منذ فترة ليست بالوجيزة وتركيا تهدد وتتوعد باجتياح كوردستان بذريعة مكافحة مقاتلي الحزب العمالي الكوردستاني، وهي ماضية الآن على قدم وساق للتحضير والتجهيز وبكامل قواها العسكرية من برية وجوية لتحقيق هذا الهدف وفي أقرب فرصة مواتية، وكل التصريحات الصادرة عن المسؤولين العسكريين والمدنيين والإجتماعات المتعاقبة والمتسارعة وما يؤكده المحللون السياسيون، يشير إلى أن المسالة هي مسالة وقت ليس إلا، لأن الأيادي هي على الزناد، ولا تنتظر إلا الأوامر.

ومن جانب آخر فإن التصريحات تصدر ـ ولكن ببرودة ـ عن الجانب الكوردستاني والعراقي مؤكدة خطورة هذا الإقدام التركي في وقتٍ العباد والبلاد في المنطقة تمر بأسوأ ظرف، وناصحة الترك بالإحتكام إلى صوت العقل وإتخاذ سبل المفاوضات والسلام من اجل إنهاء الأزمة بينهم وبين الكورد القاطنين في شمال كوردستان، لأن التأريخ أثبت عقم الحلول العسكرية في إنهاء ازمات الشعوب، خاصة في مثل حالة الكورد الذين لم يرفضوا في يوم ما الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل هم من الداعين إليه والمؤكدين عليه.

إن الذي يؤرق الزعماء الترك هو التقدم الكوردي الحاصل في جنوب كوردستان والتناغم الحاصل بين الأطراف الكوردستانية والعراقية لحل كل المشاكل وفق الدستور الذي إتفق عليه الجميع وبما يحقق آمال الجميع في نيل الحقوق ضمن دولة فيدرالية، وتخشى تركيا بالتالي أن تتزايد طلبات كوردها الذين تتجاوز نفوسهم عن 15 مليونا فيها وهم محرومون حتى من حق الإعتراف بكونهم أمة لها مميزاتها، بل لازال لحن أتراك الجبل يُعزف بحقهم.

إن إصرار تركيا على موقفها المتعنت ورفضها لكل مقترح يضع حدا للمأساة من خلال جمع المتخاصمين لإنهاء ماساة قرن، لا يمكن ان يُقرأ منه إلا جر المنطقة إلى دوامة عنف لا طائل من وراءها، ولا يترشح عنها إلا المزيد من الدماء والدمار للمنطقة عموما وخاصة كوردستان.

ما نقرأه هذه الأيام ونسمعه من تحضيرات وخطط تركية لتجاوز حدود كوردستان بعمق 60 كلم مع دخول 50000 ألف من جندرمتها واسلحتها البرية والجوية وبقاءها هناك إلى أجل غير مسمى حسبما ذكره تلفزيون سي ئين ئين تورك، يدل على ان الإجتياح التركي لكوردستان ـ وبدعم إيراني ـ قادم وشبه مؤكد.. وإن مشكلتها مع الكورد لا تنتهي حتى في حال إفتراض القضاء على خصمها في جبال قنديل، بل تتحول هي إلى رقم صعب ومؤثر في المعادلة السياسية ومن خلالها تتحدد طبيعة المستقبل الكوردستاني وكركوك بالذات وعلى حساب الكورد.

إن الذي تحوًَّل عندى إلى لغز محير ـ برغم التصريحات الخجولة ـ هو السكوت الكوردستاني وعدم اخذ الأمر بجدية، سواء على المستوى القيادي أو الجماهيري او على مستوى المثقفين، وكأني بالجميع ينتظر الإجتياح التركي ليكون رديفا للإحتلال الإسرائيلي المتوقع لجنوب لبنان لتصبح المنطقة بين فكي كماشة تركيا وإسرائيل.. والله أعلم !

محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني
[email protected]