نمط الحرب القادمة
GMT 1600 2006 الأحد 23 يوليو
أسامة عجاج المهتار



--------------------------------------------------------------------------------


على جميع دول العالم بدءًا من سورية وإيران دراسة ما يجري في لبنان بعمق ووضع الخطط الاحترازية لمواجهته، إذا وجدت. ذلك إن ما نراه في لبنان هو نمط الحرب القادمة، ولكنها هنا الآن. ويمكن اختصار مقولة الحرب الجديدة بتدمير البنى التحتية التي هي عماد حياة المدنيين في أي بلد، وخلق كارثة إنسانية تتمثل في ملايين النازحين، بحيث تعجز الحكومات المحلية وحتى الصديقة عن تحمُّل أعبائها، دونما حاجة لإرسال جندي واحد لاحتلال أية أرض، ومن ثم ترك البلد المعني يتخبط لسنوات في حل آثار هذه المشكلة الإنسانية. كون هذا النمط محرمًا دوليًا ومخالفًا لشرعة حقوق الإنسان، وكونه يندرج تحت باب جرائم الحرب والإبادة لا يعنى أن مجلس الأمن سيعمل لمنعه. شاهِدُنا على ذلك ما يحدث في أروقة الأمم المتحدة وعواصم الدول الكبرى من مماطلة لوقف تدمير لبنان.

أما تركيزنا على سورية وإيران فلسبب واضح. إن التهديدات الأميركية والإسرائيلية لهاتين الدولتين لا تتوقف. ونحن نعتقد أن بنك الأهداف في كل منهما جاهز، وأن قرار العدوان قائم ينتظر ذريعة ملائمة ولحظة الصفر. وما قول "كوندوليسا رايس "إن ما يحدث في لبنان هو آلام مخاض الشرق الأوسط الجديد." سوى تهيئة لنا جميعًا لاستقبال هذا المسخ الآتي بما يلزم من أحزان. إذا قسنا ما يحدث في لبنان بالنسبة إلى عدد سكانه، بما يمكن أن يحدث في أي من سورية وإيران قياسًا بعدد سكان كل منهما، وجدنا أنفسنا نحدق في كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل. بل أكثر من هذا، إذا نُفِّذ نمط الحرب هذه على سورية فمن سيستقبل مشرديها؟ العراق؟ الأردن؟ تركيا؟ السؤال نفسه ينطبق على إيران.

ما هي أسس الحرب الجديدة والأعمدة التي تقوم عليها؟ السرعة التدميرية الفائقة، والغطاء السياسي والإعلامي، والقناعة الأخلاقية. النقطتان الأوليان واضحتان. أما الثالثة فتعبر عنها أقوال برزت في أوساط أميركية تقول "إن إسرائيل تخوض حرب الله، Israel is waging God’s war"، أو "كلنا إسرائيل." لقد نجحت المؤسسة الإسرائيلية في إقناع شرائح كبيرة من المجتمع الأميركي بأنها فعلاً "شعب الله المختار" وأن الدفاع عنها وتبني جميع أفعالها هو فعل إيمان أو "فرض عين" لا يمكن تجاهله، ويمكن الضرب عرض الحائط بجميع القوانين الدولية في سبيله.

لا نستطيع التوسع في النقطة الثالثة في هذه المقال القصير، ولكننا نضعها، كما فعلنا مرارًا، برسم مغتربينا وقيادات الكنائس الشرقية التي لا بد لها من القيام بما يلزم لفك الارتباط العضوي بين الصهيونية اليهودية وبعض المؤسسات الدينية الغربية الفاعلة. فإن لم نفعل، يبقى هذا الغطاء الديني قائمًا لعدوان يتكرر كل عقد أو أقل.
كيف نردع هذه الحرب قبل أن تحصل، أو كيف نواجه تداعيتها إذا حصلت؟ لا بد من الإشارة هنا إلى أن الثبات، بمعنى امتصاص الضربة العسكرية وإنزال خسائر في صفوف العدو، العسكرية منها والمدنية، لن ينفي الآثار بعيدة المدى للحرب على المدنيين ولن يمنع إعادة البلد المتضرر سنين عديدة إلى الوراء.

