النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    المشاركات
    3,507

    الدكتور الجعفري ... الازمة المفتعلة (1)

    الدكتور الجعفري ... الازمة المفتعلة (1)

    أرض السواد : رائد سلام



    لاحت في بداية محادثات تشكيل الحكومة العراقية بوادر اختلاف في وجهات النظر بين الكتل السياسية، سرعان ما تحولت الى ازمة خانقة، اخذت تتعمق كلما طالت فترة المحادثات. ورغم تأكيد القادة السياسيين على حصول تقدم واتفاق حول اكثر القضايا الا انهم يؤكدون ايضا عدم الاتفاق حول قضايا اساسية، كالملف الامني ومنصب رئيس الوزراء. وتبدو المسألة الاخيرة العقبة الكأداء على طريق الانفراج السياسي، وما لم تتفقِ الاطراف السياسية على حل حقيقي سوف لن تولد حكومة وحدة وطنية، وربما سيتفاقم الامر، وتكون له تداعيات اخطر بكثير من الجمود السياسي الذي يعيشه البلد منذ عدة شهور. بل اذا لم يتوصلوا الى حل لا يتنافى مع الدستور والديمقراطية اللذان هما الركيزتان الاساسيتان في العملية السياسية سيفقد المستقبل السياسي مصداقيته، ويدخل البلد من جديدة في دوامة صراع سياسي، وتفقد الاحزاب السياسية مصداقيتها وشعبيتها، وربما تفضي الازمة السياسية الحالية الى حرب اهلية طويلة الامد.

    واخطر ما في الازمة انها استغلت من بعض الاطراف، وراحت اطراف اخرى توظفها لمصالح سياسية وطائفية، وبات الامر كأن الدكتور الجعفري متشبث بمنصب رئيس الوزراء، وان في تخليه ستسوى الامور وتعود المياه الى مجاريها، بينما الامر ابعد من ذلك بكثير، وهناك مخططات يراد تمريرها من خلال خلط الاوراق وتظليل الرأي العام. لذا نجد من الواجب بيان خلفية الازمة السياسية الحالية. من يقف وراءها؟ ولماذا الدكتور الجعفري بالذات؟ ولماذا تكال الامور بمكيالين؟ ومن المستفيد من الازمة؟ كي نكون اوفياء لشعبنا ومبادئنا التي آمنا بها.

    لقد بات الشعب قلقا جدا على مستقبله السياسي، وينتظر وضع النقاط على الحروف، كي لا يستغل او يستغفل، فيكون الخاسر الاول في المعركة، ويخطأ من يعتقد ان التحديات التي يواجهها الشعب تمنعه من متابعة فصول المسرح السياسي، بل هو يقظ ويهمه الالتزام بالدستور والديمقراطية كضامن وحيد لحقوقه المشروعة اساسا. ولا ننسى ان اطرافا سياسية تخلت عن العنف املا في تحقيق اهدافها من خلال العملية السياسية المرتكزة الى مبادئ الديمقراطية، وحينما تخفق العملية السياسية ويلتف حولها المغرضون والنفعيون، سيعم العنف جميع مناطق العراق.

    اسس العملية السياسية
    قبل الدخول في تفصيل الازمة السياسية الحالية علينا التعرف اولا على اسس العملية السياسية كبارومتر ومقياس نحتكم له في تحديد مصداقية أي فعل سياسي، وينبغي عدم الانجرار الى أي شيء لا يملك رصيدا دستوريا كمصطلح (الاستحقاق الوطني) الذي باتت تطالب به اطرافا في الساحة السياسية.

    اولا: الدستور
    يعتبر الدستور اهم انجاز سياسي في تاريخ العراق الحديث، كما ان التصويت عليه من خلال انتخابات عامة يعتبر خطوة مكملة اخرجته من القوة الى الفعل، وحولته من مواد قانونية مدونة على الورق الى مادة حيوية توجه حركة الدولة والمجتمع، وتضبط سلوك القادة السياسيين والمسؤولين الحكوميين. فالدستور هو الاساس الاول في العملية السياسية برمتها.

