[align=justify]وقف محامي الدفاع في محكمة الثورة في القضية التي أطلق عليها قضية (مجموعة 4/10) وقال: بعد ان تليت الإفادات على عجل (أرجو من هيئة المحكمة الموقرة إنزال أقصى العقوبات بهؤلاء الخونة)!
فاخر المظفر أمضى عشر سنوات من عمره في سجون الطاغية وهو الآن رئيس مجلس إدارة اتحاد السجناء السياسيين، يروي ذكرياته عن تلك السنوات السود (إن ما أرويه ليس حكايتي كضحية، بل إنها رواية الظلم الذي وقع على الشعب العراقي طوال الحقبة الصدامية).
يقول فاخر المظفر وهو من مواليد 1952 حصل على بكلوريوس لغة عربية من جامعة البصرة، (كنت جالساً في متجر أحد الأصدقاء في البصرة كان ذلك يوم 18/2/1982، حيث توقفت أمام المتجر ثلاث سيارات حديثة نزل منها رجال الأمن واقتحموا المحل واقتادونا أنا وصديقي إلى أمن البصرة، ووجدت أمامي معلومات واعترافات عني شخصياً لا صلة لي بها، كان أحد أقاربي قد أجبر على تقديمها إليهم والتهمة التي ترشحت عن المعلومات والاعتراف هي تهمة الانتماء لحزب معارض للسلطة.
كان معتقل أمن البصرة يغص بأكثر من (600) معتقل موزعين على قاعات مساحة الواحدة منها (5×5م) وكلها تحت الأرض وبدأ التحقيق بأسلوب تعذيب يعرف بـ(الكنارة) وهي وسيلة لتعليق الشخص بالمروحة السقفية واسفلها كرسي، ويعرض المعتقل لرجات في المناطق الحساسة، ويقومون باستخدام ما يشبه التلفون لتوليد التيار الكهربائي الذي يصدمون به المعتقلين وطلبوا مني الاعتراف بالمعلومات وتثبيت الاعترافات التي قدمها ذلك الشخص الذي أجبر على إيراد اسمي في إفادته في البداية اصررت على عدم معرفتي بالشخص وأنكرت كل شيء، فاحضروا الرجل أمامي، وكان شجاعاً إذ أنكر معرفته بي وقال لهم (إنني اعترفت عليه من اثر التعذيب ولكي أخلص نفسي من الآلام). وما كان منهم إلا أن أخضعوا الرجل إلى جولة تعذيب لم ار مثلها، إذ عروا الرجل وأجلسوه على مدفأة نفطية من نوع علاء الدين، وقد عصبوا عينيه، وبعد ان سقط الجلد علقوه بـ(الكنارة) حتى تمزق ساعداه وبقي لعامين لا يستطيع الأكل بيده، وكنا نطعمه، شخصياً استطعت الصمود لمدة (11) يوماً، ثم جلبوا لي أوراقاً تحقيقية تخصني، إذ كنت قد اعتقلت ثلاثة مرات، وقالوا (أنت من أرباب السوابق، وقد أخلي سبيلك في عفو عام (79) وشاركت بمسيرات للنجف.. ولهذا فأنت معاد للحزب والثورة، ولم يكن ذلك الشخص الذي اعترف علي، علي علاقة بي ولكنه كان صديقاً لأخي في الجامعة وأنا أكبر بعشر سنوات منه، التعذيب الجسدي والضغط النفسي وإصرارهم على إلصاق التهم بأي شخص يعتقل كل ذلك جعلني أفكر بطريقة واقعية فقلت لهم (ماذا تريدون؟) قالوا: (هل أنت مسؤوله الحزبي أجبت (انا مسؤولة)، ثم طلبوا مني الاعتراف كرهاً على الشخص المسؤول عني، فاعترفت على شخص ميت ثم وقعنا على الإفادة، واعتبرنا من المشاركين في أحداث 4/10/1981 وهي أحداث كان بطلها الدكتور شاكر صيهود حيث كان الهدف منها عزل مدينة البصرة، وقد سميت المجموعة بـ(مجموعة 4/10) وبلغ عدد الأيام التي أمضيتها في أمن البصرة (33) يوماً، ثم نقلنا إلى مديرية الأمن العامة في بغداد).
ذاكرة الأمن العامة
قبل أن أحكي لكم عن الفترة التي قضيتها في مديرية الأمن العامة، دعوني أذكر لكم واحدة من الأحداث التي لم استطع نسيانها ففي أمن البصرة جيء بشخص لا أتذكر اسمه وكنت في قاعة التحقيق وقيد الرجل على احد الكراسي، واستخدمت معه كل صنوف التعذيب، فلم يعترف، فأمروا باستدعاء زوجته وبعد ساعة أحضروا الزوجة، وكانت تحملاً طفلاً لا يتعدى عمره بضعة شهور، وهدد بفعل الفواحش بزوجته أو الاعتراف، ومع ذلك لم تهن صلابته وجلده، ثم قاموا بربط زوجته بكرسي آخر، وأخذ منها الطفل، وهددا بقتل الطفل، أصيبت الأم بالإغماء. كان المحقق آنذاك الرائد (فاضل الزركاني) مدير التحقيقي، وكان مجرماً حقيقياً إذ أخذ الطفل، والكل يرتجف ويراقب ما الذي سيفعله هذا الوحش، رفع الطفل وضربه بالأرض: فتمزق جسد الطفل أشلاءً ودماء، ولحظتها سرى خوف رهيب في نفوس المتواجدين في غرفة التحقيق وأولهم المجرم (فاضل)، الذي انتبه لنفسه، فأخرجنا من الغرفة ولم أعرف مصير الأب والأم).