إن ما يحدث في لبنان غير مسبوق في تاريخ الحروب والرد عليه يجب أن يكون كذلك. في رأينا أن الخطوة الرادعة الأولى يجب أن تكون في تجاوز مجلس الأمن المحتل إسرائيليًّا، وحشد عدد كبير من الدول والكتل في العالم بحيث تقطع علاقتها بإسرائيل فورًا، واتخاذ عقوبات اقتصادية فردية وجماعية في حال لم توقف عدوانها على لبنان خلال مدة زمنية محددة، أو في حال اعتدائها على أية دولة أخرى بالشكل نفسه. بالطبع يكون جميلاً ومتوقعًا إذا أقدمت الدول العربية التي أقامت علاقة دبلوماسية مع إسرائيل بخطوة كهذه إذا شئنا إقناع بقية دول العالم أننا جادون في هذا الأمر.
الخطوة الثانية تكون في إعلان هذه الدول أنها تعتبر المسؤولين الإسرائيليين الذين يقودون هذه الحرب والعسكريين الذين ينفذونها متهمين بارتكاب جرائم الحرب، وقادة الدول التي تدعمها بالسلاح والعتاد مشاركين لها في ارتكاب جرائم حرب، وأن أي من هؤلاء سوف يكون عرضة للاعتقال فور دخوله أراضيها.

الخطوة الرادعة الثالثة والتي يجب أن تقوم بها سورية وإيران هي في الإعلان عن حجم الخسائر التي ستقع في منطقة الشرق الأوسط من المدنيين والبنى الاقتصادية والاجتماعية في حال تعرضت أي منهما لكارثة كتلك التي تقع في لبنان، والتأكيد أن المعركة لن تنحصر في أراضيهما بل ستنقل إلى أراضي الغير. من الخطوات الاحترازية التي يجب على كل من سورية وإيران أن تكونا منكبتين على دراستها فورًا هو كيف التعامل مع ملايين النازحين في حال وقعت الحرب، وقطعت أوصال تلك البلاد الكبيرة كما حصل في لبنان.

في حال وقع عدوان على أي من سورية وإيران، فإن الخطوة الأولى التي يجب أن تحصل هي في منع الطيران الإسرائيلي من أن يكون له حرية الحركة كما في سماء لبنان. فإن لم يكن ذلك ممكنًا يجب أن يكون الرد من القوة والسرعة بحيث تجبر إسرائيل ومن هم وراءها على التوقف. بالطبع نتمنى ألاَّ يحصل ذلك لما فيه من كارثة إنسانية على جميع الأطراف المعنية. ولكننا كنا نتمنى كذلك ألاَّ يُدمَّر لبنان كما يحدث الآن، مع معرفتنا أن التمنيات وحدها غير كافية لضمان حياة الإنسان.

وبعد، تتضح لحظة بعد لحظة، ولا سيما من تصريحات السيدة رايس في الأيام الأخيرة أن ما يحصل في لبنان اليوم هو سلسلة أحداث في خطة محكمة انطلقت شرارتها مع اغتيال الرئيس الحريري. وأن عنوان هذه الأحداث هو "ولادة شرق أوسط جديد". في الشرق الأوسط الجديد هذا يمكن لنا أن نتوقع أي شئ. تغيير خرائط وأنظمة وطرد مدنيين بالملايين من ديارهم، وحروب إبادة ومجاعة لن تنتهي آثارها بيوم أو باثنين. إن مئات الآف النازحين اللبنانيين سوف يبقون حيث هم في المدارس والبيوت الكريمة التي آوتهم سواء في لبنان أم في سورية، لأشهر إن لم يكن لسنوات، لحين إعادة إعمار بيوتهم المهدمة، هذا إذا توقفت الحرب اليوم.
إذا نجحت إسرائيل في الإفلات من قبضة العدالة في عدوانها هذا، أو إذا شعرت أنها خرجت منتصرة، فيمكن لنا التوقع بكثير من اليقين أن يتجه نظرها إلى الداخل الفلسطيني، إلى قلع الفلسطينيين من الضفة الغربية وطردهم إلى الأردن، هم وعدد كبير من "عرب إسرائيل"، ولن يكون هناك رادع.
لماذا؟ لأن الأميركيين سيرون في ذلك "حرب الله على الكافرين" ولأن بعض العرب لن يروا فيها أكثر من "حرب حدود."