أيام في غوانتانامو (1) - أطباء وطيارون ومحامون ومهندسون وصناع قنابل في المعسكر الخامس

10 في المائة من سجناء غوانتانامو حاصلون على درجات جامعية وبعضهم حاصل على دراسات عليا من الجامعات الغربية

غوانتانامو: محمد الشافعي
منذ حوالي أربعة أعوام لا يزال ما يقارب 450 من سجناء «القاعدة» وطالبان، الذين أسروا في أفغانستان وباكستان، قيد الاعتقال في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا، وحتى يومنا هذا تم توجيه الاتهام رسمياً الى عشرة فقط من المعتقلين. «الشرق الأوسط» زارت معسكر غوانتانامو الاميركي للمرة الثانية الشهر الماضي، وكانت المرة الاولى عام 2002 قبل ان يغلق معسكر اشعة اكس ابوابه. ودخلت زنزانات معسكرات دلتا، والمعسكر الخامس شديد الحراسة، والرابع للسجناء «المحظوظين». والتقت مسؤولي المعسكر من قوة «المهام المشتركة التابعة للبنتاغون ودخلت المطبخ الذي يعد فيه طعام سجناء «القاعدة».
أيام عدة قضتها «الشرق الأوسط» في غوانتانامو، ودخلت الزنزانات، وتحدثت الى الحراس والضباط، ورأت على الطبيعة الملابس الجديدة للسجناء الخطرين الذين تتخوف ادارة المعسكر من اقدامهم على الانتحار، لكننا لم نستطع الحديث مع اي من سجناء «القاعدة» رغم ان عدسة «الشرق الأوسط» كانت على بعد ثلاث او اربع خطوات منهم ووجها لوجه في السجن الرابع في بعض الاحيان، لكن التحذيرات الصارمة كانت فوق الرؤوس بعدم الاقتراب او التصوير او محاولة الحديث اليهم. وحجر الزاوية في غوانتانامو هو المعسكر الخامس، ومن لم يزره من الصحافيين فكأنه لم يذهب الى غوانانتامو، ذلك بسبب اهمية المحتجزين الموجودين في داخله من قادة «القاعدة». وجديد غوانتانامو هو «المعسكر السادس»، وادارة جديدة للأمن يزور مسؤولوها الصحافيين كل ليلة في أماكن مبيتهم، لمراقبة الصور التي التقطتها عدساتهم، واحيانا يطلبون بأدب شديد ازالة صور معينة لانها تنتهك اجراءات الأمن او تكشف وجه المعتقلين او اسماء الحراس او ابراج «القاعدة» العسكرية، ويلتزم الصحافيون بالتوقيع على اقرارات تؤكد انهم لن ينشروا تلك الصور ومخالفة ذلك ستوقعهم للتقاضي واجراءات المحاكمة. وبدءا من اليوم ننقل مشاهداتنا داخل غوانتانامو على حلقات. من لم يزر المعسكر الخامس من الصحافيين، فكأنه لم يذهب الى غوانانتامو، هذا ما ذكره احد الحراس في معسكر دلتا لـ «الشرق الأوسط» خلال زيارتها للمعتقل، وذلك بسبب اهمية المحتجزين الموجودين في داخله. اما المعسكر الخامس فيوجد فيه نحو 70 اسيرا من قادة «القاعدة» وهو معسكر شديد الاجراءات الأمنية، ومقسم الى عنابر تصطف على جانبيه الزنازين المكيفة الهواء للسجناء من «ذوي القيمة العالية» أو غير «المتعاونين». ووسط المعسكر الخامس مركز مراقبة إلكتروني مركزي يتحكم في مداخل عنابر الاحتجاز، وهو اشبه ببرج المراقبة في المطارات لانه يتحكم في كل شيء داخل المعسكر، وزجاج مركز المراقبة مموه، حتى لا يرى من بداخله من الضباط والحراس الذين يصفونه بأنه «المخ» بالنسبة لمركز الاحتجاز.

