[align=center]كيف نواجه الحر ب النفسية[/align]

[align=center]اصدر September 23, 2006 6:00:07 PM[/align]

[align=center]بقلم

المفكر الإسلامي الشهيد
عبد الزهراء عثمان محمد

(عز الدين سليم)
[/align]

[align=center][/align]

[align=center] إصدارات المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتأريخبة في البصره
قسم أحياء التراث الفكري للشهيد (عز الدين سليم) (قده) (2005)
[/align]


مقدمة الطبعة الثانية


ظهر مصطلح الحرب النفسية كحصيلة طبيعية لتلا قح تم بين الخبرة العسكرية التي تراكمت منذ الحرب العالمية الأولى وبين نظريات علم النفس الذي فرض نفسه كعلم قائم بحد ذاته.

وكان الهدف من الأبحاث النفسية من قبل المؤسسة العسكرية التمهيد لاستخدامها كسلاح في المعركة قبل الدخول فيها بهدف التأثير على الجبهة الداخلية بما لها من عمقٍ استراتيجي وأثرٍ على جبهات القتال .

ولئن استخدمت الدول التي دخلت في صراعات مع دولٍ أُخرى هذا السلاح ضد بعضها لأمدٍ محدد،فأن ما عُرّّض له بلدنا وإنسانه من مؤثراتٍ تصب في هذا الاتجاه أتصف بالديمومة،ولو أنها تتراوح ضعفاً وقوة حسب الحاجة إليها من الأطراف ذات المصلحة في توجيهها،مما يضع الواعين من أبناء الأمة أمام مسؤولية كشف الأساليب المتبعة في هذه الحرب والحلقات المستهدفة فيها بغية العمل على تحصين المجتمع بأساليب توقف زحفها وتخفف من أثرها .

سيما وإنها اتخذت لها في وقتنا الحاضر أساليب أكثر تطوراً، وأوسع تشعباً فقد استفادت من تشابك مصالح الدول والصراع الإقليمي في هذا المجال .

كما اتخذت من وسائل الأعلام وتطورها، ووجود الفضائيات وانتشارها حاضناتٍ جيدة، وبيئاتٍ مناسبة لإدامة زخم هجوهما وزعزعة الوضع النفسي لمجتمعنا.

وقد لعبت ممارسات النظام البائد وما خلفه من تصوراتٍ جديدة بين مكونات الشعب العراقي قائمة على النظرة السلبية، وحالة عدم الثقة بين هذه المكونات مما يتطلب تكثيف الجهود التي تساهم في الحد من تأثيراتها ومعاجة أعراضها الجانبية.

ومساهمة من المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية في دعم هذه التوجهات يتقدم لقرائه الأكارم بهذه الدراسة التي كتبها الشهيد (عز الدين سليم) قبل ربع قرنٍ من الزمان علها تُسهم في أعادة بناء إنساننا الذي صار هدفاً لهذه المؤثرات والله من وراء القصد .


توطئه


كثيراً ما تسبق الموضوعات والأطروحات مصطلحاتها وموضوع الحرب النفسية واحد منها، فرغم كونها مصطلحاً حديثاً لم يتم استعماله إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى، إلاّ إنّها ـ كموضوع ـ فن قديم تعاطاه الحكام والقادة العسكريون منذ آماد موغلة في القدم كما سنشير .

والحرب النفسية: هجوم دعائي مبرمج ـ في الغالب ـ يهدف إلى التأثير على نفسيات وعقول الأفراد أو الجماعات كي تتعرض للتفكك والوهن والاضطراب مما يهيئ بالتالي إلى توجيهها وجهة مخالفة لأهدافها ومصالحها،وكما تكون العملية مفاجئة وسريعة تكون هادئة تعتمد الاستدراج البطيء .

وسائل الحرب النفسية:

وتتذرع الحرب النفسية من اجل الوصول لأهدافها بكل الوسائل المتاحة لأثارة الإشاعات والدعايات في صفوف الجماهير وما يتاح لها من وسائل في العصر الراهن يفوق بكثير ما أتيح لها في العصور الماضية.

