من الثقافة الرمضانية .. الدعاء للآخر

احد اهم جوانب عظمة شخصيات اهل البيت عليهم السلام نكران الذات والتضحية المطلقة للآخر، تصلي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام صلاة الليل يراقبها الامام الحسن عليه السلام الى الصباح فلا يجدها تنفك عن الدعاء للجيران، فيقول لها: يا أماه، ما دعوتي لنا؟، فتقول: بني! الجار ثم الدار.

لدينا روايات واحاديث كثيرة جدا عن التضحية للآخر عمليا عبر قضاء الحاجات وما الى ذلك، حتى ان ميزان ذلك عند الله هكذا: ان تقضي حاجة واحدة للآخر تكون كأنك ضحيت بكل وجودك وانتهيت قتيلا في ساحة المعركة فكيف اذا قضيت حاجات وحاجات ستكون اذن عشرات الشهداء وليس شهيدا واحداً وهذا امر كبير بل وعظيم!

ولدينا ايضا الدعاء في الغيب للآخر، ولما تدعو الزهراء عليها السلام وكل الدعاء للآخر فلانها اساساً ليست انانية ولأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الاناني مطلقاً ولوعيها بدور ذلك في العلاقات الاجتماعية وربما يتبادر سؤال: لماذا تدعو للآخر في الغيب كيف سيؤثر ذلك اجتماعياً في العلاقة معه؟

هناك طريقان لهذا الاثر، الاول غيبي تتكفل به العناية الالهية “الم نشرح لك صدرك” وهذه جربتها شخصيا اكثر من مرة وادعوكم جميعا لتجريبها. كان هناك صديق تحسست منه جفاء آلمني شكوت جفاءه لصديق آخر فنصحني بالدعاء له في صلاة الليل ضمن الاربعين مؤمناً ومؤمنة ممن يستحب الدعاء لهم في تلك الصلاة، فعلت ذلك لليلة واحدة واذا به في اليوم الثاني يستقبلني بقلب منشرح.

الطريق الثاني ان الدعاء للآخر خصوصاً اذا تكرر لابد ان يؤدي اثره النفسي والروحي على الداعي لانه انما يوحي الى نفسه بحب ذلك الآخر.. فاذا لقيه سيراوده ذلك الاحساس بضرورة اعزازه علناً وعملياً كما يعزه سراً ونظرياً في الدعاء.

جاء في الروايات ان الله سبحانه أوحى الى النبي عيسى عليه السلام:

_ ياعيسى.. ادعني بلسان لم تعصني به؟

فقال عيسى (ع): كيف يمكن ذلك؟ فقال الله تعالى له: ادعني بلسان غيرك.

والاحاديث في هذا الباب كثيرة منها قول رسول الله (ص) يستجاب للرجل من اخيه ما لا يستجاب له نفسه.

الامام الصادق عليه السلام يقول: “أربعة لا ترد لهم دعوة الامام العادل لرعيته والاخ لأخيه بالغيب.. ويوكل له ملك يقول: ولك مثل ما دعوت لأخيك.. والوالد لولده والمظلوم”.

**

ليس مهما ان نقرأ عن اهمية الدعاء للآخر كما قرأنا الكثير عن الدعاء ودوره في حياة المسلم بل لابد من ان نجرب لأننا سنلمس النتيجة فنزداد يقينا وننجح في حياتنا الاجتماعية.

ان أهم درس للدعاء للآخر انه ينسينا انانيتنا، يحررنا منها، ويقربنا من انسانيتنا ومن معنى الحياة الحقيقي.

http://www.balagh.com/ramadan/sq0ts86d.htm