[align=right]
الإسلام السلفي أو التشيع السلفي فهو الذي يتحرك حول محور الارتباط بالسلف الصالح كعقيدة ضرورية للانسان المسلم ومنه ينطلق الى سائر اغصان وفروع هذه الشجرة. وليس بالضرورة أن تكون نظرتنا سلبية الى هذا التيار كما قد يتبادر الى الذهن من مصطلح (السلفية) حيث يقصد بهم عادة الوهابية,بل لدينا سلفية أخرى في دائرة المذهب الشيعي, ويقصد بالسلف الصالح, أهل البيت عليهم السلام في مقابل الصحابة لدى مذهب أهل السنة وفي دائرة الاسلام السلفي السني, أي أن محورالحديث والعقيدة للانسان الشيعي في هذاالتيار يدور حول الاعتقاد بالائمة وبيان فضائلهم وكراماتهم وشرح سيرتهم والاعتقاد بلوازم هذه العقيدة من العصمة واقامة العزاء والهيئات والمواكب وبذل الاموال واطعام الطعام وكتابة الكتب والمقالات والتحدث في القنوات الاعلامية والفضائيات حول هذا الموضوع بالذات كما نلاحظ ذلك في التلفزيون الايراني والفضائيات المرتبطة به أو فضائية المنار اللبنانية, فمثلا يجري الحديث في هذه الكتب أو الفضائيات دائما عن الروايات والآيات التي تؤيد الاعتقاد بالائمة وبيان فضائلهم وذكر مثالب مخالفيهم أو التأكيد الشديد على آيات الولاية في القرآن الكريم واستخراج ما يؤيد هذه المطالب من البخاري وصحيح مسلم و امثاله من مصادر أهل السنة. ويكثر الحديث في أجواء هذا النمط من التشيع عن علائم الظهور و كيفية حكومة الامام المهدي والعلائم الحتمية وغيرالحتمية وامثال ذلك, ويمكن القول إن معالم هذا الاتجاه تتجلى في أربعة أو خمسة أمور رئيسية:
1 ـ الماضوية والقشرية
من معالم هذا الاتجاه, التأكيد المفرط على الشعائر المذهبية والاكثار الى درجة غريبة من اقامة المآتم والبكاء واللطم على مصائب الأئمة. ووجود حالة من الايمان الاعمى بمضمون الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب الى درجة قد تصل الى حدود الخرافة وقبول كل ما ورد في التراث الديني عن أهل البيتFمن المعجزات والكرامات والاساطير وما ورد من مثالب اعدائهم ومخالفيهم حتى أن أي شخص لا يتجرأ على التشكيك برواية ضعيفة من روايات هذا التيار المذهبي.
ولا نقصد هنا النظر الى هذا التيار بنظرة معيارية وتقييم حقانية هذا النمط من التفكير والاعتقاد بل ننطلق في بحثنا هذا من موقع البحث السوسيولوجي الوصفي ومن موقع بيان معالم هذه التيارات الفكرية والعقائدية الموجودة في اجواء الحوزة العلمية, فمثلا قبل ايام طلع علينا السيد مرتضى العسكري, الذي يعد من رموز التيار السلفي, برأي يشكك فيه بسند حديث الكساء والذيل الطويل الوارد فيه والذي يقرأ دائما على المنابر لجهة التبرك وشفاء المرضى وقضاء الحاجة, فرغم أن المحدث الشيخ عباس القمي الذي أورد هذا الحديث في كتابه (مفاتيح الجنان) ولم يكن موجودا في الطبعات الاولى منه ـ يقول عنه هذاالمحدث الخبير في كتابه الاخر (منتهى الآمال) بأن هذا الحديث ضعيف ولم أجد لـه أصلاً معتبراً في مصادر الشيعة() الا أن رموز التيار السلفي قامت قائمتهم واشتد غيظهم على السيد العسكري واثاروا ضجة وعجة في مقابل هذه المحاولة البسيطة من التشكيك بالروايات الضعيفة أو الموضوعة. ومن قبل ذلك رأينا موقف هؤلاء من بعض فتاوى وآراء السيد فضل الله وحملتهم الشديدة ضده بسبب أن هذا السيد قد شكك في واقعة ضرب الزهراء التي تعد في المنظومة العقائدية لدى التشيع السلفي على رأس قائمة الاعتقادات والتي يجب على كل شيعي الاعتقاد بها جزما بلا حاجة للبحث عن سند الرواية أو دلالتها ومدى توافقها مع العقل والمنطق, فالمهم لدى اتباع هذا التيار المذهبي هو أن يعتقد الشيعي بكل المفردات الواردة في التراث الشيعي فيما يختص بهذاالجانب من المنظومة الاعتقادية.