وداخل العنابر يتحرك الحراس بصفة منتظمة ليطمئنوا على الحراس من خلال فتحات صغيرة في ابواب الزنازين. ويرفض الحراس في تلك العنابر السماح بتصوير وجوههم، لانهم يتعرضون على حد قولهم الى تهديدات بالقتل من السجناء، ويفضل الحراس تصويرهم من خلف الرأس. وافتتح المعسكر الخامس في مايو (ايار) 2004. ويقول المسؤولون عن معسكر «دلتا» ان الزنازين ليست للحبس الانفرادي، لانه يسمح للسجناء بالتواصل مع زملائهم في الزنازين المتراصة على الجانبين. ويتسع المعسكر الخامس لـ100 اسير، اما المعسكر السادس الذي قارب تشييده على الانتهاء فانه يسع 200 زنزانة، وهو اكثر تقدما من الجهة التكنولوجية التي توفر «الراحة» للسجناء والحراس. واليمني سليم احمد حمدان، سائق اسامة بن لادن الذي اعتبرت قضيته حجر الزاوية في تاريخ غوانتانامو محتجز في المعسكر الثاني، اما بقية المتهمين العشرة الذين مثلوا امام محاكم عسكرية ووجهت اليهم اتهامات رسمية من قبل السلطات الاميركية، وهم اليمني علي حمزة أحمد سليمان البهلول، والأسترالي الطالباني ديفيد هيكس، والسوداني إبراهيم أحمد محمود القوصي، والمصري الاصل نجل ممول «القاعدة» عمر خضر الكندي، والاثيوبي بنيامين محمد، وسفيان برهومي (جزائري) وكنيته ابو عبيدة، وجبران سعيد القحطاني، وعبد الظاهر وكنيته عبد الباري، وهو مترجم في صفوف طالبان وعمل لاحقا لدى عبد الهادي العراقي، والاخير من ابرز قيادات بن لادن الميدانية فيوجدون في المعسكر الخامس. ويتهم السجناء العشرة بالتآمر لارتكاب جرائم حرب والتآمر لمهاجمة مدنيين وارتكاب اعمال ارهابية وجرائم أخرى ضد السلطات الاميركية. وشاهدت «الشرق الأوسط» الحراس في المعسكر الخامس وهم يرتدون صديريات واقية تحت ملابسهم خلال نوبات العمل تحت درجات حرارة عالية خوفا من تعرضهم للطعن باسلحة حادة من السجناء، وعندما يقترب الحراس اكثر من المساجين داخل العنابر، فانهم يرتدون ايضا ربطات لحماية الرقبة من العض او الطعن. ويحتجز في المعسكر الخامس الذي توجد به غرف الاستجواب، مدربون على الارهاب وصانعو قنابل ومجنِدون ومسّهلون لعمليات الارهاب وممولون لها وحراس بن لادن ومتطرفون مستعدون لعمليات انتحارية. وضمن المعتقلين في هذا المعسكر مدرب على صنع المتفجرات اعطى معلومات عن عملية اغتيال قائد التحالف الشمالي في افغانستان احمد شاه مسعود، وعلى استخدام «القاعدة» للالغام.

ويحتجز ايضا في المعسكر عضو في خلية ارهابية في افغانستان كان يستهدف المدنيين، خصوصا الصحافيين واعضاء بعثات الاغاثة الدولية، ونفذ عملية القاء قنبلة يدوية على سيارة صحافي اجنبي. وكذلك عضو في «القاعدة» صمم نموذجا لحذاء متفجر للاستخدام في اسقاط طائرات ونموذج اخر للغم مغناطيسي لمهاجمة السفن. وهناك ايضا مدرب على استخدام المتفجرات كان يعمل على استخدام الهواتف النقالة لتفجير القنابل.