فوسيلتها في الماضي: نقل الخبر الكاذب أو الإشاعة مشافهة، وقد يجند للعملية أفراد معدودون، إلا إنها في الوقت الحاضر تمتلك، وسائل وأدوات وأجهزة متعددة، وكالات أنباء وأسعه التأثير، وإذاعات نشطه(علنية وسرية) ونشرات وصحف يومية، ومجلات ومسارح وسينما وتلفزة وغيرها--

مما ُيمكن الحرب النفسية من أن تشمل اكبر مساحة ويجعلها أقوى في الانتشار وأسرع، وابلغ في التأثير وأشد.

وإذا كانت تعتمد فيما مضى على التجربة الشخصية والذكاء والقدرة الذاتية على المكر والخديعة للإيقاع بالجهة المراد التأثير عليها، فإنها تسـتفيد إلى جانب ذلك من "علـم" النفس بجميع مدارسه و "علم" الاجتماع وتأريخ الشعوب وعلم الأجناس البشرية والطب والعلوم الأخرى و "تكنولوجيا التضليل المتطورة "!

ولقد أصبح بمقدور الحرب النفسية أن تسلك الأساليب العلمية في كيفية التأثير على عواطف الأفراد والجماعات وأفكارهم وعقولهم من خلال ما وفرته العلوم الحديثة من دراسات وحقائق ومعلومات.

من مبادئها الأساسية :

وتكاد كاد الحرب النفسية أن تكون علماً قائماً بذاته بعد أن حظيت بدعم الكثير من العلوم العصرية ـ كما ذكرناـ إضافة إلى التجربة الطويلة المستفادة عبر التاريخ ومن هنا فإنّ للحرب النفسية أساليب وأنماطاً خاصة تكاد تمثل قواعد ومبادئ يلتقي عندها جميع المعنيين بشأنها، وإذا كان هناك من اختلاف فهو في إطار التفاصيل حيث يضيق الاختلاف أو يتسع حسب إمكانية الجهاز الحاكم المدبر للحرب النفسية ولباقته ومعرفته بأحوال الجهة التي يشهر سلاحه في وجهها، وهذه بعض المبادئ المتسالم عليها بين الجهات المختلفة تقريباً:

1 ـ العمل على إبراز السلبيات والأخطاء، وتسليط الأضواء عليها وإيهام السامع أو القارئ باحتلالها مساحة تفوق واقعها العملي.

اختيار قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية بعينها، واتخاذها محوراً للدعيات والإشاعة عن طريق التهويل تارةً أو اختلاق إشاعة تستند إلى تلك القضية بشكل ما، فلو تظاهرت مجموعة من العمال يطالبون بزيادة أجورهم مثلاً في بلدٍ ما فأنه يكون بمقدور الجهات المعنية بالدعاية ضد ذلك البلد أن تهول الحادث، وتعطيه حجماً يفوق واقعة أضعافاً، فقد تتحدث عن رقم خيالي لعدد المتظاهرين أو تتحدث عن صِدام بين قوى الأمن والجمهور، وتختلق شعارات لم ترفع في المظاهرة أصلاً كالهتاف بسقوط الحكم أو المطالبة برحيل الوزارة، وأمور أخرى من هذا القبيل.

3ـ الاستعانة بالكذب المجرد الذي لا يتصل بأرض الواقع بأي سبيل، وغالباً ما يكون الكذب المجرد قابلاً للانكشاف من قبل الجماهير، وقد يؤدي إلى الإضرار بالجهة المعنية بالدعاية من هذا الطراز بعد أن يشعر بلا واقعيتها.

ومن المناسب أن نشير إلى أن وسائل الإعلام العربي قد أساءت كثيراً طيلة حرب حزيران عام 1967م حين كانت تصور للجماهير إن سير المعارك في سيناء والجولان والضفة الغربية يجرى لصالح العرب، ولكن سرعان ما فوجئت الجماهير بإعلان دول "المواجهة " عن خسارتها الشاملة في الحرب، مما أدى إلى انتكاسة نفسية حادة في صفوف الأمة-

وعلى العكس من ذلك كانت أجهزة إعلام الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، فقد كانت تتحدث عن خسائرها وخسائر الألمان معاً، صحيح إنها لم تكن واقعية تماماً فيما تبثه، لكنها على كل حال كانت تسلك السبيل الأفضل في الحقل الإعلامي، مراعية نفسيه الجمهور ومشاعره.