ان التيار الشعبي العام يتبع هذا النمط من التفكير المذهبي الذي يقوم على اساس قشري ويتحرك بأدوات العقل الجمعي والاسطوري والتقليدي. ويؤكد رموز هذا النوع من التشيع على العمل الخارجي والظاهري دون التوغل في المحتوى الداخلي للانسان ودون الانطلاق من القلب والوجدان, فنرى, كما تقدم, التأكيد الشديد على الشعائر والآداب والمناسك وخاصة الجماعية منها لا الفردية كالمواكب الحسينية والاشتراك في الهيئات والزيارات المكثفة للمراقد المقدسة ومجالس الوعظ والارشاد. ومن سمات هذا التيار العقائدي هو نظرة القداسة للموروث الديني بصورة عامة وكون الدوافع لهذا السلوك الديني تنطلق من منطلقات نفسية بحتة لا تنفتح على الدين الالهي من موقع العمق الفكري والروحي ولا تمثل أي بعد عقلاني في واقع الممارسة العملية حيث يتحرك الانسان فيها من موقع الجبر الاجتماعي واتباع آراء السلف من العلماء, فحينما تقول لـه أن هذه الفكرة أو هذا العمل يخالف العقل والمنطق فانه يجيبك بأن العلماء يقولون بذلك فهل أنت أعلم منهم؟ ومن هنا فان هذا التيار المذهبي لا يترك مجالا للتعقل والتأمل في مفردات العقيدة بل يبني دعائمه على العواطف والتعصبات والاحساسات ويحارب التيارات الأخرى أو المذاهب الأخرى من خلال تثوير نزعة الاحساس المذهبي واحترام المقدسات والسنن الراسخة ويستغل رموز هذا الاتجاه الرأي العام لعوام الناس في تثوير الأجواء ضد أي جديد ومخالف لعقائد السلف من العلماء والفقهاء, ومن هنا نجد التأكيد الشديد من قبل رجال الدين في هذا التيار على مسألة التقليد واتباع المرجعية بكل مفردات العقيدة والاحكام الشرعية والآداب والاخلاق والسلوكيات الاجتماعية والسياسية بشكل لا يسمح للفكر أن يتحرك ويطرح علامات الاستفهام أمام موارد الشبهة.
2 ـ الدغمائية في الفكر والعقيدة
إن عنصر (الجزمية) في أتباع هذا التيار يتجلى اكثر فأكثر في عملية تقسيم الناس الى ثنائية تعسفية: مؤمن وكافر, أهل الجنة وأهل النار, فمن كان يفكر مثل تفكيرهم ويسلك مثل سلوكهم فهو من أهل الجنة والا فهو كافر ومن أهل النارحتى لو كان يشهد الشهادتين ويصلي ويصوم ويتحلى بفضائل الاخلاق, وطبعا إن هذه السمات والخصائص تنطلق من اصول موضوعة ومباني يقوم عليها هذا النحو من الاعتقاد بالدين, منها ما يتعلق باصول العقيدة من التوحيد والنبوة والامامة وغيرها, فالله في فكر هؤلاء هو المولى المطلق الذي يأمر وينهى ويثيب ويعاقب كالسلاطين من البشر, أي من خارج قلب الانسان و كيانه وليس له غرض سوى الأمر والنهي وأن يطيعه الانسان ولا يعصيه, فلا رائحة للحب والعشق بين الله والانسان في هذا التفكير الديني ولا غاية للانسان سوى الحصول على الجنة والنجاة من النار في الحياة الأخرى. أي أن هذا النوع من الايمان المذهبي يقوم اساسا على اشباع غريزة الخوف والرهبة من المستقبل وضمان الحياة الأخروية لكي يشعر الانسان معها بالهدوء والاطمئنان النفسي, فالانسان لا يتحرك في هذا الدين من موقع الحيرة الوجدانية والتفكير العميق بالمبدأ والمعاد بل يعتمد على الاحكام الشرعية التي تضمن له الخلاص من النار ودخول الجنة.