وتقول الوثائق التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها خلال زيارة غوانتانامو، انه من خلال التحقيقات مع المحتجزين، تعرفت السلطات على الكثير من المعلومات الخاصة بأساليب التجنيد التي تستخدمها «القاعدة» وطالبان، وكيفية تكوين الخلايا الارهابية. وتقول احدى الوثائق: «تعلمنا كذلك كيف يتصلون ببعضهم البعض وكيف يتدربون ومصادر حصولهم على الاموال ووجهات سفرهم». وكشفت ايضا ان بعض المحتجزين مدربون على صناعة القنابل من الادوات المنزلية واشياء اخرى يمكن شراؤها من السوق. واشارت الى ان احد المعتقلين حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، ومعتقل اخر تعاون في التحقيقات لدرجة انه رسم اشكالا لقنابل استخدمت في الشيشان والعراق. وتعرف احد المعتقلين في المعسكر الخامس على 11 من حراس بن لادن الذين تلقوا تدريبات في معسكر الفاروق في افغانستان، وكذلك المرشد الروحي لزعيم «القاعدة». وتقول الوثائق ان 10 في المائة من سجناء معسكر غوانتانامو حاصلون على درجات جامعية، وبعضهم حاصل على دراسات عليا من الجامعات الغربية. وضمن المحتجزين في المعسكر الخامس اطباء في تخصصات مختلفة وطيارون مدنيون، وملاحون ومتخصصون في الهندسة بكافة فروعها وغطاسون، ومحامون. وضمن المحتجزين كذلك مهندس في الكومبيوتر استخدمته «القاعدة» لانتاج شرائط فيديو وكذلك حركة طالبان لنسخ برامج لها. وفي المعسكر الخامس سجين هدد الحراس، واعترف بتهمته في «ارهاب» اميركا، ويشير سجله الى انه درس لمدة 18 شهرا في تكساس. وهناك ايضا متهم بتقديم الدعم اللوجستي والسلاح لـ«القاعدة»، درس الملاحة الجوية في كلية امبري بأريزونا، وحصل على شهادة جامعية في الملاحة من نفس الجامعة. وهناك معتقلان حاصلان على درجة الماجستير، احدهما في ادارة الملاحة، وآخر حاصل على الماجستير في الهندسة البترولية. ويقدم المحتجزون في المعسكر الخامس رؤية خاصة عن قادة القاعدة في غوانانتانامو، بما يتميزون به من مهارات خاصة في تجنيد المقاتلين او نقل الاموال والأسلحة او كمنظرين شرعيين. وتقدم نوعية المعتقلين في غوانتانامو صورة مميزة لنوعية الافراد المحتمل مشاركتهم او تجنيدهم او تزعمهم لحركات اصولية متطرفة. ويمتلك المعتقلون نوعيات مثيرة من الخبرات والمستوى التعليمي وكذلك الدوافع. ومن المرجح ان العديد من المعتقلين في غوانتانامو كان في امكانهم الوصول الى مناصب قيادية في «القاعدة» والجماعات الارهابية المرتبطة بها. ومنذ القضاء على افغانستان كملاذ آمن لـ«القاعدة»، مرت المنظمة بمرحلة انتقالية واصبحت شبكة غير مترابطة. وفي العديد من الحالات، كان عليها الاعتماد على شبكات متطرفة اقليمية او محلية لتنفيذ عملياتها.

ولا يجب ان يكون المعتقل عضوا في «القاعدة» لتقديم معلومات استخبارية قيمة. ويقول المسؤولون عن معتقل غوانتانامو «ان المعلومات المقدمة من المعتقلين الاعضاء في جماعات متطرفة غير معروفة ستثبت قيمتها في المستقبل مع استمرارنا في العمل لمنع عودة ظهور جماعات مثل القاعدة وانصارها».