محنة النوم
وفي الأمن العامة بقينا لمدة سنة ونصف بعضها لاستكمال التحقيق والقسم المتبقي بانتظار يوم المحاكمة، وضعنا في غرفة طولها (2.5م) وعرضها (2.5م)، ودورة مياه تضم حماماً مساحته متر مربع ومرافق وكنا (36) معتقلا حشرنا في هذه الغرفة الضيقة (الزنزانة)، واحترنا في الكيفية التي ننام فيها وفي البداية كان نومنا وقوفاً لثلاثة أشهر.. ثم جاءت لنا توجيهات بالنوم على شكل أسماك السردين المعلب، ستة تكون رؤوسهم باتجاه الحائط الأيمن، وستة تكون رؤوسهم باتجاه الحائط الأيسر والنوم على الجنب مع مخالفة الأرجل، ويبقى اثنا عشر وافقون أما الـ(12) الباقون فينحشرون في المرافق وفوق حائطها، وبالتناوب كل ساعتين، أما بالنسبة للأكل فكانوا يقدمون لنا 4 صمونات وبيضة وماعون شوربة، وبعد أن تم تدقيق ملفات التحقيق بقينا لمدة ستة أشهر في الأمن العامة، وبدأت المحاكمات على شكل وجبات، وضمت وجبتنا (56) معتقلاً في نفس القضية، وهي قضية أحداث (4/10) وكلنا من أهالي البصرة.
واقتادونا إلى محكمة الثورة، التي عينت محامياً للدفاع عنا، وبدلاً من أن يؤدي واجبه المهني كمحامي دفاع، لم يقل شيئاً بعد تلاوة الإفادات سوى (أطالب بإنزال أقصى العقوبات بهؤلاء الخونة). واستغرقت المحكمة ساعة واحدة ثم نطق عواد البندر بالحكم (التسلسل من كذا إلى كذا) بالإعدام، ومن كذا إلى كذا مؤبد، ومن كذا إلى كذا أحكام متفاوتة، وأذكر أنه تم الحكم بالإعدام على (4) من بين الـ(56) متهماً. ثم نقلنا إلى سجن أبو غريب.
في سجن (أبو غريب)
أبو غريب حشر كل (50) محكوماً في زنزانة مساحتها (4×5) متر مربع ولم نر الشمس ولم نقابل معارفنا ولم نر طبيباً لمدة سبع سنوات وبسبب ذلك ومن مجموع (3000) سجين، أصيب (1800) منهم بمرض التدرن الرئوي وروماتزم العظام والدم، وبسبب ذلك اضرب السجناء، وقمنا بإحراق البطانيات مما أثار حرس السجن الذين طوقوا السجن بالدبابات عام 1989، وقاموا بإلقاء القنابل المسيلة للدموع، واقتادوا 12 سجيناً ولم يعرف أحد مصيرهم، ثم حضرت لجنة إلى السجن واطلعت على مطاليب السجناء التي تلخصت بتحسين ظروف السجن كالغذاء والشمس والعلاج الصحي، وفسح المجال أمامنا للحركة داخل باحات السجن، وتم الاتفاق على تلبية المطاليب بمقابل انصياعنا للإصغاء إلى محاضرات).
قصة المحاضرات
(القى المحاضرات إعلاميون وسياسيون أذكر منهم صلاح المختار ومازن الرمضاني، وكان الهدف من تلك المحاضرات غسل أدمغة السجناء، وتغيير أفكارهم، وتعمد السجناء إشغالهم ببعض المطالب، كالعفو، والبراءة وتحسين الأوضاع، واستمر إلقاء المحاضرات لمدة أربعة اشهر، توقفت المحاضرات لعدة أشهر، وبعدها لجأوا إلى أسلوب آخر هو إجبارنا على الاستماع إلى خطابات صدام في التلفاز، وخلالها لا يسمح للسجين بالصلاة أو الأكل أو القيام بالحركة فيجب أن يصغي الجميع إلى خطاب الطاغية، وخلال ذلك يحضر عدد من رجال الأمن للمراقبة بعدها سمحوا بالمواجهة (المقابلات) واستطاع السجناء مقابلة عوائلهم لمدة سنة ومن قامت انتفاضة آذار قطعوا علينا زيارة عوائلنا، واتهموا السجناء بتحريك الانتفاضة من داخل السجن، وأعيد التحقيق من جديد واعتقل عدد من داخل السجن ونقلوا إلى معتقل الرضوانية وأعدم من اعدم، حتى جاءنا الفرج بعد أن علمت منظمة العفو الدولية بوجودنا في داخل السجن وبالظروف السيئة التي نعيشها، وأصدرت المنظمة مذكرة (فانديل شتويل) وكان في حينها مدير المنظمة واضطر النظام لإطلاق سراحنا في يوم 23/12/1991، وقد تأخر إخلاء سبيلنا 6 اشهر، وذلك لإجبارنا على التطوع والانصياع لإرادة النظام الديكتاتورية).
ملاحقة بعد السجن
وبعد أن أطلق سراحي بسبعة أيام اقتحم الأمن الدار وقاموا باعتقال اشقائي كلهم في البصرة (عقيل وماهر ومنذر وميثم) ولم أعلم شيئاً عن مصيرهم، وقد حالفني الحظ لأن اسم الأب لم يكن متطابقاً فهم أخوتي من الأم، ولمعرفتي بطريقة الأمن استطعت التخلص منهم بعد (70) يوماً من الاعتقال، ولم نعثر إلا على واحد منهم، وقد غادرت البصرة لكثرة ملاحقات الأمن لي واستمر الحال على هذا المنوال حتى سقوط الصنم
http://www.iraqmemory.org/INP/view.asp?ID=167
[/align]