النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي رحلة الى جمهورية الموت-مشاهدات عائد من بغداد

    هذا وصف للأوضاع في بغداد وجدته في احد الصفحات. لأا ادري مدى دقة المعلومات ولكنها معلومات تسبب الكآبة والأحباط مع شديد الأسف

    رحلة إلى جمهورية الموت


    المشاهدات

    الأحزاب و التجمعات السياسية: وجود حوالي 84 حزباً حاكماً متنوع الثقافات و الإتجاهات و الميول و منها دينية "سنية و شيعية" و منها شيوعية و قومية و علمانية و إقليمية و أحزاب خاصة بالأقليات كالكردية و التركمانية و الآشورية و الأقليات الأخرى المتنوعة. لا يوجد أي برنامج سياسي أو إقتصادي أو إجتماعي واضح لأي من هذه الأحزاب و ثقة الناس فيها شبه معدومة لأن أكثر هذه الأحزاب إحتلت أبنية حكومية سابقة بغير أي وجه حق أو تفويض من جهة رسمية و غيرت ملامح تلك الأبنية و وضعت عليها لافتات بأسماء مختلفة لأحزاب لم نسمع بها سابقاً في تاريخنا السياسي و لأن معظم مؤسسي هذه الأحزاب غير معروفون للمجتمع العراقي أو أنهم مشهورون بسمعتهم غير الطيبة سياسيأ أو مالياً أو أخلاقياً.

    المطبوعات و الجرائد: تصدر الآن في العراق جرائد منتظمة و غير منتظمة الصدور عن تلك الأحزاب و التجمعات السياسية تتحدث في مواضيع شتى و معظمها جرائد متفائلة بالمستقبل الزاهر و المشرق للعراق و قسم منها جرائد إسلامية متشددة تطالب كأحزابها بأهداف غريبة نسبياً عن المجتمع العراقي كالفصل بين الجنسين في الجامعات العراقية و إغلاق دور السينما و المسرح و الملاهي و وسائل التسلية و تطالب بإنشاء دولة الإسلام و هذه الأحزاب بنوعيها الشيعية و السنية متواجدة على الساحة و لكن الملاحظ أن إتجاه الناس العام في العراق هو نحو الحرية أكثر منه نحو التشدد و كما سيرد في أمثلة قادمة. تتنوع كتابات الصحفيين حالياً في إتجاهات مختلفة و لعل أشهر الجرائد العراقية حالياً هي جريدة الزمان لمؤسسها (سعد البزاز) العائد من المملكة المتحدة.

    الوضع العام: تسود مدينة بغداد و مدن الرمادي و الفلوجة و بعقوبة و كربلاء كأمثلة مظاهر الدمار و الخراب بشكل عام لمختلف أنواع الأبنية الحكومية و شبه الحكومية و المعاهد و الجامعات و المصانع و الأسواق المركزية حيث لم يسلم أي مبنى تقريباً من هذا النوع من السلب و النهب و الحرق ثم إعادة النهب و السلب لما تبقى فيها مما يمكن تفكيكه و حمله و بيعه. معظم الأبنية المتبقية و خاصة خارج بغداد هي عبارة عن هياكل إنشائية لا تصلح إلا للهدم و إعادة البناء من الأساس لأن معظم الأبنية تم إحراقه حتى خمد حريقه ذاتياً مما أفسد مواصفات حديد البناء فيه و كل المواصفات الإنشائية الأخرى. أختفت الشبابيك و الأبواب و أنابيب المياه و كل شئ من هذه المباني عدا الطابوق و الكونكريت. لم يبق أي مخزن في العراق يحتوي على سقف معدني على حاله فقد تم الإستيلاء على كل الصفائح المغلونة المستعملة في التسقيف. الحرائق التي جرت على الأبنية و بشكل متكرر أدت إلى سقوط العديد منها و كما شاهدت تلك الظاهرة في سوق 28 نيسان المركزي في الصالحية ببغداد الذي إنهار نتيجة الحريق و كذلك السوق المركزي في المنصور ببغداد الذي إنهار الجزء الأكبر منه نتيجة الحرائق المتكررة.

    تـُنشئ القوات الأميركية سيطرات متنقلة و متحركة في أوقات و أماكن مختلفة هدفها الأساسي ضبط الأسلحة و المواد المسروقة مما يتسبب في إختناقات مرورية متعددة في العاصمة و لكن جميع سيطرات مداخل المدن قد ألغيت و لا يوجد تواجد ملحوظ للقوات ألأميركية في مركز مدينة كربلاء. تحاول هذه القوات جهد إمكانها أن تكون مهذبة و متعاونة مع الناس لعدم خلق مشاعر عدائية. جميع أفراد القوات متهيأون للقتال في أي وقت و أياديهم على الزناد دائماً كما لاحظت.

    المواد المسروقة من مخازن الحكومة لا تعد و لا تحصى عدا ما تمت حمايته من مخازن من قبل الأهالي في مناطق معينة كما في محافظة ديالى بمبادرات شخصية من بعض وجهاء المدينة. تباع هذه المواد على الأرصفة في أسواق مستحدثة مخصصة و متخصصة كل منها بفقرات معينة. و نتيجة لوفرة بعض المواد بشكل هائل حسب نظرية العرض و الطلب فإن السُرّاق يبيعونها بأسعار بخسة جداً و كمثال فإن كيس السكر زنة 50 كغم يباع بمبلغ 2500 دينار (دولار و نصف) و كيس الشاي الكبير زنة 25 كغم يباع بدولار واحد لكثرة عدد مخازن وزارة التجارة التي نهبت. تتوفر أيضاً في السوق معدات و مولدات و محركات و عدد و أشياء أخرى لا تعد و لاتحصى منها الجديد و منها المستعمل.

    التلوث: من أهم الملاحظات التي لاحظتها على الهواء عموماً شدة تلوثه بملوثات متعددة. الغبار منتشر بشدة و متراكم و ملتصق بقوة على كل الأسطح و غير قابل للتنظيف لأن أسباب إثارته و إنتشاره كثيرة و غير منتهية. دخان المركبات يشكل غلالة سوداء في سماء بغداد و معظم المدن و يمكن ملاحظة ترسباته على أبنية كثيرة من خلال النظر إلى جدرانها. التلوث الأهم و الأشد ضرراً هو التلوث الإشعاعي و في مشاهدة شخصية شاهدت عداد الإشعاع التراكمي لأحد الزملاء أطباء الأسنان و الذي كان مؤشره مستقراً على قراءة معينة و ثابتة منذ سنتين و بدأت القراءة بالإرتفاع بشكل كبير حتى وصلت إلى 21.5 قبل سفري من العراق بأيام قليلة. هذا المؤشر البسيط يوضح مدى الضرر و التلوث الإشعاعي الذي بدأت آثاره تظهر على البيئة لسببين أحدهما قذائف اليورانيوم المنضب و الآخر هو سرقة المواد المشعة من المفاعل النووي في التويثة. كلا السببين سيلوثان تراب و ماء و هواء و غذاء العراق لملايين السنين مما يجعله غير صالح للسكنى إلا لهواة السرطان و محبّي الأمراض الخبيثة الأخرى.