وجزء اساسي من الاستراتيجية التي تتبعها قوة المهام المشتركة في هذا السجن هو التعتيم على ما ينتظر المعتقلين في بلدانهم او في الخارج او بشكل خاص «داخل هذه الاسلاك» مثلما يسميها عناصر الجيش الاميركي في المعسكر. وترفض الحكومة الاميركية الحديث عن موعد اطلاق سراح المعتقلين، ولا تقدم تبريرات جيدة عن الاستمرار في اعتقال هؤلاء السجناء رغم ان المعلومات المحتملة التي بحوزتهم اصبحت قديمة وغير مجدية. ويسأل المعتقلون بانتظام عن موعد اطلاق سراحهم. ويقول مسؤولو المعسكر انهم لا يستطيعون تقديم اجابة على ذلك لانهم بدورهم يجهلون اي معلومات. لكن الجواب موجود حولهم في القاعدة البحرية الاميركية: لا أحد سيخرج الى اي مكان في اي وقت قريب. في الوقت الذي تقوم فيه قوة المهام المشتركة المسؤولة عن اعتقال المحتجزين والتحقيق معهم ببناء وتجديد المساكن لايواء مئات الجنود، وفي الوقت ذاته قارب المعسكر السادس على انتهاء العمل فيه. وبالنسبة للحراس فان البقاء عاما في اداء هذه الخدمة امر مجهد للغاية. فهم يقضون ساعات يمشون امام صفوف الزنازين التي يضم كل صف منها 48 معتقلا أي 24 زنزانة على كل جانب داخل عنابر المعسكر الخامس، بهدف التأكد في كل لحظة من عدم قيام اي منهم بمحاولة ايذاء نفسه او ايذاء الجنود. ويتطلب هذا العمل مزيدا من الحرص واقصى درجات اليقظة خلال نوبات العمل والتي تصل احيانا الى نحو 12 ساعة يوميا. ويجد الحراس والضباط والجنود انفسهم تحت المجهر، اذ ان العالم كله يراقبهم وهم ينفذون المهمة التي اوكلت اليهم والمتمثلة في «معاملة المعتقلين بطريقة انسانية وعادلة» وفق القانون حسبما يقولون.

لكن بالنسبة للمعتقلين فان الغموض حول اوضاعهم ادى الى الصراخ الحاد والتشكي من آلام البطن والرفض من وقت الى آخر للاستحمام وقضاء ايامهم داخل زنازين شبكية يبلغ عمقها 5.2 متر وعرضها 1.2 متر وارتفاعها 5.2 متر، واحيانا يشتكي السجناء من الالم للذهاب الى المستشفى كنوع من التغيير في طقوس الحياة اليومية. ويجري التحقيق مع السجناء طيلة ساعات النهار والليل من قبل محققين اميركيين يجمعون المعلومات ويحللونها بهدف التوصل الى اي خطط حول اعتداءات محتملة سواء داخل الولايات المتحدة او خارجها، وعلى حد قول احد الضباط: «أي معلومة ولو صغيرة قد تكون مفيدة ضمن الحرب على الارهاب». يذكر ان الأمر الرئاسي الذي قضى بإنشاء مركز الاعتقال في غوانتانامو قد صدر في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2001، يوم استولت قوات التحالف على كابل. وقد تطلب الأمر تدبر ذريعة ما لاستقبال أولئك الذين وصفهم الرئيس الأميركي بـ«المقاتلين الأعداء»، مبتدعاً بذلك مفهوماً جديداً غريباً عن القانونين الأميركي والدولي.

* الكوماندر همفس قالت إن المشاكل والتهديدات تأتي دائما من الأسرى العرب.. وعلاقات الصداقة محرمة بين الحراس والسجناء

