتها القانونية أي إلى الصياغة القانونية لتلك العلاقة في المجتمع الرأسمالي نرى أن القانون‏
    ........................................ صفحة : 21
    صاغها عن طريق تجزئتها الى علاقتين قانونيتين مستقلتين:
    إحداهما: علاقة البنك بالمودعين بوصفه مدينا وبوصفهم دائنين، والأخرى: علاقة البنك مع رجال الأعمال المستثمرين الذين يلجأون الى البنك للحصول على المبالغ التي يحتاجونها من النقود، وفي هذه العلاقة يحتل البنك مركز الدائن، ورجال الأعمال مركز المدين.
    ومعنى هذا أن البنك لم يعد في الإطار القانوني مجرد وسيط بين رأس المال والعمل، أي بين المودعين والمستثمرين، بل أصبح طرفا أصيلا في علاقتين قانونيتين، وانعدمت بحكم ذلك أي علاقة قانونية بين رأس المال والعمل بين المودعين والمستثمرين، فأصحاب الودائع ليس لهم أي ارتباط قانوني برجال الأعمال وإنما هم مرتبطون بالبنك ارتباط دائن بمدين، كما ان رجال الأعمال المستثمرين غير مرتبطين بأحد سوى البنك بالذات الذي يدخلون معه في علاقة مدين بدائن.
    والبنك بوصفه مدينا للمودعين يدفع إليهم الفائدة إذا لم تكن ودائعهم تحت الطلب، وباعتباره دائنا للمستثمرين يتسلم منهم فائدة أكبر. وبذلك يرتبط نظام الإيداع والإقراض بالربا المحرم في الإسلام.
    والفكرة الأساسية التي أحاول عرضها لتطوير البنك على أساس إسلامي يصونه من التعاطي بالربا ترتكز على تصنيف الودائع التي. يتسلمها الى ودائع ثابتة وأخرى متحركة (جارية)، ففي الودائع الثابتة ترفض الصياغة القانونية الآنفة الذكر بعلاقة
    ........................................ صفحة : 22
    البنك بالمودعين والمستثمرين، وتعطى بدلا عنها صياغة قانونية أخرى تنشأ بموجبها علاقة قانونية مباشرة بين المودعين والمستثمرين ويمارس البنك ضمنها دوره كوسيط بين الطرفين، وبذلك تصبح الصياغة القانونية لعلاقة البنك بالمودعين والمستثمرين أكثر انطباقا على واقع تلك العلاقة.
    فكما إذا نظرنا الى واقع هذه العلاقة بصورة مجردة عن أي طابع قانوني نجد انها لا تخرج عن معنى الوساطة يقوم بها البنك لإيصال رءوس الأموال التي تتطلب مستثمرا الى المستثمرين الذين يطلبون رأس مال يستثمرونه. كذلك حين ننظر إلى علاقة البنك بالطرفين في إطار الصياغة القانونية المقترحة التي تنشأ فيها الصلة بين المودعين والمستثمرين مباشرة، فإنها لا تبتعد ضمن هذه الصياغة عن وضعها الطبيعي كوساطة يمارسها البنك بين رأس المال والعمل.
    هذا في مجال الودائع الثابتة، واما الودائع المتحركة (الجارية) فلها وضع آخر في الأطروحة المقترحة يأتي الحديث عنه بعد ذلك.
    وسوف نتناول أولا تنظيم علاقات البنك بالمودعين للودائع الثابتة والمستثمرين، ونوضح كيف تصاغ بشكل تنشأ فيه الصلة مباشرة بين المودعين والمستثمرين ويمارس البنك اللاربوي دور الوسيط بين الطرفين، ثم نتكلم عن تنظيم علاقات البنك بأصحاب الودائع المتحركة. ولكن قبل البدء بذلك لا بد أن نحدد ما نقصده من الودائع الثابتة والمتحركة.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]........................................ صفحة : 23
    تقسيم الودائع الى ثابتة ومتحركة
    الودائع الثابتة، (الودائع لأمد) عبارة عن المبالغ التي يودعها أصحابها في البنك بقصد الحصول على دخل عن هذا الطريق يتمثل فيما يتقاضونه من الفوائد، وهؤلاء قد يستهدفون استثمار أموالهم عن هذا الطريق باستمرار، وقد يقدمون على هذا الاستثمار مؤقتا بانتظار فرصة مناسبة للتشغيل.
    والودائع المتحركة، (الودائع تحت الطلب التي تكوّن الحساب الجاري) هي المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بقصد أن تكون حاضرة التداول والسحب عليها لحظة الحاجة، وفق متطلبات العمل التجاري، أو حاجات المودع كمستهلك.
    ولا يتقاضى هؤلاء عادة فائدة من البنوك على هذه الودائع، كما انها تكون تحت الطلب دائما، بمعنى ان البنك يلتزم بدفعها متى ما طولب بذلك، خلافا للودائع الثابتة، فان أصحابها يتقاضون فوائد عليها ولا يلتزم البنك بدفعها فورا متى طولب بذلك.
    وهناك قسم ثالث من الودائع، تلتقي فيه خصائص القسمين السابقين وهو ودائع التوفير التي يودعها الموفرون في البنك وينشؤون بذلك حسابا في دفتر خاص واجب الترقيم عند كل سحب أو إيداع. وتلتقي ودائع التوفير مع الودائع المتحركة في‏
    ........................................ صفحة : 24
    إمكان السحب منها متى شاء المودع، خلافا للودائع الثابتة التي لا يلتزم البنك بوضعها تحت الطلب دائما. كما ان ودائع التوفير تلتقي مع الودائع الثابتة فيما تفرضه البنوك الربوية من فوائد للموفرين كما تفرضها لأصحاب الودائع الثابتة.
    ونظرا الى ان البنك يسمح للموفر بالسحب من حسابه متى شاء، ورغبة منه في إغرائه بعدم السحب مهما أمكن، يكتفي بتقييد فائدة لحساب العميل الموفر على أساس أدنى رصيد في حساب التوفير خلال الشهر.
    وإذا أردنا أن نقسم الودائع تقسيما يشمل ودائع التوفير أيضا أمكن ان نقرر: أن الودائع إما ودائع تحت الطلب، أو ودائع لأمد. والقسم الأول هو الودائع المتحركة (الحساب الجاري)، والقسم الثاني ينقسم بدوره الى: ودائع ثابتة، وودائع توفير. ولكنا الآن سوف نتحدث بصورة رئيسية عن القسمين الأساسيين وهما: الودائع الثابتة، والودائع المتحركة، وفي ختام الحديث عن الودائع الثابتة سوف ندرس موقف البنك اللاربوي من ودائع التوفير وأوجه الفرق بينه وبين موقفه من الودائع الثابتة.
    ........................................ صفحة : 25
    تنظيم علاقات البنك في مجال الودائع الثابتة
    أن عملية إيداع هذه الودائع الثابتة لدى البنك- أي إقراضها للبنك- وعملية تقديمها من قبل البنك لرجال الأعمال المستثمرين يمكن دمجهما في علاقة واحدة تسمى في مصطلحات الفقه الإسلامي ب «المضاربة».
    مفهوم المضاربة في الفقه الإسلامي:
    والمضاربة يختلف مفهومها في الفقه الإسلامي عن مصطلحها في الاقتصاد الحديث. فهي في الفقه الإسلامي: عقد خاص بين مالك رأس المال والمستثمر على إنشاء تجارة يكون رأسمالها من الأول والعمل على الآخر، ويحددان حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية، فإن ربح المشروع تقاسما الربح وفقا للنسبة المتفق عليها، وإن ظل رأس المال كما هو لم يزد ولم ينقص لم يكن لصاحب المال إلا رأس ماله، وليس للعامل شي‏ء. وان خسر المشروع وضاع جزء من رأس المال أو كله تحمل صاحب المال الخسارة، ولا يجوز تحميل العامل المستثمر وجعله ضامنا لرأس المال الا بأن تتحول العملية الى إقراض من صاحب رأس المال للعامل، وحينئذ لا يستحق صاحب رأس المال شيئا من الربح. «1»
    ........................................ صفحة : 26
    هذه هي الصورة العامة للمضاربة في الفقه الإسلامي.
    أعضاء المضاربة المقترحة:
    ولكي نقيم العلاقات في البنك اللاربوي على أساس المضاربة بالنسبة إلى الودائع الثابتة يجب ان نتصور الأعضاء المشتركين في هذه المضاربة ونوعية الشروط والالتزامات والحقوق لكل واحد منهم.
    إن الأعضاء المشتركين في المضاربة ثلاثة:
    1- المودع بوصفه صاحب المال ونطلق عليه اسم (المضارب) 2- المستثمر بوصفه عاملا ونطلق عليه اسم (العامل أو المضارب) 3- البنك بوصفه وسيطا بين الطرفين ووكيلا عن صاحب المال في الاتفاق مع العامل.
    ولكي نعرف النظام الذي يتبعه البنك في المضاربة بالودائع الثابتة لا بدّ ان نشرح الشروط التي يجب توفرها في أعضاء المضاربة ثم نحدد حقوق كل واحد منهم.
    شروط الأعضاء
    إن البنك بوصفه الوسيط بين رأس المال والعمل لا يقوم بدوره هذا في الوساطة والتوكل عن صاحب المال إلا في حالة توفر شروط معينة في المودع وفي العامل المستثمر.
    ........................................ صفحة : 27
    الشروط المفروضة على المودع:
    يشترط البنك في توكله عن المضارب أي المودع واستثمار وديعته عن طريق المضاربة ما يلي:
    1- أن يلتزم المودع بملزم شرعي بإبقاء وديعته مدة لا تقل عن ستة أشهر تحت تصرف البنك، فاذا لم يوافق المودع على ذلك لم يسمح له بالاشتراك في عقود المضاربة، ولم يقبل البنك التوكل عنه في هذا المجال.
    2- أن يقر المودع ويوافق على الصيغة التي يقترحها البنك للمضاربة والشروط التي يتبنى إدراجها في تلك الصيغة.
    3- أن يفتح المودع وديعة ثابتة حسابا جاريا مع البنك وهذا الشرط قابل للتغيير تبعا لظروف الاستثمار وحاجة البنك الى الودائع ليضارب بها، فقد يرفع هذا الشرط عند الحاجة الى ودائع ثابتة للمضاربة ليكون ذلك مشجعا على استقدام مودعين جدد.
    ولا يعتبر بعد ذلك حجم معين في الوديعة الثابتة التي تدخل مجال المضاربة بل يمكن قبولها ولو بلغت من الضالة إلى درجة لا تتيح إنشاء مضاربة مستقلة على أساسها، لأن البنك لا يربط كل وديعة بمضاربة مستقلة، وانما تمتزج كل وديعة بغيرها في بحر الودائع الثابتة، وتنصب عقود المضاربة على مجموعات من هذا البحر، فلا مانع من ضالة حجم الوديعة الثابتة التي يتقدم بها المودع.
    ........................................ صفحة : 28
    الشروط المفروضة على المستثمر:
    وأما شروط التوسط بالنسبة للمضارب أي العامل المستثمر التي لا يقدم البنك بدونها على التوسط بينه وبين المودعين والاتفاق معه على المضاربة بعمولة فهي:
    1- أن يكون أمينا، وأن يشهد على أمانته ووثاقته شخصان يعرفهما البنك.
    2- أن تحصل للبنك القناعة الكافية بكفاءة المستثمر وقدرته على استثمار الأموال التي سيأخذها من البنك في مجال قليل المخاطرة، أو على الأقل يتوقع البنك فرصة طيبة في ذلك المجال، وأن تكون للمستثمر خبرة سابقة في المجال الذي سيستثمر المال فيه.
    3- أن تكون العملية التي يريد العامل استثمار المال فيها محددة ومفهومة لدى البنك بحيث يستطيع البنك أن يقدر نتائجها ويدرس احتمالاتها.
    4- يفضل من كان له سبق تعامل مع البنك وسابقة حسنة، على غيره.
    5- أن يخضع للشروط التي يمليها البنك عليه في العرض، وهي:
    أ- الشروط التي تتعلق بتقسيم الأرباح وفقا لما يأتي بعد لحظات.
    ب- أن تكون جميع الأعمال المالية للمستثمر المتصلة بذلك الاستثمار الخاص بواسطة البنك، بأن‏
    ........................................ صفحة : 29
    يفتح فيه الحساب الجاري للمضاربة ويودع فيه ودائعها المتحركة.
    ج- أن يلتزم بسجلات دقيقة ومضبوطة في حدود استثمار مال المضاربة (و قد يمكن إلزامه بأن تكون قانونية وذلك بشهادة محاسب قانوني) «1».
    د- أن يفتح البنك إضبارة لكل عملية مضاربة يرفق فيها كل ما يتعلق بتلك العملية من‏
    ........................................ صفحة : 30

    مخابرات تبدأ بعقد المضاربة الموقع عليه من قبل العامل، ويشترط على العامل أن يزود البنك بجميع المعلومات عن سير دورة حياة عملية المضاربة من ساعة تنفيذ عقد المضاربة، أي من ساعة شراء المادة المتفق عليها، وما شاكل ذلك، حتى انتهاء العقد، وتشمل هذه المعلومات تقلبات الأسعار الواقعة فعلا والمحتملة من قبل العميل، وأسعار البيع التي تقل عن أسعار الشراء.
    وطريقة الاتصال بالبنك وتزويده بهذه المعلومات يحددها البنك نفسه، وباستطاعته أن يهيأ استمارات لهذا الغرض، على أن يكون للعميل الحق في الاتصال التلفوني إذا كان ذلك ضروريا.
    وهناك شروط خاصة بالعمل نفسه وظروفه، تختلف من عمل إلى آخر، لا يمكن تحديدها بصيغة عامة.
    ولدى توفر شروط التوكل بالنسبة إلى المودع والمستثمر يقوم البنك بدوره كوسيط في المضاربة بعد أن يدرس ربحيّة المشروع الذي تقدم العامل طالبا تمويله عن طريق المضاربة على ضوء مختلف الظروف الموضوعية.
    وعلى البنك أن يسعى جاهدا لتوفير المضاربة الناجحة، ولا يجوز له تأجيل استثمار الودائع الثابتة التي يتسلمها ولا التماهل في تهيئة الفرصة المناسبة للمضاربة الناجحة بها بقصد توفير سيولة نقدية في خزانته، أو إيثارا لاستثمار أمواله الخاصة على أموال المودعين.
    ........................................ صفحة : 31
    حقوق الأعضاء
    حقوق المودع:
    العضو الأول يتمثل في أصحاب الودائع، أي المجموع الكلى للمودعين لتلك الودائع، بمعنى أن كل وديعة تظل محتفظة بملكية صاحبها لها ولا تنتقل ملكيتها إلى البنك عن طريق القرض كما يقع في البنوك الربوية، غير أن الودائع لا يبقى بعضها منعزلا عن بعض بل يستعمل البنك بإذن أصحاب الودائع الإجراء الشرعي الذي يجعل مجموع الودائع ملكا مشاعا لمجموع المودعين ويكون لكل مودع من هذا المجموع بمقدار نسبة وديعته إلى مجموع الودائع. وبذلك يصبح صاحب المال في عقد المضاربة هو المجموع الكلى للمودعين الذي يمثّل البنك إرادته بوصفه وكيلا عنهم كما سيأتي. وأي وديعة ثابتة ترد إلى البنك تدخل في بحر الودائع الثابتة الذي يشتمل على المجموع الكلى لتلك الودائع.
    ولدى تحديد حقوق المودعين لهذه الودائع الذين يمثلون العضو الأول في المضاربة يجب أن تحدد هذه الحقوق بالشكل الذي ينسجم مع الإسلام ويحافظ على الدوافع التي تدفع أصحاب الودائع فعلا إلى إيداع أموالهم، لأننا إذا لم نحتفظ بهذه الدوافع فسوف ينصرف أصحاب الودائع عن الإيداع لدى البنك اللاربوي ويتجهون إلى البنوك الربوية.
    ........................................ صفحة : 32
    وإذا درسنا الدافع الذي يدفع المودعين نجد أنه مكون من العناصر التالية:
    أ- كون الوديعة مضمونة، فإن البنوك الربوية تضمن الوديعة لصاحبها بوصفها قرضا.
    ب- الدخل الذي يدفعه البنك الربوي لصاحب الوديعة الثابتة باسم الفائدة.
    ج- قدرة المودع على استرجاع الوديعة أو السحب عليها في نهاية الأجل الذي يحدد.


    1- ضمان الوديعة:
    أما العنصر الأول فيمكننا أن نحتفظ به لصاحب الوديعة في البنك اللاربوي بضمان ماله لا عن طريقة اقتراض البنك للوديعة كما يقع في البنوك الربوية ولا عن طريق فرض الضمان على المستثمر، لأنه يمثل دور العامل في عقد المضاربة، ولا يجوز شرعا فرض الضمان عليه، بل يقوم البنك نفسه بضمان الوديعة والتعهد بقيمتها الكاملة للمودع في حالة خسارة المشروع، وليس في ذلك مانع شرعي، لأن مالا يجوز هو أن يضمن العامل رأس المال، وهنا نفترض أن البنك هو الذي يضمن لأصحاب الودائع نقودهم، وهو لم يدخل العملية بوصفه عاملا في عقد المضاربة لكي يحرم فرض الضمان عليه. بل بوصفه وسيطا بين العامل ورأس المال فهو إذن جهة ثالثة يمكنها أن تتبرع لصاحب المال‏
    ........................................ صفحة : 33
    بضمان ماله «1»، ويقرر البنك هذا الضمان على نفسه بطريقة تلزمه شرعا بذلك «2»، فيتوفر بذلك للمودعين العنصر الأول من عناصر الدافع الذي يدفعهم إلى الإيداع.


    2- الدخل:
    وأما العنصر الثاني وهو الدخل الثابت الذي يتقاضاه المودعون من البنك الربوي باسم الفائدة، فنعوّض عنه في أطروحة البنك اللاربوي بوضع نسبة مئوية معينة من الربح للمودعين بوصفهم أصحاب المال في عقد المضاربة، فإن لصاحب المال في عقود المضاربة نسبة مئوية من الربح يتفق عليها في العقد بينه وبين العامل.
    ويرتبط دخل المودعين على هذا الأساس بنتائج المشروع الذي يمارسه عامل المضاربة، فإن ربح المشروع كانت لهم نسبتهم المقررة من الربح، وإن لم يربح لم يكن لهم شي‏ء، خلافا للفائدة التي تدفعها البنوك الربوية إلى المودعين بقطع النظر عن نتائج المشروع التي استغلت الأموال المودعة فيه، غير أن احتمال عدم الربح بشكل مطلق يعتبر في أكثر الظروف احتمالا ضعيفا، وقد يصبح مجرد احتمال نظري، لأن وديعة كل فرد لن ترتبط بمفردها بمضاربة مستقلة لكي يتوقف ربح صاحبها على نتائج تلك المضاربة المحدودة. بل إنها سوف تمتزج بغيرها من الأموال النقدية في بحر الودائع الثابتة، ويدخل المودع كمضارب في جميع المضاربات التي يعقدها البنك على مجاميع مختلفة من ذلك‏
    ........................................ صفحة : 34
    البحر، وتكون حصته من المضاربة في كل عقد بنسبة وديعته إلى مجموع الودائع الثابتة. وعلى هذا، فيتوقف احتمال عدم الربح على ان لا تربح جميع المضاربات التي أنشأها البنك والمشاريع التي ارتبط بها على أساس المضاربة، إذ في حالة ربح بعضها يوزع ذلك الربح على الجميع بالنسب بعد تغطية ما قد يتفق من خسائر.
    وأرى، بحكم الظروف الموضوعية التي تحيط بالبنك اللاربوي، أن لا تقل النسبة المائوية من الربح التي تخصص للمودعين عن الفائدة التي يتقاضاها المودع في البنك الربوي، لأنها إذا قلّت عن الفائدة انصرف المودعون عن إيداع أموالهم في هذا البنك إلى البنوك الربوية التي تدفع الفائدة. وعلى هذا الأساس أقترح أن تحدد- منذ البدء- فكره تقريبية عن نسبة الربح إلى رأس المال وفقا لظروف العمل التجاري في كل ظرف ويفترض للمودعين نسبة معينة من الربح لا تقل نسبتها إلى رأس المال- أي الوديعة- عن نسبة الفائدة إليه. فعلى سبيل المثال إذا كان المجموع الكلى للودائع قد بلغ مائة ألف دينار وكانت الفكرة التقريبة عن نسبة الربح إلى رأس المال المستثمر طيلة عام كامل هي 20 أي أن ربح الماءة ألف في نهاية العام 20 ألف دينار وافترضنا أن الفائدة التي تدفعها البنوك الربوية هي 5 أي أنها تدفع خمسة آلاف دينار فائدة على وديعة تبلغ مائة ألف دينار، فيجب أن لا تقل النسبة المائوية التي تقرر في البنك اللاربوي للمودعين عن 25 من الربح لكي لا تنقص عن سعر الفائدة.
    ........................................ صفحة : 35
    وأضيف إلى هذا أن النسبة المائوية المعاطاة للمودعين من الربح يجب أن تزيد شيئا ما على سعر الفائدة لكي يساوي عرض البنك اللاربوي عروض البنوك الربوية في قوة الإغراء والجذب لرؤوس الأموال، وذلك لأن الفائدة حتى إذا تساوت بموجب التقديرات التقريبة مع النسبة المقررة للمودع من الربح يظل للفائدة الربوية إغراؤها الخاص على أساس أن البنك الربوي يدفعها على أي حال، بينما البنك اللاربوي لا يرى المودع مستحقا لشي‏ء في حالة عدم الربح. وتداركا لذلك يجب أن يزاد في النسبة المائوية للربح بدرجة تصبح أكثر من الفائدة.
    أما قدر هذه الزيادة فتحدده درجة احتمال عدم الربح التي د تختلف من ظرف لآخر «1» فكلما تناقصت درجة احتمال‏
    ........................................ صفحة : 36
    عدم الربح تناقصت الزيادة، والعكس صحيح أيضا، فإذا فرضنا أن سعر الفائدة في السوق هو 5 وأن احتمال عدم الربح هو 10 فإن الزيادة ستكون: معدل سعر الفائدة احتمال عدم الربح الناتج عن المضاربة أي 100/ 5 100/ 10 220/ 1، ويكون مجموع المعطى للمودع 100/ 5+ 100/ 2 1000/ 55 من حجم الوديعة.
    ونترجم هذه النسبة إلى «النسبة إلى الربح» المتحقق نتيجة للمضاربة، وذلك كما يلي في هذا المثال: لو فرضنا أن نسبة الربح المتوقع هو 20 من رأس المال وأن رأس المال هو 1000 دينار كان هذا يعني أن الربح سيكون 200 دينارا، بينما الربح المستحق للمودع بموجب النسبة السابقة هو 55 دينارا، وعليه تكون النسبة المائوية لحصة المودع من الربح تساوي:
    200/ 55 100 5 ر 27 أو 1000/ 275 من الربح.
    قبل دخول الوديعة مجال الاستثمار:
    وبالرغم من أنا وفرنا للمودع حصة من الربح تساوي أو تقارب في إغرائها الفائدة التي تعرضها البنوك الربوية على المودعين فيها، فإن هناك فارقا يبقى بين المودع في البنك الربوي وبين المودع في البنك اللاربوي، وهو أن الأول يبدأ استثماره لماله منذ اليوم الأول إذ تحسب له فوائد الوديعة من حين إيداعها، بينما لا يحصل الثاني على النسبة المائوية من الربح الا من حين استثمار وديعته ودخولها في مجال عقد المضاربة وظهور الربح،
    ........................................ صفحة : 37
    أي ان كل وديعة تمرّ عادة بفترة زمنية لا يحسب لها خلال هذه الفترة أي دخل، لا على أساس الفائدة ولا على أساس الشركة في الربح، وهي الفترة المتخللة بين إيداع الوديعة والوقت المفروض لدخولها مجال الاستثمار.
    وسوف نعالج هذه النقطة فيما بعد عند ما ندرس كيفية تقسيم الأرباح بين البنك والمودعين، وتحديد حصة كل وديعة من مجموع المضاربات.


    3- قدرة المودع على سحب الوديعة:
    من الواضح ان المودع للوديعة في البنك الربوي قادر على سحبها في آجال معينة، ويجب ان تعطى فرصة من هذا القبيل بشكل من الإشكال في البنك اللاربوي بالرغم من ان هذا البنك يواجه صعوبة كبيرة بهذا الصدد على أساس ان ودائعه تتحول الى مشاريع تجارية وصناعية لا الى مجرد قروض قصيرة الأجل.
    ولكن يمكن للبنك اللاربوي على أي حال ان يحدد نهاية كل ستة أشهر من بداية استثمار الوديعة كأجل يمكن للمودع عند حلوله سحب وديعته وفسخ عقد المضاربة، ويشترط عليه القبول بدفع قيمة وديعته نقدا لا بشكلها المادي المستثمر فعلا في المشروع التجاري مثلا.
    وإعطاء فرصة السحب للمودع في نهاية كل ستة أشهر تؤخذ فيه الأمور التالية بعين الاعتبار:

    أ- ليس من المفروض أن يحل الأجل الذي يخوّل للمودع‏
    ........................................ صفحة : 38
    سحب قيمة وديعته بالنسبة الى جميع الودائع الثابتة بل يمكن ان تحل آجال الودائع في أوقات مختلفة.
    ب- المفروض في الحالات الاعتيادية أن لا يواجه البنك حين حلول الآجال المتعاقبة طلبا على قيمة الودائع من أصحابها إلا بنسبة ضئيلة قد لا تبلغ عشر المجموع الكلي للودائع الثابتة.
    ج- إن الوديعة التي يسحبها صاحبها في الأجل المحدد لم تدخل كلها في مشروع استثمار واحد لكي يكون سحب قيمته منه مؤديا إلى تضعضعه، وإنما ذابت كل وديعة ثابتة في بحر الودائع الثابتة التي استثمرت في مشاريع عديدة. وعلى هذا فسوف يساهم في تحمل عب‏ء سحب الوديعة جميع تلك المشاريع بنسبة تركيبها د- يفرض البنك على المشاريع التي تم استثمار الودائع الثابتة فيها الالتزام بدرجة من السيولة النقدية في أوقات محددة من كل عام، وذلك بالنسبة للمشاريع التي لا تتصف بموسمية خاصة في إعمالها.
    أما المشاريع التي تتصف بالموسمية فان البنك يحدد الأوقات التي تتوفر عادة مثل هذه السيولة فيها، ويشترط على تلك المشاريع أن تودع نقودها في حساب جار لا يقل رصيده الدائم عن المبلغ المحدد والمشترط من قبل البنك في تلك الفترة بالذات. ويقوم البنك‏
    ........................................ صفحة : 39
    بعد ذلك بتوزيع عب‏ء توفير السيولة على بقية المشاريع والمضاربات التي لا تتصف بالموسمية ويقسم هذا العب‏ء حسب الأوقات والفترات التي لم تغطها سيولة المشاريع الموسمية «1».
    وكل مشروع من مشاريع الاستثمار إذا رسم سياسته على هذا الأساس الذي يشترطه عليه البنك أمكنه الحصول على درجة من السيولة النقدية في وقت معين من كل عام.
    ه- البنك لا يضطر إلى السحب من نفس رءوس أموال المشاريع القائمة فعلا على أساس المضاربة، بل يمكنه إذا واجه طلبا من شخص على وديعته الثابتة أن يدفع إليه قيمة الوديعة من السائل النقدي الذي يحتفظ به في خزائنه، والذي يتألف:
    أولا: من الجزء الذي لم يتمكن بعد من استثماره من الودائع الثابتة.
    ........................................ صفحة : 40

    ثانيا: من الودائع المتحركة التي يمكن للبنك أن يحتفظ دائما بجزء منها كاحتياط لتغطية طلبات السحب على الودائع الثابتة.
    ثالثا: من الجزء الذي يحافظ البنك على سيولته من رأس ماله الأصلي لكي يساهم في تغطية تلك الطلبات.
    وفي حالة سداده الوديعة من الودائع الثابتة فإن ذلك لن يغيّر أمر توزيع الأرباح شيئا، وانما يحدث التغيير فيما إذا كان قد سدد الوديعة المسحوبة من الودائع المتحركة أو من رأس ماله الأصلي. فإن البنك سيستحق هو بمواصلة المضاربة وحلوله محل المضارب السابق الأرباح التي تعود للمبلغ المستثمر من يوم حلوله محل الساحب، وتعامل أموال البنك المستثمرة في المضاربة على نفس الأساس الذي تعامل فيه الودائع الثابتة كما سنرى في توزيع الأرباح.
    ويتلخص من كل ما تقدم: أننا استطعنا أن نجنب المودع الكسب على أساس الربا المحرم وفي نفس الوقت احتفظنا له بالعناصر التي يتكون منها دافعه نحو الإيداع، وهي: الضمان، والدخل، وإمكان السحب في أجل محدد.
    والآن ننتقل إلى العضو الثاني في المضاربة وهو البنك نفسه.
    ........................................ صفحة : 41
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]حقوق البنك‏
    إن العضو الثاني يتمثل في البنك وهو في الواقع ليس عضوا اساسيا في عقد المضاربة، لأنه ليس هو صاحب المال ولا صاحب العمل اي المستثمر، وانما يتركز دوره في الوساطة بين الطرفين، فبدلا عن ان يذهب رجال الأعمال إلى المودعين يفتشون عنهم واحدا بعد آخر ويحاولون الاتفاق معهم يقوم البنك بتجميع أموال هؤلاء المودعين ويتيح لرجال الأعمال ان يراجعوه ويتفقوا معه مباشرة على استثمار اي مبلغ تتوفر القرائن على إمكان استثماره بشكل ناجح، وهذه الوساطة التي يمارسها البنك تعتبر خدمة محترمة يقدمها البنك لرجال الأعمال ومن حقه ان يطلب مكافأة عليها على أساس الجعالة.
    والجعالة التي يتقاضاها البنك كمكافأة على عمله ووساطته تتمثل في أمرين:
    الأول: أجر ثابت على العمل يمكن ان يفرض مساويا لمقدار التفاوت بين سعر الفائدة التي يعطيها البنك الربوي وسعر الفائدة التي يتقاضاها، مطروحا منها زيادة حصة المودع من الربح على سعر فائدة الوديعة:
    وهذا المقدار بقطع النظر عن الطرح منه هو الذي يمثل الإيراد الإجمالي الربوي للبنوك، فان إيرادها الربوي يتمثل في الفارق‏
    ........................................ صفحة : 42
    بين الفائدة التي تدفعها للمودع والفائدة التي تتقاضاها لدى تسليف الودائع.
    غير أن البنك اللاربوي الذي نبحث عن صيغته الإسلامية لا يكفي ان يحصل على هذا القدر، لأن هذا البنك يختلف عن البنوك الربوية في نقطة جوهرية هي ان ضمان رأس المال المتكون من الودائع يقع على عهدته هو بينما لا تتحمل البنوك الربوية شيئا من الخسارة في نهاية الشوط وانما الذي يتحملها رجل الأعمال المقترض من البنك، ولهذا يجب أن يزيد الجعل الذي يتقاضاه البنك لقاء عمله على المقدار الذي يحصل عليه البنك الربوي من التفاوت بين سعر الفائدتين كما سنرى.
    الثاني: (أي العنصر الثاني من الجعالة المفروضة للبنك) ان يكون للبنك زائدا على ذلك الأجر الثابت جعالة مرنة على العامل المستثمر «1» تتمثل في إعطاء البنك الحق في نسبة معنية من حصة العامل في الربح ويمكن ان تقدر هذه النسبة بطريقة تقريبية
    ........................................ صفحة : 43
    تجعلها مساوية للفرق الذي ينعكس في السوقين النقدي الربوي والتجاري بين أجرة رأس المال المضمون وأجرة رأس المال المخاطر به، فإن رأس المال المضمون تتمثل أجرته في الأسواق الربوية في مقدار الفائدة التي يتقاضاها البنك الربوي من مؤسسات الأعمال التي تقترض منه، ورأس المال المخاطر به تتمثل أجرته في الأسواق التجارية في النسبة المائوية التي تعطى عادة لرأس المال إذا اتفق صاحبه مع عامل يستثمره على أساس المضاربة، وفي العادة تكون النسبة المائوية التي تعطى لرأس المال في حالة المخاطرة بدرجة يتوقع لها ان تكون أكبر من الفائدة التي يتقاضاها رأس المال المضمون عن طريق القرض.
    وهذا الفارق بين الأجرتين يجعل للبنك كجعالة على عمله ووساطته.
    وهذان الأمران اللذان يتكون منهما الجعل الذي يتقاضاه البنك من المستثمرين لقاء عمله ووساطته يمكن توضيحهما بدرجة أكبر وذلك بالبيان الآتي:
    إن في الأسواق التي تتاجر برأس المال حدا أدنى لأجر رأس المال المضمون قيمة ودخلا، وهذا الحد الأدنى هو ما يدفعه البنك الربوي من فوائد للمودعين الذين يضمنون بإيداعهم لنقودهم فيه قيمة المال ودخلا ثابتا باسم الفائدة. وهناك حد أعلى لأجر رأس المال المضمون قيمة ودخلا وهو ما يدفعه رجال الأعمال من‏
    ........................................ صفحة : 44
    فوائد الى البنك الذي يسلفهم ما يحتاجون اليه من نقود مضمونة عليهم قيمة ودخلا.
    وهناك قسم ثالث وهو رأس المال الذي يضمن قيمة لا دخلا ومثاله الودائع في البنك اللاربوي من وجهة نظر المودعين فإنه رأس مال مضمون لهم قيمة نظرا الى تعهد البنك بتدارك الخسارة متى وقعت ولكنه غير مضمون الدخل لأن دخل المودع مرتبط بربح المشاريع التي أنشأها البنك على أساس المضاربة وقد لا تربح تلك المشاريع أو لا تحقق الحد الأدنى المفروض من الربح وهو ما يساوي سعر الفائدة.
    وأجرة رأس مال من هذا القبيل تتمثل في نسبة مئوية من الربح يقدر ان تعبر عن مقدار أكبر من الحد الأدنى لأجر رأس المال المضمون قيمة ودخلا بمقدار حاصل قسمة نسبة الفائدة على درجة احتمال عدم الربح.
    وهناك قسم رابع وهو رأس المال الذي يخاطر به قيمة ودخلا كما إذا دفع شخص نقودا الى آخر ليتجر بها على أساس المضاربة بمفهومها الإسلامي دون ان يضمن له أحد نقوده فهو هنا مخاطر بقيمة النقود إذ قد يخسر ومخاطر بالدخل إذ قد لا يربح.
    ومكافأة رأس المال هذا الذي يتحمل المخاطرة بالقيمة والدخل معا يجب ان تكون أكبر من مكافأة رءوس الأموال السابقة، أي نسبة مئوية من الربح يقدر ان تكون أكبر من أجور رءوس الأموال المضمونة.
    ........................................ صفحة : 45
    ونحن هنا حين نفترض أجر رأس المال المضمون لا نتحدث عن النظرية الإسلامية في الأجور التي لا ترى لرأس المال النقدي أجرا يستحقه الدائن على المدين، وانما نتحدث عن أجور رأس المال في الأسواق النقدية الربوية لأن هذه الأسواق سوف تفرض أجورها في الوسط التجاري ويضطر البنك اللاربوي إلى أخذها بعين الاعتبار في تقدير الدخول اللاربوية التي يخطط لها.
    وعلى هذا الأساس، إذا درسنا الوديعة التي يتسلمها البنك اللاربوي في ضوء تلك الأجور وجدنا أنها من وجهة نظر العامل المستثمر الذي يحاول الحصول عليها عن طريق البنك اللاربوي رأس مال مخاطر به قيمة ودخلا، لأن المستثمر ليس ضامنا لقيمة رأس المال ولا لدخل معيّن في حالة عدم الربح، (هذا إذا استثنينا الأجر الثابت الذي يتقاضاه البنك على اي حال) إذ أن المخاطر بقيمة رأس المال هو البنك الذي ضمن رأس المال للمودع والمخاطر بالدخل هو المودع نفسه الذي كان بإمكانه أن يحصل على دخل ثابت عن طريق البنوك الربوية فآثر المخاطرة بالدخل بإقامة دخله على أساس الشركة في الربح، فيجب ان يكلف العامل المستثمر بدفع مكافأة تتناسب مع رأس المال المخاطر به قيمة ودخلا ناقصا سعر المخاطرة بالجزء الذي يتقاضاه البنك من تلك المكافأة كأجر ثابت.
    وهذه المكافأة يستثني منها مقدار الحد الأدنى لأجرة رأس المال المضمون قيمة ودخلا زائدا قيمة المخاطرة بالدخل فيعطى للمودع، والباقي يكون من حق البنك اللاربوي.
    ........................................ صفحة : 46
    وجميع المكافأة التي يكلف رجل الأعمال المستثمر بدفعها وتوزع بعد ذلك بين المودع والبنك تقتطع من الربح وترتبط به، فحيث لا ربح لا يكلف رجل الأعمال بشي‏ء منها سوى الأجر الثابت الذي يتقاضاه البنك اللاربوي كجعالة على عمله وهو محدد تقريبا بمقدار الفرق بين سعر الفائدة التي يدفعها البنك الربوي قيمة المخاطرة بالدخل وبين سعر الفائدة التي تتقاضاها البنوك الربوية.
    وهذا الأجر الثابت الذي يدفعه المستثمر الى البنك يحسب له حسابه منذ البدء، عند تحديد النسبة من الربح التي سوف تقتطع من العامل المستثمر وتوزع بين المودع والبنك، فإن هذه النسبة يجب أن لا تمتص كل المكافأة التي يحضى بها عادة رأس المال المخاطر به قيمة ودخلا في الأسواق التجارية، لأنها لو امتصت كل تلك المكافأة ولنفرضها 70 فمعنى هذا أن رجل الأعمال المستثمر سوف يكلّف بأكثر من أجرة رأس المال المخاطر به قيمة ودخلا، لأنه سوف يدفع تلك النسبة كاملة زائدا الأجر الثابت. فلا بد إذن ان يحسب للأجر الثابت حسابه لدى تقدير النسبة المقتطعة من ربح مضاربة العامل المستثمر منذ البدء، فتخفض هذه النسبة بدرجة يقدر أنها لا تقل عن مقدار الأجر الثابت.
    ويجب ان يكون واضحا أن الجعالة المرنة التي من حق البنك اللاربوي الحصول عليها زائدا على الأجر الثابت لقاء مخاطرته‏
    ........................................ صفحة : 47
    بضمان رأس المال لا يلزم أن تتجسد في نسبة محددة بشكل واحد في كل المشاريع التي تنشئها مضاربات البنك اللاربوي. بل ممكن للبنك في كل مضاربة ان يتفق مع العامل المستثمر على النسبة التي تحددها طبيعة تلك المضاربة ودرجة المخاطرة المتمثلة فيها، لأن المخاطرة تختلف من قطاع اقتصادي لآخر ومن مؤسسة لأخرى.
    وعلى هذا الأساس فالبنك اللاربوي يقوم بتقسيم الأرباح التي تظهر في كل مضاربة وفقا للاتفاق الذي توصل اليه مع العامل في عقد المضاربة والذي قد يختلف من مضاربة إلى أخرى، فيقتطع من الأرباح ما زاد على الحصة المقررة للعامل في المضاربة الخاصة التي قامت بينها، وهذا المقتطع من أرباح مختلف المضاربات هو المجموع الكلي للربح الذي يجب ان يوزع بين البنك والمودعين وفقا للطريقة التي سوف نعرضها بعد قليل لكيفية توزيع الأرباح.
    مضاربة البنك برأس المال الأصلي أو بالودائع المتحركة:
    يمكن للبنك أن يدخل إلى مجال الاستثمار على أساس المضاربة الأموال التي تعتبر ملكا خاصا به الى جانب الودائع الثابتة التي يعتبر البنك وكيلا عليها من قبل مودعيها. وهذه الأموال التي يملكها البنك ويمكنه ان يستثمرها على أساس المضاربة هي:
    أولا: الجزء الذي يخصصه للاستثمار عن طريق المضاربة من رأس ماله الأصلي.
    ........................................ صفحة : 48
    وثانيا: الجزء الذي يقدر البنك بخبرته الخاصة إمكانية سحبه من الودائع المتحركة وإدخاله مجال الاستثمار، فإن الودائع المتحركة يتقبلها البنك بوصفها قروضا كما سيأتي وهي على هذا الأساس تعتبر ملكا للبنك، ويمكن للبنك ان يحدد القدر الضروري لتوفير السيولة النقدية اللازمة لحركة الحسابات الجارية وتسهيلاتها، ويستعمل من الفائض عن ذلك في مجال الاستثمار.
    وفي حالة استثمار البنك لأمواله الخاصة من هذين النوعين يصبح هو المضارب بوصفه المالك لرأس المال ويتمثل حقه حينئذ في حصة من الربح تساوي الحدّ الأعلى لأجرة رأس المال المضمون+ قيمة المخاطرة برأس المال ولا يتقاضى البنك أجرا ثابتا على إنشاء عقد المضاربة على ماله.
    والبنك ملزم أمام المودعين للودائع الثابتة بأن يوظف ودائعهم ويعطيها الأولوية في الاستثمار على أمواله الخاصة فلا يحق له أن يستثمر أمواله الخاصة من رأس مال وودائع متحركة إلا إذا لم تسد الودائع الثابتة حاجة المضاربة.
    حقوق العامل المستثمر:
    والعضو الثالث في عقد المضاربة يتمثل في المستثمر الذي يقوم بدور العامل في هذا العقد ويتفق البنك معه بوصفه وكيلا عن المودعين على شروط العقد.
    ........................................ صفحة : 49
    والعامل المستثمر على أساس المضاربة يعتبر هو صاحب الحق المطلق في الربح بعد اقتطاع حقوق البنك والمودع، كما يعتبر المقترض الذي يتعامل مع البنك الربوي هو صاحب الحق المطلق في الربح بعد اقتطاع الفائدة التي يتقاضاها البنك الربوي منه، فالدافع لرجل الأعمال المقترض إلى الاتفاق مع البنك اللاربوي على أساس المضاربة هو الدافع له إلى الاتفاق مع البنك الربوي على أساس التسليف والاقتراض وهو الحصول على الربح.
    وإذا قارنا بين الحقوق التي يجب ان يؤديها عميل البنك اللاربوي والحقوق التي يجب ان يؤديها عميل البنك الربوي نجد ان الفائدة التي يدفعها المستثمر المقترض الى البنك الربوي تساوي مجموع ما يدفعه العامل المضارب الى البنك اللاربوي من أجر ثابت للبنك ونسبة مئوية من الربح للمودع.
    ولكن البنك اللاربوي له زيادة على ذلك حصة من الربح الذي يحققه عامل المضاربة تساوي مقدار التفاوت بين أجرة رأس المال المضمون وأجرة رأس المال المخاطر بقيمته كما تقدم.
    وعميل البنك اللاربوي يدفع هذه الزيادة في مقابل ما وفّره له البنك من ضمان لرأس المال وتحمل لتبعات الخسارة، وهذا يعني أن البنك سيضيف إلى مجموع الودائع الأصيلة الثابتة كل نقص يحدث في رءوس الأموال المضارب بها من هذا الجانب.
    ........................................ صفحة : 50
    خطر تلاعب المستثمرين:
    وفي ضوء النظام السابق يتضح أن دخل المودع والجزء الأكبر من دخل البنك يرتبط بربح المشروع، كما أن واقع سير المشروع هو الذي يحدد أثر الضمان الذي يلتزم البنك بموجبه للمودع بقيمة الوديعة، فأي خسارة في رأس مال المشروع تكلف البنك أن يتحمل اعباءها أمام المودع. وهذا يعني أن نتائج المشروع وربحه وخسارته ذات أثر خطير على وضع البنك ووضع المودعين، ولهذا يحرص البنك دائما على أن لا ينشئ مضاربة إلا بعد أن يعرف نوع العملية التي يستثمر بها المال ويدرس جميع ظروفها واحتمالات ربحها ونجاحها وكمية الربح المقدر، كما أنه يحرص على أن لا يتفق مع شخص على المضاربة إلا بعد التأكد من خبرته وقدرته على العمل التجاري الذي يريد ممارسته.
    ولكن هذا كله لا يمنع المستثمر من التلاعب وإخفاء الربح أو ادعاء الخسارة لكي يلقي التبعة على البنك ويتهرب من دفع حقوق الوساطة وحقوق المضارب (المودع).
    والضمانات التي يتخذها البنك ضد هذا التلاعب يمكن تلخيصها فيما يلي:
    أولا: التأكد مسبقا من أمانة العامل المستثمر كما مر في شروط التوكل بالنسبة إلى المستثمر. ويمكن للبنك إنشاء شعبة خاصة تعنى بذلك، وبجمع المعلومات والحقائق بهذا الصدد.
    ........................................ صفحة : 51
    ثانيا: أن البنك يملك- كما مر بنا في تلك الشروط أيضا- فكره كاملة عن حدود العمل الذي سوف يمارسه المستثمر ونوع الصفقة التي ضاربه على أساسها، ومعرفة البنك بذلك تتيح له أن يدرس ظروف المشروع واحتمالات الربح والنجاح. الأمر الذي يساعده على اكتشاف حقيقة سير المشروع وكشف التلاعب إذا حاول العامل المستثمر شيئا من ذلك.
    ثالثا: ان البنك يلزم المستثمر كما تقدم بتزويده بكافة المعلومات عن الأسعار وتقلباتها وكذلك يلزم المستثمر باخباره بأسعار البيع التي تقل عن سعر الشراء أو لا تحقق ربحا معقولا قياسا بأسعار السوق السائدة ويدعم كل ذلك بمبرراته للبيع بهذه الأسعار.
    وإلى جانب ذلك لا بد للبنك اللاربوي أن ينشى‏ء- كغيره من البنوك- شعبة تسمى ب «شعبة البحوث الاقتصادية» أو بأي اسم آخر، مهمتها التحري عن أسعار السوق وعن ظروف الاستثمار، وتجمع هذه الشعبة كافة المعلومات عن الحياة الاقتصادية والتنبؤات بفرص العمل المربح في المستقبل، وكذلك التنبؤ بمستقبل الصناعة والتجارة وما شاكل ذلك.
    وبذلك سوف تتوفر للبنك معلومات كافية يستطيع على ضوئها أن يحدد مقدما ما يترتب من نتائج لأكبر عدد ممكن من المضاربات التي قام بها، كما أن هذه المعلومات ستعينه كثيرا في دراسة المضاربات التي ينوي القيام بها المستثمرون المتقدمون اليه بطلباتهم.
    ........................................ صفحة : 52
    هذا كله يجعل المستثمر تقريبا عاجزا عن ادعاء الخسارة دون أن يحيط البنك علما بها قبل وقوعها الأمر الذي يمكن البنك من دراسة ظروفها والتأكد من صحتها. هذا في المضاربات التي تقوم على أساس صفقات تجارية معينة.
    وأما المضاربة التي تقوم على أساس إنشاء مشروع تجاري مستقل قائم بذاته، أو الاشتراك في إنشائه، فيمكن للبنك في مثل ذلك أن يساهم في الإشراف المباشر على المشروع عن طريق ممثل له في إدارة ذلك المشروع.
    رابعا: يحدد البنك منذ البدء قرائن موضوعية معينة ويحصر وسائل إثبات الربح والخسارة بها، وعلى رأس تلك القرائن السجلات المضبوطة التي يلزم البنك عميله المستثمر (المضارب) باتخاذها والتقيد بها، فكل مضاربة لم يثبت عن طريق تلك القرائن المعينة أنها خسرت أو أنها لم تربح فالأصل فيها أن تكون قد احتفظت برأس مالها مع زيادة حد أدنى من الربح بمقدار تمثل النسبة المائوية للمودع منه كمية مقاربة للفائدة الربوية «1».
    ........................................ صفحة : 53
    كيف يعرف البنك الأرباح وكيف يوزعها
    إن البنك سوف يأخذ من العامل المضارب مجموع ما يجب عليه أن يتنازل عنه من الربح بموجب عقد المضاربة، ويوزع هذا المقدار بينه وبين المودع، وفقا للنسب المقررة في العقد.
    وغنيّ عن البيان ان البنك سوف لن يدرج أرباح المضاربات بالودائع الثابتة في ميزانيته العامة بل يضع لها ميزانية خاصة تتكفل بإحصاء تلك الأرباح وتقسيمها.
    وعلى هذا الأساس يتجه سؤالان:
    الأول: أن البنك يجب أن يعرف بالتحديد أرباح المضاربات التي تمّت بواسطته خلال سنته المالية ولا بد له أن يحدد تلك الأرباح عند تسديد حساباته في نهاية تلك السنة. وقد يتفق أن بعض المضاربات لم تتم تصفية حساباتها في ذلك الوقت فكيف يتاح للبنك أن يعرف مجموع أرباح المضاربات التي وقعت خلال سنته المالية.
    الثاني: أننا إذا فرضنا أن البنك استطاع أن يحدد أرباح المضاربات التي تمت بواسطته خلال السنة وبالتالي استطاع أن يعرف القدر الذي يجب أن يتنازل عنه المستثمرون للبنك لكي يوزعه بينه وبين المودعين، إذا فرضنا كل ذلك فكيف يتاح للبنك أن يحدد حصة كل وديعة من الربح وعلى أي أساس يكون هذا التحديد.
    ........................................ صفحة : 54
    وسوف نجيب على هذين السؤالين بالترتيب:
    كيف يعرف البنك الأرباح:
    المضاربة التي تتم بواسطة البنك تارة تقوم على أساس صفقة تجارية خاصة وأخرى تقوم على أساس إنشاء مشروع كامل، أي أن المستثمر (المضارب) إما ان يقبل المضاربة ويتفق مع البنك على شراء كمية محددة من الأرز الأجنبي مثلا وتصريفه خلال الموسم، وإما ان يقبل المضاربة ويتفق مع البنك على إنشاء محل تجاري يتكوّن رأسماله من الودائع الثابتة المضارب بها.
    ففي الحالة الأولى يكون المال موظفا في عملية محددة، وعادة تكون قصيرة أي تظهر نتائجها في فترة قصيرة. وإذا لم تظهر نتائجها في بداية تاريخ تسديد البنك لحساباته فيكفي أن تظهر خلال الفترة التي تمر بين تسديد الحسابات وظهور الميزانية وإكمالها، وهي فترة طويلة نسبيا يمكن فيها محاسبيّا الاطلاع على نتائج العمليات التي قام بها البنك قبل اختتام السنة المالية.
    وإذا افترضنا أن بعض المضاربات التي تمت قبيل اختتام السنة المالية لم تظهر نتائجها حتى في هذه الفترة فيمكن للبنك التحديد التقديري للربح لأنه يعرف كما تقدم نوع العملية ويملك فكره عن سيرها الى ذلك الحين، فيستطيع أن يقدر نتائجها ويتصرف على أساس هذا التقدير كما سنوضح بعد لحظات ان شاء اللّه تعالى.
    واما في الحالة الثانية، فيمكن للبنك ان يفرض على المشروع القائم على أساس المضاربة التي تمت على طريقة ان تتوافق سنته‏
    ........................................ صفحة : 55
    المالية مع السنة المالية للبنك، وذلك في حالة إنشاء المشروع ابتداء عن طريق المضاربة أو في حالة كون المشروع قائماً وقد تقدم الى البنك بطلب المساهمة في رأسماله على شكل دائمي تقريبا على أساس المضاربة وكان بإمكانه تغيير سنته المالية وجعلها متفقة مع السنة المالية للبنك.
    وهناك حالات لا يمكن للبنك فيها إلزام المؤسسة الطالبة للتمويل بالالتزام بسنته المالية، كما إذا كان المشروع قائماً وله سنة مالية تختلف عن سنة البنك ويصعب عليه تغييرها، أو حين يكون المشروع موسميا ومتخصصا بصنع وبيع مادة شديدة الموسمية وكان اختتام السنة المالية للبنك يتفق مع الذروة في أعمال المشروع.
    فليس من المعقول أن يكلّف مشروع من هذا القبيل بتطبيق سنته المالية على سنة البنك. والعلاج في هاتين الحالتين هو أن الأرباح التي ستظهر في ميزانيات هذه المشاريع ستحسب ضمن أرباح السنة التي ظهرت فيها الميزانيات وهذا لن يسبب سوءا في التوزيع إلا في السنة الأولى، وأما في بقية السنين فإنه ستتعادل بصورة تقريبية الأرباح التي ستحتسب خلال السنة القادمة وهي تعود لهذه السنة مع الأرباح التي احتسبت ضمن أرباح هذه السنة وهي تعود للسنة الماضية.
    وأما العميل المودع (المضارب) فيكون موقفه في هذه الحالات واحدا من أمرين، هما
    ........................................ صفحة : 56
    أولا- ان ينتظر إلى السنة القادمة وخلالها ستعرف أرباح المشاريع التي لم تعرف أرباحها حتى هذه السنة وتقسم هذه الأرباح بنفس الطريقة التي قسمت فيها الأرباح في السنة الماضية وبنفس النسب، وبذلك تستكمل كل وديعة حصتها من الربح.
    ثانيا- ان يتصالح المودع مع البنك على مبلغ معين كمقابل للربح المحتمل ظهوره في السنة القادمة من هذه المشاريع، ويأخذ المودع حينئذ المبلغ المتصالح عليه، ويأخذ البنك كل الربح المتحقق لتلك الودائع المتصالح على أرباحها، على ان يدفع البنك من أمواله الخاصة المبالغ التي تصالح عليها.
    ويمكن للبنك أن يحدد منذ البداية القيمة التي يدفعها في مصالحات من هذا القبيل تفاديا للمشاكل التي قد تنجم بين المودع والبنك إذا ترك تحديد القيمة للاتفاق الشخصي في كل حالة.
    وبهذا لا يواجه البنك عند تسديد حساباته مشكلة بصدد تحديد أرباح تلك المشاريع.
    وطريقة الصلح التي يمكن للبنك اتخاذها مع المودع بالنسبة إلى المشاريع التي لم تختم سنتها المالية بعد في نهاية سنة البنك، يمكن للبنك أيضا استعمالها مع المودع بالنسبة إلى الصفقات المحددة والمضاربات القصيرة التي تقدم الكلام عنها فيما إذا فرضنا أن أرباحها لم تكتشف الى موعد ظهور الميزانية العامة للبنك، فان البنك يصالح المودع إذا لم يشأ الانتظار على أرباحها بمبلغ يحدده على ضوء خبرته بنوع العملية وظروفها وقدرته على التنبؤ بنتائجها.
    ........................................ صفحة : 57
    كيف يوزع البنك الأرباح:
    يبقى علينا ان نجيب على السؤال الثاني، وهو: كيف يوزع البنك الأرباح؟ وكيف يحدد ربح كل وديعة لكي يقسم ربحها بينه وبين المودع وفقا للنسب المقررة في عقد المضاربة؟.
    وقد كان الجواب على هذا السؤال ميسورا لو اننا افترضنا ان البنك يستثمر الودائع الثابتة جميعا في وقت واحد، بحيث تظل جميعا فترة معينة قيد الاستثمار، فان عامل الزمن عندئذ واحد بالنسبة الى كل الودائع الثابتة المستثمرة خلال العام، ويظل عامل الكمية فيحدد نصيب كل وديعة من مجموع الربح بنسبة كميتها إلى مجموع الودائع الثابتة المستثمرة خلال العام. غير ان هذا الافتراض الذي يجعل عامل الزمن واحدا في الجميع يختلف عن الواقع لأن البنك لا يجمع الودائع الثابتة كلها ويدفع بها الى مجال الاستثمار في وقت واحد بل في أوقات مختلفة. وإذا كلفنا البنك أن يأخذ عامل الزمن الخاص باستثمار كل وديعة بعين الاعتبار كان هذا شاقا عليه ويتطلّب منه جهودا ونفقات كبيرة.
    واما إذا فرضنا ان كل الزمن الذي مرّ على الوديعة الثابتة من لحظة الإيداع إلى لحظة السحب أدخلناه في حساب حصتها من الربح كما تفعل البنوك الربوية. فإن هذا يبعدنا عن فكره المضاربة الإسلامية لأن الدخل القائم على أساس المضاربة ينتج عن استثمار المال والاسترباح به، وهو بهذا يختلف عن الدخل الربوي القائم على أساس القرض باسم الفائدة. فإذا أدخلنا
    ........................................ صفحة : 58

