ما بين نهاية الزرقاوي.. ومصير «القاعدة» في العراق

بإعلان مقتل «أبو مصعب الزرقاوي» الأول من أمس بغارة جوية، على منزل كان يجتمع فيه مع عدد من مرافقيه، يسدل الستار على شخص جدلي ثارت العديد من علامات الاستفهام حول دوره في المقاومة العراقية ومدى قوة جماعته ومستوى تدريبها وانتشارها وعدد أعضائها والعمليات التي تقوم بها. ولعل المفارقة الرئيسة تكمن في تحول الزرقاوي من شخص خرج من الأردن إلى أفغانستان مع قلة من الصحب إلى شبكة متطورة ومحترفة كبيرة في العراق، تقوم بعمليات دموية، ويعبر أنصارها الحدود الإقليمية ذهابا وإيابا، إما هروبا من دول (حالة المطلوبين السعوديين)، أو للضرب داخل دول أخرى (حالة الأردن).

يبدأ الجواب على الأسئلة السابقة من طبيعة الظروف التي رافقت سقوط بغداد، وانهيار الجيش العراقي في ساعات محدودة، حينها كان الزرقاوي ـ في العراق ـ معه فقط العشرات من المؤيدين العرب متحالفا مع أنصار السنة في كردستان، فتمكن خلال فترة قصيرة من تجنيد أعداد كبيرة من مئات المتطوعين العرب، الوافدين إلى العراق قبل الحرب وبعدها، وتحوّل مع مرور الوقت إلى جماعة ثم شبكة كبيرة، تكتسب أنصارا ومؤيدين من المجتمع السني العراقي.

وإلى حين استكمال فصائل المقاومة السنية الأخرى استعدادها للمشاركة بالعمليات العسكرية كان الزرقاوي يكتسب سمعة إعلامية ومزيدا من الأنصار من العراقيين والقادمين العرب، من خلال الطابع الإعلامي المدوي للعمليات الانتحارية التي اعتمدتها جماعته. وعندما كشف شيخه أبو محمد المقدسي، من سجنه في الأردن، عن خلافات الزرقاوي مع ابن لادن، وكثرة الأقاويل حول طبيعة العلاقة بين الطرفين، قطع الزرقاوي الطريق على ذلك بالانضمام إلى القاعدة، وتكوين «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».

السر الحقيقي في قوة الزرقاوي وجماعته، لا يعود إلى قدرات خارقة لدى الرجل، إنما للظروف السياسية والأمنية في العراق؛ أي في شعور السنة بالقلق والخوف من الاستعداء الأميركي ومن الميليشيات المسلحة المتطرفة التابعة لبعض القوى الشيعية، فالزرقاوي هو بمثابة «المعادل السني المتطرف» ضد التطرف الآخر. وعندما بدأ السنة بالاندماج بالعملية السياسية حدث شرخ واضح في العلاقة بين الزرقاوي والمجتمع السني، ما أدى إلى اشتباكات وصراع بين جماعته وبعض العشائر السنية، وساهم في المحصلة في تقليص الدعم اللوجستي الذي كان يحظى به داخل المجتمع السني.

ومن الواضح عند قراءة البيانات الصادر عن الجيش الإسلامي أو كتائب ثورة العشرين، وهي أقرب إلى طابع المقاومة الإسلامية الوطنية، أنّ هنالك اختلافا وبوناً شاسعاً بين هذه الجماعات وبين الزرقاوي وجماعته سواء في طبيعة العمليات العسكرية التي تقوم بها أو الخطاب السياسي والإعلامي أو الأهداف السياسية أو الموقف من القوى العراقية الأخرى وبالتحديد الشيعة. وإذا كان لا يخفى نزعة الحزن والغضب التي تتبدى في بيانات هذه القوى من مواقف الشيعة السياسية أو من أعمال تقوم بها ميليشيات شيعية إلا أنه لم يصدر عن هذه القوى أية إشارات حول استهداف الشيعة، كما هو الحال في عمليات الزرقاوي التي استهدفت الشيعة واستباحة دماء المدنيين بذرائع.

