أيام في غوانتانامو (2) - نائب قائد معسكر غوانتانامو: ليس لدينا ما نخفيه.. و20 سجينا أفرج عنهم انضموا إلى المنظمات الإرهابية

الجنرال لي كوك لـ«الشرق الأوسط»: تلقينا معلومات من الأسرى عن تجنيد لأصوليين في أوروبا ومخططات هجمات


غوانتانامو: محمد الشافعي
السجناء لا يملكون من الحرية إلا السير لمسافة لا تتعدى الأمتار في معتقل يقع ضمن منطقة يسيطر عليها الأميركيون تقدر بنحو 117 كيلومترا مربعا في جيب غوانتانامو الكوبية، خلف هذه القضبان يقبع اليوم نحو 450 معتقلا من سجناء «القاعدة» وطالبان، اكبرهم في السبعينات من العمر، وهو افغاني، وأصغرهم في بداية العشرينات من العمر، ولم توجه التهم رسمياً الا إلى 10 منهم، في حين لم تجرِ محاكمة أي منهم، لا زيارات خاصة لا يخضعون لأي قوانين ولا يتمتعون بأي ضمانات قضائية، واقع يواجهه من يقبع هنا بالصمت في الغالب وبالتمرد احيانا.
وبعد اعلان انتحار ثلاثة معتقلين (سعوديين ويمني) في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي في هذه القاعدة البحرية الاميركية في كوبا بدأ الجيش تحقيقا لمعرفة ما اذا كان هؤلاء حصلوا على مساعدة محتملة او في ما اذا كانت عمليات انتحار اخرى تحضر، وترددت دعوات لإغلاق معسكر الاسر الاميركي.

«الشرق الأوسط» زارت غوانتانامو للمرة الثانية، وتجولت في معسكر دلتا شديد الحراسة ودخلت زنازين المعسكرين الرابع والخامس، ودخلت المطبخ شديد النظافة الذي يعد فيه طعام سجناء «القاعدة»، وشاهدت على الطبيعة كيفية اعداد وجبات الطعام، وتسلمت قائمة من وجبات الطعام المتنوعة. وزارت «الشرق الأوسط» ايضا محكمة المراجعات القانونية التي تنظر في حالة كل سجين على حدة سنويا بناء على توقعات بان العديد من الاسرى سيظلون معتقلين من دون محاكمة لدى الولايات المتحدة لعدة سنوات.

وحصلت «الشرق الأوسط» على قائمة ايضا من الكتب المختلفة بالعربي والفارسي والاردو التي يقرأها السجناء خلال 22 ساعة من الحبس يوميا، وزارت المكتبة التي يعمل بها ضباط وجنود، مهمتهم تسليم وإعارة الكتب وفحصها قبل وضعها في الارفف خوفا من تمرير رسائل سرية بين السجناء او بين السطور. وشاهدت عدسة «الشرق الأوسط» عمال البناء وهم يسرعون الخطى في تشييد المعسكر السادس، الذي سيسع لنحو 200 سجين والاكثر تقدما من جهة لاجراءات التقنية في مجال المراقبة والحراسة، وهو معسكر مكيف الهواء، يتوفر على زنازين انفرادية، ويسهل مهمة الحراس، رغم مايتردد من تكهنات ان المعسكر سيغلق في غضون عام، بعد قرار المحكمة العليا الاميركية الشهر الماضي بعدم شرعية مجلس عسكري، شكل لمحاكمة اليمني سليم أحمد حمدان سائق ابن لادن، باعتباره مخالفا لاتفاقيات جنيف والقوانين العسكرية الاميركية.

« الشرق الاوسط « التقت البريجادير جنرال ادوارد لي كوك قائد قوة المهام المشتركة بالجيش الأميركي في غوانتانامو الذي دافع عن اعتقال مئات الاسرى المشتبه في انهم من مقاتلي تنظيم القاعدة وطالبان في قاعدة غوانتانامو بكوبا لمدة غير محددة من دون محاكمتهم او توجيه التهم اليهم. وقال «الشرق الأوسط» ان هؤلاء الاسرى يستحقون ان يكونوا هنا، لانه تم اعتقالهم في ارض المعركة في افغانستان، وكثير منهم تم اعتقاله في جبال تورا بورا بشرق افغانستان. وقال الجنرال لي كوك الحاصل على دورات في الاستخبارات العسكرية والحرب الإلكترونية وقيادة الاركان: «ان مهمته انسانية لانها تتعلق بالحفاظ على حياة ارواح المعتقلين».

وتابع قوله: «ادرك انه في مجتمعنا تبدو فكرة اعتقال اشخاص دون محاكمة غير مألوفة». الا انه قال ان المعتقلين في غوانتانامو ليسوا مجرمين عاديين بل انهم «مقاتلون اعداء وارهابيون يحتجزون لانهم ارتكبوا اعمال حرب ضد بلادنا».