    اليوم الأول لإيداع الوديعة الثابتة في حساب الأرباح بالرغم من ان الوديعة في هذا اليوم لم يطرأ عليها أيّ استثمار كان معنى هذا انا اقتربنا من طبيعة الدخل القائم على أساس الفائدة وابتعدنا عن طبيعة الدخل القائم على أساس المضاربة الإسلامية. ولهذا نقترح أن يقيم البنك حساباته على افتراض أنّ كل وديعة ثابتة تدخل خزائنه سوف يبدأ استثمارها فعلا بعد شهرين من زمن الإيداع مثلا (و المدة مرنة تتأثر بظروف العمل التجاري، وعلى درجة الإقبال العامة على استثمار رءوس الأموال) ولن تستثمر قبل ذلك، وهذا يعني أن المودع إذا سحب وديعته لأي سبب من الأسباب المسوغة قبل مضي شهرين لا يعطى أيّ ربح. كما انها إذا ظلّت أكثر من شهرين لا يحسب لها أرباح الا من نهاية الشهر الثاني لإعطاء البنك خلال الشهرين فرصة معقولة لاستثمار الوديعة على أساس المضاربة ويدخل الزمن بعد مضي شهرين من تحديد أرباح الوديعة على أساس ان من المفروض ان تكون الوديعة قد استثمرت عندئذ. وبهذا لا نبتعد عن فكره المضاربة الإسلامية.
    والتخريج الفقهي لذلك ان يشترط البنك على المودعين ان تنازلوا عما يزيد من حصتهم الواقعية عن الحصة التي تقرر لهم بموجب ذلك الافتراض فاذا كانت هناك وديعة ل (زيد) استثمرت فعلا من بداية الشهر الثاني إلى نهاية السنة ووديعة أخرى مماثلة ل (خالد) استثمرت من بداية الشهر الرابع إلى نهاية السنة، وافترضنا أن الربح الذي نتج عن استثمار وديعة (زيد) كان‏
    ........................................ صفحة : 59
    أكبر من الربح الذي نتج عن استثمار وديعة (خالد) بالرغم من تساوي الكميتين. في مثل هذا الفرض تكون حصة وديعة (زيد) من الربح أكبر من حصة وديعة (خالد) في الواقع. فلكي يتاح للبنك أن يساوي بين الوديعتين في الربح يشترط على كل مودع أن يتنازل عن القدر الزائد منه بالطريقة التي تصحح للبنك طريقته في توزيع الأرباح على الودائع.
    وهكذا يتلخص مما سبق، أن الأرباح يجب ان توزع على الودائع حسب أحجامها ومدد إيداعها مطروحا منها الفترة التي يقدر بشكل عام انها تسبق الاستثمار، وقد افترضنا انها شهران مثلا.
    ويتم ذلك فيما يلي:
    لنفرض أن مجموع أرباح المضاربات خلال العام 000 ر 20 دينارا، ومقدار الودائع الثابتة هو مليون دينار، فإننا سنقسم ال 000 ر 20 دينارا الى قسمين: 000 ر 10 منها نقسمها على المبالغ بغض النظر عن المدد التي بقيت فيها هذه المبالغ. والنصف الآخر يقسم على المدد التي بقيت فيها المبالغ، باستثناء شهرين مثلا، بغض النظر عن حجمها. «1»
    ........................................ صفحة : 60
    فبالنسبة إلى تقسيم النصف الأول على نفس المبالغ نقسم عشرة آلاف على مليون- في المثال السابق- فتكون حصة كل دينار من الودائع الثابتة 100/ 1 من الدينار الواحد، وبعد ذلك نقوم باحتساب حصة كل وديعة كما يلي: مقدار الوديعة النسبة وهي 100/ 1 من الدينار.
    وبالنسبة إلى تقسيم النصف الآخر على مجموع مدد الودائع- باستثناء الشهرين- نقسم عشرة آلاف على مجموع تلك المدد ونستخرج حصة كل يوم أو كل أسبوع أو كل نصف شهر حسب الوحدة الزمنية التي يأخذها البنك مقياسا ونضرب بعدئذ هذه الحصة في مجموع المدة التي بقيت فيها كل وديعة.
    وأرجح أن تختار وحدة زمنية يقع فيها عادة ربح خلال الاستثمار كشهر أو نصف شهر أو أسبوع مثلا، دون اليوم.
    وما ينقص عن تلك الوحدة الزمنية من مدة الإيداع لا يعطى عليه شي‏ء من الربح. فاذا اخترنا الأسبوع كوحدة زمنية وكانت مدة الإيداع مائة أسبوع ونصف أسبوع لا يعطى شيئا مقابل نصف الأسبوع.
    ........................................ صفحة : 61
    وإذا قسم النصف الأول على الودائع والنصف الثاني على مددها بالنحو الذي شرحناه أمكن تحديد ربح كل وديعة، فيكون عبارة عن حاصل جمع حصتها من النصفين السابقين.
    أما كيف يتم اقتسام الربح بين المودع والبنك فذلك كما يلي:
    أوضحنا قبل قليل كيف أننا نحول الحد الأدنى من اجرة رأس المال المضمون وهي: سعر الفائدة في السوق الربوية سعر الفائدة احتمال عدم الحصول على الربح، والتي افترضناها كما يلي: 100/ 5+ 100/ 5 100/ 10 1000/ 55، من مبلغ الوديعة والتي ترجمت الى نسبة من الربح على أساس توقعات البنك لنسبة ربح رأس المال والتي افترضناها فيما مضى 20 من رأس المال بحيث أصبحت حصة الوديعة من الربح في هذا المثال 5 ر 27.
    بناء على هذا كله. فإن البنك سيقوم بتقسيم مجموع الأرباح التي يتقاضاها من المضاربات على الودائع حسب مبالغها وحسب مددها كما أوضحنا سابقا، وعند ما تستخرج حصة كل وديعة على هذا الأساس يعطي البنك للمودع حصة من الربح على أساس النسبة التي اتفق معه عليها في عقد المضاربة ويأخذ له باقي النسبة من الربح.
    إلا أنّه لا بدّ أن يكون واضحا أن حصة المودع المتقدمة كنسبة مئوية من الربح التي استخرجت في المثال الذي تقدم قد احتسبت على أساس الربح الكلي لرأس المال وليس على أساس حصة المودع والبنك فقط. وعليه، فلا بد من تحويل هذه النسبة على هذا الأساس، ويتم ذلك كما يلي‏
    ........................................ صفحة : 62
    لو افترضنا أن نسبة حصة البنك والمودع معا من الربح والتي تمثّل أجرة رأس المال المخاطر به دخلا وقيمة هي: 70 من الربح، وأن الأجر الثابت المعطى للبنك فرض تخفيض هذه النسبة الى 65 من الربح، فالمبلغ الذي يجب تقسيمه على البنك والمودع من الربح هو 65 من الربح، وتكون حصة المودع عبارة عن 5 ر 27 الأجر الثابت الذي افترضنا أنه يساوي 5 بقي إن نعرف أنّ أجرة رأس المال المخاطر به قيمة ودخلا إذا كان 70 فكيف نعرف القدر الذي يجب خصمه منه لأجل الأجر الثابت؟:
    إن معرفة ذلك تتوقف على تحويل الأجر الثابت الى نسبة معينة من الربح لكي يمكن طرحها من النسبة المائوية التي تحدد أجرة رأس المال المخاطر به قيمة ودخلا.
    وتوضيحه في المثال التالي: نفرض أن الأجر الثابت هو 1 من رأس المال وكان رأس المال 1000 دينارا فإن الأجر سيكون 10 دنانير وهو مقدار الفرق بين سعر الفائدتين. وبافتراضنا أن الربح سيكون 20 أي 200 دينارا فإن نسبة الأجر الثابت الى الربح ستكون 200/ 10، وهي تساوي 5، وعليه ستكون حصة المودع والبنك 70- 5 65.
    حين يحس البنك بالحاجة إلى جذب الودائع:
    وكلما أحسّ البنك بالحاجة الملحّة الى جذب ودائع أكثر لقوة حركة الاستثمار ونشاطها وزيادة الطلب من المستثمرين أمكنه أن‏
    ........................................ صفحة : 63
    يستعمل طريقة لجذب تلك الودائع وهي فرض جعالة للمودع زائدا على النسبة المقررة له من الربح.
    وصورة الجعالة: أن يفرض البنك لكل من يودع لديه وديعة ثابتة ويجعله وكيلا عنه في المضاربة عليها مع أيّ مستثمر يشاء وبأيّ شروط يقترحها. جعالة خاصة على أساس أن توكيل المودع المضارب للبنك عمل يخدم البنك وله قيمة مالية فيصح أن يضع البنك جعالة عليه. ونظرا إلى أن قيمة التوكيل تزداد كلما ازداد المبلغ الموكل عليه، فبالإمكان فرض الجعالة بنحو يتناسب مع كميّة المبلغ المودع، ويتحمل البنك دفع هذه الجعالة ويغطي كلفتها من الأجور الثابتة التي يتقاضاها من كل مستثمر لقاء توسطه لديه، كما يغطي البنك الربوي الفوائد التي يدفعها الى المودعين منذ يوم الإيداع من الفوائد الثابتة التي يتقاضاها بعد ذلك لقاء تسليف تلك الودائع للمستثمرين.
    وليست هذه الجعالة ربا لأنها ليست شيئا يدفعه المدين إلى الدائن لقاء الدين نظرا الى أن الودائع الثابتة ليست دينا على البنك للمودع لكي يكون ما يدفعه إليه في مقابل القرض وانما هي باقية على ملكية أصحابها المودعين لها، والجعالة إنما هي على التوكيل بوصفه عملا ذا قيمة مالية بالنسبة إلى البنك بما يتيح له من فرصة اختيار المستثمر وفرض شروطه عليه.
    وبالرغم من هذا فإني أرى ان الأولى بالبنك اللاربوي أن لا يلجأ مهما أمكن إلى الجعالة بهذه الطريقة لجذب الودائع الثابتة
    ........................................ صفحة : 64
    لأنّها تتفق من الناحية المظهرية مع الفائدة إلى درجة كبيرة.
    وأتصور أن إغراء الرّبح وحده يكفي لجذب المزيد من الودائع الثابتة كل ما اتسعت حركة الاستثمار وازداد طلب المستثمرين لأن ازدياد طلب المستثمرين يعني وجود فرض كبيرة ومناسبة جدا للربح، وهذا بنفسه كما يدفع المستثمرين الى طلب الدخول في مضاربات بتوسط البنك كذلك يدفع أصحاب الأموال الذين لا يؤدون ممارسة استثمار أموالهم مباشرة إلى دفع أموالهم كودائع ثابتة إلى البنك ويطلبون منه التوسط في توظيفها على أساس المضاربة.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]ودائع التوفير
    كنا حتى الآن نحدد موقف البنك اللاربوي من الودائع الثابتة وأما ودائع التوفير فهي أيضا تدخل في مجال المضاربة، ويقف منها البنك اللاربوي موقفه من الودائع الثابتة في كل ما تقدم من التفاصيل تقريبا باستثناء أمرين:
    1- ان البنك اللاربوي لا يلزم الموفر بإبقاء وديعة التوفير لديه مدة معينة كستة أشهر كما يلزم أصحاب الودائع الثابتة بذلك. بل يمنح أصحاب ودائع التوفير الحقّ في سحب أموالهم متى أرادوا، وبهذا تشابه ودائع التوفير من هذه الناحية الحساب الجاري أي الودائع المتحركة.
    ولكن جعل البنك اللاربوي ودائع التوفير تحت الطلب دائما لا يمنعه عن إدخالها في مجال المضاربات واستثمارها عن هذا الطريق كما يستثمر الودائع الثابتة وبنفس الشروط والحقوق.
    ........................................ صفحة : 65
    ولكي يضمن قدرته على مواجهة طلبات السحب من الموفرين يقرر الأمر الثاني:
    2- يستطيع البنك ان يقدّر النسبة التي تسحب فعلا من مجموع ودائع التوفير فاذا فرضنا انها كانت لا تزيد في العادة على 10 فسوف يعتبر عشر كل وديعة من ودائع التوفير وديعة متحركة ولا يدفع عنها أيّ فائدة أو ربح بل يحتفظ بها كقرض في حالة كاملة من السيولة النقدية لمواجهة طلبات السحب من الموفرين الذين يشترط عليهم البنك ان لا يطالبوا إلا بقيمة الوديعة.
    وهكذا سوف يحصل الموفّر على فرصة السحب متى أراد خلافا لصاحب الوديعة الثابتة، وفي مقابل ذلك لا تدخل وديعة التوفير كلها في مجال الاستثمار والمضاربة، بل يقتطع منها جزء محدد وفقا لما تقدم في الأمر الثاني بينما تدخل الوديعة الثابتة كلها في ذلك المجال.
    وكلما طلب الوفرون ودائعهم قام البنك بتسديد الطلب من الجزء الذي اعتبره قرضا من ودائع التوفير واحتفظ به كسائل نقدي. وفي هذه الحالة يحل هو محل الموفر في المضاربات التي أنشأها.
    الودائع المتحركة
    وأما الودائع المتحركة التي تشكل عادة الحساب الجاري لعملاء البنك فليس من السهل اتباع الأسلوب السابق بالنسبة إليها لأنّ هذه الودائع باعتبار حركتها المستمرة حسب حاجات المودع يصعب على البنك توظيفها عن طريق المضاربة التي تجعلها
    ........................................ صفحة : 66
    أبعد ما تكون عن السيولة، ونحن نرى أن الودائع المتحركة تتخذ صفة القرض على شكل اقتراض البنك الربوي للوديعة المتحركة من صاحبها، فتدخل في نطاق ملكية البنك في مقابل التزامه بقيمتها متى طالب المودع بالوفاء، ولا يدفع البنك أيّ فائدة على هذا القرض كما ان البنوك الربوية لا تدفع أيضا فائدة على الودائع المتحركة.
    ويمكن للبنك ان يصنف الودائع المتحركة الى عدة أقسام وفقا لسياسة عامة مرسومة:
    القسم الأول، يحتفظ به البنك كسائل لضمان قدرته على مواكبة حركة الحسابات الجارية من ناحية، والمساهمة في تمكينه من تغطية طلبات المودعين للودائع الثابتة في الآجال المحددة لسحبها.
    والبنك هو الذي يقدّر كمية هذا القسم ونسبته إلى مجموع الودائع المتحركة وفقا لما يقدره لحركة الحسابات وحركة السحب على الودائع الثابتة.
    القسم الثاني، يوظفه البنك عن طريق المضاربة مع مستثمر ويحتل البنك في هذه المضاربة مركز المضارب ولا يكون مجرد وسيط، ويستأثر بما كان يحصل عليه المودع والبنك معا في المضاربات الأخرى.
    القسم الثالث، يعدّه البنك للأقراض منه لعملائه. ويقيم سياسته في هذه القروض التي يقدمها إلى عملائه على إيجاد
    ........................................ صفحة : 67
    تسهيلات لهم عن طريق تلك القروض حيث لا يمكن إقامة التسهيل على أساس المضاربة. فرجل الأعمال حين يتقدم إلى البنك طالبا منه التسهيل لا يقدم البنك على إعطائه التسهيل المطلوب وإقراضه إلا إذا لم يتمكن من دفع المال له على أساس المضاربة والمشاركة في الأرباح، لأن الأصل في الأموال التي يسعى البنك إلى توظيفها أن يتم توظيفها على أساس المضاربة، ويحاول البنك عن طريق هذا الأصل إيجاد هذا العرف في السوق بحيث تصبح إقامة العلاقة بين المستثمرين والبنك على أساس المضاربة أمرا اعتياديا مفهوما بين رجال الأعمال.
    وفي الحالات التي لا يتاح للبنك فيها التوظيف على أساس المضاربة لكون الغرض الذي يستهدفه المستثمر من طلب التسهيل المصرفي غير صالح لتحقيقه عن طريق المضاربة يقدم البنك على إعطاء التسهيلات بالإقراض، كما إذا كان الغرض من التسهيل وفاء كمبيالة مستحقة أو الإنفاق على بعض مستلزمات العمل من أجور أو رواتب أو أيّ حالة أخرى من هذا القبيل.
    ولكن البنك يجب أن يلاحظ أيضا من ناحية أخرى أن يحافظ على علاقة رجال الأعمال به وأن لا يؤدي حرصه على استبدال التسهيلات القرضية بتسهيلات المضاربة إلى انصرافهم عنه.
    شروط المقترض:
    يشترط البنك فيمن يقرضه الأمور التالية
    ........................................ صفحة : 68
    1- الأمانة وحسن السلوك على ضوء معاملاته وعلاقاته السابقة معه ومع سائر البنوك وفي السوق، ويعتبر شهادة اثنين بأمانة المقترض.
    2- القدرة المالية على الوفاء التي يقدرها البنك على أساس دراسة المركز المالي والتجاري للمقترض ونوع النشاط الذي يمارسه.
    3- أن لا تزيد مدة القرض على ثلاثة أشهر.
    4- أن لا يزيد القرض عن حد أعلى يضعه البنك وفقا لسياسته في إعطاء التسهيلات المصرفية.
    والغرض من هذا الشرط وسابقه ان يمكن تحويل المعاملة إلى عملية مضاربة فيما إذا كان الأجل أطول والمبلغ أكثر.
    5- أخذ ضمانات كرهن على الدين لكي يضمن الوفاء على أي حال.
    إلغاء العنصر الربوي من الفائدة:
    وأما موقف البنك اللاربوي من الفائدة التي تتقاضاها البنوك الربوية على قروض عملائها منها، فيمكن توضيحه على أساس تحليل العناصر التي تتكون منها الفائدة من وجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي. فان الاقتصاديين الرأسماليين يقدرون عادة أن الفائدة تتكون من عناصر ثلاثة
    ........................................ صفحة : 69
    الأول، مبلغ يفترض في كل فائدة لأجل التعويض عن الديون الميتة، فإن البنك يقدر على أساس احصاءات سابقة أن نسبة معينة من الديون تظل دون وفاء فيعوض عنها بذلك.
    الثاني، مبلغ يفترض كتغطية لنفقات البنوك التي يستهلكها دفع أجور الموظفين ونحو ذلك.
    الثالث، الربح الخالص لرأس المال.
    أما العنصر الأول، فقد يستغني عنه البنك اللاربوي بتوسيع نطاق الائتمان العيني والتقليل من الائتمان الشخصي وعدم قبوله خارج الحدود التي تتوفر فيها الثقة الكاملة الكفيلة عادة بعدم ضياع الدين. وإذا لم يمكن الاستغناء عنه بذلك وكان لا بد من إبقاء الديون الميتة في حسبان البنك اللاربوي بوصفها أمرا واقعا لا محالة رغم كل المحاولات والجهود، فبالإمكان الاستفادة هنا من فكره التأمين على الديون والقروض لأن شركات التأمين كما تؤمّن على الأموال العينية كذلك قد تؤمن على الأموال المقترضة.
    ويمكن تحقيق التأمين بشكلين:
    الأول: أن يقوم البنك نفسه بالتأمين على القرض الذي يدفعه إلى العميل أو على مجموع القروض التي يدفعها خلال عام مثلا، ويتحمل البنك نفسه أجور التأمين في الحالات التي يرى فيها أن ضمان سداد الديون الميتة أهمّ من كلفة التأمين التي تتمثل في دفع تلك الأجور.
    الثاني: أن يطالب البنك عميله الذي يطلب الاقتراض منه‏
    ........................................ صفحة : 70
    بضمان من شركة التأمين وهو طلب مستساغ لأن صاحب المال من حقه أن يمتنع عن الإقراض ما لم يأت الآخر بالكفيل الذي يقترحه صاحب المال، ولا يدخل هذا في الامتناع عن الإقراض بدون زيادة ليكون من الربا المحرم.
    وعلى هذا الأساس إذا طالب البنك عميله بضمان من شركة التأمين لكي يقرضه المبلغ المطلوب اضطر العميل إلى الاتصال بشركة التأمين مباشرة أو بتوسط البنك المقرض نفسه والتأمين لديها على القرض ودفع أجور التأمين. وهنا يكون المؤمِّن هو المقترض لا البنك غير انه يؤمن لمصلحة البنك. ونظرا إلى انه هو المؤمّن فهو الذي يدفع أجور التأمين إلى شركة التأمين مباشرة أو بتوسط البنك وهكذا يكون بإمكان البنك اللاربوي أن يأخذ من المقترض أجرة التأمين لا بوصفها فائدة على القرض بل باعتباره وكيلا عن المقترض في إيصالها إلى شركة التأمين «1» والصعوبة هنا تكمن في تحديد أجرة التأمين على كل قرض لكي يطالب كل مقترض بأجرة التأمين على قرضه لأن شركة التأمين في العادة تؤمن على مجموع قروض البنك خلال عام مثلا على أساس ما يملك من تقديرات إحصائية لا على كل قرض بمفرده.
    ........................................ صفحة : 71
    وأما العنصر الثاني، فيمكن للبنك اللاربوي المطالبة به وتخريجه فقهيا يقوم على أساس الأمر شرعا بكتابة الدين وبإمكان الكاتب ان يأخذ أجرة على الكتابة لأنّها عمل محترم فله ان يمتنع عن الكتابة مجانا، كما ان بإمكان الدائن أن يمتنع عن تحمل هذه الأجرة فيتحملها المدين توصلا إلى القرض، وعلى هذا فيصح للبنك أن يشترط في إقراضه لعميله دفع أجرة معقولة (أجرة المثل) في مقابل تسجيل الدين وضبط حساب العميل.
    ولا يدخل البنك اللاربوي في كلفة القرض التي يطالب المدين بأجرها كلفة الحصول على الودائع التي تدخلها البنوك الربوية في حساب الكلفة وتريد بها الفوائد التي تدفعها للمودعين وما شابه.
    وأما العنصر الثالث، من الفائدة الذي يمثل الربح الخالص لرأس المال الربوي فيلغى إلغاء تاما «1» في تعامل البنك اللاربوي مع المقترضين. ولكن يمكن للبنك اللاربوي ان ينتهج سياسة خاصة بصدد ما يلغيه ويتعفّف عنه من عناصر الفائدة، أي العنصر الأول والعنصر الثالث، وتقوم هذه السياسة على أساس أن البنك يشترط على كل مقترض أن يقرضه لدى الوفاء مقدارا يساوي مجموع العنصرين اللذين ألغاهما من الفائدة بأجل يمتدّ إلى خمس سنوات مثلا وليس في ذلك اي مانع شرعي، لأنه ليس‏
    ........................................ صفحة : 72
    من الربا. ويمكن إنجاز الشرط بصورة يصبح فيها ملزما للمشترط عليه، وبذلك يحصل البنك على كمية مساوية لما ألغاه من عناصر الفائدة الربوية ولكنه لا يعتبر نفسه مالكا لها بدون مقابل وانما هو مدين بها لعملائه غير أنه دين لا يطالب به إلى أجل طويل.
    وهذا يتيح للبنك اللاربوي أن يودع تلك الكمية في البنوك التي يسوّغ لنفسه أخذ الفائدة منها ويتقاضى الفوائد عليها من تلك البنوك طيلة خمس سنوات مثلا، وكلّما حل الأجل المحدد سحبه وأعاده إلى العميل الذي أخذه منه وفاء لدينه. وبهذا الأسلوب يتفادى البنك الرزق المحرّم المتمثل في امتلاك الفوائد الربوية كأرباح لرأس المال، ويوفر له شيئا من الأرباح ويمكّنه من الإيداع لدى جملة من البنوك الأخرى الأمر الذي يحرص عليه البنك عادة.
    كما أن هذا الأسلوب لن يرهق المقترضين الذين ألفوا التعامل مع البنوك الربوية فإن دفع مقدار الفائدة هو الشي‏ء المفروض في الواقع المعاش بل انهم سوف يتاح لهم ان يسترجعوا ما دفعوه باسم قروض حين حلول الأجل. وأنا أقدر ان هذا سوف يؤدي الى إقبال واسع النطاق على الاقتراض من البنك اللاربوي لأن كل إنسان يفضل بطبيعته ان يقترض من بنك يكلفه قرضا يرجعه اليه بعد مدة محددة، على ان يقترض من بنك يكلفه التنازل نهائيا عن تلك الكمية. وفي حالة زيادة الطلب على القرض من البنك اللاربوي يمكن لهذا البنك ان يصنّف عملاءه الى زبون من الدرجة الأولى وزبون من الدرجة الثانية، ويقيم سياسته في‏
    ........................................ صفحة : 73
    هذا التصنيف على أساس الترغيب في الالتزام بوفاء الدين في حينه بدون تسامح، وتشجيع المقترضين على تحويل القرض المشروط عليهم إلى تبرع، وذلك بان يعلن البنك في حالة زيادة الطلب على القروض أنه يؤثر العميل من الدرجة الأولى على العميل من الدرجة الثانية، وتحدد درجة العميل تجارب البنك السابقة معه في التسليف فمن كان في تجاربه السابقة مع البنك يؤدي الدين في حينه دون تسامح ويتبرع للبنك بالقرض المماثل الذي يشترطه البنك عليه فالبنك يعتبره عميلا من الدرجة الأولى ويقدم إقراضه على إقراض غيره ممن تسامح بالوفاء في قروضه السابقة أو لم يتبرع بالقرض المشترط عليه وانما دفعه كقرض، فهذا عميل من الدرجة الثانية، ولا يقرض إلا في حالات خاصة من وجود الفائض عن حاجة الآخرين. وهذا الإعلان من البنك لا يعني اشتراط الفائدة في القرض، فإن تبرع المدين بزيادة حين الوفاء دون إلزام عقد القرض له بذلك أمر جائز شرعا. فإنه يمكن لأي دائن أن يؤثر بالقرض من كان قد اقترض منه في مرة سابقة وتبرع بالزيادة فيعطي مثل هذا الشخص قرضا حسب طلبه دون ان يلزمه بأي زيادة، ولكنه إذا تبرع بالزيادة حين الوفاء بمل‏ء إرادته فسوف يستمر إيثار البنك له على غيره وتفضيله لطلبه على طلب غيره، واما إذا لم يتبرع بالزيادة ولم يحوّل القرض المماثل المشترط عليه إلى حبوة وهدية فإن البنك اللاربوي بحكم كونه لا ربويا لا يطالبه بأي زيادة ويقتصر على استيفاء قدر الدين منه، ولكنه‏
    ........................................ صفحة : 74
    سوف يؤثر في المستقبل غيره من عملاء الدرجة الأولى عليه وينظر الى طلباته للاقتراض على أساس انها طلبات من الدرجة الثانية.
    ونطلق على سياسة البنك اللاربوي هذه في التعويض عما يلغيه من عناصر الفائدة اسم سياسة اشتراط القرض المماثل مع التشجيع على تحويله إلى حبوة.
    فالبنك يشترط في كل إقراض قرضا مماثلا من المقترض تساوي قيمته قيمة العناصر التي ألغاها من الفائدة الربوية ويشجّع بصورة غير ملزمة وبدون شرط على أن يحوّل المقترض بمل‏ء إرادته القرض المشروط عليه إلى حبوة، ويعتبر بذلك زبونا.
    من الدرجة الأولى.
    ........................................ صفحة : 75
    ملاحظات عامة حول البنك اللاربوي‏
    ........................................ صفحة : 76
    (1) أرى من الضروري للبنك اللاربوي أن يتمتع برأسمال أضخم نسبيا
    من رءوس الأموال التي تكوّن البنوك الربوية عادة، وذلك لأن رأسمال البنك هو الذي يقوم بصورة رئيسية بتحمل أعباء الخسائر التي يمنى بها ويسنده في مواجهتها وتلافيها تدريجيا دون ان ينعكس ذلك على المودعين والعملاء، وبهذا يبقى البنك محتفظا بثقة الجميع ويواصل عمله وفتح بابه لكل مودع وعميل.
    وهذا الارتباط الوثيق بين الخسائر المحتملة ورأسمال البنك هو السبب فيما تتخذه الحكومات عادة من وضع حدود قانونية للنسبة بين القرض المدفوع لشخص واحد ورأس المال الممتلك، وحدود قانونية لنسبة رأس المال إلى مجموع الودائع التي يتسلمها البنك.
    وما دام رأس المال يقوم بهذا الدور ويؤدي هذا الغرض فكل ما كانت مسؤوليات البنك أضخم وطبيعة عمله أكثر تعرضا لحالات الخسارة يصبح من الطبيعيّ أن يزاد في رأس المال ليكون وقاية وسندا في مثل هذه الحالات.
    والبنك اللاربوي بحكم تحمله تبعات الخسارة وضمانه قيمة الودائع كاملة للمودعين يجب أن يدخل في حسابه الاحتمالات الناجمة عن ذلك ويحصن موقفه عن طريق زيادة رأس المال، ولكن زيادة رأس المال لها حدّ يفرضه غرض الربح الذي يتوخاه البنك في اعماله، لأن رأس المال قد يزيد إلى درجة يصبح من‏
    ........................................ صفحة : 77

    مصلحة البنك الربحية أن يستبدل عمله المصرفي بعمل آخر يستثمر به رأس ماله مباشرة ويحصل على كل أرباحه.
    والواقع ان الترتيب الخاص لموارد البنك من رأس مال وودائع ثابتة هو الذي سوف يحدد ربحية العمل المصرفي ويؤكد مداها.
    وذلك، أننا إذا فرضنا أن الودائع الثابتة المضارب بها في البنك اللاربوي بلغت عشرة أضعاف رأس المال الأصلي فلكي يعرف البنك أن أيّها أربح: أن يواصل عمله كبنك لا ربوي يتوسط بين المودعين والمستثمرين على أساس المضاربة وفقا للأطروحة التي قدمناها، أو أن يستبدل عمله المصرفي بالدخول الى ميدان الاستثمار بكل رأس ماله مباشرة. أقول: لكي يعرف البنك ان أيهما أربح، يجب أن يفترض نسبة تقريبية للربح من أصل المال ويقارن بين المجموع الكلي لربح رأس ماله الأصلي الذي بإمكانه الحصول عليه لو دخل الى ميدان الاستثمار مباشرة والنسبة المائوية المفروضة له من المجموع الكلى لأرباح الودائع الثابتة بوصفه بنكا وسيطا بين المودعين والمستثمرين. وبقدر ما يزيد الكمية المطلقة لهذه النسبة على المجموع الكلى لربح رأس المال ويوجد الفارق بينها نعرف ربحية العمل المصرفي فيجب أن تكون زيادة رأس المال في الحدود التي تحفظ ذلك الفارق بدرجة معقولة.
    وحتى هذا الفارق بين الربح الكلي لرأس المال الأصلي والنسبة الخاصة من ربح مجموع الودائع ليس هو كلّ شي‏ء، بل‏
    ........................................ صفحة : 78
    هناك أشياء أخرى كثيرة يجب أن تدخل في الحساب. فمن ناحية يجب أن تقدر الأرباح الأخرى التي سوف يحصل عليها البنك اللاربوي نتيجة لعمله المصرفي من عمولات وحبوات، الأمر الذي يحصل عليه لو نزل إلى ميدان تجاري أو صناعي برأس ماله الأصلي مستثمرا. وكذلك يجب أن يلاحظ إلى جانب النسبة التي تعود إلى البنك من أرباح الودائع النسبة الأكبر منها التي تعود إلى البنك من أرباح الجزء الذي يمكن للبنك أن يستثمره عن طريق المضاربة، من رأس ماله الأصلي أو من الودائع المتحركة.
    ومن ناحية أخرى يجب أن تلاحظ الظروف الشخصية للمؤسسين ومدى قدرتهم على ممارسة الاستثمار بشكله التجاري أو الصناعي المباشر. إلى غير ذلك من العوامل التي تؤثر على الموقف.
    (2) أرى أن طبيعة البنك اللاربوي على ضوء الأطروحة المتقدمة
    سوف تمده بالقدرة على توجيه الاقتصاد النامي في البلاد ودفع مؤسسات الأعمال نحو مواكبه الحاجات الحقيقية لحركة نموه، وسوف تكون قدرة البنك اللاربوي على ذلك بدرجة أكبر من قدرة البنك الربوي لأن البنك اللاربوي لا يقتصر على إعطاء قروض بمجرد التأكد من قدرة المقترض المالية على الوفاء وثقته بمركزه الائتماني، بل إنه سوف يدرس مع المستثمرين نوعية العمليات التي يؤدون القيام بها وبذلك يتاح له أن يوجههم.
    ........................................ صفحة : 79
    كما أنه من ناحية أخرى، سوف يحرص على ربحية العمل الذي يمارسه المستثمر ولا يكفيه أن يكون المستثمر قادرا على تسديد الدين ولو خسر مشروعة وبذلك يحجم عن توظيف الأموال في عمليات غير مأمولة أو في المشاريع الضعيفة التي تحاول أن تمتص جزءا من رأس المال المعروض للاستثمار وتبدده دون جدوى.
    (3) فيما يخص التنظيم الداخلي للبنك اللاربوي‏
    لا يوجد فرق أساسي بينه وبين البنوك الربوية من حيث تكوين مجلس الإدارة والمديريات المتنوعة التي تنشأ عادة في تلك البنوك كمديرية الحسابات، ومديرية الأفراد، ومديرية القروض، ومديرية الإحصاء، والبحوث. الى غير ذلك.
    لكن يجب أن يلاحظ في تكوين النظام الداخلي للبنك اللاربوي الأمور التالية.
    أولا: إضافة مديرية باسم «مديرية المضاربات» تختص بأعمال الوسط بين المودعين والمستثمرين وتنفذ سياسة البنك في هذا المجال، وسوف تكون أضخم وأهمّ مديرية في البنك اللاربوي ويجب أن يديرها أو يشرف عليها المدير العام نفسه.
    ثانيا: إن البنك اللاربوي بحكم ارتباطه مصيريا بأرباح مؤسسات الأعمال التجارية والصناعية يجب أن تتوفر
    ........................................ صفحة : 80
    في جهازه الإداري، وعلى مستوى الموظفين الكبار فيه والمتوسطين أيضا كفاءات من النوع الذي تتطلبه تلك الأعمال، ولا بدّ أن يكون المدير العام للمصرف شخصا غير بعيد عن السوق التجارية وأعرافها، وواسع العلاقات مع رجال الأعمال ومختلف صنوف المستثمرين.
    ثالثا: من الأفضل أن يلاحظ بقدر الإمكان في تكوين الجهاز الإداري للبنك اللاربوي أن يضمّ أفرادا متدينين ومنفتحين عاطفيا على فكره البنك اللاربوي ويحسّون بتقدير لهذه الفكرة ومغزاها الإسلامي، لكي يشاركوا المؤسسين الشعور بالمسؤولية ويعيشوا نفس الدوافع الرفيعة، الأمر الذي يؤثر على سير العمل ويحسّنه ويضمن حركته دائما بالشكل المناسب، إضافة إلى أن أيمان الموظف بأهمية إنجاح البنك اللاربوي يجعله حريصا على كسب رضا العميل ومعاملته بلطف. ومن الواضح أن التزام الموظفين بسيرة مهذبه وبروح أخويه في علاقاتهم مع المراجعين له أثر كبير في جذب العملاء إلى البنك وتوسيع نطاق علاقاته.
    ........................................ صفحة : 82
    الفصل الثاني
    دراسة الوظائف الاساسية للبنوك في ضوء الاطروحة السابقة