* منذ حوالى أربعة أعوام لا يزال حوالى 450 من سجناء «القاعدة» وطالبان، الذين أسروا في أفغانستان وباكستان أو من الذين سلمتهم دول ثالثة، قيد الاعتقال في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا. وحتى يومنا هذا تم توجيه الاتهام رسمياً الى عشرة فقط من المعتقلين. خلال زيارة «الشرق الأوسط» لزنزانات معسكر «دلتا» التقت مسؤولة المعسكر الكوماندر كاتي همفس، وهي سيدة غير متزوجة، ومن كبار ضباط قوة المهام المشتركة التي تشرف على الأمن في غوانتانامو، وتحظى باحترام شديد من الضباط والجنود، ولها خدمة في البحرية الاميركية اكثر من 21 عاما، وتسلمت مهام عملها في الاشراف على شؤون معسكر دلتا منذ 11 شهرا ونصف الشهر. أياماً عدة قضتها «الشرق الأوسط» في غوانتانامو لكننا لم نستطع الاتصال بأي من السجناء. رغم ان عدسة «الشرق الأوسط» كانت على بعد خطوات منهم ووجها لوجه مع بعضهم، في السجن الرابع في بعض الاحيان، لكن التحذيرات الصارمة كانت فوق الرؤوس بعدم الاقتراب او التصوير او رد التحية باقل او اكثر منها او محاولة الحديث اليهم، بل كانت التعليمات تقضي بالصمت والتجاهل وتغيير نظرات العينين الى جهة اخرى بعيدة عن عيون السجناء المزدحمة بالتساؤلات لوجود هؤلاء الأغراب. وكان رجال الادميرال هاري هاريس، قائد المعتقل ورئيس الـ«جوينت تاسك فورس» JTF، والذي يتلقى أوامره مباشرة من البنتاغون يسهرون على المعتقلين، ولا يتمكن الصحافيون الذين يزورون المنشآت إلا من رؤية سجناء المعسكر الرابع حيث يقيم السجناء الذين يبدون «متعاونين». كما يمنع عليهم أن يخاطبونهم أو يردوا على استفساراتهم او الرد باشارة اليد على تحيتهم. بل ان ادارة أمن المعسكر كانت تزور الصحافيين كل ليلة في اماكن مبيتهم، لتراقب الصور التي التقطتها عدساتهم، وكثيرا ما طلبوا ازالة صور معينة لانها تنتهك اجراءات الأمن او تكشف وجه المعتقلين او اسماء الحراس او ابراج «القاعدة» العسكرية، ويلتزم الصحافيون بالتوقيع على اقرارات تؤكد انهم لن ينشروا تلك الصور ومخالفة ذلك سيعرضهم للتقاضي واجراءات المحاكمة. ورغم ان نجم قاعدة غوانتانامو كان في حالة أفول أكيد، فان السلطات لم تكف عن التوسع فيه منذ أواخر العام 2001 وحرب أفغانستان. فقد تضاعف عدد المقيمين فيه من عسكريين ومدنيين ثلاث مرات حتى بات يقترب من العشرة آلاف نسمة. وداخل القاعدة البحرية الاميركية اليوم هناك مطاعم لماكدونالدز وستار بكس ومراكز راقية للياقة البدنية ومطاعم واخرى للتبضع خالصة الضرائب لتسهيل اقامة الضباط والحراس. ومع الاقتراب من منطقة الأمن المتشدد هناك الحواجز البرتقالية التي تجبر سيارة الزائر على التقدم بشكل متعرج مما يسهل مهمة الحراس الذين يتحققون من كل سيارة. فقد تضاعفت الاجراءات الأمنية منذ جرى توقيف واعظ المعسكر الكابتن يوسف يي في المعسكر واثنين من المترجمين بعد اتهامهم بالتجسس وفي امكان معسكر دلتا، المقسم الى خمسة اقسام، استقبال نحو 1000 شخص. وعندما مررنا به كان فيه نحو 450 معتقلاً من جنسيات مختلفة. وتجولت «الشرق الأوسط» في جزء من المعسكر الذي اخليت زنزاناته بسبب اعمال الاصلاح والترميم الدورية.