    نهب من مخازن الحكومة ما لا يقل عن 15 ألف سيارة جديدة كانت مستوردة و جاهزة للقيادة و التوزيع و نهب ما يوازي ضعف ذلك العدد من السيارات الحكومية و أخرج قسم كبير منها إلى المنطقة الشمالية و تم تهريبه إلى إيران بمباركة و إشراف الأكراد و منها آليات متخصصة كآليات البناء و سيارات الإطفاء و سيارات جمع النفايات و سيارات ورش متنقلة مستوردة حديثاً و عربات الإسعاف و غيرها الكثير. تستخدم كثير من سيارات النقل الحكومية كالحافلات من قبل سائقيها أو سارقيها في نقل المواطنين داخل العراق بأسعار مختلفة و تلاحظ في شوارع بغداد عدد كبير من باصات نقل الركاب الحمراء ذات الطابقين و قد تبقى هيكلها فقط بعد تفكيك كل شئ فيها إلى النخاع.

    تحولت مدينة المحمودية القريبة من بغداد إلى مركز بيع مباشر للمسروقات الإنشائية و إعادة تدويرها و تصنيعها حيث لاحظت فيها توفر تخصصات مختلفة من الفنون الحرامية إختص قسم منها ببيع الكيبلات النحاسية و كيبلات الألمنيوم و قسم منهم تخصص ببيع الأغلفة البلاستيكية لهذه الكيبلات و قسم آخر تخصص ببيع صفائح العزل الحراري و قسم آخر ببيع الأسلاك الشائكة المسيجة للطرق السريعة و معسكرات الجيش و قسم آخر تخصص ببيع العوارض الحديدية بانواعها و تراكيب الإنارة و غيرها من مواد البناء.

    تمت سرقة أجزاء كبيرة من بلوك البناء الخاص بسياج شارع المطار الدولي ببغداد و لم يتبق منه سوى مناطق معينة محروسة جيداً من قبل أهالي المنطقة و ليس للحرامية القدرة على سرقتها. قسم كبير من المباني المنهوبة و المحروقة و معسكرات الجيش و عمارات سكن قوات الأمن الخاص بشارع أبو نواس و أماكن أخرى تحولت بقدرة قادر إلى مساكن إيواء عاجل لعدد كبير من العوائل التي إستسهلت المبيت فيها و السيطرة عليها بإمكانياتها البسيطة أو المرفهة حسب نوع المسكن و أغلبها مكتوب عليها عبارة (سكن عوائل) لكي لا يتم إقتحامها أو هدمها أو مهاجمتها عن طريق الخطأ. ألغت قوات التحالف عقوبة الإعدام من قانون العقوبات العراقي و ذلك فإن الرادع الأساسي لمنع الجرائم قد تلاشى من حياة الحرامية و إلى الأبد.

    ظاهرة أخرى شاعت في الوقت الحالي و هي ظاهرة البناء العشوائي الشرعي و غير الشرعي و يتمثل ذلك في إستيلاء العديد من الناس على قطع أراضي منتقاة في أماكن مختلفة من شتى المدن و تسييجها و المباشرة بالبناء فيها و بشكل سريع و عشوائي حتى أن بعضهم أتم بناء هيكل منزله في هذه الفترة البسيطة في سباق مع الزمن كما شاهدت في مدينة بعقوبة و إستغل بعض أصحاب الأبنية المشيدة أصلاً الظرف الحالي لإضافة مساحات بناء أخرى إلى أملاكهم دون الحاجة لإجازات البناء و الإضافة و الترميم و غيرها من خزعبلات و التي كانت تكلفهم الكثير بسبب رسومها الواجبة الدفع لبلديات المدن المتواجدين فيها. محلات تجارية كثيرة إستغلت ظرف التوقف عن العمل و بدأت بإجراء عمليات ترميم و تطوير للبنى التحتية لمحلاتهم كلٌ حسب طاقته.

    من الظواهر المؤسفة جداً نتيجة لغياب السلطة و إنفلات الوضع الأمني هي ظاهرة تفشي بيع المشروبات الروحية على الطريق بعلب تبريد (فلينات) من قبل باعة متجولين على الأرصفة و سيارات تنادي على المارة بنداء (برّد قلبك بألف دينار) و تباع شتى أنواع المشروبات على شكل كؤوس إضافة لعلب البيرة التركية ذات الحجم الكبير و قد إنتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير في شارع المنصور و 14 رمضان و حي العدل و الجامعة و في منطقة السعدون و الباب الشرقي ببغداد. يضاف إلى ذلك عدد كبير من باعة حبوب الهلوسة و الحبوب المخدرة بمسميات و مناشئ مختلفة و بشكل علني خاصة في مناطق الإزدحام التجاري و بالرغم من رفض معظم الناس لهذه الظاهرة إلا أن كون الباعة أعضاء في عصابات منظمة يعيق مكافحتهم بشكل سهل دون مشاكل. مصدر معظم هذه المواد هو شمال العراق.

    لاحظت أيضاً إختفاء و قلة ظهور النساء في الشوارع و الأماكن العامة و ذلك لزيادة واضحة في حوادث خطف النساء و الأعتداء عليهن في مناطق مختلفة في بغداد. يندر أن تشاهد إمرأة تقود سيارة شخصية هذه الأيام أو أن تشاهد إمرأة تسير بمفردها في شارع عام أو تركب وسيلة نقل جماعي بسبب خطورة هذا التصرف. لم أسمع بحوادث شخصية في هذا المجال و ذلك لأن الضحية غالباً ما تسكت و تمتنع عن الكلام في الموضوع بسبب الإحراج الإجتماعي.

    الأسلحة و الذخائر: سمحت قوات التحالف للمواطنين كافة بالأحتفاظ بالأسلحة الآلية (الكلاشنكوف) و المسدسات في المنازل و بكمية ذخيرة محدودة بمخزن واحد لكل سلاح و منعت في نفس الوقت حمل السلاح في الأماكن العامة و السيارات إلا بترخيص منها. تمتلك نقاط التفتيش عادة كاميرات حرارية مركبة على العربات المدرعة تستطيع تمييز المركبات الحاوية على أسلحة لتقوم بإيقافها و مصادرة السلاح. هناك عقوبات مترتبة على حمل السلاح دون ترخيص تصل إلى الإعتقال الحبس لمدة سنة و غرامة 1000 دولار. يمنع منعاً باتاً تملك الأسلحة الثقيلة و المتوسطة كالقاذفات الصاروخية و الرمانات اليدوية و الهاونات و غيرها من أسلحة متخصصة. سوق السلاح إنتقل من العلنية إلى السرية و بأسعار بخسة للغاية مقارنة بسعر السلاح في السوق العالمية و قيمته المادية.