    ولا يمكن للدستور ان يكون فعليا ما لم يحم ِ مصالح الشعب، ويلتزم به المسؤول الحكومي اولا، ويحتكم له رجال السياسة وقت الازمات. وفي غير هذه الحالة يفقد الدستور مصداقيته، ويتحول الى اداة لقمع الشعب ومصادرة حقوقهم في الاحتكام له.

    لقد كانت عملية كتابة الدستور مضنية واستهلكت زمنا طويلا، بسبب التنوع السياسي والقومي والديني في البلد، وبسبب كثرة الاهداف والامنيات التي يريد كل طرف ادراجها في الدستور، حتى تعذر التوافق، واعيد صياغة مسودته اكثر من مرة. واخيرا قال الشعب العراقي كلمته فيه، وصوت لقبوله مرجعا قانونيا اعلى في البلاد. وهذا يعني ثمة التزامات لا يمكن لاي شخص التخلي عنها، منها الاحتكام له وعدم سن قوانين او انظمة تتعارض مع مواده، كما لا يمكن لاي سلطة عليا اخرى منافسته، الا اذا نصت عليها احدى مواد الدستور.

    والاهم من كل ذلك، لا يحق لاحد الاعتراض على أي مادة دستورية بعد التصويت عليه من قبل الشعب. فمثلا لا يحق لاحد الاعتراض على سلطة رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او رئيس السلطة القضائية المخولة له دستوريا وقانونيا، كما لا يحق لاي جهة ان تسلبه حقه في ممارسة سلطته. ويبقى للجميع الحق في محاسبة المسؤول الحكومي عن مدى التزامه بالدستور، ويحق لمجلس النواب استدعائه ومحاسبته عن كل فقرة تجاوز بها الدستور او القانون.

    فالاساس الاول في العملية السياسية اذن هو الاحتكام الى الدستور عند الاختلاف والتنازع بين الاطراف السياسية والحكومية، والالتزام بالنتائج القانونية المتمخضة عن الارتكاز الى سلطة الدستور. غير ان بعض السياسيين وللاسف يستغل جهل الشعب بتفصيلات الدستور (وليس مواده الاساسية) للطعن في خصمه السياسي، فيصدقه العامة من الناس، وهم لا يعلمون شيئا عن تفصيلات مواده القانونية، وهذا ما حدث بالضبط مع السيد رئيس الوزراء الحالي الدكتور ابراهيم الجعفري. اذ المعروف ان سلطات رئيس الوزراء من الناحية الدستورية صلاحية واسعة، وهو القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس السلطة التنفيذية، وبامكانه اتخاذ قرارات لا تتصادم مع الدستور والقوانين المنصوصة، غير ان الخصوم صوروا ممارسة رئيس الوزراء لسلطاته الدستورية والقانونية على انها تفرد واستغلال للسلطة، او انها استبداد ودكتاتورية جديدة، واتهموه بالتفرد في اتخاذ القرارات وعدم مشاركته الاطراف الاخرى في اتخاذها، سيما رئيس الجمهورية. وفي الوقت نفسه يخفون على الشعب الاساس الدستوري والقانوني التي تخول رئيس الوزراء هذا القدر من السلطات. والحقيقة انهم يطمحون من جراء هذه الممارسات في تحقيق مكاسب اوسع، لا يسمح بها الدستور فيتهجمون على رئيس الوزراء وسلطاته الدستورية. وكان الافضل لهم الالتزام بالدستور ومعالجة المسألة دستورية، بدلا من خلط الاوراق وتظليل الرأي العام.