    ويمكننا الآن في ضوء الأطروحة التي قدمناها أن نستعرض في نظرة عامة وظائف البنوك الرئيسية ونتبين موقف البنك اللاربوي منها.
    وبهذا الصدد تقسم وظائف البنوك في الواقع المعاش إلى الأمور التالية:
    1- الخدمات المصرفية التي تمارسها البنوك لصالح عملائها، وتتقاضى عليها عمولة بوصفها أجرة على عمل.
    2- تقديم القروض والتسهيلات لمؤسسات الأعمال، وتتقاضى البنوك عليها فوائد.
    3- استثمار جزء من موارد البنك في الاتجار بالأوراق المالية.
    وسوف نتكلم فيما يلي عن هذه الوظائف تباعا.
    ........................................ صفحة : 83
    القسم الأول من وظائف البنك- الخدمات المصرفية
    يقوم البنك في الواقع المعاش بخدمات عديدة. فهو يقبل الودائع المختلفة وعلى أساس قبوله للودائع يمارس تحصيل الشيكات والحوالات وتحصيل الكمبيالات وغير ذلك من الأمور. كما أنه يقوم بخدمات أخرى لعملائه يتوخّى فيها الكسب، من قبيل بيع وشراء الأوراق المالية لهم، وعمليات الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان- الكفالات- ونحوها. وإذا لم تكن هذه الاعتمادات والخطابات مغطاة اعتبرت إلى جانب كونها خدمات تسهيلات مصرفية أيضا.
    والآن سوف نتحدث عن جميع هذه العمليات بصورة إجمالية مبتدئين بالعملية الأساسية التي يقوم بها البنك وهي قبول الودائع وما تتطلبه من خدمات وعمليات ثانوية.
    قبول الودائع المصرفية:

    يقبل البنك في الواقع المعاش الودائع من عملائه ويصنفها من ناحية مدى قدرة المودع على سحبها إلى ودائع تحت الطلب وهي ما يطلق عليها اسم الحساب الجاري، والودائع لأجل التي تتّسم بطابع الادخار، وودائع التوفير وتعبّر الوديعة بمختلف إشكالها في مفهوم البنوك الربوية عن مبلغ من النقود يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل الإيداع‏
    ........................................ صفحة : 84
    فينشى‏ء وديعة تحت الطلب أو لأجل محدد اتفاقا ويترتب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغ معين من وحدات النقد القانونية للمودع أو لأمره لدى الطلب، أو بعد أجل، على اختلاف الشكل الذي يتم الاتفاق عليه للوديعة بين البنك والعميل.
    ويطلق على الودائع المصرفية هذه عادة أنها ودائع ناقصة لأن البنك غير ملزم بدفعها عند الطلب بنفس المظهر المادي الذي أودعت به. والعملاء لا يستطيعون رفض ما يقدم إليهم من النقود ما دامت هذه النقود قانونية.
    وأما في مفهوم الفقه الإسلامي فليست المبالغ التي توضع في البنوك الربوية ودائع، لا تامة ولا ناقصة»
    وإنما هي قروض مستحقة الوفاء دائما أو في أجل محدد. لأن ملكية العميل تزول نهائيا عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك، ويصبح للبنك السلطة الكاملة على التصرف فيه. وهذا ما لا يتفق مع طبيعة الوديعة. وإنما أطلق اسم الودائع على تلك المبالغ التي تتقاضاها البنوك لأنها تاريخيا بدأت بشكل ودائع وتطورت خلال تجارب البنوك واتساع أعمالها إلى قروض فظلت تحتفظ من الناحية اللفظية باسم الودائع، وان فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح.
    وموقف البنك اللاربوي من الودائع التي تتقاضاها البنوك الربوية يقوم على أساس التمييز بين الودائع المتحركة والودائع الثابتة كما سبق، فالودائع المتحركة يقبلها بوصفها قروضا
    ........................................ صفحة : 85
    دون ان يدفع عنها فائدة. والودائع الثابتة يقبلها كودائع بالمعنى الفقهي للكلمة ولكنها ليست مجرد ودائع مسلمة إلى البنك لاستنابته في حفظها فحسب، بل هناك إلى جانب الاستيداع توكيل من المودع للبنك في التصرف بالمال بإجراء عقد المضاربة عليه.
    وهكذا، يختلف لدى البنك اللاربوي المحتوى الفقهي لقبوله الودائع من عملائه باختلاف حركتها وثباتها.
    الودائع المتحركة والحساب الجاري:
    يعبّر الحساب الجاري من وجهة نظر البنوك القائمة عن ديون متقابلة بين العميل صاحب الحساب والبنك المفتوح ذلك الحساب في سجلاته. وتمثّل الودائع الرصيد الدائم للعميل.
    ويمثّل ما يسحبه العميل على رصيده الدائن الرصيد المدين للعميل أو دين البنك على العميل بتعبير آخر. ويعتبر الحساب الجاري من وجهة نظر الفقه الغربي عقدا قائماً بذاته يتفق بموجبه البنك مع المودع على أن تفقد الحقوق النقدية التي تنشأ بينهما ذاتيتها الفردية وتستحيل الى عناصر حسابية يتكون منها الحساب الجاري وينتج عنها في نهاية المدة المتفق عليها رصيد دائن يكون وحده مستحقّ الأداء، ولذلك لا يقبل الحساب الجاري التجزئة.
    والبنك اللاربوي، يقف نفس موقف سائر البنوك من الودائع تحت الطلب فإنه يقبل هذه الودائع المتحركة باعتبارها قروضا من المودعين له ولا يدفع الى المودعين فوائد عليها، ويمكن‏
    ........................................ صفحة : 86
    له أن يفتح لعميله المودع حسابا جاريا يشتمل من ناحية على ما يودعه العميل ومن ناحية أخرى على ما يسحبه العميل، غير أن التكييف الفقهي للحساب الجاري في الشريعة الإسلامية يختلف عن تكييفه الفقهي في واقع البنوك المعاش، فإن الفقه الغربي يعتبر الحساب الجاري عقدا قائماً بذاته بين البنك والعميل تفقد الحقوق الفردية بموجبه ذاتيّتها الخاصة، وتفسير الحساب الجاري على هذا الأساس يرتبط برأي الفقه الغربي في المقاصة بين الدينين وموقفه منها الذي مر، بتطور بطي‏ء، فقد اعترف الفقه الغربي بالمقاصة في بادئ الأمر مع إعطائها الصفة القضائية فكانت المقاصة تتوقف على التمسك بها أمام القضاء وكان القاضي يتمتع بسلطة تقديرية تخوله رفض إجرائها.
    واجتازت بعد ذلك فكره المقاصة هذه المرحلة وأعفيت من الارتباط بالقضاء، غير انها فسرت في بعض أجنحة الفقه الغربي بأنها إجراء يتوقف على إعلان عن الإرادة يصدر من أحد الطرفين، وأعطيت في أجنحة أخرى من هذا الفقه الطابع القانوني ولكنها لم تدرج في النظام العام، وبذلك لم يعترف بوقوع المقاصة إلا إذا تمسّك بها من له مصلحة فيها.
    وعلى أساس تصورات الفقه الغربي للمقاصة كان تذويب الناحية الذاتية للحقوق الفردية التي تنشأ بسبب التعامل بين البنك وعميله وافنائها جميعا في ناتج الحساب الجاري يحتاج الى قرار بشكل من الأشكال لتقع المقاصة بين الديون المتقابلة.
    ........................................ صفحة : 87

    وأما في فقه الشريعة الإسلامية فلا يحتاج تفسير الحساب الجاري وذوبان الفردية الذاتية للحقوق المتقابلة الى افتراض عقد خاص لأننا إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك عبارة عن اقتراض من البنك في مقابل إقراضه للبنك الذي تم بإيداع وديعة لديه فهناك دينان متقابلان وتجري بينهما المقاصة القهرية بمجرد تكوّنهما دون حاجة إلى أيّ عقد أو اتفاق مسبق على ذلك بين البنك والعميل لأن الرأي الصحيح والسائد الذي يذهب اليه جميع فقهاء الإماميّة والحنفيّة وغيرهم أن المقاصة إذا تحققت شروطها جبرية تقع بنفسها دون حاجة الى أيّ قرار من الطرفين.
    وقد تسمى بالتهاتر. بل لا يمكن في الشريعة التنازل عن المقاصة لأنها ليست حقا قابلًا للإسقاط.
    وبناء على هذا، فالحقوق الفردية تفقد بطبيعتها ذاتيتها الخاصة عبر الحساب الجاري وتحصل المقاصة والتهاتر بين دائنية العميل ودائنية البنك باستمرار دون حاجة إلى أي عقد أو اتفاق.
    ولا يبقى إلا ما يمثل الفارق بين الرصيد الدائن والرصيد المدين، هذا إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك دينا في مقابل دين، وأما إذا فسرناه بأنه استيفاء في حالة كون الحساب الجاري معتمدا على رصيد لصاحب الحساب في البنك فلا يعود الحساب الجاري حينئذ متألّفا من قائمتين من الديون المتقابلة، بل من قائمتين إحداهما تمثّل ديون العميل على البنك التي تحدد بكمية وديعته، والأخرى تمثّل استيفاء العميل لدينه الذي يحدّد بمقدار سحبه على رصيده في البنك.
    ........................................ صفحة : 88
    وأرجح أن يفسّر سحب العميل من البنك اللاربوي في حالة وجود رصيد مسبق له على أنه استيفاء بمقدار ما يسحب، لا إنشاء وقرض جديد. وأن الرصيد الدائن للحساب في البنك هو المسحوب عليه، لا أنّه مجرد ضمان للوفاء بالمقاصة. وأما السحب في حالة عدم وجود رصيد مسبق وهو ما يقع في حالة فتح الحساب الجاري على المكشوف فليس استيفاء بل يؤدي إلى نشوء دين بين البنك والعميل الساحب يكون البنك فيه الدائن والساحب هو المدين.
    وسوف يظهر فيما بعد السبب في هذا الترجيح حيث يتفادى بعض الصعوبات التي قد يواجهها الحساب الجاري من الناحية الشرعية التي يسببها تفسير السحب بأنه إنشاء قرض جديد.
    فتح الحساب الجاري:
    يتّخذ البنك عادة بعض الاجراءات الشكلية لفتح الحساب الجاري من قبيل استحصال توقيع العميل على بطاقات التوقيعات، والاحتفاظ بها لمطابقة توقيعات العميل في كل مرة يقدم فيها شيكا على حسابه، ولا بأس بذلك.
    والحساب الجاري يبدأ ببداية الحقوق التي تنشأ بالتعامل بين العميل والبنك، فقد تبدأ باقراض العميل للبنك وذلك بإيداعه وديعة متحركة لديه، وقد تبدأ بإقراض البنك للعميل شيئا من المال على المكشوف بلا رصيد سابق. وقد يتفق في البنوك القائمة أن يرغب العميل في فتح أكثر من حساب له، ويخصص كلّ‏
    ........................................ صفحة : 89
    واحد منها بنوع من العمليات، غير أن هذا ان استهدف منه العميل مجرد معرفة الرصيد الدائم أو المدين لكل عملية فلا بأس به، وإما إذا كان نعني أن الحقوق التي يسجلها في كل حساب جار تبقى محتفظة بفرديتها مقابل الحقوق الفردية المسجلة في حساب جار آخر، ففي ما إذا كان الرصيد الناتج عن أحد الحسابات الجارية دائنا والرصيد الناتج عن آخر مدينا لا تحصل المقاصّة بينهما. إذا كان يعني هذا فهو غير صحيح لما تقدم من أن المقاصة جبرية ولا يمكن التنازل عنها أو اشتراط عدم وقوعها بين قائمة وقائمة أخرى من الحقوق ما دام المدين والدائن في كل من القائمين واحدا.
    وفي البنوك الربوية قد يمنح أصحاب الحسابات الكبيرة من العملاء المرغوب فيهم فائدة على حركة الحسابات الدائنة دون اعتباره حساب وديعة، وذلك ما لا يقوم به البنك اللاربوي.
    ويمكنه أن يتخذ أساليب أخرى في تشجيع أصحاب الحسابات الجارية على استمرار التعامل معه كأسلوب الإقراض بدون فائدة.
    الإيداع في الحساب:
    يحصل الإيداع في الحساب بعدة طرق: والطريقة الرئيسية هي طريقة الإيداع النقدي بأن يقوم العميل أو وكيله بدفع مبلغ ما في خزينة البنك ويتسلم من الخزينة إيصالا بالمبلغ ثم يقيد هذا المبلغ في الجانب الدائن للحساب.
    ........................................ صفحة : 90
    والطريقة الأخرى للإيداع هي: أن يتقدم العميل إلى البنك بشيكات محررة لأمره أو محولة اليه، ويطلب تحصيل قيمتها وتقييدها في حسابه الجاري. ومثال ذلك: أن نفرض شخصين أحدهما مدين والآخر دائن وأراد المدين الوفاء فحرر شيكا على البنك بقيمة الدين وسلمه إلى دائنه فتقدم الدائن بالشيك إلى البنك طالبا منه تحصيل قيمته وتقييدها في حسابه الجاري، فيكون بذلك قد أودع قيمة الشيك في البنك بهذه الطريقة.
    والإيداع بهذه الطريقة مرتبط بالسحب من قبل محرر الشيك ومتفرع عليه ولهذا فسوف ندرسه من الناحية الشرعية عند ما نتكلم عن تحصيل الشيكات بعد أن نكون قد كونا فكره عن السحب من الحساب وأشكاله، وسوف يتضح أن الإيداع بهذه الطريقة صحيح شرعا.
    وكما يتم الإيداع بهذه الطريقة كذلك يتم أيضا إذا حصّل البنك كمبيالات مودعة لديه بمعرفة عميله برسم التحصيل، فإنه يجري عندئذ قيودا دائنه لصالح العميل بقيمة الكمبيالة، أي أن البنك يقوم بتحصيل قيمة الكمبيالة نقدا من المدين ويضيفها إلى رصيد الدائن الذي كتبت الكمبيالة لأجله، أو يقوم بخصم قيمة الكمبيالة من رصيد المدين لديه وتقييدها في رصيد الدائن وكل ذلك جائز شرعا بإذن المستفيد من الكمبيالة.
    وهناك قيود يجريها البنك لصالح العميل وقد لا يعلم بها العميل الا عند ما ترسل اليه الكشوف البيانية أو الإشعارات الخاصة
    ........................................ صفحة : 91
    بذلك، ويقوم البنك بإجراء تلك القيود في الرصيد الدائن لعميله فيما إذا وردت اليه مثلا حوالات داخلية أو خارجية بمبالغ معينة لذلك العميل كسداد لبضائع أو غير ذلك، فان البنك يخصم قيمة الحوالة من الرصيد الدائن للمحيل ويجري قيدها في الرصيد الدائن للمستفيد وبذلك تزداد كمية ودائعه التي تكوّن رصيده الدائن في حسابه الجاري.
    وهذا جائز شرعا إذا كان البنك مأذونا من قبل المودع في قبول ما ترده من حوالات فإنه يقبل الحوالة حينئذ وكالة عن عميله ويصبح بإمكانه عند ذاك ترصيد الحساب ونقل قيمة الحوالة من حساب المحيل إلى حساب الشخص المستفيد من الحوالة، ويتحقق بذلك إيداع قيمة الحوالة من قبله بهذا الشكل.
    وهكذا نعرف أنه كما يصح للعميل أن يمارس الإيداع مباشرة كذلك يصح للبنك أن يودع لصالح عميله وفقا لما تقدم.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]السحب من الحساب:
    يتمّ السحب من الحساب بعدة وسائل، أهمها الشيكات الموقعة من قبل العميل. وقد يتم السحب من الحساب إذا أصدر أمرا كتابيا إلى البنك يحمل توقيعه يطلب فيه إجراء تحويلات نقدية إلى بنك أو مكان آخر سواء في الداخل أو في الخارج، ويرسل البنك في هذه الحالة بيانا بالمبالغ التي تم خصمها من الحساب تنفيذا لذلك الأمر وهو ما يسمى بإشعار الخصم.
    ........................................ صفحة : 92
    ويتمّ السحب أيضا إذا أصدر العميل إلى البنك أمرا كتابيا لشراء أوراق مالية لحسابه، أو إذا قدمت إلى البنك كمبيالة تحمل توقيع العميل وتوضح إعلامه بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لصرف قيمتها من حسابه الجاري.
    وسوف نتحدث الآن عن السحب بطريقة الشيكات، التي هي الطريقة الرئيسية، وأما السحب بأمر كتابي بالتحويل فنتكلم عنه لدي الحديث عن الحوالة بوصفها إحدى الخدمات المصرفية التي يقوم بها البنك، كما أن السحب عن طريق أمر كتابي بشراء الأوراق المالية لحساب العميل يأتي الكلام حوله عند ما ندرس هذا القسم من الخدمات المصرفية، وأما السحب عن طريق كمبيالة يسمح فيها المدين بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لصرف قيمتها فمردّ ذلك إلى الحوالة على البنك المشروطة بحلول أجل الدّين، وسيأتي ذلك في الحوالة أيضا.
    ان الشيكات تستعمل لدى السحب عادة كأداة وفاء، بأن يكون محرر الشيك مدينا والمستفيد منه دائنا فيحرر المدين الشيك على البنك ويسلمه إلى دائنه وفاء لدينه. والمدين المحرر للشيك تارة يكون له رصيد دائن في حسابه الجاري في البنك، وأخرى يكون حسابه الجاري مع البنك على المكشوف دون رصيد دائن.
    ولندرس كلا من هاتين الحالتين على حدة:
    الحالة الأولى: أن يكون لمحرر الشيك رصيد دائن في البنك‏
    فيسحب من حسابه الجاري‏
    ........................................ صفحة : 93
    عن طريق الشيك الذي يحرره كأداة وفاء لدائنته، وقد مرّ بنا أن السحب من الحساب الجاري يمكن تفسيره على أساس أنه استيفاء للدين الذي للساحب على البنك، كما يمكن تفسيره بأن الدائن يقترض من البنك بهذا السحب فتنشأ ديون متقابلة من حركة الحساب الجاري.
    فإذا فسرنا الحسب من الحساب الجاري على أساس أنه استيفاء- وهو ما رجحنا للبنك اللاربوي أن يبني عليه- فيمكننا أن نفهم الشيك الذي يدفعه المدين إلى الدائن بوصفه حوالة من المدين إلى دائنه على البنك الذي يملك المدين في ذمته قيمة ودائعه المتحركة، فتكون من حوالة دائنه على مدينة، وتصح شرعا وتحصل بها براءة ذمّته المحيل تجاه المستفيد من الشيك، وبراءة ذمة البنك تجاه المحيل بمقدار قيمة الشيك.
    وأما إذا فسرنا السحب من الحساب الجاري على أساس إنه اقتراض جديد من البنك ينشأ بسببه دينان متقابلان فيجب أن أن نخضعه لشروط القروض في الإسلام. ويعتبر قبض المقترض أو نائبه للمال المقترض شرطا أساسيا لصحة القرض في الشريعة الإسلامية فلا يصح السحب من الحساب بالشيكات بوصفه اقتراضا من البنك إلا إذا قبض الساحب المبلغ المسحوب أو قبضه بالنيابة عنه نفس موظف البنك أو المستفيد من الشيك، والمفروض أنه لا يوجد قبض في هذا القبيل في واقع الأمر. بل ليس هناك في أكثر الأحيان إلا الترحيل في الحساب لقيمة الشيك من حساب‏
    ........................................ صفحة : 94
    المستفيد، وما لم يستكمل القرض شروطه لا يقع، وإذا لم يقع لا تبرأ ذمة محرر الشيك حينئذ تجاه المستفيد منه.
    وهذا هو السبب الذي جعلنا نرجح للبنك اللاربوي أن يعتبر السحب من الحساب في تعامله استيفاء لا إنشاء لقرض جديد.
    الحالة الثانية: أن لا يكون لمحرر الشيك رصيد دائن في البنك‏
    وانما له حساب معه على المكشوف فيحرر الشيك لدائنه والدائن يسلم الشيك إلى البنك، ليتسلم قيمته، أو ليخصم البنك قيمته من الرصيد المدين لمحرر الشيك ويقيده في الرصيد الدائن للمستفيد من الشيك.
    وهنا أيضا نواجه نفس الصعوبة من الناحية الشرعية إذا اعتبرنا الشيك إنشاء قرض جديد من البنك لأنه يتوقف حينئذ على القبض. وأما إذا خرجنا الشيك في الحالة الأولى على أساس أنه حوالة من المدين لدائنه على مدينة فكذلك في هذه الحالة يعتبر الشيك حوالة من المدين لدائنه على البنك، غير أن المحول عليه ليس مدينا للمحيل، ولهذا يصطلح الفقهاء على ذلك بالحوالة على البري‏ء، وهي عندي حوالة صحيحة تنفذ بالقبول من البنك، فإذا قبل البنك الشيك اعتبر ذلك قبولا منه للحوالة فتشتغل ذمته للمحال بقدر ما كان للمحال في ذمة المحول، ويصبح المحول مدينا للبنك (المحول عليه) بقيمة الحوالة.
    فمديونيه محرر الشيك للبنك لا تقوم هنا على أساس الاقتراض لكي يتوقف على القبض، بل على أساس قبول البنك‏
    ........................................ صفحة : 95
    للحوالة. ولما كان البنك بريئا فبقبوله للحوالة وانتقال دين المحول إلى ذمته يصبح دائنا للمحول بنفس المقدار «1».
    وهكذا يتضح أنه يصح استعمال الشيكات على البنك كأداة وفاء على أساس الحوالة سواء كان لمحرر الشيك رصيد دائن في حسابه الجاري أو كان حسابه الجاري على المكشوف.
    وهناك قيود مدينة يجريها البنك دون تفويض من العميل كالعمولات المختلفة وأجرة البريد والرسم الدوري لكشوف الحسابات البيانية.
    وكل هذا صحيح لأن العميل تشتغل ذمته بأجرة المثل للبنك لقاء الخدمات المصرفية بما فيها كشوف الحسابات البيانية وأجرة البريد التي يتكلفها البنك بأمر صريح أو ضمني موجب للضمان من العميل. وبموجب المقاصة القهرية بين الدينين يقوم البنك بخصم قيمة هذه الأجور من الرصيد الدائن لعميله.
    اندماج أكثر من صفتين في شخص واحد:
    وهناك حالات في سحب الشيك على البنك تندمج فيها صفتان في جهة واحدة، ومن هذا القبيل حالة سحب العميل على البنك شيكا لأمره (أي لأمر العميل نفسه) فهو في هذه الحالة
    ........................................ صفحة : 96
    يمثل مركزي الساحب والمستفيد، والمدلول الفقهي لهذه العميلة هو أن الساحب يحاول استيفاء قيمة الشيك المسحوب من دينه على البنك، وليس تحريره للشيك إلا لكي يستخدم كوثيقة على الوفاء عند تقديمه لدى البنك وسحب قيمته منه.
    ومن هذا القبيل أيضا حالة سحب العميل شيكا لأمر البنك، وبهذا يمثل البنك مركزي المسحوب عليه والمستفيد، والمدلول الفقهي لهذه العملية هو: أن الساحب كان قد أصبح مدينا للبنك بأيّ سبب من الأسباب فوقعت المقاصة في حدود ذلك الدين بين دائنية البنك هذه ودائنية العميل المتمثلة في رصيده الدائن في الحساب الجاري. وليس الشيك في هذه الحالة إلا وثيقة على وقوع هذه المقاصة بين ذمتي البنك والعميل. وكل ذلك جائز شرعا.
    الودائع لأجل (الثابتة):
    وهي مبالغ يستهدف أصحابها من وضعها في البنك الحصول على فوائدها ما داموا ليسوا بحاجة ماسة إليها في الوقت القريب، ولا يجوز سحبها من البنك إلا بعد مدة يتفق عليها العميل مع البنك ويجدد عقد إيداعها في نهاية المدة إذا رغب المودع في إبقاء الوديعة كما يتفق في أكثر الأحيان.
    وهذه الودائع تمثل في الحقيقة قروضا ربوية محرمة ولهذا يمتنع عنها البنك اللاربوي، ويحولها إلى ودائع بالمعنى الفقهي الكامل لوديعة، قد أودعها أصحابها في البنك ريثما يجدوا مجالا
    ........................................ صفحة : 97
    لتوظيفها واستثمارها على أساس المضاربة. وقد مر تفصيل ذلك في الأطروحة التي قدمناها.
    ودائع التوفير:
    يقصد بها كل حساب في دفتر واجب التقديم عند كل سحب أو إيداع. وهي قسم من الودائع الادخارية، غير أن العادة جرت على تمكين الموفرين من السحب عليها متى شاءوا أو ضمن شروط خاصة.
    والبنك اللاربوي لا يرفض قبول ودائع التوفير هذه ولا يختلف عن البنوك الربوية في إعطاء فرصة السحب للموفرين متى أرادوا ذلك ويقوم باستثمار هذه الودائع عن طريق المضاربة كما يستثمر الودائع الثابتة.
    ولكن موقف البنك اللاربوي من ودائع التوفير يختلف عن موقفه من الودائع الثابتة في أمرين، كما أوضحنا ذلك في الفصل الأول.
    أحدهما: تمكينه من السحب على ودائع التوفير متى أراد الموفر، خلافا للودائع الثابتة التي يشترط فيها على المودع أن تظل في حوزته مدة لا تقل عن ستة أشهر.
    والآخر: أن البنك اللاربوي يقتطع من كل وديعة توفير نسبة معينة يعتبرها قرضا ويحتفظ بها كسائل نقدي ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار كما مر بنا في الأطروحة.
    ........................................ صفحة : 98
    الودائع الحقيقية:
    وهي عبارة عن أشياء معينة يود أصحابها أن يحتفظوا بها ويتجنبوا مخاطر السرقة والضياع والحريق ونحو ذلك فيودعونها لدى البنك على أن يستردوها بعد ذلك بنفس مظهرها المادي، وقد يقوم البنك لهذا الغرض بإعداد خزائن خاصة ويؤجرها لعملائه ويتقاضى لقاء ذلك أجرا منهم.
    وهذه الودائع هي ودائع بالمعنى الفقهي الكامل وعلى هذا الأساس يجوز للبنك أن يأخذ أجرة لإنجاز العملية سواء كانت لقاء منفعة الخزينة الحديدية التي تحفظ فيها وديعة العميل أو لقاء نفس عمل البنك في تحصينها والحفاظ عليها.
    الأهمية الاقتصادية للودائع المصرفية
    تتلخص الأهمية الاقتصادية للودائع المصرفية في البنوك القائمة في النقاط الثلاث التالية:
    1- أن الودائع المصرفية، بالرغم من أنها مجرد قيد في سجلات البنك يتضمن حسابا لأحد العملاء
    ، تعتبر وسيلة هامة من وسائل الدفع لما تحيط بها من الضمانات القوية المشتقة من عنصر الثقة في البنوك وإن لم يعترف لها القانون بصفة النقد في التداول، ولهذا ليس هناك إجبار على قبول الوفاء بها كما هو الحال في النقود الأخرى، ولكن عدم اعترافه هذا لم يمنع عن اتساع‏
    ........................................ صفحة : 99
    نطاق التعامل بالودائع المصرفية وذلك بنقل ملكيتها من شخص لآخر عن طريق استعمال الشيكات وبذلك تزداد وسائل الدفع في المجال التجاري والاقتصادي.
    2- أن الودائع المصرفية تمثل على الأغلب أموالا كانت عاطلة قبل إيداعها إلى البنك‏
    ، وأتيح لها عن طريق إيداعها في البنك دخول مجال الإنتاج والاستثمار على شكل قروض مصرفية لرجال الأعمال، وبذلك أصبح بإمكانها أن تساهم بدور كبير في إنعاش اقتصاد البلاد ونموه الصناعي والتجاري.
    3- أن الودائع المصرفية تمنح البنك القدرة على خلق الائتمان‏
    بدرجة أكبر من كمية تلك الودائع، والائتمان يخلق بدوره الوديعة المصرفية أيضا، وهكذا تزداد بهذا الشكل كمية الودائع المصرفية، وبالتالي تكثر وسائل الدفع التي تعوض عن النقود. وكلما كثرت وسائل الدفع اتسعت الحركة التجارية ونمت.
    ويجب أن نحدد موقف الشريعة الإسلامية وبالتالي وضع البنك اللاربوي تجاه هذه النقاط الثلاث.
    الودائع المصرفية وسائل دفع:
    أما النقطة الأولى فبالإمكان أن تعتبر الودائع المصرفية وسائل دفع عن طريق استعمال الشيكات. ونظرا إلى أن وسيلة الدفع هي نفس الوديعة المصرفية لا الشيك وإنما الشيك مجرد أمر
    ........................................ صفحة : 100

    بالسحب على الرصيد المودع، والوديعة ليست إلا دينا في ذمة البنك للمودع فاتخاذها وسيلة دفع يعني اتخاذ الدين وسيلة دفع، ولهذا يصبح استعمال الودائع بدلا عن النقود جائزا في الحدود التي يجوز التعامل ضمنها بالدين. ولكي نعرف هذه الحدود نقسم التعامل بالدين إلى قسمين:
    أحدهما: التعامل به كأسلوب لوفاء دين آخر عن طريق الحوالة، فالمدين يمكنه أن يحيل دائنه على مدينة وبذلك يكون قد استخدم الدين الذي يملكه في وفاء دائنه وإبراء ذمته من ناحيته، وهذا صحيح شرعا كما تقدم، وبذلك يجوز استعمال الشيك كأداة وفاء.
    والآخر: التعامل به كوسيلة دفع ينصب عليها العقد مباشرة، كأن يشتري الدائن بالدين الذي يملكه في ذمة مدينة بضاعة، أو يهب ذلك الدين لشخص آخر. وهذا التعامل يحكم بصحته أحيانا ويحكم ببطلانه أحيانا من الناحية الشرعية.
    فمثلا شراء الدائن بضاعة بما يملكه من دين في ذمة مدينة صحيح شرعا إذا لم تكن البضاعة المشتراة مؤجلة، وإلا بطل الشراء لأنه يكون من بيع الدين بالدين وهو باطل. ومثال آخر هبة الدائن للدين الذي يملكه في ذمة شخص آخر صحيحة شرعا إذا كان الموهوب له نفس المدين، وأما إذا كان شخصا آخر فالهبة باطلة عند من يرى من الفقهاء أن قبض الموهوب له للمال الموهوب شرط في صحة الهبة، فلا يجوز للموهوب له- على هذا-
    ........................................ صفحة : 101
    التصرف في الدين الذي وهبه له الدائن قبل الوفاء وقبض الدائن له، أو قبض الموهوب له بالوكالة عن الدائن.
    وعلى هذا الأساس نعرف أن التعامل بالشيك كأداة وفاء لدين سابق صحيح شرعا. وأما التعامل به كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة لكي تكون الوديعة المصرفية نفسها هي موضع التعامل فهذا يصح أحيانا ولا يصح أحيانا.
    ولكن التعامل بالشيك كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة يعتبر باطلا دائما إذا كان السحب بالشيك من دون رصيد دائن للساحب إذ لا يوجد عندئذ للساحب شي‏ء حقيقي يملكه مما يعبر عنه الشيك لكي يشتري به بضاعة مثلا أو يهبه. ورصيد المدين في حسابه الجاري ليس إلا مجرد قرض من البنك، والقرض لا يملكه المقترض إلا بالقبض، فلا معنى للتعامل به وهبته وشراء بضاعة به مثلا قبل أن يقبض مباشرة أو توكيلا.
    والغالب من التعامل بالشيكات في الحياة الاعتيادية هو التعامل بالشيكات كأداة وفاء وهو صحيح لما عرفت.
    دور البنك اللاربوي في توظيف الأموال العاطلة:
    وأما النقطة الثانية وهي أن البنك يؤدي بنشاطه إلى تجميع الأموال العاطلة وتوظيفها، فسوف تظل صادقة على البنك اللاربوي كما صدقت على البنوك الربوية. وإنما الفارق بينهما في أسلوب التوظيف، فبينما يتم التوظيف في البنوك الربوية على أساس‏
    ........................................ صفحة : 102
    إقراض المستثمرين يتم في البنك اللاربوي على أساس المشاركة معهم عن طريق المضاربة.
    خلق الائتمان بدرجة أكبر من كمية الودائع:
    وبالنسبة إلى النقطة الثالثة وهي قدرة البنك على خلق الائتمان بدرجة أكبر من كمية الودائع يجب أن نتساءل: هل يتاح للبنك اللاربوي أن يخلق الائتمان وبالتالي الدائنية بدرجة أكبر من كمية الودائع الموجودة لديه فعلا؟.
    والجواب بالإيجاب، ولكن على شرط أن تكون الدائنية التي يخلقها البنك مستندة إلى سبب شرعي لا إلى سبب غير مشروع.
    ولتمييز السبب المشروع من غيره نقارن بين الحالات الثلاث التالية:
    1- نفترض أن كمية الودائع الموجودة لدى البنك هي 1000 دينار فيتقدم اليه شخصان يطلب كل واحد منهما قرضا قدره 1000 دينار وحيث أن البنك يعلم أنهما سوف يودعان ما يقترضانه لديه مرة أخرى وسوف لن يسحبا ودائعهما معا في وقت واحد فهو يرى أنه بإمكانه أن يلتزم لكل واحد منهما بقرض قدره 1000 دينار وبذلك يعتبر نفسه دائنا ب 2000 دينار بينما ليس لديه في خزائن ودائعه إلا 1000 دينار.
    2- نفترض أن كمية الودائع الموجودة لدى البنك 1000 دينار فيتقدم شخص طالبا قرضا قدره 1000 دينار
    ........................................ صفحة : 103
    فيقرضه البنك المبلغ المطلوب ويتسلفه المقترض ويدفعه إلى دائنه وفاء لدينه فيتسلمه الدائن ويودعه بدوره في البنك فيتقدم شخص آخر طالبا اقتراض 1000 دينار من البنك فيقرضه ويدفع اليه المبلغ وبذلك يصبح البنك دائنا ب 2000 دينار بينما لم يكن لديه في خزانة ودائعه إلا 1000 دينار.
    3- نفترض أن كمية الودائع الموجودة لدى البنك 1000 دينار فتتقدم اليه حوالتان من شخصين ليس لهما أي رصيد لديه كل منهما يحول دائنه على البنك ب 1000 دينار والبنك يعرف أنه إذا قبل الحوالتين معا فسوف لن يتعرض لخطر المطالبة ب 2000 دينار، لأن الدائنين سوف لن يسحبا دينهما في وقت واحد وعلى هذا الأساس يتقبل البنك كلتا الحوالتين فيصبح بذلك دائنا لكل من المحولين ب 1000 دينار ويتقاضى فوائد 2000 دينار من القرض بينما لم يكن لديه إلا 1000 دينار من الودائع.
    ونحن إذا فحصنا هذه الحالات الثلاث وجدنا أن دائنية البنك ب 2000 دينار في الحالة الأولى نشأت من قرضين التزم بهما لشخصين، ولكن القرضين لم يتوفر فيهما القبض اللازم شرعا في كل قرض، لأن كل واحد من المقترضين لم يحصل من البنك إلا على مجرد الالتزام له ب 1000 دينار أي على قيد في‏
    ........................................ صفحة : 104
    رصيده المدين فيعتبر القرض باطلا وبالتالي لا يعتبر البنك دائنا للشخصين ب 2000 دينار وإنما يعتبر دائنا بالقدر الذي يتم تسليمه لهما من المبلغ.
    وفي الحالة الثانية نشأت دائنية البنك ب 2000 دينار من قرضين أيضا غير أن القرضين هنا يتوفر فيهما القبض لأن كل واحد من المقترضين قد قبض المبلغ الذي اقترضه كاملا فيعتبر القرضان صحيحين ويكون البنك دائنا شرعا ب 2000 دينار.
    وفي الحالة الثالثة نشأت دائنية البنك ب 2000 دينار للمحولين من قبوله بحوالتيهما لا من عقد القرض. والحوالة صحيحة شرعا، فيعتبر البنك دائنا ب 2000 دينار للمحولين ومدينا في نفس الوقت ب 2000 دينار لدائني المحولين.
    ويتضح مما سبق أن دائنية البنك بأكبر من الكمية الموجودة من الودائع لديه فعلا أمر جائز شرعا إذا وجد السبب الشرعي للدائنيه وهو الإقراض الذي يتوفر فيه قبض المقرض المبلغ كما في الحالة الثانية، أو قبول الحوالة كما في الحالة الثالثة. وأما إذ لم يتحقق السبب الشرعي للدائنيه من إقراض مع القبض، أو قبول الحوالة، أو غيرهما من الأسباب الشرعية. فلا مبرر للدائنية كما في الحالة الأولى، فإن مجرد التزام البنك ب 2000 دينار لكل من الشخصين وتقييد المبلغ في الرصيد المدين لحسابه الجاري في سجلاته الخاصة لا يخلق دينا ودائنا ومدينا.
    ........................................ صفحة : 105

    ويجب أن يعلم بهذا الصدد اننا حين نؤكد على بطلان القرض في الحالة الأولى لعدم توفر القبض ونربط صحة القرض بقبض المبلغ المقترض لا نريد بالقبض فصله نهائيا عن البنك المقرض. بل بإمكان العميل الذي يطلب قرضا قدره الف دينار مثلا أن يقبض هذا المبلغ ثم يودعه في حسابه الجاري في البنك ويكون القرض في هذه الحالة صحيحا لأنه قرض مقبوض. وقد يقال: إن العميل بإيداعه المبلغ مرة أخرى في البنك يكون قد أقرضه للبنك لأن الإيداع إقراض من الناحية الفقهية فيصبح العميل دائنا للبنك بألف، أي بنفس قيمة المبلغ الذي اقترضه منه وبذلك تحصل المقاصة الجبرية بين الدينين وتتلاشى دائنية البنك، وهذا يعني أن البنك لا يمكنه أن يحتفظ بدائنيته لعميله ما لم ينفصل المبلغ المقترض نهائيا عن البنك.
    والجواب على هذا القول: أن العميل بقبضه للمبلغ مباشرة أو توكيلا يصبح مدينا للبنك بألف دينار مثلا، وبإيداعه المبلغ مرة أخرى في حسابه الجاري في البنك- وإن خلق دينا جديدا له من البنك- إلا أن الدينين لا يسقطان بالمقاصة لأن العادة في القرض الذي تسلمه العميل من البنك أن يكون مؤجلا إلى مدة محددة، بينما لا يكون القرض المتمثل في إيداع العميل للمبلغ في حسابه الجاري مؤجلا ولهذا لا يتمكن العميل من سحبه متى شاء. وما دام أحد الدينين مؤجلا دون الآخر فلا تحصل‏
    ........................................ صفحة : 106
    المقاصة بينهما ولا يسقطان بالتهاتر لأن من شروط التهاتر اتفاق الدينين في ذلك. وعلى هذا الأساس تكون دائنية البنك بألف دينار شرعية، وتظل على شرعيتها إذا قبض العميل المبلغ المقترض ثم أودعه في البنك مرة أخرى في حسابه الجاري. ويظل البنك دائنا حتى يحل الأجل فتحصل المقاصة ويسقط الدينان بالتهاتر.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]التحصيل:
    ان قيام البنوك بقبول ودائع العملاء جعلها تتصدى لإتمام جميع التسويات التي تترتب على ذلك بعمولة أو بدون عمولة، وعلى هذا الأساس تمارس البنوك تسوية الديون عن طريق المقاصة أو الترحيل في الحساب دون حاجة الى تداول كميات كبيرة من العملة وما يترتب على ذلك من نقل وتكاليف وتعرض لمخاطر السرقة والضياع. وتتمثل التسويات التي تقوم بها البنوك في:
    تحصيل الشيكات، وتحصيل الكمبيالات، والتحصيلات المستندية، وقبول الشيكات، والكمبيالات.
    1- تحصيل الشيكات:
    تقدم منا في الحديث عن الحساب الجاري أن أحد أساليب الإيداع هو أن يتقدم أحد العملاء الى البنك بشيك مسحوب لمصلحته على حساب محرر الشيك في البنك فيقوم البنك بخصم قيمته من حساب المسحوب عليه وترحيلها الى حساب المستفيد بالشيك بعد التأكد من صحة الشيك من الناحية الشكلية وتصديق قسم‏
    ........................................ صفحة : 107
    مراكز العملاء على وجود رصيد للمحرر يسمح بخصم قيمة الشيك منه.
    والشيك قد يكون مسحوبا على نفس المركز أو الفرع الذي يقوم بتحصيله لحساب المستفيد، وقد يكون مسحوبا على فرع آخر من فروع البنك، وقد يكون مسحوبا على بنك آخر.
    ففي الحالة الأولى نواجه في عملية تحصيل الشيك حوالة واحدة من محرر الشيك لدائنه اي المستفيد من الشيك على البنك المدين للمحرر، وفي الحالة الثانية لا توجد إلا حوالة واحدة أيضا لأن مركز البنك وكل فروعه لها ذمة واحدة شرعا لوحدة المالك والمدين. وأما في الحالة الثالثة فهناك حوالة من صاحب الشيك على البنك المسحوب عليه، والمفروض ان الذي يقوم بتحصيل الشيك هو بنك آخر، فاذا فرضنا ان البنك الآخر حصل قيمة الشيك من البنك الأول بتسجيل قيمة الشيك في الرصيد المدين للبنك الأول في سجلاته لكي يستوفي بعد ذلك بالمقاصة فإن معنى ذلك أن البنك الأول الذي أصبح بتحرير الشيك عليه مدينا للمستفيد من الشيك بقيمته قد أحال المستفيد من الشيك (ضمنا أو إجازة) على البنك الآخر- مدينا كان البنك الآخر للأول أو بريئا- وهذه حوالة ثانية، فعملية التحصيل حينئذ تتم خلال حوالتين.
    ويمكن تكييف العملية نفسها على أساس: حوالة، وبيع. أما الحوالة فهي حوالة صاحب الشيك للمستفيد على البنك المسحوب‏
    ........................................ صفحة : 108
    عليه وبموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكا لقيمتها في ذمة البنك المحول عليه. وأما البيع فيمارسه المستفيد نفسه بعد أن أصبح مالكا لقيمة الشيك في ذمة البنك المسحوب عليه، إذ يبيع ما يملكه في ذمة ذلك البنك بإزاء مبلغ نقدي يتسلمه من البنك الذي دفع اليه الشيك لتحصيله، ويكون هذا من بيع الدين. وسواء كيفنا العملية فقهيا على أساس أنها حوالتان أو حوالة بدين ثم بيع الدين فإن كل ذلك صحيح وجائز شرعا.
    وهل بإمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة (أجرة) على تحصيل الشيك؟.
    وللجواب على هذا السؤال يجب أن نميز بين الحالات المتقدمة:
    ففي الحالة الثالثة التي كيفنا فيها العملية على أساس حوالتين متعاقبتين يجوز للبنك المحصل أن يأخذ من المستفيد أجرة على قيامه بتحصيل قيمة الشيك له عن طريق اتصاله بالبنك المسحوب عليه وطلب تحويل قيمة الشيك عليه «1» وأما في الحالة الأولى فساحب الشيك على البنك إما أن يكون قد سحبه على رصيده الدائن أو سحبه لحسابه الجاري على المكشوف مع البنك، فإن كان قد سحبه على رصيده الدائن فالحوالة تصبح من الحوالة
    ........................................ صفحة : 109
    على مدين. والحوالة على مدين ليست بحاجة إلى قبول المدين للحوالة بل تنفذ بمجرد سحب الشيك عليه ويكون البنك مدينا للمستفيد ويجب عليه وفاء دينه أو إضافته إلى رصيده الدائن، ولا يمكن للمدين أخذ أجره على وفاء دائنه. ويستثني حالة ما إذا شرط البنك على كل دائن حين تولّد دينه أن لا ينقل ملكية الدين عن طريق الحوالة إلا بإذنه، وحينئذ يكون بإمكان البنك أن يأخذ أجره وعمولة في مقابل قبوله بالحوالة وإسقاطه الشرط.
    وأما إذا كان الساحب قد سحب قيمة الشيك من حسابه الجاري على المكشوف فالشيك في هذه الحالة يعني الحوالة على بري‏ء الذمة والبري‏ء يمكنه أن لا يقبل الحوالة إلا بأجر من المحوّل أي المستفيد من الشيك، وليس ذلك من الفائدة التي يتقاضاها الدائن من المدين لأن الأجر هنا يتقاضاه المدين من الدائن في مقابل قبوله للحوالة وبأن يصبح مدينا.
    وهكذا يتلخص أن أخذ العمولة على تحصيل الشيك جائز إذا كان الشيك مسحوبا على بنك آخر غير البنك المحصل أو على البنك المحصل دون رصيد دائن للساحب وأما إذا كان مسحوبا على البنك المحصل مع رصيد دائن للساحب فلا يجوز للبنك أخذ العمولة على تحصيل قيمة الشيك من المستفيد إلا في حالة ارتباط البنك مع عملائه الدائنين منذ البدء بقرار يقضي بعدم التحويل عليه بدون إذنه.
    وقد درسنا حتى الآن حكم العمولة في الحالة الثالثة والأولى أي في حالة كون البنك المسحوب عليه غير البنك المحصل (و هذه هي‏
    ........................................ صفحة : 110