وافاد ردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط»: «ليس لدينا ما نخفيه»، مشيرا الى ان المعسكر مفتوح امام الصليب الاحمر الدولي على مدار ايام السنة، وقال ان المعسكر زاره حتى اليوم اكثر من الف صحافي وإعلامي من جميع انحاء العالم، وكذلك زار المعسكر للتعرف على احوال السجناء اعضاء في الكونغرس وساسة اميركيون واوروبيون، واعضاء من البرلمان الاوروبي، وقال ان بعض الساسة وصفوا غوانتاناموا بانه «نموذج معتدل للاحتجاز». وقال ان معاملة السجناء في غوانتانامو افضل من معاملتهم في اوروبا. ونفى لي كوك الذي وصل الى غونتانامو نهاية فبراير (شباط) الماضي، والحاصل على اكثر من ميدالية ونوط واجب في خدمته العسكرية، وجود أي تعذيب من أي نوع او انتهاكات في معسكر دلتا. واشار الى ان التحقيقات مازالت مستمرة مع السجناء، مؤكدا انه يتم الحصول على معلومات حتى اليوم تستخدم في الحرب ضد الارهاب. واوضح: حصلنا على معلومات من السجناء تتعلق بعمليات تجنيد لأصوليين لمنظمات ارهابية في اوروبا. وأضاف حصلنا على معلومات تتعلق ايضا بهجمات لندن التي وقعت في يوليو (تموز) 2005، وقال حصلنا ايضا على معلومات تتعلق بهجوم ارهابي كان مزمعا تنفيذه في اولمبياد ايطاليا بمدينة تورينو الشتاء الماضي. وأضاف: نجحنا ايضا بفضل تلك المعلومات في احباط هجمات ارهابية في العراق وأفغانستان. ونفى استخدام وسائل طبية لانتزاع الاعترافات من المحتجزين تحت تأثير المخدر، وقال لانمارس ضغوطا على احد، بل ان المتعاونين من السجناء يكون حالهم افضل من جهة ظروف الاحتجاز. وكشف ان المتعاونين من السجناء في غرف الاستجواب يتم تزويدهم بوجبات خاصة من ماكدونالدز ودجاج كنتاكي وهامبرغر وشيبس وايس كريم، وعلب من قهوة كابتشينو واكسبريسو من «ستار بكس» الذي افتتح فرعا له في جزيرة غوانتانامو. وقال ان التحقيق مازال مستمرا في حالات الانتحار الثلاث التي شهدها معسكر غوانتانامو (سعوديان ويمني)، وكشف عن استقدام اطباء تشريح من الولايات المتحدة لاجراء فحوص عن سبب الوفاة. واشار الى مراجعة مستمرة للاجراءات الأمنية بعد وقوع حالات الانتحار الشهر الماضي.

وكان الحراس عثروا على سعوديين ويمني مغشي عليهم في زنزانتهم في المعسكر واحد، بعد ان شنقوا أنفسهم باستخدام ملابس وأغطية الفراش». وقال: «لم يقدروا حياتهم أو حياة من حولهم». وكان الثلاثة في زنزانات منفصلة في المعسكر رقم واحد، وهو القسم الأكثر تشددا من الناحية الأمنية في المعتقل.

وعثر على المنتحرين بعد ان فقدوا القدرة على التنفس، وقد حاولت فرق طبية إنعاش المحتجزين، غير أنه تم إعلان وفاتهم. يذكر أنه جرت العشرات من محاولات الانتحار منذ أنشئ المعتقل قبل أربع سنوات، غير أنه لم تنجح أية محاولة قبل عملية الانتحار الاخيرة.

