[align=justify]ألف رئيس الوزراء الياباني السابق شنزو أبيه كتاباً بعنوان اليابان:

"الأمة الجميلة".

وقد اهتم بطرح تصورات حزبه لتهيئة اليابان لمرحلة العولمة القادمة, وركز على موضوع التعليم والاقتصاد. وحينما استلم رئاسة الحكومة السابقة درس خطة التعليم مع الحكومة، وقدمها للبرلمان، وتمت الموافقة عليها بعد حوار عميق. وقد ركزت الخطة التعليمية على الثقافة اليابانية للطفل، وتعزيز حبه وإخلاصه لوطنه، وتطوير طريقة تفكيره وتنمية ذكائه. فهي كلمة تعني الموت، فالكمال هو تقييم لما بعد الحياة، حين يتوقف الإنسان عن العمل لا يخطئ ولا يتطور.. وحينما يكون حيا سيخطئ ومن الضروري اكتشاف هذه الأخطاء، وإصلاحها والوقاية من تكررها ليستمر التطور والوصول لمرحلة ما قبل الكمال، وقد تكون هذه الفلسفة اليابانية مهمة للتقدم والنجاح. وأحد المواضيع المهمة التي يناقشها التعليم في اليابان اليوم، وناقشها البرلمان الياباني هي الشخصية المستأسدة بين الأطفال, وهي من أحد المشاكل الرئيسية المقلقة. فالمجتمع الياباني بني على كلمة اليونيفورمتي أي التشابه والتماثل. الكل يجب أن يكون متشابهاً بمواصفات معينة مدروسة. التعليم يتعامل مع المدرسة كمصنع، يدخل الطفل ويتخرج بمواصفات معينة يجب أن تكون جميعها متشابهة. لأن المدرسة تعامل كالمصنع والمدرسيين كالآلة الإنسانية، وقد حددت خطة التعليم نوعية المواطن الذي تريد أن تنتجه بعد الدراسات الدقيقة. وبعد ذلك درسوا آلية العمل لانتاج هذا النوع من الطفل، وتوفير الفرص المتساوية له، والنتيجة طبعا يجب أن تكون متشابهة. وفي قائمة الأولويات تعزيز لطف وأدب المعاملة عند الطفل، الذي سيخلق منه فرداً منتجاً في الفريق المنتج. ويشجع التعليم الياباني عمل الفريق ويقوم بغرسه من خلال حصص حوار دراسية مدروسة. حيث يقسم الأطفال في حصص الحوار لمجموعات صغيرة للمحادثة والمناقشة لتطوير قوة الحوار والعمل الجماعي عند الأطفال. وتهتم المدرسة بتعليم الانضباط واحترام الوقت وتقديسه، والإخلاص في العمل وانتاجيته، بالإضافة لتدريب الطالب للاستفادة من الرياضيات والعلوم الطبيعية والاجتماعية لحل المعضلات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.

والجدير بالذكر بأن الدولة تهتم بالطفل في بداية حياته أكثر من بعد استكمال نموه أي بعد الخامسة عشر.. فالحضانة ورياض الأطفال والمدرسة الابتدائية والمدارس الوسطى توفرها الدولة, وحتى السنة الخامسة عشرة والتعليم فيها إجباري حسب الدستور الياباني. أما بعد ذلك يتجه الكثير من الطلبة للدراسة بمعاهد التكنولوجيا أو الكليات ذات البرامج لمدة سنتين. وبعدها يتخرج الطالب ويبدأ العمل في المصنع أو الشركة وطبعاً مفهوم العمل في اليابان وهو الإنتاجية من خلال التدريب المستمر.. كما ينتقل الموظف من دائرة لدائرة كل عدة سنوات، للمحافظة على حبه للعمل واكتشاف تحديات جديدة للتعامل معها ولتطوير قدراته المختلفة. وطبعاً تهيئ القوى العاملة لكي تستطيع القيام بأي عمل مع قليل من التدريب، استعدادا للتغيرات التكنولوجية وتموجات أسواق بيع البضائع. والطالب الذي يقرر أن يتوجه للدراسة الأكاديمية أو التخصص في مجالات التعليم والطب أو المحاماة، يحتاج إلى أن يكمل دراسته في المدرسة الثانوية ويتوجه للجامعة ليدرس في كلياتها على مدى أربع الى ست سنوات.