    الجوازات: تتوفر في سوق المزورين جوازات بأنواع مختلفة منها الجديد الفارغ و منها المستعمل و تنتشر بكثرة حرفة تزوير الجوازات لوفرة الطلب عليها و لعدم وجود سلطة إصدار لها. تم تداول جوازات في السوق مسروقة من الدوائر الحكومية و معروف عنها أنها لم تكن قد سمح بإصدارها حسب تسلسل إصدار الجوازات و لذلك فهي تباع بأسعار بخسة جداً لا تتعدى 5 دولارات للجواز الفارغ. تتوفر أيضاً في السوق كل أنواع الوثائق المزورة من هويات و شهادات و كتب رسمية و أختام منوعة لدوائر متعددة و بشكل علني.

    الصحون اللاقطة أو (الدشات) كما يحب العراقيون تسميتها إنتشرت إنتشار النار في الهشيم في كل بيت عراقي تقريباً و بأنواع مختلفة و بأسعار مختلفة و تباع المنظومة الكاملة بأسعار تتراوح بين 100-150 دولار تقريباً و أصبحت مهنة تجارة و نصب الدشات و بيع أجهزة الإستقبال إحدى أشهر المهن في العراق إضافة لمهنتين أخرتين هما الإتصالات الدولية بواسطة أجهزة الثريا و أجهزة أخرى و الصرافة للدولارات في الشوارع و بشكل باعة متجولين و محلات ثابتة. هذه المهن هي السائدة في الوقت الحاضر و قد تحول معظم الناس لها لعدم وجود أعمال أخرى. المطاعم مستمرة بعملها و لكن بشكل خفيف و بأسعار خرافية حيث بلغ سعر ساندويش الهمبرجر مثلاً و لذي كان سعره قبل الضربة 1250 دينار أصبح يعادل الآن 2000 دينار مع أن قيمة الدينار العراقي إرتفعت كثيراً و تحسنت مقابل الدولار و هذه من عجائب العراق الكثيرة هذه الأيام. سعر الوجبة المرفهة نسبياً في مطعم ك (ركن العزائم) في شارع 14 رمضان تكلف حوالي 6000 دينار عراقي أو ما يعادل 4-5 دولارات حسب سعر صرف السوق المحلي. أسعار الخضار و الفواكه متذبذبة و لكنها عموماً أغلى بكثير من المواسم السابقة. و كمثال بسيط فإن سعر الصمون المحلي أرتفع من 40 دينار قبل الغزو إلى 100 دينار حالياً. وسعر كيلو الطماطم إرتفع من 40 دينار في الموسم الماضي إلى 250 دينار حالياً.

    إنتشرت بشكل كبير حالياً تجارة الأجهزة الكهربائية المستوردة للعراق و هي تباع بشكل خرافي على الشوارع العامة و من قبل شتى أنواع المحلات دون رقيب أو حسيب. تتعدد المناشئ و ألأشكال و الأسعار و تشترك بكونها أسعار تعاونية و تنافسية بسبب عدم وجود أي كمارك أو رسوم عليها و على أي مواد مستوردة من الخارج و لفترة مفتوحة يقال أنها قد تمتد لغاية منتصف شهر تموز أو أكثر. هذا إضافة لتوفر أجهزة كهربائية مختلطة مسروقة من مخازن وزارات الدولة و الأسواق المركزية إلخ من اشياء عجيبة تباع على الأرصفة.

    رواتب معظم الموظفين تدفع حالياً بعملتين هما الدولار ألأميركي و الدينار العراقي بمعدل 20 إلى 40 دولار لكل موظف حسب الدرجة الوظيفية ، مشكلة الدولار أنه يوزع بفئات نقدية صغيرة و خاصة فئة الدولار الواحد و الذي يسبب مشكلة كبيرة لتصريفه للدينار العراقي لأن سعر صرفه اقل من سعر صرف الفئات الكبيرة بحوالي 15%. بقية مبلغ الراتب بالدينار العراقي (100-200 ألف دينار) يتم توزيعه بعملة العشرة آلاف دينار الغير قابلة للصرف في معظم المحلات بسبب سرقة كميات كبيرة منها بعد الحرب كانت جاهزة للتوزيع أيام النظام السابق و قسم منها كان دون أرقام و تمت تزويرها بإضافة أرقام لها و إنزالها للسوق المحلية مما تسبب بهذه الأزمة. قسم من التجار و أصحاب المحال يتقبل هذه العملة و لكن بمبلغ 7500 أو 8000 دينار فقط و هي عملية ربوية بحتة و مأساة كثير من الناس أنهم قبل بدء الحرب سعوا بشدة لتبديل عملاتهم الورقية من فئة 250 دينار بفئة العشرة آلاف دينار لسهولة حملها و لطباعتها الجيدة و لصعوبة تزويرها و لكن شاءت الظروف أن تسير بهذا الإتجاه الغريب. و من المضحك أن قوات التحالف قامت آسفة بإعادة طباعة العملة من الفئات الصغيرة و حتى الكبيرة التي تحمل صورة صدام حسين لإسكات الناس وذلك لنقص شديد في الفئات الصغيرة حتى أن صفوف الجماهير على مداخل المصارف الحكومية تبدأ من ساعات الصباح الأولى لتبديل هذه الورقة الكبيرة بفئات أصغر. معظم الناس سعداء بهذه النقلة النوعية من ناحية الرواتب و لكن المشكلة أن التوزيع يفتقر إلى العدالة فعامل التنظيف في وزارة الصحة مثلاً و الحامل للدرجة الوظيفية الثالثة يحصل على نفس راتب الطبيب الأخصائي صاحب الدرجة الثالثة في معادلة غريبة مؤقتة لإمتصاص نقمة الناس.

    الحصص التموينية بدأت بالظهور مرة ثانية عن طريق الوكلاء مع بعض الصعوبات التقنية و لكن الوضع الغذائي مطمئن نسبياً و لا يدعو للقلق أبداً و أسعار المواد الأساسية منخفضة جداً، إستغنت قوات التحالف عن توزيع الصابون و الحليب هذا الشهر في البطاقة التموينية ربما ليبقى الشعب (وصخ) و لأن الحليب غير ذي فائدة للعراقيين. تتوفر في السوق المحلية بضائع من شتى المناشئ و الأنواع و أغلبها مستورد. المشروبات الغازية تملأ الأسواق من مناشئ إيرانية و سورية و سعودية و تركية و عراقية و أردنية و إماراتية و باسعار تنافسية جداً جداً و كأن الشعب العراقي لا هم له سوى المشروبات الغازية. مياه الشرب تتوفر في جهة الكرخ بشكل جيد نسبياً و أحسن بكثير من جهة الرصافة و هكذا الحال بالنسبة للمحافظات و ليس هناك أزمة كبيرة في مجال مياه الشرب حتى أن الماء الخام متوفر في كثير من أحياء و مناطق بغداد بشكل وفير دون أن مشاكل مع ملاحظة إنخفاض مستوى الماء في نهر دجلة عن مستواه في السنوات السابقة.