ومن هنا فان اخلاق هؤلاء لاتنبع من وجدان اخلاقي وقيم انسانية بل مجرد العمل بالتكليف والتخلص من العقوبة الالهية, فلو تحرك على مستوى صلة الرحم مثلا أو دفع الخمس والزكاة, فانه ينطلق في ذلك لا من موقع الخير وحب الارحام ومساعدة الفقراء والمساكين بل من موقع اداء التكليف مع جمود العاطفة وهذا هو السبب الذي يدعو الانسان الى التعامل مع الآخر المخالف بلغة الخصومة والكراهية والحساسية المذهبية ويساهم في عملية امتصاص روح الأخوة والتعاطف من قلوب اتباع المذاهب المختلفة.
3 ـ الموقف السياسي
يقف رموز هذا التيارمن علماء و رجال الدين موقفا سلبيا من التدخل في امور الحكومة والسياسة وينظرون الى الحكومات على أنها حكومات غاصبة وغير شرعية ويجب تجنبها, بينما نلاحظ في تيار الاسلام الايديولوجي أنه يرى لزوم التدخل في السياسة وتشكيل الحكومة الاسلامية ودعوة الناس الى اقامة النظام الاسلامي وتطبيق الشريعة كما سوف نرى في تفاصيل هذا التيار المتجدد.
وعلى أية حال فالاتجاه النظري والعملي لهذا التيار التقليدي والسلفي هو الابتعاد عن السياسة وعدم التدخل في الحكومة. وهذه الفقرة تمثل نقطة الالتقاء بين الحكومات المستبدة والأنظمة الديكتاتورية مع هذا النمط من التفكير الديني حيث يرى الحاكم المستبد نفسه بدون معارض ويشعر بالاطمئنان من خطر هذا التفكير الديني بل قد يؤيد مثل هذا التفكير الديني والمذهبي ويسعى لكسب ود العلماء ورجال الدين التقليديين أو عدم التحرش بهم على الأقل لأن ذلك يضمن لـه الأمان من خطر الاسلام السياسي. ولهذا نرى في التاريخ المعاصر أن الشاه الأول والشاه الثاني في ايران كانا يحرضان الناس العوام على تقلييد المراجع من هذا الخط وخاصة مرجعية النجف الاشرف للتخلص من التيار الخميني الصاعد الذي كان يشكل علامة خطر على أمن النظام الحاكم. وقبل ذلك وفي زمن النهضة الدستورية كنا نرى أن الشاه القاجاري كان يؤيد آية الله النوري الذي وقف ضد زعماء المشروطة وأفتى بكفرهم مؤيدا بذلك النظام الاستبدادي بعنوان (المشروعة). وفي مقابل ذلك نرى أن الاسلام السلفي في أجواء اهل السنة يناصر الحكومات المستبدة. حيث يلتقيان في هذا الموقع في مقابل خطر الاسلام السياسي المتمثل بالحركات الاسلامية السياسية كحركة الاخوان المسلمين ورموزها مثل سيد قطب وحسن البنا. ونلاحظ أن رجال الدين السنة لا يقفون دائما موقفا سلبيا ومعارضا من الحكومة بل ينضمون الى جهاز السلطة حيث يتم تعيين أئمة الجمعة والجماعة والأوقاف من قبل الحكومة ولذلك نجد مصالحة تاريخية بين رجال الدين السنة والحكومات طيلة التاريخ الاسلامي والى يومنا هذا بينما لا نجد مثل هذه الظاهرة لدى علماء الشيعة والمؤسسة الدينية الشيعية لاستقلاليتها الاقتصادية والمالية عن السلطة من جهة, ونظرية الحق الالهي لدى الشيعة التي تحصر الحكم والرئاسة الزمنية بالمعصومين ونوابهم الشرعيين من جهة أخرى.