ومعسكر «دلتا»، محاط بالعديد من الأماكن المسورة بشبائك معدنية تغطيها أكسية من نايلون أخضر تعلوها أشرطة شائكة موصولة بخط توتر عال. ويخضع السجناء، الذين تبقى زنزاناتهم منارة طوال الليل لرقابة دائمة من جانب الحراس الذين يتجولون بشكل دائري أو يتمركزون في مخافر الحراسة. ويتحدث سجناء القاعدة وطالبان المحتجزون في غوانتانامو 17 لغة، وبعضهم حاصل على شهادات جامعية من الولايات المتحدة بحسب الكوماندر همفس. وتؤكد الكوماندر همفس ان سجناء «القاعدة» يهددون الحراس من جنود وضباط بعبارات نابية، واحيانا يرمونهم بالماء والقاذورات، مشيرة الى ان كثيرا منهم يتحدث الانجليزية بطلاقة. وقالت ان معظم المشاكل دائما تكون من السجناء العرب، واغلبهم يتحدث الانجليزية. واصرت الكوماندر همفس خلال جولتها مع «الشرق الأوسط» بين زنزانات معسكر دلتا على استخدام كلمة «احتجاز» وليس «سجنا»، لأن اغلب السجناء لم توجه اليهم اتهامات بعد. وأكدت على عدم وجود أي صداقة من أي نوع بين السجناء والحراس، رغم تلقيها عبارات الغزل من حين لاخر من بعض السجناء، مثل: «يا لك من سيدة جميلة حسناء»، مشيرة وهي تبتسم الى ان بعض السجناْء عرض عليها الزواج. وقالت: «العلاقات ممنوعة بين السجناء والحراس».

ونفت وجود أي محاولة لهرب السجناء، بل تحدثت عن محاولات اعتداء من السجناء على الحراس. واشارت الى ان عقاب السجناء الذين يعتدون على الحراس يكون بالعزل الانفرادي لمدة 30 يوما. وتحدثت عن ملابس خاصة للسجناء الخطرين الذين قد يقدمون على الانتحار، ضمن الاجراءات الأمنية الجديدة التي تم تطبيقها بعد انتحار سجينين سعوديين ويمني يونيو (حزيران) الماضي بشنق أنفسهم باستخدام ملابس وأغطية الفراش، حسب ما اعلنته ادارة المعتقل. وكان الثلاثة في زنزانات منفصلة في المعسكر رقم واحد، وهو القسم الأكثر تشديدا من الناحية الأمنية في المعتقل. وعثر على الثلاثة وقد فقدوا القدرة على التنفس، وقد حاولت فرق طبية إنعاش المحتجزين، غير أنه تم إعلان وفاتهم. وقد شكك أهالي المعتقلين في رواية انتحار الثلاثة.

ولا يكسر الروتين اليومي لمعسكر دلتا بالنسبة للسجناء إلا نزهة فردية لمدة عشرين دقيقة في قفص كبير مركز على مساحة اسمنتية يرافقها، ثلاث مرات في الأسبوع، حمام بالماء البارد لدقائق، ومع كل حركة انتقال هناك العدة النظامية، الأغلال والقيود في الأرجل موصولة بالسلاسل. وقالت الكوماندر همفس انها منعت الحارسات من مراقبة السجناء عند تلقيهم حماما. وخارج زنزانات معسكر دلتا شاهدت «الشرق الاوسط» لوحة بها ملصق اعلاني مكتوب بالعربي والفارسي والاردو، يتحدث عن مقتل الزرقاوي وتولي نوري المالكي رئاسة الحكومة العراقية وسجن زكريا موساوي الانتحاري رقم 20». وقالت الكوماندر همفس ان بعض السجناء لا يصدق ان الزرقاوي قد قتل حتى الآن. واشارت الى ان لوحة الاعلانات الاخبارية تتغير مرتين في الشهر. وحرصت همفيس على الاشادة بمزايا معتقل دلتا لجهة ترتيب الزنازين داخله وإجراءات الأمن والسلامة، إضافة الى تجهيزه بمستشفى يضم أحدث الأجهزة الطبية في العالم.

الشرق الاوسط