كتب أبو أحمد مصطفى* بجريدة الشرق الاوسط هذا اليوم الثلثاء 29 / 5
البيان الذي أصدره عدد من «المواطنين» الإيرانيين السنَّة، ونشرت صحيفة «الشرق الأوسط» جزءًا منه، دليل واضح على ازدواجيَّة الخطاب الإسلامي الإيراني، ومجانبته الحقائق عن الأوضاع في العالم العربي. إيران تعاملت مع العرب الشيعة كما تتعامل إسرائيل مع اليهود أيًّا كانت جنسيَّاتهم، وظلَّ ضجيجها عن رعايتها للمسلمين سنَّة وشيعة يجد صدًى في أدمغة الدهماء. وتمادت الحكومة الإيرانية في سياستها إلى حدِّ تعيين أئمَّة شرعيِّبن وكلاء لها في عدد من البلدان العربيَّة التي لم تتمكَّن من مقاومتها.

الفضائيَّات التي تموِّلها الحكومة الإيرانيَّة للتعبير عن التوجُّهات الإيرانيَّة، ليست أكثر من أجهزة دعاية للسياسة الإيرانيَّة في المحيط العربي. واستقطبت هذه المحطَّات عددًا من الذين يستمرؤون لقب «الإسلاميِّين» و«غير الإسلاميِّين» كذلك للحديث عن المواقف الإيرانيَّة من القضايا العربيَّة ولا سيَّما القضيَّة الفلسطينيَّة. هؤلاء «الإسلاميُّون» «وغير «الإسلاميِّين» تعاملوا مع إيران وقادتها كما تعاملوا في الماضي مع الرئيس العراقي السابق صداَّم حسين. غضوا الطرف عن انتهاكها لحقوق المواطنين فيها «شيعة» و«سنَّة»، وتجنَّبوا الحديث عن احتلال إيران لأراض عربيَّة، ولم يذكروا كلمة واحدة عن تدخُّلاتها السافرة في الشأن الداخلي لدول عربيَّة خليجيَّة وغير خليجيَّة.. البحرين، والجزائر والأردن وموريتانيا، كلُّها أمثلة حاضرة عن السياسة الإيرانيَّة تجاه العرب.

بيان النوَّاب السنَّة الذي تحدَّث عن انعدام المساواة بين «المواطنين» في إيران، يجب ألاَّ نتركه يمرُّ مرور الكرام، كما يصنع فقهاء «قم» مع من يعتبرونهم مواطنيهم في العالم العربي. الدستور الإيراني في مادَّته «الثانية عشرة» يحرِّم على غير معتنقي المذهب الإثني عشري من تولِّي موقع قيادي في الدولة، وينص في مادَّة أخرى على معاملة غير معتنقي هذا المذهب على كونهم أقلِّيات يتمتَّعون بحقوق المواطنة من الدرجة الثالثة.

البيان الذي يتحدَّث عن عدم موافقة السلطات الإيرانيَّة على إقامة مسجد لأهل السنَّة في طهران، وحرمان نصف مليون «مواطن» من إقامة صلواتهم في مساجدهم، أمر أتمنَّى أن يتصدَّى له الكتَّاب «الإسلاميُّون» الذي أحدثوا وقرًا في مسامعنا بالحديث عن حكمة فقهاء «قم» وحرصهم على وحدة المسلمين «خارج» إيران.

العجيب أنَّ السلطات الإيرانيَّة تفضَّلت على مواطنيها «السنَّة» بأن عيَّنت لهم رجل دين شيعيا ليشرف على أمورهم الدينيَّة وغير الدينيَّة. ماذا لو عيَّن ملك البحرين مفتيًا سنيًّا أو إماما سنيًّا ليعين الشيعة على أمورهم! طبيعي أن يتحرَّك الاعلام الايراني للهجوم عليه واتهِّامه بانتهاك حقوق الإنسان في بلده.

فقهاء «قم» ومناصروهم يجب أن يعلموا أنَّ المواطن العربي شيعيًّا كان أم سنيًّا، يجب ألاَّ تفرض الوصاية عليه كما يفرضها حكاَّم إسرائيل على يهود العالم، مع الفارق أنَّ إسرائيل ألحقت في بعض سفاراتها عددًا من مواطنيها العرب كدبلوماسيِّين فيها، بينما تحرِّم الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة ذلك على مواطنيها السنَّة. سننتظر لنرى ما إذا كان فقهاء «قم» سيردون على مذكِّرة النوَّاب السنَّة، وما سيكون عليه موقف فضائيَّات وكلائها الشرعيِّين، وهل ستعير الخبر أدنى اهتمام من الدراسة والتحليل كعادتها مع غيرها من الأحداث الجسام؟.