    ثمة اطراف اخرى استغلت الوضع والظرف الذي يمر به البلد وراحت تتهجم وتتهم رئيس الوزراء بما ليس فيه لا بتزاز الائتلاف الذي ينتمي له الدكتور الجعفري، والحصول على قدر اكبر من المكتسبات والصلاحيات وان لم تكن صلاحيات دستورية.

    اذن سنقيم الازمة السياسية واداء المسؤولين الحكوميين من خلال الدستور، لنتأكد من مدى الالتزام بمواده، كما سنعرض الدعاوى والاتهامات المطروحة في الساحة السياسية على الدستور ايضا، باعتباره الاساس في مشروعية أي فعل سياسي. فحينما تكون الدعاوى دستورية كذلك يجب ان تكون الحلول دستورية وقانونية، بينما سنعرض صفحا عن أي مسألة لا تتوفر فيها الصفة الدستورية والقانونية. فطموح الشعب في دولة قانونية تلتزم فيها الاطراف السياسية بمواد الدستور. والا فمع التنوع الواسع في الفكر والثقافة والدين والقوميات ستعم البلد فوضى سياسية عارمة، لا تستقر معها الاوضاع ابدا، وهو اشد خطر على الشعب من الارهاب والعمليات الارهابية، بل ستساعد الفوضى السياسية على تفشي الارهاب اكثر، هذا اذا لم تنزلق البلاد في حرب اهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر.

    ثانيا – الممارسة الديمقراطية

    كما اقتنع الشعب بالدستور مرجعيا قانونيا اعلى، كذلك اقتنع بالديمقراطية آلية ناجحة لتحديد المرشح الاوفر حظا في المناصب الحكومية، درأ للاستبداد والتفرد. وقد اثبتت هذه الالية نجاحها وفاعليتها ليس في العراق فقط بل في كل دولة التزمت بها حقيقة. أي ان شرط نجاح هذه الالية وفاعليتها هو الالتزام بنتائجها ايا كانت ما دامت مرتكزة الى الدستور، واما مع الالتفاف عليها فستتحول الى عبء سياسي كبير. وهكذا ساهم الشعب في بناء العراق الجديد من خلال المشاركة القوية في الانتخابات، التي افرزت كتلا نيابية متعددة مثلت الطيف العراقي بجميع تنوعاته. كما صوت الشعب على الدستور من خلال انتخابات حرة ديمقراطية، وبالفعل شعر الشعب انه يشارك حقيقة في صنع مستقبله، سيما على صعيد القرارات الخطيرة، كل ذلك من خلال الالتزام بالدستور والممارسة الديمقراطية.

    لكن للاسف ان العملية الممارسة الديمقراطية قد ازعجت بعض الاطراف السياسية، وراحت تعمل جادة ليل نهار لاجهاض نتائج هذه الممارسة الناجحة. وبشكل ادق ان العملية الديمقراطية ارغمت هذه الاطراف على قبول نتائجها كي لا تفقد مصداقيتها، لكنها راحت تعيد خلط الاوراق بشكل آخر لتلتف على نتائج هذه الممارسة الحيوية التي لا تروق لها. فعندما تعترض هذه الاطراف على الدكتور الجعفري، وترفض توليه منصب رئاسة الوزراء فهي بالحقيقة تقف في وجه نتائج الممارسة الديمقراطية، باعتبار ان الجعفري رشح نفسه لهذا المنصب عبر انتخابات داخلية اجرتها الكتلة السياسية التي ينتمي لها، أي الائتلاف الوطني، الذي هو بدوره تشكل وفاز باعلى نسبة من مقاعد البرلمان من خلال الانتخابات التي جرت في البلاد. فليس من حق أي جهة الاعتراض على نتائج الانتخابات، والا فيمكن الاعتراض على كل النتائج، وتتحول الساحة الى فوضى عارمة.