    مشتقات البترول: مأساة شديدة تواجه الشعب العراقي في بلد البترول و الذهب الأسود ، هناك شحة شديدة في غاز الطهي و إسطوانات الغاز المنزلي تباع ب 3000 دينار حتى 5000 دينار خارج المحطات و في عربات الباعة المتجولين. و سعرها الرسمي في محطات الوقود لا يتجاوز 500 دينار في هذه الظروف الإستثنائية حيث أن منتجات البترول مستوردة في الوقت الحالي من دول الجوار فالوقود الخام يتم تصديره للأردن مثلاً مقابل إستيراد بنزين السيارات و وقود الديزل و الكيروسين و يتم إستيراد الغاز المنزلي من الكويت و تركيا و ترد أيضاً شحنات بنزين من السعودية لتعويض الإنتاج المحلي من مصافي العراق و التي تضررت نتيجة أعمال النهب و السلب أكثر من تضررها من جراء القصف و الحرب. سعر لتر البترول رسمياً 30 دينار للبنزين العادي و 50 دينار للبنزين الخاص و لكن صفوف السيارات تصل أحياناً إلى حوالي 500 متر دون مبالغة و محطات البترول يعمل معظمها بحراسة أميركية شديدة حيث تتواجد آلية عسكرية أميركية واحدة على الأقل على مداخل معظم المحطات كأن تكون دبابة أبرامز أو ناقلة أشخاص برادلي و تحاط المحطة بالأسلاك الشائكة و ينظم الجنود عملية الدخول للمحطة بصفوف سيارات دون تسيب.

    و من طرائف الأحداث التي سمعتها و شاهدها شهود عيان و قد حصلت لمرتين في بغداد على الأقل إحداهما في البياع حيث تجاوز أحد المواطنين صفي إنتظار للتزود بالوقود محاولاً التسلل لإختصار الوقت فشاهده أحد الجنود الأميركان و أبلغه أن يعود لآخر الصف من جديد و دون نقاش و لكنه بدأ بالجدال و الإحتجاج على النظام فما كان من الجندي إلا أن إتجه إلى إحدى الدبابات القائمة بالحراسة و أمرها بالحركة و وسط دهشة الجميع من حضور الحدث قامت الدبابة بسحق السيارة البيجو الحديثة إلى أشلاء بعد خروج سائقها منها و هو غير مصدق لما جرى لسيارته.

    حدث أيضاً في منطقة الميدان أن طلب أحد شرطة المرور الجدد و هم يقومون بواجبهم بشكل جيد هذه الأيام نسبة لعددهم القليل أن طلب من أحد سائقي المركبات أن يريه سنوية السيارة (سند الملكية) و إجازة السوق و لإن سائق السيارة أرعن و لعدم وجود أي رادع بالنسبة له أو حكومة فقد أخرج حذائه لشرطي المرور قائلاً له : هذه هي الأوراق المطلوبة. إتجه الشرطي للمدرعة الأميركية المتوقفة في مكان قريب و جاء و معه جندي أميركي أسود عملاق الحجم قال الشهود أنه أخرج السائق من نافذة السيارة دون فتح الباب و أمره أن يضع فردة الحذاء في فمه عقاباً له على إهانة شرطي المرور و أجلسه بعد تقييد يديه في الشارع لمدة ساعتين ليتفرج عليه الناس و سمعت هذه الحادثة من أكثر من مصدر.

    وضع المرور سئ جداً هذه الأيام بغياب الرقابة على التقاطعات حيث يستغرق تجاوز بعضها النصف ساعة و أكثر في حال غياب شرطة المرور الذين يختفون من الوجود بعد الساعة السادسة بقليل بسبب العامل الأمني و تبقى الفوضى سيدة الموقف حيث يحاول كل سائق أن يحصل على أسبقية السير في التقاطع. رأيت بعيني كيف كان المتطوعون يحاولون تنظيم السير في تقاطع مزاد الزهور و كيف قام أحد السواق العابثين بكسر الدور و خرق التقاطع صارخاً بوجه الشباب المتطوعين : منو عيّنكم تنظمون المرور.. يلله إمشو من هنا. مع الأسف أن شعبنا يعشق التسيب و عدوه الأول هو النظام و الترتيب و هذا ما علمه إياه النظام السابق. من الطبيعي جداً مشاهدة سيارات تسير على طرق عامة و فرعية في الإتجاه المعا "censored word" دون رقيب أو حسيب و لذا فقد تحولت بقدرة قادر جسور الشهداء و الأحرار في وسط بغداد من جسور ذات ممر واحد إلى جسور ذات ممرين و أصبحت الأرصفة تتسع للسيارات و المارة و بكل سهولة و يسر. الإزدحام المروري خانق و شديد بسبب زيادة عدد السيارات داخل البلد و عدم إجراء أي توسعة في الطرق لأكثر من عشرين سنة مضت. الجسر المعلق متوقف عن العمل و مغلق أمام حركة السير بسبب إصابته إصابة متوسطة أثناء العمليات العسكرية في الأيام الأخيرة. زاد موقف الإزدحام سوءاً بسبب إغلاق القوات الأميركية لمجموعة من الطرق و الأنفاق لأغراض أمنية خاصة المناطق المحيطة بالقصر الجمهوري كونه يستخدم كمقر قيادة مركزية للعراق في الوقت الحالي.

    إحتل الأميركان أجمل مباني بغداد غير المتضررة ليجعلوا منها مقرات قيادة و إقامة لهم و تضمن ذلك القصر الجمهوري و قصر السجدة و قصور السلام و الثرثار و الأعظمية و الرمادي و تكريت و الرضوانية و غيرها كثير إضافة إلى مباني أخرى مثل فندق الرشيد و قصر المؤتمرات و سوق العدل المركزي الذي إستخدمه الجنود كفندق للنوم بعد تسريح موظفيه ببضائعهم للشارع. متنزه الزوراء و الذي كان تحت التطوير أصبح معسكراً ضخماً لقوات التحالف بسبب سعته و مركزيته. ساحة الإحتفالات و الجندي المجهول و نصب الشهيد تحولت أيضاً لأماكن محتلة لإقامة القوات. هذا إضافة إلى مباني صغيرة أخرى لا تعد و لا تحصى في أماكن كثيرة من مختلف أنواع المدن.

    وضع النظافة ، حدّث و لا حرج، فالأزبال تزين شوارع بغداد المهمة كما تزين الورود الحدائق في الدول المتقدمة و من السهولة أن تجد أكياس النفايات ملقاة في الجزرات الوسطية لأن سيارات النفايات لا تأتي سوى مرة في الإسبوع في المناطق المهمة و أقل من ذلك في المناطق الأخرى. الأكياس الفارغة الطائرة تشكل لوحات فنية ملونة على أشجار العراق في الأراضي المنبسطة. انقاض الأبنية لم ترفع من أماكنها لحد الآن لتزيد من مظاهر البؤس المحلق على أجواء العراق. الغبار يكسو كل شئ بسبب تعدد عواصفه قبل و أثناء و بعد الحرب و يضيف مسحة القدم و التاريخ و الحزن على كل مباني العراق.

