اللعب عند الأطفال...عالم خاص يتسم بالبساطة
GMT 6:30:00 2007 الخميس 8 فبراير
د.مزاحم مبارك مال الله



--------------------------------------------------------------------------------


طقوس وأحكام يؤثر فيها تدخل الأبوين سلبًا
اللعب عند الأطفال...عالم خاص يتسم بالبساطة

د. مزاحم مبارك مال الله: اثبتت الدراسات العلمية والنفسية والخاصة بصحة الطفل ان اللعب يعدُ الحياة العملية له، بل هي المتنفس الأساسي لكل ما يشغل تفكيره الصغير والبسيط ، وعليه فإن اللعب بالنسبة للطفل هو مفتاح للكثير من فعالياته أيضا وبكل تأكيد فإن الطفل يعوّل الكثير على إشغال نفسه بل يلّبي فضوله اللامحدود في معرفة الأمور والأشياء من خلال ما يسمى بـ ( اللعب )، وربما نحن الأباء والأمهات أو نحن الكبارعموما لا ندرك ما يفكر به الطفل حينما يلهو بلعبته او بأي شئ يستحوذ على فضوله وتفكيره البسيط .
ان اللعب من شأنه ان يوسّع مدارك الطفل بل ويساعد عقله على التخيل والاتساع ، ويجعله يحّفز ملكاته البدائية والفطرية ، لذا وتأسيسا على ذلك فإن الطفل يحاول أن يخترق كل العوارض التي أمامه ويعمد على إكتشاف المختبئ من الأشياء ، فهو يحاول تفكيك اللعبة المتحركة أمامه، او تلك التي جاءت اليه هدية او اللعبة التي بَدت غريبة على عينيه أو مداركه البسيطة .

كلنا عانينا ونعاني كأباء وأمهات من هذه الظاهرة وهي ظاهرة تفكيك اللعب وتخريبها من قبل الأطفال ، وبكل تأكيد فكثير جدا" منّا كان كذلك ، أي مثل أولاده اليوم ، وفي جميع الأحوال هي ظاهرة صحية تتناسب مع ما ذكرناه أنفاً ، وعليه فهي همسة في أذن كل أب وأم ونقول لاتحزنوا من تخريب أطفالكم للعبهم فهو أمر طبيعي جدا" يتناسب مع التطور الطبيعي لاْدمغتهم .
ان لعب الأطفال له طقوسه وله احكامه وان تدخل الأبوين السلبي او تدخل الكبار السلبي بشكل عام يعُد خرقاً للتنظيم العقلي للطفل ، بل يعدُ إجحافاً بحقه وعسف ، ان تدخل الكبار يجب ان يتحدد في حالة واحدة فقط ألا وهي حينما يشكل اللعب خطورة على حياة الطفل ، عدا هذا فإن أي منع او تحجيم لحركات الطفل او تصوراته إنما يدخل في مجال تعكير خلوته اللذيذة مع لعبته او ألعابه ، وبالنتيجة فإننا سنجني نتائج سلبية عكس المتوقع وحينها سندخل في دوامة بكاء الطفل وإسكاته وإقناعه أو في دوامة ردود الفعل العكسية التي من شأنها ان تثير من عصبية الكبار وفي نهاية المطاف فلا الكبار نعموا بالراحة ولا الأطفال شغلوا وقتهم بأجواء هم خلقوها لأنفسهم .
ان لعب الأطفال كيان قائم لذاته ، ينشأ وينتهي مع نشأة ونهاية الرغبة الطفولية . ولكن :

ـ ماذا يلعب الأطفال ؟ !

