لقد صادف الذكرى السنوية لإقامة صلاة الجمعة في وسط العراق وجنوبه في ظل مرجعية شهيدنا الحبيب السيد محمد الصدر(قدس سره)، والتي كانت بحق من أعظم النعم الإلهية التي منَّ الله تعالى بها على هذا الجيل من الشعب العراقي، فعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية من شكر الله تعالى على هذا العطاء العظيم وأن نحمده على هذه النعمة الجليلة.
ونحن مهما توجهنا إلى الله تعالى بالشكر فإننا سوف نكون عاجزين عن أداء شكره حق أدائه كما ورد في بعض الروايات ما مضمونه القريب: "إلهي كيف أشكرك وإن شكري نعمة منك تستحق عليها الشكر". ولقد رأينا النتائج التي حققتها صلاة الجمعة، حتى كانت بحق تعد شوكة في عين الاستعمار والمستعمرين لما رأوا تفاعل المجتمع معها وتأثيرها عليه بشكل ملحوظ.
فإن الاستعمار كان ولا يزال يحاول أن يفصل المجتمع عن الحوزة الشريفة، ولقد نجح في بعض الأجيال السابقة في ذلك، مما أدى إلى انتشار الجهل وتفشي المنكرات والاعتداء على الحرمات وزرع الخوف في نفوس الناس.
وكان من الأساليب التي حاول بها شهيدنا الحبيب أن يكسر هذا الحاجز الذي جعلوه بين المجتمع وبين الحوزة الشريفة هو إقامة صلاة الجمعة التي كانت فتحاً مبيناً، حتى أصبح المجتمع على اتصال مباشر بالحوزة.
فانتشر الوعي في صفوف الناس على مختلف مستوياتهم لا يفرق في ذلك بين الرجل والمرأة والكبير والصغير، بشكل يثير الانتباه ولا يفسر الأمر إلا بدخول العناية الإلهية في ذلك.
فحل محل الجهل الوعي والالتفات إلى المصالح العامة والاهتمام بطاعة الحوزة الشريفة واتباع أوامرها، وابتعد الناس عن المنكرات بالتدريج. فامتنع الناس عن التعامل مع المحلات التي فيها الغناء وامتنع الكثير من أصحاب المحلات وغيرهم من التعامل مع السافرات وصار الشباب في الشارع يسمعون السافرات كلمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلاً من المعاكسة، فكانت نتائج صلاة الجمعة كلها طيبة وكانت بحق تعد نصرة للدين والمذهب.
وإن المجتمع المسلم بحاجة إلى التقارب في وجهات النظر وبحاجة إلى تلاقح الأفكار وبحاجة إلى زرع الود والمحبة والتكاتف فيما بينهم، لأن في ذلك قوتهم وعزتهم لكي يقفوا صفاً واحداً في وجه أعدائهم ويبني بعضهم بعضاً ويكمل بعضهم بعضاً، كما ورد في الحديث الشريف: "إن المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وكما قال جل جلاله: "إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله".
وقد جعل الله تعالى الكثير من الشعائر الدينية لأجل تحصيل هذه النتيجة كالحج مثلاً، فهو ملتقى الكثير من المجتمعات المسلمة، وإنه من الراجح جداً أن يكون سبباً لإيجاد التعارف والحب والمودة فيما بينهم وأن يحمل بعضهم هموم البعض الآخر، وأن يتعرف على المشاكل والمحن التي يمر بها إخوانه في مختلف البلدان الأخرى لكي يساهم في إيجاد الحلول المناسبة لها فينشأ عندهم حب التضحية في سبيل الله تعالى وسعادة الآخرين.