    الآليات العراقية المدمرة تكسو مداخل المدن و قد بدأت عملية جمعها في موقع قريب من مدخل بغداد الجنوبي بين بغداد و المحمودية بساحة كبيرة تضم إلوف الآليات المدمرة و المنهوبة و يعلم الله ماذا تحمل من إشعاع و بلاوي سوداء في داخلها و المهم أن المناقصة أحيلت بطريقة ما إلى شركات محلية تساعدها آليات أميركية كالرافعات و ناقلات الشاحنات (لو لودر). يلاحظ في الآليات المدمرة عنف الخراب الذي أصابها بحيث أن معظم أبراج دباباتنا أضحت مستقرة على بعد عدة أمتار من جسم الدبابة نفسه دلالة على إستخدام اليورانيوم المنضب شديد الكثافة في تدميرها. يلاحظ أيضاً أن الصدأ يعلو أجسام المركبات المدمرة بسبب عنف الضربة.

    السيارات المستوردة تغزو العراق حالياً بمعدل دخول 700 إلى 1000 سيارة من خلال منفذين وحيدين، الأول هو الأردن عن طريق المنطقة الحرة الأردنية أو الإستيراد من أوربا عن طريق العقبة و المنفذ الثاني هو ميناء أم الفلوس و ميناء أم قصر في البصرة و الذي بدأ يستقبل السفن القادمة من موانئ الأمارات و خصوصاً جبل علي و راشد. تنوعت مناشئ السيارات و غلب عليها الطرازات الأوربية و الألمانية و الكورية عموماً و هي سيارات مستعملة و كثير منها لا تشجع على الإستخدام داخل العراق لأن مواصفاتها غير متناسبة مع ظروفنا الجوية من ناحية التكييف و حرارة الجو و الألوان و غيرها من متعلقات متانة. السيارات تدخل العراق دون أي ترسيم جمركي و دون أي تسجيل على الحدود و هي تسير في شوارع العراق دون أرقام أبداً. يقوم المشترون بزيارة المنطقة الحرة في الأردن أو طلب السيارات من الإمارات و هذا ما تسبب برفع أسعار السيارات بنسب متفاوتة وصلت إلى ارقام عالية خاصة السيارات الكورية و زيادة اسعار الشحن و التوصيل إلى العراق أو الحدود الأردنية حيث يقوم سواق عراقيون بإيصال السيارات من الأردن للعراق مقابل مبلغ مقطوع قدره 100 دولار للسيارة الواحدة.

    الوضع السياسي و الصحي: لا توجد أي حكومة حالياً في العراق و تسير أمور البلاد بالصلوات و بالعناية الإلهية و لا تبدو في الأفق أي ملامح لحكومة و لا لشكلها المقترح و كل ما يتم تداوله في الصحف و على لسان الناس هي أضغاث أحلام. المستشفيات هي من أقل منشآت الدولة التي تعرضت للنهب و هي حالياً تلبي متطلبات الناس الأساسية و لدى المواطنين في بغداد ثقة كبيرة بالمستشفى الإماراتي (الأولمبي سابقاً) و بالمستشفى السعودي الميداني في مدخل بغداد الجنوبي. تقوم الحكومة الإماراتية حالياً بإعادة تأهيل مستشفيات مختارة في بغداد و المحافظات لتوفير الحد الأدنى من مقومات العمل الصحي. هناك دور ملحوظ و إن كان بسيطاً للمنظمات الدولية في المجال الصحي. تقوم شاحنات سعودية بتوزيع علب أغذية على المدارس في أوقات الدوام الرسمي تضم أنواعاً مختلفة من الأغذية و كدعاية مجانية للمملكة في العراق.

    الجندي الأميركي: أثبت انه صنديد و بطل في هذه الظروف الصعبة ، فبرغم الحرارة القاتلة و الجو اللاهب و الشمس المحرقة تراه يرتدي القيافة العسكرية الكاملة ببدلة ذات أكمام طويلة و فوق ذلك يضع درع واقي من الرصاص و كمية أسلحة مختلفة و خوذة كبيرة و بسطالاً تاريخياً و يقف بكل شموخ فوق سطح بناية أو على الشارع في دورية تفتيش أو مراقبة. أصبح الجنود في كل الأماكن فرجة للناس و خصوصاً الأطفال الذين يتجمهرون حولهم في حلقات متكلمين معهم فيتبادلون الكلمات فتعلم الأميركان بسرعة كلمات مثل (إمشي) و (روح) و (إشطح) و (مشكلة) و (السلام عليكم) و بسبب الإختلاط بالناس أصبحوا من عشاق الآيس كريم العراقي و الكباب المشوي و قد شاهدت نفراً منهم دخل معنا للغداء في مطعم ركن العزائم لأنهم يأسوا من الوجبات التقليدية التي يسلمها لهم الجيش و كثير منهم يقوم ببيعها للعراقيين 700 أو 800 دينار ليستبدلها بسندويتش كباب عراقي أصيل أو فلافل.

    في ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) وقف مجموعة من الجنود الأميركيين يتفرجون على الناس في منطقة الغزالية ببغداد لمدة 5 ساعات و هم يقومون بإعداد أكلة (التمن و القيمة) بهذه المناسبة و بعد أن تم إعداد الطعام من الألف إلى الياء، تناول الجنود الغداء مع الأهالي و أعجبوا أيّما إعجاب بطعمها التاريخي و سألوا أهل الدار عن مناسبة الحدث فقال لهم الناس أنها تتعلق بالإمام الحسين و ذكراه فهتف الأميركان بحياة الإمام الحسين.

    يتسوق الجنود الأميركان أشياء كثيرة من السوق المحلية بدءاً من مأكولاتهم اليومية و صعوداً إلى الأجهزة الكهربائية التي يقومون بتصديرها إلى بلادهم لرخص ثمنها في العراق لإنعدام الضرائب و الجمارك حالياً و لأن لديهم فرصة من الحكومة الأميركية بإدخال بضائع إلى الولايات المتحدة دون كمارك أو رسوم تذكر كمكافأة لهم على دورهم في الحرب. يلاحظ على الجنود كون معظمهم بسن الشباب و أكثرهم ذوي أصول لاتينية أو سوداء مع وجود عدد كبير من المجندات بينهم. يتقاضى الجنود و الضباط رواتب تتراوح بين 5000 – 20000 دولار شهرياً حسب رتبهم و صنوفهم. يلاحظ تواجد كبير لسيارات الشرطة العسكرية الأميركية في شوارع بغداد و هي تقوم بدوريات منتظمة. منع التجوال يبدأ ليلاً في الحادية عشر مساءاً و يستمر حتى الرابعة و النصف فجراً. معظم المحلات تقفل أبوابها عند آذان المغرب و قليل منها يجازف بالبقاء للعاشرة مساءاً كبعض المطاعم الشهيرة و يمتنع أكثر الناس عن إستخدام السيارات بعد حلول الظلام بسبب الخوف من السرقة و لو أن السرقة منتشرة في كل مكان و في كل وقت.