لكن الخلاف بين الزرقاوي وفصائل المقاومة العراقية الأخرى، لم يظهر إلى العلن، وكان أقرب إلى حالة «الزواج القسري» بينهم، إذ أنّ أي صراع بين هذه القوى، التي تعتمد العمل العسكري السري، سيؤثر عليها جميعا ويسهل عملية ضربها.

وفي إطار الصراع الإعلامي والسياسي، وظهور مؤشرات متعددة حول الأزمة بينه وبين المجتمع السني لجأ الزرقاوي، في الشهور الأخيرة، إلى تشكيل «مجلس شورى المجاهدين» الذي يضم عددا من الجماعات، المرتبطة به لكنها كانت تعمل بصيغة حركية مستقلة، وعيّن نائبا له «أبو عبد الرحمن العراقي» ورئيسا لمجلس الشورى وكلاهما عراقيان.

لم تقف شبكة الزرقاوي عند الساحة العراقية، بل أصبحت عابرة للحدود، وأخذ الزرقاوي يرسل أتباعه إلى دول أخرى، كان للأردن حصة الأسد منها، فأحبطت الأجهزة الأمنية الأردنية عدة محاولات وتمكنت مجموعات أخرى من تحقيق أهدافها، فحدثت تفجيرات عمان 9/11/2005 وقبلها تفجيرات العقبة. وكان من الواضح أن الزرقاوي قد استفاد كثيرا من الأعضاء الجدد المحترفين غير الأردنيين (عراقيين، سوريين، سعوديين) في شبكته من ناحية، كما أنه وظف خبرته في الحرب العراقية في هذه العمليات من ناحية أخرى.

مقتل الزرقاوي كان متوقعاً، لرجل مطلوب من قبل أبرز أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية، يتحرك في ظل شروط صعبة، وإذا كانت هنالك مقدمات يمكن الاعتماد عليها في قراءة نجاح هذه العملية، ففي مقدمتها أزمته مع المجتمع السني، واستعداؤه للعديد من القوى العشائرية والسنية سواء في خطابه وممارساته.

ولعل سؤال العلاقة مع المجتمع السني هو الذي يحدد، بدرجة رئيسة، مستقبل تنظيم القاعدة في العراق، فإذا استمرت العملية السياسية واندمج السنة فيها، وتراجع العنف المقابل ضد السنة، وحدثت حالة من التوازن السياسي والحوار الديني، فإنّ مصير القاعدة يصبح مهددا بدرجة كبيرة، أمّا إذا ساءت الأوضاع السياسية وتدهورت الحالة الأمنية، فإن القاعدة مقبلة على مرحلة «ذهبية» في العراق، على الرغم من مقتل زعيمها ومؤسسها. كما سيتأثر مستقبل القاعدة في مدى قدرتها على الحفاظ على وحدتها وتماسكها التنظيمي، أو أنّ عقدها سينفرط إلى مجموعات صغيرة عنقودية، ما يضعف شوكتها ودورها الأمني.

على الصعيد الإقليمي؛ الأردن هو المستفيد الأول من مقتل الزرقاوي، فالقائد الجديد للقاعدة هو عراقي الجنسية، ليس لديه مشكلة كبيرة مع الأردن، كما كان الحال مع الزرقاوي، الذي كانت عينه دوما على الأردن، كما أن التنظيم سيعمل في الفترة القريبة القادمة على ترتيب أوضاعه الداخلية، وإثبات أنه لا يزال قويا ومتماسكا، وسيكون التركيز على العراق، ما يقدم للأردن «فرصة» من الأريحية الأمنية بعد فترة من الصراع المحتدم مع هذه الجماعة التي استفادت كثيرا من حضورها في العراق ومن وجود مئات الآلاف من الجالية العربية في الأردن، التي لم تكن الأجهزة الأمنية تملك قاعدة بيانات كافية حولها.

* باحث أردني في شؤون الجماعات الإسلامية