التزام أسلوب التكرار: وهي طريقة مفضلة لإقناع الجمهور بصحة ما ترويه وسائل الدعاية، وكمثال على التزام التكرار في الدعاية ما نحسه في الوقت الحاضر من إمعان وسائل أعلام معادية لجهة ما في تكرار خبر ما بأساليب مختلفة، كأن يشار إلى أن الراوي وكالات الأنباء العالمية أو مصادر مطلعة أو مراسل صحيفة كذا، أو قادمون. وبعد إذاعة الخبر ضمن نشرة الأخبار مثلاً يتناوله التعليق السياسي، وتعطيه الصحف اهتماماً خاصاً، وتبرزه في صفحاتها الأولى ويذاع في النشرات الموجزة.


من صور الدعاية في التاريخ:

وإذا قدر لنا أن نجرى متابعة لمنحنى التطورات التي مرت بها الحرب النفسية عبر التاريخ، فلا يجوز أن نغفل أن التطورات التي مرت بها الحرب النفسية عبر التاريخ، كانت على مستوى الوسائل والمبادئ والمصاديق معاً.

وإذا كانت النقلة في الوسائل بعيده المدى ـ كما أشرنا ـ حيث قفزت من مستوى الرواية المنقولة مشافهة إلى مستوى النقل الإذاعي والتلفزيوني والنشر الصحفي والعمل المسرحي المدعومة كلها بالأساليب والعلوم الحديثة ـ هي قفزه عملاقة ـ أن المبادئ والمصاديق قد تعرضت هي الأخرى لقفزة نوعيه فائقة.

فرغم التحولات الهائلة في مسيره التقنية، وانفتاح مجالات أرحب لصالح الحرب النفسية إلاّ أن التاريخ البشري يضم في مطاويه من مبادئ ومصاديق هذه الحرب ما يثير دهشة خبراء الحرب النفسية في العصر الراهن.

فلقد برع الحكم الأموي في عهد معاوية مثلاً بنمط من الدعاية والإشاعات ما يرشحه لاحتلال "كرسي الأستاذية" في هذا المضمار:

فأجرا عمليات الوضع في السنة النبوية لتدعيم الحكم الأموي وتشويه آل البيت "عليهم السلام " والتعتيم على صفحاتهم المشرقة جرت بتوجيه من الحكم المذكور.

و نكاد أن نقطع إن ما يشبه المؤسسة الإعلامية قد شكلت لهذا الغرض، كانت مهمتها تزوير الأحاديث، ولعل أكثر الأحاديث النبوية تأثراً بهذه الأحاديث العملية كانت أحاديث الفضائل، والسيرة الشخصية للأفراد!

وكانت أهم وسائل الحكم المذكور في نشر مفاهيمه ودعاواه: الرواية والقصص والقصائد والحديث المنبري(إذ كان للمنبر دور الاذاعه في العصر الراهن).

ـ ومثلما تلجأ ألا نظمه الدكتاتورية والمعاصرة إلى وصف معارضيها بالتجسس لصالح دول أجنبية لتدينهم بالخيانة العظمى كان بعض حكام المسلمين في الماضي يرمون معارضيهم بالخروج ـ خوارج ـ أو الزندقة، حيث أزهقت نفوس كثيرة تحت هذا الشعار دون وجه حق إطلاقاً.

ولعل في وصف الأمويين للأمام الحسين بن على(عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره بالخوارج واحداً من شواهد هذه الدعاية المأساة.

ـ وكان كثير من حكام المسلمين يضفون على أنفسهم هالة من التقديس مقرونة بالأبهة والمراسيم الفارغة، حتى أشاع بعضهم انه "ظل الله "على الأرض لكي يعطى لولوغه بدماء المسلمين الواعين لأحابيله تبريراً، ولكي يضلل جماهير الأمة زمناً مما يمد في عمر تسلطه.

ـ ولعل في حادثة رفع المصاحف التي صممتها الذهنية الأموية في حرب صفين شاهداً قوياً على مدى التقدم والنضج الذي بلغه فن الدعاية والإشاعة في العصر الأموي.