ذكرنا ان تدخل الأباء بلهو الأطفال يعدُ خطيئة يقترفها الأباء بحق أطفالهم إلاّ في حالة ما يعرض ذلك اللعب حياة الطفل الى خطر حقيقي ، والسؤال الذي من الممكن ان نطرحه ، أي الألعاب يلعبها الطفل ؟ ماذا يقترح العلم او الطب النفسي في هذا المجال او الجانب المهم من حياة الطفل والأهل أيضا" ؟
ان الطفل له عالمه الخاص ، وله حدود تفكير تتصف ببديهيتين أساسيتين وهما : ان مخه وعقله ومشاعره طرية ، صفحات بيضاء متأهبة لتعلم أي شئ وكل شئ و يمكن إملائها بأي شئ وكيفما يٌراد ، والحقيقة الثانية ان تفكيره وأحاسيسه بريئة غير ملوثة فهو لايعرف الدجل او الكذب او الكره او الحقد أو الاشمأزاز أو التآمر أو...الخ من الصفات الذميمة .
وبناء عليه فالعلم والطب النفسي وطب المجتمع وطب الوقائي والبحوث الإجتماعية والفكرية الإنسانية كلها توصلت الى نتيجة واحدة مفادها إن الطفل ينشأ كيفما يُنشئه الكبار( وهذه الحقيقة العلمية قد أستفاد منها الطغاة)، وبكل تأكيد فإن كل هذا وذاك لايبتعد إطلاقاً عن ما آمن به الكبار أو ما نشأوا عليه أو تمرسوا عليه . وعلى العموم هل خططت لطفلك حب العلم والمعرفة والتكنولوجية ؟ لذا وفّر له اللعب بالسيارة المدنية والطائرة المدنية ووفر له الألعاب الفكرية من أدوات ميكانيكية أو أدوات هندسية وأدوات رسم وزخرفة وحاسوب ...الخ .
أما الأباء الذين تأثروا ( وللأسف الشديد/ وبعضهم عن عدم معرفة أو دراية ) بالدعاية الحربية والدموية وآمنوا بها فإنهم سيهيئون الأجواء لأطفالهم ان ينشأوا على نفس النشأة وذلك حينما يقتنون لهم لعبة الدبابة والخنجر والسيف والمسدس و...الخ فمن الممكن أن ينشأ هذا الطفل نشأة عدوانية محبة للحرب والدماء ، ولكن وبنفس الوقت يمكن للطفل ان يلعب بمثل هذه اللعب تلبية" لفضوله ، ولكن نستطيع ان نُربي روح المحبة والتسامح فيه حينما نعلّمه ونربيه على مبادئ ان هذه الأدوات الحربية انما لمحاربة قوى الظلام وقوى الشر والإستبداد ، نرّبي فيه روح ان السلم والسلام هي مبادئ إنسانية ليست طارئة بل على العكس فإن الحروب والقتل الفردي والجماعي إنما هي بدع من القوى الشريرة في العالم والتي تريد ان تستحوذ على كل شئ إنساني وتريد تحطيم كل ما هو جميل وطيب.
وخصوصا" في عراقنا الجريح فيكفينا ما عانينا من ويلات الحروب والدماء والقتل ، ففي غالبية بيوت العراقيين ُتعلّق صور شهدائنا ، نحن قد ظٌلمنا ، فلا يجوز ان نكون ظالمين فنهيئ جيلا" جديدا" من المشوهين إنسانيا" وحضاريا" .

ولأجل إكتمال الصورة في مناقشة هذا الموضوع الأساسي ، فهناك الوجه الأخر منه ، ألا وهو :ـ
الأباء يجب أن يعرفوا مواهب وتوجهات أبنائهم
فمن واجبات ومهام الطب الحديث وعلم النفس بالذات وكذلك علم الإجتماع وأيضاً طب المجتمع هو كشف الخفايا النفسية وأنعكاساتها على تطور الفرد والمجتمع ، وتوظيف كافة النتائج العلمية البحثية في خدمة الأنسان والإنسانية ، لذا فإن كل هذه الجهات العلمية المهمة توصلت الى نتائج في غاية الأهمية ، مفادها هو إن كل إنسان له موهبة ما أو إستعداد موهوب أو تهيؤ لتطوير موهبة ما . وبناء على ذلك فلا يوجد إنسان يولد ذكي وأخر يُقال عنه خطأً ـ غبي ـ ، فلا يوجد مصطلح علمي طبي إسمه ـ غبي ـ لأن الغباء صفة لاتنطبق على الإنسان وإنما على الكائنات الأقل عنه تطوراً بسبب عدم إكتمال التطور الدماغي والعضوي لتلك الكائنات . إن الإنسان متطور ويستوعب ، نعم ربما هناك إختلاف بالإستيعاب وسرعة الإستيعاب ، ولكن أن يولد الإنسان عكس هذا الوصف ، فهذا يعني إننا ندخل في موضوعة التخلف ، والتخلف درجات متفاوتة وأسبابه عديدة جداً .
إذاً ، الطفل ينمو ويكبر ضمن المحيط المتوفر ، أو ينمو ويكبر ويتأثر بظروف المحيط الذي يعيش فيه ، والدليل على ذلك إن الطفل الذي يعيش بالريف سيكبر ويترعرع بصفات وقابليات أهل الريف فهو سيتأثر بالكائنات الحية التي يراها كل يوم ، وكذلك بالزراعة وأجواء الزرع ، وعموماً سينشأ وفي مكنوناته الكم الهائل من الطباع والسجايا الريفية القروية البسيطة ، والذي يعيش بالمدينة سيتأثر كذلك بظروف المدينة ، ناهيك عن إن الطفل الذي يترعرع بين أحضان أبوين متنورين يختلف عن قرينه الذي يترعرع بين أبوين أميين ، هذا فضلاً عن الأمثلة التي من الممكن إيرادها عن نشأة الأطفال في المجتمعات والدول المتقدمة وإختلافاتها عن الأطفال الذين يعيشون في الدول المتخلفة ..الخ

