هل التدخين بحاجة إلى تحريم شرعيّ ..؟؟!!
بقلم / السيّد جعفر فضل الله ــ لُبنان
كثُرت الفتاوى في موضوع التدخين ، وكان أوّلها ما أطلقهُ السيّد فضل الله ( دام ظلّه ) في تحريمهُ القاطع ، وتبعهُ فقهاء آخرون كالشيخ ناصر مكارم في مدينة قُم ، وإن كان كثير من الفقهاء يُفتون بحُرمة الإضرار بالنفس إذا وصل إلى حد إلقاء النفس في التهلكة ليُطبق الحُكم على الموضوع ببساطة مُتناهية ، ولقد كان عُلماء كبار كالسيّد الخوئي ( ره ) ممّن لا يرون حُرمتهُ ولكنّهُ إمتنع عنه في أواخر حياته عندما قال لهُ الطبيب بأنه مُضر ضرراً بالغاً على صحّته.
لا أُريد أن أتناول المسألة من الزاوية الشرعيّة لأبحث عن الأدلّة القاضية بالتحريم أو تلك المُدّعاة على الحلّية ، ولكن يُستوقفني في هذا المجال كلمة للإمام علي " ع " : (( ما رأيت يقيناً أشبهُ منه بالشك من الموت )) ، واليوم نقول لسنا نرى اليوم شيئاً واضحاً وضوح الشمس كالأضرار الناجمة عن التدخين وهو أمر أشبه ما يكون بالشك على المستوى العملي ، حتى تجد أن المدخنين يعرفون أكثر من غير المدخنين عن مضارها ، وينبؤنك عن ذلك إنباء الخبير والمُجرّب معاً .
ولست أدري بعد هذا الكم الهائل من الدراسات والإحصاءات عن أضرارهُ ومخاطرهُ على الصحّة هل يحتاج التدخين إلى تحريم شرعيّ ؟ حتى تجد الكثيرين ينبرون ليناقشونك بفتاوى الحلّية ولو تأملت أكثرهُم لوجدتهم في قرارة أنفسهم من خلال ما أودع الله في أنفسهم من صفاء الفطرة غير مقتنعين بما يحدثونك به ، ولكنه التبرير لما تعجز عنه الإرادة ، ليس إلاّ .. هل تجد في العالمين أحداً يمتنع عن شُرب السم بسبب تحريمه الشرعيّ ، بل أن المرء قد يستغرب صدور نصّ شرعيّ يُحرّمهُ لأن التحريم يُراد منه إيجاد الحافز على الإمتناع وهو مُتحقق من دونه كما هو واضح ..فماذا عدا ممّا بدا ؟!
المُشكلة مُشكلة ذهنيّة ، ذهنيّة تُفرّق بين شُرب الدخان وتجرع السم ليس إلاّ لأن أحدهُا قتل سريع والآخر موت بطيء !!
و ربّما كانت هذه ذهنيّة من مخلّفات تربية تعيش الحياة في حجم اللحظة ، و لاتعيشها في مدى المُستقبل ، وقد لا تقتصر هذه الذهنيّة على الجوانب الصحيّة فحسب ، بل تنسحب على كُل المُفردات التي تحكم حياتنا ، سواء في الجوانب الإقتصاديّة أو الإجتماعيّة أو السياسيّة أو العسكريّة والأمنية وما إلى ذلك .. ورُبّما لا يجد واحدنا جُهداً عندما يلاحظ قيامة القيامة عندما أُريد رفع سعر صفيحة البنزين من خمسة آلاف ليرة على ما أذكُر دفعة واحدة ، ولكنها لم تقم عندما إرتفعت ألفاً ألفاً بالمفرّق حتى تجاوزت الرقم المذكور !!
ورُبما لحظت ( إسرائيل ) فينا هذه الذهنيّة فأخذت تقضمنا بالمفرّق ، في إنساناً الذي تُمعن فيه تقتيلاً وتشريداً كما في أرضنا نهباً وضماً .. وربما أصبح العالم كُلّهُ يتعامل معنا من نفس المنطلق ، لأنه وجد أننا أُمة لا تعي النتائج إلاّ في لحظة اللاّعودة ، و لا تصدق الأخطار إلاّ عندما تدوس على الأفخاخ ، وأننا أُمة تعيشُ بوناً شاسعاً بين ما تعلم و ما تعمل ، والله من وراء القصد .