ـوتشير المعلومات التاريخية إلى أن هزائم المسلمين أمام الزحف المغولي كان أساسها نفسياً.

فكان جنكيز خان وغيره من قاده التتار يتبنون حملة إعلامية مكثفة قبل تقدمهم في البلاد التي ينوون غزوها، فيشيعون الرعب عن طريق الحديث المهول عن قوة الجيش الغازي وشده بطشه، مما كان له اكبر الأثر في الهزائم المنكرة التي ألمت بالمسلمين.

ـ وكان للدعايات الصليبية نمط خاص، فقد استطاعت أن تغلف نواياها بدعاية دينية مضللة، فحكايات تحرير قبر المسيح!! وإنقاذ القدس!! وكنيسة القيامة!! كانت أوتاراً تضرب عليها الحملات الصليبية مما أوهم عشرات الآلاف من نصارى أوربا بصحة دعاواها..

ـ ولقد برع نابليون بأساليب الدعاية لنفسه، حتى لقد ابتكر ما يشبه المؤتمرات الصحفية ليتحدث فيها بأسلوب دعائي مضخم، وقد أصيب أحد قواده بجروح بالغة فمات بسببها، فسال نابليون عما كان يقوله قبل موته، فقيل كان يصرخ من الآمه.

فقال: اكتبوا إنه مات وهو يردد: أموت وليحيا الإمبراطور!

ـ أما أساليب الدعاية والإشاعة في القرن الحالي فقد قطعت أشواطاً بعيدة فحرب الإذاعات السرية، وما تبثه من دعايات وإشاعات، وما تعمقه من أحداث بعض وسائل الحرب النفسية المعاصرة:

فاتجاه الحرب النفسية إلى سلاح الغريزة الجنسية يعتبر واحداً من وسائل الدعاية الحديثة.

وقد كان اليابانيون في الحرب العالمية الثانية يلقون صور النساء العاريات على جنود أمريكا، وما يشبه ذلك كان الألمان يفعلون بالنسبة لجنود بريطانيا!!

ـ وأسلوب التهويل من قوة الاستعمار الأمريكي وشدة بطشه له أسوأ الأثر على نفسيات كثير من الشعوب المستضعفة حتى استطاع إنسان الإسلام في إيران من كشف الزيف ورد الاعتبار لإنسان المنطقة!!

ـ ولا يفوتنا أن نشير إلى أساليب ألا جهزه المعادية للثورة الإسلامية في إيران التي تتعمد التعتيم على واقع الثورة وتطوراتها وانتصاراتها الاجتماعية والسياسية، والعمل كل من شأنه لتشويه إخبارها مدلولاً وصياغةً ومضموناً.

كيف نواجه الحرب النفسية؟:

أدرك الإسلام الحنيف خطورة الحرب النفسية بوسائلها المختلفة من: دعايات وإشاعات وسواها على الجبهة الداخلية، فحذر من مغبة التفاعل مع الدعايات المعادية وتبني مخططاً تفصيلياً لمواجهة هذه الحرب الخطيرة بجميع صورها وأساليبها لدعم صمود الأمة وتماسكها، ووحدتها في مواجهة المخططات المعادية، وهذه تفاصيل المخطط الإسلامي في هذا المضمار:

1. دعا الإسلام جماهيره العريضة للالتزام بقاعدة "التثبت" من جميع الأخبار والروايات والأشعات قبل ترتيب أي أثر عليها أو التسليم بصحتها إذا لم يكن المصدر موثوقاً حسب المقاييس الشرعية التي حددها الإسلام من الأيمان والعدالة والأنصاف:

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن٧ جَاءَكُم٧ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن٧ تُصِيبُوا قَو٧مًا بِجَهَالَةٍ فَتُص٧بِحُوا عَلَى مَا فَعَل٧تُم٧ نَادِمِينَ)).(الحجرات 6)(1)

وحيث إن مدلول الفسق في الاصطلاح الإسلامي يعني الخروج عن طاعة الله تعالى فأن موقف التثبت والتحفظ مطلوب من المسلم قبال جميع القوى والمؤسسات الإعلامية غير الملتزمة بطاعة الله عزّ وجلّ ومنهاجه، سواء أكانت رواة أو وكالات أنباء أو ممثلين أو صحفيين أو غيرهم، فكل ما ترويه أو تنشره أو تبثه المؤسسات(الفاسقة والكافرة) موضع للشك والتكذيب.