    تـُسمع في الليل و في النهار أحياناً أصوات إنفجارات كثيرة (صغيرة و كبيرة) إضافة لإطلاق نار من أماكن مختلفة يكون بعضها عمليات ضد الأميركان و يكون الآخر نتيجة العبث بالأعتدة و الذخائر و قسم منها يسببه تدمير الذخائر موقعياً من قبل قوات أميركية. تنتج عن هذه العمليات كوارث عديدة بالناس و بالممتلكات. طائرات الهيليكوبتر الأميركية تطير بإستمرار في دوريات من طائرتين محملة بالأسلحة و على إرتفاع منخفض نسبياً و لأكثر من مرة في اليوم صباحاً و مساءاً و قد إستطعت تمييز أنواع الآباتشي و البلاك هوك بوضوح من ضمن أنواع الطائرات.

    السرقات: تنتشر بشدة عمليات سرقة السيارات سواءاً المتوقف منها أو السائر في الشوارع و يبدو من القصص التي سمعتها أن أفضل وقت للسرقة هو فترة الظهيرة ما بين الثانية و الرابعة عصراً. حدثت سرقة لسيارة عم صديقي في الساعة الرابعة عصراً و في وسط بغداد في حي المنصور. تتم السرقات أيضاً بشكل كبير في منطقة جسر الجادرية ببغداد في أماكن أخرى كثيرة و أما عمليات التسليب على الطرق الخارجية فهي من العمليات اليومية و تقوم بها عصابات منظمة تمتلك سيارات حديثة تستطيع مطاردة الضحية بسرعة كبيرة حتى النهاية. سرقات المنازل لم تزد معدلاتها بسبب تضامن سكان المناطق لحمايتها فيما بينهم. سرقات المال العام مستمرة بشكل دائمي رغم أنه لم يبق ما يستحق السرقة في معظم المواقع الحكومية. الأميركان مشهورون جداً بعمليات السرقة أثناء تفتيش البيوت حيث أنهم يمنعون أصحابها من مرافقتهم في غرف البيت أثناء العملية و بذلك تختفي أشياء من البيت كأن تكون أموالاً أو مجوهرات أو مقتنيات ثمينة. حصلت هذه الحادثة عشرات المرات في بغداد و أعيدت المسروقات أحياناً مع تكتم شديد من القيادة الأميركية و في أحيان كثيرة أختفى السارق بحمله الثمين دون رجعة. تمت إعادة إحياء كلمة (علي بابا) من قبل العراقيين و الأميركان متهمين بعضهم البعض بالسرقة و أضحت من الكلمات الشهيرة في قاموس العراقيين و الأميريكيين على حدٍ سواء.

    مصير صدام حسين: لا يصدق معظم العراقيين روايات تواجد صدام حسين و عائلته داخل العراق و يكاد الجميع أن يجزموا أن صدام حسين كان جزءاً من مؤامرة الأيام الأخيرة و أنه سلم بغداد و العراق دون إستمرار الحرب مقابل تامين ملاذ آمن له و لعائلته و يرى كثير من الناس في عودة السفير الروسي للعراق بعد ضرب موكبه الرسمي و تواجد كوندوليزا رايس في موسكو في نفس الوقت أبلغ إشارة إلى ذلك. إنتشرت في أسواق العراق المحلية كتب سياسية و دينية متعددة كانت غير قابلة للتداول في العهد البائد، من هذه الكتب سير ذاتية لأشباه الرئيس صدام و إبنه عدي و كتب دينية شيعية و سنية و كتب معارضين عراقيين كانوا في المنفى و أغلب هذه الكتب أعيد طبعها في العراق على عجل و دون ترخيص من أصحابها و تباع على الأرصفة و في معظم الميادين. تنتشر بوفرة أيضاً عند باعة الأرصفة صور بورتريه كان تملكها يعتبر تهمة لا تغتفر مثل صور الزعيم عبد الكريم قاسم و صور المراجع الدينية كالخميني و الصدر و الحكيم و حسن نصر الله و غيرهم كثير من قادة الأمة الإسلامية و زعمائها. الحرية الثقافية إنتشرت بشكل رهيب و تجاوزت حدودها في أحايين كثيرة حيث إنتشرت مبيعات الأقراص المضغوطة التي تحمل أفلاماً إباحية مستوردة و محلية و يغلب على عناوينها طابع المبالغة فمنهم من يبيع فلم ل (عدي و شروق مذيعة تلفزيون الشباب) و آخر ينادي على فلم ل (صدام و منال يونس) و ثالث ينادي بأفلام أخرى بعناوين و مسميات مختلفة.

    حرية ممارسة الطقوس و الشعائر الدينية متاحة للجميع و لا يوجد و الحمد لله أي إضطهاد من قبل طائفة لطائفة أخرى و الجميع يعيشون كما عهدناهم في تسامح و مودة. القنوات الفضائية (بخيرها و شرّها) وسعّت مدارك الناس لآفاق جديدة و أضحت نافذة جديدة لهم على العالم يطلعون من خلالها و بشكل مجاني على معلومات كثيرة – مفيدة و غير مفيدة – في شتى مجالات الحياة. المساجد و دور العبادة لعبت دوراً جيداً في كثير من الأحيان للسيطرة على الأمور الأمنية و الأجتماعية و خطب الجمعة أصبحت حرة و غير مقيدة بأي قيود.

    هناك شبكة إعلام عراقي تبث برامجها داخل بغداد بساعات بث تلفزيوني و إذاعي و يشرف عليها معارضون عراقيون سابقون و إعلاميون محايدون برعاية قوات التحالف التي تراقب نوعية البرامج. تبث هذه الشبكات الإعلامية بيانات قوات التحالف و تعليماتها للناس باللغة العربية و برامج أخرى إجتماعية و مسلسلات و أغان. أغلب الناس منشغلون عن هذه البرامج بمتابعة القنوات الفضائية العربية و العالمية لأن ساعات بثها أطول بكثير و برامجها يغلب عليها التنوع. تقوم قوات التحالف بتعيين مساعدين لها كمترجمين و موظفي خدمات أخرى و أكثر هذه التعيينات تتم عن طريق شركات طرف ثالث لا يعلمه إلا الله. شاهد كثير من الناس في الجزء الخلفي من بعض سيارات التحالف (الهامر و الهمفي) ماكيتات كبيرة لأجزاء من مدينة بغداد و لا يعلم أحد الغرض منها، هل هي مستخدمة للدلالة على طرق السير كخارطة مجسمة ؟ أم هي مشاريع مستقبلية يراد إنجازها في هذه الأماكن ؟ الله أعلم.