    نحن نعلم جميعا ان الانتخابات لا تتمخض دائما عن نتائج مرضية بشكل مطلق، الا انها ايضا افضل اسلوب وآلية لاختيار المرشحين، وافضل آلية لمشاركة الشعب في اختيار المسؤولين الحكوميين، سواء كان الاقتراع مباشرا او غير مباشر كما في العراق. اذ الثاني ايضا مشروعا من خلال انتخاب الشعب لاعضاء البرلمان (الجمعية الوطنية). وما دامت الاغلبية مع القرار فيجب على الاقلية الانصياع لنتائج الالية التي آمنوا بها. واما الفشل في تحقيق قدر اكبر من المكاسب في الانتخابات فانه لا يبرر لهم رفض نتائجها او الالتفاف عليها. من هنا يتضح للجميع ان الدفاع عن الجعفري في هذه الازمة هو دفاع عن الديمقراطية التي ارتكز لها الشعب وارتضى نتائجها، وضحى وتحدى الموت من اجل انجاحها، بل السكوت هو خيانة للشعب وحقوقه المشروعة، سيما مع وجود اطراف وجهات تعمل جادة من اجل الالتفاف على الديمقراطية ونتائجها التى آمن بها الشعب وقبل بها ولم يعترض عليها.



    [email protected]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,595

    افتراضي

    الدكتور الجعفري .. الازمة المفتعلة - 2 -


    أرض السواد : رائد سلام



    جذور الازمة

    لا يمكن قراءة وفهم الازمة السياسية الراهنة بمعزل عن جذورها، فالازمة ليس وليدة ظرف حالي وانما هي تراكمات الوضع السياسي والتنوع الطائفي والقومي، اضافة الى خمسة وثلاثين سنة من الظلم والاضطهاد والاستبداد السياسي، لذا لم تستطع القوى السياسية الاتفاق على قضية واحدة بسهولة، وكل خطوة تستنزف جهود السياسيين، وتستغرق زمنا طويلا.

    كان النظام السابق نظاما استبداديا دكتاتوريا قمعيا، يدار من قبل عصابة مجرمة، يقودها صدام حسين، رئيسا وقائدا ومقررا. ليس هناك تعدد او تشاور او تنوع، وانما هي كلمة واحدة تصدر عنه فتتحول الى قانون يسود البلد كله. بينما كان التنوع السياسي والقومي يعيش خارج دائرة السلطة، أي في صفوف المعارضة، وليس في البلد ذاته، وانما في بلدان متعددة. ثم انتقل الطيف السياسي العراقي فور سقوط النظام الى داخل الوطن، وبدأت مرحلة سياسية جديدة اتسمت بالتعقيد، لا بسبب التنوع السياسي والديني والقومي فقط، وانما لاكثر من سبب يقع في مقدمتها الاحتلال، وهيمنة القوى الاجنبية على القرار والوضع في العراق، اضافة الى تراكمات المرحلة السابقة، من حصار اقتصادي ونقص في المواد الاساسية وتردي الوضع الامني وتركة ثلاثة حروب امتدت لاكثر من عشرين عاما. وفورا بدأت الاتجاهات السياسية تتنافس وبقوة على السلطة وتسعى لتحقيق مكاسب كبيرة، واوضح شاهد على ما نقول مجلس الحكم الذي عجز عن الاتفاق على شخص واحد يدير البلاد لمدة تسعة اشهر، فكانت الرئاسة دوريا بشكل مستهجا، الا انه يكشف شدة التنافس على السلطة.

    ثم ظهرت مشكلة قلة التمثيل السني في العملية السياسية، بسبب مقاطعتهم العملية السياسية وارتكازهم للعنف دفاعا عن النظام السابق، الذي يعتمد اساسا على ابناء المنطقة الغربية، وباتت مسالة اشراك السنة معضلة، حتى استغل هؤلاء تعاطف القوى السياسية معهم، وتودد امريكا لهم في الاونة الاخيرة، فراحوا يفرضون شروطا عرقلة العملية السياسية وعقدتها كما سيتضح.