وإعلام القوى الفاسقة لابد أن يمر بفحص دقيق ومحاكمه عقلية صارمة لكي نرتب عليه أثراً في الفكر والعمل.

وهذه حقيقة يربي الإسلام عليها أتباعه ويبني تصوراتهم عن الإعلام الصادر من الجهات اللا إسلامية ـوالمعادية خصوصاًـ على أساسها، فالشك بسلامة ما يصدر من تلك الجهات مسألة جوهرية ومركزية في تفكير المسلم الوعي لا غبار عليها، وعلى كل مسلم أن يلتزم بها كمقياس لتحديد مدى تفعله مع الأخبار والروايات وغيرها التي تصدر من وسائل الأعلام اللاإسلامية.

وبناء على ما يفيده النص القرآني الآنف الذكر يتعين على كل مسلم واعٍ إن:

أـ يتحرى الدقة فيلتزم بمبدأ "التثبت" سبيلاً في تعامله مع الأخبار والإشاعات الصادرة من القوى غير الإسلامية، والقيام بعمليات الفحص الدقيق لها.

ب ـ يعتمد الشك قاعدة في مواجهة كل ما يصدر من أجهزة الإعلام اللاإسلامية المختلفة، والعمل على دراستها بعقل مفتوح وألافادة مما يمكن الاستفادة منه.

ورغم التزامنا بالشك قاعدة لمواجهه الدعايات الصادرة من جهات لا إسلامية نظل عند قناعتنا انه لابدّ أن تمتلك بعض الأخبار نصيباً من الصحة والسلامة، ونحن مسؤولون عن فرزه عن ركام التضليل لترتيب أثر ما عليه.

وإذا كانت قاعدتا التثبت والشك المذكورتان اللتان نفيدهما من النص القرآني السابق ومن حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه حوبة فقد ظلم " وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غررّ )

فأن قناعتنا بسلامة بعض أنباء الإعلام المعادى مسألة يصدقها الواقع الموضوعي، وطبيعة الحرب النفسية التي تعتمد جزءاً من الحقيقة في الغالب ـ كما أسلفنا ـ

وهذا الموقف بالذات ـ التزام التثبت والشك بإعلام العدوـ يحمل دلاله مزدوجة، فهو من جهة : إجراء وقائي يقي المسلم من خطر التفاعل مع الدعايات والإشاعات المضللة، ويسد المنافذ أمامها، ومن جهة أخرى يجسد الطبيعة التعقلية التي يغرسها الإسلام في نفوس أتباعه خلال مواجهتهم لكافه المفاهيم والتصورات والدعايات التي تبثها الأجهزة والقوى اللاإسلامية، الأمر الذي يمنح المسلم القدرة على حماية أصالته وصيانة شخصيته الفكرية وخصائصه العقلية.

وكمصداق للطبيعة التعقلية البعيدة عن الانسياق والتبعية حرص الفكر الإسلامي على وضع مقاييس رصينة لفرز الروايات والأحاديث التي نقلت عن النبي( صلى الله عليه واله وسلم) بخصوص القضايا الاعتقادية والعملية ولعل في علم الرجال الذي استحدثه الإسلام لدراسة رجال الرواية تعبيراً عن أحد المقاييس العلمية في هذا المضمار.

ولا يختلف الموقف الإسلامي الفكري والعملي من رجال الرواية عن الموقف من الأفكار والمفاهيم والتصورات الأوربية التي نقلت إلينا بقصد أو بغير قصد، حيث يرفض منها ما لا ينسجم مع نظرة الإسلام للحياة والكون والإنسان والمجتمع، ويقابل بالاستحسان والتبني ما كان منها سليماً ونافعاً في مجال التقنية أو التكنولوجيا ووسائل استثمار الطبيعة " الأخرى.

