المهندس عصام الجلبي
وزير النفط الاسبق


العراق بلد مغلق لا أطلالة بحرية له سوى مساحة محدودة على الخليج العربي من خلال شبه جزيرة الفاو وبأعماق سطحية نسبيا أضافة الى خور الزبير فقناة عبدالله وصولا الى الخليج العربي وعليه فأنه كان يترتب على العراق أن يتجه نحو الدول المجاورة لتصدير نفطه فكانت الخطوة الأولى بأتجاه الغرب عبر سوريا ولبنان في الثلاثينات من القرن الماضي ثم تركيا في السبعينات والثمانينات وأخرها عبر المملكة العربية السعودية في الثمانينات...ولم تكن دراسات الجدوى الأقتصادية والفنية هي التي تحدد اتجاهات خطوط ومواقع موانىء التحميل بل كان للعلاقات السياسية مع دول الجوار الدور الأساس عند اتخاذ القرار وبالتالي كان ذلك يتأثر بطبيعة الأنظمة السياسية في العراق وجيرانه والعلاقات فيما بينهم.


كان أولى مشاريع خطوط الأنابيب هو بعد أكتشاف النفط في كركوك في تشرين الأول عام 1927 وحسم الأمر سياسيا بين سلطتي الأنتداب (بريطانيا في العراق وفلسطين وفرنسا في سوريا ولبنان) فكانت الخطوط الغربية باتجاه سوريا (مينائي بانياس وطرابلس) ثم تتجه نحو طرابلس شمال لبنان وكذلك باتجاه فلسطين الى ميناء حيفا وأكملت أولى الخطوط عام 1934 ولم يكتب لخط حيفا أن يعمل بعد أكتماله لأندلاع الصراع العربي الصهيوني وأقتصرت عمليات التصدير عبر سوريا ولبنان فقط ولغاية أوائل الخمسينات.

بعد أكتشاف النفط جنوب العراق وتأسيس شركة نفط البصرة تم أنشاء ميناء الفاو الصغير لتصدير نفط الرميلة الجنوبي والزبير ثم أعقب ذلك أنشاء ميناء خور العمية في الخليج العربي وكان أيضا مشيدا بأستخدام دعامات وأرضيات خشبية ( عدا رصيف حديدي تم أضافته في بداية السبعينات) مما كان سببا لأحتراق الارصفة الخشبية عند أندلاع الحرب العراقية الأيرانية والتوقف عن أستخدامه لزمن طويل ولم يعاد بناؤه بل تم ترميمه جزئيا في التسعينات ليستخدم منذ ذلك التأريخ بطاقة محدودة وبحدود 200 ألف برميل يوميا فقط.

ولدى مباشرة شركة النفط الوطنية العراقية أعمال تطوير حقل الرميلة الشمالي عام 1969 تم الأتفاق لاحقا مع شركة نفط البصرة بأن تتنازل الأخيرة عن ميناء الفاو والذي توقفت عن أستخدامه وتم تصدير أول شحنة من نفط شمال الرميلة من قبل شركة النفط الوطنية بأستخدام واحدة من سبع ناقلات بناها العراق في أسبانيا بحمولة 35 ألف طن وحملت من ميناء الفاو كهدية للشعب الأسباني على موقفه وذلك في السابع من نيسان عام 1972 .

وضعت شركة النفط الوطنية أستراتيحيتها الأولى عام 1970 مبنية على الأسس التالية:

- أنشاء ميناء عميق أخر حصرا لأغراضها دون الأعتماد على ميناء خور العمية



- مد أنبوب أستراتيجي ( البصرة – حديثة) لتصدير النفط شمالا من خلال شبكة الخطوط الغربية عبر سوريا ولبنان