    بدأت المفاوضات بين الكتل السياسية لا على اساس بلد واحد وشعب واحد، وانما مشاريع وحقوق يراد مواءمتها والعمل على ايجاد صيغة مشتركة، فهناك اذا الطموح السياسي الشخصي لرؤوس الكتل السياسية، باعتبار ان كل وحد منهم عانى في ظل نظام الطاغية السفاح، ويريد ان يعوض ما فاته من السنين العجاف، كما ان كل جهة تمثل مشروعا سياسيا. والكل يشعر بالغبن والاضطهاد والحرمان ويطالب بحقوق ومكتسبات اكبر. ثم تأتي الارادة الامريكية، والشروط القاسية التي تفرضها على الوضع. مع تدني مستويات الوعي، وانتشار العنف، وكثرة المجرمين والبعثيين القتلة والتكفيريين الذين جاءوا من كل مكان، وراحوا يكثفون عملياتهم الدموية ضد الشعب والوطن، بحجة محاربة الامريكان او محاربة الفرق الدينية الضالة. بل الاكثر من ذلك ان الصراع والتنافس تجده في داخل الكتل ذاتها، فالائتلاف الشيعي ليس منسجما تماما، وانما اكثر من ارادة في اطار واحد، فهناك بدر وهناك جيش المهدي، وهناك آل الحكيم وآل الصدر، وهي بيوتات متصارعة تاريخيا، وايضا هناك ولاءات متعددة، ولكل واحد استراتيجيته وتفسيره للازمة السياسية، وله طموحه في طرح المشاريع السياسية.

    هذه الاستعراض المكثف السريع يكون صورة واضحة في ملامحها عن جذور الازمة السياسية الراهنة. فهي ليست ازمة منقطعة عن تاريخها، وانما هي امتداد لوضع معقد في تركيبته وتشابك خطوطه، وتعدد اطرافه، وكثرة طروحاته، وتنافس وصراع على السلطة وعلى تحقيق المكاسب والاهداف السياسية. وبالتالي فالسيد رئيس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري هو ايضا يمثل رأيا واتجاها واستراتيجية داخل الساحة العراقية، وعندما يتعرض لهجوم شرس من خصومه السياسيين، فبسبب قوة شخصيته وجدارته، وآرائه، وحنكته التي تتصادم بلا شك مع طموحات الاتجاهات السياسي، الا انها تصب في مصلحة الوطن والشعب.

    هذا الوضع فرض على الساحة السياسية العراقية مبدأ المحاصصة الطائفية، وهو مبدأ يجر خلفه شعورا مريرا بالاضطهاد، كما تقدم، مع تنافس محموم على السلطة. وبالتالي فان مبدأ المحاصصة امتد الى كل شيء، فلا تجد قررا سياسيا او منصبا حكوميا الا والمحاصصة قد احاطته واعادت تشكيله.

    وبهذا الشكل تعقد الوضع السياسي والاداري، فمثلا وهو الاهم تجد هناك مجلس رئاسة الجمهورية، المتكون من رئيس الجمهورية ونائبين، على ان يمثل كل واحد منهم اتجاها سياسيا وطائفيا معينا. ورغم ان سلطة هذا المجلس تشريفية الا ان له حق الفيتو والاعتراض على القرارات، ولك ان تتصور كيف يمكن تمرير قرارات رئاسة الوزراء مع هذا التعقيد الاداري؟ ثم ان رئاسة الجمهورية بدأت تتحسس بشدة من رئاسة الوزراء المخولة قانونيا ودستوريا بسلطات السلطة التنفيذية في البلد. أي ان الرجل الاول هو رئيس الوزراء وليس رئيس الجمهورية وبالتالي فانه المسؤول عن ادارة البلد وتنفيذ القرارات، لكن رئاسة الجمهورية شعرت بالغبن في ظل الوضع القائمة فاخذت تشوه سمعة الحكومة من خلال عرقلة المصادقة على بعض القرارات. فهذا التنافس بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء خلق ازمات ادارية وسياسية لا يعلم بها الشعب ولا يعرف عن تفصيلاته وتداعياتها الا القليل، فرئيس الوزراء المخول دستوريا تم تكبيله بواسطة رئاسة الجمهورية، مما عرقل عمل الحكومة وقيد حركتها. وعندما ناخذ بنظر الاعتبار ان رئيس الوزراء ينتمي الى اكبر كتلة برلمانية وهو الشيعة، فلك ان تقدر درجة الحساسية الكامنة في داخل السياسيين من الاطراق الاخرى جميعا.