ومع ذلك فهذا لايعني إن هذه الأمور التي أوردناها تكون ثابتة لاتتغير ، بالعكس ، فكثير من العلماء خرجوا من بين البيئات المتخلفة أو ذات الأمكانات المحدودة ، لأن يبقى عقل ودماغ الإنسان قابل للتطور والتأثر بالمحيط وهو بالتالي سيؤثر بالمحيط الذي نشأ منه . ولابد من الإشارة الى من مهام القوى الخيّرة في العالم أن تناضل من أجل رفع الحيف والظلم عن شعوب الفقيرة والمتخلفة إقتصادياً من أجل اللحاق بالركب الحضاري لباقي شعوب الكرة الأرضية ، وبالتالي سيؤثر التطور مباشرة في القابلية العقلية والإبداعية لدى الطفل .
وتأسيساً على ذلك فالإفتراض الصحيح والمنطقي هو إن كل أطفالنا موهوبين وعلينا أن نرعى هذه المواهب ، علينا أن ننمي فيهم الموهبة ، علينا أن نرعى تصورات أبنائنا وتخيلاتهم وأفكارهم ، فهم بالضبط كالأرض البكر تحتاج الى من يرعاها ويراعيها ويهتم بها لتدر عليه ما لم يكن بالحسبان من الخيرات .
لكل إنسان موهبة ، وهذه الموهبة تنشأ معه منذ الطفولة ولكنها تنصقل وتتطور وتتألق بالرعاية وبالعناية وبالتدريب والتهذيب ، ومواهب الإنسان تتراوح بين توجهاتها وقابلياتها وقدراتها وبالنتيجة فمن الممكن أن تتأسس في المجتمع طيف واسع ولامحدود من الإبداعات والإبتكارات ، وكذلك فمن الخطأ والخطيئة أن نوأد المواهب ، أو نجهضها أو نخنقها ، فليس من الحكمة أن يمنع الأبوان إبنهما أو إبنتهما من ممارسة هواية ما والتي ربما ُتنبأ عن ولادة موهبة تكون ذي شأن ، وأطيب مثال في ذلك مواهب العلماء الأفذاذ الذين غيّروا مسيرة العالم والشعوب .

إن كبت الموهبة ربما تعطي نتائج عكسية وبإتجاهين :ـ
الأول ـ ردود سلبية في نفسية الطفل أو الإبن أو البنت .
الثاني ـ حرمان المجتمع من كائن ربما يكون ذي شأن في خدمة الإنسانية .
ولذا ، فإن كلامي أوجهه الى الناس الطيبين الأب والأم وكل القائمين على رعاية النشأ الجديد ، وكذلك الى المعلم والمعلمة ، المدرّس والمدرسّة ، بالأمور التالية :ـ
1.كل أولادنا وبناتنا أذكياء .
2.كل أولادنا وبناتنا موهوبين .
3.كل ولد وبنت له عالمه الخاص ، ينمو ويتطور ويكبر ويتحدد بالتدريج وبتقدم العمر بما في ذلك السلوك العام .
4.تحفيز وإستفزاز مكنونات الباطن من المواهب ، وذلك بتوفير كل ما شأنه أن يفعّل مَلَكات الإبن أو البنت
5.إستخدام كل الوسائل والطرائق من أجل الوصول الى عمق الهواية من أجل تطويرها نحو الموهبة وذلك بتوسيع المدارك التخيلية لدى الطفل حيث من المطلوب توفير المادة الأولية في هذا المجال كتوفير الأدوات من لعب ذات المغزى العلمي والإنساني ، مثل شطرنج ، أدوات رياضة ، أدوات ميكانيك ، أدوات رسم ، ألعاب فكرية ، أدوات تصوير ، أدوات سنما ، أدوات خياطة وتطريز وحاسوب ...الخ .
6.عدم النيل من ما ينتجه البنت أو الولد ، وإشعاره أو إشعارها بالإحباط فمن شأن ذلك أن يتسبب بردود فعل قاسية على نفسية الطفل وربما تؤدي الى حصول بعض العقد النفسية .
7.العمل على تشجيع الموهوب ودفعه الى أمام لإفساح المجال لإبداعاته أن تتألق وبالتالي خلق بذرة تنبت وتنمو لأجل الناس والخير والإنسانية .