باشرت الشركة بأعداد الدراسات والمسوحات ووثائق المناقصة في الوقت الذي كان فيه مشروع تطوير حقل شمال الرميلة يسير على قدم وساق وكذلك المفاوضات لتعديل اتفاقيات الأمتياز مع شركات النفط الأجنبية والتي انتهت بالفشل وأعلان العراق قرار التأميم في الأول من حزيران عام 1972
تم التعاقد على أنشاء الميناء العميق مع شركة براون أند رووت الأمريكية أواخر عام 1973 وأنجز منتصف عام 1975 أما الجزء البري (البصرة – الفاو) فتم بناؤه من قبل شركة مانزمان الأمانية.
أعلنت سوريا من جانبها تأميم المنشأت لصالحها في الثاني من حزيران عام 1972 مما أدى الى توقف الصادرات لعدة أشهر ولحين التوصل لأتفاق جديد بين البلدين. وعليه أعادت شركة النفط الوطنية النظر بخططها وقامت بتحويل تصاميم الخط الأستراتيجي الى خط يعمل بكلا الأتجاهين ( شمالا بأتجاه حديثة أو جنوبا بأتجاه الميناء العميق) وتم التعاقد على أنشاؤه مع مجموعة الشركات الأيطالية وأنجز أوائل عام 1976


كما قام العراق خلال تلك الفترة بالمباشرة الفورية بالتفاوض مع تركيا لمد أنبوب للتصدير عبر ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط وتم التعاقد على أنشاؤه عام 1974 بعد أن ثبت صحة ذلك التوجه نتيجة تدمير كامل لموانئ بانياس وطرابلس في تشرين الأول 1973 خلال الحرب العربية الأسرائيلية. وبني الخط على أساس قيام كل دولة ببناء وتمويل وتشغيل وصيانة جزء المشروع في أراضيها وبطاقة 750 ألف برميل يوميا تم أنجازه أواخر عام 1976 وذلك بعد أن تم أنجاز بناء الميناء العميق ( سمي حينئذ ميناء البكر) وتشغيله أواسط عام 1975 وتم التوقف عن أستخدام أرصفة الفاو..

وأصبح متوفرا للعراق منافذ تصديرية كما يلي:

الميناء العميق بطاقة حوالي 1.5 مليون برميل يوميا

الخط العراقي التركي بطاقة 750 ألف برميل يوميا

ما يتيسر من طاقة عبر الخطو ط الغربية باتجاه سوريا وبضوء تأرجح العلاقات السياسية وخاصة بعد الأنفتاح السياسي عام 1978 بطاقة حوالي 200 ألف برميل يوميا


أضافة الى ميناء خور العمية الذي استمرت شركة نفط البصرة بأستخدامه ثم انتقل لشركة النفط الوطنية أواخر عام 1975 يعد تأميم كامل الحصص الأجنبية.

وبهذا توفر للعراق بحلول عام 1977 ما يقرب من 3.5 مليون برميل يوميا كانت كافية لتصدير النفط العراقي في تلك المرحلة ومن خلال بدائل تمثلت أساسا بموانىء تقع على البحر الأبيض المتوسط ويمكن من خلال الخط الأستراتيجي نقل نفوط البصرة اليها في حالة توقف الموانىء العراقية على الخليج العربي وكذلك عبر هذه الموانىء مع أمكانية أستخدامها لتصدير نفوط المنطقة الشمالية من خلال الخط الأستراتيجي أيضا.

وبهذا توفرت للعراق مرونة تصديرية بطاقات لا بأس بحجومها.

الا أن العراق لم يكن ليخطط لأيجاد بديل يضمن استمرار التصدير بمعدلات عالية في حالة توقف كافة موانئه أو معظمها كما حصل عام 1982 بعد أن تم تدمير الميناء العميق وميناء خور العمية في الجنوب في أيلول 1980 ثم أعلان سوريا وقوفها الى جانب أيران وفرض حضر على تصدير النفط العراقي عبر أراضيها رغم محدودية كمياته وبذلك لم يتبق للعراق سوى منفذه عبر ميناء جيهان التركي وبطاقة لم تكن لتغطي أكثر من 20% من حجم الصادرات العراقية التي بلغت حوالي 3.5 مليون برميل يوميا قبل بدء الحرب مع أيران في أيلول 1980 مما أدى الى تضرر العراق وهبوط حجم موارده المالية بشكل كبير.


المهندس عصام الجلبي
وزير النفط العراقي الأسبق
أذار 1987 – تشرين الأول 1990 .