«الملفات المدرسية من بُعْد» ... الانترنت واسطة العقد التربوي بين الآباء والأبناء
علي حويلي الحياة - 17/12/06//


نموذج من تجربة المدارس الصينية في استعمال مواقع الانترنت
منذ نهايات القرن العشرين، حرص خبراء التربية والتعليم في البلدان الأوروبية والأميركية على متابعة مجرى التحوّلات العميقة التي أحدثتها ثورة المعلومات والاتصالات في مختلف جوانب العملية التربوية المعاصرة. ويؤكد هؤلاء أن التكنولوجيا تسير بسرعة مذهلة إلى إحداث انقلاب تربوي شامل وتغيير جذري في شكل الأنظمة التعليمية السائدة وجوهرها.

ومن الأمثلة البارزة على تلك المتغيّرات، يأتي «التعليم الجامعي من بُعْد» الذي هزّ الصورة التقليدية المكينة للجامعات النظامية، ما أفقدها الكثير من هيبتها ووهجها ومكانتها الأكاديمية. ولم تعد تلك الجامعات مقصداً وحيداً لطلاب المراحل المتقدمة من العلم والمعرفة؛ كما لم يعد طلب العلم يستدعي السفر بعيداً من الأهل والأوطان كما درجت العادة الراسخة لأوقات طويلة. وتتابع ثورة الانترنت تقديم نماذج بديلة في التربية والتعليم، بما في ذلك تلك النماذج التي كانت ايضاً لفترة خلت، أقرب إلى الأوهام منها إلى الحقيقة في الخيال الإنساني.

الملفات المدرسية نموذجاً

يعتمد عدد كبير من المدارس الغربية في المرحلتين المتوسطة والابتدائية على ما يسمى «المكننة الالكترونية» في سياق العملية التربوية المعاصرة. وتشمل تلك العملية إعداد الملفات المدرسية الخاصة بالطلاب ونشرها على الانترنت، وحفظها في سجلات رقمية تدون فيها المعلومات التي تتعلق بمستوياتهم الأكاديمية ودرجاتهم العلمية وسلوكهم وغيابهم وفروضهم المدرسية وجداول موادهم اليومية ونشاطاتهم اللامنهجية وغيرها من الملاحظات التي تضاف إلى أرشيف المدرسة الرقمي.

ويُبلغ الأهل بكل هذه المعلومات التي تعطيهم فكرة عن حياة أبنائهم الدراسية، عبر موقع المدرسة الإلكتروني. ويخدم هذا الإجراء، كما يؤكد بعض الخبراء، غايات عدّة. إذ يحفظ سجلات الطلاب في أرشيف المدرسة الإلكتروني، ويُغني عن البطاقات الورقية التقليدية التي يمكن أن تتعرض إلى الضياع أو التشويه أو التلف أو التلاعب، ويؤمن الرجوع اليها بسهولة متناهية عند الحاجة، ويوفر على الأهل مشقة الانتقال إلى المدرسة في كل مرة يودون الاطمئنان على أبنائهم. وكذلك يُقدّم بديلاً من المقابلات الدورية التي تنعقد بين أولياء التلاميذ والأساتذة في نهاية كل فصل دراسي والتي تتسم أحياناً بمواجهات كلامية حادة.

بين القبول والرفض

يشار إلى ان هذه التكنولوجيا التربوية الجديدة لا تزال مثار اخذ ورد وقبول ورفض من جانب الأهل والهيئات التعليمية معاً. فعلى رغم تزايد عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة التي تأخذ بهذا الأسلوب، الذي يلقى ترحيباً متعاظماً لدى بعض الأوساط التربوية وأولياء الطلاب، تواجه رقمنة الملفات المدرسية باعتراضات ومحاذير متنوعة. فعلى مستوى اللقاء الشخصي بين الأساتذة والأهل، يشير جان دنيز بريبي أحد مديري المدارس في مدينة كيبيك الكندية الى «ان أولياء الأمور يشاركون بنسبة 80 في المئة»، ليضيف: «كلما كانت النتائج المدرسية متدنية للتلاميذ أو كانوا يعانون مشكلات مسلكية او علمية، تدنت تلك المشاركة، ما يعني ان حضور الأهل أو غيابهم لا يقدم ولا يؤخر، وبالتالي يمكنهم الاطلاع على نتائج أبنائهم الدراسية على موقع المدرسة على الانترنت».

وعلى عكس ذلك، يشير بعضهم إلى ان الكثير من الأهل يجهلون استعمال الإنترنت والكومبيوتر، الأمر الذي يجعل لقاءهم بالأساتذة وإدارات المدارس أمراً محتوماً. أمام هذه المعضلة يرى بعض الخبراء التربويين ان الاستعانة بالانترنت لا تغني من اللقاء المباشر بين الأهل والأساتذة.

ويقترح هؤلاء ان تنظم إدارات المدارس دورات تدريبية مجانية تمكن الأهل وأبناءهم من استخدام الانترنت على الأقل لهذا الغرض.

وثمة من يرى ايضاً ان إرغام الأهل على القبول بنشر نتائج أبنائهم المدرسية على الانترنت هو نوع من التمييز بين من يعلمون ومن لا يعلمون (أي بالإشارة الى المعرفة بالتقنية الرقمية) خصوصاً مع وجود شريحة كبيرة تعاني أُمية الانترنت، لذا فإن الطريقة المثلى هي التوفيق بين الأسلوب التقليدي والأسلوب الرقمي، بمعنى ان حرية القبول بأي منهما ينبغي ان تترك للأهل قبل اي اعتبار آخر.

ومن اللافت ان قسم المعلومات والاتصالات في منظمة «أونيسكو» يرى ان اللجوء إلى تعميم العملية التربوية برمتها على الانترنت ما زال أمراً مبكراً وينبغي ان يؤخذ في الاعتبار موقع هذا البلد او ذاك على خريطة المنظومة الرقمية.

فمن غير المنطقي مثلاً ان يكون التعليم من بعد بمراحله وأشكاله ومضامينه كافة على المستوى والإمكانات والكفاءات نفسها في الدول المتقدمة والدول المتخلفة. ويشير القسم عينه إلى ان معظم الأنظمة التعلمية في الدول الأوروبية والأميركية سينتهي من نشر الملفات المدرسية على الانترنت في حدود العام 2010.

ويبرز تفاوت مماثل ضمن البلدان النامية أيضاً، فقد قطع بعضها شوطاً كبيراً في مجال التحديث والمكننة؛ فيما بعضها الآخر ما زال تقليدياً في مناهجه وأساليبه إلى حد كبير لاعتبارات عدة بينها صعوبة الأوضاع الاقتصادية وانتشار الأمية والتخلف العلمي والتكنولوجي وضآلة انتشار الانترنت وكلفة مستلزماته الباهظة.