الشعب الكوردي يناضل في سبيل إزالة آثار الدكتاتورية المقيتة
أحمد رجب


يتذكر الشعب الكوردي عمليات الأنفال السيئة الصيت التي شنّهاالنظام الدكتاتوري في 22 شباط 1988 ضد الجماهير العزلاء والقرى والقصبات الآمنة، وعلى مقرات الأحزاب الكوردستانية والأحزاب العراقية الوطنية في ـ سركلو وبركلو وياخسمر وجوخماخ وجالاوا ومنطقة دولي جافايتي في السليمانية، حيث أراد العدو الجبان من هذه العمليات النتنة، وهي الأولى في سلسلة الأنفالات إذلال الشعب الكوردي، والقضاء على معنوياته ومن ثمّ سحقه وإبادته.لقد تعرّض الشعب الكوردي منذ سنوات طويلة إلى حملة إبادة جماعية،وحرب شوفينية حقيقية، وهي من الجرائم البشعة التي تنتهك قواعد القانون الدولي، لأنّها ترتكب بهدف القضاء على مجموعة قومية أوأثنية أو عرقية أو دينية، وتنطلق خلفيّتها من الموقف الشوفيني إزاء حق الشعب الكوردي في ممارسة حقوقه القومية العادلة والمشروعة، وقد تصاعدت حملات الإبادة الجماعية، والحرب العنصرية الشوفينية منذ نيسان 1987 متمثلة في الحملات العسكرية التي شنّتها قطعات الجيش العراقي المنحل وأفواج الجحوش المرتزقة في سبيل تهجير وتدمير آلاف القرى، وتشريد عشرات الألوف من المواطنين المسالمين، وإزهاق أرواح الآلاف منهم سعياً إلى إخلاء كوردستان من سكانها، ومحو الوجود القومي الكوردي.

يتذكر الشعب الكوردي بأنّ الطغمة الفاشية قد إستخدمت منذ ربيع عام 1987 الأسلحة الكيمياوية ضد الكورد والحركة الوطنية التحررية الكوردية في كوردستان، في إطار حربها الشوفينية القذرة.

ومنذ الهجمات الأولى بالغازات السامة في محافظتي السليمانية وأربيل يومي 15 و 19 نيسان 1987، وفي منطقة بادينان يوم 5 حزيران 1987، والنظام العراقي استمّر في إستخدام هذه الأسلحة الفتاكة بصورة

متزايدة في أرجاء كوردستان، من مناطق كركوك إلى قرى دهوك، وخصوصاً في بلدة كاني ماسي، ودولي جافايتي، وسيوسينان وقرى قرداغ، وشارزور وآغجلر وكوب تبة وعسكر وجه مى ريزان وحلبجة في السليمانية،

وباليسان وقرية شيخ وسان وشقلاوة ودولي سماقولي ودشتي كويه في أربيل، في آيار 1987، وفي كل هذه الحالات كان الضحايا من أبناء الشعب الكوردي المدنيين الأبرياء ومن منتسبي واعضاء الأحزاب والقوى

الوطنية المعارضة الذين كانوا يناضلون ضد الطغمة الفاشية.ان جميع العراقيين الشرفاء يتذكرون الجريمة النكراء في حلبجة وضربها بالسلاح الكيمياوي في ربيع 1988، حيث أودت الغازات السامة وبالأخص غاز السيانيد بحياة خمسة آلاف مواطن معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وأدت إلى جرح عدد أكبر وتشريد أكثر من ثمانين ألف آخرين إلى دول الجوار، لكي يبدأوا رحلة شاقة وحياة صعبة، وتنتصب اليوم أطلال مدينة حلبجة شاهداً على الوحشية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر.

وفي عمليات الأنفال الإجرامية استطاعت القوات المسلحة في الجيش العراقي المنحل هدم منازل الفلاحين وتسويتها مع الأرض وسرقة ممتلكاتهم وحرق القرى التي وصل عددها إلى أكثر من أربعة آلاف قرية،

وإعتقال السكان جميعاً بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، الأمرالذي أدى إلى تشريد آلاف العوائل، وترك قراهم وهجر أراضيهم، كما تمكنت هذه القوات من أسر عدد كبير من الذين حاولوا الهرب.