    الحالة الثالثة) وفي حالة كون الشيك مسحوبا على نفس البنك ونفس الفرع الطالب من قبل المستفيد بتحصيل قيمة الشيك (و هذه هي الحالة الاولى).
    وبقي علينا أن نعرف حكم العمولة في الحالة الثانية وهي ما إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلا والمطالب بتحصيل قيمة ذلك الشيك هو فرع نفس البنك في الموصل، فهل بإمكان الفرع في الموصل أن يتقاضى عمولة على تحصيل قيمة الشيك؟.
    إن الفروع تمثل وكلاء متعددين لجهة واحدة وهي أصحاب البنك، فكل فرع هو وكيل للجهة العامة التي تملك البنك، وكل رصيد دائن في فرع من فروع البنك هو في الحقيقة دين على تلك الجهة العامة، فصاحب الشيك على فرع البنك في البصرة هو دائن لتلك الجهة بحكم إيداعه مبلغا معينا من النقود لدى فرع البصرة وفتحه حسابا جاريا عنده. فإذا سحب شيكا على فرع البصرة لصالح دائنه فقد حول في الحقيقة دائنه على الجهة العامة التي تمثلها الفروع جميعا، وهو من الحوالة على مدين، ولكن تلك الجهة العامة غير ملزمة بدفع الدين إلى المستفيد إلا في نفس المكان الذي وقع فيه عقد القرض بين الساحب وبينها أي البصرة لأن المفروض أن الحساب الجاري للساحب مفتوح مع فرع البصرة فلا يلزم على الجهة التي تمثلها كل فروع البنك أن تسدد الدين المحوّل عليها إلا في نفس مكان الفرع الذي وقع فيه القرض‏
    ........................................ صفحة : 111
    أي الإيداع وفتح الحساب الجاري. وعلى هذا الأساس يصبح بإمكان البنك- إذا طولب فرعه في الموصل بخصم قيمة الشيك المسحوب من عميله على فرعه في البصرة- أن يطالب بعمولة واجرة لقاء تسديد الدين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض (الإيداع) بينه وبين العميل الساحب للشيك.
    التحصيل المستند:
    قد يستغني المصدّر للبضاعة عن الاعتماد الذي يطلب المستورد فتحه لصالح المصدّر عادة ثقة منه بالمستورد وتعويلا على وعده الشخصي بتسليم الثمن عند تسليم مستندات البضاعة. وفي هذه الحالة يقدم المصدّر إلى مصرفه المستندات المتفق عليها بينه وبين المستورد ويتولى البنك إرسال هذه المستندات إلى مراسلة في بلد المستورد ويطلب منه تسليم مستندات الشحن إلى المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة، وعند ما يسدد المستورد يخطر البنك المراسل بنك المصدّر بما يفيد تحصيل القيمة وقيدها في الحساب الجاري له.
    وهذه خدمة جائزة يقوم بها البنك بقصد تسهيل التبادل التجاري، ومؤداها توسط البنك في إيصال مستندات الشحن إلى المستورد عن طريق مراسلة في بلد ذلك المستورد وتسلم الثمن عن طريق المراسل، ونظرا إلى أن الثمن الذي يتسلمه المراسل يدخل في الحساب الجاري لبنك المصدّر لدى البنك المراسل فهذا يعني أن بنك المصدر يقرض هذا المبلغ ويودعه في حسابه الجاري‏
    ........................................ صفحة : 112
    لدى المراسل أي يقرضه للبنك المراسل ثم يقوم بتسديد دينه للمصدر بدفع قيمة الثمن اليه نقادا، أو إن شاء اكتفى بتقييده في حسابه الجاري باعتباره دينا للمصدر على البنك لأن كل دين للعميل على البنك يمكن أن ينشئ إيداعا جديدا في الحساب الجاري.
    وللبنك أن يأخذ عمولة من المصدر لقاء قيامه بخدمة التوسط في إيصال المستندات وتسلم الثمن عن طريق مراسلة في الخارج، كما أن له أن يقيد على المصدر ما تحمله من نفقات كأجرة البريد ونحوها مما يتطلبه من التوسط المذكور لأن هذا التوسط تم بأمر المصدر فيتحمل ضمان ما أنفق لأجله.
    كما أن البنك الذي يقوم بالتحصيل يتحمل عادة فائدة من قبل البنك في بلد المصدر خلال الفترة من شحن البضاعة حتى تسليمها للمستورد وهو يقوم بتحميلها بدوره على المستورد.
    وهذا جائز أيضا لأن الفائدة التي يحملها بنك المصدر على البنك الذي يقوم بتحصيل الثمن مهما كانت أسبابها غير مشروعة إنما تفرض على البنك المحصل لقيامه بالوساطة بين المصدر والمستورد فبإمكان البنك المحصل أن يمتنع عن القيام بالتحصيل ما لم يلتزم المستورد بتحمل تلك الفائدة ويتعهد بتدارك ما تكبده من خسارة.
    عمليات التحويل الداخلي:
    إذا اتفق أن شخصا في بلد أصبح مدينا لشخص في بلد آخر فبإمكانه بدلا عن إرسال شيك اليه بالبريد مثلا أن يستعمل طريقة
    ........................................ صفحة : 113
    الحوالة المصرفية وهي عبارة عن أمر كتابي يصدره العميل المدين إلى البنك لدفع مبلغ من النقود إلى شخص آخر في جهة أخرى فيتولى البنك المأمور الاتصال بفرعه أو مراسلة في الجهة المحددة لتنفيذ أمر عميله، ويتصل الفرع أو البنك المحول إليه حينئذ بالمستفيد طالبا منه الحضور إلى البنك لتسلم قيمة الحوالة أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجاري للمستفيد إذا كان هذا الحساب موجودا وإرسال إشعار بذلك إلى المستفيد.
    ويمكن تكييف هذا التحويل من الناحية الفقهية على عدة أوجه.
    فأولا: يمكن أن نفسر العملية بأنها محاولة من العميل المحوّل لاستيفاء دينه الذي له في ذمة البنك. فبدلا عن أن يطالبه بدفع قيمة الدين إليه فورا يطلب منه تسديد الدين عن طريق دفع قيمته إلى المحول اليه الدائن للمحول لكي تبرأ بهذا الدفع ذمة البنك تجاه المحوّل وذمة المحول تجاه المحوّل اليه.
    وثانيا: يمكن أن نفسر العملية بأنها محاولة من البنك المأمور بالتحويل لتسديد الدين الثابت للمحول إليه على المحول وذلك عن طريق الاتصال بفرعه أو مراسلة وأمره بدفع قيمة ذلك الدين.
    ونظرا إلى أن ذلك وقع بطلب من الآمر بالتحويل المدين فيصبح هذا الآمر ضامنا للبنك قيمة الدين الذي سدده عنه وتحصل المقاصة بين دائنية البنك للآمر بالتحويل نتيجة لتسديد دينه ودائنية الآمر للبنك المتمثلة في رصيده الدائن.
    ........................................ صفحة : 114
    وثالثا: يمكن أن نفسر العملية بأنها حوالة بالمعنى الفقهي «1».
    فالآمر بالتحويل مدين والمستفيد من الحوالة دائن فذاك يحيل هذا على البنك المأمور بالتحويل فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للمستفيد وهو بدوره قد يحيل المستفيد على بنك آخر مراسل له في البلد الذي يقيم فيه المستفيد. فتتم بذلك حوالة ثانية يصبح بموجبها البنك المراسل مدينا للمستفيد. وقد يكون للبنك الأول فرع يمثله في بلد إقامة المستفيد فيتصل به ويأمره بالدفع ولا يكون هذا حوالة ثانية لأن الفرع ممثل للبنك المدين وليس له ذمة أخرى ليحال عليها الدين من جديد.
    ورابعا: يمكن أن نفسر العملية بأنها حوالة بالمعنى الفقهي ولكن المحول ليس هو الآمر بالتحويل كما فرضنا في التفسير السابق، بل البنك المأمور بالتحويل نفسه بوصفه مدينا للآمر بما له من رصيد دائن في ذلك البنك فيحيله على مراسلة في بلد إقامة المستفيد فيصبح البنك المراسل هو المدين للآمر بالتحويل فيقوم الآمر بالتحويل بدوره بإحالة دائنه المقيم في بلد البنك المراسل على ذلك البنك ويكلف البنك الذي يتعامل معه بتبليغه ذلك.
    والأكثر انسجاما مع واقع العملية كما تجري فعلا هو التفسير الثالث دون التفاسير الثلاثة الأخرى لأن التفسيرين الأوّلين لا يجعلان المستفيد من الآمر بالتحويل دائنا بالفعل‏
    ........................................ صفحة : 115

    للبنك المراسل وإنما هو مخوّل في أخذ قيمة دينه منه فلا يتاح له أن يأمره بترحيل القيمة إلى حسابه دون قبض، خلافا للتفسير الثالث الذي تتم فيه دائنية المستفيد بمجرد قبوله للتحويل. كما أن التفسير الرابع لا ينطبق على حالة ما إذا كان المراسل للبنك المأمور بالتحويل فرعا له إذ في هذه الحالة لا معنى لأن يحول البنك المأمور دائنه عليه.
    وعلى أي حال فالعملية صحيحة وجائزة شرعا.
    أخذ العمولة على التحويل:
    عرفنا سابقا أن البنك يجوز له أن يتقاضى عمولة على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنك آخر أو فرع آخر ولا يجوز أن يتقاضى عمولة على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على الرصيد الدائن للساحب في نفس البنك والفرع الذي يقوم بالتحصيل إلا في حالات اشتراط معينة.
    ونريد أن نعرف الآن حكم العمولة على التحويل: فهل يجوز للبنك أن يتقاضى عمولة من المحول على التحويل؟. والجواب بالإيجاب مهما كان التخريج الفقهي لعميلة التحويل.
    وتفصيل ذلك أن عملية التحويل إذا كانت تعني أن البنك يريد أن يسدد الدين الذي عليه للآمر بالتحويل عن طريق دفعه إلى دائنه كما تقدم في الوجه الأول من أوجه التكييف الفقهي للعملية، فهو يأخذ عمولة لقاء تسديده للدين في مكان آخر غير
    ........................................ صفحة : 116
    مكان القرض الذي نشأ بينه وبين الآمر بالتحويل فالبنك وان كان مدينا للآمر بالتحويل والمدين وان كان ملزما بتسديد دينه دون عوض- ولكنه غير ملزم بالدفع في أي مكان يقترحه الدائن-، فإذا أراد الدائن منه أن يسدد دينه في مكان معين غير المكان الطبيعي للوفاء كان من حق البنك أن يتقاضى عمولة على ذلك.
    وإذا كانت عملية التحويل تعني محاولة البنك المأمور لتسديد دين المستفيد على الآمر كما مر في الوجه الثاني لتكييفها الفقهي فمن الواضح أن هذه خدمة يؤديها البنك لعميله ويتقاضى عليها عمولة. وقيمة هذه الخدمة هي عبارة عن قيمة المبلغ المدفوع وفاء عن ذمة الآمر بالتحويل زائدا قيمة دفعه في مكان آخر لم يكن ليتيسر للآمر بالتحويل الدفع فيه إلا بنفقات.
    وإذا كانت عملية التحويل تقوم على أساس الحوالة بأن يحيل الآمر بالتحويل دائنه الموجود في بلد آخر على البنك كما مرّ في الوجه الثالث للتكييف الفقهي.
    فالآمر بالتحويل إما ان يكون حسابه مع البنك على المكشوف.
    وإما ان يكون له رصيد دائن يتمثل في حساب جار مع البنك.
    وإما ان يكون قد تقدم الآن حين أراد التحويل بمبلغ من النقود ليسلمها الى البنك ويكلفه بالتحويل.
    فإن كان حسابه على المكشوف فالبنك بري‏ء والحوالة حوالة على بري‏ء. وان كان له رصيد دائن سابق فالبنك مدين والحوالة
    ........................................ صفحة : 117
    على مدين. وفي كلتا الحالتين يجوز للبنك أن يأخذ عمولة حتى لو كان مدينا لأنه غير ملزم بقبول الدفع في مكان آخر والحوالة على المدين لا تعني إلزامه بالدفع في مكان معين لم يفرضه عقد القرض الذي نشأت مدينيته على أساسه. فيأخذ البنك عمولة لقاء الدفع في مكان معين.
    وأما إذا تقدم الآمر بالتحويل بالمبلغ فعلا الى البنك فهذا يعني ان عقد القرض سوف ينشأ فعلا ويصبح البنك بموجبه مدينا والآمر بالتحويل دائنا لكي يتاح له توجيه الآمر الى البنك، وفي هذه الحالة يمكن للبنك ان يشترط في عقد القرض على الآمر بالتحويل ان لا يحيل الآمر دائنه عليه إلا بإذنه أو إلا إذا دفع اليه عمولة معينة. وهو شرط سائغ لأنه لمصلحة المدين على الدائن لا العكس. وأخيرا إذا كانت عملية التحويل قائمة على أساس الوجه الرابع في تكييفها وهو ان يكون البنك المأمور هو المحول لعمليه الآمر باعتباره دائنا له على بنك مراسل له في بلد آخر فيجوز للبنك أن يأخذ العمولة وان كان مدينا لأن المدين غير ملزم بهذا النوع من الوفاء بل يمكنه تسديد الدين بدفعه نقدا، فإذا أراد الدائن منه هذا النوع الخاص من الوفاء أمكنه الامتناع ما لم تدفع اليه عمولة خاصة. «1»
    التحويل المقترن بدفع مبلغ من النقود:
    تقدم ان الآمر بالتحويل قد يكون له رصيد سابق لدى البنك‏
    ........................................ صفحة : 118
    المأمور بالتحويل، وقد ينشأ القرض بينهما فعلا تمهيدا لإنجاز عملية التحويل بأن يدفع الآمر بالتحويل فعلا قيمة التحويل نقدا الى البنك ويأمره بالتحويل فينشأ عقد القرض في هذه الحالة.
    وهو جائز كما تقدم، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة لقاء قبوله بالدفع في مكان آخر أو بحكم شرط يدرجه في نفس عقد القرض يفرض فيه على الدائن ان لا يوجه اليه تحويلا إلا بإذنه.
    التحويل لأمره:
    قد يريد شخص أن يحصل على مبلغ من النقود في بلدة أخرى فيدفع الى البنك في البلدة الأولى قيمة المبلغ نقدا ثم يتسلمه في البلدة الأخرى من أحد فروع البنك أو من بنك آخر مراسل.
    والمحول هنا هو البنك الذي أصبح بتسلم المبلغ مدينا.
    والتحويل: إما ان يكون على فرع يمثل نفس ذمته، أو على بنك آخر.
    فإن كان على الفرع فهو تحديد لشكل الوفاء فالبنك يتفق مع دائنه الجديد على ان يوفي دينه عن طريق ممثله في بلد آخر. وان كان على بنك في بلد آخر فيمكن ان يصور على أساس الحوالة، والمحول هنا هو البنك إذ يحول دائنه على بنك آخر: فإن كان البنك الآخر مدينا للبنك الأول أي لديه رصيد دائن له كانت حوالة على مدين، والا فهي حوالة على بري‏ء وهي على اي حال صحيحة، ويمكن للبنك ان يتقاضى عمولة خاصة في هذا التحويل لقاء قبوله بالدفع في مكان معين، كما يمكن ان يفرض شرطا في نفس عقد القرض على عميله يلزمه فيه بذلك.
    ........................................ صفحة : 119
    التحويل إلى غير الدائن:
    وهناك حالات يكون فيها التحويل لمصلحة شخص في بلد آخر ليس دائنا للمحول كما إذا كان التحويل بقصد إقراض ذلك الشخص أو التبرع له. ففي هذه الحالات يجوز التحويل، ولا يكون المحول له مالكا لقيمة الحوالة إلا إذا قبضها نقدا على أساس أن التحويل هنا ليس حوالة بالمعنى الفقهي.
    وهناك حالة أخرى يكون فيه التحويل تفويضا للمحول إليه في التصرف في مبلغ الحوالة وفقا لما اتفق عليه بين المحول والمحول إليه، وهذا التحويل لا يخرج قيمة الحوالة عن ملكية الحوالة عن ملكية المحول وانما يقوم على أساس ان البنك في بلد المحول يحيله، أى يحيل المحول على البنك في بلد المحول اليه فيصبح المحول مالكا لقيمة الحوالة في ذمة بنك المحول اليه ويكون الأخير مفوضا بتنفيذ ما اتفق عليه مع المحول.
    تحصيل الكمبيالات:
    يقوم البنك أيضا بخدمة أخرى من خدمات التحصيل وهي استحصال قيمة الكمبيالة لحساب عميله، إذ يقوم عادة قبل حلول موعد استحقاق الكمبيالة ببضعة أيام لإرسال إخطار للمدين يوضح فيه رقم الكمبيالة وتاريخ استحقاقها وقيمتها، وبعد الحصول على قيمتها من الدين يقيدها في الرصيد الدائن للمستفيد من الكمبيالة بعد خصم المصاريف.
    ........................................ صفحة : 120

    وهذه الخدمة جائزة شرعا إذا اقتصرت على تحصيل نفس قيمة الكمبيالة ولم تمتدّ الى تحصيل فوائدها الربوية. وأخذ العمولة جائز شرعا أيضا سواء تم التحصيل عن طريق تسلم المبلغ نقدا أو عن طريق ترحيل قيمة الكمبيالة من الرصيد الدائن لمحرر الكمبيالة في البنك الى الرصيد الدائن للمستفيد، ومعنى هذا الترحيل هو حوالة محرر الكمبيالة دائنه على البنك.
    ومن هذا القبيل الكمبيالة التي تقدم إلى البنك وهي تحمل توقيع العميل وموضح أعلاه صراحة بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لصرف قيمتها من حسابه الجاري لدى البنك، فإن هذا يعني أن محرر الكمبيالة أي المدين قد أحال دائنه على البنك، غير أنها حوالة معلقة على حلول أجل الاستحقاق، ولا بأس بذلك شرعا.
    ويتم تحصيل البنك لهذه الكمبيالة المحولة عليه بخصم قيمتها من حساب محررها وقيدها في حساب المستفيد أو دفعها اليه نقدا إذا طلب المستفيد ذلك.
    ولكن يجب أن نميز بين هذه الحالة من تحصيل الكمبيالات والحالات الأخرى، أي بين حالة أن يتقدم المستفيد إلى البنك بكمبيالة غير محولة ابتداء على البنك ويطلب منه تحصيلها وحالة أن يتقدم المستفيد إلى البنك بكمبيالة محولة عليه من عميله الدائن. ففي الحالة الأولى يجوز للبنك أخذ عمولة لقاء اتصاله بالمدين ومطالبته بالوفاء الذي سوف يتم إما بتسليم المبلغ‏
    ........................................ صفحة : 121
    نقدا أو بترحيل الحساب. وأما في الحالة الثانية فالبنك يصبح بتحويل محرر الكمبيالة عليه مدينا للمستفيد بقيمة الكمبيالة بدون حاجة إلى قبوله لأن المحرر له رصيد دائن في البنك والتحويل من الدائن على مدينة ينفذ دون حاجة إلى قبول المدين، وإذا أصبح البنك مدينا فلا مبرر لأخذه عمولة على وفاء دينه.
    وهكذا يتضح أن تحصيل الكمبيالة يمكن للبنك أن يأخذ عليه عمولة إذا لم تكن محولة على البنك «1» وأما الكمبيالة التي يحولها محررها على رصيده الدائن في البنك فلا يمكن لذلك البنك أن يأخذ عمولة على تحصيل قيمتها للمستفيد إلا في حالة اشتراط البنك على عملائه الدائنين منذ البدء أن لا يحولوا عليه بدون اذنه فيمكنه حينئذ أن يتقاضى عمولة لقاء إسقاط هذا الشرط.
    قبول الكمبيالات والشيكات:
    قد يحاول المدين المحرر للكمبيالة أن يعزز تلك الورقة التجارية عن طريق الحصول على قبول البنك وتوقيعه على تلك الورقة.
    والقبول على قسمين:
    الأول: القبول الذي يتحمل فيه البنك مسؤولية أمام المستفيد من الورقة التجارية.
    والثاني: القبول الذي لا يتحمل البنك فيه أي مسؤولية
    ........................................ صفحة : 122
    للوفاء أمام المستفيد وإنما يعني تأكيد البنك على وجود رصيد دائن لمحرر الورقة التجارية لديه صالح لأن تخصم منه قيمة تلك الورقة. ولنتكلم عن كل من هذين القسمين بالترتيب.
    1- قبول البنك للكمبيالة بالمعنى الذي يتحمل فيه البنك مسؤولية أمام المستفيد من تلك الكمبيالة، وهذا القبول جائز شرعا لا على أساس ضمان الدين بل على أساس أنه تعهد بوفاء المدين بدينه «1» وينتج من الناحية الشرعية أن المدين إذا تخلف عن الوفاء أمكن أن يرجع المستفيد من الكمبيالة إلى البنك المتعهد لقبض قيمتها، وأما إذا كان المدين مستعدا للوفاء فلا يجوز لدائنه أن يرجع على البنك المتعهد رأسا ويلزمه بأداء الدين.
    2- قبول البنك للكمبيالة بالمعنى الذي لا يتحمل فيه البنك مسؤولية الوفاء أمام المستفيد منها وإنما يقصد به أن يؤكد البنك وجود رصيد لمحرر الكمبيالة يسمح بخصم قيمتها منه واستعداده لدفع قيمة الكمبيالة من ذلك الرصيد.
    وهذا أمر جائز أيضا وليس فيه أيّ إلزام إضافي للبنك، ولما كان قبول البنك يكسب ذمة محرر الكمبيالة اعتبارا ويعزز الثقة بها فبإمكان البنك أن يأخذ جعالة وعمولة على هذا القبول بوصفه عملا مفيدا لمحرر الكمبيالة على أي حال سواء ترتب عليه بعد ذلك وفاء البنك لدينه أو لا.
    ........................................ صفحة : 123
    3- قبول البنك للشيكات التي يقدمها ساحبوها اليه لكي يعززها بتوقيعه ويتحمل مسؤوليتها أمام من سوف يستلمها كوفاء لدينه تسهيلا لتداولها وهذا القبول من البنك يعني استعداده لقبول حوالة صاحب الشيك عليه، وهو إما أن يتجه إلى مستفيد معين وإما أن لا يتجه إلى مستفيد معين (كما إذا وقّع البنك الشيك قبل أن يحرره صاحبه لأي.) شخص فان اتجه إلى مستفيد معين كان معناه التعهد بدين ساحب الشيك تجاه ذلك المستفيد المعين ويكون نظير قبول الكمبيالة من البنك في الحالة الأولى وينتج نفس الأثر شرعا. وأما إذا لم يتجه إلى مستفيد معين فهو تعهد غير محدد ولهذا لا يعتبر ملزما للبنك بتحمل المسؤولية.
    4- قبول البنك للشيك بالمعنى الذي لا يحمّل البنك أي مسؤولية وإنما يعني تأكيد البنك على وجود رصيد دائن للساحب واستعداده لخصم قيمة الشيك إذا قدم اليه من ذلك الرصيد، وهذا جائز سواء اتجه إلى مستفيد معين أو لا، وهو لا يعدو مجرد الإخبار الضمني عن مركز العميل في البنك ويمكن للبنك أن يتقاضى عمولة على قبول الشيك كما يتقاضى عمولة على قبول الكمبيالات.
    الخدمات التي يؤديها البنك لعملائه الأوراق المالية:
    الأوراق المالية هي: الأسهم والسندات. والسهم يمثل جزءا من رأس‏
    ........................................ صفحة : 124
    مال الشركة المساهمة، والسند صك يمثل جزءا من قروض الحكومة أو الهيئات الرسمية أو غير الرسمية. وتصدر الأوراق المالية بقيمة اسمية محددة وتتغير أسعارها بعد ذلك كسائر السلع ويقبل الناس على شرائها بغرض الاستثمار والربح من الفرق بين قيمة الشراء وقيمة البيع، والبنك نفسه يمارس شراء وبيع الأوراق المالية نظرا لما تدر عليه من أرباح مجزية إلى جانب سيولتها النسبية وهو ما يسمى بعمليات المحفظة الخاصة، ويأتي الحديث عنه عند التكلم عن استثمار البنك، وأما هنا فنقتصر في الحديث على الجانب الذي يمثل الخدمة المصرفية بهذا الشأن وهو توسط البنك في بيع وشراء الأوراق المالية تنفيذا لأوامر عملائه في البيع والشراء فإن العملاء الذين يرغبون في التعامل في الأوراق المالية يسلمون أوامر البيع والشراء إلى البنك وبعد أن يتأكد البنك من سلامة الأوامر وصحة التوقيعات ووجود أرصدة دائنه أو اعتمادات مدينة في حساباتهم تسمح بتنفيذ تلك الأوامر. يبدأ بالاتصال بالبورصة للوقوف على سير الأسعار وإنجاز الشراء أو البيع إذا كان السعر بالنحو المرغوب فيه للعميل عن طريق سماسرة الأوراق المالية أو ممثل خاص للبنك.
    وهذا الدور الذي يقوم به البنك في التوسط في بيع وشراء الأوراق المالية يرتبط بنفس بيع وشراء تلك الأوراق. فإذا كان بيع وشراء تلك الأوراق جائزا شرعا أمكن التوسط لإنجاز عمليات البيع والشراء وأخذ عمولة على ذلك، لأنها أجرة على عمل سائغ.
    وأما إذا لم يكن بيع وشراء تلك الأوراق مسموحا به شرعا فيعتبر التوسط في ذلك توسطا في أمر غير جائز ولا يجوز أخذ العمولة عليه.
    ........................................ صفحة : 125

    وأما الحكم على نفس عملية بيع وشراء الأوراق المالية وتقييمها من الناحية الشرعية فهذا ما سوف يأتي في استثمارات البنك إن شاء اللّه تعالى لأن البنك كما قد يتوسط في إنجاز هذه العمليات لعملائه يمارس بنفسه هذه العمليات لحسابه كما أشرنا إليه سابقا ويدخل ذلك في الاستثمار.
    حفظ الأوراق المالية:
    قد يودع العملاء لدى البنك أوراقهم المالية للمحافظة عليها والقيام بخدمتها فتهي‏ء البنوك خزائن محكمة لحفظ تلك الأوراق نظير أجر حفظ يتقاضاه البنك من مودعي تلك الأوراق وهو يستفيد إضافة إلى ذلك المزيد من ربط عملائه به وميلهم إلى إيداع أموالهم لديه.
    والحفاظ على الأوراق المالية أمر جائز ويمكن للبنك أن يتقاضى أجرة عليه. وأما القيام بخدمة تلك الأوراق فيعني التأمين على المستندات وصرف المستهلك منها واستبدال الأوراق المجدد إصدارها وكل ذلك جائز ويمكن للبنك أخذ جعالة على هذه الخدمات.
    ومن الخدمات التي يقوم بها البنك بشأن الأوراق المالية تحصيل كوبوناتها نيابة عن العملاء، وجواز هذه الخدمة وأخذ الجعالة أو الأجرة عليها مرتبط بمشروعية الربح. فان كان الربح ربحا تجاريا كربح الأسهم جاز ذلك، وإن كان ربحا ربويا كفوائد القروض التي تمثلها السندات فلا يجوز.
    ........................................ صفحة : 126
    وكما يقوم البنك بتحصيل قيمة كوبونات الأوراق المالية نيابة عن عملائه كذلك يقوم بدفع قيمة الكوبونات نيابة عن الشركات، فان بعض الشركات قد تعهد الى البنك بعملية صرف أرباحها للمساهمين وتقوم بدفع قيمة الكوبونات التي تقرر توزيعها نقدا الى البنك أو تفوضه بخصم قيمة الكوبونات من حسابها الدائن لديه.
    وقيام البنك بدفع قيمة الكوبونات نيابة عن الشركة جائز شرعا إذا كان الربح مشروعا كقيامه بتحصيل قيمة الكوبون نيابة عن العميل المودع لأوراقه المالية لدى البنك، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة على قيامه بتوزيع الأرباح نيابة عن الشركة، وذلك لأن البنك إما أن يكون مدينا للشركة برصيد دائن في حسابها الجاري لديه فتحيل الشركة أصحاب الأسهم عليه ليسدد إليهم أرباحهم. وإما أن الشركة تدفع اليه بالفعل قيمة الكوبونات وتكلفه بتوزيعها. وإما أن تطلب منه إقراضها وتوزيع الأرباح مع تقييدها في رصيدها المدين من الحساب الجاري.
    فإن كان البنك مدينا للشركة برصيد دائن فلا يجوز له أن يأخذ عمولة على مجرد دفع الأرباح إلى المساهمين إلا إذا كان قد اشترط البنك منذ البدء على دائنيه أن لا يحول عليه الا بإذنه فيأخذ عمولة لقاء إسقاط هذا الشرط ويجوز له أن يأخذ العمولة لقاء القيام بأخبارهم وطلب الحضور منهم لأنه بوصفه مدينا للشركة مكلف بالدفع وغير مكلف بالإخبار وطلب الحضور.
    وإن كان البنك يقوم بالنيابة عن الشركة في توزيع الأرباح على أساس أن الشركة تدفع اليه فعلا قيمة تلك الأرباح لكي ينوب‏
    ........................................ صفحة : 127
    عنها في التوزيع فبإمكانه أن يأخذ عمولة على تسلم المبلغ ودفعه إلى المساهمين إذا كان المفروض دفع نفس المبلغ الذي يتسلمه من الشركة. وأما إذا كان المفروض أن يدفع قيمته لا نفسه كما هي العادة فالمبلغ يعتبر قرضا من الشركة للبنك وبإمكان البنك أن لا يوافق على أن يصبح مدينا الا لقاء عمولة.
    وان كان البنك مطالبا من الشركة بإقراضها قيمة الأرباح ثم توزيعها فيمكنه أن يأخذ عمولة أيضا لأنه بعد أن يخصص مبلغا معينا للشركة كقرض، يقوم بتوزيعه على المساهمين. وواضح ان الدائن غير ملزم بأن ينفذ تعليمات مدينة في كيفية صرف المبلغ الذي اقترضه منه فإذا كلفه المدين بذلك استحق عمولة لقاء تنفيذ أوامره في طريقة الصرف.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]عملية الاكتتاب:
    قد يقوم البنك بدور الوسيط في عمليات اكتتاب الأسهم لبعض الشركات فإن الشركة المصدرة للأسهم قد تتفق مع البنك على أن يتولى نيابة عنها إصدار أسهمها ويقوم الاتفاق بين الشركة والبنك على أساس احدى الطريقتين التاليتين.
    الأولى: إصدار الأوراق بدون ضمان، وفي هذه الحالة لا يكون البنك مسؤولا عن تغطية الإصدار كاملا، وإنما يتقاضى عمولة فقط لقاء ما استطاع تصريفه من أسهم.
    الثانية: إصدار الأوراق بضمان، وفي هذه الحالة يكون‏
    ........................................ صفحة : 128
    البنك ملزما بأن يشتري لحسابه الخاص الأوراق التي لم يتم الإكتتاب فيها.
    وكل هذا جائز شرعا إذا كان تركيب الشركة صحيحا من الناحية الشرعية ويكون البنك في الحالة الأولى مجرد وكيل في تصريف الأسهم ويكون بإمكانه أخذ أجرة أو جعالة لقاء عمله الذي وكلته الشركة فيه. وفي الحالة الثانية يمكن أن يفترض كون البنك أجيرا من الشركة على ممارسة عمليات الإكتتاب مع شرط في عقد الإيجاز يفرض على البنك أن يشتري ما يتبقى من أسهم عند غلق الإكتتاب، وهو شرط جائز ونافذ وان لم يكن لدى الطرفين في البداية فكره محددة عن عدد ما يتبقى من الأسهم دون تصريف.
    خطابات الضمان (الكفالات)
    خطاب الضمان هو تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد في ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد.
    وتصنف خطابات الضمان إلى قسمين: ابتدائية، ونهائية.
    فخطابات الضمان الابتدائية هي تعهدات موجهة إلى المستفيد من هيئة حكومية أو غيرها لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب الضمان للحصول عليها ويستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه.
    ........................................ صفحة : 129
    وخطابات الضمان النهائية هي تعهدات للجهة الحكومية أو غيرها لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة أكبر من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل، ويصبح الدفع واجبا عند تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية بين العميل والجهة التي صدر خطاب الضمان لصالحها.
    وتقوم الفكرة الأساسية في خطابات الضمان على حاجة الجهة الحكومية التي تحاول إجراء المناقصة على مشروع أو المزايدة على تصريف أشياء معينة إلى ضمان جدية عرض كل شخص من المشتركين في المناقصة أو المزايدة أولا ثم ضمان عدم التورط في مضاعفات أو خسائر عند الاتفاق مع أحدهم ورسوّ العملية عليه إذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته. ولأجل ذلك تتجه الجهات التي تقوم بالمناقصة أو المزايدة إلى مطالبة المشترك- أي مشترك- أولا ومطالبة من ترسو عليه العملية ويبرم معه العقد ثانيا بتقديم تأمينات نقدية تبلغ نسبة معينة من قيمة العملية على أن تصبح هذه التأمينات من حق الجهة التي قدمت لصالحها في حال عدم اتخاذ الشخص الإجراءات اللازمة لرسو العملية عليه أو تنفيذ العقد.
    ولكن بدلا عن تكليف الشخص بتقديم هذه التأمينات وتجميد مبلغ نقدي من المال لذلك يتقدم الشخص إلى البنك طالبا خطاب ضمان فيكون هذا الخطاب بمثابة تأمين نقدي وإذا تخلف الشخص عن الوفاء بالتزاماته اضطر البنك إلى دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان ويرجع في استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان إجابة لطلبه.
    ........................................ صفحة : 130

    وسوف نتحدث الآن عن الحكم الشرعي لخطابات الضمان النهائية ثم نعقب ذلك بالحديث عن حكم الخطابات الابتدائية.
    حكم خطابات الضمان النهائية:
    في حالة صدور خطاب ضمان نهائي يكون هناك عقد قائم بين الجهة المستفيدة من خطاب الضمان والشخص الذي طلب إصدار الخطاب من البنك وهذا العقد ينص على شرط على الشخص المقاول لصالح الجهة التي تعاقد معها وهذا الشرط هو أن تتملك هذه الجهة نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف الشخص المقاول عن الوفاء بالتزاماته ويعتبر هذا الشرط سائغا وملزما ما دام واقعا في عقد صحيح كعقد الإيجاز مثلا، ويصبح للجهة المتفقة مع المقاول الحق في أن تملك نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف المقاول، وهذا الحق قابل للتوثيق والتعهد من قبل طرف آخر فكما يمكن أن يتعهد طرف آخر للدائن بوفاء المدين لدينه كذلك يمكن أن يتعهد لصاحب الحق بوفاء المشروط عليه بشرطه وعلى هذا الأساس يعتبر خطاب الضمان من البنك تعهدا بوفاء المقاول بالشرط وينتج عن هذا التعهد نفس ما ينتج عن تعهد طرف ثالث بوفاء المدين للدين فكما يرجع الدائن على هذا الثالث إذا امتنع المدين عن وفاء دينه كذلك يرجع صاحب الحق بموجب الشرط إلى البنك المتعهد إذا امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط «1» ولما كان تعهد البنك وضمانه للشرط بطلب من الشخص المقاول‏
    ........................................ صفحة : 131
    فيكون الشخص المقاول ضامنا لما يخسره البنك نتيجة لتعهده فيحق للبنك أن يطالبه بقيمة ما دفعه إلى الجهة التي وجه خطاب الضمان لفائدتها ويصبح للبنك أن يأخذ عمولة على خطاب الضمان هذا لأن التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص المقاول وبذلك يكون عملا محترما يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قبل ذلك الشخص.
    حكم خطابات الضمان الابتدائية:
    أما خطاب الضمان الابتدائي فيجوز للبنك إصداره والوفاء بموجبه ولكنه غير ملزم له لأن طالب الضمان الابتدائي لم يرتبط بعد بعقد مع الجهة التي تجري المناقصة أو المزايدة ليمكن إلزامه بشرط في ذلك العقد لكي يتاح للبنك أن يضمن وفاءه بشرطه فإذا فرضنا أن الشخص التزم للجهة التي فتحت المناقصة مثلا بان يدفع كذا مقدارا إذا لم يتخذ الإجراءات اللازمة حين ترسو العملية عليه فهو وعد ابتدائي غير ملزم وبالتالي لا يكون تعهد البنك ملزما له أيضا.
    الاعتمادات المستندية:
    الاعتماد المستندي يعتبر من أهم وسائل الدفع وأكثرها انتشارا في عمليات التجارة الخارجية وهو يعني تعهدا من قبل البنك للمستفيد وهو البائع بناء على طلب فاتح الاعتماد وهو المشتري ويقرر البنك في هذا التعهد أنه قد اعتمد تحت تصرف المستفيد (البائع) مبلغا من المال يدفع له مقابل مستندات محددة تبين شحن سلعة معينة خلال مدة معينة.
    ........................................ صفحة : 132
    ويقسم الاعتماد: إلى اعتماد استيراد، واعتماد تصدير. فاعتماد الاستيراد هو الذي يفتحه المستورد لصالح المصدر بالخارج لشراء سلعة أجنبية. واعتماد التصدير هو الذي يفتحه المشتري الأجنبي في الخارج لصالح المصدر بالداخل لشراء ما يبيعه هذا المصدر من بضائع محلية. ولا يختلف أحدهما عن الآخر فإن الاعتماد دائما هو تعهد مصرفي للبائع بالثمن يتقدم بطلبه من البنك المشتري.
    وتقسيمه إلى اعتماد استيراد وتصدير قائم على أساس اعتباري.
    ودور البنك في الاعتماد المستندي هو في الواقع دور التعهد بوفاء دين المشتري الذي يستحقه عليه البائع لقاء البضاعة التي صدرها اليه وهذا التعهد يكسب المشتري قوة ويعزز اعتباره وثقة البائع به. ويقوم البنك على أساس هذا التعهد بتسلم مستندات البضاعة من المصدر ودفع قيمة البضاعة له بمجرد تسلم تلك المستندات إذا كانت شروط الدفع التي سبق أن تم الاتفاق عليها بين المصدر والمستورد بالاطلاع. وأما إذا كان الاعتماد بالقبول فإن البنك غير مسؤول عن دفع القيمة بمجرد وصول المستندات اليه وإنما تبدأ مسؤوليته في ذلك حين قبول المستورد لتلك المستندات وقيام البنك بهذا الدور وفتح الاعتمادات المستندية والتعهد للبائعين بتسديد الثمن المستحق لهم على المشترين لدى وصول المستندات اليه أو قبول المستورد لها عمل جائز شرعا كما أن تسديده فعلا للثمن عن المشتري جائز أيضا سواء سدده من رصيد المشتري الموجود لديه أو سدده من ماله الخاص وفي هذه الحالة يصبح المشتري مدينا للبنك بقيمة البضاعة التي سددها.
    ........................................ صفحة : 133
    وأما الفوائد التي يحصل عليها البنك من فتح الاعتماد المستندي وقيامه بهذه العملية فهي على قسمين:
    أحدهما، ما يعتبر أجرا على نفس ما قام به البنك من تعهد بدين المشتري واتصال بالمصدر ومطالبته بمستندات الشحن وإيصالها إلى المشتري. ونحو ذلك من الخدمات العملية، وهذا الأجر جائز شرعا.
    والقسم الآخر، ما يعتبر فائدة على المبلغ غير المغطي من قيمة البضاعة التي دفعها البنك إلى المصدر على أساس أن هذا المبلغ غير المغطى يعتبر قرضا من البنك فيتقاضى عليه فائدة يحددها الزمن الذي يتخلل بين دفع ذلك المبلغ وتسديد المشتري للبنك قيمة البضاعة، وهذه فائدة ربوية محرمة شرعا «1» ويجب استبدالها بالسياسة العامة التي وضعناها للبنك اللاربوي في القروض.
    وهناك فوائد يحمّلها بنك البلد المصدر على بنك البلد المستورد ويحملها الأخير على المستورد نفسه، وهي فوائد على المبالغ المستحقة طيلة الفترة التي تسبق تحصيلها في الخارج من قبل البنك المراسل.
    ويمكن تخريج هذه الفوائد وتفسيرها فقهيا على أساس الشرط في عقد البيع بمعنى أن المصدر في عقده مع المستورد يشترط عليه دفع مبلغ معين من المال عن كل يوم يسبق تحصيل‏
    ........................................ صفحة : 134
    الثمن فيصبح المستورد والبنك الممثل له ملزما بدفع المبلغ المشترط وليس ذلك من الزيادة الربوية المحرمة لأن الإلزام بدفع ذلك المبلغ إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض، وما هو المحرم جعل شي‏ء في مقابل تأجيل القرض حدوثا أو بقاء لا الإلزام بدفع شي‏ء بحكم الشرط في ضمن عقد البيع.
    تخزين البضائع:
    يقوم البنك في بعض الحالات بتخزين البضائع داخل وخارج المنطقة الكمركية وقد تخصص بعض البنوك مخازن كبيرة لهذه العملية التي يمارسها البنك في حالة وصول البضاعة قبل ان يتسلم المستوردون المستندات الخاصة بتلك البضاعة لتأخرهم عن تسلمها أو امتناعهم عن ذلك فان البنك يقوم في هذه الحالة بتخزين البضاعة حرصا على مصلحة مراسليه وانتظارا لتعليماتهم لما يتخذ بشأن البضاعة من اجراء. وكذلك يقوم البنك بعملية التخزين بالنسبة إلى البضائع التي تعهد بدفع قيمتها عند تسلم مستندات الشحن الخاصة بها إذا وصلت تلك البضائع ولكن البنك يقوم بتخزين البضاعة في هذه الحالة على حساب المستورد لا المراسل الذي انقطعت صلته بالموضوع بتسليم المستندات وتسلم القيمة.
    وتخزين البنك البضاعة لصالح المراسل في الحالة الأولى جائز شرعا وله ان يأخذ عليه عمولة إذا كان البنك يمارس على أساس طلب صريح أو ضمني من المراسل، كما ان تخزين البنك البضاعة لصالح المستورد في الحالة الثانية جائز ويمكن للبنك أخذ عمولة عليه‏
    ........................................ صفحة : 135

    من المستورد إذا كان التخزين بطلب منه أو كان قد شرط عليه ولو بصورة ضمنية عند فتح الاعتماد ان يتولى البنك تخزين البضاعة عند وصولها ويرجع عليه بالأجرة.
    عمليات الصرف الخارجية (الكامبيو):
    كما تتولد ديون وطلبات لفرد على آخر في داخل دولة معينة كذلك تنشأ هذه الديون والطلبات بين إفراد من دولتين لكل منهما عملتها الخاصة وتكون هذه الديون في الغالب نتيجة بيع أو شراء بضاعة، فالمستورد من هذه الدولة يكون مدينا بقيمتها والمصدر من تلك الدولة يكون دائنا بقيمتها وفي عالم لا تسوده البنوك والمصارف يلجأ المدين هنا الى الوفاء بنفس الطريقة التي يسدد بها دين اي شخص آخر فان كانت قيمة البضاعة قد حدد دفعها بعملة بلد المدين كان بإمكان المدين ان يسدد دينه بإرسال ما يساوي قيمة البضاعة من عملة بلده، وان كانت القيمة قد حددت بعملة بلد الدائن فيتوجب على المدين ان يشتري من أسواق الصرف شيئا من عملة ذلك البلد بالمقدار الكافي لتسديد الدين ثم يرسله إلى دائنه. وبذلك كان تجار الصرف وسماسرته هم الذين يوجهون عملية الصرف ويسيطرون على أثمانه، ولكن البنوك استطاعت ان تقلل إلى درجة كبيرة من أهمية التأديات النقدية وشجعت أصولا اخرى للتأدية عن طريق الحوالات المصرفية والشيكات المصرفية ونحوها. وبسبب اتساع الجهاز المصرفي وضخامة امكاناته استطاعت البنوك ان تحل محل تجار الصرف وسماسرته وتسيطر
    ........................................ صفحة : 136
    على عمليات الصرف وهكذا أصبحت البنوك تدير عمليات الصرف الخارجي بما تصدره من حوالات وشيكات وما تقوم ببيعه وشرائه من العمولات المختلفة.
    ونحن الآن في دراستنا لعمليات الصرف الخارجي التي يمارسها البنك وينوع خلالها وسائل التأدية نفرض ان النقود التي يجري عليها الصرف ويتوسط البنك في تأديتها من النقود الورقية الإلزامية حتى إذا فرغنا من معرفة الحكم الشرعي لعمليات صرفها وتأديتها أخذنا في أقسام النقود لنبين حكمها.
    التطوير المصرفي لتأدية الديون والطلبات:
    إن تأدية الديون والطلبات على أساس التطوير المصرفي لها أصبح بالإمكان أن تتم دون نقل اي نقد من مكان الى مكان وذلك عن طريق الأوراق التجارية التي يصدرها البنك فالمستورد العراقي إذا أصبح مدينا بألف روبية لمصدر هندي لقاء بضاعة معينة يمكنه ان يسدد دينه عن طريق ورقة تجارية كالشك مثلا بان يستحصل من بنك في العراق شيكا مسحوبا على بنك في الهند بقيمة الدين بالروبيات، كما يمكنه ان يجد شخصا عراقيا آخر دائنا لمستورد هندي بألف روبية وقد حصل على شيك مسحوب من المستورد الهندي على بنك في الهند بقيمة الدين فيشتري المدين العراقي من الدائن العراقي هذا الشيك ويرسله إلى دائنه الهندي تسديدا لدينه.
    ........................................ صفحة : 137
    وفي كلتا الحالتين لا يوجد نقل مادي للنقد من مكان الى مكان.
    والتسديد في الحالة الأولى يمكن تفسيره على أساس حوالتين:
    إحداهما، حوالة المستورد العراقي دائنه الهندي على بنك عراقي مدين للمستورد فيصبح الهندي مالكا قيمة البضاعة في ذمة ذلك البنك.
    والأخرى، حوالة البنك العراقي دائنه الهندي على بنك هندي له حساب جار لديه. وكلتا الحوالتين صحيحة.
    واما التسديد في الحالة الثانية فيتكون من شراء وحوالة.
    فالمستورد العراقي يشتري من المصدر العراقي الدين الذي يملكه في ذمة المستورد الهندي وبذلك يصبح مالكا لقيمة الدين في ذمة المستورد الهندي وبعد ذلك يحول المستورد العراقي دائنه- أي المصدر الهندي- على المستورد الهندي فيتقاضى منه قيمة دينه وكل من الشراء والحوالة صحيح وجائز شرعا.
    وهكذا نعرف ان التطوير المصرفي لتأدية الديون والطلبات الخارجية يمكن ان ينسجم مع الحكم الشرعي.
    والآن نأخذ عمليات البنك التي يمارسها بهذا الشأن لنبحث كل واحدة منها.
    ونحن الآن في دراستنا لعمليات الصرف الخارجي التي يمارسها البنك ويكثر خلالها وسائل التأدية نفرض أن النقود التي يجري عليها الصرف ويتوسط البنك في تأديتها من النقود الورقية لإلزامية حتى إذا فرغنا من معرفة الحكم الشرعي لعمليات صرفها وتأديتها أخذنا باقي أقسام النقود لنبين حكمها.
    ........................................ صفحة : 138
    بيع وشراء العملات الأجنبية
    تهتم البنوك بصورة خاصة بعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية لغرض توفير قدر كاف منها لمواجهة حاجات العملاء يوما بعد يوم ولأجل الحصول على ربح فيما إذا كانت أسعار الشراء أقل من أسعار البيع وحتى إذا تساوت أسعار البيع مع أسعار الشراء فإن هذا يوفر للبنك فرصة الشراء بدون خصم على أقل تقدير.
    ولهذا تقوم البنوك بشراء وبيع العملات الأجنبية التي يحملها السياح الأجانب أو السياح العائدون من الخارج، وإذا أريد شراء العملة الأجنبية بالعملة المحلية حولت قيمة الكمية المطلوب شراؤها الى العملة المحلية بالسعر الرسمي السائد في ذلك التأريخ.
    وعمليات البيع والشراء هذه جائزة شرعا سواء كانت حاضرة أو لأجل، فإن البنوك كما تمارس البيع والشراء الحاضر كذلك تمارس العقود الآجلة إذ قد تقوم بالتعاقد مع جهة أخرى على شراء وبيع النقد الأجنبي لأجل وهذا يتفق حين يستورد عميل البنك بضاعة أجنبية بسعر مؤجل إلى شهر ومحدد بعملة البلد المصدر ويخشى ان تختلف أسعار الصرف لغير صالحه فبينما يساوي ذلك المقدار المحدد من عملة البلد المصدر الآن الف دينار قد يساوي في موعد التسليم أكثر من الف دينار وفي مثل هذه الحالة يعمد العميل الى البنك الذي يتعامل معه طالبا منه التعاقد نيابة عنه مع البنك المركزي على شراء آجل لعملة البلد المصدر بالكمية التي وقع الاتفاق عليها بين المصدر والمستورد لقاء الف دينار لكي‏
    ........................................ صفحة : 139
    يضمن المستورد بذلك عدم اضطراره الى دفع ما يزيد على الف دينار مهما اختلفت أسعار الصرف بعد ذلك.
    وهذا جائز أيضا من الناحية الشرعية ما لم يكن الثمن الذي اشترى به البنك العملة الأجنبية الآجلة مؤجلا أيضا في نفس عقد الشراء واما إذا كان كذلك فيصبح من بيع الدين بالدين وهو باطل شرعا. وإذا أريد تأجيل الثمن فيمكن الاتفاق على ذلك خارج نطاق عقد الشراء.
    الحوالات المصرفية الصادرة:
    كما يمكن للعميل ان يحيل دائنه على البنك بسحب شيك.
    لمصلحة الدائن على ذلك البنك أو بإصدار أمر الى البنك بتحويل مبلغ من النقود الى المكان الذي يوجد فيه الدائن ولمصلحته كذلك يمكن للبنك نفسه ان يقوم بعملية التحويل.
    ويعتبر التحويل المصرفي من أسلم وسائل الأداء، فحينما يكون التاجر المستورد مدينا لمصدر أجنبي مثلا يلجأ إلى البنك ليجري البنك تحويلا لصالح المصدر على مراسلة أو فرعه في البلد الذي يسكن الدائن فيه ولكي يتاح للبنك اجراء تحويل من هذا القبيل يفتح عادة حساباته لدى الفروع أو المراسلين ويخصم قيمة الحوالة من ذلك الحساب.
    ويدفع العميل الطالب للتحويل- اي المدين- قيمة الحوالة بعملة بلده نقدا أو بالخصم من رصيده ويتقاضى البنك عمولة على التحويل.
    ........................................ صفحة : 140

