القرآن في عيون اللوموند الفرنسية

ظاعن شاهين
تبدو بعض القراءات الغربية التي ولدت بعد أحداث 11 سبتمبر مادة جديرة بالتوقف والاهتمام، لأنها ترسم فكراً مختلفاً ونظرة جديدة عن الاسلام والمسلمين، وسواء كان ذاك الفكر وتلك النظرة تمضي في اتجاه سلبي او ايجابي، فإنها نظرة مختلفة علينا استثمارها وعدم الاستخفاف بها.
ومن يطلع على ما تنشره الصحف والمجلات الغربية يجد تبايناً مثيراً تجاه قضايانا العربية والاسلامية، فهناك من يرانا ارهابيين لا نملك سوى أدوات الموت والتخريب والهدم وازهاق الارواح البريئة، بينما يحاول آخرون اكتشافنا من جديد ووضعنا في اطار الصورة الحقيقية لنا، وبين هؤلاء وهؤلاء تمتد المسافة وتكبر، الا ان الأمر الجدير بالاهتمام هو كيف نرى نحن تلك الكتابات وذاك الفكر، وكيف نقف عند مفاصل الفهم والاستيعاب؟
في هذه المساحة أتوقف معكم عند موضوع مطول نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية بدأته بسؤال: لماذا يتهافت الغرب على قراءة القرآن؟
قد يبدو للوهلة الاولى ـ كما تشير لوموند ـ ان القرآن الكريم اصبح اكثر الكتب مبيعاً، في حين ان الامر يتعلق بظاهرة نفاد المخزون من نسخ القرآن من اكبر المكتبات بتولوز وليل وستراسبورغ ومارسيليا، فالقرآن يباع عادة في فرنسا وبوتيرة عالية في شهر رمضان، الا انه بعد أحداث اميركا فاقت المبيعات كل الأرقام!
وأمام تعدد أسئلة القراء كان لابد من ايجاد الأجوبة المقنعة، لذلك كان طبيعياً ان يحتكم هؤلاء الى القرآن لأنه يشكل الاصل والمرجع لفهم الاسلام، فهذا النص السماوي يحتوي على 114 سورة، وفهم دلالات آياته الكريمة يعني بالضرورة عدم الاكتراث بما يروج في وسائل الاعلام، وما ينتج عن ذلك من مغالطات لا تفيد في شيء.
وتعتمد الصحيفة في بناء موضوعها بشكل جميل على أخذ آراء بعض المهتمين، فيتساءل احدهم ويدعى «بيير» ويعمل مراقباً في مجال التدبير عن حقيقة الاتهامات التي يوجهها الغرب للمسلمين يتساءل: هل بإمكان القرآن الرد عليها؟ لأن المسألة تهم ملياراً ومئتي مليون مسلم في العالم، ويبدو سؤاله منطقياً خاصة إذا علمنا ان الاسلام يعتبر الديانة الثانية في فرنسا من حيث درجة الاعتناق، وعلى هذا الاساس يقترح بيير ان يكون القرآن جزءاً من ثقافة فرنسا المعاصرة.
وتستنطق الصحيفة خطيب مسجد باريس فيؤكد على ان اهتمام الغرب بالقرآن الكريم لم يكن وليد أحداث 11 سبتمبر، فالتاريخ يذكرنا بأن نابليون حينما قام بحملته الشهيرة على مصر كان شديد الاهتمام بفهم معاني القرآن، وكان يبدي تأثراً لبعض الآيات فيه، بل استطاع ان يتلو امام اندهاش سكان القاهرة بعض الآيات الى درجة ان «فيكتور هيجو» لقبه بنبي الغرب.
لقد ازداد اهتمام وشغف الغرب بمعرفة القرآن فعلاً بعد أحداث 11 سبتمبر، وهذا في شكله العام يعتبر نقطة ايجابية، الا ان ذلك لا يكفي، لأننا كعرب ومسلمين لم نتحرك بشكل علمي مدروس لكي نحول ذاك الاهتمام الى فهم للفكر الاسلامي، فالمطلوب نهج طريقة علمية لفهم القرآن الكريم، من خلال فهم الظروف التي نزل فيها القرآن أولاً، وادراك الاطار العام الذي تندرج في سياقه كل آية في مرحلة لاحقة، لأن القرآن قبل كل شيء ليس بضاعة تباع وتشترى، او كتاباً للمطالعة، بل هو كتاب الله الذي يدعو الى طاعته بالحجة والاقناع.
وأمام تعدد القراءات فإن استيعاب القرآن بدا لدى البعض مستعصياً، فقد حاول هؤلاء بثقافتهم الغربية ان يفهموا دلالات بعض الآيات، فلم يستطيعوا ليخلصوا الى القول بأنهم وجدوا أنفسهم أمام حقيقتين: إما ان القرآن نص معقد، او انه لا يتوفر لديه طاقة ذهنية لاستيعابه.. وهذا بدوره يؤكد على ان الترجمة الخاطئة للقرآن تسيء ايضاً للقارئ الغربي الذي يصعب عليه فهم الدين الاسلامي، لذلك يمكن اعتبار ذلك سبباً مباشراً في تعدد التأويلات حول معاني بعض الآيات القرآنية.
والجميل في موضوع «لوموند الفرنسية» انها لم تدس كما تفعل الصحف والمجلات الغربية، فقد تناولت موضوع القرآن الكريم بكل دقة وصدق وشفافية، فها هي تمضي قائلة: لقد نزل القرآن على النبي محمد( ص) منذ ما يزيد على 14 قرناً في شبه الجزيرة العربية، وانتشر عن طريق الحفظة والرواة في زمن كانت القافلة هي السبيل الوحيد للتواصل بين الشعوب والامصار، لذلك حينما تجد آيات تدعو الى مواجهة العنف بالعنف ـ الصحيفة هنا تخاطب قراءها ـ فإن المطلوب من القارئ هو فهم تلك الآيات في سياقها، فالرسول (ص) مثلاً واجه تهديدات قريش وهاجر من مكة الى المدينة، ورغم ذلك تمت ملاحقته لايذائه، فكلما ابتعدنا عن السياق التاريخي للآية ووضعناها في سياق مطلق تولد عن ذلك غموض وتناقض في المعنى والدلالة لدى القارئ العادي.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة: لماذا تترك المنظمات الاسلامية والجامعات ووسائل الاعلام دورها للآخرين؟ لماذا نفرح عندما تقوم صحيفة أو مجلة غربية بطرح الموضوعات الاسلامية بحيادية؟ الاجابة عن ذلك واضحة لأننا لم نقم بدورنا على أكمل وجه! من هنا علينا ان ندرك لماذا يتهافت الغربيون على قراءة القرآن الكريم وفهمه، وعلينا ان نراجع أنفسنا في آليات العمل الذي يقوم على الفهم والادراك، بعيداً عن الخطاب التقليدي السائد.

http://www.balagh.com/thaqafa/ta0ohdy1.htm