    ثم ان مبدأ المحاصصة فر ض على رئيس الوزراء مجموعة من الوزراء لا يملكون المستوى المطلوب من الكفاءة الادارية والسياسية، وقد اصرت احزابهم على عدم استبدالهم حتى بافراد آخرين من نفس الكتل والاحزاب السياسية، مما زاد في تعقيد الوضع وفرض على رئيس الوزراء اداء سياسيا واداريا انعكس سلبا على حكومته وشخصه بالذات. والغريب ان الكتل والاحزاب السياسية تعلم جيدا بذلك الا انها تقصد عرقلة عمل الحكومة. طبعا لا نريد اطلاق العنان للتبرير، او تبرئة رئيس الوزراء والحكومة من كل شيء، ولا ندعي انها كانت حكومة مثالية بلا خطأ، لان ذلك يجافي الحقيقة، فلكل حكومة اخطاؤها وانجازاتها. لكننا نبحث هنا عن جذور الازمة السياسية الحالية، ومدى تأثير العوامل السياسية ومبدأ المحاصصة على دفع الاداء الحكومي نحو السلبية والتردي.

    كما ان التحديات الكبيرة التي واجهتها حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري لها دور فاعل في عرقلة عملها وتأخر الخدمات، فمثلا الارهاب الذي بات يهدد العالم اجمع، وعجزت عن مكافحته اكبر الدول، القى بثقله داخل العراق، وتسبب لا في عرقلة عمل الحكومة فقط وانما احدث خللا سياسيا واداريا واجتماعيا لكثرة تداعيات العملية الارهابية وكثرة الضحايا من المدنيين والعزل، حتى ان الارهاب والعمليات الارهابية استنزفت ميزانية الدولة، وراحت الحكومة تغطي النفقات العسكرية لمكافحة الارهاب من خزينة ارصدة الدولة اضافة الى المساعدات الدولية، ولم يبق للاعمار واعادة الخدمات ما يكفي لسد النقص الكبير، مع الاستمرار في تردي الاوضاع.

    الاطراف السياسية والطموحات الحزبية
    ان الازمة السياسية الراهنة تتطلب شيئا من الصراحة، ومكاشفة الفرقاء السياسيين كي لا يخفى على الشعب خافية، ويتصدى للامر بنفسه اذا تطلب الامر ذلك. مهمتنا كمثقفين توعية الشعب وقول الحقيقة ومتابعة الاحداث والبحث عن جذور المشكلات وتقديم التفسيرات، وهي مسؤولية تاريخية سيما في ظرف تكالب على العراق وشعبه العدو والصديق، ولم يبق للشعب الا الوعي والاتكال على الله والاعتماد على النفس للخروج من نفق المشكلات السياسية والادارية الحالية. وما لم يتحمل الشعب مسؤولياته التاريخية سيكون الخاسر الاول والاخير في المعركة.