    وهذا التحويل المصرفي جائز شرعا ويمكن تكييفه فقهيا بأحد الأوجه الأربعة التي تقدمت لتكييف الحوالات الداخلية مع أخذ عامل واحد للفرق بين الحوالة الداخلية وهذا التحويل الخارجي بعين الاعتبار وهو ان القيمة التي يملكها الآمر بالتحويل في الحوالات الداخلية على ذمة البنك وقيمة الدين الذي يريد تسديده لدائنه عن طريق هذا التحويل كلتاهما بالعملة الداخلية، واما هنا فالعميل الطالب للتحويل المصرفي الخارجي له رصيد دائن في البنك يمثل على الأغلب دينا له على البنك بالعملة الداخلية واما الدين الذي يريد العميل تسديده للمصدر الأجنبي فهو بالعملة الأجنبية.
    وعلى هذا الأساس إذا فسرنا التحويل بأنه محاولة لتسديد البنك الدين الذي لعميله عليه عن طريق وفاء دين العميل فهو من الوفاء بغير الجنس ويجوز شرعا مع رضا الدائن. وإذا فسرنا التحويل بأنه حوالة من العميل لدائنه على البنك فهي هنا حوالة على بري‏ء لأن البنك غير مدين بعملة أجنبية للعميل بينما هي هناك (في الحوالات الداخلية) تكون حوالة على مدين.
    ويمكن ان تصبح الحوالة هنا حوالة على مدين أيضا إذا سبقها عقد بيع وشراء اشترى العميل الطالب للتحويل بموجبه عملة أجنبية في ذمة البنك بما يعادل قيمتها من العملة الداخلية التي يملكها العميل في ذمة البنك ويتمثل فيها رصيده الدائن فإن هذا الشراء يجعل البنك مدينا حينئذ للعميل الطالب للتحويل بعملة أجنبية ويكون تحويل المصدر الأجنبي عليه من الحوالة على مدين.
    ........................................ صفحة : 141
    كما ان بالإمكان أن نفسر عملية التحويل المصرفي الخارجي بأن البنك في هذه العملية يبيع للعميل- في حدود قيمة التحويل- ما يملكه من عملة أجنبية في ذمة البنك المراسل في الخارج لقاء ما يعادل قيمتها من العملة الأهلية التي يملكها العميل في ذمته فيصبح العميل بذلك دائنا للبنك المراسل- بحكم عقد البيع المتقدم- بقيمة التحويل بالعملة الأجنبية فيحول عليه دائنه المصدر فيكون التحويل المصرفي الخارجي مزدوجا من عمليتين إحداهما بيع الدين والأخرى حوالة الدين.
    وكل ذلك جائز وصحيح شرعا.
    كما ان العمولة جائزة شرعا، ويمكن تخريجها على أساس ما تقدم من مبررات للعمولة في الحوالات الداخلية، ونضيف الى ذلك هنا ان التحويل إذا فهمناه على انه بيع الدين ثم حوالة الدين فبإمكان البنك ان يضيف العمولة الى الثمن الذي يبيع به العملة الأجنبية على عميله.
    الحوالات المصرفية الواردة:
    وهي نفس الحوالات المصرفية الصادرة منظورا إليها من زاوية الفرع أو المراسل الذي سحب بنك المستورد التحويل عليه بناء على طلب عميله.
    وهذه الحوالات المصرفية حين ترد الى الفرع أو المراسل المحول عليه يدفع قيمة التحويل نقدا الى المستفيد، أو يقيدها في حسابه الجاري أو يحولها لحسابه في بنك آخر حسب طلب المستفيد. وكل‏
    ........................................ صفحة : 142
    ذلك جائز ما دام بالإمكان تخريج الحوالة المصرفية على أساس الحوالة الفقهية التي يصبح المصدّر بموجبها دائنا للبنك المراسل الذي ترده الحوالة بمجرد قبوله- اي المصدر- لها، فيكون بإمكانه أن يتخذ تجاه دينه الذي يملكه على البنك المراسل ايّ قرار بحلوله.
    وأما إذا كانت الحوالة المصرفية مجرد أمر بالدفع فلا يصبح المصدّر بذلك مالكا لقيمة التحويل في ذمة البنك المراسل الذي ترده الحوالة ما لم يتسلم المبلغ أو يقبضه شخص آخر أو جهة أخرى- وحتى البنك نفسه- نيابة عنه فلا يمكن للمصدر بدون تسلم للمبلغ أن يأمر بقيده في الحساب الجاري أو تحويله الى حسابه في بنك آخر.
    الشيكات المصرفية:
    كما قد يسحب العميل صاحب الحساب الجاري عند البنك شيكا عليه كذلك قد يسحب البنك نفسه شيكا على مراسلة في بلد آخر لمصلحة عميله فيتقدم العميل الى البنك المسحوب عليه الشيك لصرف قيمته وتخصم قيمة الشيك من حساب البنك الساحب لدى البنك المحسوب عليه. والعميل المستفيد من الشيك المصرفي إما ان يكون له رصيد دائن بالعملة الداخلية، واما ان يكون الشيك المصرفي تسهيلا مصرفيا له دون غطاء. ففي الحالة الأولى يمكن تكييف الشيك المصرفي فقهيا بأحد الأوجه التالية.
    فهو اما تفويض من البنك المدين الساحب للشيك لعميله الدائن لمستفيد من الشيك بأن يتسلم قيمة الشيك من البنك‏
    ........................................ صفحة : 143
    المراسل كوفاء لما يملكه في ذمة البنك الساحب ويعتبر من الوفاء بغير الجنس لأنه وفاء بعملة اخرى وهو جائز برضا الدائن.
    وإما حوالة من البنك الساحب لدائنه المستفيد على البنك المراسل وتكون هذه الحوالة مسبوقة ضمنا بعقد بيع يحول فيه المستفيد والبنك دينهما من العملة الأهلية الى العملة الأجنبية لكي يتاح للبنك ان يحيل المستفيد على البنك المراسل المدين له بالعملة الأجنبية.
    وإما ان الشيك يقوم على أساس بيع الدين بمعنى ان البنك يبيع في حدود قيمة الشيك العملة الأجنبية التي يملكها في ذمة البنك المراسل بما يساوي قيمتها من العملة الداخلية التي يملكها المستفيد في ذمته.
    وفي الحالة الثانية، يعتبر الشيك أمرا من البنك الساحب للبنك المسحوب عليه بإقراض العميل المستفيد قيمة الشيك مع ضمان البنك الساحب للقرض، أو أمرا له بدفع قرض للمستفيد من رصيده الدائن لدى البنك المسحوب عليه أو قائماً على أساس عقد بيع يبيع بموجبه البنك الساحب- في حدود قيمة الشيك- ما يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه من عملة أجنبية بسعر في ذمة المستفيد مقدر بالعملة الداخلية «1»
    ........................................ صفحة : 144
    وكل ذلك جائز شرعا. وأخذ العمولة جائز شرعا لإمكان تخريجه في كلتا الحالتين بشكل من الأشكال.
    خطابات الاعتماد الشخصية:
    خطابات الاعتماد الشخصية هي خطابات يفوض فيها البنك عميله الذي أصدر الخطاب لصالحه بالسحب على حسابه لدى مراسليه الذين يحددهم على ظهر تلك الخطابات، وتطالب البنوك في الغالب بكامل قيمة خطابات الاعتماد الشخصية من العملاء عند استصدارها وتتقاضى عمولة خاصة على الخطاب.
    وهذا الخطاب يعتبر من الناحية الفقهية بالنسبة للمستفيد الذي كان له رصيد دائن في ذلك البنك أو أوجد له رصيدا كذلك عند طلب الحصول على خطاب الاعتماد لتغطية الطلب.
    ان هذا الخطاب بالنسبة إليه يعتبر إما توكيلا لذلك المستفيد الدائن في استيفاء دينه من حساب البنك لدى البنوك المراسلة في الخارج ويعتبر هذا الاستيفاء من الاستيفاء بغير الجنس، وهو جائز شرعا مع رضا الدائن.
    وإما تفويضا له بنقل دينه على البنك متى شاء من العملة الداخلية إلى العملة الأجنبية التي تمثل نفس القيمة. وبقبول التحويل بتلك العملة الأجنبية على أي بنك من البنوك التي يحددها خطاب الاعتماد.
    وقد يرغب طالب الحصول على خطاب الاعتماد بأن يكون خطاب الاعتماد بعملة أجنبية خاصة كالإسترليني مثلا يحدد سعر
    ........................................ صفحة : 145

    صرفها مع العملة الداخلية حين استصدار خطاب الاعتماد ليتفادى العميل المستفيد من الخطاب خطر الارتفاع في قيمة الإسترليني بالنسبة للعملة الداخلية، ويمكن تفسير ذلك حينئذ بأنه يحتوي على وقوع عقد بيع بالفعل باع البنك بموجبه- في حدود قيمة الخطاب- مقدارا محددا من الإسترليني بما يساوي قيمته فعلا من العملة الداخلية وفوض العميل المستفيد من خطاب الاعتماد بقبول الحوالة بذلك المقدار من الإسترليني على أي بنك من البنوك المحددة في نفس الخطاب.
    ويمكن للبنك أن يتقاضى عمولة على إصدار خطابات الاعتماد الشخصية وذلك بأحد الأوجه الآتية:
    أولا- إذا كان البنك مدينا للعميل الطالب للحصول على الخطاب- أي أن الخطاب كان مغطى- فهو يأخذ العمولة اتجاه قبوله بالوفاء في مكان آخر.
    ثانيا- إذا كان خطاب الاعتماد غير مغطى وكان البنك متجها إلى إقراض قيمة الخطاب لطالب الحصول عليه كتسهيلات مصرفية فهو قرض يتم في الخارج لأن القرض يتم بالقبض ويصبح المستفيد بقبض المبلغ في الخارج مدينا للبنك ويمكن للبنك إلزام المدين في عقد القرض بأن يقوم بالوفاء في نفس المكان الذي تسلم فيه المبلغ المقترض.
    ونظرا إلى أن المستفيد لا يلائمه ذلك بل هو يريد الوفاء في بلده لا في بلد تسلم القرض فيجوز للبنك أن يطالب المستفيد بمال‏
    ........................................ صفحة : 146
    لقاء عدم إلزامه بالوفاء في نفس مكان قبض المبلغ المقترض. ومن ناحية أخرى فإن المستفيد يعتزم تسديد الدين بغير جنسه لأنه سوف يقبض عملة أجنبية ويسدد دينه للبنك بعد ذلك بعملة داخلية. ويمكن للبنك أن لا يقر هذا النوع من الوفاء الا لقاء مبلغ معين من المال.
    ثالثا- إذا فسرنا خطاب الاعتماد بأنه تفويض للمستفيد بأن يشتري (في حدود قيمة الخطاب) عملة أجنبية من رصيد البنك المصدر للخطاب في البنوك الأخرى بعملة داخلية فبإمكان البنك أن يأخذ عمولة كجعالة على هذا التفويض. «1» وعلى أيّ حال فالتكييفات الفقهية للعمولة كثيرة ونتيجتها واحدة وهي جواز العمولة شرعا.
    اختلاف أقسام النقود في أحكام الصرف:
    حتى الآن كنا ندرس أحكام الصرف الخارجي ووسائل التأدية المصرفية وعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية مع افتراض أن النقود نقود ورقية ذات سعر إلزامي، لأن أحكام الصرف في الفقه الإسلامي تختلف من نوع من النقود إلى نوع آخر. وبقي علينا أن ندرس عمليات الصرف إذا كانت النقود من شكل آخر. وبقي علينا أن ندرس عمليات الصرف إذا كانت النقود من شكل آخر وذلك بأن نفرض:
    أولا: النقود المعدنية الذهبية أو الفضية.
    ........................................ صفحة : 147
    ثانيا: النقود الورقية النائبة التي تمثل جزءا من رصيد ذهبي موجود فعلا في خزائن الجهة التي تصدر تلك الأوراق النائبة.
    ثالثا: النقود الورقية التي تمثل تعهدا من الجهة المصدرة لتلك الأوراق بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب.
    رابعا: النقود الورقية السابقة بعد صدور قانون بإعفائها من صرف قيمة الورقة ذهبا عند الطلب.
    القسم الأول: النقود الذهبية والفضية
    أما القسم الأول فيجب أن نعرف أنه داخل في نطاق التعامل بالذهب والفضة شرعا. والتعامل بالذهب والفضة شرعا يتوقف على شرطين لدى مشهور الفقهاء.
    الأول: المساواة في الكمية بين الثمن والمثمن عند مبادلة الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فإذا زاد أحدهما على الآخر كان ربا، وهو محرم بالضرورة. وأما إذا كان الثمن والمثمن مختلفين أي كان أحدهما ذهبا والآخر فضة فلا مانع من زيادة أحدهما على الآخر.
    الثاني: أن تنهى المعاملة بكل مراحلها فعلا، أي أن يتم التسليم والتسلم بين بائع النقد بالنقد والمشتري في مجلس العقد، فإذا افترقا دون أن يقبض كل منها النقد الذي اشتراه اعتبر البيع باطلا. وهذا الشرط يعتبره مشهور الفقهاء لازما في بيع الذهب أو الفضة بمثلها أو بالنوع الآخر. ولكنه في رأيي إنما يلزم في بيع‏
    ........................................ صفحة : 148
    الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب، وأما في حالات بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فلا يلزم التقابض في مجلس العقد ويصح البيع بدونه «1».
    وفي هذا الضوء يكون التعامل بالذهب أو الفضة مرتبطا بشرط واحد لأن الثمن والمثمن إذا كانا معا من الذهب أو الفضة فالشرط هو المساواة بينهما ولا يجب التقابض فورا. وإذا كان الثمن من ذهب أو فضة والمثمن من النوع الآخر فالشرط هو التقابض فورا ولا تجب المساواة في الكمية بين الثمن والمثمن. وعلى هذا الأساس يجب أن يخضع النقد في حالة كونه ذهبيا أو فضيا لهذا الشرط.
    ........................................ صفحة : 149
    القسم الثاني: الأوراق النائبة عن الذهب‏
    وإذا كانت النقود أوراقا نائبة عن الذهب فالشرط الوحيد المعتبر فيها هو أن لا تزيد ولا تنقص كمية الذهب التي تمثلها الورقة المباعة عن كمية الذهب التي تمثلها الورقة المشتراة، ولا يعتبر التقابض فورا في التعامل بهذه الأوراق لأنها جميعا تمثل الذهب فالتعامل بها من بيع الذهب بالذهب لا من بيع الذهب بالفضة، وتنفيذ اشتراط المساواة بين الكميتين المتبادلتين من الذهب في التعامل بالأوراق النائبة يعني أنه لا يجوز مواكبه أسعار الصرف لهذه الأوراق التي تتغير صعودا وهبوطا نتيجة لعوامل عديدة وتتولد عن ذلك صعوبات كثيرة لا مجال للتوسع الآن في شرحها وتذليلها ولا أهمية لذلك لأن النقود الذهبية والفضية المعدنية أو الأوراق النائبة عنها غير موجودة فعلا على مسرح النقد العالمي.
    القسم الثالث: النقود الورقية المتعهدة
    وأما النقود الورقية التي تمثل تعهدا من الجهة المصدرة بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب فيمكن تفسيرها على أساسين مختلفين.
    الأول: أن يكون تعهد الجهة المصدرة لتلك الأوراق بدفع قيمتها ذهبا عند الطلب مجرد التزام مستقل من تلك الجهة يكسب الورقة قيمة مالية في المجتمع لثقة أفراده بتلك الجهة وبوفائها بتعهدها.
    الثاني: أن يكون تعهد الجهة المصدرة لتلك الأوراق بدفع قيمتها ذهبا معناه اشتغال ذمة تلك الجهة بقيمة الورقة من الذهب. وليست الورقة على هذا الضوء الا سندا ووثيقة على ذلك الدين ولا توجد لها قيمة أصلية.
    ........................................ صفحة : 150

    والفرق بين هذين التصورين كبير: فإنه على التصور الأول حينما تصدر الجهة المصدرة للنقد أوراقا نقدية وتتعهد بقيمتها ذهبا وتدفعها كأثمان لسلع أو خدمات فهي في الواقع قد أعطت بذلك سندا على قيمة تلك السلع أو الخدمات ذهبا في ذمتها، وبذلك تصبح مدينة بقيمة الورقة ذهبا لبائع السلعة أو الخدمة، وإذا اشترى هذا البالغ بتلك الورقة شيئا فهو لا يشتري في الواقع بهذه الورقة بل بالدين الذي يملكه في ذمة الجهة المصدرة لها وليست الورقة إلّا سندا على ذلك الدين، وهذا يعني أن النقود الورقية التي تصدرها البنوك من هذا القبيل لا تختلف عن السندات العادية في تكييفها القانوني.
    وأما على التصور الثاني فالأمر يختلف، لأن الجهة المصدرة حينما تدفع تلك الأوراق لتسديد أثمان السلع والخدمات فهي تسدد تلك الأثمان بهذه الأوراق حقيقة وحين يشتري بائع السلعة بتلك الورقة شيئا فهو يشتري بالورقة لا بدين يملكه في ذمة الجهة المصدرة، غير أن الذي أكسب الورقة قيمتها المالية ثقة أفراد المجتمع بتعهد البنك المصدر بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب.
    ويختلف الحكم الشرعي لهذه الأوراق تبعا لتكييفها وفقا لهذا التصور أو لذاك. فإذا أخذنا بالتصور الأول كان معنى التعامل بتلك الأوراق هو التعامل بقيمتها ذهبا في ذمة الجهة المصدرة لتلك الأوراق أي التعامل في الذهب فيجب عندئذ أن يتساوى العوضان في عقد البيع فلا يمكن شراء كمية من أوراق البنكنوت التي‏
    ........................................ صفحة : 151
    تمثل كمية من الذهب في ذمة الجهة المصدرة لها بأوراق نقدية أخرى تمثل كمية أكبر أو أقل، وهذا يعني أنه لا يجوز مواكبه أسعار الصرف لهذه الأوراق التي تتغير صعودا وهبوطا نتيجة لعوامل عديدة.
    وأما إذا أخذنا بالتصور الثاني فهو يعني أن التعامل بتلك الأوراق ليس تعاملا بالذهب فلا تجري عليه أحكام التعامل بالذهب ويصبح بالإمكان أن يطبق عليها في عمليات الصرف نفس ما يطبق على الأوراق النقدية الإلزامية.
    ومما يؤيد تكييف هذه الأوراق المدعمة بالتعهد بصرف قيمتها ذهبا على الأساس الثاني لا الأول ان الأساس الأول يفترض كونها سندا على الدين، ومن الواضح أن استهلاك السند أو سقوطه عن الاعتبار لا يعني تلاشي الدين ونحن نرى ان اي شخص تتلاشى لديه الورقة النقدية أو تسقط الحكومة اعتبارها ولا يسارع الى استبدالها بالنقود الجديدة لا تعتبر الجهة المصدرة نفسها مسؤولة امامه عن دفع قيمة الورقة المتلاشية أو التي سقط اعتبارها وتماهل في استبدالها. فكأن هناك تعهدا بدفع القيمة ذهبا لمن يملك الورقة لا ان الورقة تعطى لمن يملك قيمتها ذهبا في ذمة الجهة المصدرة.
    ولهذا يميزها القانون عن سائر الأوراق التجارية من شيكات وكمبيالات حيث يمنحها صفة النقد والإلزام بالوفاء بها دون الأوراق الأخرى التي لا تخرج عن كونها مجرد سندات.
    القسم الرابع: الأوراق‏
    وأما ما أعفي بقانون خاص من صرف قيمته ذهبا فتقديره‏
    ........................................ صفحة : 152
    مرتبط بالموقف المتخذ من القسم السابق، فإذا أخذنا في القسم السابق بالأساس الثاني واعتبرنا حكم الأوراق النقدية المدعمة بالتعهد حكم الأوراق النقدية الإلزامية فالقسم الرابع يتفق معه في الحكم أيضا ويصبح حكمها جميعا هو حكم الأوراق الإلزامية فلا يجب فيها ان تطبق شروط التعامل بالذهب من التساوي بين الثمن والمثمن في عمليات الصرف.
    وأما إذا أخذنا في القسم السابق الأساس الأول واعتبرنا التعامل بالأوراق المدعمة بالتعهد داخلا في نطاق التعامل بالذهب فنحتاج لمعرفة حكم القسم الرابع الى تفسير قانون الإعفاء وتكييفه من الناحية الفقهية. فإن كان قانون الإعفاء وتكييفه من الناحية الفقهية. فإن كان قانون الإعفاء يعني إلغاء الديون التي كانت الأوراق النقدية سندات عليها وتحويلها الى أوراق نقدية إلزامية فهذا يؤدي الى خروج التعامل بها عن نطاق التعامل بالذهب وتصبح خاضعة لنفس أحكام الأوراق النقدية الإلزامية. وأما إذا كان قانون الإعفاء يعني السماح للجهة المصدرة بعدم وفاء الدين الذي تمثله الورقة النقدية في نطاق التعامل الداخلي حرصا على الذهب وتوجيها له الى التعامل مع الخارج مع الاعتراف قانونيا ببقاء الديون التي تمثلها تلك الأوراق فلا تخرج بذلك عن حكمها قبل الإعفاء.
    ........................................ صفحة : 153
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]القسم الثاني من وظائف البنك‏

    تقديم القروض والتسهيلات:
    تقوم البنوك الى جانب خدماتها السابقة بتسهيلات مصرفية وتقديم قروض.
    وبالرغم من أن التسهيل المصرفي قد يتلاحم مع خدمة مصرفية أو يندمج بها غير اننا نتناول الآن التسهيلات المصرفية مجزّأة عن الخدمات المصرفية التي قد تندمج بها لندرسها بصورة مستقلة.
    فالاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وخطابات الاعتماد الشخصية مثلا هي خدمات مصرفية، كما تقدم، ولكنها إذا كانت غير مغطاة غطاء كاملا اعتبرت تسهيلات في نفس الوقت بالمقدار المكشوف من غطائها وهي بقدر ما تعتبر تسهيلات تندرج في نطاق القروض التي تقدمها البنوك الى عملائها أو يترقب بها ان تندرج في ذلك النطاق.
    ومصطلح التسهيل المصرفي أعم من مصطلح القروض في لغة البنوك لأن التسهيلات المصرفية تشمل ما كان من قبيل الكفالات والضمانات التي قد تنتهي إلى قرض بالفعل وقد لا تنتهي إلى شي‏ء من ذلك.
    والضمانات والكفالات تارة ندرسها بوصفها تعزيزات لموقف المضمون بقطع النظر عما إذا أدّت إلى إقراضه مالا أولا.
    وأخرى ندرسها بما ينجم عن عملية التسهيل من قرض حين يضطر
    ........................................ صفحة : 154
    المصرف الى تسديد مبالغ معينة عوضا عن العميل المضمون. وهي بالوصف الأول لا تخرج عن كونها خدمة مصرفية في رأينا وقد تكلمنا عنها وعن عمولتها بهذا الاعتبار في القسم الأول. وأما حين نلاحظها بالوصف الثاني فحكمها حكم سائر القروض ولا فرق بين القروض الابتدائية والتسهيلات التي تتحول الى قروض.
    ونتكلم عن الجميع في ما يلي:
    تقسم القروض المصرفية عادة الى تسليفات طويلة الأجل ومتوسطة الأجل وقصيرة الأجل وتتخذ عمليات التسليف هذه تارة صورة قرض عادي يتقدم العميل بطلبه من البنك ويتسلم بموجبه مقدارا محددا من النقود، وتتخذ أخرى صورة فتح الاعتماد ويقصد به وضع البنك تحت تصرف عميله مبلغا معينا من النقود لمدة محدودة بحيث يكون لهذا العميل الحق في ان يسحب منه من حين الى آخر، وفتح الاعتماد في الواقع هو وعد بقروض متعاقبة. وفي كل ذلك تتقاضى البنوك الربوية فوائد على هذه القروض وتعتبر هذه الفوائد فوائد ربوية محرمة، ويجب على البنك اللاربوي تطويرها وانتهاج السياسة العامة التي وضعناها في أطروحة البنك اللاربوي للقروض وهي تتمثل:
    أولا: في تحويل ما يمكن من القروض والتسليفات الى مضاربات يتوسط فيها البنك بين العامل وصاحب المال اي بين المستثمر والمودع.
    وثانيا: ان يقرض حيث لا يمكن تحويل الطلب إلى مضاربة في حدود خاصة شرحناها في الأطروحة سابقا.
    ........................................ صفحة : 155

    وثالثا: ان يشترط في القرض على المدين دفع اجرة المثل لقاء كتابة الدين وضبطه وما يتوقف عليه ذلك من تكاليف ويلغى الزائد على ذلك من عناصر الفائدة فلا يطالب بها كفائدة على القرض.
    ورابعا: ان يشترط دفع مقدار الفائدة عند الوفاء (مطروحا منه ما قبضه بموجب الشرط السابق) كقرض مؤجل إلى عد سنين.
    وخامسا: إذا تنازل المقترض عن هذا المقدار ودفعه كحبوة للبنك لا كقرض اعتبره البنك زبونا من الدرجة الأولى وقدم طلبه للقرض في المرة التالية على غيره ممن لم يتنازل عن ذلك المبلغ ودفعه قرضا لا حبوة.
    خصم الأوراق التجارية:
    وخصم الأوراق التجارية هو شكل من أشكال التسليف المصرفي إذ يتقدم المستفيد بالورقة التجارية ذات الأجل المحدود قبل حلول موعد وفائها الى بنك معين ليحصل على قيمتها فيدفع له البنك قيمتها بعد استنزال مبلغ معين يتكون من فائدة المبلغ المذكور في الورقة التجارية من يوم الدفع حتى يوم الاستحقاق ومن عمولة خاصة يتقاضاها البنك نظير الخدمة التي يؤديها، ومن مصاريف التحصيل التي يتقاضاها البنك إذا كانت الورقة التجارية تدفع في مكان غير المكان الموجود به.
    ........................................ صفحة : 156
    وحين حلول موعد الوفاء يطالب البنك محرر الورقة بقيمتها وتكون القيمة المستحصلة من حق البنك، وفي حالة تخلف المدين عن دفع قيمة الورقة المستحقة عليه يعتبر المجير الأخير الذي خصم له البنك الورقة هو المسؤول امام البنك عن دفع المبلغ. وإذا اتفق تأخر الدفع بعد حلول الموعد فان البنك يحتسب فائدة على مدة التأخير وفقا للسعر العام للفائدة على القرض، ويتقاضى هذه الفائدة من المدين المحرر للكمبيالة.
    وواضح ان عملية خصم الورقة التجارية هي في الواقع تقديم قرض من البنك الى المستفيد لتلك الكمبيالة مثلا مع تحويل المستفيد البنك الدائن على محرر الكمبيالة. وهذا التحويل من الحوالة على مدين. وهناك عنصر ثالث الى جانب القرض والتحويل وهو تعهد المستفيد الذي خصم الورقة لدى البنك بوفاء محرر الورقة عند حلول أجلها فبحكم القرض يصبح المستفيد مالكا للمبلغ الذي خصم البنك به الكمبيالة وبحكم الحوالة يصبح البنك دائنا لمحرر تلك الكمبيالة وبحكم تعهد المستفيد بالوفاء يحق للبنك ان يطالبه بتسديد قيمة الكمبيالة إذا تخلف محررها عن ذلك عند حلول موعدها وبحكم كون المحرر مدينا للبنك نتيجة للتحويل يتقاضى البنك منه فوائد على تأخير الدفع عن موعده المحدد.
    وعلى هذا الأساس يصبح ما يقتطعه البنك الخاصم للكمبيالة من قيمة الكمبيالة لقاء الأجل الباقي لموعد حلول الدفع ممثلا للفائدة التي يتقاضاها على تقديم القرض الى المستفيد الطالب للخصم، وهو محرم لأنه ربا، واما ما يقتطعه كعمولة لقاء الخدمة أو
    ........................................ صفحة : 157
    لقاء تحصيل المبلغ إذا كان يدفع في مكان آخر فهو جائز لأن العمولة لقاء الخدمة هي أجرة كتابة الدين التي تقدم ان بإمكان البنك ان يتقاضاها في كل قرض يقدمه، واما العمولة لقاء تحصيل المبلغ في مكان آخر فهي من حق البنك أيضا نظرا الى ان البنك بخصم الكمبيالة أصبح دائنا للمستفيد الذي خصمت له الورقة بعقد قرض، ومن حق الدائن المطالبة بالوفاء في نفس المكان فإغراؤه بإسقاط هذا الشرط لكي يحول على دين في مكان آخر يمكن ان يتم بفرض جعالة له على إسقاط هذا الشرط الذي يتيح للخاصم ان يحيله حينئذ على الدين الذي تمثله الكمبيالة والذي يدفع في مكان آخر.
    وعلى هذا الأساس فإذا أردنا أن نلغي من عملية خصم الكمبيالة التي تقع فعلا ما ينافي الشريعة الإسلامية منه فيجب ان نلغي ما ما يخصمه البنك من قيمة الكمبيالة إلا ما كان منه لقاء خدمته ولقاء تنازله عن مكان معين، ونستبدل الخصم الذي ألغيناه باسلوبي القرض المماثل والحبوة.
    ولكن هذا البديل لا يكفي لوقاية البنك لأن البنك إذا أمكنه أن يشترط على من يتقدم اليه طالبا خصم الكمبيالة تقديم قرض مماثل قد يتحول بعد ذلك الى حبوة فليس بإمكانه أن يتخذ نفس الأسلوب تجاه محرر الكمبيالة الذي أصبح مدينا للبنك بموجب حوالة ضمنية من المستفيد للبنك عليه. لأنه لم ينشأ بين البنك وبين محرر الكمبيالة أيّ عقد لكي يفرض عليه في ذلك العقد شروطه.
    ........................................ صفحة : 158
    ولهذا ارى ان يطور تكييف عملية الخصم من الناحية الفقهية، فبينما كانت في شرحنا المتقدم متألفة من عناصر ثلاثة وهي: القرض، والحوالة، والتعهد، يمكن ان تكيف على أساس آخر فيفرض فيها قرض يتمثل في المبلغ الذي يتسلمه المستفيد من البنك عند خصمه للكمبيالة وتوكيل من المستفيد للبنك في تحصيل قيمة الكمبيالة من محررها عند حلول موعدها واقتطاع قيمة الدين الذي حصل عليه المستفيد فعلا من قيمة الكمبيالة، ومن حق البنك أن يأخذ من قيمة الكمبيالة ما يساوي أجرة المثل على كتابة الدين وما تتطلبه من نفقات وعلى تحصيل الدين الذي تمثله الكمبيالة من محررها.
    وبناء على هذا التكييف لعمليات الخصم يظل محرر الكمبيالة مدينا للمستفيد الذي خصم تلك الورقة لا للبنك، وانما البنك دائن للمستفيد ووكيل عنه في قبض قيمة الكمبيالة عند موعد حلولها وحينئذ يستعمل البنك مع المستفيد الذي خصم الورقة له أسلوب اشتراط القرض المماثل الذي قد يتحول حين الدفع إلى حبوة وفقا لما تقدم شرحه في أطروحة البنك اللاربوي.
    تكييف خصم الكمبيالة على أساس البيع:
    وهناك اتجاه فقهي الى تكييف عملية خصم الكمبيالة على أساس البيع وذلك بافتراض ان المستفيد الذي تقدم الى البنك طالبا خصم الورقة يبيع الدين الذي تمثله الورقة وهو مثلا 100 دينار ب 95 دينارا حاضره، فيملك البنك بموجب هذا البيع الدين الذي‏
    ........................................ صفحة : 159
    كان المستفيد يملكه في ذمة محرر الكمبيالة لقاء الثمن الذي يدفعه فعلا اليه فيكون من بيع الدين بأقل منه.
    وعلى أساس هذا التكييف لعملية الخصم يتجه كثير من الفقهاء الى جوازه شرعا لأن بيع الدين بأقل منه جائز شرعا إذا لم يكن الدين من الذهب أو الفضة أو مكيل أو موزون آخر. ونظرا الى ان الدين المباع بأقل منه بعمليات الخصم ليس من الذهب والفضة وانما هو دين بأوراق نقدية فيجوز بيعها بأقل منها. وإذا أمكن تخريج الخصم على أساس البيع فيمكن تخريج مسؤولية المستفيد عن وفاء الدين امام البنك عند عدم وفاء محرر الكمبيالة على أساس ان المستفيد الى جانب بيعه للدين متعهد بوفائه أيضا أو على أساس ان البنك اشترط عليه في عقد شراء الدين منه ان يوفيه عند حلوله إذا طالبه البنك بذلك. والأساس الأول أي التعهد يجعل المستفيد مسؤولا عن وفاء الدين عند تخلف المدين عن تسديده للبنك. والأساس الثاني أي الشرط يمكن ان يجعل المستفيد ملزما بوفاء الدين حتى إذا رجع البنك اليه ابتداء وطالبه بذلك قبل ان يتبين تخلف المدين عن وفاء الدين.
    ولكن أصل تخريج خصم الكمبيالة على أساس بيع الدين بأقل منه موضع بحث لأن هذا المبلغ وإن لم يكن ربويا لأن الدين المبيع ليس من الذهب والفضة، ولكنّ هناك روايات خاصة دلت على أن الدائن إذا باع دينه بأقل منه فلا يستحق المشتري من المدين الا بقدر ما دفع إلى البائع ويعتبر الزائد ساقطا من ذمة المدين رأسا.
    ........................................ صفحة : 160

    وهذا يعني أن البنك إذا فسرنا عملية الخصم لديه بأنها شراء للدين بأقل منه لا يستحق على المدين الا بمقدار ما دفع ويعتبر تنازل الدائن عن الزائد لصالح المدين دائما لا لصالح المشتري وان قصد الدائن ذلك.
    فمن تلك الروايات خبر أبي حمزة عن الإمام محمد بن على الباقر (ع) قال سألته عن الرجل كان له على رجل دين فجاءه فاشتراه منه بعوض ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال أعطني ما لفلان عليك فاني قد اشتريته منه كيف يكون القضاء في ذلك، فقال الإمام: يردّ الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين.
    وخبر محمد بن الفضيل، قال: قلت لعلي بن موسى الرضا:
    رجل اشترى دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له ادفع إلى ما لفلان عليك فقد اشتريت منه. قال الإمام: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبري‏ء الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه.
    وبالرغم من بعض الثغرات في الاستدلال بهاتين الروايتين فإني شخصيا لا أنسجم نفسيا ولا فقهيا مع الأخذ بالرأي المعاكس، ولا أجد في نفسي وحدسي الفقهي ما يبرر لي بوضوح ترك هاتين الروايتين والأخذ برأي يناقضهما.
    وعلى هذا الضوء فليس بإمكان البنك اللاربوي أن يمارس عملية خصم الكمبيالة على أساس شراء الدين بأقل منه ثم يستأثر
    ........................................ صفحة : 161
    بالمقدار المخصوم لنفسه لأن بيع الدين بأقل منه ينتج دائما بموجب الروايات المتقدمة سقوط الزائد من ذمة المدين وبراءتها منه.
    القسم الثالث من وظائف البنك‏
    (الاستثمار:) ويقصد بالاستثمار توظيف البنك لجزء من أمواله الخاصة أو الأموال المودعة لديه في شراء الأوراق المالية والتي تكون غالبا على شكل سندات توخيا للربح وحفاظا على درجة من السيولة التي تتمتع بها تلك الأوراق المالية لإمكان تحويلها السريع إلى نقود في أكثر الأحيان.
    واتجار البنك بالسندات يعتبر من الناحية الفقهية كاتجار أي شخص آخر بشراء وبيع تلك السندات.
    وتميز البنوك من الناحية الفنية بين الاستثمارات والقروض بعدة اعتبارات: منها، أن القرض يقوم غالبا على استعمال الأموال لفترة قصيرة نسبيا خلافا للاستثمارات التي تؤدي إلى استعمال للأموال في آماد أطول وان كان العكس قد يصدق أحيانا. ومنها، اختلاف دور البنك ومركزه في الاستثمار والقرض ففي الاستثمار هو الذي يبدأ المعاملة ويدخل السوق عارضا المال ليوظف في فترة طويلة، وفي القرض يكون الابتداء من العميل المقترض. كما أن دور البنك في القرض دور رئيسي لأنه أهم المقرضين بينما دوره‏
    ........................................ صفحة : 162
    في الاستثمار ليس بتلك الدرجة لأنه يدخل إلى سوق الأوراق المالية كواحد من المستثمرين.
    وهذه تميّزات من جهة النظر الفنية.
    وأما من وجهة النظر الفقهية فيمكن تكييف تعاطي السندات على أساسين:
    الأول: أن نفسر العملية على أساس عقد القرض، فالجهة التي تصدر السند بقيمة اسمية نفرضها 1000 دينار وتبيع السند ب 950 دينارا مؤجلة إلى سنة هي في الواقع تمارس عملية اقتراض، أي أنها تقترض 950 دينارا من الشخص الذي يتقدم لشراء السند وتدفع اليه دينه في نهاية المدة المقررة وتعتبر الزيادة المدفوعة وهي 50 دينارا في المثال الذي فرضناه فائدة ربوية على القرض.
    الثاني: أن نفسر العملية على أساس عقد البيع والشراء بأجل.
    فالجهة التي تصدر السند في المثال السابق تبيع 1000 دينار مؤجلة الدفع إلى سنة ب 950 دينارا حاضره، ولا بأس أن يختلف الثمن عن المثمن في عقد البيع ويزيد عليه ولو كانا من جنس واحد ما لم يكن هذا الجنس الواحد مكيلا أو موزونا.
    والواقع أن تفسير العملية على أساس بيع ليس الا مجرد تغطية لفظية للعملية التي لا يمكن إخفاء طبيعتها بوصفها قرضا مهما اتخذت من تعبير، لأن العنصر الأساسي في القرض هو أن يملك‏
    ........................................ صفحة : 163
    شخص مالا من شخص آخر وتصبح ذمته مثقلة بمثله له وهذا هو تماما ما يقع في عمليات شراء السندات أو تمليك الجهة المصدرة للسندات 950 دينارا حاضره وتصبح ذمتها مثقلة بالمبلغ مع زيادة.
    فالعملية إذن عملية إقراض من البنك ولا تختلف من الناحية الفقهية عن إقراض البنك لأي عميل من عملائه الذين يتقدمون اليه بطلب قروض، والزيادة التي يحصل عليها البنك نتيجة للفرق بين القيمة الإسلامية للسند وقيمته المدفوعة فعلا من قبل البنك هي ربا، وحكمها حكم سائر الفوائد التي يتقاضاها البنك على قروضه.
    وعلى هذا فإن البنك اللاربوي لا يتعاطى هذه العملية الربوية إلا بالنسبة إلى سندات تصدرها الحكومة أو جهة من الجهات التي يسمح البنك اللاربوي لنفسه أن يأخذ الفائدة منها وفقا للنقطة الرابعة من المعالم الرئيسية لسياسة البنك اللاربوي التي تقدمت في الفصل الأول.
    فالبنك اللاربوي يمكنه أن يوظف جزءا من أمواله في شراء الأوراق المالية إذا كانت تمثل سندات حكومية أو سندات مصدرة من جهة أخرى يجوز أخذ الفائدة منها للبنك اللاربوي ولا يمكنه أن يتعاطى بيع وشراء السندات خارج نطاق هذه الحدود.
    ........................................ صفحة : 164
    [الملحقات‏]
    الملحق (1) [التخريجات المتعددة التي تستهدف تحويل الفائدة إلى كسب محلل‏]
    يعالج هذا الملحق، على مستوى موسع من الناحية الفقهية، التخريجات المتعددة التي تستهدف تحويل الفائدة إلى كسب محلل وتطويرها بشكل مشروع. مع مناقشة تلك التخريجات.
    لاحظنا في وضع سياسة البنك اللاربوي تجاه الفوائد الربوية على القروض ان تصاغ بشكل يميزها بقدر الإمكان نصا وروحا عن فكره الربا المحرم في الإسلام.
    وأما إذا قطعنا النظر عن هذه الملاحظة فهناك تخريجات فقهية متعددة يمكن تصويرها بصدد محاولة تحويل الفائدة إلى وجه مشروع. ولكي يستكمل البحث عناصره الفقهية نذكر فيما يلي أهمّ ما يمكن أن يقال أو قيل فعلا من هذه التخريجات مع مناقشتها:
    (1) أنه في القرض يتمثل عنصران:
    أحدهما، المال المقترض من الدائن للمدين. والآخر، نفس الإقراض بما هو عمل يصدر من المقرض. والربا: هو وضع زيادة بإزاء المال المقترض.
    فالفائدة حيث توضع في مقابل المال المقترض تصبح ربا محرما، ولكنها إذا فرضت بإزاء نفس الإقراض بما هو عمل يصدر من الدائن على أساس الجعالة تخرج بذلك عن كونها ربا.
    ........................................ صفحة : 165

    فالشخص الذي يحاول أن يحصل على قرض، يقوم بإنشاء جعالة يعيّن فيها جعلا معينا على الإقراض فيقول: من أقرضني دينارا فله درهم. وهذه الجعالة تغري مالك الدينار فيتقدم اليه ويقرضه دينارا وحينئذ يستحق عليه الدرهم، وهذا الاستحقاق لا يجعل القرض ربويا لأنه ليس بموجب عقد القرض بل هو استحقاق بموجب الجعالة. ولهذا لو فرض أن الجعالة انكشف بطلانها بوجه من الوجوه ينتفي بذلك استحقاق المقرض للدرهم وان كان عقد القرض ثابتا لأن استحقاق الدرهم نتج عن الجعالة لا عن عقد القرض. والدرهم في الجعالة موضوع بإزاء الإقراض بما هو عمل لا بإزاء المبلغ المقترض بما هو مال. فهذا نظير من يجعل جعالة لمن يبيعه بيته، فلو قال شخص: من باعني داره كان له درهم كان البائع مستحقا للدرهم لا بموجب عقد البيع، بل بموجب الجعالة، وهو بإزاء نفس البيع والتمليك بعوض بما هو عمل، لا بإزاء الدار المبيعة. ولهذا لا يسري على الدرهم حكم العوضين.
    والكلام حول هذا التقريب من جهتين: الأولى، من جهة الصغرى. والثانية، من جهة الكبرى.
    أما من جهة الصغرى: فقد فرض في هذا التقريب ان الدرهم موضوع بإزاء نفس عملية الإقراض لا على المال المقترض، ولكن يمكن ان يقال بهذا الصدد ان الارتكاز العقلائي قائم على كون الدرهم في مقابل المال المقترض لا في مقابل نفس الإقراض.
    وجعله بإزاء عملية الإقراض مجرد لفظ.
    ........................................ صفحة : 166
    وعليه فلا نتصور الجعالة في ذلك لأن الجعالة: فرض شي‏ء على عمل، لا على مال. وبعد إرجاع الدرهم في محل الكلام بالارتكاز العقلائي إلى كونه مجعولا في مقابل المال لا تكون هناك جعالة بل يكون الدرهم ربويا لأنه زيادة على المال المقترض.
    وأما من جهة الكبرى: بمعنى أنا لو افترضنا ان المتعاملين (الدائن والمدين) تحررا من ذلك الارتكاز العقلائي واتجهت إرادة المدين حقيقة إلى جعل الدرهم بإزاء نفس عملية الإقراض، فهل هذه الجعالة صحيحة؟ أولا؟.
    ولكي نعرف جواب ذلك لا بد أن نعرف حقيقة الجعالة، فإنه يمكن القول فيها أن استحقاق الجعل المحدد في الجعالة ليس في الحقيقة إلا بملاك ضمان عمل الغير بأمره به لا على وجه التبرع، فأنت حين تأمر الخيّاط الخاص بأن يخيط لك الثوب فيمتثل لأمرك تضمن قيمة عمله وتشتغل ذمتك بأجرة المثل.
    وهذا نحو من ضمان الغرامة في الأعمال على حدّ ضمان الغرامة في الأموال، وبإمكانك في هذه الحالة إن تحوّل أجرة المثل منذ البدء إلى مقدار محدد فتقول: من خاط الثوب فله درهم أو: إذا خطت الثوب فلك درهم، فيكون الضمان بمقدار ما حدد في هذا الجعل، ويسمى هذا جعالة. فالجعالة بحسب الارتكاز العقلائي تنحل إلى جزئين: أحدهما، الأمر الخاص أو العام بالعمل أي بالخياطة مثلا. والآخر، تعيين مبلغ معين بإزاء ذلك. والجزء الأول من الجعالة هو ملاك الضمان، والضمان هنا من قبيل‏
    ........................................ صفحة : 167
    ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضي. والجزء الثاني يحدد قيمة العمل المضمونة بضمان الغرامة حيث أن أجرة المثل هي الأصل في الضمان ما لم يحصل الاتفاق على الضمان بغيرها.
    وإذا تحقق هذا فيترتب عليه ان الجعالة لا تتصور إلا على عمل تكون له أجرة المثل في نفسه وقابل للضمان بالأمر به كالخياطة والحلاقة. وأما ما لا ضمان له في نفسه ولا تشمله أدلة ضمان الغرامة فلا تصح الجعالة بشأنه، لأن فرض الجعل في الجعالة ليس هو الذي ينشئ أصل الضمان، وانما يحدد مقداره. وعلى هذا الأساس لا تصح الجعالة على الإقراض بما هو عمل لأن ماليّة الإقراض في نظر العقلاء إنما هي مالية المال المقترض وليس لنفس العمل، بما هو، مالية زائدة. ومع فرض كون مالية المال المقترض مضمونه بالقرض فلا يتصور عقلائيا ضمان آخر لمالية نفس عملية الإقراض.
    وبتعبير واضح: ليس عندنا في نظر العقلاء إلا ماليّة واحدة وهي مالية المال المقترض، وتضاف إلى نفس عملية الإقراض باعتبار ذلك المال. فليس هناك إلا ضمان غرامة واحد، ولا يتصور في الارتكاز العقلائي ضمانان من ضمانات الغرامة:
    أحدهما للعمل، والآخر للمال المقترض، والمفروض أن المال المقترض مضمون بعقد القرض، والضمان الحاصل بعقد القرض هو من نوع ضمان الغرامة وليس ضمانا معاوضيا، ومعه فلا مجال لفرض ضمان غرامة آخر لنفس عملية الإقراض.
    ........................................ صفحة : 168
    وبناء على ذلك لا تصح الجعالة على الإقراض لأن الجعالة دائما تقع في طول شمول أدلة ضمان الغرامة للعمل المفروض له الجعل. ففي مورد لا تشمله أدلة ضمان الغرامة ولا يكون العمل فيه مضمونا بالأمر على الآمر لا تصح فيه الجعالة.
    (2) أن الفائدة إنما تحرم بوصفها تؤدي إلى ربويّة القرض‏والقرض الربوي حرام. واما إذا حولنا العملية من قرض إلى شي‏ء آخر فلا تكون الفائدة ربا قرضيا، وتصبح بالتالي جائزة. وأما تحويل العملية من قرض إلى شي‏ء آخر فيتم إذا استطعنا أن نميّز بين الحالتين التاليتين:الأولى: إذا افترضنا أن زيدا مدين لخالد بعشرة دنانير ومطالب بوفائها، فيأتي إلى البنك ويقترض عشرة دنانير ويسدد بها دينه.
    الثانية: أن زيدا في الفرض السابق يتصل بالبنك ويأمره بتسديد دينه ودفع عشرة دنانير إلى خالد وفاء لماله في ذمته.
    والنتيجة واحدة في الحالتين. وهي أن زيدا سوف تبرأ ذمته من دين خالد عليه وسوف يصبح مدينا للبنك بعشرة دنانير.
    ولكن الفارق الفقهي بين الحالتين ان زيدا في الحالة الأولى يمتلك من البنك عشرة دنانير معينة على أن يصبح مدينا بقيمتها وهذا هو معنى القرض فإنه تمليك على وجه الضمان. وأما في الحالة
    ........................................ صفحة : 169
    الثانية فزيد لا يمتلك شيئا وإنما تشتغل ذمته ابتداء بعشرة دنانير للبنك من حين قيام البنك بتسديد دينه. واشتغال ذمته بذلك قائم على أساس أن البنك بوفائه من ماله الخاص لدين زيد قد أتلف على نفسه هذا المال، ولما كان هذا الإتلاف بأمر من زيد فيضمن زيد قيمة التالف، فالعشرة التي دفعها البنك إلى دائن زيد لم تدخل في ملكية زيد وإنما هي ملك البنك ودخلت في ملكية دائن زيد رأسا لأن وفاء دين شخص بمال شخص آخر أمر معقول، كما حققناه في محله، وهذا معناه انه لم يقع قرض في الحالة الثانية وإنما وقع أمر بإتلاف على وجه الضمان. فلو التزم زيد للبنك حين إصدار الأمر له بالوفاء بان يعطيه أكثر من قيمة الدين إذا امتثل الأمر لم تكن هذه الزيادة الملتزم بها موجبة لوقوع قرض ربوي لأن الضمان ليس ضمانا قرضيا وإنما هو ضمان بسبب الأمر بالإتلاف.
    وبتعبير آخر: إن الربا المحرم إنما يكون في المعاملة كعقد القرض أو البيع أو الصلح ونحو ذلك، وأما ضمان الغرامة بقانون الأمر بالإتلاف فهو لا يستبطن تمليكا معامليا فلا يجري فيه الربا المحرم فلا يكون فرض زيد في هذه الحالة فائدة للبنك من الفائدة القرضية المحرمة.
    ويمكن المناقشة في هذا التقريب بأمرين:
    الأول: أن الدليل الدال على حرمة إلزام الدائن مدينة بزيادة على الدين الذي حصل بالقرض يدلّ عرفا، وبإلغاء الخصوصية
    ........................................ صفحة : 170

    بالارتكاز العرفي، على حرمة إلزام الدائن مدينة بالزيادة فيما إذا كان الدين حاصلا لا بسبب القرض بل بسبب الأمر بالإتلاف كما في المقام بحسب الفرض، لأن التفرقة بين الحالتين تعني أن المدين إذا أصبح مدينا في مقابل تملك شي‏ء بالقرض فلا يجوز إلزامه بالزيادة، وإذا أصبح مدينا لا في مقابل تملك شي‏ء فيجوز إلزامه بالزيادة، فكأن تملك شي‏ء له دخل في الإرفاق به وتحريم إلزامه بالزيادة، وهذا على خلاف الارتكاز العرفي، وعليه فتثبت حرمة الإلزام بالزيادة في الحالة الثانية أيضا.
    الثاني: أنا إذا سلمنا عدم حرمة الإلزام بالزيادة في الحالة الثانية لعدم كونها زيادة في عقد القرض فلا بد من سبب معاملي يجعل المدين ملزما بدفع الزيادة. والمفروض عدم وجود عقد القرض لكي يشترط على المدين في ضمن ذلك العقد دفع الزيادة.
    وقد يراد تصوير هذا السبب عن طريق جعالة يجعلها زيد فيقول للبنك: إذا سددت ديني البالغ عشرة دنانير فلك دينار، فيستحق البنك حينئذ عشرة دنانير بقانون ضمان الغرامة ودينارا بقانون الجعالة بإزاء عمله وهو تسديد الدين. وهذه الجعالة تختلف عن الجعالة التي مرت بنا في الوجه السابق لأن تلك جعالة على عملية الإقراض أي بإزاء التمليك على وجه الضمان. وأما هذه فليست جعالة على التمليك لما تقدم من أنه لا يوجد تمليك من البنك لزيد في الحالة الثانية التي ندرسها الآن وإنما هي جعالة
    ........................................ صفحة : 171
    على تسديد البنك لدين زيد على أساس أن هذا التسديد عمل محترم يمكن فرض جعالة له.
    ولكن بالرغم من هذا فإن هذه الجعالة تواجه نفس الاعتراض الذي أثرناه على الجعالة المتقدمة في التقريب السابق لأن تسديد البنك لدين زيد ليس له ماليّة إضافية وراء مالية نفس المال الذي يسدده لخالد بعنوان الوفاء. والمفروض أن هذا المال المسدّد مضمون فلا يتحمل المورد ضمانا آخر لنفس عملية التسديد.
    وإذا لم يتصوّر الضمان لم تصح الجعالة، لما تقدم من أنها لا تنشئ الضمان وإنما تحدده في الجعل المعين.
    نعم إذا افترضنا أن تسديد البنك لدين زيد كانت له قيمة مالية زيادة على القيمة المالية للمال المسدد جاء فيه ضمان الغرامة، وبالتالي صحّت الجعالة فيه، وذلك كما إذا كان تسديد البنك لدين زيد يتمثل في جهد زائد على مجرد دفع المال إلى دائن زيد، وذلك حين يكون دائن زيد في بلد آخر مثلا ويأمر زيد البنك بإرسال مبلغ من المال إلى ذلك البلد ودفعه إلى دائنه فإن ممارسة البنك لهذه العملية لها قيمة مالية زائدة على القيمة المالية لنفس المال المدفوع، وهذه القيمة المالية الزائدة مضمونة على زيد بسبب أمره للبنك بتسديد دينه وتحويله إلى دائنه. وفي مثل هذه الحالة يمكن لزيد أن يقوم بجعالة معينة فيجعل للبنك جعلا خاصا على عملية التحويل والتسديد.
    (3) وهنا تقريب يختص ببعض القروض‏وهي ما كان من قبيل‏
    ........................................ صفحة : 172
    القروض التي تدفع إلى المدين خارج البلاد. فمثلا: قد يتقدم شخص إلى البنك في بغداد طالبا منه ان يزوده بخطاب إلى وكيله في الهند يأمره فيه بإقراضه مبلغا معينا من المال فيزوده البنك بهذا الخطاب ثم يقدمه الشخص إلى الوكيل في الهند ويقترض بموجبه المبلغ المحدد. وعقد القرض هنا وقع في هذا المثال في الهند ومن حق المقرض- بمقتضى إطلاق عقد القرض- إلزام المقترض بالوفاء في نفس مكان القرض لأن مكان وقوع القرض هو الأصل في مكان الوفاء بمقتضى الإطلاق. وعليه فيكون من حق البنك أن يطالب مدينة بالوفاء في نفس المكان الذي تمّ فيه إقراضه عن طريق وكيله في الهند، غير ان المدين غير مستعد لذلك فإنه يريد الوفاء في العراق حالة رجوعه من سفره لا في الهند فيمكن للبنك في هذه الحالة أن يطالب بمقدار الفائدة لا بإزاء المال المقترض بل بإزاء تنازله عن الوفاء في ذلك المكان المعين.
    وليس هذا ربا، لأن البنك في الواقع قد أقدم على الإقراض مستعدا لقبول نفس المبلغ إذا دفع له في نفس المكان وإنما يطالب بالزيادة لقاء تنازله عن المكان فيكون المقترض بين أمرين: فإمّا أن يقتصر على دفع نفس المبلغ على أن يدفعه في نفس المكان الذي وقع فيه القرض. وإمّا أن يدفع زيادة عليه لقاء إسقاط الدائن حقه في الوفاء في المكان المعين. وسوف يختار المقترض الأمر الثاني.
    وفي الوقاع أن هذا الوجه هو الذي جوزنا للبنك على أساسه أن يأخذ عمولة على التحويل كما يأتي مفصلا. ولكن لا يمكن‏
    ........................................ صفحة : 173
    استخدام البنك اللاربوي لهذا الوجه لكي يطالب بكامل مقدار الفائدة الربوية بإزاء إسقاط حق المكان إلا بأن ينقلب القرض ربويا، وذلك لأنه إما أن يوافق على تسلم نفس المبلغ دون زيادة إذا دفع إليه في مكان القرض وإما أن يرفض تسلم المبلغ بدون زيادة ولو دفع إليه في ذلك المكان. فان كان يرفض تحوّل القرض بذلك إلى قرض ربوي. وإن كان يوافق، فبإمكان المدين حين يحل أجل دينه وهو في العراق وتتوفر لديه قيمة الدين الذي اقترضه أن يتصل ببنك آخر من البنوك الأخرى الربوية ويطلب منه تحويل قيمة الدين إلى مكان القرض- اي الهند في المثال المتقدم- ولا تطلب منه البنوك الربوية حينئذ إلا أجرة زهيدة على التحويل لأنه سوف يدفع القيمة إليها نقدا.
    (4) ما هو شائع في بعض الأوساط الفقهية من إمكان تحويل القرض إلى بيع‏فيخرج بذلك عن كونه ربويا ما دام النقد من الأوراق النقدية التي لا تمثل ذهبا ولا فضة ولا تدخل في المكيل أو الموزون. فبدلا عن أن يقرض البنك ثمانية دنانير بعشرة فيكون قرضا ربويا يبيع البنك ثمانية دنانير بعشرة مؤجلة إلى شهرين مثلا، والثمن هنا وإن زاد على المثمن مع وحدة الجنس ولكن ذلك لا يحقق الربا المحرم في البيع ما لم يكن العوضان من المكيل أو الموزون. والدينار الورقي ليس مكيلا ولا موزونا فيتوصل البنك بهذا الطريق إلى نتيجة القرض الربوي عن طريق البيع.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]........................................ صفحة : 174
    وقد يقال إن هذا لا يحقق كل مكاسب القرض الربوي المحرم لأن الشخص الذي أخذ ثمانية دنانير مع تأجيل الوفاء إلى شهرين مثلا لو كان أخذها على أساس القرض الربوي فبإمكان البنك المقرض على هذا الأساس أن يلزمه بفائدة جديدة فيما إذا تأخر عن الدفع بعد شهرين. وأمّا إذا كان قد أخذها على أساس الشراء بمعنى أنه اشترى ثمانية دنانير بعشرة مؤجلة إلى شهرين، فليس للبنك أن يطالبه إلا بالثمن المحدد في عقد البيع والشراء وهو عشرة حتى لو تأخر عن الدفع بعد شهرين. ولو طالبه بفائدة على التأخر كان ذلك فائدة على إبقاء الدين ويعود حينئذ محذور الربا المحرم.
    ولكن بالإمكان التخلص من ذلك بأن يشترط بائع الثمانية بعشرة على المشتري في عقد البيع أن يدفع درهما مثلا في كل شهر يتأخر فيه المشتري في دفع الثمن المقرر من حين حلول أجله ولا يكون هذا ربا. فإن إلزام المدين هنا بدفع الدرهم يكون بحكم البيع لا بحكم عقد القرض وليس في مقابل الأجل، فكما كان يمكن للبائع أن يشترط على المشتري أن يهب له درهما في كل شهر إلى سنة ويكون المشتري ملزما حينئذ بذلك، كذلك له أن يشترط عليه أن يدفع له درهما في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن. فليس الشرط هو شرط أن يكون له درهم في مقابل التأجيل ليكون من اشتراط الربا بل شرط أن يدفع المشتري درهما في جميع الشهور التي تسبق دفع الثمن من حين حلول الأجل، وحيث أنه شرط في عقد البيع فيكون لازما.
    ........................................ صفحة : 175

    والحاصل أن اشتراط دفع شي‏ء في عقد القرض غير جائز لأنه يصيّر القرض ربويا، كما أن اشتراط كون شي‏ء في مقابل الأجل بنحو شرط النتيجة غير جائز ولو وقع ضمن عقد بيع لأنه من اشتراط الربا، وفي المقام: الشرط المدعى لا هو واقع في عقد القرض ليؤدى إلى وجود قرض ربوي، ولا هو من اشتراط كون شي‏ء في مقابل الأجل ليكون من اشتراط الربا المحرم، فلا مانع من نفوذه. وبذلك يحصل البنك المقرض على تمام مكاسب الربا.
    والتحقيق: أن بيع ثمانية دنانير بعشرة في الذمة لا يجوز تبعا للسيد الأستاذ دام ظله الوارف لأنه في الحقيقة وبحسب الارتكاز العرفي قرض قد ألبس ثوب البيع فيكون من القرض الربوي المحرم.
    وليس هذا بتقريب أن البيع لا يصدق على مثل هذه المعاملة لأن البيع متقوم بالمغايرة بين الثمن والمثمن ولا مغايرة في المقام بينهما لأن الثمن ينطبق على نفس المثمن مع زيادة. فإن هذا التقريب يندفع بكفاية المغايرة الناشئة من كون المثمن عينا خارجية والثمن أمرا كليا في الذمة، ومجرد قابليته للانطباق ضمنا على تلك العين لا ينافي المغايرة المصححة لعنوان البيع، وإلا للزم البناء على عدم صحة بيع القيمي بجنسه في الذمة مع الزيادة، كبيع فرس بفرسين في الذمة، مع أن هذا منصوص على جوازه في بعض الروايات. وهذا يكشف عن أن المغايرة المقوّمة لحقيقة البيع يكفي فيها هذا المقدار، فليس الإشكال إذن من جهة عدم تحقق المغايرة.
    ........................................ صفحة : 176
    بل المهم في الإشكال دعوى صدق القرض على هذه المعاملة وإن أنشئت بعنوان البيع، وذلك بتحكيم الارتكاز العرفي إما بلحاظ الصغرى أي تشخيص المراد الجدي للمتعاملين، فيقال إن المراد المعاملي لهما جدا بقرينة الارتكاز هو القرض، وليس الإنشاء بالبيع إلا من باب تغيير اللفظ. وإما بلحاظ الكبرى أي بتوسعة دائرة القرض بحسب الارتكاز العرفي بحيث يشمل هذه المعاملة وإن أريد بها البيع جدا.
    أما تحكيم الارتكاز العرفي بلحاظ الصغرى وجعله قرينة على تشخيص المراد الجدي للمتعاملين فقد يقال في دفعه: إن المقصود بالمراد الجدي يستكشف بلحاظ الارتكاز إن كان هو الغرض الشخصي للبائع والمشتري من المعاملة فمن الواضح أن مجرد كون الغرض الشخصي من هذه المعاملة نفس الغرض الشخصي في موارد القرض لا يخرجها عن كونها بيعا، لأن الأغراض الشخصية للمتعاملين ليست مقوّمة لأنواع المعاملات المختلفة. وإن كان المقصود بالمراد الجدي المنشأ جدا في المعاملة، فمن الواضح أيضا أن الإنشاء الجدي سهل المئونة لأنه يرجع إلى الاعتبار ولا معنى لتحكيم ارتكاز خارجي على اعتبارات المتعاملين إذ بإمكان البائع والمشتري أن ينشأ التمليك بعوض في مقام الجعل والاعتبار بدلا عن إنشاء التمليك على وجه الضمان. ودعوى أن التمليك بعوض في مقام بيع ثمانية دنانير بمثلها في الذمة عين التمليك على وجه الضمان ولهذا يكون قرضا. مدفوعة بأن التمليك بعوض يشتمل على جعل الضمان المعاوضي ولهذا يحصل التمليك والتملك بنفس‏
    ........................................ صفحة : 177
    العقد في البيع، وأما التمليك على وجه الضمان فهو لا يشتمل على الضمان المعاوضي بل على التمليك بنحو يستتبع جريان قانون ضمان الغرامة بتفصيل لا يسعه المقام. ولهذا كان نفوذ القرض متوقفا على القبض ولم يكن عقد القرض مشتملا على المعاوضة. وهكذا يتضح أن التمليك بعوض والتمليك على وجه الضمان مجعولان اعتباريان مختلفان وإن تصادقا بحسب النتيجة في مورد تبديل ثمانية دنانير خارجية بمثلها في الذمة.
    ولهذا، فقد يكون من الأفضل التمسك بالارتكاز العرفي وتحكيمه بلحاظ الكبرى، بحيث يقال: إنه لما كان القرض بمقتضى الأصل في الارتكاز العقلائي هو تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة- وتعميمه للقيميات ليس إلا بنحو من العناية- فيصدق عرفا عنوان القرض على المعاملة التي تتكفل بهذا التبديل ولو كان المنشأ فيها عنوان التمليك بعوض. فالعرف لا يريد من كلمة القرض إلا المعاملة التي تؤدي الى ذلك النحو من التبديل ومعه يصبح بيع ثمانية دنانير بمثلها في الذمة قرضا عرفيا، وتلحقه أحكام القرض التي منها عدم جواز الزيادة.
    (5) وقد يقال انطلاقا من فكره تبديل القرض ببيع‏أن الدنانير الثمانية في المثال السابق لاتباع بثمانية دنانير في الذمة مع زيادة دينارين أي بعشرة، ليقال: ان هذا يعتبر في النظر العرفي قرضا لأنه تبديل للشي‏ء إلى مثله في الذمة. بل تباع بعملة أخرى‏
    ........................................ صفحة : 178
    تزيد قيمتها على الدنانير الثمانية بحسب أسعار الصرف بمقدار ما تزيد العشرة على الثمانية. مثلا تباع ثمانية دنانير ب 200 تومانا في الذمة وحيث أن النقود الورقية من هذا القبيل لا يجري عليها أحكام بيع الصرف فلا يجب فيها التقابض في المجلس، بل يجوز ان يكون الثمن مؤجلا إلى شهرين وفي نهاية شهرين يمكن للبائع أن يتقاضى من المشتري 200 تومانا أو ما يساوي ذلك من الدنانير العراقية من باب وفاء الدين بغير الجنس. وهكذا تحصل نفس النتيجة المقصودة لمن يريد أن يقرض قرضا ربويا دون قرض. ولئن قيل في بيع ثمانية دنانير بعشرة أنه قرض لكونه تبديلا للشي‏ء بمثله في الذمة فلا يقال هذا في بيع ثمانية دنانير ب 200 تومانا لعدم المماثلة فيكون طابع البيع هو الطابع الوحيد لهذه المعاملة.
    ولكن هذا إنما يتم فيما إذا لم ندّع قرضيّة هذه المعاملة أيضا بحسب النظر العرفي بضم ارتكاز إلى الارتكاز السابق الذي كان فحواه أن كل معاملة مؤداها تبديل الشي‏ء بمثله في الذمة تعتبر قرضا عرفا، والارتكاز الجديد الذي لا بد من ضمه هو ارتكاز النظر في باب النقود إلى ماليتها دون خصوصياتها وهذا الارتكاز معناه أنّ المنظور إليه عرفا من بيع ثمانية دنانير بكذا تومانا هو تبديل مالية بمالية وحينئذ يشمله عنوان القرض بالنحو المقرر في الارتكاز السابق إذ يصدق عليه أنه تبديل للشي‏ء إلى مثله في الذمة إذ بعد أن كان المركوز في النظر العرفي ملاحظة المالية فقط في الدنانير والتوأمين التي وقعت مثمنا وثمنا فلا يبقى تغاير بين‏
    ........................................ صفحة : 179
    الثمن والمثمن إلا في كون أحدهما خارجيا والآخر ذميا، وهذا معنى تبديل الشي‏ء إلى مثله في الذمة الذي هو معنى القرض بمعناه الارتكازي الأوسع الذي يشمل بعض البيوع أيضا.
    فهذا التقريب لا يتم أيضا إذ أتمت الارتكازات المشار إليها.
    وإلا أمكن تصحيحه إذا توفرت الإرادة الجدية لمبادلة ثمانية دنانير ب 200 تومانا ولم تكن التوأمين مجرد ثمن مأخوذ في مقام اللفظ أو في مقام اعتبار غير جدي يغطي وراءه الثمن الحقيقي الذي هو عشرة دنانير.
    (6) يمكن للبنك أن يعتبر نفسه وكيلا عن المودعين في الإقراض من أموالهم‏فهو حين يقرض من الودائع التي لديه يحتفظ لهذه الودائع بملكية أصحابها الأولين لها ويقرض منها باعتبار كونه مخوّلا في ذلك من قبل أصحابها فيكون الدائن والمقرض حقيقة هو المودع لا البنك وإنما يكون البنك وكيلا عن المقرض ومفوضا من قبله في إقراض ماله بالشكل الذي يرتئيه. وفي هذه الحالة يمكن للبنك أن يشترط على المقترض ضمن عقد القرض أن يدفع زيادة على المبلغ المقترض لدى الوفاء لكن لا للدائن الذي هو المودع بحسب القرض بل للبنك نفسه. وليس هذا ربا، لأن الربا هو الزيادة التي يشترطها صاحب المال المقرض لنفسه على المقترض. وفي هذا الفرض لم يجعل للمقرض أيّ حق في الزيادة وإنما فرض على المقترض أن يدفع الزيادة إلى شخص آخر غير
    ........................................ صفحة : 180

    الدائن الحقيقي، فهو من قبيل ان زيدا يقرض خالدا دينارا ويشترط عليه أن يدفع درهما لدى الوفاء للفقير.
    وهذا التقريب إنما يجوز إذا لم نستفد من أدلة حرمة القرض الربوي إلا ترتب الحرمة فيما إذا اشترط المالك ما يكون منفعة له، وأما إذا استفدنا من مثل قوله في بعض الروايات: فلا يشترط إلا مثلها، ونحوه، أنّ أيّ شرط لا يجوز إلا شرط استرجاع مثل المال المقترض فلا يصح اشتراط المنفعة لغير المالك في عقد القرض أيضا.
    (7) وهذا الوجه يستهدف تصحيح أخذ أجور التأمين على الدين من المقترض‏
    لا أخذ الفائدة على الإطلاق، بمعنى أن كل بنك يدرك أنّ جملة من القروض سوف لا تستوفى، وتسمى بالديون الميتة، ولهذا تقدير البنوك الربوية جزءا من الفائدة التي تتقاضاها في مقابل تلك الديون الميتة أي أنها تكلف مجموع المقترضين بالتعويض عن الديون الميتة المحتملة ومن المعلوم أن هذا ربا، ولهذا اقترحنا في أطروحة البنك اللاربوي أن يلجأ هذا البنك إلى التأمين على كل قروضه عند بعض شركات التأمين لكي يضمن استرجاع تمام المبالغ المقترضة، غير أن شركة التأمين تتقاضى أجرا على التأمين، فهل يمكن تحميل هذا الأجر على المقترض أم لا؟
    وتفصيل الكلام في ذلك: أن البنك تارة يشترط على المقترض أن يملّكه مقدارا مساويا لأجرة التأمين والبنك بنفسه‏
    ........................................ صفحة : 181
    يؤمّن على القرض ويسدد أجرة التأمين من ذلك المقدار، فهذا قرض ربوي محرم بلا اشكال. وأخرى يشترط البنك على المقترض أن يؤمن الأخير على القرض لمصلحة البنك بحيث يكون المؤمّن هو المقترض غير أن التأمين لمصلحة المقرض. وعلى هذا فأجرة التأمين لا تدخل في ملك البنك بل تدخل في ملك شركة التأمين رأسا من المقترض. ولو فرض أن المقترض يدفعها إلى البنك فهو يدفعها إليه بوصفه وكيلا عن المقترض في الاتفاق مع شركة التأمين ودفع الأجرة إليها. وعلى هذا فلا يكون البنك قد اشترط على المقترض مالا لنفسه زيادة على المبلغ المقترض، وإنما اشترط عليه ضمان القرض من قبل شركة التأمين. فهل يكون مجرد اشتراط هذا الضمان مؤديا إلى ربوية القرض أم لا؟
    والجواب على ذلك، أن التأمين على الدين تارة نقول إنه نحو من الضمان المعاملي والعقدي تقوم به شركة التأمين وتتعهد بموجبه بوفاء المقترض للقرض. وأخرى نقول: إن عقد التأمين مرجعه إلى الهبة المعوضة بمعنى أن المؤمن يهب مالا إلى شركة التأمين (و هو ما يدفع باسم أجور التأمين) ويشترط في هذه الهبة أن تدفع شركة التأمين مالا معينا في حالة معينة. فإن قلنا إن التأمين على الدين نحو من الضمان المعاملي فمعنى اشتراط البنك على المقترض التأمين على القرض أنه يمتنع عن إقراضه ما لم يهيأ كفيلا خاصا يكفله وهو شركة التأمين، وهذا أمر جائز ولا يجعل القرض ربويا، لأن من حق كل مقرض أن يقترح على المقترض الكفيل الذي يثق به ويمتنع عن الإقراض ما لم يهيأ
    ........................................ صفحة : 182
    المقترض ذلك الكفيل. ومجرد كون تهيئة المقترض لذلك الكفيل بحاجة إلى إنفاق مال لا يجعل الشرط ربويا، ما دام لا يعود على المقرض إلا بفائدة الاستيثاق من وفاء الدين.
    وأما إذا قلنا إن التأمين هبة معوضة والمفروض أن المؤمّن في المقام على القرض هو المقترض وحينئذ لا بد أن نرى أن التأمين الذي يشترطه البنك على المقترض على ما ذا يشتمل؟
    فإن كان بمعنى أن المقترض يهب لشركة التأمين مالا ويشترط عليها أن تهب للبنك ابتداء مالا مخصوصا في حالة عدم وفاء الدين (و هذا هو معنى كون التأمين لمصلحة البنك) فقد يدعى:
    أن اشتراط التأمين بهذا المعنى من قبل البنك يكون ربويا، لأنه يؤدي إلى نفع له حيث أن ما سيقبضه من شركة التأمين ليس وفاء للدين بل هبة مستقلة. وأما إذا كان المقترض يؤمّن على القرض لمصلحته هو بمعنى أنه يهب لشركة التأمين مالا ويشترط عليها أن تهب له (لا للبنك) مالا مخصوصا في حالة عدم وفائه للدين، فلا بأس بذلك. ولا يكون اشتراط التأمين بهذا المعنى من قبل البنك على المقترض ربويا. وفائدة هذا الشرط للبنك أنه يقبض المال من شركة التأمين في حالة عدم الوفاء وكالة عن المقترض ثم يحتسبه وفاء بالمقاصة، وبذلك يحصل على دينه.
    ديون البنك على التجار المستوردين:
    إن الديون التي تحصل على التجار المستوردين الذين فتح البنك الاعتماد لطلبهم نتيجة لتسديد البنك ما عليهم من ديون‏
    ........................................ صفحة : 183
    تجاه المصدّرين في الخارج يأتي في فوائدها جملة من الوجوه التي تقدمت لتخريج فوائد القروض مع مناقشتها وللتوسع في مناقشة فوائد ديون البنك على المستوردين راجع الملحق (11) الذي خصصناه لدراسة فوائد هذه الديون فجاء تتمة للبحث في هذا الملحق.
    ........................................ صفحة : 184
    الملحق (2) [حكم شرط الضمان على عامل المضاربة أو غيره من الأمناء على أموال الآخرين‏]
    ذكرنا في الأطروحة أنه لا يجوز لصاحب المال أن يشترط على عامل المضاربة إلى جانب مشاركته في الربح أن يكون ضامنا لرأس المال. وسوف ندرس في هذا الملحق بصورة فقهية موسعة حكم شرط الضمان على عامل المضاربة أو غيره من الأمناء على أموال الآخرين لكي تتضح مدارك الحكم الشرعي.
    تارة، ندرس تحميل الضمان واشتراطه على عامل المضاربة بلحاظ القواعد العامة على أساس أنه يندرج تحت عنوان الأمين لنعرف ما هو حكم شرط الضمان على الأمين.
    وأخرى، ندرس تحميل الضمان واشتراطه على عامل المضاربة بلحاظ الأخبار الخاصة الواردة في المضاربة وتشخيص ما تقتضيه تجاه الشرط من صحة أو بطلان. فالكلام يقع في موضعين:
    الموضع الأول: في أن القواعد العامة هل تقتضي جواز اشتراط الضمان على الأمين بالمعني الأعم، أم لا؟
    ونريد بالأمين بالمعنى الأعم كل من وضع يده على المال بإذن من المالك وتسليط منه، كالمستعير، والمستأجر، والأجير على حمل متاع، وعامل المضاربة، وغيرهم. ونريد بالأمين بالمعنى الأخص من استأمنه المالك باستئمان عقدي كما في الودعي الذي يتكفل عقد الوديعة استئمانه على المال واستنابته في حفظه.
    والأمين بهذا المعنى يندرج في الأمين بالمعنى العام.
    ........................................ صفحة : 185

    والبحث عن جواز اشتراط الضمان على عامل المضاربة وغيره من الأمناء بالمعنى الأعم ينقسم إلى بحثين لأننا تارة نتكلم عن تضمينه المال على تقدير تلفه أي عن جعل ضمان عليه بالنحو المشابه لما هو الثابت في موارد ضمان الغرامة، وأخرى نتكلم عن جعله ضامنا لا للمال على تقدير تلفه أو نقصه فحسب بل للقيمة السوقية للمال أيضا. وهذا ما لا يكون مضمونا في موارد ضمان الغرامة عند المشهور، فلو أن المال تحت يد الغاصب المشمول لقانون ضمان الغرامة انخفضت قيمته السوقية نتيجة لتقلبات الأسعار في السوق لم يكلّف الغاصب بتدارك القيمة، غير أننا في المقام نريد أن نبحث عن اشتراط الضمان على عامل المضاربة بحيث يكلّف بتدارك القيمة إذا انخفضت قيمة مال المضاربة ونقصت مالية المال فعلا عن مالية رأس المال المدفوع إلى العامل.
    وهكذا نعرف أن هناك نحوين من الضمان يجب أن نبحث عن جواز تحميلهما واشتراطهما على عامل المضاربة أو أي أمين آخر. أحدهما: ضمان المال بالمعنى الموجب لاشتغال الذمة بقيمته على تقدير التلف والآخر ضمان مالية المال وقيمته بالمعنى الموجب في حالة تنزل قيمة المال إلى تداركها.
    اشتراط ضمان المال بالمعنى الأول‏
    أما ضمان المال بالمعنى الموجب لاشتغال الذمة بقيمته على تقدير التلف فقد استشكل جمع من الفقهاء في جواز اشتراط
    ........................................ صفحة : 186
    هذا الضمان على الأمين في عدة موارد، ولهذا كان المعروف عدم نفوذ شرط الضمان على المستأجر. وعلى هذا الأساس استبدل جماعة من الفقهاء شرط الضمان بشرط دفع المستأجر لمال يساوي قيمة العين المستأجرة إذا تلفت لأن هذا من شرط الفعل ولا إشكال في صحته.
    وأهم الوجوه التي تقال لتقريب عدم نفوذ شرط الضمان، ما يلي:
    الأول: أن شرط الضمان من باب شرط النتيجة، وشرط النتيجة باطل، لأن مفاد الاشتراط هو تمليك الشرط للمشروط له، بقرينة موارد شرط الفعل، والنتائج لا تقبل أن تكون مضافة إلى مالك فلا تكون شرطا. وبتعبير آخر إن مفاد الاشتراط في موارد شرط الفعل وشرط النتيجة واحد، وحيث أننا نعرف أن مفاده في موارد شرط الفعل كشرط الخياطة مثلا هو تمليك الخياطة للمشروط له بحسب الارتكاز العرفي، فكذلك يكون مفاد الاشتراط في موارد شرط النتيجة كالملكية والضمان مثلا هو تمليك النتيجة، ولما كانت النتيجة لا تقبل التمليك فلا يتعقّل اشتراطها.
    وهذا التقريب فيه عدة مواقع للنظر. أهمها: انا لو سلمنا أن شرط الفعل يستفاد منه بحسب الارتكاز العقلائي تمليك الفعل للمشروط له فليس معنى هذا أن المنشأ في مقام الاشتراط نفس تمليك الشرط ليقال: إن تمليك الشرط غير معقول فيما إذا كان من النتائج. بل يمكن تصويره على نحو آخر وهو أن يكون‏
    ........................................ صفحة : 187
    مرجع الاشتراط إلى إنشاء النسبة بين الشرط والمشروط له بحيث يكون المنشأ بالشرط هو نفس المعنى الحرفي المدلول للام في قولك عند الاشتراط: لك عليّ خياطة الثوب أو ملكية الكتاب. وهذه النسبة التي يدل عليها اللام يدل إنشاؤها في موارد شرط الفعل على تمليك الشرط للمشروط له لأن الفرد الحقيقي من النسبة بين الخياطة والمشروط له غير قابل للإنشاء وإنا هو قابل للإيجاد تكوينا بالإيجاد التكويني للخياطة «1» فيكون هذا قرينة ارتكازية متصلة على أن مراد المنشئ في مقام إنشاء النسبة بين الخياطة والمشروط له الفرد الاعتباري لهذه النسبة القابل للإنشاء وهو الملكية الملحوظة بما هي معنى حرفي ونسبة بين ذات المملوك وذات المالك. وبذلك يتحصل من الاشتراط إنشاء ملكية الشرط.
    وأما في موارد شرط النتيجة فالإنشاء يتعلق أيضا بالنسبة بين الشرط والمشروط له أي بمفاد اللام، غير أن الفرد الحقيقي من النسبة بين الشرط والمشروط له قابل للإنشاء في المقام، لأن الشرط بنفسه معنى إنشائي ونسبة كل معنى إنشائي إلى موضوعه قابلة بالعرض للإيجاد الإنشائي لأجل قابلية ذلك المعنى للإنشاء ويكون المراد حينئذ من إنشاء النسبة هو إيجاد فردها الحقيقي المساوق لإنشاء طرفها أي الشرط.
    ........................................ صفحة : 188
    وعلى هذا الأساس فإن أريد في التقريب السابق ادعاء أنّ متعلق الإنشاء في موارد شرط الفعل وشرط النتيجة واحد بحسب المراد الاستعمالي، وحيث أن متعلق الإنشاء في موارد شرط الفعل هو تمليك الشرط وحيث أن النتائج لا تملك فلا يعقل شرط النتيجة. فجواب هذا الادعاء هو: أننا نتحفظ على كون متعلّق الإنشاء على نسق واحد في موارد شرط الفعل أو شرط النتيجة وليس هو ملكية الشرط بل النسبة المدلول عليها باللام بين الشرط والمشروط له. وإن أريد بالتقريب السابق ادعاء أن المراد الجدي من النسبة المنشأة بين الشرط والمشروط له لا بدّ أن يكون واحدا دائما، فهو غير صحيح لأن المناسبات الارتكازية في موارد شرط الفعل تكون كالقرينة المتصلة على أن المراد الجدي بالنسبة المنشأة بين الشرط والمشروط له هو الفرد الاعتباري منها أي الملكية الملحوظة بما هي معنى حرفي.
    وأما في موارد شرط النتيجة فلا توجد مثل تلك القرينة فيحمل على الفرد الحقيقي للنسبة ويكون إنشاؤه بعينه إنشاء لطرفها. وبهذا يندفع إشكال آخر يورد أيضا على شرط النتيجة، وهو: أن مفاد الاشتراط إذا كان هو إنشاء تمليك الشرط فأين الإنشاء الذي ينشأ به نفس الشرط إذا كان من النتائج؟ ..
    وجوابه: أن مفاد الاشتراط ليس إنشاء تمليك الشرط بهذا العنوان بل إنشاء النسبة المدلولة للام بين الشرط والمشروط له، ومتى أريد بهذه النسبة فردها الاعتباري كان إنشاؤها إنشاء لتمليك‏
    ........................................ صفحة : 189
    الشرط كما هو الحال في موارد شرط الفعل. ومتى أريد بها فردها الحقيقي كان إنشاؤها بنفسه إنشاء للشرط هذا كله بناءا على تسليم أن مفاد لاشتراط في موارد شرط الفعل هو تمليك الشرط. وأما إذا أنكرنا ذلك وقلنا إن اللام في موارد الاشتراط متعلقة بالالتزام بمعنى أن البائع يلتزم لزيد بالخياطة، لا أن الخياطة لزيد يلتزم بها وينشئها، فلا يبقى بعد ذلك موضوع للتقريب المتقدم.
    الثاني: أن شرط الضمان مخالف لما دل على عدم ضمان الأمين فيكون من الشرط المخالف للكتاب. ودعوى أن عدم ضمانه لعدم المقتضي فلا يكون الشرط حينئذ مخالفا للكتاب- بناءا على اختصاص المخالف بما كان على خلاف الحكم الاقتضائي- مندفعة بأن عموم (على اليد ما أخذت.) بعد ما كان شاملا ليد الأمين ظاهر في وجود مقتضى الضمان في يده.
    فعدم ضمانه لا بد أن يكون لمقتضى العدم.
    والتحقيق في المقام أن ما دل على عدم الضمان في المقام على قسمين:
    القسم الأول: ما دل على نفي الضمان عن الأمين والمؤتمن بهذا العنوان. والقسم الثاني: ما دل على نفي الضمان عن ذات المستأجر والأجير مثلا من دون أخذ عنوان الأمين والاستئمان في موضوع النفي.
    ........................................ صفحة : 190

    أما القسم الأول: من أدلة نفي الضمان فهو يدور مدار صدق عنوان الأمين والمؤتمن. ولا إشكال في صدق هذا العنوان على الودعي بلحاظ أن المنشأ في عقد الوديعة من قبل المالك هو استئمانه واستنابته في الحفظ، وأمّا غيره من أفراد الأمين بالمعنى الأعم فإنما ينتزع هذا الوصف منه بلحاظ إذن المالك له في وضع اليد على المال وتسليطه عليه، وحينئذ فإن قلنا بأن هذا الوصف إنما ينتزع من التسليط والإذن إذا كان مطلقا، ولا ينتزع منه إذا كان إذنا وتسليطا مقيدا بالضمان أي تسليطا على وجه الضمان، فيكون شرط الضمان على هذا الأساس حاكما على أدلة نفي الضمان عن الأمين والمؤتمن لأنه يوجب تقيد التسليط، ومع تقيده لا ينتزع عنوان الأمين، فلا تشمله تلك الأدلة النافية للضمان عن الأمين. بل الشرط على هذا التقدير لا يكون بحسب الحقيقة شرطا بالمعنى الفقهي أي التزاما في ضمن التزام، بل مرجعه إلى تقيّد الإذن بوضع اليد على المال على أن يكون على وجه الضمان. ولا يكون الضمان على هذا التقدير منشأ بالشرط بل هو ثابت بقاعدة اليد، وغاية ما يفعل الشرط أن يقيد إطلاق الإذن لينتفي بذلك الموضوع الخارج عن قاعدة اليد وهو الأمين ويدخل المورد تحت قاعدة اليد.
    وأما إذا قلنا: إن اشتراط الضمان لا يخرج الإذن والتسليط المالكي عن كونه منشأ لانتزاع عنوان الائتمان والاستئمان فحتى مع اشتراط الضمان على الأجير مثلا يبقى عنوان الأمين صادقا عليه فتشمله أدلة نفي الضمان عن الأمين والمؤتمن، وتأتي حينئذ
    ........................................ صفحة : 191
    دعوى أن اشتراط عدم الضمان يكون مخالفا لتلك الأدلة ويتوهم على هذا الأساس بطلانه.
    وأما تحقيق أن اشتراط الضمان هل يمنع عن انتزاع عنوان الائتمان عن التسليط والإذن أولا يمنع؟. فملخص الكلام فيه:
    أن تضمين الأجير عند تلف البضاعة التي استؤجر لحملها مثلا إذا كان تضمينا بملاك التلف فحسب كما هو مفاد قاعدة اليد.
    فلا ينافي ذلك ائتمان الأجير على المال لأن التضمين بهذا المعنى ينافي كون المالك في أمان من ناحية ماله، إذ لو لم يحتمل تلفه لما اشترط ضمانه ولكنه لا ينافي كون المالك في أمان من ناحية الأجير واطمئنان إلى أمانته، لوضوح أن مجرد كون الأجير أمينا وموثوقا لدى المالك لا يمنع احتمال التلف المساوي، وعليه فعنوان الائتمان ينتزع من التسليط المالكي ولو كان إلى جانبه اشتراط الضمان بلحاظ التلف السماوي.
    وأما إذا كان الضمان المشترط على الأجير بلحاظ كون المال في معرض التعدي أو التفريط من قبل الأجير فمثل هذا الضمان يكون اشتراطه مانعا عن صدق عنوان الائتمان وانتزاعه من التسليط المالكي. وهذا المعنى من الضمان هو الذي دلت عليه جملة من النصوص في الجمّال والحمّال والمكاري بلحاظ كونه متّهما بحيث لا يقبل قوله بدون بيّنة إذا ادعى التلف السماوي.
    وهكذا نعرف أن اشتراط الضمان بملاك التلف وتحفظا على مالية المال في مقابل الآفات السماوية لا ينافي صدق عنوان الائتمان، ولا يكون حاكما على أدلة عدم ضمان الأمين.
    ........................................ صفحة : 192
    ولكن يمكن أن يقال نظرا إلى أن الضمان الثّابت بقاعدة اليد عقلائي واستثناء الأمين بلحاظ أدلة نفي الضمان عن الأمين عقلائي أيضا أنه يحمل على ما هو المركوز في الأذهان العقلائية والمركوز هو كون المانع عن الضمان إطلاق التسليط والإذن في وضع اليد لا مطلق التسليط والإذن.
    هذا كله حال القسم الأول من الأدلة النافية للضمان أي ما دل على نفي الضمان عن الأمين، فلو فرض شموله لموارد شرط الضمان أيضا يصبح حاله حال القسم الثاني من الأدلة النافية للضمان الذي لا إشكال في شموله لموارد الشرط، من قبيل ما دل على أن المستأجر لا يضمن لوضوح أن شرط الضمان لا يوجب خروج المستأجر عن كونه مستأجرا فليس له حكومة على القسم الثاني من الأدلة النافية ولو سلمت حكومته على القسم الأول.
    وعلى أي حال فإذا انتهى الأمر إلى دعوى أن شرط الضمان مخالف للكتاب لأجل منافاته لإطلاق الأدلة النافية للضمان بكلا قسميها أو بقسمها الثاني خاصة، فنقول: إن التحقيق هو عدم المنافاة بين مفاد تلك الأدلة النافية ومفاد شرط الضمان لأن تلك الأدلة ناظرة في مقام النفي إلى قاعدة اليد المركوزة في أذهان العقلاء والمتشرعة، ومبينة لخروج الأمين أو المستأجر عنها. وهي لأجل ذلك ظاهرة في نفي الضمان باليد بمعنى نفي سببية يد الأمين والمستأجر للضمان خلافا ليد غيره.
    وأمّا اشتراط الضمان في المقام فلو كان يعني اشتراط أن تكون‏
    ........................................ صفحة : 193
    اليد سببا للضمان فهو مخالف لأدلة عدم ضمان الأمين، ولكنّ اشتراط عدم الضمان لا يعني ذلك، وإنما يعني جعل الضمان المعاملي، أي جعله بنفس هذا الإنشاء على تقدير التلف.
    والحاصل: أن هناك فرقا كبيرا بين اشتراط أن تكون اليد مضمّنة عند تلف المال وبين اشتراط يتكفل ابتداء جعل الضمان على تقدير التلف. وما هو مخالف لأدلة عدم ضمان الأمين إنما هو الأول دون الثاني لأن هذه الأدلة إنما تنفي ضمان اليد لا الضمان المعاملي والعقدي المشمول في حد نفسه لأدلة نفوذ الشرط ونفوذ العقد.
    وبما ذكرناه ظهر وجه النظر فيما أفاده المحقق الثاني قدس اللّه نفسه، إذ فصل في شرط الضمان بين اشتراطه على المستأجر، أو على المرتهن، أو على الودعي، أو على الأجير ومن كان من قبيله من الأمناء. فاشتراطه على المستأجر باطل لأنه مخالف للكتاب لأن يد المستأجر على العين المستأجرة يد عن حق مالكي واليد عن حق مالكي لا تكون منشأ للضمان في الشريعة. وكذلك يد المرتهن. وأما الودعي فيده يد المالك بالاستنابة، ويد المالك لا تكون منشأ للضمان. وأما يد الأجير مثلا على المتاع الذي استؤجر لحمله فهي وإن كانت عن إذن المالك ولكنّ إذن المالك إنما تقتضي نفي الضمان بإطلاقه لا بذاته، واشتراط الضمان يرفع ذلك الإطلاق.
    فإن التحقيق: أن شرط الضمان لو كان بمعنى اشتراط أن تكون اليد سببا للضمان فهذا شرط باطل مخالف للكتاب‏
    ........................................ صفحة : 194
    لمنافاته لما دل على نفي الضمان عن تمام تلك الأقسام من دون فرق بين اليد الناشئة عن حق مالكي كالمستأجر واليد الناشئة عن مجرد الإذن من المالك. وأما إذا كان شرط الضمان بمعنى جعل الضمان ابتداء بالشرط فهذا جائز حتى في المستأجر لأنه لا ينافي أن يده الناشئة عن حق مالكي لا تكون سببا للضمان.
    فإن قيل: ان المراد بالضمان المجعول بالشرط على حد مجعولية النتائج في موارد شرط النتيجة. إن كان من منتج الضمان العقدي المجعول في عقد الضمان فهذا لا يتصور إنشاؤه بالشرط في المقام، لأن هذا المعنى من الضمان عبارة عن نقل الشي‏ء من ذمة إلى ذمة فلا يتصور بالنسبة إلى المال الخارجي، فيتعين أن يكون متعلّق الشرط هو ضمان اليد لا الضمان العقدي فيعود الإشكال.
    قلنا، إن الضمان المعاملي أو العقدي نتصوره على نحوين أحدهما: نقل الدين من ذمة إلى ذمة، وهو مفاد عقد الضمان بحسب الارتكاز العقلائي. والآخر: التعهد بالشي‏ء وجعله في مسؤولية الشخص ويؤدي هذا التعهد إلى اشتغال ذمته بقيمته على تقدير التلف. وهذا معنى آخر عقلائي للضمان يتصور في الديون والأعيان الخارجية معا. وإذا تعلق بالدين فلا يقتضي نقل الدين إلى ذمة الضامن من ذمة المدين، بل يقتضي تعهد الضامن بوفاء ذلك الدين، على ما سيأتي توضيحه مفصلا في الملحق (9) من ملاحق هذا الكتاب ان شاء اللّه تعالى.
    ........................................ صفحة : 195

