بسم الله الرحمن الرحيم

وجيزة إلى من ناصر الكوراني أو ينتصر له

{{ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}}
(إبراهيم: من الآية36)

إنَّ النقد والتقويم سمة الأمة الواعية والفرد المخلص المتفاني – صاحب الهم والقضية – الذي ينشد تحقق ما أمن به من مبادئ وقيم ومثل، وليس المهم أن يكون هو من يُروجها، بل الأهم لديه أن يرى المساحة التي شغلتها في حياة الأفراد وفي مجتمعه وسواه المساحة الأوسع، لموضوعية ما آمن به أولاً ولوعيه بما آمن به ثانياً .
هذه الوجيزة مدخل ومرتكز أول في دراسة أو تقييم دور الشخص قيمة القضايا المطروحة، غضاً للطرف عن نوايا من نوى الإساءة أو التلاعب في تقييمه للأمور وفقاً لرؤياه لها لا كما هي أو كما كانت في فهومات سواه .

تنوع الأدوار ووحدة الهدف
سؤال لابدَّ من إثارته لرفع إلتباس وقع فيه الشيخ الكوراني !
هل أنَّ سيرة ومواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) تجاه فتنة الانقلاب على الأعقاب (حسب المصطلح القرآني) هي ذات مواقف الإمام الهادي والعسكري(عليهما السلام) أو سواهما من الأئمة ؟
ثم أن تقسيم الحقبة التاريخية الممتدة من عام ((11- 260هـ)) والتي كانت مسرحاً لأحداث وظواهر اكتنفت الأمة والمجتمع الإسلامي وبيان أدوار ومواقف المعصومين (عليهم السلام) تجاهها بغية أن يلمَّ الإنسان الشيعي أو سواه بحياتهم وسيرتهم (عليهم السلام) يعني وضع حواجز حديدية أو كونكريتية فاصلة يمكن أن تُميز وتحد بين مرحلة وأُخرى، أم أنه أمر اعتباري لا أكثر ولا يجهل ذلك أي منه له حد بسيط من المطالعة فضلاً عن الحوزوي الملم .
إنَّ اختلاف الظروف والملابسات ومسببها ودور ذلك وتأثيره وقوته في الأمة، كل هذه العوامل وغيرها كموقف الأمة ودرجته مع الإمام (عليه السلام) ، وموقفها من الظالم، وما تواجهه الرسالة من تحديات تؤخذ بنظر الاعتبار في فهم مواقفه (عليه السلام)، وفي المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حول وموقفه من خلافة السقيفة، فمرة يقول(عليه السلام) : ((لم يكن معي إلا أهل بيتي فظننت بهم على الموت))، وأُخرى يقول (عليه السلام) :((صبرت وفي الحلق شجى))، كما دعا من وعده بالنصرة إلى أمر لينهض ضد مناوئيه إلا أن هؤلاء خافوا وأختلفوا حول ما أتفق معهم عليه، فصبر (عليه السلام)...
وإن السيد الشهيد الصدر (رض) قد أشار ضمن بحثه لهذا الموضوع للنقطة سالفة الذكر ((وهذا الاتجاه الذي أريد أنْ أتحدث إليكم عنه هو الذي يتناول حياة كلّ إمام ويدرس تاريخه على أساس النظرة الكلية، بدلاً عن النظرة التجزيئية، أي ينظر إلى الأئمة (ع) ككل مترابط ويدرس هذا الكل، ويكشف ملامحه العامة، وأهدافه المشتركة، ومزاجه الأصيل. ويتفهّم الترابط بين خطواته، وبالتالي الدور الذي مارسه الأئمة جميعاً في الحياة الإسلامية.

