لماذا 70 دولاراً لبرميل النفط؟
دار الحياة- 17/04/2006



عبر سعر برميل نفط برنت في نهاية التداولات الخميس الماضي حاجز 70 دولاراً، وعزت وكالات الأنباء سبب هذا الارتفاع إلى أزمة الملف النووي الإيراني واحتمال وقوع هجوم عسكري أميركي.

عادةً، هناك أسباب مختلفة وراء ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها، بعضها أساسي وآخر عرضي. وفي هذه الحال، فإن السبب الرئيس وراء الزيادة الأخيرة هو وضع البنزين في الولايات المتحدة الذي يقود من دون شك ارتفاع الأسعار في الوقت الراهن. ويليه في الأهمية انقطاع الإمدادات من نيجيريا، ناهيك بالانخفاض في مستوى الإنتاج والتصدير من كلٍ من الولايات المتحدة والعراق. أما بالنسبة الى تأثير العامل الإيراني في الأسواق، فهو عبارة عن مخاوف من حصول انقطاع في المستقبل، ما يثير اهتمام المستثمرين ومضارباتهم. ولكن لا أثر مباشراً على مستوى الإمدادات في المستقبل المنظور.

فمع حلول كل موسم صيف، يزداد استهلاك البنزين في الولايات المتحدة نتيجة الاستخدام الواسع والمتزايد للسيارات، ويبدأ القلق من احتمال حدوث نقص في الإمدادات. وفي هذا العام تحديداً، نلاحظ استمرار سحب البنزين من المخزون التجاري على مدى ثلاثة أسابيع متتالية، وبكميات أعلى بكثير من المعتاد في هذا الموسم تحديداً. ويعود السبب في ذلك إلى زيادة الطلب، والصيانة الواسعة النطاق للمصافي التي تأجلت من العام الماضي بسبب إعصار كاترينا، وانخفاض معدل استيراد البنزين من الخارج، وأخيراً وليس آخراً، اخضاع المصافي في الأسابيع الأخيرة لاعادة تأهيل الخزانات وتنظيفها لاستقبال الإيثانول الذي سيضاف إلى البنزين الأميركي من الآن فصاعداً بدلاً من مادة «م تي بي أي».

وعلى رغم ارتفاع كمية المخزون التجاري من النفط الخام في الولايات المتحدة، إلا أن المراقبين لا يعيرون اهتماماً كبيراً لهذه الأرقام الآن. والسبب في ذلك هو أنهم يتوقعون استعمال هذه الكميات في المصافي في حال عودتها الى العمل قريباً. فيما يبقى القلق من انخفاض كميات البنزين في المخزون التجاري وتوافر الكميات الوافية لفصل الصيف.

هذا هو العامل الأهم وراء هذه الزيادة الأخيرة في الأسعار، والتي رفعت سعر النفط الخام من معدله السابق ما بين 55 – 65 دولاراً للبرميل إلى مستوى جديد هو 70 دولاراً.

والجدير ذكره، أن القلق من احتمال نقص البنزين لا يشكل ظاهرة جديدة على الساحة الأميركية، كما أن تأثيراتها في الأسعار العالمية ليست جديدة. فنحن نشهد هذه الظاهرة سنوياً، من دون أي طريقة لمعالجتها. واللافت أن على رغم تكرار المخاوف سنة بعد سنة، لم يحدث نقص في الإمدادات، ويتضح أن المستفيد الرئيس هم المضاربون والمستثمرون. وبالفعل، نجد أن عقود النفوط الآجلة في سوق نيويورك ارتفعت خلال سنة تقريباً من 1.2 مليون عقد إلى نحو 1.6 مليون.

وإلى جانب هذا العامل الأساس، هناك أيضاً مشكلة النقص الكبير في الإمدادات النفطية من نيجيريا.

ففي الماضي، كان الإنتاج ينقص من أكبر الدول النفطية في أفريقيا بسبب الأعمال التخريبية بمعدل 100 إلى 200 ألف برميل يومياً ولفترة قصيرة جداً لا تتعدى الأسبوع في أحسن الأحوال. أما الآن، وبعد الأعمال العسكرية الواسعة النطاق لحركة تحرير الدلتا، فقد استهدف هؤلاء الثوار المنصات البحرية ومحطات الضخ ومنشآت أخرى، لا يمكن استبدالها او تصليحها في يوم أو يومين. كما أنهم بادروا الى خطف الموظفين الأجانب في شركات النفط العالمية العاملة في نيجيريا.

وبالفعل، نجد الآن ما لا يقل عن 550 ألف برميل يومياً من النفط النيجيري الخفيف متوقفة منذ نحو تسعة أسابيع. ولا يوجد أي مؤشر الى عودة هذه الكمية إلى الأسواق في المستقبل المنظور، لتخوف شركة «شل»، كبرى الشركات العاملة في نيجيريا، من إعادة موظفيها إلى مواقع العمل من دون ضمانات كافية لحمايتهم.

إضافة إلى ذلك، لا يزال هناك نحو 500 ألف برميل يومياً من النفط الأميركي والسوائل البترولية متوقفة عن الإنتاج بسبب الدمار الذي خلفته كاترينا في آب (أغسطس) الماضي. كذلك، فإن الإنتاج العراقي في تدهور مستمر. فبدلاً من تصدير نحو 1.7 مليون برميل يومياً، بحسب ما خُطط له للعام 2006، فإن معدل التصدير في الشهور الماضية هو نحو 1.3 مليون برميل يومياً فقط.

معنى هذا أن معدل النفط المغلق، والذي كان متوقعاً أن يكون في الأسواق خلال الفترة الراهنة، هو نحو 1.3 مليون برميل يومياً، وكمية لا بأس بها من هذا النفط، وتحديداً من نيجيريا وإلى حد ما من خليج المكسيك من النوع الخفيف القليل الكبريت، الذي يصعب استبداله بنفوط مماثلة النوعية والخواص في الأسواق العالمية لعدم توافرها.

أما بالنسبة الى الملف النووي الإيراني، فالموضوع مؤجل حتى إشعار آخر. فمن المستبعد أن تبادر واشنطن الى حرب ضد ايران في المستقبل المنظور، على رغم تزايد القلق في الأسواق في الأسبوع الماضي نتيجة التسريبات الصحافية عن احتمال شن ضربة عسكرية قريباً. المهم في الأمر أن الصراع بين طهران وواشنطن سيبقى مفتوحاً لفترة ليست قصيرة حتى استنفاد الحل الديبلوماسي، في اقل الأحوال. هذا معناه أن الإمدادات النفطية الإيرانية ستستمر من دون انقطاع. ولكن ستبقى في الوقت نفسه الإشاعات والتسريبات على حالها، ما سيدفع بالأسعار إلى التأرجح، وهذا بالضبط ما يريده المضاربون.