ان القيام بعمليات الأنفال واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد جماهيرالشعب الكوردي وقواه السياسية المعارضة لم يكن، سوى أمتداداً للنهج الإرهابي الفاشي الذي مارسته الدكتاتورية الحاكمة في البلاد ضد الشعب العراقي وقواه الوطنية والديموقراطية، وللسياسة الهمجية التي طبقتها ضد الشعب الكوردي منذ سنين طويلة، وهما النهج والسياسة اللذان تفاقما في سنوات الحرب وفي ظل أجوائها. إنّ لجوء حكام بغداد العنصريين إلى هذه الأسلحة المدانة والمحرمة دولياً في محاربة شعبنا وأحزابه الوطنية، وانفلات الطابع السافر للإرهاب، ونتائجه المدمرة، انما يدل على عجزهم المتزايد عن قمع كفاح شعبناالمتنامي بوسائل البطش الدموية الأخرى المتاحة لهم، والتي

استخدموها ويستخدمونها على أوسع نطاق.لقد استطاع النظام أن يسيطر عسكرياًعلى القرى المتبقية في

كوردستان، ويلحق أضراراً بحركة الأنصار المسلحة، ولكنه أصيب بهزيمة سياسية لم يشهد لها مثيل، وهبطت سمعته الدولية إلى الحضيض.وممّا لا شك فيه انّ العدو قد استفاد من حالة التردي والعلاقات بين القوى المسلحة ) البيشمركة ) لأطراف الحركة الوطنية، وضعف التنسيق فيما بينها، إذ كانت هذه العلاقات دون المستوى المطلوب، ولم تكن هناك خطة موّحدة لمجابهة الوضع الذي استجد على الساحةالكوردستانية، وكانت حركة الأنصار ( البيشمركة ) العائدة لجميع الأحزاب العراقية والكوردستانية بما فيها الحزب الشيوعي العراقي

والحزب الديموقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني تعاني من ثغرات ونواقص جدية تركت آثارها السلبية على إمكانات المواجهةالعامة.

ولكن بالرغم من ذلك فقد جابه البيشمركة الأبطال الحشود العسكرية الضخمة وأسلحتها الفتاكة بمقاومة بطولية نادرة، إستبسلوا فيها، وسجلوا أروع الأمثلة في الجرأة والثبات والإقدام، إذ تمكنوا من فك الحصار الذي فرضته القوات العسكرية المهاجمة في بعض المناطق،وعرقلوا تقدم هذه القوات في مناطق أخرى، كما إستبسلوا في إنقاذ

جماهير الشعب والدفاع عنها بالوسائل الممكنة.انّ البيشمركة الأبطال وبمساندة أبناء وبنات الشعب الكوردي قدموا

مرة أخرى البراهين الساطعة على عجز النظام عن تصفية هذا الشعب المكافح، وعن تصفية الحركة الأنصارية، وعن قتل الروح المعنوية للمقاتلين الشجعان، وثقتهم العالية بعدالة قضيتهم التي يناضلون من

أجلها، قضية الديموقراطية للشعب العراقي، والحقوق القومية العادلة والمشروعة للشعب الكوردي في العراق.

لقد زجّ النظام الدكتاتوري في عمليات الأنفال القذرة ثلاثة فيالق مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الاسلحة الكيمياوية التي تركت تأثيرها المادي والنفسي على جماهير القرى وقوى الأنصار، وساندتها عشرات الألوف من قوات الأفواج الخفيفة، وأعداد كبيرة من الهليكوبترات والسمتيات وطائرات البيلاتوز وفي بعض الأحيان المقاتلات.

واليوم وفي الذكرى 16 لجريمة الجينوسايد وعمليات الأنفال السيئة الصيت ينبغي إعادة الإعتبار الكامل لجميع ضحايا الإرهاب والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وبعوائلهم من جراء العسف غير القانوني،وتأمين عودة جميع الفلاحين والمواطنين الكورد إلى قراهم ومزارعهم بعد بناء بيوتهم من جديد، والتعويض عن خسائرهم وتمكينهم من إستثمار أراضيهم ورفع حقول الألغام إن وجدت.وتطالب منظمات حقوق الإنسان، وخاصة مركز حلبجة لمناهضة أنفلة وإبادة الشعب الكوردي الإهتمام بالمؤنفلين مثل : إعتبار المؤنفلين كضحايا للإرهاب، وتخصيص رواتب لهم، ومعاقبة المجرمين الذين قاموا بعمليات الأنفال واستخدام الأسلحة الكيمياوية، وأن تعتذر الحكومة العراقية الجديدة من الشعب الكوردي، وضحايا الأنفال والأسلحة الكيمياوية، والإعتراف رسمياً بأن عمليات الأنفال والأسلحة الكيمياوية، هي عمليات الجينوسايد لمحو الكورد، وإعتبار يومي 16/3و14/4 كيوم حداد في العراق، وعطلة في كوردستان إحتراماً للضحايا، والعمل على جمع الوثائق المتعلقة بالجريمتين ووضعها في فايلات وإضبارات خاصة، والعمل على تعويض ضحايا العمليتين من قبل الدول التي قدمت الدعم للنظام العراقي البائد سواءً بالمال أو بيع الأسلحة أو تقديم المساعدات اللوجستية، والعمل على فتح متحف خاص

بضحايا عمليات الأنفال وعمليات الأسلحة الكيمياوية، لكي يصبح مزاراً لكل انسان وكل ضيف يزور كوردستان، والعمل على كشف وبيان مصير الفتيات الكورديات اللائي تمّ إرسالهن كعبيدات إلى مصر.