السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبث اليكم خطبة هذا الاسبوع لسماحة الشيخ حبيب الكاظمى ، فى مسجد الرسول الاعظم (ص) فى امارة ابوظبى ، الجمعة 25 جمادي الاول 1423 / 25-7-2003 ، وقد تناول فيه سماحته النقاط التالية :

1-ان اغلب الناس يانسون بما يؤتيهم الله تعالى من المتاع العاجل ، والحال ان من افضل انواع العطاء الالهى : هو ما تعلق بعالم المعنى ، والذى لا زوال له ولا اضمحلال !!.. ومن ذلك ما اطلق عليه القران الكريم من تعبير ( الحكمة ) والتى من آثارها : انها تجعل الانسان يميز طرق الحق عند مفترقاتها .. وهل يهلك الناس الا من خلال سلوكهم غير السبيل الذى امر الله تعالى باتباعه ؟!

2- ان مشكلة السائرين ليست غالبا فى عدم معرفة الحكم الشرعى ، لان ذلك مما يمكن كشفه ، بمراجعه الفقيه الجامع للشرائط ، وانما المشكلة فى تشخيص الامور الخارجية كـ : تقييم من يصلح معاشرتهم ، وكمعرفة الاسلوب الامثل فى التعامل مع الغير شدة او رفقا ، وكمعرفة المصلحة فى الاقدام اوالاحجام فى مختلف شؤون الحياة ، والتى هى ليست قليلة فى حياة الفرد .

3- القران الكريم جعل من مصاديق الذين اوتى الخير الكثير هو: لقمان الحكيم والذى لم يكن نبيا، بل كان حبشيا .. وهنا تكمن الحقيقة الملفته وهى : ان الوصول الى تلك الدرجات العليا ، لا تحتاج الى مقامات خاصة كـ ( النبوة و الوصاية ) و انما الأمر يحتاج الى وجود ارضية قابلة لتلقى الفيض الالهى الذى لا بخل فيه ، وانما المنع من قبل العبد المسكين ، الذى يعيش العطش القاتل وهو على الساحل .

4- عندما نراجع حياة لقمان الحكيم ، فانه يوقفنا فيها صفات ملفته ، منها جمعه بين سلوكه المعنوى المتمثل فى الرقابة والاستحضار الدائم للمعية الالهية ، وبين حركته الاصلاحية فى المجتمع ، وذلك مما يفهم من هذا النص الوارد عن الامام الصادق (ع) : ( ولم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان الا اصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتى تحابا ) .. وهذا كله بخلاف من يجعل التقرب الى الله تعالى ذريعه لاعتزال المجتمع ، وترك خدمة الناس، وكان الخلق موجودات مقابلة للخالق .. والحال انها صادرة منه لا فى قباله .

5- من النقاط الملفته فى حياة لقمان : انه عندما عرضت عليه مقام الخلافة فى الارض ، فانه فوض الامر الى الله تعالى ، معللا ذلك انه لو اراد له هذا المنصب ، فانه سيعينه على ذلك قطعا .. فان هذا المنصب مع كونه مغريا فى اعلى درجات الاغراء ، الا ان لقمان لم يطلب ذلك بشكل قاطع ، لعدم علمه بعواقب الامور ، وهذا درس بليغ لمن اراد المقامات المعنوية ، فان عليه ان لا يصر فى طلب شيئ منها ، بل عليه العمل بمقتضى واجب العبودية ، تاركا اعطاء الامتيازات بيد الحكيم الخبير .

6- ان من الملفت فى حياته ايضا : ان الله تعالى لما راى فيه القابلية لتلقى الحكمة ، فانه وهبها - على عظمتها - فى ليلة واحدة ، اذ ورد فى الخبر انه لما استحسن الرحمن منطقه ، وامسى واخذ مضجعه من الليل ، انزل الله عليه الحكمة ، فغشاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم .. وفى هذا درس بليغ ، اذ ان البعض يجاهد نفسه ، وقد لا يرى اثرا لذلك ، مما يدعوه الى الاحباط والياس ، غافلا ان الله تعالى سوف يفجر له ينابيع الحكمة لو شاء فى مدة ليست بالحسبان .. ولكن العجب ان الانسان خلق من عجل !!

7- ان التسديد الالهى المذهل ليس خاصا بعالم البشر ، فان هناك فى عالم الحيوان ما يقرب من الاعجاز فى هذا المجال .. ومن مصاديق ذلك ما نراه فى سمكة السلمون ، التى تجوب المحيطات فى رحلة العودة الى مواطنها التى قد تستغرق اربع سنوات ، متحركة فى عكس اتجاه الشلالات ، مهتدية الى موطنها ، بفعل خاصيتها الفريدة من معرفة القطب الشمالى ، اضف الى حفظها لرائحة الانهار التى قطعتها ذهابا ، لترجع الى وطنها ايابا ، متذكره تلك الروائح الخافية على الآدميين .. فما هى الدروس الكامنة فى ذلك ؟.

8- ان الدرس الذى يمكن ان ناخذه من سمكة السلمون هذه هى دروس اساسية ثلاثة : الاولى ان الامر يحتاج الى عزم راسخ ، فهذه السمكة لها من العزيمة ما تجعلها تنصرف عن الاكل ، وهى سابحة للوصول الى هدفها .. والثانية: ان العزيمة الصادقة من آثارها هو السعى الحثيث ، فليس الامر بالتمنى - كما عند البعض - فيتغنى بالكمالات العليا من دون ان يقدم فى عالم المجاهدة شيئا .. والثالثة ان التسديد من الخالق خير رفيق للمخلوق ، بل لا يمكن ان يصل العبد الى درجة من درجات التوفيق ، الا اذا اختار المولى له ذلك .. اويحسن بعد ذلك ان نعرض عمن بيده مقاليد السموات والارض ؟!

===============================
مـلاحـظـات - Notes

- للمشاهدة أو الاستماع ، اذهب إلى العنوان التالي

http://www.alseraj.net

*** درس جميل معبر من الكمبيوتر في محاسبة النفس ***

http://www.alseraj.net/32/

*** الدال على الخير كفاعله ***

===========================