4 ـ الموقف العدائي للمذاهب الاخرى
يتسم هذا التيار المذهبي بموقفه المعادي دائما للمذاهب الأخرى ولا سيما الوهابية, وفي المقابل نجد التيار السلفي لدى أهل السنة المتمثل بالوهابية يتحرك دائما من موقع العداوة للشيعة, فكل من هذين التيارين السلفيين, الشيعي والسني, يضع نصب عينيه تحطيم الطرف الآخر كهدف اساسي ورئيسي في عملية الدعوة وكسب الانصار والاتباع, فنلاحظ طيلة أكثر من نصف قرن من تاريخنا المعاصر أن كتابات علماء الشيعة ومفكريهم مليئة وزاخرة بالرد على اتهامات الوهابية وتدعيم موقف الشيعة في الاعتقاد ببعض المفردات مورد الخلاف كالشفاعة والسجود على التربة والتقية وزيارة القبور وامثال ذلك حيث تستنزف هذه المواضيع جل الطاقات الفكرية والمالية لدى كل من الطرفين. ويكفي مثالا على ذلك أنه قبل عامين(2002م)عقد في ايران مؤتمر الزهراءIفي ذكرى ميلادها استعرضت فيه عناوين الكتب المؤلفة والمترجمة حول الزهراءI وفي مدة 23 سنة من عمر الجمهورية الاسلامية, فكان عـدد الكتـب الصـادرة عـن الزهـراء فـي هـذه المـدة فقـط (767) كتابا (بين تأليف وترجمة وتحقيق) واعطيت الجوائز والهدايا الثمينة للفائزين !! فاذا ضممنا الى هذا العدد الكبير ما كتب عن الامام علي والائمة الطاهرين ولا سيما الامام الحسين والامام المهدي وما كتب في فضائلهم والرد على مخالفيهم لوصلنا الى أرقام مذهلة تحكي عن استنزاف غريب للطاقات وإهدار مسرف للأموال في جانب واحد من حاجات الانسان الفكرية والعلمية في العصر الحديث. كل ذلك يتم على حساب تهميش حاجات المسلمين العلمية في مجال الفيزياء, والطب والتكنولوجيا وسائر العلوم الاخرى, فاذا علمنا أن الطرف الآخر الوهابي أو السني يبذل من الجهود الفكرية والامكانات المالية في هذا المجال مثل ما يبذله الشيعي أو أكثر لأدركنا حينئذ مدى الأزمة التي يعيشها الفكر الاسلامي في مواجهة التحديات الصعبة التي يفرضها الواقع المعاصر على مستوى المواجهة الحضارية مع الغرب!!
وليت الأمر اقتصر على اهدار الطاقات الفكرية والثروات المادية لدى المسلمين بل تعدى ذلك الى اهدار كرامة الانسان المسلم نفسه واستباحة دمه لا لشيء الا لانه مخالف في العقيدة والمذهب, ومن ينظر في فتاوى ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب في جواز قتل المخالفين من المذاهب الاخرى وخاصة الشيعة لمجرد قولهم بجواز التوسل بالانبياء أو لزيارة القبور وما ترتب على ذلك من قتل المصلين الشيعة بين الفينة والاخرى في مساجد باكستان على يد افراد (جيش الصحابة) فسوف يدرك جيداً أن هذا النمط من الاسلام أو الالتزام الديني لا يحكي عن ايمان حقيقي بالله وبالرسالة السماوية بل هو دفاع عن الهوية المؤطرة بقوالب مذهبية لمن يعيش عقدة التخلف الثقافي والاستلاب الحضاري ويتحرك من موقع الخصومة والحساسية المذهبية التي لا تطيق النظر الى الآخر المخالف. وطبعا يتحمل الفقهاء في هذا التيار الديني الوزر الاعظم عن الجرائم واشكال الحقد والكراهيةوالفرقة بين المسلمين لنفخهم في كبير العصبيات المذهبية وتثويرهم المستمر لنقاط الخلاف بين المذاهب الاسلامية وتحريضهم العامة ضد كل من يتحرك لرأب الصدع وعقلنة الحوار.