ومن الشعائر التي تساهم لأجل تحصيل هذه النتيجة هي صلاة الجمعة، فإنها ملتقى الكثير من أبناء المدينة الواحدة على مختلف أعمارهم ومستوياتهم وثقافاتهم، مما يؤدي إلى أن يحصل بينهم التعارف والتكاتف والوحدة ليكونوا شوكة في عيون أعدائهم وليكونوا صفاً واحداً في بناء أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
وقد رأينا حجم العلاقات الطيبة التي حصلت بفضل صلاة الجمعة، لأن التعارف الذي كان قد يحصل بين أبناء المجتمع هنا في بعض السنوات السابقة، كان يحصل بعدة أشكال والتي منها ما يكون في أداء العسكرية مثلاً أو الدراسة الأكاديمية أو العمل في بعض دوائر الدولة. وكل هذه الأماكن كان يطغى على علاقاتها في الأعم الأغلب النفاق والكذب والانحراف وحب الدنيا، بينما الذي رأيناه قد حصل في صلاة الجمعة من التعارف والعلاقات يختلف عن ذلك تماماً. فإنه مبني على أساس من الحب في الله تعالى وعلى أساس من الشعور بالحرص على تحصيل الأهداف التي تخدم الدين والمذهب وتصب في مصب المصلحة العامة، وقد رأينا تكاتف الشعب العراقي عموماً في بعض المناسبات العامة التي حصلت كالحضور إلى مسجد الكوفة في الذكرى السنوية الأولى لإقامة صلاة الجمعة في العراق، وذهابهم مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، وغير ذلك من المناسبات العامة التي حصلت ونفذ فيها المجتمع الأوامر المولوية التي أصدرها شهيدنا الحبيب(قدس سره) فأثبتوا بوضوح مدى طاعتهم لقائدهم، وأن الشعب العراقي إنما هو يد واحدة لخدمة الدين والمذهب، ولكي لا يفكر الاستعمار والمستعمرون في قضية تقسيم العراق، فإن هذا مما ثبت فشله رغماً على أنوف الظالمين والحمد لله وحده.
والذي حصل هنا أن شهيدنا الحبيب أراد أن يربي المجتمع على الإذعان والطاعة للأوامر المولوية وقد تدرج في ذلك بوضوح، فإن المجتمع إذا تربى على طاعة القيادة الحقة فإنه سوف ينتهي إلى كل خير وسوف يكون شوكة في عيون الأعداء بكل تأكيد.
فإن الاستعمار والمستعمرين يحاولون بشتى الوسائل أن ينتهي المجتمع إلى التمرد وعدم الانصياع لأوامر قادته، فإن الانصياع والطاعة المطلقة تعني سحب البساط منهم تماماً حيث يزداد حب الناس للتضحية في سبيل تطبيق الأوامر وتحقيق الأهداف التي يريدها الله تعالى.
وعندما علم الأعداء بخطورة الولاية والأوامر المولوية التي كان يصدرها شهيدنا الحبيب(قدس سره) أرادوا بوسيلة وبأخرى الطعن بهذه الولاية وأن السيد محمد الصدر ليس بولي ولا تجب إطاعته، وقد دعم هذه الفكرة مع شديد الأسف أناس قد حسبوا على المذهب ولله في خلقه شؤون، ولو علموا بشاعة ما كانوا يدعون إليه لما فعلوا، وإن بعضهم ليعلم ولكن أخذته العزة بالإثم فكان بذلك أداة للتخريب وتفرق الكلمة وإبعاد الناس عن قادتهم الحقيقيين.
وحتى تسلطت اليد الأثيمة فاختطفت منا ذلك النور الوهاج الذي كنا نسير بعطائه ونتحرك ضمن توجيهاته، فقتلوا بذلك الصدر الذي كان يحتضننا وذلك الحنان الذي كان يلفنا جميعاً ويحنو علينا على مختلف الظروف القاسية.
وقد أرادوا بمقتله أن يقتلوا كل إنجازاته والثمار التي ضحى بنفسه الطاهرة من أجل أن نقتطفها وننتفع من بركاتها. ولم يعلموا أن كل قلب من قلوبنا التي غذاها بروحه الطاهرة أصبح محلاً لها ووعاءً لأنفاسه المقدسة.
وقد غفلوا عن أنهم مهما استطاعوا من السيطرة على أجسادنا ونشاطاتنا فإنهم لا يمكنهم السيطرة على قلوبنا ومعتقداتنا، ومهما بذلوا من الطاقات الدنيوية والوسائل المادية لأجل القضاء على كل ما هو نافع وشريف وإلهي فإنهم عن ذلك عاجزون قطعاً بفضل الله وحسن تأييده.
وقد حرموا هذا الشعب ولعدة سنوات من هذه الفريضة المقدسة، وأرادوا إزالتها والقضاء على نتائجها بكل صورة، ولكن شاء الله تعالى لها أن تعود وأن ينعم علينا بها مرة أخرى وأن يزيل الطاغية وأعوانه من على أرضنا الحبيبة فله الحمد والمنة.
وعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى لأجل الحفاظ عليها وعدم تضييعها، ولا يكون ذلك إلا بتأييد الله وحسن توفيقه