    تتكون الساحة العراقية من مجموعة اطراف سياسية، تختلف من حيث التوجه السياسي والقومي والديني والمذهب، ولكل طرف اجندته ومشاريعه وله طموحاته، وقد شارك هذا التنوع في تشكيل الحكومة السابقة ويطمح في تشكيل حكومة جديدة، كان رئيس الوزراء السابق هو الدكتور ابراهيم الجعفري الذي ينتمي الى كتلة الائتلاف الوطني الشيعي، واليوم عاد الائتلاف ورشح الجعفري ثانية لمنصب رئاسة الوزراء عبر انتخابات داخلية فاز فيه الجعفري على منافسه الدكتور عادل عبد المهدي الذي ينتمي الى المجلس الاعلى احد فصائل الائتلاف، بينما ينتمي الجعفري الى حزب الدعوة الفصيل الثاني في الائتلاف. غير ان الاطراف السياسية من خارج الائتلاف قد اعترضت على ترشيح الجعفري ثانية رغم ان ترشيحه تم عبر انتخابين مشروعين، فالجعفري فاز بالانتخاب الداخلي وينتمي الى الائتلاف الذي فاز بالانتخابات العامة التي جرب في البلاد مؤخرا، وقد حاز على اكبر عدد من المقاعد النيابة، فاستأثر بحق ترشيح رئيس الوزراء دون غيره من الكتل النيابية، وهو امر دستوري متفق عليه.

    اذن فالاعتراض على جعفري هو اعتراض على نتائج الانتخابات الديمقراطية، والانصياع لهذا الاعتراض تآمر كبير على مبدأ اساس من مبادئ الحكم في البلاد. بل سيؤثر سلبا في ثقة الشعب، وتسقط مصداقية الاحزاب السياسية جميعا.

    لكن ما هو السبب الحقيقي في الاعتراض على الجعفري؟

    هل هناك شك في كفاءته اداريا او سياسيا؟

    هل لديه مواقف سلبية من الاطراف الاخرى؟

    هل دكتاتور مستبد بالحكم؟

    هل شجع على بقاء المليشيات؟

    ربما هذه هي الاشكالات الاساسية على ترشيح الدكتور الجعفري، وعليه لا بد من الاجابة عليها بشكل موجز ومكثف كي ننقب في اجندة الاحزاب السياسية، وما هي طموحاتها، ولماذا لا تنسجم مع شخصية الدكتور الجعفري وتطالب بغيره؟ وهل ان هدفها وطني ام طائفي عنصري؟.

    ان طبيعة الحكم في العراق لا تسمح بتفرد أي مسؤول حكومي بالسلطة، فالى جانب مجلس الوزراء هناك مجلس الرئاسة الذي يملك حق الفيتو والاعتراض على أي قرار، وقبل السلطة التنفيذية المكونة من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء هناك الجمعية الوطنية المسؤولة عن تشريع القوانين ومحاسبة المسؤولين، ولديها مؤسسات مراقبة كمفوضية النزاهة، اضافة الى استقلال القضاء الذي يراقب مدى الالتزام بالقوانين والانظمة، ولديه صلاحيات كاملة لمحاسبة أي مسؤول حكومي يخالف القانون او يرتكب جريمة معينة.

    لكن للاسف ان النزاع على السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحساسية الاول من الثاني لسعة صلاحياته مع محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية هي التي صور اداء رئيس الوزراء الدكتور الجعفري على انها ممارسات استبدادية وتفرد بالسلطة.

    من هنا يتضح ان هذه الدعوى لا تستند الى مبرر قانوني ودستوري، والا لو كان رئيس الوزراء قد ارتكب مخالفة قانونية بتفرده بالسلطة والحكم فلماذا لم يستدعى الى البرلمان لمحاسبته؟ ولماذا لم تعترض عليه الدوائر القانونية في البلد؟ وليس هناك سوى دعاوى تفتقر الى السند القانوني.

    ثم هل يعقل ان يتحول رئيس الوزراء الى موظف يجب مراجعة رئيس الجمهورية في كل صغيرة وكبيرة؟ وهل يمكن لرئيس الوزراء ان يتخذ قرارات خطيرة بمعزل عن مؤسسات القرار الاخرى؟

    يتبع

    [email protected]





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني