الحب
السر المتأرجح بين الامانة والخيانة

الحب حرفان فقط لكنهما يستعصيان على كل المعاني والمفاهيم وما اوتيت اللغة من امتدادات ومشتقات ومهما بلغت حضارة الحرف العربي فانها عاجزة تماما عن صياغة تعريف للحب او تحديد آفاقه ومعالمه ومنعطفاته .
في هذا الصدد يحار الانسان عندما يواجهه هذان الحرفان لكي يحللهما او كي يضع تعريفا شافي لهما ,وذلك لكون المعرف (بكسر الراء)اوضح واجلا من المعرف بفتحها .
وبين هذه القيود والمحاذير والخطوط الحمراء اجدني عاجزاً كما عجز الحرف واللغة عن بلورة تعريف للحب يحقق الغرض من التعريف فالحب لا اوضح منه شيء حتى يعرف به وتعريف الشيء بنفسه لا يحقق ما نصبو اليه . فالحب هو الحب فلنخرق ضوابط التعريفات لان الحب هو أستثناء مقدس لا يمس ولا يدنس وهو الحب فكفى ولكن انما يعرف المجهول او الشيء الاكثر خفاءاً وهل أعرف شيء من الحب ومتى جهل او خفي حتى يحتاج الى أداة لغوية او دليل معرفي يدل عليه .
وليس يصح في الاذهان شيء اذا احتاج النهار الى دليل
ولئن غرقت على سواحل مفرداته اللغوية فاني اقدر مقدار الغرق لكل من يلج بحرالحب الحقيقي او يغور أعماقه لكن الغريب ان من يغرق في الحب ومتاهاته يعش في علياء الامل ومن يحترق بالحب يبترد وربما من السهل جدا ان تحب بلا تكلف وتزلف ولكن من الصعب أكيدا ان تجد ذلك الحبيب الذي يستحق كل هذا الحب ومتاهاته ودهاليزه وانفاقه وبالتالي تضحياته.
وهنا يمكننا تقسيم نشوء الحب الى مراحل اولها الاعجاب وهو اول خطوه في طريق الحب , وثانيها مرحله االتقرب الى ذلك الشئ االذي اعجبت به ,وذلك التقرب له طرق ووسائل كثيره منها التبسم فألبتسامه شئ جميل ولغه يفهما الجميع .وتمثل المرحله الثالثه منعطف في بداية الحب وهي التقرب الى ذلك الشخص الذي اعجبت به وهنا يأتي دورالحديث وتجاذب اطرفه مع من اعجبت به وتقربت اليه , وبذلك تكثر القائات والمواعيد المتكرره من اجل توثيق العلاقه لوجود صفات وسمات وعلامات تنجذب اليها من حيث تشعر او من اجل معرفه اسرار الذلك الشئ الذي تقربت اليه ومعرفه طباعه وسلوكه لكي لا يكون حبا صبيانيا عاطفيا فقط بل يكون حبا ناضجا ممزوجا يبن العقل والعاطفه.بعد طوي هذه المراحل الثلاث المرحه تأتي المرحل الاهم والخطر وبنفس الوقت الجمل والاروع المرحل المكمله لما بدأه وسعى من اجل تحقيقه وهوالحب الذي يعني الحياه بما تحمل من صدق والاخلاص والوفاء لانه قد يكون من السهل جداً ان تحب ما تشاء ولكن من الصعب جدا ان تجد كل ذاك الصدق والوفاء والغريب جدا ان الانسان يستطيع ان يخادع او يصانع او ينافق ويماذق في كل شيء الا الحب فينفضح وتنكشف مراميه وكيده وشروره وقد تستطيع ان تخدع بعض الفتيات في كل الوقت وقد تستطيع ان تخدع كل الفتيات في بعض الوقت لكن من المستصعب جدا ان تخدع كل الفتيات في كل الوقت لان الحب كقلعة من الزجاج شفافة لا تكتم داخلها ويود الذي في داخلها الخروج منها للخلاص منها كما يود الذي في الخارج الدخول اليها للسيطرة عليها .
وليس عيباً ان يخدعك حبيبك وانت تصدق معه ولكن العيب كله ان تخدعه انت والمهم انك تصدق مع من تحب وليس مهما ان يخون البعض صدقك وتضحيتك .
لكل شيء ضريبة وثمن وهذه طبيعة الحياة وسننها ومن يريد ان يقطف وردة فعليه ان يتوقع وخز الاشواك المحيطة وكلما عظمت الشجرة بالثمرة تتوقع من يرميها بالحجارة ومن يبلغ مجد الحب فعليه ان يتجرع مرارته ويسهر لياليه .
