[align=justify]تحت وطاة الفقر والعوز اضطرت أ. ش ذات السبعة عشر ربيعا والتي لم تسعفها الظروف لاكمال دراستها للعمل في مشرحة بغداد في دائرة الطب العدلي. أ. ش واحدة من مجموعة من الفتيات الشابات اللواتي أجبرتهن الظروف القاسية على امتهان تشريح النساء في دائرة الطب العدلي والسبب بسيط جدا فالراتب كبير ويوازي راتب موظف الدرجة الاولى بحسب سلم الرواتب المعمول به حاليا. غير ان اللافت للنظر ان هؤلاء الفتيات اللواتي يتقاسمن شظف العيـش وقسوة الظروف الاجتماعية يشتركن جميعهن بانهن ضئيلات الأجساد لكن قسوة الحياة جعلت قلوبهن البضة تتحول الى حجر صوان. تقول أ. ش ان الظرف المعاشي والاقتصادي الذي تعيشه اسرتها هو الذي دفعها الى العمل في المشرحة وتضيف انا البنت الكبرى في البيت وعائلتي مكونة من ستة افراد ثلاث بنات وولد واحد وابي وامي وابي طريح الفراش حاليا. فقد كان يعمل في معمل البطاريات الكائن في الوزيرية ونتيجة تعامله اليومي مع مادة الرصاص فقد اصيب بمرض خبيث. اما امي فهي ربة بيت حالها حال اغلب الامهات العراقيات، لذا فانا معيلهم الوحيد بالاضافة الى اننا نسكن بالايجار ونحن مهددون بطردنا من البيت باي لحظة اذا لم نسدد الايجار الشهري. وتضيف انا على استعداد للعمل في الجحيم من اجل ان اجنب عائلتي التشرد وليس العمل في المشرحة ولا يهمني ما يمكن ان اتعرض له في عملي هذا. المهم هو انني ساجد عملا حقيقيا. صحيح انه مع الاموات الا انه افضل ماقدم لي. اما زميلتها ن. ع التي تعمل ايضا في قسم الخاص بالنساء، فتقول لا تهمني اراء الناس بعملي لانهم لن يقدموا او يؤخروا شيئا من واقعي واذا اصغيت لكلامهم فهذا يعني انني وعائلتي سننام في الشارع، لذا فان اخر ما افكر به هو ترك عملي من اجل ارضائهم. والذي يريد ذلك فعليه ان يوفر لي فرصة عمل وبنصف الراتب الذي اتقاضاه حالياً وعند ذلك ساتركه وبدون رجعة. وبرر مدير معهد الطب العدلي الطبيب قيس حسن سلمان توظيف هؤلاء الفتيات بحاجة المعهد للعناصر النسوية في المشرحة الخاصة بالنساء لانه لايمكن للرجال تشريحهن، وقال انا ارى الجانب الاخر، فنحن ننظر بانسانية لهؤلاء الفتيات اللواتي دفعتهن الظروف الصعبة الى اللجوء لهذا العمل دون سواه اذ ان اغلبهن ينتمين لعوائل متعففة ويمكن للراتب الذي يتقاضينه ان يغير حياة اكثرهن ويجنبهن العمل في اماكن غير مضمونة، هذا في حال توفرت لهن فرصة عمل اصلا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق. ولفت سلمان الى ان حملة الشهادات لايرغبون بالانخراط في هذا العمل، وهو ما يضطرنا الى توظيف امثال هؤلاء الفتيات بالرغم من معرفتنا بان عملية التشريح تعني اساسا تحديد سبب الوفاة لاسيما في القضايا الجنائية. وفي جعبة هؤلاء الفتيات قصص كثيرة تروي فواجع عراقية من هذا الزمن الصعب، اهونها الاغتصاب، وافظعها عمليات القتل غسلاً للعار. لكن ناهدة عبد الكريم، استاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة بغداد، رأت ان انخراط فتيات في مثل هذه الاعمار الصغيرة يؤدي بهن في نهاية المطاف الى الاصابة بامراض نفسية كثيرة، قد تصل حد الجنون او الفصام. وقالت ان اضطرار الفتيات الصغيرات للتعامل مع الجثث لم يكن ليحدث لولا الظروف القاسية التي يعانين منها، وبالتالي فان تراكم الضغوط مصحوبا بمناظر مروعة وقصص مفجعة سبب لهن ضغطا نفسياً هائلا ينعكس على حالتهن النفسية وربما العقلية في وقت لاحق. وابدى مهدي طالب وهو ايضا متخصص في علم الاجتماع امتعاضه من سماح المسؤولين في دائرة الطب العدلي لهؤلاء الفتيات بالانخراط في العمل كمشرحات، واعترافهم بانهن غير مؤهلات علميا او عمريا لمثل هذا العمل، وقال ان الاثار السلبية التي ستعاني منها الفتيات مستقبلا لا تبرر على الاطلاق ما يقمن به... فالامر لايتعلـق بتوفير فــرص عمل فقط وانما بمراعاة العمر وقابلية التحمل وغيرها.
المؤتمر[/align]