    ضحايا الحرب من المدنيين و العسكريين كان كبيراً جداً و يقال أن قوات التحالف ما تزال تحتفظ بحوالي 2000 جثة من ضحايا معركة المطار و كثير منهم من المقاتلين العرب. شاهدت بنفسي براداً كبيراً من برادات وزارة التجارة المتحركة يقف بجانب مستشفى الكرخ الجراحي و مكتوب عليه (براد الموتى). عدد كبير من المدنيين إستشهد في المعركة لأن قوات الغزو كانت تطلق النار على أي شخص يتحرك أثناء دخولها بغداد و يقال أن الجثث التي عثر عليها في محيط مطار بغداد قد إنفصل فيها الجلد و اللحم عن العظم و أجمعت جميع الآراء على أن الولايات المتحدة قد إستخدمت سلاحاً جديداً لأول مرة في هذه المعركة تسبب في هذه النتيجة المروعة. تم دفن العديد من جثث الفدائيين العرب من قبل مواطني المناطق التي إستشهدوا فيها و قسم آخر دفنته القوات الأميركية في قبور جماعية. كانت لي شخصياً تجربة مع فقدان أناس أعزاء بوفاة والد صديقي بإطلاق نار مجهول في منطقة جامع براثا و وفاة جار لي و زوجته مخلفين وراءهم 3 أيتام عند تواجدهم في منطقة السيدية حيث تصادف وجودهم في مدخل بغداد لحظة دخول القوات الأميركية مما أدى لوقوع حوالي 18 مركبة بين النيران المتقاطعة للعراقيين و الأميركان و قاد ذلك لأحتراق معظم المركبات و إستشهاد ركابها حرقاً بصورة مفجعة.

    تقام حالياً في بغداد و المحافظات مجالس عزاء و فواتح على أرواح ضحايا النظام السابق لثبوت وفاة معظم المفقودين و المسجونين السابقين. و لأكتشاف مقابرهم الجماعية حديثاً تم إجراء المراسم اللازمة لتشييعهم و إعادة دفنهم. تم العثور على آلاف الأضابير الشخصية للضحايا من المعدومين و تظهر في كل إضبارة متهم الأسماء الصريحة للمبلغ عن الضحية و القائم بالتعذيب و طريقة التعذيب و نوع الإعدام و إسم الجلاد. هذا مما أدى إلى تصفية العديد من القائمين على هذه العمليات لثبوت إدانتهم بواسطة هذه الأضابير. تم العثور على هذه الملفات و ملفات أخرى ثمينة في مقار الأمن داخل الأحياء السكنية و في أماكن أخرى كثيرة.

    يتم إحتجاز المسؤولين العراقيين المعتقلين في المطار الدولي و قد تم إطلاق سراح بعض منهم مثل وزير الثقافة و الأعلام و وزير التعليم العالي و الذين قالوا أن الوضع جيد بالنسبة للمعتقلين و أن الأمور ليست سيئة هناك. مطار بغداد صالح للعمل و كان من المفروض إفتتاحه أمام الرحلات التجارية منذ وقت ليس بالقصير و لكن تكررت عدة مرات حوادث إطلاق نار في محيط المطار على طائرات مستعدة للهبوط و التحليق مما حدى بالقوات الأميركية لتوسيع مدى الحزام الأمني حول المطار. يلاحظ أيضاً أن الطائرات أصبحت تقوم بدورات متعددة في أجواء المطار للأرتفاع أو الهبوط قبل أن تأخذ مسارها الخطي الثابت كون منطقة المطار آمنة نسبياً. مطار البصرة سليم بشكل كامل و ذكر شهود عيان أنه جاهز للأستخدام حالاً و أنه فعلاً مستخدم للرحلات الإنسانية فقط دون التجارية في الوقت الحالي.

    الكهرباء: مأساة درامية و كوميديا إجتماعية مستمرة منذ 13 سنة في العراق. لا أحد يستطيع معرفة سبب إنقطاعها و وقت إنقطاعها و مدى المأساة و خاصة في أيام الصيف حيث الحر اللاهب. ساء وضع الكهرباء بعد غزو العراق بشكل كبير جداً بعد أن نسي الناس تقريباً هذه المشكلة في السنتين الأخيرتين. أصبح الكهرباء هذه الأيام و خاصة في بغداد لا يرى بالعين المجردة و أصبح معظم أجهزة التبريد ديكورات منزلية (لا تحل و لا تربط). هذا تسبب في لجوء الناس إلى النوم في السطوح لمن توفر له سطح يؤويه و لمن أمن على نفسه من سطو اللصوص الليلي و إطلاقات النار الليلية المفاجئة. أسعار المولدات إلتهبت بشكل رهيب إضافة إلى أن أحسن مولدة لا تستطيع العمل أكثر من 4 ساعات مستمرة في هذا الحر القاتل و هي في أحسن الأحوال لا تستطيع تشغيل أكثر من مبردة هواء و أجهزة أساسية أخرى و أما تشغيل أجهزة التكييف فهي تحتاج إلى طاقة كبيرة توفرها مولدات كبيرة لا يقل سعر الواحدة منها عن 2500 دولار. قوات التحالف تدعي أنها ليست السبب في شحة الكهرباء و تلقي باللائمة على المخربين و أعوان صدام و سراق الكابلات و المحولات و الناس حائرة بين الأثنين.

    محطة كهرباء الدورة على سبيل المثال تعمل بنصف طاقتها التصميمية و هناك عدة محطات أخرى مساندة إنتهى عمرها التصميمي منذ سنوات عدة.

    شهد العراق عودة كبيرة للاجئين العراقيين و خاصة ممن كانوا في إيران و سوريا رغم أن الحدود مغلقة بشكل رسمي. يزور العراق أيضاً عدد كبير من الزوار الإيرانيين للمراقد الدينية و يتم ذلك بالتسلل عبر الحدود الشمالية من خلال منطقة بنجوين برحلة طويلة على ظهور البغال ، يتم بعد ذلك عبورهم للحدود العراقية من منطقة الحكم الذاتي و بالإتفاق مع الأكراد. كثير من العراقيين المسفرين من قبل النظام السابق عادوا للعراق لزيارة اقاربهم و إسترجاع أملاكهم و بيوتهم من مغتصبيها بالقوة و نجحوا في ذلك فعلاً. أما بالنسبة للمقيمين في أوربا فلم يخاطروا بالمجئ لأن العراق فكثير منهم يدرك أن دخوله للعراق قد يتسبب من حرمانه في حقه كلاجئ سياسي و طرده من بلد إقامته. زوار العراق كثيرون حتى أنني رأيت بعيني أشكالاً غريبة على الحدود حتى من جنوب شرق آسيا.

