إذا قلت كلمة طَحين في غرب العراق هلكت وإذا قلت «ليش» في الشمال قتلت ... صور المراجع تنقذك في مناطق الشيعة وأغاني المقاومة تنجيك في مناطق السنّة



بغداد - عبدالواحد طعمة الحياة - 18/08/06/

استمر عدنان (35 سنة) من مدينة الصدر الشيعية يردد كلمة طَحين... طَحين... طَحين (بفتح الطاء)، وهو يحزم حقائبه استعداداً للسفر الى الاردن، وأكثر من تكرار هذه الكلمة حتى سألته والدته: «هل أوصاك أحد على طْحين وترددها كي لا تنسى». قالت الكلمة بلهجتها الجنوبية أي بتسكين حرف الطاء، فرد عدنان «لا، بل هذه كلمة السر على طريق الأردن فمن حفظها نجا ومن نسيها هلك».

وقالت الأم لـ «الحياة» إنها لم تر ابنها «جاداً يوماً في أمر مثل تركيزه على هذه الكلمة»، إلا أن الحقيقة هي تلقي الابن نصيحة من صديق قديم من الرمادي كان خدم معه في الجيش منذ اعوام، ولا يزال على اتصال معه عبر الهاتف، وبعض الأحيان يلتقيان في الشورجة، المركز التجاري الرئيسي في بغداد، خلال تبضعه لمتجره البسيط في مدينته، التي تعتبر اكبر معاقل الشيعة في بغداد.

وقال عدنان لـ «الحياة»: «عندما علم صديقي عبد المجيد بسفري ألح عليّ ان اتخلى عن مفردات معروفة في اللهجة الجنوبية في حال تعرض مسلحون لنا في الطريق الى الاردن، مثل لفظ الجيم ياء، او تسكين المنصوب او قول كلمة «جا» التي تعني اذاً. وعلمني مرادفاتها في المنطقة الغربية، وشدد على حفظ كلمة طَحين لأن المسلحين وقطاع الطرق الطائفيين، من تنظيم «القاعدة» يختبرون ركاب الحافلات بهذه ليفرزوا ابن الجنوب، فالتشيع كاف لخطفه وقتله».

وكان آخر حادث وقع في تلك المنطقة خطف 45 شخصاً من النجف كانوا في طريق عودتهم من الاردن. لكن هذا لا يعني ان ابن المحافظات الغربية والشمالية لا يتعرض لمثل هذه المخاطر او المضايقات عند ذهابه الى المدن الشيعية، خصوصاً الذين يتعاملون مع الموانئ في البصرة او في الجنوب.

وأكد عبدالسلام الدليمي، صاحب معرض لبيع السيارات في بغداد، المشقة في التعود على اللهجة الجنوبية، فحفظ رموزاً ومفردات دينية شيعية للتخلص من مضايقة نقاط التفتيش، وقال لـ «الحياة» انه يحتفظ في سيارته بصور لرجال دين شيعة يعلقها على الزجاج الخلفي والأمامي اتقاءً للشبهات، واضاف «من الكلمات التي حفظتها للتعامل مع حواجز التفتيش ورجال الشرطة والدوائر الرسمية كلمة «جا» وتعودت ان اخاطب الشرطي بمولاي، فبمجرد ان تخطئ اللهجة يملأ الشك قلب رجل الأمن ولن ينتهي بك الأمر إلا في مركز للشرطة للاستجواب باعتبارك ارهابياً، واذا تساهلوا معك يطلبون كفيلاً من المدينة يضمنك ما يؤخرك ساعات عن موعدك وعملك، وقد يعرضك هذا التأخير الى مخاطر في الطرق الخارجية بين هذه المدن».

هذا ما حصل مع أحد مراسلي مكتب «الحياة» في بغداد في مدينة الناصرية قبل أسبوع على رغم كونه ابن المدينة ومن عشيرة معروفة، إلا أن ضابطاً عند أحد حواجز التفتيش احتجزه واحاله على مركز الشرطة لاستجوابه، على رغم استقبال ضباط المركز له بالترحاب، كونه كان زميلاً لأحدهم في الدراسة، إلا أن الضابط اصر على أن يطلب كفيلاً. وكل هذا لأنه يحمل هوية صادرة من بغداد ولوحة سيارته من بغداد ايضاً.

أما سائقو حافلات نقل المسافرين من العاصمة الى باقي المحافظات فلهم معاناتهم التي قال عنها السائق صفاء (45 عاماً) إنها «اصبحت مثل أحجية الدجاجة والبيضة. فالطريق الذي اسلكه له خصوصية دون كل الطرق الخارجية في العراق، إذ يبدأ خط سيري مسافة أكثر من 70 كلم والركاب من السنّة، وبعضهم من المتطرفين من مناطق ما يسمى بمثلث الموت، فأضطر إلى وضع شريط كاسيت فيه اغان تمتدح المقاومة وتشتم الاحتلال، وما ان اصل الى حاجز التفتيش حتى أضع صورة لأحد مراجع الشيعة بطريقة لا تلفت انتباه الركاب وعلى ظهرها عبارات تحيي المقاومة».

ويروي السائق عاطف محمود (50 سنة) الذي يعمل سائق حافلة على طريق بغداد - الموصل لـ «الحياة» معاناته، فيقول: «من مرآب الكرخ حتى نهاية الكاظمية أحاول ان ادير المذياع على القرآن الكريم باعتباره حلاً وسطاً، ومن التاجي الى الطارمية اشغل كاسيت المقاومة الاسلامية، ومن الطارمية الى تكريت لا بد من ان يسمع الجنود على حواجز التفتيش اغاني تذكرهم بأيام النظام السابق وتمجد صدام. وخلال المسافة من بغداد الى تكريت عليك تكرار كلمة عجل يابا التي يستخدمها أزلام النظام السابق عند حواجز التفتيش، وكذلك أبناء العائلات الارستوقراطية في هذه المنطقة. وبعد منطقة بيجي عليك الكلام بلسان موصلي فصيح وابدال كلمة ليش أي لماذا بـ «عش يابا»، واخرى بـ «اشقد وقديش» وكل ذلك لتأمن جانب القتلة وتقي نفسك الذبح».