وفي تقديري أن فقهاء الشيعة بدورهم يتحملون القسط الآخرمن مسؤولية التخبط الفكري والصراع المذهبي الفارغ الذي يعيشه المسلمون. بل اعتقد أن فتوى علماء الوهابية بقتل الشيعة واباحة دمائهم وممارسات جيش الصحابة والطالبان في هذا المجال انما جاء كرد فعل لفتوى فقهاء الشيعة بجواز سب ولعن الصحابة من جهة, وجواز قتل الساب للائمة من أهل البيتFمن جهة اخرى, فلكل طائفة رموزها ومقدساتها فلماذا الكيل بمكيالين وترغيب الشيعة بقتل الساب للأئمة ومنع مثل هذا العمل من الطرف الآخر والتشنيع على الوهابية الذين يسمعون سب الشيعة لابي بكر وعمر ولعنهما؟!
ألا يقدس أهل السنة الخلفاء كما يقدس الشيعة الائمة الطاهرين؟
ألم ينه القرآن الكريم عن سب الأوثان لئلا يتخذه المشركون ذريعة لسب الله تعالى: >ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم...<() فكيف لا يجوز سب الاصنام ويجوز سب الصحابة الذين يعتقد بهم جمهور المسلمين ويقدسونهم؟!()
والسبب الآخر وراء اتهام الشيعة بالشرك هو زيارتهم لقبور الائمة والاولياء وبناء الاضرحة والقباب المذهبة عليها والتوسل بهؤلاء الائمة والاولياء لطلب الحاجات وأمثال ذلك, وبعيدا عن المجال الفكري حول هذه المفردة بين الشيعة ومخالفيهم نقول أنه مما لا شك فيه أن سيرة العقلاء في جميع المجتمعات البشرية تقوم على اساس احترام وتبجيل الشخصيات الفذّة والمرموقة وتخليد ذكراهم, ومن ذلك بناء معلم على قبورهم لحفظها من الاندراس ولتكون آية حضارية وتاريخية تربط الجيل الجديد بتراثه ورموزه وتساهم في خلق الاصالة وتأصيل القيم في وعي الامة. أي أننا حتى لو لم نعثر على نصوص دينية من القرآن والسنة في الاشادة بزيارة القبور فلا يمكن اعتبار ذلك بدعة كما يحب أن يسميها اتباع الوهابية, ولا يمكن اعتبار الزيارة بنفسها والصلاة والدعاء عند قبور الاولياء شركاً, فنحن مع الزيارة ومع الصلاة والدعاء عند الاضرحة المقدسة وخاصة مع ورود نصوص متظافرة في زيارة النبي2 وزيارة حمزة سيد الشهداء وزيارة قبور البقيع وامثالها مما هو مذكور في كتب الشيعة وأهل السنة. الا أن الانصاف يدعونا الى مراجعة نقدية لمضامين بعض الروايات والممارسات التي يستشم منها رائحة الشرك في واقعنا الشيعي عند زيارة العتبات المقدسة, فعندما نقرر صحة اصل الزيارة فلا يعني ذلك اسباغ المشروعية على كافة المضامين والممارسات التي يدعو لها التشيع السلفي أو التقليدي فالكثير منها لا تنطلق من موقف فكري وقناعة عقلانية بل تنطلق من وحي التقاليد والرواسب الثقافية الثاوية في اللاوعي الجمعي. فمع غض النظر عن بعض الممارسات السخيفة التي تدعو الى الرثاء على ما وصلت اليه ثقافتنا المذهبية من انحطاط وتخلف من قبيل الزحف على الصدور ودخول الصحن الشريف على هيئة الكلاب مع العواء والنباح أو شج الرؤوس يوم عاشوراء وغير ذلك من السلوكيات المشوهة التي تقع على مرأى ومسمع بل وتأييد ضمني من مراجع الدين التقليديين, نقول : إن قضية الزيارة تحولت في وعي العوام الى حالة من الاستغراق في الجانب الدنيوي والمغلق بعيدا عن آفاق السماء والانفتاح على الله والتوحيد الخالص. فرغم أن علماء الدين يؤكدون أن