ولا أُريد بهذا أنْ نرفض دراسة حياة الأئمة (ع) على أساس النظرة التجزيئية, أي دراسة كل إمام بصورة مستقلة، بل أنّ هذه الدراسة التجزيئية نفسها ضرورة لإنجاز دراسة شاملة كاملة ملائمة ككل، إذ لابدّ لنا أولاً أنْ ندرس الأئمة بصورة مجزّأة ونستوعب إلى أوسع مدى ممكن حياة كل إمام بكلّ ما تزخر به من ملامح وأهداف ونشاط، حتى نتمكن بعد هذا أنْ ندرسه ككل ونستخلص الدور المشترك للائمة (ع) جميعاً، وما يعبّرون عنه من ملامح وأهداف وترابط.))(أهل البيت تنوع أدوار و وحدة هدف).
{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}
(النساء:112)
وأهل البيت (ع) تنوع أدوار و وحدة هدف، هو عنوان لمجموعة محاضرات (*)وبحوث للسيد الشهيد الصدر (رض) ألقاها وكتبها (رض) خلال فترات ربما متباعدة وفي مناسبات مختلفة، وإن كان البعض منها متقارباًً والتي كانت حول حياة أمير المؤمنين (ع) ، ثم جمعت من قبل أحد طلابه فشكلت الكتاب الموسوم بهذا العنوان، ومن خلال المتابعة حول تاريخها حيث نشرت بعضها في دائرة المعارف الإسلامية الشيعية (السيد حسن الأمين)، وكتاب (اخترنا لك) .
و يمكن بجملتها أن يصطلح عليها ((أهل البيت (ع) في فكر السيد الشهيد الصدر(رض))أو نظرية ((تنوع الأدوار و وحدة الهدف)) في دراسة حياة المعصومين (ع)، ومن خلال تضاعيف المباحث التي تناولها السيد الشهيد (رض)والتي تشتمل على مراحل ثلاث حسب تقسيمه (رض)، ولم يكن له (نظرية الأدوار لثلاثة أئمة) حسب مدعى الكوراني، ويمكن الجزم أن أولى هذه المحاضرات حسب ما دون كان عام (1386هـ)، وقبل هذه الفترة بسنين يكون السيد الشهيد (رض)خارج التنظيم .
فلنا والقارئ أن نسأل الشيخ :
ما هي الروايات التي خرجها ليوفق بين النظرية وما حملت من فهم واقعي إمامي(حسب السيد الشهيد) عن حياة وسيرة ومواقف أئمة أهل البيت (ع)، وبين الالتقاطية (حسب فهم الكوراني للنظرية بعد أن بترها)عن الفكر السني حسب زعمه ، والكتاب إلى يوم الناس المشهود لم يحققه الشيخ مثلاً حسب رؤياه الأولى أو حين تذكر وفهم حياتهم (ع)خطأه بعد أربعين عاماًً وهذا من الغرائب ...
هل تقع مسألة الاتهام والتوهين ضمن دائرة مناقشة أم قد قصد تخفي خلفها ...!
وهل قرأ الشيخ سابقاًً أو لاحقاً بعد إن طبعت تلك المحاضرات أن السيد الشهيد (رض) يصرح أن هذا التقسيم - ((ثم تبدأ المرحلة الثانية، والإمام الباقر (ع) شبه البداية لها. وحينما نقول شبه البداية، لأن تصور هذا العمل ليس حدّياً، حيث يمكن أن نقف على اللحظة، فنقول: هذه اللحظة هي نهاية المرحلة وبداية أخرى، وإنما هذا التصور يتفق مع طبيعة الأحداث
المتصورة في خط تاريخ الإسلام))(1) - ليس أمراً لازماً فتكون هناك حدود بين مرحلة
ــــــــــــــ
(1) أهل البيت (ع) تنوع أدوار و وحدة هدف، السيد الشهيد محمد باقر الصد: ص 115.

وأخرى من هذه المراحل التي تشكل بجموعها نظرية السيد الشهيد (رض) في قراءته لحياة أئمتنا (ع).
هل يعرف الشيخ رؤية سيد قطب حول الخلفاء الثلاثة الأول وأن سيد قطب يتمنى في كتابه العدالة الاجتماعية أن يكون الإمام علي (ع) ثالث لا رابع الخلفاء، فيتغير بذلك تاريخ هذا الدين ، وهي بعيدة كل البعد عن رؤية السيد الشهيد (رض) الذي يرى أن طبيعة الرسالة تفرض وطبيعة الأشياء تفرض أيضاً أن يكون أمير المؤمنين (ع) الشخصية الثانية في الإسلام.
وهل ينقل لنا الشيخ ، رؤية السيد الشهيد (رض)، حول الخلفاء حتى لا يلبس ولا يلتبس على القارئ والمتابع قول أو مقال ، فالسيد الشهيد (رض) ينقل الوارد في الزيارة الجامعة حول بناء رؤيته عنهم : ((((بيعتهم التي عم شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام، وعقت سلمانها، وطردت مقدادها، ونفت جندبها، وفتقت بطن عمارها، وحرفت القرآن، وبدلت الأحكام، وغيرت المقام، وأباحت الخمس للطلقاء، وسلطت أولاد اللعناء على الفروج، وخلطت الحلال بالحرام واستخف بالايمان والاسلام، وهدمت الكعبة، واغارت على دار الهجرة يوم الحرة، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوءة، وألبستهن ثوب العار والفضيحة، ورخصت لأهل الشبهة في قتل أهل بيت الصفوة وإبادة نسله، واستيطال شافته، وسبي حرمه، وقتل أنصاره، وكسر منبره، وقلب مفخره، وإخفاء دينه ))(1) إلى غير ذلك من الأوصاف .(2)
(6) لماذا لم يستشهد الشيخ الكوراني برواية واحدة ضعيفة أو جبر عطائها هو كما يزعم .
إلى كثير أسئلة واستفهامات ترد على ما جاء به الشيخ ...
ــــــــــــــــــــــــ
(*) انظر اخترنا لك السيد الشهيد محمد باقر الصدر، دار الزهراء – بيروت، 1975.
(1) المزار الكبير، محمد بن المشهدي، متوفي 610هـ، مطبعة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1419هـ : 297 – 298.)
(2) أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، السيد الشهيد الصدر(رض).

نداء الجنوبي
s-s