ورغم كون قاعدة التثبت في مواجهه كافه الدعايات والإشاعات الصادرة من جهة غير إسلامية كفيلة بتحصين المجتمع المسلم ـإذا ألتزمهاـ من شرور الحرب النفسية التي يشنّها العدو من مختلف الجهات، إلاّ أن هذه القاعدة تحتاج إلى مزيد من الدعم لتأتي ثماراً طيبة على المستوى الفكري والعملي.

فمن المقطوع به أن العدو ينّوع من أساليبه، وإذا أوصدت بعض المنافذ في وجهه بذل وسعه لفتح نوافذ أخرى.

كما إن من المؤكد أن مستويات الوعي لدى المسلمين متباينة، وقد يبلغ بعضها في مدى تدنيه إلى حد البلاهة في كثير من الأمور لاسيّما في قطاع الأميين والجهلة وبسطاء الناس.

ومن هنا فإنّ مبدأ طلب التثبت ـ في مواجهة الدعايات المعاديةـ من قبل هذا القطاع- قطاع البسطاء- أمر يحتاج إلى المزيد من الدعم، فبسطاء الناس والجهلة يعسر عليهم في الغالب التمييز بين الخبر الصادق من الكاذب كما إن قطاعاً آخر من الناس إذا تسنى له كشف بعض الأضاليل فإنّ نمطاً من الدعايات يعسر عليه معرفة زيفها.

وهكذا يكون مبدأ التثبت الذي تبناه الإسلام ـ فبما تبناه ـ لمواجهة الحرب النفسية محتاجاً إلى دعم مكثف من متبنيات ووسائل أخرى ليحقق أهدافه في دنيا المسلمين، وهي قضية أساسية وعاها الإسلام العظيم، وضع منهجه لدعم قاعدة التثبت وتعميقها في نفوس المسلمين وذلك:

بضرورة الرجوع إلى القياد ة الإسلامية لاستيضاح الأمر عندما تشيع الأجهزة اللاإسلامية أخباراً أو حكايات مثيرةً في صفوف المسلمين.

وعلى المسلم الذي بلغته الدعاية أن يكون آخر إنسان بلغته، فلا يكون سبباً في نقلها لغيره أبداً.

وفي النص القرآني التالي صياغة واضحة لهذا المبدأ الحيوي الفعال في درء مخاطر الدعايات المغرضة:

((وَإِذَا جَاءهُم٧ أَم٧رٌ مِّنَ الأَم٧نِ أَوِ ال٧خَو٧فِ أَذَاعُوا٧ بِهِ وَلَو٧ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُو٧لِي الأَم٧رِ مِن٧هُم٧ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَس٧تَنبِطُونَهُ مِن٧هُم٧ وَلَو٧لاَ فَض٧لُ الله عَلَي٧كُم٧ وَرَح٧مَتُهُ لاَتَّبَع٧تُمُ الشَّي٧طَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) سورة النساء / 83.

وعن الأمام الصادق(عليه السلام) قال:" أن الله عز وجل عيّر أقواما بالإذاعة في قوله عزّ وجلّ: "وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به " فإياكم والاذاعه " .

فالقرآن الكريم ـ والحديث الشريف ـ صريح في رفضه الصارم لكل ألوان التأثر بالدعاية المعادية، إذ الأصل في مواجهة الإعلام المعادي التثبت والشك، فأن بلغ صدى الدعاية المغرضة بعض الآذان من المسلمين فلا يجوز لأحد أن يسهم في نقله بين المسلمين، وإنّما لابد من تبليغ القيادة الإسلامية وفروعها من ذوى الشأن لمواجهة الدعاية وتوفير الرد المناسب.

وهذا الموقف ينسحب في مضمونه على القيادة الإسلامية في مواقعها المختلفة في حال كونها قيادة لحركة إسلامية أو في موقع مسؤولية قيادة الدولة الإسلامية.