ولو أمعنا النظر نجد أن النظرة اليابانية تتوافق مع حديث الرسول (ص) حينما قال: "أدبه سبعاً، وعلمه سبعاً، وصادقه سبعاً".

إن التربية النمطية في اليابان تلزم الأطفال أن يكونوا متشابهين في كل شيء. وإذا لم نبالغ فإن جميع اليابانيين نفس الطول تقريباً، ونفس الوزن، ونفس اللباس، ونفس اللطف والأدب مع قليل من الخجل والحياء، نفس الانضباط وتقديس العمل، نفس طريقة التفكير، نفس طريقة الحياة. ولو اختلف أي فرد فيكون شاذاً وغير مريح للتعامل معه. وهذه مشكله كبيرة في المدرسة إذا اختلف الطفل عن الجماعة، فيتعرض للإساءة من بعض الأطفال المستأسدين. ومن طبيعة الشخصية اليابانية أنها لا تحب الإساءة لأحد ولا تتحمل أبداً أي نوع من الإساءة. والإساءة المفرطة قد تدفع بالأطفال للاكتئاب ونادراً ما تنتهي للانتحار. ومع الأسف الشديد هذه حقيقة شائعة في اليابان.

ونستخلص من حديثنا بأن اليابان تستثمر في الإنسان، تهتم بتربيته في المراحل الابتدائية وتهتم بتعليمه في المراحل المتوسطة، ثم توجهه ليختار صيغة مستقبله. فهل سنستفيد من هذه التجربة الغنية بالاستثمار في الإنسان والتركيز في التعليم على مرحلة الحضانة ورياض الأطفال، وتوجهه إلى مرحلة ما بعد المتوسطة في تجهيزه لاختيار المهنة من خلال التدريب في المدارس الثانوية المتخصصة والمعاهد التكنولوجية. فالطالب في مجتمعاتنا العربية يريد دخول الجامعة لتكملة دراسته الأكاديمية، ليتخرج وقد ينتهي ويفاجئ بأنه غير مهيئ للعمل في أية مهنة. والسؤال هل نضيف في وطننا العربي للتعليم الإجباري مرحلة الحضانة ورياض الأطفال وبأن تنتهي الدراسة التعليمية بعد سن الخامسة عشرة، اي بعد الدراسة المتوسطة؟ وهل تبدأ بعدها مرحلة التدريب للعمل في المدارس الثانوية المتخصصة والكليات المهنية؟ ففي المرحلة الثانوية يتوجه الطالب لاختيار تدريبه لمهنة مستقبلية، وبذلك ننظم اقتصاد التعليم، وندرب بعض الشباب بعد الدراسة المتوسطة للعمل في المصانع والبناء والبنوك والأعمال الحرة.. أما من يريد مثلاً أن يصبح محامياً أو مهندساً أو طبيباً أو اقتصادياً أو معلماً، فعليه أن يكمل الدراسة في الجامعة ويتخصص.

ولننجح في ذلك يجب أن نغير ثقافة الشهادات المتعمقة في المجتمع. ومن المعروف ان أحد أغنى رجال العالم وهو بل غيتس المالك الأول لشركة ميكروسوفت ترك الجامعة وتفرغ لتطوير شركته.. فقد كان يدرس في أحسن جامعة في العالم, وهي جامعة هارفرد, وقرر أن يترك الدراسة وأن يتفرغ للإبداع في التجارة, فبدأ بشركة ميكروسوفت وحولها الى أعظم شركة في العالم وباتت تخدم العالم بأجمعه.

المصدر/ الفيحــاء

20/11/2007[/align]