    وهذا المعنى من الضمان هو المقصود ودعوى أن الضمان بهذا المعنى الذي يرجع الى كون المملوك في عهدة غير مالكه مناف للملازمة الثابتة بين الضمان والملكية فإن حقيقة الملكية للمال كون الدّرك والخسارة على المالك فلا يمكن جعل هذا المعنى لغير المالك كما عن المحقق النائيني مدفوعة بأنّ ملكية شخص للمال تستلزم كون تلفه خسارة لذلك الشخص لأنه يؤدي إلى النقص في ملكه ولا تستلزم كون تلفه خسارة عليه بمعنى أنه هو الذي يحمل تبعة الخسارة ويكلف بتداركها. فتلف المال يعتبر خسارة للمالك وهذه الخسارة بما هي خسارة المالك هي على الضامن المتعهد بتداركها.
    وعلى هذا الأساس فلا مانع من نفوذ شرط الضمان بهذا المعنى ولا يكون منافيا للكتاب.
    نعم، قد يقال: إن الشرط ليس مشرّعا للمضمون وإنما يستفاد من أدلة نفوذه صلاحيته للتسبب به إلى النتائج المشروعة في نفسها، فلا بد من إثبات مشروعية المضمون في نفسه ولو بلحاظ عمومات أخرى.
    بل يكفي بقطع النظر عن العمومات الروايات الخاصة، كرواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: سألته عن الرجل يبيع للقوم بالأجر وعليه ضمان مالهم؟ قال: إنما أكره ذلك من أجل أني أخشى أن يغرموه أكثر مما يصيب عليهم فإذا طابت نفسه فلا بأس. ورواية موسى بن بكر عن العبد الصالح، قال:
    سألته عن رجل استأجر ملّاحا وحمله طعاما في سفينته واشترط عليه‏
    ........................................ صفحة : 196
    إن نقص فعليه؟ قال: إن نقص فعليه. مضافا إلى الروايات الدالة على صحة شرط الضمان على المستعير.
    فإن هذه الروايات تدل على مشروعية المضمون في نفسه وكون جعل المال الخارجي في عهدة شخص شرعيا. بل إن بعض ما تقدم من الروايات يكفي بنفسه دليلا في المقام بقطع النظر عن عمومات نفوذ الشرط.
    اشتراط ضمان المال بالمعنى الثاني‏
    كل ما تقدم كان عن اشتراط ضمان المال بمعنى تدارك قيمته عند التلف، والآن نتكلم عن اشتراط الضمان بالمعنى الثاني وهو جعل مالية المال وقيمته في عهده الشخص الآخر، لا العين فقط، بحيث لو نزلت قيمة المال يكون الشخص الآخر ضامنا ولو كان عين المال باقيا. وبتعبير آخر اشتراط عدم الخسران من الناحية التجارية.
    وهذا الضمان نتصوره أيضا على نحو تصورنا للضمان بالمعنى الأول، غاية الأمر أن المتعهد به هناك عين المال وهنا مالية المال وقيمته. وهذا معنى مشروع من الضمان يمكن إنشاؤه مستقلا كما يمكن اشتراطه في ضمن عقد على نحو شرط النتيجة.
    والدليل على ذلك: رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه، وكان من المال دين وعليهما دين فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال ولك الربح‏
    ........................................ صفحة : 197
    وعليك التوى؟. فقال: لا بأس إذا اشترطا، فإذا كان شرط يخالف كتاب اللّه فهو ردّ إلى كتاب اللّه عز وجل.
    وقد أناط الإمام (ع) نفي البأس بالاشتراط. وسواء كان المراد بالاشتراط منهما التوافق بين الطرفين على المضمون المذكور في عقد كعقد الصلح مثلا كما ادعى جماعة من الفقهاء، أو كان المراد بالاشتراط جعل ذلك المضمون شرطا في عقد الشركة القائم بين الشخصين. فإنه على كلا التقديرين يدل على مشروعية المضمون في نفسه ويكون حينئذ قابلًا للاشتراط بنحو شرط النتيجة.
    وإنما يبقي أن نحلل المضمون الذي ذكر في الرواية لنجد أنه هل ينطبق الضمان بالمعنى المقصود في المقام أم لا؟
    وتوضيح ذلك أن محتملات الرواية متعددة:
    منها: أن يكون معنى اختصاص أحدهما برأس المال والآخر له الربح وعليه التوى أن الأول قد صالح في عقد مستقل أو في شرط عما يستحقه في الأعيان المشتركة بالمقدار المساوي لرأس ماله في ذمة الشريك الآخر، وحينئذ يخرج المال عن الشركة ويختص بالآخر ذاتا وربحا وخسارة، ويكون العوض في ذمته.
    وهذا مضمون صحيح بلا إشكال بمقتضى القواعد والعمومات وهو أجنبي عن المقصود في المقام إذ لا نريد أن تنتقل ملكية المال الخارجي إلى غير المالك وإنما نريد تصوير ضمان غير المالك لمالية المال الخارجي مع بقائه على ملك صاحبه.
    ........................................ صفحة : 198
    إلا ان حمل الرواية على هذا المعنى خلاف الظاهر فإن ظاهر قوله: أعطني رأس المال، أن حقه لا يزال متعلقا بأعيان الشركة وأنه لا يزال يستحق رأسماله منها.
    ومنها ما أفاده صاحب الجواهر، قدس اللّه نفسه، في تصوير القرار المذكور في الرواية على نحو يكون استحقاق أحدهما في المال رأسماله تاما وللآخر الباقي ربح أو خسر والمال باق على الشركة. وقد ذكر أن مرجع ذلك الى الكلي المضمون في المال وأنه لا يستحق سواه سواء بقي المال وزادت قيم أعيانه أم لا.
    وحاصل هذا الوجه: أن أحد الشريكين يملك بسبب ذلك القرار تمام أعيان الشركة بلحاظ خصوصياتها الشخصية والشريك الآخر يملك قيمة رأسماله في مجموع تلك الأعيان بنحو الكلي في المعين. وهذا المضمون وإن كانت المصالحة عليه صحيحة بمقتضى القواعد والعمومات إلا أن الكلام في أنه كيف يستأثر الشريك الأول حينئذ بتمام الربح مع أن الشريك الآخر يملك الكلي في المعين من ذلك المال مع أن مقتضى قانون المعاوضة في البيع أن مال الشركة إذا بيع بثمن فظهر فيه الربح كان للشريك الأول في الثمن كلي نسبة إليه نسبته الكلي الذي كان يملكه بالنسبة إلى مال الشركة. وهذا معناه اشتراكه في الربح.
    فلا بد لصاحب الجواهر، قدست نفسه، إذ أراد أن يفسر استئثار الشريك الثاني بالربح على القاعدة أن يدعى أحد أمرين:
    إما أن ملكية الكلي في المثمن كثبوت حق لغير البائع في المثمن‏
    ........................................ صفحة : 199
    كحق الرهانة مثلا (لو قيل ان بإمكان المرتهن إجازة بيع العين المرهونة بحيث ينتقل حقه إلى الثمن) فكما أن الحق الثابت في المثمن لا يقع شي‏ء من الثمن بإزائه بل يدخل الثمن بتمامه في ملك مالك المثمن (المبيع) وغاية ما في الأمر ان يبقي ذلك الحق متعلقا بالثمن على حد تعلقه السابق بالمبيع. كذلك يقال في الكلي الثابت في المثمن إن الكلي لا يقع بإزائه شي‏ء من الثمن وإنما يتعلق به على حد ما كان متعلقا بالمثمن. ولكن هذه الدعوى لا يمكن الالتزام بها وهي على خلاف الارتكاز، وقياس ملكية الكلي بالحق مع الفارق.
    والأمر الثاني، الذي يمكن ان يدعيه صاحب الجواهر رحمه اللّه هو أن استئثار الشريك الثاني بالربح يكون بالشرط أي أنه يشترط على الشريك الأول في نفس القرار الواقع بينهما أن ما يزيد من الثمن عن رأسمال الشركة يكون له. وهذا الشرط إن أريد به أن يكون الزائد من الثمن له بحيث يدخل في ملكه ابتداء، فهو شرط باطل على القاعدة، ولا ينفذ ولو وقع الصلح عليه لأنه مخالف لقانون المعاوضة شرعا. وإن أريد به أن يكون الزائد من الثمن ملكا له في طول دخوله في ملك الآخر بنحو شرط النتيجة، فلا بأس به. وكونه معلقا غير مضر إما مطلقا أو في باب الشروط خاصة.
    وعلى أي حال سواء كان هذا الوجه منطبقا على القواعد أم لا، فهو خلاف ظاهر الرواية لأن مقتضاه فيما لو لم يحصل‏
    ........................................ صفحة : 200

    من مال الشركة إلا دون رأسمال الشريك الأول أنه لا يستحق الرجوع على شريكه في الباقي مع أن ظاهر قوله في الرواية: وعليك التوى أن التوى بتمامه عليه، وهو يلازم استحقاق القائل للرجوع عليه فيما إذا نقص مال الشركة عن رأسماله. وإلا لما كان التوى على الآخر وحده بل عليهما معا.
    ومنها: ما هو المقصود في المقام وهو أن يكون محصل القرار المذكور في الرواية تصدي أحد الشريكين لضمان قيمة مال شريكه وتعهده بخسارته. فمال الشركة باق على ملكية الشريكين معا دون أن ينتقل ملك أحدهما إلى الذمة أو إلى الكلي، غير أن أحد الشريكين يضمن للآخر مالية ماله ويجعل على نفسه تدارك الخسارة، وفي مقابل ذلك يملّكه الآخر بنحو شرط النتيجة ما ينتقل اليه من الربح. فينحل القرار بحسب الحقيقة إلى ضمان بالمعنى المقصود من قبل أحد الشريكين لمالية حصة شريكه واشتراط من قبله على الآخر بنحو شرط النتيجة، بأن يكون مالكا لما زاد من ثمن مال الشركة على أصل المال، لا بأن تنتقل إليه الزيادة ابتداء فإنه خلاف قانون المعاوضة بل في طول الانتقال إلى شريكه.
    وهذا التصوير يحقق معنى العبارة في الرواية تماما إذ يصدق حينئذ أن لهذا رأس المال وذاك له الربح وعليه التوى خلافا للوجهين السابقين.
    وبذلك تكون هذه الرواية دالة على مشروعية ضمان مال‏
    ........................................ صفحة : 201
    الغير من الخسارة، أي ضمان ماليته، فيصح إنشاؤه في عقد صلح أو بشرط في ضمن العقد «1» ومما يدل على ذلك أيضا روايات الجارية، كرواية رفاعة، قال: سألت أبا الحسن عن رجل شارك في جارية له وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كان وضيعة فليس عليك شي‏ء. فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية.
    فإن الظاهر من الرواية أيضا أن أحد الشريكين ضمن مالية
    ........................................ صفحة : 202
    شريكه وجعل خسارته في عهدته مع بقاء الشركة وملكية الشريكين على حالها ولهذا فرض المناصفة في الربح كما هو مقتضى ملكية الشريكين، فالاحتمال الثالث الذي استظهرناه في الرواية السابقة يكون هنا أوضح.
    فاتضح من كل ما تقدم أن مقتضى القواعد هو جواز جعل الضمان على عامل المضاربة بالمعنى الذي عرفته من التعهد وأخذ المال في العهدة، سواء كان ذلك بعقد مستقل أو بشرط في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة وكذلك الحال في سائر الأمناء الآخرين.
    ولكن في خصوص عامل المضاربة وردت روايات خاصة تدل على أن فرض الضمان عليه يستوجب حرمان المالك من الربح.
    ففي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) أن أمير المؤمنين (ع) قال: من اتجر مالا واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان. وقال: من ضمّن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شي‏ء.
    والظاهر من هذه الرواية هو أن فرض شي‏ء من الربح لمالك المال مع فرض الضمان على العامل لا يجتمعان في الشريعة. وقد يحمل قوله (من ضمن تاجرا) على الإقراض، حيث أن الإقراض هو التمليك على وجه الضمان فيدل حينئذ على أن الإقراض يوجب عدم استحقاق المقرض لشي‏ء إذ يكون الشي‏ء ربا حينئذ لا أن فرض الضمان بأي وجه يوجب ذلك. ولكن هذا الحمل وإن كان ممكنا
    ........................................ صفحة : 203
    في نفسه إلا أنه خلاف ظاهر الرواية فإن مقتضى إطلاقها: أن كل ما يصدق عليه أنّه تضمين للمال عرفا لا يجتمع مع استحقاق المالك لشي‏ء من الربح شرعا فيشمل التضمين بغير الإقراض أي التضمين بالشرط، بل قد يدعى شموله لموارد اشتراط التدارك بنحو شرط الفعل لا شرط النتيجة أيضا لأنه وإن لم يكن تضمينا بالمعنى الدقيق إلا أنه مما يشمله العنوان عرفا، فيقال عن المالك الذي اشترط على عامل المضاربة أن يدفع من ماله ما يساوي الخسارة إذا وقعت: إنه ضمنه.
    كما أن الرواية قد تحمل على أنها في مقام بيان المراد الحقيقي للمتعاملين (المالك والعامل) واستكشاف أن مرادهما في الواقع هو الإقراض في فرض التضمين ومرادهما في الواقع هو المضاربة في فرض اشتراط نصف الربح للتاجر فقط ولهذا حكم على كل من الفرضين بالحكم المناسب لواقع مرادهما المستكشف بالنحو المذكور. ولكن هذا الحمل وإن كان ممكنا أيضا ولكن قد لا ينسجم مع ظاهر النص الذي يتبادر إلى الذهن منه كون التضمين بعنوانه منشأ شرعا لعدم استحقاق المالك لشي‏ء من الربح، وكون استحقاقه من الربح بعنوانه منشأ شرعا لعدم الضمان على العامل، ومعناه التنافي بين الأمرين شرعا.
    فرض الضمان على غير عامل المضاربة
    وبناءا على أن فرض الضمان على عامل المضاربة لا ينسجم مع مشاركته في الربح من قبل المالك قلنا في الأطروحة: إن الضمان‏
    ........................................ صفحة : 204
    يتحمله شخص ثالث غير العامل والمالك، وهو البنك، وتحمله له إما بإنشائه بعقد خاص أو باشتراطه بنحو شرط النتيجة في عقد آخر. والبنك بنفسه وإن كان أمينا بالمعنى الأعم على الودائع التي يأخذها من أصحابها ويتوكل عنهم في المضاربة عليها مع التجار، ولكنا قد بينا أن فرض الضمان بالمعنى الذي حققناه على الأمين صحيح على مقتضى القاعدة، واشتراطه بنحو شرط النتيجة نافذ. وانما فصلنا الكلام في حكم اشتراط الضمان على مقتضى القواعد لينفعنا ذلك في المقام.
    ولو فرض البناء على عدم تعقّل الضمان بالمعنى الذي حققناه وعدم صحة اشتراط الضمان على الأمين بمقتضى القواعد وإنما يقتصر في الصحة على الموارد المنصوصة للاشتراط كما في العارية لو فرض البناء على ذلك، فيمكن في المقام تصوير الاشتراط على البنك بنحو شرط الفعل في ضمن عقد، وذلك بأن يشترط عليه المودع في ضمن عقد ان يدفع إليه مقدارا من المال مساويا للخسارة التي تقع في وديعته عند المضاربة بها.

    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]
    ........................................ صفحة : 205

    لملحق (3) [التخريج الفقهي لهذه الحصة التي تفرض للبنك بالرغم من عدم كونه العامل ولا المالك‏]

    حوّلنا في الأطروحة أخذ البنك للودائع الثابتة وإقراضها إلى مضاربة، يكون المالك فيها هو المودع، والعامل هو التاجر الذي يقترض، والبنك وسيط في هذه المضاربة ووكيل عن المالك في إنجازها والإشراف عليها. وقد فرضنا على هذا الأساس أن للبنك حصة من الربح، وفي هذا الملحق ندرس التخريج الفقهي لهذه الحصة التي تفرض للبنك بالرغم من عدم كونه العامل ولا المالك.
    إن الحصة المحددة بنسبة مئوية من الربح التي فرضناها للبنك اللاربوي لا يمكن أن تكون بمقتضى عقد المضاربة، لأن عقد المضاربة لا يقتضي إلا فرض حصته من الربح للعامل من مجموع الربح الذي هو ملك لمالك المال بمقتضى طبعه الأوّلى والبنك في المقام ليس هو عامل المضاربة بل العامل هو التاجر الذي يأخذ مالا من البنك.
    ولا يمكن فرض مضاربتين، إحداهما بين المودع والبنك، والأخرى بين البنك والتاجر بناء على أن عامل المضاربة يمكنه أن يضارب بدوره عاملا آخر وتكون الحصة التي يأخذها البنك قائمة على أساس كونه عاملا في المضاربة الأولى. والوجه في عدم إمكان افتراض مضاربتين كذلك هو أن لازم جعل البنك عاملا في المضاربة مع المالك عدم إمكان تحميله ضمان المال، بناء على ما تقدم من أن عامل المضاربة لا يضمن، فلا بد من جعل البنك شخصا أجنبيا عن المضاربة لكي يمكن أن يتحمل ضمان المال ويكون دوره في العقد دور الوسيط فحسب.
    ........................................ صفحة : 206
    كما أن الحصة المذكورة لا يمكن أن تكون أجرة للبنك من قبل المودع في عقد إجارة بمعنى أن المودع استأجر البنك على إنجاز المضاربة والإشراف عليها بأجرة هي نسبة مئوية من الربح وذلك:
    أولا: لأن الأجرة مجهولة. ويشترط في الإجارة معلومية الأجرة، ولا أريد بأن الأجرة مجهولة أنها مشكوكة لأن الربح قد لا يحصل، حيث أننا ذكرنا في الأطروحة أن الغالب عادة كون مطلق الربح متيقنا وشرحنا الوجه في ذلك. بل أريد أن الأجرة مجهولة من حيث القدر فتبطل الإجارة.
    ثانيا: لأن الأجير يملك الأجرة بنفس عقد الإجارة، فلا بد أن تكون قابلة لذلك حين العقد: إما بأن تكون شيئا خارجيا مملوكا للمستأجر بالفعل فيملكه الأجير بالعقد، وإما بأن تكون شيئا ثابتا في ذمة المستأجر للأجير. وفي المقام، النسبة المائوية من الربح المفروض في المستقبل لا هي شي‏ء خارجي مملوك بالفعل للمودع حتى يملكه للبنك بعد الإجارة، ولا شي‏ء يفرض في ذمته، بل هي شي‏ء سوف يملكه في المستقبل فلا تعقل الإجارة.
    وما يمكن أن نخرج على أساسه تلك الحصة التي يستحقها البنك من الربح‏
    أحد وجوه:
    منها: الجعالة
    بأن تكون تلك الحصة جعلا يجعله المودع للبنك إذا أنجز المضاربة وواصل الاشراف عليها إلى حين انتهاء مدتها
    ........................................ صفحة : 207
    ولا يرد حينئذ كلا الإشكالين المتقدمين في تصوير الإجارة.
    أما الأول، وهو أن الحصة مجهولة القدر فهذا مضر في الإجارة وغير مضر في الجعالة. وأما الثاني، وهو أن الحصة لا هي أمر في ذمة المودع ولا أمر خارجي مملوك للمودع بالفعل لكي يجعله أجرة للبنك، فهذا أيضا لا يرد على الجعالة لأن المجعول له لا يملك الجعل بنفس إنشاء الجعالة من الجاعل بل بعد إنجاز العمل المفروض. فلا بد أن يكون الجعل قابلًا للتمليك من الجاعل في هذا الظرف، والمفروض في المقام أن المودع يجعل للبنك حصة من الربح إذا أنجز المضاربة وواصل الإشراف عليها إلى نهايتها، وفي هذا الظرف تكون تلك الحصة من الربح مالا خارجيا مثلا مملوكا للجاعل وقابلًا للتمليك من ناحيته. ويكفي هذا في صحة الجعالة.
    وقد جاء نظير ذلك في الاخبار، ففي رواية محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (ع) أنه قال في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك. قال (ع): ليس به بأس.
    ورواية زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما تقول في رجل يعطي المتاع فيقول ما ازددت على كذا وكذا فهو لك؟
    فقال (ع): لا بأس.
    ومثلهما غيرها من الروايات التي فرض فيها الجعل جزء من الثمن على تقدير زيادته وهو شي‏ء غير مملوك بالفعل للجاعل وإنما يكون مملوكا له في ظرف إنجاز العمل كالحصة التي يجعلها المودع للبنك في المقام.
    ........................................ صفحة : 208
    ومنها: تخريج ذلك على أساس الشرط في ضمن العقد.
    والشرط إما أن نتصوره بنحو شرط النتيجة، بأن يشترط البنك على المودع في عقد ما أن يكون مالكا لحصة معينة من الربح على تقدير ظهوره. ولا مانع من التعليق في الشرط، كما أن كون المودع غير مالك بالفعل للربح غير مانع عن نفوذ تمليكه المنشأ شرطا، لأن تمليكه معلق على ظهور الربح ودخوله في ملكه، والمعتبر في نفوذ التمليك من شخص أن يكون مالكا لما يملكه بلحاظ ظرف التمليك المجعول ولا دليل على اشتراط كونه مالكا لما يملكه بلحاظ ظرف الجعل وإنشاء الملكية، ولهذا التزم المحقق النائيني، (قدس سره) بصحة اشتراط أحد الشريكين على الآخر أن يكون مالكا لصحة الآخر من الربح على تقدير ظهوره، مع عدم كون الآخر مالكا بالفعل حين الاشتراط للربح. وليس ذلك الا لعدم قيام دليل على اشتراط ذلك.
    وإما أن نتصور الشرط بنحو شرط الفعل أي شرط التمليك لا شرط أن يكون مالكا. ولا إشكال فيه.
    ........................................ صفحة : 209
    الملحق (4) [التخريج الفقهي لأصل عام يقرر أن المفروض بقاء رأس المال وحد أدنى من الربح ما لم يثبت الخلاف‏]
    قلنا في الأطروحة إن عامل المضاربة قد يتلاعب على البنك فيدعي تلف المال أو عدم الربح كذبا، ولهذا اقترحنا أن يسير البنك معه بموجب أصل عام يقرر أن المفروض بقاء رأس المال وحد أدنى من الربح ما لم يثبت الخلاف بالقرائن المعينة، ونريد في هذا الملحق أن نشير إلى التخريج الفقهي لهذا الأصل.
    إن هذا الأصل على خلاف قاعدة قبول قول الأمين فيما جعله المالك تحت يده من مال وأذن له بالاتجار به. وعلى هذا الأساس لا بد أن نخرج هذا الأصل إما بنحو شرط الفعل في ضمن عقد يشترط فيه البنك على العامل أن يدفع من المال ما يعادل المقدار الذي يدعي خسارته في حالة عدم إقامة القرائن المحددة من قبل البنك على الخسارة، وإما بنحو الجعالة، وذلك بأن يجعل العامل للبنك جعلا على تحصيل رأسمال له للمضاربة عليه، والجعل عبارة عن مقدار يساوي قيمة رأس المال، مع الحد الأدنى من ربحه المفروض، ومع زيادة تمثل الأجر الثابت الذي فرضناه في الأطروحة، ناقصا قيمة ما سوف يعترف العامل بوجوده من رأس المال وربحه الأدنى، أو يقيم القرائن المحددة على خسارته.
    ........................................ صفحة : 210

    لملحق (5) أن الودائع التي تتسلمها البنوك الربوية من أصحاب الأموال وتعطي عليها فوائد [هل يمكن من ناحية الفقه تصوير كونها ودائع‏]
    ، تسمى بالودائع لأجل، أو الودائع الثابتة، وهي ليست ودائع. في الحقيقة بل قروضا ربوية كما بينا ذلك في الأطروحة. ونريد أن نبحث في هذا الملحق أنه هل يمكن نظريا من ناحية الصناعة الفقهية تصوير كونها ودائع مع ما عليه البنك من التصرف بها، لكي تخرج الفوائد المدفوعة على تلك الودائع للمودعين عن كونها فوائد ربوية على القرض.
    إن الودائع التي تحصل عليها البنوك الربوية ليست في الحقيقة ودائع بالمعنى الفقهي، لا تامة ولا ناقصة، وإنما هي قروض ولذا تصبح المبالغ التي يتقاضاها المودعون فوائد ربوية على القرض.ولكن هذا لا يعني استحالة تصوير كونها ودائع فقهيا بحيث تخرج الفوائد عن كونها فوائد ربوية على القرض، بل إن هذا التصوير ممكن وان كان مجرد تصوير نظري.
    ومن هنا يتضح أننا لا نتفق مع وجهة نظر بعض الأعلام (دامت بركات) إذ أفاد في المقام ما ملخصه أن الودائع المصرفية لا يمكن تصوير كونها ودائع حقيقية بحيث تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربوية على القرض لأن الودائع المصرفية يأذن المالك للبنك بالتصرف بها ولا يراد بهذا الإذن السماح للبنك بالتصرف مع بقاء الوديعة على ملك صاحبها إذ يلزم حينئذ عود
    ........................................ صفحة : 211
    الثمن والربح إلى المالك بحكم قانون المعاوضة لا إلى البنك، بل يراد بالاذن المذكور السماح للبنك بتملك الوديعة على وجه الضمان وهو معنى القرض فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودع فوائد ربوية على القرض.
    والتحقيق أن تصوير هذه الودائع بنحو تكون ودائع حقيقية وتخرج فوائدها عن الربوية يتم بعدة وجوه:
    منها: أن نفرض كون الوديعة باقية على ملك صاحبها وأن الإذن بالتصرف فيها إنما هو مع احتفاظ المودع بملكيته للوديعة. ومع هذا نصور في المقام الأمور الثلاثة التي يقوم على أساسها تعامل البنك في الودائع الثابتة، وهي ضمان الوديعة، والاستئثار بأرباحها، ودفع مقدار محدد إلى المودع.
    أما ضمان الوديعة فهو متصور لا بالقرض لكي يجي‏ء محذور الربا، بل بعقد الضمان بمعناه الذي فصلنا الكلام فيه في الملحق الثاني، إذ ذكرنا أن الضمان العقدي له سنخ معنى لا يختص بالديون بل يشمل الأموال الخارجية أيضا، وهو غير المعنى الآخر للضمان الذي يختص بباب الديون، ويعبر عنه بالنقل من ذمة إلى ذمة. فبإنشاء البنك للضمان وتعاقده مع المودع على ذلك، تصبح الوديعة في عهدة البنك مع بقائها على ملك المودع. وبذلك ثبت الأمر الأول. وأما الأمر الثاني وهو استئثار البنك بالأرباح فيمكن تتميمه عن طريق الشرط في ضمن عقد الضمان، أو عقد الشركة، أو أي عقد آخر بين البنك والمودع، إذ يشترط البنك‏
    ........................................ صفحة : 212
    فيه على المودع أن يكون الثمن ملكا له بنحو شرط النتيجة لا بأن ينتقل اليه ابتداء، فإنه يكون حينئذ شرطا على خلاف قانون المعاوضة شرعا، بل بأن ينتقل إليه الثمن في طول انتقاله إلى المودع. وقد ذهب المحقق النائيني قدس سره في بحث الشروط إلى صحة مثل هذا الشرط وقد تقدم الكلام عنه سابقا.
    وأما الأمر الثالث وهو دفع البنك مبلغا محددا للمودع، فيمكن تفسيره على أساس إنه استثناء من شرط النتيجة المتقدم، بمعنى أن البنك يشترط أن يكون مالكا لما يزيد على المقدار الذي يدفعه إلى المودع من الربح، لأن البنك يعلم أن الزيادة في الثمن التي تعبر عن الربح هي أكثر عادة من المقدار الذي يدفعه إلى المودعين، فهو يشترط بنحو شرط النتيجة أن يملك ما زاد على ذلك المقدار من الربح.
    ويمكن التوصل في المقام إلى فكره الضمان عن طريق آخر:
    وهو، أن يتفق البنك والمودع على تحويل المبلغ الشخصي الذي يملكه المودع إلى الكلي في المعين، فمودع الألف دينارا يحوّل مملوكه من هذه الألف الشخصية إلى ألف كلية في مجموع الأموال التي يملكها البنك «1» وهذا نظير ما تقدم من صاحب الجواهر (قدس سره) في الملحق الثاني عند توجيهه للرواية الدالة على‏
    ........................................ صفحة : 213
    اصطلاح الشريكين على أن يكون لأحدهما رأس المال والآخر له الربح وعليه التوى. فإنه (قدس سره) ذكر في توجيه ذلك:أن أحد الشريكين يحول مملوكه إلى كلي في المعين. ومحصل ذلك: أنه كما يمكن تحويل الكلي في المعين إلى عين شخصية، كذلك يمكن تحويل العين الشخصية إلى الكلي في المعين. إما بإرجاع ذلك إلى تمليك الخصومية مع التحفظ على أصل الكلي أو إلى نحو من المبادلة.
    وأثر هذا الاتفاق على تحويل الوديعة إلى الكلي في المعين:
    أن لا يتحمل المودع شيئا من التلف ما دام يوجد في الباقي من أموال البنك ما يكون بإزاء ذلك الكلي كما تقتضيه قواعد ملكية الكلي في المعين.
    ويشترط المودع على البنك في اتفاقهما الحفاظ على مالية الوديعة التي أصبحت كليا في المعين بمعنى أن البنك يلتزم متى أراد إجراء المعاوضة على شي‏ء من الأموال التي في حوزته، والتي يملك المودع منها كليا في المعين، أن يقصد وقوع جزء من الثمن بإزاء ذلك الكلي لا يقل عن مالية ذلك الكلي. فلو فرض أن البنك باع عشرة آلاف دينار بخمسة آلاف، بيعا خاسرا وكان للمودع كلي ألف دينار في المجموع، فمقتضى طبع التقسيط وإن كان هو شمول النقص له ولكن بالإمكان إلزام البنك بالشرط بأن يقصد بيع كلي ألف دينار في العشرة بكلي ألف دينار في الخمسة، وبيع أشخاص المال في العشرة آلاف‏
    ........................................ صفحة : 214
    بأشخاص المال في الخمسة آلاف. وبذلك يبقى ملك المودع محفوظ المالية حتى مع وقوع الخسارة على البنك.
    كما أن المودع يكون له على هذا الأساس حصة من الربح لكونه مالكا للكلي في المعين من المال. ويمكن للبنك حينئذ أن يشترط عليه بنحو شرط النتيجة أن يكون مالكا لما زاد عن المقدار المقرر دفعه إلى المودع من أرباح ذلك الكلي في المعين.
    ولا نريد بشرط النتيجة هذا- كما عرفت- أن ينتقل الثمن الواقع بإزاء الكلي ابتداء إلى البنك، بل ينتقل إليه في طول انتقاله إلى البنك.
    وبهذا أمكن تصوير بقاء الودائع على ملك أصحابها وإخراجها عن كونها قروضا. وبذلك تخرج الفوائد المدفوعة إلى المودعين عن كونها فوائد ربوية على القرض.
    ........................................ صفحة : 215

    الملحق (6) يشرح هذا الملحق التخريجات الفقهية المتصورة لتحصيل قيمة الشيك (الصك) من غير البنك المحسوب عليه‏.
    ومعنى تحصيل قيمة الشيك من غير البنك المحسوب عليه: أن شخصا قد يكتب لدائنه شيكا على بنك فيأخذه الدائن ويذهب إلى بنك آخر فيحصل منه على قيمته.
    إن المستفيد من الشيك الذي يتقدم إلى بنك غير البنك المسحوب عليه يعتبر مالكا لقيمة الشيك في ذمة البنك المسحوب عليه بموجب إحالة محرر الشيك له على ذلك البنك. فحين يختار المستفيد أن يذهب إلى بنك آخر لتحصيل قيمة الشيك بدلا عن الذهاب إلى البنك المدين له المسحوب عليه الشيك ابتداء يمكن أن يفسر ذلك فقهيا بعدة وجوه:
    منها: أن يكون طلبه من البنك تحصيل قيمة الشيك، بمعنى أنه يطلب منه الاتصال بالبنك المسحوب عليه الشيك وتكليفه بأن يحول عليه الدين الذي يملكه المستفيد في ذمته فتكون هناك حوالتان: إحداهما الحوالة التي يمثلها الشيك، وهي حوالة ساحب الشيك على البنك المسحوب عليه. والأخرى: حوالة البنك المسحوب عليه دائنه (أي المستفيد) على البنك المحصل.
    والبنك المحصل يجوز له أن يأخذ عمولة في هذا الفرض لقاء قبوله بالاتصال بالبنك المسحوب عليه وتكليفه بالتحويل عليه.
    ........................................ صفحة : 216
    ومنها: أن يكون طلب المستفيد من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنك آخر، بمعنى أنه يبيع الدين الذي يملكه بموجب الشيك في ذمة البنك الآخر، والبنك المحصل يشتري منه هذا الدين بقيمته نقدا، ويصبح هو بدوره دائنا للبنك المسحوب عليه الشيك بمقدار قيمته.
    وفي هذا الفرض قد يقال: إن البنك المحصل ليس له أن يأخذ من المستفيد بالشيك أجرة على تحصيل قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه ذلك الشيك لأنه بعد أن يشتري الدين من المستفيد يصبح هو المالك للدين، فيحصّله لنفسه لا للمستفيد ولا معنى عندئذ لمطالبة المستفيد (أي بائع الدين) بأجرة على ذلك.
    وقد تصحح العمولة في هذا الفرض، بعد إرجاعه إلى بيع الدين، بإنقاص مقدار العمولة من الثمن الذي يبيع المستفيد دينه به، أو بإضافة هذا المقدار إلى الثمن الذي يبيعه، بمعنى انه يبيع من البنك المحصل دينه ومقدار العمولة بثمن قدره قيمة الشيك.
    ولكن ذلك يتوقف على جواز بيع الدين بأقل منه، ولا يصح بناء على عدم الجواز. غير أنه مع البناء على عدم جواز بيع الدين بأقل منه يمكن تصحيح العمولة من دون إرجاع البيع المفروض إلى بيع الدين بأقل منه. وذلك، بأن يفرض ان البنك المشتري للدين من صاحب الشيك يشترط عليه في عقد البيع أن‏
    ........................................ صفحة : 217
    يحصل له الدين من البنك المسحوب عليه، وهذا لا يجعل شراءه للدين من شراء الدين بأقل منه. ونظرا إلى أن بائع الدين الذي بيده الشيك لا يريد أن يحصل الدين بنفسه أي قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه، وإلا لذهب إليه ابتداء، فله أن يطالب البنك المشتري للدين منه بأن يرفع يده عن المطالبة بالشرط المذكور لقاء مال معين.
    ومنها: أن يكون طلب المستفيد بالشيك من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنك آخر مجرد توكيل له في قبض الدين الذي يملكه المستفيد من الشيك في ذمة البنك المسحوب عليه.
    وفي هذا الفرض يجوز للبنك قبول هذا التوكيل في القبض لقاء أجرة معينة ولا يصبح البنك المطالب بتحصيل الشيك مدينا للمستفيد كما هو الحال في الوجه الأول، ولا دائنا للبنك المسحوب عليه كما هو الحال في الوجه الثاني، بل يبقى الدائن والمدين (و هما المستفيد من الشيك والبنك المسحوب عليه) على حالهما ويقوم البنك المحصل بدور الوسيط بينهما لتسلم المبلغ نقدا من المدين.
    وإذا كان المستفيد قد تسلم مبلغا يساوي قيمة الشيك من البنك المحصل قبل أن يحصل هذا البنك على قيمة الشيك فيمكن أن يعتبر هذا المبلغ إقراضا من البنك المحصل للمستفيد ويستوفي البنك المحصل دينه هذا من قيمة الشيك التي يحصل عليها من البنك المسحوب عليه، ولا يعتبر أخذ البنك المحصل‏
    ........................................ صفحة : 218
    للعمولة فائدة على ذلك القرض لكي يصبح ربويا. وإنما هي أجرة على تحصيل الدين لصاحب الشيك كما عرفت.
    وهذا التخريج الفقهي يجعل عملية التحصيل مرتبطة بتسلم المبلغ نقدا من البنك المسحوب عليه لأن البنك المحصل ليس إلا وكيلا في القبض وهو خلاف ما يجري غالبا في واقع الأمر.
    ومنها أن يفترض تكوّن عملية التحصيل من إقراض وحوالة، بمعنى ان المستفيد من الشيك يتصل ببنك غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك فيقترض منه ما يساوي قيمة الشيك ويصبح المستفيد بذلك مدينا بهذه القيمة للبنك الذي اتصل به، فيحوله حوالة على البنك المسحوب عليه، فيكون من حوالة المدين دائنه على مدينة. وهي حوالة صحيحة شرعا. وأخذ البنك للعمولة في هذا الفرض جائز لأنه بإقراضه لصاحب الشيك أصبح دائنا له، وصاحب الشيك يريد أن يحيله على البنك المسحوب عليه، وهو (أي البنك المقرض) بوصفه دائنا غير ملزم بقبول هذه الحوالة، بل له أن يطالب صاحب الشيك بالوفاء نقدا.
    فيمكن والحالة هذه أن يجعل صاحب الشيك له عمولة ومبلغا خاصا لقاء تنازله عن المطالبة بالوفاء النقدي وقبوله بالتحويل وليس هذا من قبيل ما يأخذه الدائن بإزاء إبقاء الدين وتأجيله ليكون ربا، فإنا نفرض أن الدائن في المقام لا يطالب بمال بإزاء بقاء الدين في ذمة المدين، وإنما يطالب بمال لكي يقبل بانتقال هذا الدين من ذمة إلى ذمة أخرى بالحوالة.
    ........................................ صفحة : 219
    وهكذا يتضح مما حققناه أن عملية تحصيل الشيك من بنك غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك يمكن تفسيرها فقهيا، بأحد هذه الوجوه الأربعة. وعلى جميع هذه الوجوه يمكن للبنك من الناحية الفقهية أخذ العمولة.
    وبما حققناه، ظهر حال ما أفاده بعض الأعلام من أن تحصيل الشيك في محل الكلام فرع من فروع الحوالة لأن حامل الصك يحول من يشتريه (أي يحول البنك المحصل) بتسلم المبلغ المذكور من البنك المسحوب عليه فتجري على ذلك أحكام الحوالة، وقد اختار في الحوالة أن البنك لا يجوز له ان يأخذ عمولة في حالة أخذ شخص منه مالا وتحويله له على جهة أخرى لتسلم المبلغ منه لأن البنك في هذه الحالة يكون دائنا فيصبح أخذه عمولة من الزيادة الربوية.
    ولا يعلم ما هو نوع التخريج الفقهي الذي كان يتصوره لعملية تحصيل الشيك حين افترض أن البنك المحصل يشتري الشيك من صاحبه وأن صاحب الشيك يحوله على البنك المسحوب عليه.
    فان كان يتصور أن صاحب الشيك يبيع الشيك فهذا معناه أنه يبيع الدين الذي يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه لأن الشيك بما هو ليس له قيمة مالية. وحينئذ فيملك البنك بموجب عقد البيع هذا الدين الذي كان صاحب الشيك يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه. ولا مجال لافتراض الحوالة على هذا
    ........................................ صفحة : 220

    التقدير لأن الدين الثابت في ذمة البنك المحسوب عليه يملكه البنك المحصل بالشراء لا بالحوالة، فما معنى افتراض الحوالة بعد افتراض الشراء؟
    وإن كان يتصور أن صاحب الشيك يقترض من البنك مالا ثم يحوله على البنك المسحوب عليه الشيك، فليس هناك شراء للشيك بل إقراض من البنك ثم تحويله من المقترض.
    وكيف ما كان التخريج الفقهي لعملية التحصيل فقد عرفت أن أخذ البنك للعمولة من صاحب الشيك يمكن تبريره من الناحية الفقهية على جميع التخريجات المتقدمة.
    ........................................ صفحة : 221
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]الملحق (7) [امتداد للبحث عن مشروعية العمولة التي تؤخذ على التحويل عادة]
    درسنا في الأطروحة العمولة التي تؤخذ على التحويل عادة وصححناها، وهذا الملحق امتداد للبحث عن مشروعية هذه العمولة وتوسع في مناقشة وجهات نظر أخرى.
    وقد اتضح بما ذكرناه النظر في موقف بعض الأعلام إذ خرّج العمولة التي يأخذها البنك بشكل يختص ببعض الحالات فقد أفاد أن التحويل له صورتان: إحداهما، أن يدفع الشخص إلى البنك في النجف مبلغا من المال ويأخذ بالمبلغ المذكور تحويلا على البنك في بغداد، وبإزاء هذا التحويل يأخذ البنك من المحول عمولة معينة. والأخرى، أن يأخذ ذلك الشخص المبلغ المعين المعيّن من البنك في النجف ويحوله في تسلّم المبلغ على مصرف في بغداد فيدفع البنك النجفي المبلغ ليتسلمه من البنك البغدادي، ويأخذ بإزاء ذلك عمولة.
    أمّا الصورة الأولى فالعمولة فيها جائزة لأن البنك في هذه الصورة يحتل مركز المدين، وفرض العمولة يكون لمصلحة المدين لا الدائن فلا يكون ربا. وأما الصورة الثانية فالبنك يحتل فيها مركز الدائن وعليه يكون أخذه للعمولة حراما لربويتها. هذا ملخص ما أفيد في المقام.
    والتحقيق: أن العمولة جائزة وصحيحة على كل حال لأن بالإمكان تخريجها فقيها على أساس يجري حتى في الصورة
    ........................................ صفحة : 222
    الثانية، كما يتضح مما عرضناه في المتن، وذلك بجعل العمولة في مقابل تحكم المدين في تعيين مكان الوفاء لدائنه أو تحكّم الدائن في تعيين مكان وفاء مدينة له. ففي الصورة الثانية وإن كان البنك النجفي هو الدائن والمقرض. ولكن لما كان هذا القرض قد وقع منه في النجف فالمكان الطبيعي للوفاء الذي يقتضيه الإطلاق هو النجف ويصبح من حق البنك أن يطالب المقترض بالوفاء والدفع في النجف، وحيث أن المفروض أن المقترض بالوفاء والدفع في النجف، وحيث أن المفروض أن المقترض يريد أن يكلفه بتسلم المبلغ من بنك في بلد آخر فبإمكان البنك النجفي أن لا يوافق على ذلك إلا بإزاء مقدار معيّن من المال.
    وليس في ذلك ربا على الإطلاق.
    والفكرة الأساسية في هذا التخريج أنه متى ما أراد الدائن أو المدين أن يلزم الطرف الآخر بقبول المبلغ المقترض أو دفعه في غير المكان الطبيعي الذي وقع فيه عقد القرض وانصرف إليه.
    فيصح للطرف الآخر أن يأخذ مالا في مقابل تجاوبه مع ذلك الإلزام ورفع اليد عن حقه في الامتناع.
    ........................................ صفحة : 223
    الملحق (8) [هل يستحق البنك العمولة من الدائن بمجرد مطالبته للمدين‏]