طلب الحاجات من الامام والتوسل بصاحب القبر لشفاء المرضى والشفاعة لا يعني طلب الحاجة منه بالاستقلال ليكون شركا في العقيدة بل بما انه واسطة في الفيض لا اكثر والمطلوب منه بالاستقلال وبالذات هو الله تعالى, الا أن واقع الممارسة لعوام الناس لا يستوحي مقوماته من هذه الرؤية الكلامية الدقيقة بل من واقع نفساني ملوث بالشرك في اغلب الاحيان حيث يعيش الزائر في غفلة عن قدرة الله المطلقة ويتحدث مع المزور من موقع الاستقلالية في القدرة والتصرف فان أصابه خير نسبه الى ذلك الامام انسجاما مع ما ورد في مضامين الزيارات المحرفة والمزيفة من أن صاحب القبر هو الذي يعطي ويمنع و يرى ويسمع ويثيب ويشفع بقدرة الله المفوضة اليهم من الازل فإن أصابه خير نسب إلى الإمام وإن أصابه شرّ نسب ذلك إلى الله وقال بأنه من قضاء الله وقدره, فقد اصبح الله تعالى في هذه الرؤية السوداء والعقيدة المزيفة تابعاً لا متبوعاً وينقلب الاصل الى فرع والفرع الى أصل في غياب الوعي الناضج لعقيدة التوحيد في آفاقها الواسعة.
أقول: إن رجال المؤسسة الدينية وفقهاء الحوزة العلمية من اتباع العقل السلفي أكدوا للناس على قشور الدين وأصدافه وأهملوا جوهره ولبابه, فتصور الناس أن الدين هو اقامة المآتم على الحسين والزهراء واللطم على الصدور والمشاركة في مواكب العزاء وزيارة العتبات المقدسة, فهذه الشعائر تمتص كل رغبة نفسية خيرة تطلب من الانسان التوجه نحو الله والحق والفضيلة وتستنزف قوى الخير في وجدان الانسان فيبقى الشخص في مجال الاخلاق والاهتمام بامور المسلمين بلا رصيد عاطفي في عالم الروح والقلب وهذا هو السبب في تخلف الشيعة الاخلاقي وسوء واقعهم الاجتماعي بالقياس مع المجتمعات المتحضرة, أي أن الشعوب الغربية جعلت من الصدق والوفاء بالوعد واحترام الانسان دينا لها فلم تشبع غريزة التدين بالقشور والشعائر على حساب اهتزاز القيم وذبول الجانب المعنوي في الانسان.
قبل مدة ذهبت لزيارة أحد ارحامي الذي عاد من السويد بعد أن أمضى هناك موسم التبليغ والارشاد الديني لاخواننا المهاجرين الساكنين في تلك المناطق فاخذ هذا المبلغ يحدثني عن سلبيات المجتمع الغربي وانعدام الامن هناك وأنهم يعيشون في حالة من انعدام العواطف والتكالب على الدنيا وأن الصداقة هناك معدومة الا مع كلاب وغير ذلك. وكان يتحدث بلهجة واثقة واسلوب حماسي وكأنه يخطب في الحسينية النجفية. فلما أتم كلامه قلت له بهدوء : مهلا يا أخي. لست من العوام حتى تتحدث معي عن ثقافة الغرب من حيث الاستغراق في البعد السلبي منها. فأنا وأنت أعلم من غيرنا بحسنات الثقافة الغربية وسوءات مجتمعاتنا المتخلفة, فلماذا هذا الاصرار على طمس معالم الحضارة الجديدة والتعتيم على ايجابياتها من قبيل الاهتمام بالنظافة وصدق الموعد والامانة وحقوق الانسان والحرية السياسية والاجتماعية وأحدها ذهابك الى هناك وممارستك عملية التبليغ ضدهم وضد ثقافتهم ودينهم بكل حرية بينما نحن لا نسمح في المقابل بأن يأتي قسيس مسيحي الى بلادنا لممارسة التبليغ لدينه بل لا نسمح للمسيحيين من المواطنين في بلادنا بالتبليغ للمسيحية.
فقال لي : ولكنهم يعيشون بلا دين. فهم كفار...