وبالتوعية السياسية للجماهير:

التربية السياسية في نظر الإسلام ليست قضية مرحلية تتطلبها مرحلة من مراحل حركة الإسلام التاريخية، وظروف التحديات التي تواجه إنسان الإسلام، وإنّما هي من التربية الإسلامية في الصميم، فالإسلام ليست في مفهومه تربية روحية وأخرى أخلاقية وثالثة سياسية ورابعة-فإنّ هذا اللون من التقسيم إذا ورد أحياناً فلتمييز الفني لأغير، والإسلام يأخذ الإنسان بمجموعه، فيربي جانبه الروحي، ويوجه نزوعه للجنس، ويخطط ميله للمال، ويحدد واجباته وحقوقه في الحياة الاجتماعية، ويربي فيه المشاركة ودوره ومسئوليته في الحياة السياسية بشكل عام.

وإذ نهدف في هذا الحديث إلى تبيان دور التوعية السياسية في حياة المسلم وأهميتها فلا ينبغي أن تفوتنا الإشارة إلى حرص الإسلام الشديد على إعداد الإنسان المسلم سياسياً، وبمقدورنا أن نلتقي مع منهج متكامل في هذا المضمار إذا رجعنا إلى الكتاب العزيز وسنه المعصوم(ع).

وهذه بعض مبادئ المنهاج ألإسلامي في التربية السياسية:

أ ـ ضرورة إطاعة القيادة الإسلامية وامتثال أوامرها:

(( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول -))

ب ـ تحديد مسؤولية المسلم في إطار الجماعة الإسلامية:

( كُلكم راعٍ وكَلكم مسئول عن رعيته) .

ج ـ عدم الركون للقيادة اللاإسلامية التي تفرض نفسها على دنيا المسلمين: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار- ))، (( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون-))

د ـ تحديد مواصفات الحاكم المسلم الذي يصح الانقياد له من قبل المسلمين:

(لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام، وإمامة المسلمين: البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الخائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون القاطع، ولا المعطل للسنة، فيهلك الأمة)

هـ ـ ضرورة محاسبة الجهاز الحاكم المنحرف عن الإسلام:

(من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان على الله أن يدخله مدخله).

و ـ الحرص على وحدة الهدف ووده الصف الإسلامي:

(( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ))

ز ـ استقراء واقع العدو و أمكانته وهمومه وأساليبه ونقاط ضعفه، ويشمل هذا اللون من التوعية السياسية:


ـ توفير المعلومات عن تركيبة العدو الاجتماعي والسياسي

ـ وطبيعة القوى الفاعلة فيه

ـ ووضع دراسات متكاملة عن نقاط الضعف، ومواقع القوة فيه

ـ وأساليب العدو في التعامل

ـ واتجاهاته السياسية وارتباطاته ومواقفه.



فأن هذا اللون من المعرفة يوفر مزيداً من الفرص للمسلم الواعي لتقييم الجبهة المضادة فيكشف زيفها، وزيف ما تدعي فيقف من دعاياتها موقف الرافض الساخر.

فلو وفرت القيادات الإسلامية للجماهير المسلمة مثلاً:

معلومات مفصلة عن إعلام العدو الفلاني وإمكاناته وأساليبه:

الصحيفة كذا مرتبطة بعجلته

القلم الفلاني مسخر لمصالحه

الجهة الإعلامية في بلد كذا تمول من الجبهة المعادية

وكالة الأنباء الفلانيه تابعه له-- إلى غير ذلك.

أقول لو توفرت المعلومات من هذا القبيل للمسلم لكانت عوناً في الخارج من حبائل الدعايات المعادية، وكان أكثر قدرة على صدها والصمود أمامها.

فالتوعية السياسية ـ والإعلامية للمسلم ـ ( بما فيها التعرف على واقع العدو) مسألة حيوية وفعاله تحدد له موضع أقدامه في المسيرة، فيعرف مهماته والتزاماته تجاه أمته ورسالته وقيادته ، ويعرف عدوه وحجم رصيده في دنيا الوقع، وأساليبه في الحرب والتضليل.

أن التزام التثبت والتعقل في مواجهة دعايات العدو وإشاعاته مدعومة بالتسلح بالوعي السياسي واليقظة والحذر مما يشاع أضافة إلى استلهام رأي القيادة الإسلامية لتحديد المواقف إزاء الدعايات المثيرة كفيل بمواجهة الحرب النفسية بمختلف وسائلها التي يشنها العدو على جبهة المسلمين.


http://amged.friendsofdemocracy.net/...sp?item=198623