إلى متى يعاني العراق من جراحات الأحزاب الكردية؟
)):


كتابات - عاصم الفياض



من ينظر إلى تاريخ الملف "الصحي" للعراق، يجد قائمة طويلة من الجراحات (التي سببها التمرد الكردي) التي لم تندمل ولا زالت تنزف، بل إنه في كل يوم يضاف إليها جراح جديدة وبليغة، الأمر الذي جعل حياة هذا البلد تنتقل من معاناة إلى معاناة ومن معاناة إلى مأساة ومن ثم إلى كارثة، ولا ندري كيف سيكون الخلاص من مؤامرات الأحزاب الكردية، التي لم تضع حداً لما هو مسموح وما هو غير مسموح في ممارساتها، تحت شعار قاله الملا مصطفى البرزاني: (إن الأعمى لا يسأل عن هوية من يساعده على عبور الشارع)، وهو كلام "حقٍ" يراد به جعل العراق مفتوحاً ومستباحاً أمام ألد أعداءه (الذين أخر ما يفكروا به الحقوق الكردية، فما يريدونه واضح هو إيذاء العراق بل واللعب بمستقبله بل بوجوده "وهو الكيان المصطنع الذي أوجده الاستعمار البريطاني، حسب تعبير ممثلي الأحزاب الكردية الذي يكررونه دائماً"*)، وإذا تصفحنا قليلاً صفحات التاريخ القريب (التي لا نجد نصف عددها أو عشرها في سجل إيران وتركيا مثلاً) ونحن في طريقنا إلى حاضر دامي خطير نجد:

1. كانت القيادات التي تسلطت على الشعب الكردي مصدر قلق وعدم استقرار ونزف لكيان عراقي ينشا حديثاً في بدايات القرن العشرين وهو يعاني من أمراض وأمراض وعلى رأسها الاحتلال البريطاني، وهو بحاجة إلى كل شيء بعد مئات السنين من الاحتلالات والكوارث.

2. لم ينج العهد الجمهوري الوطني بعد ثورة 14 تموز 1958، من أعمال التمرد الدامية، رغم إن قيادتها هي من أعادت قادة التمرد الكردي المنفيين إلى العراق.

3. لم تنج العهود المتلاحقة بعد ذلك من حروب الاستنزاف والمؤامرات.

4. في طريقها إلى ما تريد فتحت قيادات التمرد الكردي قنواتها وارض العراق لأعتى أعداءه، ولم يبق سراً العلاقات مع إسرائيل وأمريكا وإيران.

5. قادت العراق (الطامح للتنمية الانفجارية في عقد السبعينيات)، وبضوء حروب الاستنزاف، ونقص الاعتدة المزودة من "الصديق" السوفيتي، إلى اتفاقية عام 1975 مع إيران الشاه التي تنازل بموجبها العراق عن نصف شط العرب، مقابل وقف الدعم الإيراني للتمرد الكردي (على قاعدة أهون الضررين)، وسرعان ما انهار التمرد فور الاتفاق وهربت قياداته إلى خارج العراق، لانقطاع وريد الإمدادات الإيرانية (لله در المقاومة العراقية المحاصرة من جميع أقطارها، وهي تقاتل جبهة تضم أعتى قوة في العالم وعملاء وقوى إقليمية، وبتضاريس مفتوحة، دون أن نراهم ينتظمون بصفوف يسلمون أسلحتهم، كما رأينا صفوف البيشمركة وهي تسلم أسلحتها للقوات العراقية).

6. أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، وفي حرب تهدد الكيان العراقي، واستنزفت دماء وإمكانات العراق طيلة ثمان سنوات، تحالفت قيادات التمرد الكردية مع العدو الإيراني، وكانوا (أدلاء الخيانة حسب التعبير الذي اقترحه وفيق السامرائي في مراسلات دائرة الاستخبارات العسكرية)، وكانت هذه القيادات تعين إيران على احتلال الرواقم (قمم الجبال)، التي كان يتطلب تحريرها انهاراً من الدماء.

7. لا يخفى (ونحن نقترب من التاريخ الحديث جداً) الدور الذي لعبه هؤلاء في احتلال العراق، فهم يتباهون بأنهم من القوات الحليفة التي جاءت لاحتلال العراق وتدمير دولته.

8. لا ننسى دور هذه الأحزاب في أيام السقوط وما قامت به من أعمال نهب وسرقة، والتي بيعت أكثرها إلى إيران، وترى قسم من المنهوبات على شكل سيارات مسروقة تجول شوارع المحافظات الكردية أو على شكل أحياء لأغنياء النهب في أربيل والسليمانية (التي يسميها أهلها، حي الفراعنة في السليمانية وحي الدولارات في أربيل).

9. كان لهم الدور الرئيس في الكيمياء الشريرة التي أحرقت الشارع العراقي عبر معادلة (شيعة، سنة وأكراد).

10. كانوا هم من فرض وبشدة وبمساومات فيدرالية ابتدعوها ليس لها مثيل في كل فيدراليات العالم في الدستور، تهدف عاجلاً أم آجلاً إلى تفتيت العراق.

11. هم الذين يتوسلون الأمريكان للبقاء (وصل الأمر بأحد القيادات الكردية إلى التصريح بأنهم سيكونوا أكثر جدوى من إسرائيل في تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة).

12. ستكشف قابلات الأيام عن دورهم، وبالتعاون مع منظمات وأجهزة محلية وإقليمية ودولية في إذكاء النار الطائفية ( فالقط يفرح بعمى أهله)، وهؤلاء يرون نهاية أحلامهم الجهنمية بتوحد عرب العراق.

وأخيراً وليس أخراً، دورهم القذر في قانون النفط ، الذي يسعون من خلاله إعطاء النفط للاحتكارات الأجنبية والتفريط بمستقبل أجيال العراق ( تحت غطاء خادع بتوزيع عادل للثروة، وهو يفسر لماذا يكون موضوع توزيع الثروة وإعطاء النفط للشركات في قانون واحد، مع إنهما موضوعين منفصلين)، مقابل مصالح شخصية، ومقابل ما يتوهمونه من غطاء ودعم لأحلامهم المريضة.

وهنا لابد أن نشير ونؤكد:

• لا مشكلة لنا مع الشعب الكردي، بل مشكلتنا مع من يؤذي العراق والشعب الكردي.

• لا مشكلة مع استقلال كردستان بحدودها الحقيقية، لا بالحدود التي تطمع إليها القيادات الكردية، في عالم لا تستطيع دول لتحقيق ما تدعيه حقها في الخرائط ، فلا العراق يستطيع استعادة الكويت أو عربستان، ولا إيران تستطيع احتلال البحرين، ولا سوريا تستطيع استعادة لواء الاسكندرونة، إنهم يريدون حدوداً لم توجد إلا في خيالاتهم الواهمة تمتد إلى بدرة وجصان في الكوت.

وفي الختام، سؤال: في كثير من الأحيان يتمثل المتسلطون على الشعب الكردي بمقولة تشرشل: أتحالف مع الشيطان من اجل مصالح بلدي، ألا يخشون بأنهم يضطروا الآخرين (بالنتيجة) إلى فعل الشيطان لحماية بلدهم وشعبهم (وهذا ما لا نتمناه حقاً)، فما نبتغيه: هو أن لا يتسببوا لنا الأذى ولا نتسبب لهم بأي أذى، وعندها (وعندها فقط) سيعود التعايش الطبيعي الذي امتد لقرون طويلة، وهذا الذي نصلي من أجله دائماً، وندعو إليه إخوتنا الأكراد.



[email protected]





* عجيب أمر هذا الطرح، وهو يتناسى التاريخ والجغرافية، فالدول جميعها حديثة الحدود السياسية، فهل مصر وسوريا وتركيا وإيران حدودها ليست حديثة؟، بل إن دولة مثل الأردن لم يكن لها وجود بحدود أو بدون حدود، وحتى إن معظم دول أوربا واسيا وأمريكا هي حديثة بحدودها، وكأن العراق وحده حدوده السياسية حديثة وبتلاعب مقصود.