نشرت جريدة الشرق الاوسط مقالا لكاتب عبد الرحمن الراشد جاء فيه :

لا أحد يجهل أن تسمين وتربية الحركات الأصولية في منطقتنا، شيعية كانت أم سنية، نتيجته فوضى مدمرة. معاركها محتومة بحكم طبيعتها الدينية، والشواهد أمامنا عديدة من المغرب الى السعودية. وما زاد في حيرة الكثيرين، قدرة دمشق على استخدام هذه الحركات الأكثر تطرفا في العالم، من أجل مواجهة الأميركيين في العراق، أو التحكم في لبنان، أو إدارة الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذه الجماعات، مهما ظنت سورية أنها معصومة منها، أو تحت سيطرتها، تبقى في واقع الأمر كالعقارب، لا صداقة معها. فالجماعات الاصولية السنية المسلحة تعتبر النظام السوري كافرا أيضا، وقد تلتفت عليه ذاتيا غدا، أو ربما ستدار باتجاهه. وبعد أن صارت سورية الطريق السريع لهم بين العراق ولبنان، وبعد أن تكاثرت عداوات دمشق واعداؤها، لا أدري كيف تنام بينهم، بين حلفائها الأصوليين وخصومها من الانظمة. وليس مستبعدا أن هناك من يهيئ لإطلاق هذه القوى المتوحشة غدا في الساحة السورية، التي تراهن بدورها دائما على الحل الأمني، ونحن نعلم أن هذه الجماعات الإرهابية في ظروف إقليمية داعمة تصبح أكثر قدرة على المقاومة والتخريب العنيف جدا، وهز كيان أي نظام تستهدفه.

وربما سورية نفسها لا تدري حجم ما حققته باستخدام هذه الجماعات في ثلاثة اتجاهات جغرافية. سورية عمليا هي من هزم الولايات المتحدة في العراق أكثر من أي بلد آخر في العالم. من خلال فتح الباب للجماعات المتطرفة، بشكل منظم ومستمر، ألحقت خسائر هائلة بالوجود العسكري الأميركي في العراق بشكل لم يتنبأ به أي سياسي في البيت الأبيض. وقد برهنت دمشق بنفس الوسيلة، ولكن بدرجة أقل، على انها قادرة على التأثير على الوضع ضد اسرائيل، لولا أن الأخيرة ترسم خطوطا حمراء في تحمل الخسائر، ولا تبالي بأي قوانين في الرد على ما تعتبره مصدر الخطر على أمنها. أما لبنان فهو منطقة رخوة يسهل تخريبها، وان كان يصعب السيطرة عليها، وبتحالفاتها فإن سورية قادرة على تعطيل الوضع الرسمي، وإن لم تستطع السيطرة على كل الخريطة اللبنانية. دمشق باتت تحترف التعاطى مع كل الأصوليين الجهاديين بدون تمييز، شيعة وسنة، إلا ان النوم مع هذه العقارب له مخاطره. فلا يوجد فارق في الهدف، إلا في الأدبيات الدينية، بين حركة أصولية سنية مسلحة في مخيم فلسطيني في لبنان وأخرى شيعية مسلحة في الضاحية. والسماح لحزب الله بالسلاح، حملا وتخزينا، تحت أي ذريعة كانت، سيبرر لغيره التسلح بدعوى محاربة الإسرائيليين التي تحدث مرة واحدة في السنة، في حين يستخدم كل يوم ضمن التوازنات الداخلية.

والسؤال كيف سيكون وضع سورية بعد أن صار البلدان المجاوران، العراق ولبنان، في حالة حرب أصولية؟ لا نرى إلا نتيجة واحدة، هلالا مدمرا.

[email protected]