ولكل شيء حدود ومديات محددة حتى الدول العظمى لها حدود قد تتجاوزها لكنها تحترم هذه الحدود وكل الاشياء محدودة قبال المطلق الواحد الذي وهب هذا الحب وكل شيء يتحدد ولا يتمدد على حساب غيره الا الحب فهو لا يتحدد ولا يتقيد بل يتمدد الى مساحات اخرى فيحكم على مسارات العقل ويهدد بقايا الانسان فيسيطر على احساساتها ومؤثراتها فهذا يوسف النبي تتحدى امراة العزيز النسوة المولعات بالترويج والتشويه بجماله فتعطي كل منهن سكيناً ففي لحظة عابرة يعبر بها النبي يوسف امام ناظريهن فيقطعن ايديهن دون شعور بالالم وحكي لنا في ملفات التأريخ ان احداً من العشاق المغرمين كان يعد الحساء لحبيبته على نار حامية فسمع انينها فسقطت مغرفته من يده فأخذ بيديه يخلط بقايا الحساء المستعرة فذابت انامله دون ان يشعر بادنى ألم .
فالحب هو الوحي الذي يصنع المعاجز في زمن منعت فيه المعجزة وانقطع فيه الوحي والحب هو الذي يجمع التضادات والمتناقضات فكيف يسعى البعض الى العذاب بنفسه ويتسأنس بهذا العذاب فكيف يسعى البعض الى الانتحار في ضفاف الحب ليحيا من جديد .
والحب هو آية من ايات الله التي نعرفه بها ونلمس الاحساسات اللاشعورية وندرك معالم الغيب فالحب هو هبة الله لعباده وامانته التي لا يمكن خيانتها والحب هو سر لا يمكن حل رموزه ومن خان الحب فانما يخون الله لانه امانة الله وهبته لعباده .
ومن خان الحبيب فهو لا يستحق هذا القلب الذي وهبه الله لمن يستحقه وما خانك الحبيب ولكنك احببت الخائن ولم اجد اكبر واسوء خيانة من خيانة الحب لانها ام الخيانات ومن يجرؤ على خيانة الحب فلا يقف عند حدود معينة بل سيخون كل شيء في الوجود لانه لا يوجد في هذا الوجود من هو اصدق واحق من الحب .
من خلال الحب نستمد الثقة والامل والعطاء وبه نعرف معنى الحياة فمن لا حب له لا حياة له ومن سلب نعمة الحب فهو ميت وسط الاحياء لان الحب هو القلب الذي يخفق بسر الحياة ونبض الواقع وقوة الابداع والحب هو مقاس الاشياء وموازينها واقدارها فليس الشيء جميل او قبيح في ذاته بل ما جمله الحب وما قبحه ولذا ليس غريباً ان يرى بعض العاشقين ان الله لم يخلق نظيراً لعشيقته وهي وحيدة عصرها وفريدة دهرها بينما يرى غيره ان هذه العشيقة وكل عشيق يرى نفس ما يرى العشاق الاخرون لانه ينظر بعين واحدة وزاوية حادة لا تستوعب الافق كله واعرف احدهم كان لا يطيق فتاة لانها لا تطيقه ويعتبرها اقبح من خلق على وجه الارض وما ان ساقتهم الاقدار لولوج بحر الحب حتى اعتبرها اجمل من وضعته الخليقة ومن هنا فقد صاغ الشاعر العربي معنى الحب والرضا ومقاساته بيت شعر قائلاً :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة وان عين السخط تبدي المساويا
واقول لكل المحبين الذين خانتهم الاقدار ان لا يحزنوا من سوء ما لحقهم من خيانات بل ليفرحوا كثيراً لما حدث من مشاهد خيانية لانها تكشف لهم حقيقة من خدعوا به بوقت مبكر وليس من الصحيح ان يغضب او يحزن البعض من خيانات الاحبة فان ثمة قول جميل لاحد ائمة البلاغة والادب يقول ( رغبتك فيمن زهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن رغب فيك نقصان حظ )
ومن افشى اسراره لحبيب ظناً منه انه مستودع أسراره واقداره او هما روحان خافقتان في جسد ثم لم يطق هذا الحبيب هذا الضغط من الاسرار فلا يمكن ان يلوم حبيبه على إفشاء أسراره لانه هو نفسه لم يطق اسراره فكيف يطلب من غيره صيانة وحفظ ما عجز عنه . وفي هذا السياق العابر اود الاشارة السريعة الى ما طرحه احد الخلفاء الراشدين يوضح ذلك بعبارة معبرة وبليغة :( اذا احببت فاحبب هوناً هون عسى ان يكون حبيبك بغيضاً لك يوما ما واذا بغضت فابغض هونا هون عسى ان يكون بغيظك حبيبا لكً يوما ما )