وكشف عن انضمام نحو 20 سجينا من الاسرى الى المنظمات الارهابية، بعد الافراج عنهم من غوانتانامو. وقال من حق السلطات الاميركية المحافظة على حياة مواطنيها في الداخل والخارج. وقال: «لقد اعتقلنا الاسرى في ارض المعركة، وجاءوا الينا مصنفين كإرهابيين، مشيرا الى ان اخر اسير وصل الى معسكر دلتا كان عام 2004. وقال ان الاسير الافغاني عبد الله مسعود بعد ان افرج عنه من غوانتانامو انضم الى صفوف حركة طالبان، واكتشفنا بعد ذلك انه مسؤول عن تفجير فندق ماريوت في العاصمة الباكستانية اسلام اباد وعدد اخر من العمليات الارهابية، لكنه قتل اخيرا. وتحدث عن وجود قادة من «القاعدة» وطالبان من 15 دولة في المعسكر الخامس شديد الحراسة. وعما يتردد من مزاعم من اسرى أفرج عنهم عرب او افغان او من جنسيات اخرى عن تعرضهم الى انتهاكات وتعذيب خلال وجودهم في غوانتانامو، قال الجنرال لي كوك ردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط»: لقد اكتشفنا بالادلة ان السجناء يحفظون عن ظهر قلب الفصل 16 من موسوعة الجهاد الكبرى، التي عثر عليها في مانشستر بانجلترا عند مداهمة منزل قيادي اصولي من المطلوبين اميركيا الـ 22، ويعتقد انه ابو انس الليبي. وتعرف الموسوعة عند المحققين الاميركيين بحسب الجنرال لي كوك باسم «وثائق مانشستر»، الذي اكد ان وثائق مانشستر تسمح لسجناء «القاعدة» بالكذب والمراوغة في التحقيقات واستخدام اكثر من اسم، وكنية. وتتكون الموسوعة من 18 فصلا، وقد عثرت عليها شرطة مكافحة الارهاب البريطانية في منزل اصولي ليبي متهم في قضية تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998وكان القيادي الاصولي ابو انس الليبي اللاجئ السياسي في بريطانيا قد هرب الى افغانستان قبل مداهمة منزله في مدينة مانشستر وسط انجلترا عام 1998. واشار الى ان بعض سجناء «القاعدة» على دراية بتقنيات التحقيقات والكذب والاصرار على استخدام كنية او هوية بديلة بدلا من الاسم الحقيقي. ويركز الفصل 17 من وثائق مانشستر على تحذير مقاتلي «القاعدة» من اعطاء اية معلومات ثمينة للمحققين.

وتحدث الجنرال لي كوك عن لجنة خاصة تقوم بمراجعات سنوية للمعتقلين توجد مكاتبها داخل معسكر دلتا، وتأخذ في عين الاعتبار كافة المعلومات المتوفرة حول قضاياهم بما في ذلك المعلومات التي توفرها حكومات اجنبية.

وكشف عن حدوث عدد محدود من الاتصالات الهاتفية بين عدد من الاسرى وعوائلهم في الخارج. الا انه رفض الاجابة على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن مكان وجود خالد شيخ محمد الرجل الثالث في القاعدة، ورمزي ابن الشيبة منسق هجمات سبتمبر، وابو الفرج الليبي مدير عمليات «القاعدة» وثلاثتهم اعتقلوا داخل الاراضي الباكستانية. وقال ان المعسكر السادس لم ينته العمل من بعد، واضاف انه سيكون شديد الحراسة مكيف الهواء مثل المعسكر الخامس، ولكن ظروف الاحتجاز ستون افضل بالنسبة للحراس والسجناء على حد سواء. واوضح نائب قائد معسكر الاسر الاميركي: «لا نريد ان نكون سجاني العالم»، وتحدث عن اتصالات مع بعض الدول لانهاء محنة بعض السجناء بترحيلهم الى بلدانهم، الا ان هناك بعض السجناء يرفضون الذهاب الى بلدانهم ومنهم الصينيون الخمسة «الايغوريون» الذين تم ترحيلهم الى البانيا. وافاد الجنرال لي كوك ان الاسرى يهددون الحراس بصفة شبه منتظمة، في معسكر دلتا بالانتقام منهم وكذلك من عوائلهم، وحسب الجنرال لي كوك فانهم يهددون الحراس بالانتقام من عوائلهم ايضا او من الجنود اذا ما ذهبوا الى العراق، بزعم ان لديهم ايادي طويلة هناك. وشاهدت «الشرق الأوسط» على الطبيعة الحراس وهم يرتدون صديريات واحزمة واقية حول صدورهم ورقابهم. وقال ان السجناء الذين يهددون الحراس يتم عزلهم في زنزانات خاصة لمدة 30 يوما. ورفض اكثر من ضابط وحارس في معسكر الاسر الاميركي ان تظهر صورة وجهه خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»، وكان يصر على اخذ لقطات له من خلف الرأس او من عند منتصف الصدر من اسفل الصدر. بل ان مسؤولي الأمن بمعسكر غوانتانامو راجعوا جميع اللقطات التي التقطتها عدسة «الشرق الأوسط»، يوما بيوم خوفا من حدوث سقطات، واكد الكابتن دان باير المسؤول الاعلامي عن الوفود الصحافية ان الاخطاء مكلفة، وقد تعني الحياة او الموت. وقال الجنرال لي كوك ان بلاده لا تزال في حرب مع طالبان والقاعدة. وقال «لا تزال طالبان تشن حربا ضد حكومة شرعية في افغانستان، كما لا تزال القاعدة تشن حربا على الاميركيين وكافة الشعوب المتحضرة بشكل منتظم يثير القلق. لا احد يستطيع ان يزعم ان النزاع انتهى».

وتحتجز الولايات المتحدة حاليا اكثر من 450 اسيرا في قاعدة غوانتانامو البحرية المعزولة الواقعة خارج سلطات المحاكم الاميركية.