    درسنا في الأطروحة أن البنك يجوز له شرعا أخذ عمولة على تحصيل الكمبيالة. وفي هذا الملحق نريد أن ندرس ظرف استحقاقه للعمولة.
    هل يستحق البنك العمولة من الدائن بمجرد مطالبته للمدين بقيمة الكمبيالة أو يتوقف استحقاقه لها على تحصيل الدين فعلا؟
    وقد تعرض بعض الأعلام لذلك فبني هذه المسألة على كون العمولة جعالة أو إجارة، فإن كان أخذ البنك للمعولة من باب الجعالة فلا بد من تحصيل البنك للمال من المدين، وإلا فليس له أخذ تلك العمولة ويكون ذلك من قبيل ما لو قال الشخص:
    من وجد ضالتي فله عليّ عشرة دنانير فإن استحقاق هذه العشرة يتوقف على تحصيل الضالة فعلا. وأما إذا خرّجنا الموقف على أساس الإجارة فإن للبنك أخذ العمولة من الدائن بإزاء مطالبته للمدين بالدين سواء حصل الدين أم لا.
    والتحقيق: أن استحقاق البنك للعمولة بمجرد المطالبة أو توقف الاستحقاق على تحصيل المبلغ فعلا ليس مبنيا على كون المقام من باب الجعالة أو من باب الإجارة بل على تشخيص ما ما أنيط به الجعل أو الأجرة.
    وتحقيق ذلك: ان تحصيل الدين إما أن يفرض كونه مقدورا للبنك ولو عن طريق الإلحاح في المطالبة أو الرجوع إلى‏
    ........................................ صفحة : 224
    القضاء ونحو ذلك، وإما أن يفرض كون البنك عاجزا عن التحصيل إذا لم تنفع المطالبة الابتدائية في تحصيله. فإن فرض تمكّن البنك من التحصيل، فكما يمكن للدائن أن يجعل له جعلا على تقدير التحصيل كذلك يمكنه أن يستأجره على تحصيل الدين بالفعل. وتتفق حينئذ الجعالة والإجارة معا في عدم استحقاق البنك للعمولة بمجرد المطالبة، إذا لم يترتب عليها التحصيل وكان متوقفا على مواصلة العمل من البنك، لأن الجعل والأجر وقعا في مقابل التحصيل لا مجرد المطالبة.
    وإذا لم يفرض كون البنك قادرا على تحصيل الدين بالفعل وإنما يفرض قدرته على المطالبة به فحسب، فكما يمكن للدائن أن يستأجر البنك على مجرد المطالبة كذلك يمكنه ان يضع له جعلا على مجرد المطالبة. وتتفق حينئذ الجعالة والإجارة معا في استحقاق البنك للعمولة بمجرد المطالبة لأن الجعل والأجر وقعا في مقابل المطالبة لا التحصيل الفعلي للدين. فاتضح أن الجعل في الجعالة يمكن تصويره بنحو لا يكون مستحقا إلا بالتحصيل كما أن الأجرة في الإجارة يمكن تصويرها بنحو لا يكفي في استحقاقها مجرد المطالبة.
    يبقى بعد هذا أن نرى أنه في فرض عدم قدرة البنك إلا على مجرد المطالبة التي قد تقترن بالتحصيل وقد لا تقترن تبعا لاستعداد المدين للوفاء إثباتا ونفيا. هل يمكن في مثل هذا الفرض أن نتصور الجعل في الجعالة والأجرة في الإجارة بنحو يتوقف استحقاقهما على التحصيل فعلا.
    ........................................ صفحة : 225

    أما في الإجارة فلا إشكال في أن صحتها تتوقف على كون الفعل المستأجر عليه مقدورا للأجير، وإلا كانت الإجارة باطلة لأن صحة الإجارة فرع كون المؤجر مالكا للمنفعة لكي يصح له تمليكها للمستأجر بعقد الإجارة، وإذا كان الأجير غير قادر على الخياطة مثلا فلا تكون الخياطة من منافعه المملوكة له بنحو من الملكية لكي يصح له تمليك هذه المنفعة من منافعه للغير. وعلى هذا الأساس فلا يصح للدائن أن يستأجر شخصا لتحصيل دينه من المدين وتسليمه له إلا إذا كان التحصيل والتسليم مقدورا للأجير بأن فرض استعداد المدين للدفع عند المطالبة. ففي مثل ذلك يجوز وقوع الإجارة على تحصيل الدين من المدين وتسليمه إلى الدائن لأنه عمل مقدور للأجير بعد فرض أن المقدمات غير الاختيارية لهذا العمل حاصلة بسبب استعداد المدين للدفع عند المطالبة. وأما إذا لم يكن المدين مستعدا للدفع عند المطالبة ولم يكن الأجير قادرا على إجباره على الدفع فلا يكون تحصيل الدين من المدين وتسليمه إلى الدائن مقدورا للأجير. فتبطل الإجارة الواقعة عليه. واما إذا شك في قدرة الأجير على العمل كما هو المفروض في المقام إذ فرضنا الشك في استعداد المدين للدفع إذا طولب، وهذا يوجب الشك في قدرة الأجير على تحصيل الدين وتسليمه إلى الدائن. فهل تبطل الإجارة الواقعة على عمل يشك في قدرة الأجير عليه مطلقا أو تتبع صحة وبطلانا واقع الأمر فإن كانت القدرة موجودة عند الأجير صحت الإجارة لأن الأجير يكون مالكا في الواقع للفعل فينفذ تمليكه له، وإن لم تكن‏
    ........................................ صفحة : 226
    القدرة ثابتة للأجير في الواقع بطلت الإجارة لأن الأجير يكون قد ملّك ما ليس من منافعه المملوكة له وليس هذا من التعليق في الإجارة الموجب للبطلان أما أولا فلإمكان فرض تمليك المنفعة بعوض منجز وفعلي من قبل الأجير لأن شكه في كونه مالكا للمنفعة الفلانية لأجل شكه في القدرة عليها لا يمنع عن صدور إنشاء يملك تلك المنفعة بعوض منه على نحو منجز، نظير من يشك في أن عينا من الأعيان ملكه ويبيعها مع هذا بيعا منجزا فالتعليق في المقام إنما هو تعليق للحكم بصحة الإجارة لا للمنشإ المجعول من قبل الأجير والمستأجر في عقد الإجارة. وثانيا لو سلم سريان التعليق إلى نفس المنشأ المجعول منهما فليس هذا من التعليق الباطل لأنه من التعليق على تمامية أركان صحة العقد وليس من التعليق على أمر خارجي من قبيل رجوع الحجاج أو نزول المطر الذي هو المستيقن من الإجماع على مبطلية التعليق؟؟.
    فإن بنينا على بطلان الإجارة واقعا مع الشك في القدرة ولو كانت القدرة ثابتة واقعا إما بتوهم استلزام الشك حينئذ للتعليق وإما للغرر أو نحو ذلك. فلا يمكن في المقام أن تقع الإجارة على نفس تحصيل الدين وتسليمه الى الدائن، للشك في قدرة البنك على ذلك بحسب الفرض فلا بد أن تقع الإجارة على نفس المطالبة ويستحق البنك حينئذ الأجرة بمجرد المطالبة.
    وإن بنينا على أن الإجارة الواقعة مع الشك تتبع الواقع فتصح مع وجود القدرة واقعا وتبطل مع عدمها كذلك فيمكن تصوير الإجارة بنحو لا يستحق معه الأجير الأجرة إلا مع تحصيل‏
    ........................................ صفحة : 227
    الدين بالفعل، وذلك بإيقاعها على نفس تحصيل الدين وتسليمه الى صاحبه. وحينئذ فلا يستحق البنك الأجرة بالمطالبة إذا لم تؤدي إلى تحصيل الدين فعلا، إذ ينكشف حينئذ عدم القدرة على الفعل المستأجر عليه وبالتالي يظهر بطلان الإجارة، فلا موجب لاستحقاق الأجرة. بينما لو طالب وحصل الدين فإنه يستحق بذلك الأجرة إذ ينكشف كون الفعل مقدورا له وبالتالي كون الإجارة صحيحة فيملك الأجرة بالعقد ويستحق تسلمها بتسليمه للعمل.
    ولا يبعد البناء على الثاني، أي على أن الإجارة الواقعة مع الشك تتبع الواقع.
    ودعوى أن قدرة الأجير على الفعل معتبرة في صحة الإجارة بملاكين، أحدهما، بلحاظ دخلها في مالكية الأجير للمنفعة التي يملكها للمستأجر في عقد الإجارة إذ لو لم يكن قادرا على الخياطة مثلا فلا يكون مالكا لهذه المنفعة فلا يصح منه تمليكها. والآخر، بلحاظ أن الإجارة يشترط فيها القدرة على التسليم حتى إذا وقعت على منافع الأموال، وحينئذ، فعجز الأجير عن العمل المستأجر عليه يوجب الإخلال بشرط القدرة على التسليم، وعلى هذا الأساس فوجود القدرة واقعا مع الشك فيها ظاهرا إنما ينفع في نفي الملاك الأول للبطلان لأن القدرة الواقعية تكفي لصيرورة الأجير مالكا في الواقع للمنفعة، وصحة الإجارة تتوقف على كون المؤجر مالكا للمنفعة لا على كونه عالما بأنه مالك لها، وأما الملاك الثاني للبطلان فلا يزول بفرض القدرة الواقعية مع الشك‏
    ........................................ صفحة : 228
    فيها لأن مدرك اشتراط القدرة على التسليم هو الغرر والغرر لا ينتفي إلا مع العلم بالقدرة على التسليم.
    هذه الدعوى مدفوعة بأن القدرة على التسليم على فرض القول باشتراطها في صحة الإجارة وبطلان الإجارة بدونها، فليس المدرك في ذلك النهي عن الغرر لقصوره عن إثبات المطلوب سندا ودلالة كما هو محقق في محله، بل الإجماع والقدر المتيقن منه فرض انتفاء القدرة واقعا.
    هذا كله في الإجارة.
    وأما الجعالة فيمكن تصوير الجعل بنحو لا يستحقه البنك إلا مع تحصيل الدين بالفعل، وذلك بأحد وجهين:
    الأول: أن يكون الجعل مفروضا على تحصيل الدين وتسليمه الى الدائن لا على مجرد المطالبة به. ودعوى: أن المعروف بينهم هو اشتراط قدرة المجعول له على الفعل المحدد في الجعالة وعدم صحة الجعالة بدون ذلك والمفروض في المقام عدم إحراز القدرة. مدفوعة بأن الجعالة حيث أنها لا تتكفل تمليك الجاعل منفعة الفاعل فلا يأتي هنا الملاك الأول السابق في الإجارة الذي كان يقتضي اشتراط قدرة الأجير على الفعل تحقيقا لمالكيته للمنفعة التي هي شرط في نفوذ تمليكه. كما أن الجعالة لا تشتمل على مسؤولية فعلية على الجاعل إلا بعد فرض صدور العمل من المجعول له لأن مفاد الجعالة قضية شرطية مقدمها صدور العمل وجزاؤها استحقاق الجعل فلا يأتي هنا أيضا الملاك الثاني المتوهم في الإجارة وهو لزوم الغرر مع عدم إحراز القدرة على‏
    ........................................ صفحة : 229
    التسليم. إذ لا خطر ولا غرر في المقام على الجاعل يوجه أصلا، إذ لا يستحق المجعول له شيئا عليه إلا في طول العمل.
    وعلى هذا الأساس فلا دليل على اشتراط قدرة المجعول له على العمل في الجعالة إلا كونها غير عقلائية وسفهائية مع فرض عجز المجعول له عن العمل، وهذا المحذور انما هو في فرض العلم بالعجز وأما مع احتمال القدرة فتكون الجعالة عقلائية ولا مانع من نفوذها. وبناء على ذلك يمكن للدائن في المقام أن يجعل للبنك جعلا على تحصيل الدين بالفعل وتسليمه إليه أو إلى من يحب ولو مع الشك في قدرة البنك على التحصيل.
    الثاني: أن يفرض كون الجعل مفروضا على المطالبة بالدين التي هي عمل يعلم بقدرة المجعول له عليه، غير أن الجعل ليس مطلقا بل هو مقيد بما إذا كان المدين مستعدا للوفاء. فالدائن يقول للبنك: إذا كان المدين مستعدا لوفاء ديني عند مطالبتك له به فأنا أعطيك دينارا إذا طالبته. ومرجع ذلك إلى جعالة معلقة، ولا بأس بمثل هذا التعليق في الجعالة التي ليست هي بحسب التحقيق الا تحديدا لمقتضيات ضمان الغرامة كما تقدم سابقا. وعلى هذا فلا يستحق البنك الجعل إلا في فرض استعداد المدين للدفع وهذا الاستعداد مساوق لترتب التحصيل على المطالبة.
    وهكذا يتضح من كل ما تقدم أن استحقاق البنك للعمولة بالمطالبة أو بتحصيل الدين فعلا ليس مبنيا على كون العمولة جعالة أو أجرة. بل هو مبني على تشخيص الفعل الذي فرض له الجعل أو حددت له الأجرة.
    ........................................ صفحة : 230

    الملحق (9) يعالج هذا الملحق على مستوى موسع من الناحية الفقهية حكم قبول الكمبيالة من قبل البنك‏

    . وقبول البنك للكمبيالة نوع من التعهد من قبل البنك بالدين يسمح للدائن أن يرجع عليه إذا تخلف المدين عن الوفاء. وقد قلنا في الأطروحة ان قبول البنك للكمبيالة صحيح لأنه تعهد مشروع. ونريد الآن ان نحدد معنى هذا التعهد وتخريجه فقهيا.
    لا نقصد بهذا التعهد عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف، لأن عقد الضمان ينتج- بناء على القول المشهور في فقهنا الإمامي- نقل الدين من ذمة إلى ذمة لا ضم ذمة إلى ذمة أو مسؤولية إلى مسؤولية. ومن الواضح أن البنك في قبوله للكمبيالة لا يقصد نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمته، وإذا أنشئ عقد الضمان وأريد به أن ينتج ضم ذمة إلى ذمة كان ذلك باطلا شرعا.
    وعليه فنحن لا نريد أن نفسر قبول البنك للكمبيالة على أساس عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف، ولكنا نرى أن هناك معنى ثانيا غير نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمّة آخر، وغير جعل الشخص الآخر نفسه مسؤولا عن نفس المبلغ الذي يكون المدين مسؤولا عنه على نحو ضم مسؤولية إلى مسؤولية. وهذا المعنى الثالث هو أن يكون الشخص الآخر مسؤولا عن أداء الدين إلى الدائن، بأن يقول للدائن مثلا: أن أتعهد بأن دينك سيؤدي إليك.
    فالضمان هنا ليس ضمانا لنفس مبلغ الدين إما بدلا عن المدين‏
    ........................................ صفحة : 231
    الأصلي أو منضما إليه. وإنما هو ضمان لأدائه مع بقاء الدين في ذمة المدين الأصلي وتحمله لمسؤوليته.
    ولا ينبغي أن يتوهم رجوع هذا المعنى الثالث إلى الضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة أو مسؤولية إلى مسؤولية بدعوى أن كلا من المدين الأصلي والمتعهد الجديد أصبح يتحمل المسؤولية وهذا معنى الضم. وذلك لأن الجواب على هذا التوهم هو بإبراز الفرق بين هذا المعنى الثالث وبين الضمان بمعنى الضم، فإن الضمان بمعنى الضم يعني كون كلا الشخصين من المدين والضامن مسؤولا عن ذلك المبلغ (و لنفرضه عشرة دنانير) أمام الدائن فالمسؤوليتان منصبتان على شي‏ء واحد وهو المبلغ المحدد من الدين، ولهذا كان للدائن أن يرجع على أيهما شاء.
    وأما المعنى الثالث فهو وإن كان يؤدي إلى تحمل المدين والضامن معا للمسؤولية إلا أن متعلق المسؤولية مختلف فإن المدين والضامن ليسا في المعنى الثالث مسؤولين ومشتغلي الذمة بذات المبلغ، بل المدين مسؤول ومشغول الذمة بذات المبلغ والضامن مسؤول عن أداء ذلك المبلغ أي أنه مسؤول عن خروج المدين عن عهدة مسؤوليته وتفريغ ذمته. وعليه فليس للدائن أن يرجع ابتداء على الضامن بالمعنى الثالث ويطالبه بالمبلغ المقترض لأن الضامن بهذا المعنى ليس مسؤولا مباشرة عن المبلغ المقترض بل هو مسؤول ومتعهد بأداء المدين للدين وخروجه عن عهدة ذلك المبلغ. ومثل هذا التعهد من الضامن إنما ينتهي إلى استحقاق الدائن للمطالبة من ذلك الضامن فيما إذا امتنع المدين عن الوفاء فإن معنى هذا الامتناع أن ما تعهد به‏
    ........................................ صفحة : 232
    الضامن وهو أداء المدين للدين لم يتحقق. ولما كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية، والمفروض أنه تلف على الدائن بامتناع المدين عنه قصورا أو تقصيرا، فيصبح مضمونا على من كان متعهدا به وتشتغل ذمة الضامن حينئذ بقيمة الأداء التي هي قيمة الدين.
    وهكذا يتضح أن الضمان بالمعنى الثالث هو تعهد بالأداء لا تعهد بالمبلغ في عرض مسؤولية المدين وأن هذا التعهد ينتج ضمان قيمة المتعهد به إذا تلف بامتناع المدين عن الأداء، ولكن حيث أن الأداء ليس له قيمة مالية إلا بلحاظ مالية مبلغ الدين فاستيفاء الدائن لقيمة الأداء من الضامن بنفسه استيفاء لقيمة الدين فيسقط الدين بذلك.
    وهذا المعنى الثالث للضمان صحيح شرعا بحكم الارتكاز العقلائي أولا، وللتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثانيا. إلا أن التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يتوقف على أن نثبت قبل ذلك بالارتكاز العقلائي مثلا عقدية هذا النحو من التعهد والضمان أي كون إيجاده المعاملي متقوّما بالتزامين من الطرفين ليحصل بذلك معنى العقد بناء على تقوّم العقد بالربط بين التزامين بحيث يكون أحدهما معقودا بالآخر. وأما إذا كان التعهد والضمان بالمعنى المذكور مما لا يتقوم إيجاده المعاملي في الارتكاز العقلائي بالتزامين من الطرفين فلا يصدق عليه العقد بناء على هذا ويكون إيقاعا، لا تشمله عندئذ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أما كيف نعرف أن المضمون المعاملي هل يتقوم إيجاده بالتزام من طرف واحد أو بالتزامين من طرفين فذلك بأن يلاحظ
    ........................................ صفحة : 233
    ان ما يتكفله المضمون المعاملي هل جعل تحت سلطان شخص واحد وضعا أو جعل تحت سلطان شخصين بنحو الانضمام؟
    فما كان مضمونه المعاملي من قبيل الأول يكون إيقاعا ولا يكون عقدا لتقوّمه بالتزام واحد ممن له السلطان على ذلك المضمون المعاملي كما في العتق والطلاق. وما كان مضمون المعاملي من قبيل الثاني فهو عقد لتقوّمه بالتزامين مترابطين كالبيع والنكاح وغيرهما. وعليه، ففي المقام لا بد أن يلحظ أن كون الإنسان مسؤولا عن أداء دين شخص آخر الذي هو المضمون المعاملي للضمان بالمعنى الذي بيناه هل هو بحسب الارتكاز العقلائي تحت سلطان الضامن فقط أو تحت سلطان الضامن والمضمون له معا؟
    فعلى الأول لا يصح الاستدلال على نفوذه بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على ما تقدم. وعلى الثاني يكون الضمان المذكور عقدا في نظر العقلاء ويشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
    ودعوى أن الضمان بهذا المعنى لا يمكن أن يكون عقدا ومحتاجا إلى التزام من قبل المضمون له أيضا زائدا على التزام الضامن، لأنه لا يشتمل على التصرف في شئون المضمون له وحيثياته لأن مجرد كون الدين الذي يملكه شخص متعهدا به ليس تصرفا في مملوكه فلا يقاس على عقد الضمان بالمعنى المصطلح الذي يؤدي إلى نقل الدين من ذمة إلى ذمة.
    هذه الدعوى مدفوعة بأن كون المضمون المعاملي عقديا ومحتاجا إلى التزامين من شخصين لا ينحصر ملاكه في الارتكاز
    ........................................ صفحة : 234
    العقلائي بكونه تصرفا في ذينك الشخصين معا. بل قد لا يكون مشتملا إلا على التصرف في أحدهما ومع هذا يعتبر عقلائيا تحت سلطان الشخصين معا كما في الهبة التي اعتبرت من العقود مع أنها مشتملة على التصرف في مال الواهب فقط.
    وعلى أي حال فالضمان بالمعنى الثالث صحيح. وأما الروايات التي دلت على أن عقد الضمان ينتج نقل الدين من ذمة إلى ذمة فلا يمكن الاستدلال بها في المقام على إبطال الضمان الذي تصورناه، لعدم كونه منتجا لنقل الدين من ذمة إلى ذمة.
    والوجه في عدم إمكان الاستدلال بتلك الروايات على ذلك أن تلك الروايات إنما تنظر إلى عقد يتكفل ضمان نفس الدين لا ضمان الأداء، فلا يمكن إبطال هذا المعنى الثالث من الضمان بلحاظ تلك الروايات.
    وعلى ضوء جميع ما تقدم نفسر قبول البنك للكمبيالة على أساس هذا المعنى من الضمان وينتج اشتغال ذمة البنك بقيمة الكمبيالة لكن لا في عرض اشتغال ذمة المدين ولا بدلا عنه، بل في طول امتناعه عن الأداء بالنحو الذي فصلناه.
    ........................................ صفحة : 235

    الملحق (10) يعالج هذا الملحق على مستوى موسع من الناحية الفقهية حكم خطابات الضمان النهائية

    ، وهي خطابات يحتاج إليها المقاولون حينما يتولون مشروعا لجهة حكومية ونحوها فتشترط عليهم تلك الجهة أن يدفعوا مبلغا من المال في حالة عدم إنجاز المشروع. ولكي تثق تلك الجهة بالدفع يلجأ المقاول الى البنك ليصدر له خطاب ضمان يتعهد فيه لتلك الجهة بالمبلغ المقرر.
    في المواد المذكورة التي يصدر فيها البنك خطاب الضمان لعميله يكون العميل قد ارتبط في عقد بجهة معينة واشترط عليه ضمن ذلك العقد أن يدفع كذا مقدارا في حالة التخلف. وهذا الشرط صحيح في نفسه إذا لم يكن التخلف يعني بطلان أصل العقد. نعم لو كان العقد عقد إجارة وكان مورد الإجارة المنفعة الخارجية لا المنفعة الذمة وانكشف عقيب العقد أن الأجير عاجز عن ممارسة العمل المطلوب فمعنى هذا بطلان نفس الإجارة لانكشاف عدم كون تلك المنفعة من منافع الأجير فيبطل بالتبع الشرط المفروض في عقد الإجارة أيضا. فلا بد احتياطا لمثل هذه الحالة من فرض الشرط بنحو آخر لكي يكون ملزما.
    وعلى أي حال، فبعد صحة الشرط ونفوذه يصبح للجهة المستأجرة حتى دفع مبلغ معين على الأجير المقاول في حالة تخلفه عن القيام بتعهداته، وهذا الشرط يتصور صياغته بأحد أنحاء ثلاثة
    ........................................ صفحة : 236
    الأول: أن يكون بنحو شرط النتيجة بحيث تشترط الجهة الخاصة على المقاول أن تكون مالكة لكذا مقدارا في ذمته إذا تخلف عن تعهداته.
    الثاني: أن يكون بنحو شرط الفعل. والفعل المشترط هو أن تملّك الجهة الخاصة كذا مقدارا (لا أن تكون مالكه) الثالث: أن يكون بنحو شرط الفعل. والفعل المشترط هو أن يملك المقاول تلك الجهة كذا مقدارا. والفرق بين هذا النحو وسابقه مع أن الشرط في كل منهما شرط الفعل هو أن الشرط في هذا النحو فعل خاص وهو تمليك المقاول مالا للجهة الخاصة، وأما في النحو السابق فالمشترط وإن كان هو عملية التمليك أيضا ولكن المراد بها جامع التمليك القابل للانطباق على تمليك نفس المقاول وعلى تمليك غيره. والثمرة بين هذين النحوين تظهر في إمكان تبرع شخص آخر بالقيام بالشرط على القاعدة بدون حاجة إلى أمر أو توكيل من المقاول، فإن الشرط إذا كان هو خصوص الحصة الخاصة من التمليك الصادرة من المقاول فلا ممكن لشخص آخر إيجاد الشرط تبرعا. وأما إذا كان الشرط هو الجامع بين الحصة الصادرة من المقاول والحصة الصادرة من غيره فيمكن للغير إيجاد هذا الجامع وبإيجاده يحصل الوفاء ولا يعود المقاول مطالبا بشي‏ء، ويكون من قبيل تمكّن الغير من وفاء دين المدين.
    ولا يتوهم أن الشرط على المقاول يجب أن يكون خصوص الحصة الصادرة منه لا أوسع من ذلك إذ لا معنى لأن يشترط
    ........................................ صفحة : 237
    على شخص إلا فعله، لأن هذا التوهم يندفع بأنّ الاشتراط يقتضي كون متعلقة مقدورا للمشروط عليه بحيث يمكن أن يدخل في عهدته ومسؤوليته. ومن المعلوم أن الجامع بين فعله وفعل غيره مقدور له ولهذا يقال في باب الأحكام التكليفية أنه يعقل تعلق الأمر بالجامع بين فعل المكلف وفعل غيره بنحو صرف الوجود.
    إذا اتضحت هذه الأنحاء الثلاثة للشرط، فنقول: إن النحو الأول (أي شرط النتيجة) غير صحيح في المقام لأن النتيجة المشترطة في المقام وهي اشتغال ذمة المقاول بكذا درهما ابتداء ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة، وأدلة نفوذ الشرط ليست مشرّعة لأصل المضمون وإنما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لأن تنشأ به المضامين المشروعة في نفسها. وتفصيل ذلك في محله من بحث الشروط.
    وأما النحوان الآخران من الشرط فهما معقولان.
    والآن بعد ان تعقلنا الشرط على المقاول بأحد النحوين الأخيرين نتكلم عن خطابات الضمان التي يزوّد البنك بها المقاول ويضمن فيها هذا الشرط للجهة التي اشترطته على المقاول، فنقول:
    إن خطابات الضمان هذه يمكن تخريجها على أساس الضمان بالمعنى الثالث الذي فسرنا به قبول البنك للكمبيالة، غاية الأمر أن المضمون في موارد قبول البنك للكمبيالة هو المدين والمضمون هنا هو المشروط عليه، فكما يصح للبنك أن يتعهد للدائن بأداء الدين كذلك يصح له أن يتعهد للمشترط بأداء الشرط لأن‏
    ........................................ صفحة : 238
    كل ذلك مطابق للارتكاز العقلائي. ثم إن اقتضاء هذا التعهد لاستحقاق المطالبة من المتعهد (أي البنك مثلا) بأداء الدين أو أداء الشرط يمكن أن يبين بأحد وجهين:
    الأول: أن يقال: إن هذا التعهد الذي اعتبرناه معنى ثالثا للضمان هو تعهد بأداء الدين أو بأداء الشرط بحيث يصبح أداء الدين أو أداء الشرط في عهدة البنك في المثال المفروض على حد كون العين المغصوبة في عهدة الغاصب، غاية الأمر أن وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب قهري، وأما وقوع أداء الدين أو أداء الشرط في عهدة البنك فهو بسبب إنشائه لمثل هذا التعهد المفروض كونه نافذا بحسب الارتكاز العقلائي الممضى شرعا.
    وكما أن وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب يعني كونه مسؤولا عن نفس العين أي تسليم العين إلى المالك ما دامت موجودة وإذا تلفت العين تتحول العهدة إلى اشتغال الذمة بقيمتها على تفصيل وتحقيق لا يسعه المقام. كذلك العهدة الجعلية في محل الكلام (أي تعهد البنك الضامن بأداء الدين وأداء الشرط) فإنها تعني كون البنك مسؤولا عن تسليم ما وقع في العهدة الجعلية وهو أداء الدين أو الشرط بوصفه فعلا له مالية (لا نفس الدين) وكما إذا تلفت العين المغصوبة تتحول العهدة القهرية إلى اشتغال الذمة بقيمة العين كذلك إذا تلف أداء الدين أو أداء الشرط على الدائن والمشترط بسبب امتناع المدين والمشروط عليه عن الأداء الذي يعتبر نحو تلف للفعل على مستحقه عرفا تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال الذمة بقيمة ذلك الفعل أي بقيمة أداء الدين أو أداء
    ........................................ صفحة : 239
    الشرط لأن اشتغال الذمة بقيمة المال عند تلفه من اللوازم العقلائية لمعنى دخول ذلك المال في العهدة، فأي مال دخل في العهدة سواء كان عينا أو فعلا له مالية، وسواء كانت العهدة قهرية كعهدة الغاصب أو جعلية بسبب اشتغال ذمة صاحب العهدة بقيمته عند تلفه فبعد فرض إمضاء العهدة الجعلية عقلائيا وشرعا يترتب عليها لازمها من اشتغال الذمة بالقيمة على تقدير التلف.
    وعلى هذا الأساس يصح خطاب الضمان من البنك في المقام بوصفه تعهدا بالشرط وهو دفع مبلغ كذا مقدارا بحيث يستتبع اشتغال الذمة بقيمته بوصفه فعلا ذا مالية إذا تلف على المشترط.
    ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الشرط المفروض على المقاول من النحو الثاني أو من النحو الثالث، أي أن يكون الشرط هو تمليك المقاول خاصة أو جامع التمليك بالنحو الذي شرحناه في تحقيق أنحاء الشرط. إذ على كلا التقديرين يمكن أن يدخل الشرط في عهدة البنك ويستتبع ذلك اشتغال ذمته بقيمة الشرط عند تلفه على المشترط.
    ودعوى أن الشرط إذا كان هو تمليك المقاول خاصة فلا يمكن ان يدخل في عهدة البنك لأن دخوله في عهدته يقتضي كونه مطالبا بتسليمه مع أن تمليك المقاول بما هو فعل للمقاول ليس قابلًا للتسليم من قبل البنك ليدخل في عهدته، نعم إذا كان الشرط هو الجامع بين تمليك المقاول وغيره أمكن دخول هذا
    ........................................ صفحة : 240

    الجامع في عهدة البنك لأنه قابل للتسليم. هذه الدعوى مدفوعة بأن فعل الشخص يمكن أن يدخل في عهده شخص آخر بنحو يستتبع وجوب تسليمه فيما إذا كان قابلًا للوقوع تحت اختيار ذلك الشخص الآخر، من قبيل التعهد في موارد الكفالة، فإن الكفيل يتعهد بحضور المكفول، وحضوره فعل للمكفول ولكن حيث أنه في معرض قدرة الكفيل عليه ولو بالتسبيب أمكن أن يدخل في عهدته. فكذلك في المقام يكون تعهد البنك مستتبعا لمطالبته بحثّ المضمون على أداء الشرط، وحيث لا يتمكن البنك من إغراء المضمون بأداء الشرط تتحول العهدة إلى شغل الذمة بقيمة الشرط.
    الثاني: أن يقال، إن العهدة الجعلية التي جعلناها معنى ثالثا للضمان هي عبارة عن تحمل تدارك الشي‏ء بقيمته إذا تلف، فهذا التحمل بنفسه هو معنى التعهد بذلك الشي‏ء الممضى في الارتكاز العقلائي، فيكون اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف هو مدلول هذا التعهد ابتداء. ففي المقام تعود خطابات الضمان إلى تعهدات من قبل البنك بالشروط المأخوذة على المقاولين وتعهد البنك بالشرط بوصفه فعلا له مالية، يعني اشتغال ذمته بقيمة هذا الفعل إذا تلف بامتناع المقاول عن أداء الشرط.
    والفرق بين تفسير المعنى العقلائي للعهدة الجعلية بهذا الوجه وتفسيره بالوجه المتقدم أن صاحب الشرط ليس له- بناء على هذا الوجه- مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء
    ........................................ صفحة : 241
    وإنما له على تقدير امتناع المقاول أن يغرّم البنك قيمة ما تعهد به. وأما على الوجه السابق فله ذلك.
    وبما حققناه من المعنى الثالث للضمان وتخريج خطابات الضمان على أساسه باعتبارها تعهدات من البنك بوفاء المقاول بشرطه يظهر الحال فيما أفاده بعض الأعلام من محاولة تطبيق الكفالة بمعناها المصطلح لدى الفقهاء أي: كفالة النفس على خطابات الضمان للبنك، وكفالاته للمقاولين، ثم استشكاله في اقتضاء هذه الكفالة لدفع المال المستحق بدعوى أن أثر الكفالة ينحصر في إحضار نفس المكفول.
    إننا في غنى عن ذلك كله بعد إمكان تطبيق الضمان المالي على كفالات البنك. غاية الأمر أنه ضمان لا بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة ولا بمعنى ضم ذمة إلى ذمة بل بمعنى التعهد بأداء دين أو شرط للدائن أو المشترط. والضمان بهذا المعنى مطابق للارتكاز العقلائي كما عرفت سابقا. ومنه بحسب الدقة ما ذهب إلى صحته كثير من الفقهاء من ضمان الأعيان المغصوبة فإن ضمانها ليس بمعنى النقل من ذمة إلى ذمة إذ لا يوجد شغل الذمة ما دامت العين موجودة، بل التحقيق في معنى ضمان الأعيان المغصوبة أنه عبارة عن التعهد بأدائها، ويترتب على هذا التعهد اشتغال الذمة بقيمتها عند تلفها.
    وهكذا نعرف أنه بعد فرض مساعدة الارتكاز العقلائي والفقهي على تصوير الضمان بمعنى التعهد بأداء الدين أو أداء
    ........................................ صفحة : 242
    الشرط أو أداء العين المغصوبة بنحو يعنى اشتغال الذمة بقيمة الأداء عند تلفه فلا موجب لربط ضمانات البنك بالكفالة بمعناها المقابل للضمان المالي لدى الفقهاء لكي تكون قاصرة عن إنتاج شغل الذمة بالقيمة. لأن الكفالة المقابلة للضمان المالي مختصة بكفالة النفس ولا تقتضي عند المشهور أكثر من إحضار المكفول.
    فإن قيل: إنه في موارد شرط الفعل لا يكون المشترط مالكا لشي‏ء في ذمة المشترط عليه ففي مثال المقاول الذي تشترط عليه الجهة التي تتفق معه بنحو شرط الفعل أن يدفع عشرين دينارا إذا تخلف عن الاتفاق لا تكون الجهة مالكة لعشرين دينارا في ذمته، فكيف يفرض أن تعهد البنك بالشرط يؤدي إلى تملك الجهة لشي‏ء في ذمته، بينما لم تكن تملك شيئا بسبب الشرط في ذمة المتعهد عنه؟
    قلنا: قد يقال في شرط الفعل إن المشروط له يملك نفس الفعل على المشروط عليه. ففي المثال المذكور وإن لم تملك الجهة المخصوصة عشرين دينارا، في ذمة المقاول ولكنها تملك عليه فعلا له قيمة مالية وهو تمليك عشرين دينارا، والمفروض أن البنك يتعهد بهذا الفعل للجهة المالكة له ويستتبع ذلك عند تلف الفعل ان تملك الجهة قيمة الفعل في ذمته بمقتضى ضمانه للفعل وتعهده به.
    وإذا لم نقل بأن المشروط له يملك الفعل ففي المثال لا تكون الجهة التي اتفق معها المقاول مالكة لا لعشرين دينارا في ذمته‏
    ........................................ صفحة : 243
    ولا للتمليك بما هو فعل له مالية. لكن هذا لا يعني عدم تعقل ضمان الشرط بل يمكن أن يقال إن المشروط عليه إذا لم يأت بالشرط الذي هو تمليك عشرين دينارا أو خياطة الثوب أو أي فعل آخر له مالية يكون ضامنا لقيمة الشرط بالتفويت على المشروط له وتشتغل ذمته بقيمة الفعل له إذ لا موجب لتخصيص الضمان بالتفويت والإتلاف بخصوص ما يكون المفوّت والمتلف مملوكا بل يكفي أن يكون مضافا إلى غير المفوت والمتلف لو بنحو من الحقيقة التي لها مالية عرفا ليكون مشمولا للضمان في نظر العقلاء. وبناء على ذلك لا مانع من تعهد البنك بالشرط حينئذ بنحو يستتبع اشتغال ذمته بقيمته على تقدير التلف.
    ........................................ صفحة : 244
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=center]الملحق (11) يعتبر هذا الملحق تكميلا للبحث الذي تقدم في الملحق الأول عن التخريجات الفقهية لتحويل الفائدة إلى كسب محلل‏

    ، لأنه يواصل نفس البحث لكن في نطاق الديون التي تحصل للبنك على التجار المستوردين نتيجة لتسديده لأثمان البضائع التي استوردوها. ويتوسع في المناقشة الفقهية في هذا المجال.
    إن الديون التي تحصل على التجار المستوردين الذين فتح البنك الاعتماد لطلبهم نتيجة لتسديد البنك ما عليهم من ديون تجاه المصدرين في الخارج يمكن تخريج فوائدها الربوية بجملة من الوجوه التي تقدمت في الملحق الأول لتخريج فوائد القرض وتقدمت المناقشة فيها.
    فمثلا يمكن أن يقال، تطبيقا للوجه الثاني من تلك الوجوه:
    إن البنك حينما يدفع ثمن البضاعة إلى المصدر ويسدد بذلك دين المستورد لا يقوم بعملية إقراض للمستورد ولا يدخل ثمن البضاعة أولا في ملكيته المستورد بعقد القرض ثم يدخل في ملكية المصدر بعنوان الوفاء، بل إن البنك يقوم بتسديد دين المستورد من ماله الخاص (أي من مال البنك الخاص) ولكن هذا التسديد لما كان بأمر من المستورد فيكون مضمونا عليه بقيمته لأنه هو المتلف للمبلغ المسدد على البنك، فتشغل ذمة المستورد بقيمة هذا التسديد دون أن يدخل في ملكيته شي‏ء، أي أنه ضمان غرامة بقانون الإتلاف لا بقانون عقد القرض. وعليه فلا يكون فرض الزيادة
    ........................................ صفحة : 245
    من البنك على المستورد مؤديا إلى قرض ربوي. وتوهم كون فرض الزيادة هنا يؤدي إلى قرض ربوي، يندفع بالتمييز بين هذين النحوين من الضمان (أي بين ضمان الغرامة بقانون الإتلاف وضمان الغرامة بعقد القرض). ومعرفة أن ضمان الغرامة بلحاظ الأمر بالإتلاف لا يقتضي وقوع قرض ضمني ودخول شي‏ء من المال في ملكية الآمر بالإتلاف أي المستورد فلا تكون الزيادة في مقابل المال المقترض.
    ولكن هذا التخريج مع ذلك غير تام كما تقدم في الملحق الأول.
    ويمكن تخريج الفائدة على أساس تحويل القرض إلى بيع، وحيث ان البنك يسدد دين التاجر المستورد للمصدر بالعملة الأجنبية فيمكن افتراض ان البنك يبيع كذا مقدارا من العملة الأجنبية في ذمته بكذا مقدارا من العملة الداخلية وحينئذ يضيف إلى ما يساوي العملة الأجنبية من العملة الداخلية مقدار الفائدة.
    ولما كان الثمن والمثمن مختلفين في النوعية والجنس فمظهر البيع أقرب إلى القبول مما إذا كانا من جنس واحد. وقد تقدم تحقيق ذلك في الملحق الأول أيضا.
    ويجب عند دراسة المقادير التي تتقاضاها البنوك من التجار المستوردين أن نميز بين الفائدة والعمولة ولا نخلط بينهما ولا نساوي بينهما في الحكم. فما في بعض الإفادات من أن دفع البنك لدين التاجر المستورد إذا كان بملاك القرض فلا يجوز أخذ الفائدة ولا العمولة غير تام، إذا كان المقصود بذلك حرمة أخذ كل‏
    ........................................ صفحة : 246

    منهما في نفسه لأن معنى الالتزام بحرمة كل من الفائدة والعمولة في نفسها على فرض قرضية المعاملة: أنه كما أن أخذ الفائدة يوجب ربوية القرض كذلك أخذ العمولة، مع أن الأمر ليس كذلك. بل يجوز للبنك أن يأخذ العمولة، ومجرد أخذها لا يوجب ربوية القرض لوضوح أن البنك إذا كان يقرض التاجر المستورد قيمة البضاعة ثم يسدد دينه على هذا الأساس فمن حقه أن يأخذ عمولة على استخدام مبلغ القرض الذي أقرضه للتاجر المستورد في وفاء دينه المستحق عليه للمصدّر لأن البنك إذ يقرض التاجر مبلغا من المال لا يجب عليه ان يمتثل أوامر مدينة في كيفية التصرف في ذلك المبلغ، ولا أن يحقق رغبته في طريقة إنفاقه. فإذا كلفه التاجر المستورد المدين بأن يسدد من هذا المبلغ بشكل من الأشكال دينه المستحق عليه للمصدر في الخارج كان للبنك المقترض أن يأخذ أجرة على ذلك. والمدين لا يرى من مصلحته لامتناع عن تقديم هذا الأجر لأنه لو أخذ مبلغ القرض نقدا من هذا البنك وذهب إلى بنك آخر وطلب منه التحويل فإن البنك الآخر سوف يطالبه بالأجر أيضا. وهكذا نجد أن أخذ العمولة لا يصير القرض ربويا.
    وأما إذا فرض أن القرض كان ربويا بلحاظ آخر كما إذا كان مبنيا على الفائدة فهل يجوز للبنك أخذ العمولة من التاجر لقاء تسديد دينه المستحق عليه للمصدّر بالنحو الذي شرحناه، أولا؟.
    ........................................ صفحة : 247
    والجواب على ذلك أننا إذا بنينا في باب القرض الربوي على أن الباطل هو شرط الزيادة فقط مع صحة أصل القرض فلا بأس بأخذ العمولة في المقام، وينطبق عليها نفس التخريج الفقهي السابق إذ هي لقاء تنفيذ المقرض رغبة المقترض في طريقة التصرف في المبلغ المقترض. وأما إذا قلنا إن أصل القرض في موارد شرط الزيادة باطل، فمعنى هذا أن البنك لم يحصل منه تسديد للدين المستحق على المستورد للمصدر في الخارج لأنه سدده مثلا من المبلغ المقترض بتخيل انه مال مملوك للمستورد والمفروض أن القرض باطل فلا يكون مملوكا للمستورد، وبالتالي لا يحصل التسديد فلا يجوز أخذ العمولة إذا كانت في مقابل التسديد حقيقة.

    الملحق (12) [بحث فقهي عن تخريج العمولة التي يتقاضاها البنك ممن يزوده بخطاب الاعتماد]
    هذا الملحق امتداد لما مر في الأطروحة من بحث فقهي عن تخريج العمولة التي يتقاضاها البنك ممن يزوده بخطاب الاعتماد.
    وبما ذكرناه من التخريجات الفقهية للعمولة يظهر أن أخذ البنك للعمولة لا يتوقف جوازه على أن يصبح البنك مدينا كما ذكر ذلك بعض الأعلام إذ أفاد: أن المراجع للبنك إذا كان يدفع إليه المبلغ نقدا ثم يتسلم منه خطاب الاعتماد فهو يصبح دائنا للبنك بقيمة المبلغ الذي دفعه إليه، ويكون البنك مدينا
    ........................................ صفحة : 248
    له فيجوز للبنك والحالة هذه أن يأخذ العمولة لأنها نفع يحصل عليه المدين لا الدائن. والحرام هو أن يحصل الدائن على نفع من ناحية القرض.
    والتحقيق: أن أخذ العمولة جائز كما عرفت في الأطروحة ولو فرض أن البنك كان هو الدائن. لأن المحرم أخذه على الدائن هو الشي‏ء في مقابل المال المقترض ولا يحرم على الدائن أن يأخذ شيئا في مقابل عمل من أعماله أو في مقابل تنازل عن حق خاص غير حق المطالبة. وفي المقام إذا فرضنا أن البنك أصدر خطاب الاعتماد لعميله وفوضه يتسلم مبلغ كذا من وكيله في الخارج دون أن يتسلم منه شيئا فهذا معناه الإذن له بالاقتراض من وكيله في الخارج ضمن حدود القيمة المسجلة في خطاب الاعتماد، ومن حق البنك في حالة اقتراض عميله المزود بالخطاب من وكيله في الخارج أن يلزمه بالوفاء في نفس مكان القرض أي في الخارج. ونظرا إلى أن العميل لا يلائمه الوفاء إلا في بلده لا في الخارج فيدفع مبلغا من المال للبنك الدائن الذي زوده بالخطاب لا في مقابل المبلغ المقترض ليكون فائدة ربوية بل في مقابل عدم مطالبته البنك الدائن بالوفاء في خصوص المكان الذي وقع فيه القرض.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    16

    افتراضي

    للشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله، ولكم ومن ساهم بطرح الكتاب عبر شبكتكم العامرة بإذنه تعالى، الرحمة له في الدنيا والآخرة.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني