[frame="7 80"]شركات خاصة لجمع المعلومات الحساسة في العراق




في الطابق الأول لمبنى بُني داخل "المنطقة الخضراء" الواقعة وسط بغداد، تم تلخيص المذابح اليومية التي تُرتكب في العراق في عرض بواسطة برنامج "باور بوينت" لفترة 30 دقيقة. ويعد هذا التقرير الذي عُرض على شاشة بعرض 15 قدماً، أحدث معلومات استخباراتية حول الأنشطة الرئيسية لـ"العدو"؛ وقد تولى التعليق فيه على الصور والرسوم البيانية رجلان في خلف القاعة.

في أحد العروض التي قدمت مؤخراً، هناك تقرير غطى 168 حادثاً؛ من قبيل هجمات بالقذائف في تكريت، وبقرة ملغمة في الحبانية، وسبع جثت اكتشفت عائمة في نهر ديالى... وانتهى العرض بعبارة درج الجنرال "ديفيد بترايوس"، قائد القوات الأميركية في العراق، على ترديدها: "ليس كل ما هو صعب ميؤوس منه".

والواقع أن تلك المعلومات الاستخباراتية لم تجمع من قبل الجيش الأميركي، مثلما قد يعتقد بعضهم، وإنما من قبل شركة أمن بريطانية تدعى "إيجيس ديفانس سيرفيسيز". ويعد "مركز عمليات إعادة الإعمار" مركز حضور "إيجيس" المتزايد في العراق وأبرز مثال للتدليل على أن جمع المعلومات الاستخباراتية اليوم بات من المهام التي تتولاها شبكة من شركات الأمن الخاصة التي تعمل في ظل الجيش الأميركي.

فقد فازت "إيجيس" بعقد مع الجيش الأميركي بقيمة 293 مليون دولار لفترة ثلاث سنوات. ويرأس الشركة "تيم سبايسر"، وهو ضابط عسكري بريطاني متقاعد برتبة مقدم، وظِّف في عقد التسعينيات، قبل تأسيس إيجيس"، للمساهمة في إخماد تمرد في "بابوا غينيا الجديدة" (المحيط الهادئ)، وفي إعادة تنصيب حكومة منتخَبة في سيراليون. وتتنافس شركات بريطانية وأميركية مختلفة في المناقصة على تجديد العقد الذي تبلغ قيمته 475 مليون دولار، ويُتوقع أن ينشئ قوة تتألف من نحو 1000 رجل تتمثل مهمتها في حماية فوج المهندسين التابع للجيش الأميركي في مشاريع إعادة الإعمار. غير أن الاحتجاجات أخّرت صدور القرار المتوقع قريباً بشأن الشركة الفائزة بالعقد.

يعد هذا العقد الأهم من نوعه بالنسبة لنشاط شركات الأمن الخاصة في العراق، والذي يتم بمقتضاه تفويض العمليات الاستخباراتية لشركة خاصة، وهو ما كان في السابق مقتصراً على الجيش أو الوكالات الحكومية من قبيل "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي إي). والحقيقة أن الحكومة ما زالت إلى اليوم تقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية، غير أنها أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الشركات الخاصة في جميع المعلومات الحساسة.

بيد أن المشاركة المتزايدة، والخفية عموماً، لشركات الأمن في الحرب، لفتت انتباه الكونجرس الأميركي الذي يسعى حالياً إلى تنظيم القطاع وتقنينه. وفي هذا الإطار، قالت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب في تقرير حديث لها، إنها "قلقة لأن أجهزة الاستخبارات الحكومية لا تتوفر على تعريف واضح للمهام التي هي من اختصاص الحكومة فقط؛ وبالتالي فمن غير المعروف ما إن كان ثمة متعاقدون يقومون بمهام هي من اختصاص الحكومة". وفي هذا الإطار، يقول بيتر سينغار، زميل مؤسسة "بروكينغز" الذي ألف كتاباً حول الأمن الخاص وانتقد قلة الإشراف الحكومي: "ليس ثمة بكل بساطة التدبير والإشراف اللازمين لمعالجة هذا الأمر على النحو الأمثل"، مضيفاً أنه "ما زال ثمة الكثير من الأسئلة القانونية بدون إجابات والتي يتم تحاشيها".

لقد قامت الحكومة الأميركية بتفويض عدد من المهام الأمنية لنحو 20000 إلى 30000 متعاقد في العراق. أما الرقم الدقيق، فلم يتم الإفصاح عنه. وتتولى الشركات المتعاقد معها توفير الحماية للجنرالات الأميركيين والمنشآت العسكرية المهمة؛ كما يعمل موظفوها كحراس في السجون أو مستنطِقين في المنشآت التي تحتجز مشتبها في صلتهم بالتمرد، إضافة إلى مهام أخرى. أما الأنشطة الاستخباراتية التي تقوم بها شركة "إيجيس"، فتشمل تقييم الأخطار في ساحة المعركة، والرصد الإلكتروني لآلاف المتعاقدين الخواص على شوارع العراق الخطيرة، والمشاريع الأهلية التي تقول الشركة إنها تهدف إلى الفوز بـ"العقول والقلوب".

علاوة على ذلك، يدعو العقد الجديد إلى توظيف فريق من المحللين الاستخباراتيين المحنكين الذين سيكونون مطالبين، حسب ملخص المسؤوليات والمهام التي سيضطلعون بها، بالقيام بـ"تحليل أجهزة الاستخبارات الخارجية، والتنظيمات الإرهابية التي تستهدف موظفي ومصادر ومنشآت وزارة الدفاع".

ويروم العقد الذي يجمع شركة "إيجيس" بالجيش الأميركي، والمعروف داخليا بـ"مشروع ماتريكس"، تحقيق عدة أهداف. فعلى سبيل المثال، تدير الشركة أزيد من عشرة فرق لإعادة الإعمار، يقوم فيها المتعاقدون المسلحون ببنادق هجومية والذين يتنقلون بواسطة سيارات مدرعة، بتفقد مشاريع إعادة الإعمار من أجل الإضطلاع على سير الأشغال وتقييم التقدم الذي تحرزه ومستوى أنشطة المتمردين. وفي هذا السياق، تقول "كريستي كليمنز"، نائبة الرئيس التنفيذي للشركة في مقرها بواشنطن: "إن هدفهم هو تقديم "حقائق ميدانية" لأسلاك الجيش".

وقد أنفقت "إيجيس" نحو 425000 دولار من مال الشركة وتبرعات خاصة على أزيد من 100 مشروع خيري صغير؛ مثل ملاعب كرة القدم وبرامج تطعيم الأطفال، حيث تمكّن هذه المشاريع الشركة من تطوير علاقات مع المجتمعات التي تعمل فيها وجمع المعلومات في الوقت نفسه. وفي هذا الإطار، يقول "ديفيد كوبا" الذي يدير البرنامج: "إن الأمر لا يتعلق بالاستخبارات كما أعرفها؛ وإنما بقياس حرارة الماء الذي نسبح فيه".

في إحدى الحالات مثلاً، يقول "جاستين ماروتزي"، المدير السابق للشؤون المدنية في الشركة والذي يعمل اليوم مستشاراً في لندن، إن الشركة قامت بتوزيع بذلات رياضية على مدارس الفتيات في إحدى مناطق شرق العراق حيث كان السكان يرمون فرق "إيجيس" الأمنية بالحجارة عادة. ولكن الشركة علمت، عبر العلاقات التي تم نسجها بفضل هذا المشروع –يقول ماروتزي- بوجود خلية تمرد كانت تعمل من داخل مكتب المسؤول المحلي؛ فتحرك الجيش بناء على هذه المعلومة. ولكن ماروتزي رفض الإسهاب في الكلام.



المصدر : عن الواشنطن بوست - الكاتب: ستيف فينارو [/frame]