فقلت له : ولكن ماذا تقصد من الدين ؟ هل الدين هو أن تؤمن بحفنة من المفاهيم والتصورات التي تدور في مدار الذهن ولا تتجسد في أرض الواقع العملي للانسان على شكل اخلاق وصدق وحسن معاملة ؟ فلا اعتقد أن أحدا من العقلاء يؤيد هذا المعنى والمفهوم للدين, والقرآن الكريم يطلق على الدين القويم اسم ((الصراط المستقيم)) فيقول:>اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم< ويقول:>وأن ليس للانسان الى ما سعى< ومعلوم أن الصراط هو الطريق والحركة والسعي في خط العبودية والمسؤولية والتوجه نحو الله لا مجرد تصورات تاريخية وتصديقات منطقية لا تؤثر في بناء المحتوى الداخلي للانسان ولا تعمل على اخراجه من دائرة الظلام والخرافة الى دائرة النور والعقلانية.
وبعبارة اخرى إن الدين الصحيح لا يمكن التعرف عليه من خلال الاقيسة المنطقية والادلة العقلية بل من خلال معطيات هذه العقيدة على مستوى العمل والممارسة وتقوية عنصر الاخلاق في واقع الانسان, فنحن نؤمن بالامام علي وندعي اننا من شيعته ومحبيه لا لأنه ابن عم الرسول أو زوج الزهراء, بل لانه طلب الحق وسار في خط العدالة والايمان والارتباط بالله تعالى أكثر من غيره. فالمعيار للحقانية هو هذا الأمر لا غير, ومثل هذه الحقانية لا تنعكس إلاّ على الاعمال والسلوكيات ولا تتجلى الا من خلال واقع الممارسة الاخلاقية في حركة التفاعل الاجتماعي للانسان.
فاذا تحركنا في هذا الخط وسعينا للاقتداء بالامام علي واهل البيت على مستوى الاخلاق والمسؤولية ونكران الذات والعشق للفضيلة فنحن من أهل الحق, والا فلا حتى لو قلنا الف مرة ((اشهد أن عليا ولي الله)) في الاذان وبكينا صباح مساء على الحسين !! وهكذا الشخص السني اذا سار في خط الحق والعدالة والفضيلة وابتعد عن الشر والرذيلة كان من أهل الحق أيضا حتى لو اختلف معنا في العقيدة وبعض الاحكام الشرعية, والمسيحي قد يكون من أهل الحق أيضا على هذا الاساس.
النتيجة أن التشيع التقليدي أو التشيع الصفوي, كما يسميه المرحوم الدكتور علي شريعتي, قد فشل في اثراء المحتوى الداخلي للانسان الذي يعاني من جفاف الروح وذبول المعنويات والاخلاق ولم ينتج سوى تضخم المؤسسة الدينية وتراجع العقلية الشيعية نحو الخرافة وتقليد الآباء والاجداد.
5 ـ النظرة الى المرأة
يتفق علماء ورجال هذا التيار السلفي في كلا المذهبين على اقصاء المرأة وعزلها عن الحياة الاجتماعية والتأكيد على وظيفتها البيتية من القيام بشؤون البيت وتربية الاطفال وخدمة الزوج على أساس أن ((جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها)) ومنعها من المشاركة السياسية والاجتماعية في حركة الحياة من قبيل تحريم اشتراكها في الانتخابات وعدم جواز تولي المرأة منصب القضاء والافتاء والحكومة والوزارة وحتى ادارة المؤسسات الصغيرة في المجتمع, بينما نلاحظ أن تيار الاسلام السياسي ينفتح قليلا على المرأة ويدعوها للمشاركة السياسية والاجتماعية ويعطيها بعض الحقوق لضمان دعمها وتأييدها لمشروع الحكومة الاسلامية كما نرى هذا الواقع في الاسلام السياسي لدى الاحزاب الاسلامية كالاخوان المسلمين في مصر وجبهة الانقاذ في الجزائر والفكر السياسي لدى رجال الدين في الجمهورية الاسلامية الايرانية..
هذا الموضوع مستل من كتاب الاسلام المدني للمفكر الاسلامي السيد احمد القبانجي.
[/align]