    الطامة الكبرى هي عودة اليهود للظهور في شوارع بغداد و إقبالهم على شراء الممتلكات لحسابهم و معظم تلك العمليات تتم عن طريق وسيط أو طرف ثالث غير مشكوك بأمره كأن يكون عراقي مقيم في الخارج أو شركة إستثمار أو سمسار عقارات. المبالغ التي تعرض للشراء رهيبة و عالية تغري أياً كان بالبيع و هذا أدى لأرتفاع قيمة العقارات بنسبة 25 إلى 30 بالمئة عن أسعارها قبل الغزو بالرغم من تحسن قيمة الدينار العراقي. سمعت من مصادر متعددة أن اليهود يركزون على شراء العقارات في أماكن مختارة و راقية من بغداد و يركزون على أماكن دينية لهم مثل منطقة الكفل و العزير و التي تضم قبور أنبياءهم (ذي الكفل) و (عزرا) و حزقيال و غيرهم. فندق إيكال في بغداد و فندق سكمن و فنادق أخرى في بغداد تم حجزها بالكامل لفئات زائرة من هذا النوع و غيره من أشكال لم نرها في العراق سابقاً. شاهدت بنفسي أكثر من 15 سيارة رباعية الدفع جديدة دون ارقام تقف أمام فندق إيكال بشارع السعدون حيث يحرس مدخل الفندق حراس شخصيون بألبسة مدنية. خطباء الجوامع و وجهاء المجتمع يحذرون كثيراً من هذه الظواهر و يحثون الناس على عدم البيع لممن يرتابون فيه و لكن تعدد الوسطاء يخفي أي أثر للمشتري الرئيسي في هذه الظروف المنفلتة من كل النواحي. تلوح في الأفق بداية جديدة لفلسطين جديدة على أرض العراق.

    دور الأكراد للأسف الشديد يزداد عمالة و إساءة للعراقيين العرب . حصلت حوادث كثيرة في كركوك بين عرب و أكراد على ممتلكات متنازع عليها. إيرانيون كثر يدخلون عن طريق المنطقة الشمالية دون رقابة و قد يكون العديد منهم موفدون للقيام بأعمال تخريبية ضد منشآت عراقية مدنية و ضد القوات الأميركية بشكل مباشر مما يؤدي إلى خلق ساحة حرب بين القوى المتصارعة على أرض العراق. دور الأكراد التجاري و الإنشائي كبير جداً هذه الأيام و يلاحظ أن لهم حظوة كبيرة لدى قوات التحالف كمكافأة على دورهم في الحرب. البنية التحتية في شمال العراق غير متضررة لعدم قصفها أو نهبها كما جرى في الجنوب و الوسط حتى أن كهرباء المنطقة الشمالية أفضل بكثير من حاله في بقية أرجاء العراق لأعتماده بشكل أساسي على الطاقة الكهرومائية من خلال سدي دوكان و دربندخان.

    لا توجد أي آمال في الأفق حول تعويضات لخسائر الحرب بالنسبة للمدنيين كمنشآت و مساكن و شهداء و ممتلكات و مركبات. هناك كره شعبي كبير لدول الجوار و ذلك لدورها المباشر في العملية و يتركز ذلك ضد الكويتيين خاصة و الذين يستغلون الأزمة لإمتصاص أموال هائلة من القوات الأميركية عن طريق تشغيل شاحناتهم و باصاتهم و شركاتهم و آلياتهم. هذه الموارد اصبحت هدفاً للمواطنين العراقيين بمجرد معرفتهم بعائديتها للكويتيين.

    الخلاصة:

    العراق بلد بدون قيادة، تسوده الفوضى حالياً من جميع النواحي، تنعدم فيه الخدمات الأساسية بشكل كبير، مشبع بالتلوث البيئي من جميع النواحي، تبدو في أفقه بوادر نزاعات داخلية إن لم أقل (حرب أهلية)، فيه فرص رهيبة للأستثمار و جني الأرباح لمن عرف طريق ذلك، الشعب مع الأسف الشديد سقط قبل سقوط بغداد، نسبة أهل الشر كما يبدو تسود على نسبة أهل الخير. معظم الشوارع في الليل و النهار يسود عليها الخوف و الرعب من المجهول و فقدان الأمان، الوضع الصحي يسير على عكازات المساعدات و المنح. الوضع الإقتصادي غريب و غير مريح و غامض و لا أحد يعرف ماذا سيكون شكل الأقتصاد و العملة و هل سيستمر الدعم على المواد الغذائية و الأدوية و الخدمات كالماء و الكهرباء و الإتصالات. الوضع السياسي كوميدي فعلاً و يدعو للرثاء و الضحك.

    خاتمة المقال:

    أدركت منذ اللحظة الأولى لدخولي بغداد أنها ليست تلك المدينة التي تركتها منذ 4 سنوات و نصف. هذه مدينة مسخ يحكمها اللصوص و القتلة و مروجي الخمور و المخدرات. أدركت أن الخراب الذي حل في نفوس العراقيين لن تصلحه معاول البناء و شركات الإعمار و اموال النفط و كل الثروات. أدركت أن الحياة في العراق أضحت مستحيلة لمن ذاق طعم الحياة في خارجه و لو لفترة بسيطة. أدركت منذ الأيام الأولى أنني غريب عن هذا البلد كغربتي في خارجه و أنني لم اعد أنتمي لما أراه حولي من متغيرات. أدركت الان أن كل من لم تسنح له الفرصة لمغادرة العراق سابقاً لسبب أو لآخر سيكون أول الساعين للفرار و أول المغادرين بأي ثمن و أن موجة نزوح كبيرة ثانية ستبدأ من العراق بإتجاه الخارج حالما تفتح أبواب العراق. أدركت أيضاً أن المؤامرة على العراق و أهله كبيرة و مستمرة و أن الحلم الإسرائيلي (من النيل إلى الفرات ارضك يا بلادي) بدأ يتحقق و سيكتمل برحيل أهل العراق عنه إلى المهجر و إستبدالهم باليهود و أشباههم كما حصل في فلسطين.

    يُخطئ من يعتقد أن بإمكانه العودة للعيش في العراق حالياً و يخطئ من يعتقد أن حال العراقيين أفضل هذه الأيام مما سبق. الأمور بشكل عام تزداد سوءاً و عدد الخيرين يتناقص مع الأسف على حساب الأشرار و العراقيون بدأوا بإدراك الحقيقة المرة التي غابت عنهم في البداية و هي أنهم (تحت الإحتلال). لا أستغرب ما حصل و يحصل، فهذه من علامات الساعة التي لا يمكن تغييرها و لا يمتلك الإنسان حيال ذلك إلا أن يصون نفسه و بيته و عائلته دينياً و أخلاقياً و يحاول أن يصلح ما يمكن إصلاحه و ينقذ ما يمكن إنقذه قبل أن تقوم علينا القيامة و لا حول و لا قوة إلا بالله.

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

    المخلص/ بسام المنجم
    دبي في 5/7/2003

  2. #2
    الصورة الرمزية دجلة الخير
    دجلة الخير غير متواجد حالياً مشرفة واحة التجارة والاقتصاد
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    المشاركات
    2,033

    افتراضي

    السيد العقيلي المحترم
    ابدا ليست طويلة المقالة واتصور لم يتبق شيء لم يذكره صاحبك ابو المقال
    حرام عليكما معا .ظلمتوها علينا ,لا وكله بصوب والاشعاع الذي يسبب السرطان
    بصوب. يعني اليهود يشترون عقارات ما فكروا بالسرطان ؟
    يعني بعد كم سنة ينقرض كل العراقيين حسب صاحبك .بس مع ذلك راح نرجع
    ونعيش ببلدننا على عناد امريكا.

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني