الفارس الذهبي يستعد للحرب (ترجمة لمقال حول الوهابية وال سعود)




عن جريدة "NewYork Sun"

http://www.nysun.com

في عددها الصادر يوم الخميس المصادف 1

نوفمبر2007


المقال الاصلي باللغة الانكليزية

http://www.nysun.com/article/65662


بقلم NIBRAS KAZIMI

نبراس كاظمي (محرر مساهم في جريدة "النيويورك صن" وهو استاذ زائر في مؤسسة "هدسون" للدراسات الإستراتيجية في العاصمة واشنطن)


ان الدقيقة الأولى من فيلم "المملكة The Kingdom" والذي يعرض حالياً في دور السينما فعلا رائعة. الفيلم يعرض قصة فريق من وكالة المباحث الفيدرالية الـ"أف بي أي FBI " وهم يطاردون خلية ارهابية مسؤولة عن مهاجمة مجمع مدني امريكي في المملكة العربية السعودية، ويبدأ الفيلم بإعطاء المشاهد الأمريكي مختصر مفيد عن الثلاثة مئة سنة الاخيرة من التاريخ السعودي مفادها أن الوهابيين هم الأعداء، وهذا أمر صحيح ودقيق.

هنا امر اخر: عدو عدوي هو حليفي . الوهابيون والشيعة هم اعداء تقليديون وقد اطلقت امريكا العنان لقوة الشيعة في العراق. في خلال عقد من الزمن، قد يتم الإيعاز لشيعة العراق، وذلك من قبل قوى الإقتصاد العالمي، بالإجهاز على الوهابيين في السعودية وسيكون العراقيون ممتناً لهذا الدور.

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون يتقطيع اوصال ثعابين القاعدة ولكنهم ترددوا في ما يخص نحر رأس الـ"ميدوسا" (آلهة يونانية تمثل الثعابين تثير الخوف الاشمئزاز/المترجم) واعني بها الوهابية.

الوهابية Wahhabism هي فكرة خبيثة ولئيمة تحفّز اعتى الإرهابيين في العالم اليوم. هي طريقة عنصرية للنظر إلى العالم، وقد قامت بمسخ كل معتقد لامسته، فحولت السلفية الإصلاحية التي نشأت في القرن التاسع عشر إلى عقيدة خطرة كريهة، وحولت تنظيم الاخوان المسلمين السلمي إلى تفرعات ارهابية في مصر وسوريا، وحولت المدرسة الديوباندية (حركة سنية اصلاحية في الهند/المترجم) إلى تنظيم الطالبان، واخيراً حولت نفسها إلى تنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن والارهاب التدميري التي اطلقه ابو مصعب الزرقاوي في العراق.

ولكن الاثر التي احدثته اموال النفط (البترودولار) قد شلّ اي جهد للإنقضاض على رأس (او ينبوع) هذا الفكر في السعودية نفسها، وهي دولة انشأت ومازالت قائمة على الاتحاد الوثيق والشاذ جدا بين امراء آل سعود والوهابية. وحينما اراد آلهة وملوك الاساطير الاغريقية وضع نهاية لإرهاب الوحش الـ"ميدوسا", قاموا بتجنيد مقاتل اسمه "برسيوس Perseus" واعطوه أحذية مجنحة وعباءة للتخفي وسيف ودرع يعكس المقابل كالمرآة، وبعثوه ليأتي لهم برأس الـ"ميدوسا". نجح "برسيوس" بإتمام المهمة، وسينجح الجيش العراقي بقيادته الشيعية وجنوده الـ200,000 بالمهمة ايضاً.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرّب وتجهّز جيشها الحليف في العراق الذي سيقاتل في اهم حرب في هذا القرن الحالي، حرب الإبقاء على النفط متدفقاً. كان هناك منظر غريب في حفل تسليم الملف الأمني في محافظة كربلاء يوم الاثنين الماضي إذ كان الجنود العراقيون يسيرون ومعهم رشاشات "أم-16". كان هذا نتيجة قرار كان قد اتخذ مؤخراً بالإستغناء عن الرشاش او الكلاشنكوف، ذلك الرمز السوفييتي، كسلاح اساسي للمشاة العراقيين.

هذا تغيير رمزي وانعطاف عن مسار الماضي، هذا هو الجيش العراقي الجديد للعراق الجديد، والمتشبّع ّبعقيدة مكافحة التمرد للقرن الواحد والعشرين والواجب يحتم عليه أن يتمرّس في مناورات حقيقية ضد اعتى تمرد (او انقلاب)حديث لم يسبق له مثيل في التاريخ. إن حركة التمرد التي اطلقها الزرقاوي ستكون النموذج لكافة حركات التمرد القادمة ومن ضمنها تلك التي قد تنطلق من حوض الخليج الفارسي النفطي والتي ستؤدي لانقطاع النفط في السوق العالمي، وسيكون العراق مؤهلا بشكل خاص لمعالجة تمرد من هذا النوع.

وكما كان الحال مع "برسيوس"، يجب تجهيز الجيش العراقي بكافة الحاجيات التي اثبتت جدارتها في مقارعة هذا التمرد مثل عجلات السترايكر والهمفي المدرعة، ودبابات البرادلي ومروحيات الأباشي، إلخ.

الجيش العراقي سيكون بطل المنطقة او الفارس الذهبي ، وهذا مصطلح اكثر دقة لوصف حال العراق بدلا من وصف شرطي المنطقة. هذا الفارس الذهبي سيغزو المنطقة رافعا راية "الشرق الاوسط الجديد" الذي يرمز بنبل للحكومة المنتخبة.

من نتائج حرب العراق التي قام بها الرئيس بوش هي ان شيعة العراق باتوا الورثة الشرعيين لاحدى اهم الإقتصاديات الواعدة في المنطقة ـ احدى التقديرات الموثقة تشير الى ان ربع النفط المتبقي في العالم هو في العراق ومعظمه في الجنوب الشيعي. ان الشيعة مستعدون ان يفرضوا هيمنتهم السياسية والثقافية والاستراتيجية والتجارية إلى ما وراء حدود العراق.

السنة العرب في العراق الذين قد تتراوح نسبتهم 13% من مجموع السكان طبقا لأحصائيات الإنتخابات الماضية لم يعودوا اسياد مصير العراق كما في السابق.

التحول الجذري الذي جرى في العراق هو على تناقض تام مع النموذج القديم في سوريا حيث مازال العلويون، الذين لا يشكلون إلا 12 بالمئة من السكان،هم المتحكمون بمواقع القوة في ذاك البلد. ونفس الامر ينطبق على السعودية حيث لا يشكل الوهابيون هناك الا نسبة من السكان وليست الاكثرية.

العراق يتجه للإستقرار بسبب التمثيل النسبي في الحكم ،خلافا للسعودية التي تتجه للإضطراب بسبب انعدامه. حتى عندما اتضح للعلن بأن غالبية منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا من الجنسية السعودية والذي شكل صدمة قوية للعائلة المالكة هناك ولغالب المجتمع الدولي، مازالت السعودية هي المصنع الرئيسي للإنتحاريين في العالم الإسلامي. وهنا علينا أن نتسائل: لماذا الشاب السعودي مؤهل اكثر من غيره لتفجير نفسه؟ ولماذا هذا الشاب السعودي منعدم العوطف الانسانية إلى درجة تؤهله لإزهاق حياة النساء والأطفال اضافة الى نفسه؟

على آل سعود ان يجيبوا على ذلك ،بالرغم من ان الضغط الدولي اجبرآل سعود على تطبيق بعض الإصلاحات المحدودة. ولكن بدلا من ان ينحسر عدد الإنتحاريين السعوديين نرى تزايدا في الإنتاج. فما الذي يحصل؟

الجواب، بكل بساطة، هو ان الوهابية مازالت مسيطرة حيث ان آل سعود ربطوا شرعية حكمهم بهيمنة الفكر الوهابي في بلادهم. ففي حين أن المؤسسة الدينية الوهابية تنازلت وقبلت ببعض الإصلاحات لكنها لم تتنازل في موضوع يعد خط احمر لايمكن المساس به او تجاوزه الا وهومعاداة الشيعة. وبالتالي صعّد آل سعود من خطابهم المعادي للشيعة ارضاءا للوهابيين. وهذا شجع المزيد من الشباب السعوديين للذهاب إلى العراق وتفجيرانفسهم في نساء واطفال الشيعة هناك. هذه القضية سوف تزداد خطورة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الحقيقة القائلة بأن الشيعة وبإختلاف فرقهم يشكلون 20 بالمئة من السكان في السعودية.

كيف سيتصرف آل سعود عندما يقوم الوهابيون بذبح المليوني شيعي المتمركزين حول آبار النفط الشرقي؟ هل سيوقفونهم عند حدهم ام سيغظون النظر ابعادا لشبهة الاتهام بأنهم اصدقاء للشيعة؟ وحين يتسع هامش الفوضى الطائفية ويفسح المجال للجهاديين بحرق آبار النفط الشرقية ـ كما ابدوا استعدادهم بشكل واضح جدا لذلك، سوف يصاب الإقتصاد العالمي بالشلل، ،ترى من سيدخل لاعادة الاستقرار مجدداً ؟

لا توجد قوة في الشرق الأوسط مؤهلة للقيام بذلك إلا شيعة العراق: الذين لديهم العديد من الحسابات لتصفيتها مع الوهابيين ــ تعود إلى 200 سنة مضت حينما غزا الوهابيون مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة وهتكوا حرمتها، وإلى يومنا هذا. كما انهم سينتفضون للدفاع عن اخوتهم الشيعة في المنطقة الشرقية والتي كانت تتبع ادارياً ولاية البصرة في القرن التاسع عشر من قبل الحكم العثماني.

لن يتمكن المارينزوبكال تأكيد من النزول إلى سواحل مدينة الدمام لان ذلك سوف يهيج الحساسيات على طول العالم الاسلامي لان الجزيرة العربية ينظر اليها على انها محرمة على "الكفار". ولا يمكن الإعتماد على المصريين والأتراك لان تلك الشعوب اصبحت تعادي الغرب وتتعاطف مع من يحاربه. وحتى حلفاء أمريكا مثل الاردن وقطر ليس لهم الوزن الكافي للقيام بمشروع استراتيجي بهذا الحجم. ولا احد يثق بالإيرانيين، وهذا يبقي العراقيين وحدهم في الصورة.

إنني ادرك تماما بأن هذا المقال سيتعرض للهجوم وسيعده البعض جولة آخرى لإدانة السعودية أو دق جرس الانذار أو الإنحياز للشيعة أو اشعال الحرب لدى المحافظين الجدد. يمكن للمنتقدين التنطع ولكنهم لايستطيعون تجاهل المشكلة : ما العمل مع الـ"ميدوسا" الوهابية؟

"إن واشنطن غير مهيئة للنظر اعمق او ابعد في ما يخص الشرق الأوسط " مثلما اخبرني خبير في شؤون الخليج الفارسي هنا، "إن التفكير العميق حول مشكلة ما قبل ان تنفجر في وجهنا ليس من اسلوبنا، فالأمر ليس بسهولة احتساء الـ"فرابوشينو" وقراءة مقال لـ"توماس فريدمان."


ما زال هناك احتمال ضئيل بأن يقوم آل سعود بإنقاذ انفسهم عن طريق القبول بعراق تقوده الشيعة وحكومة تمثل اطياف الشعب العراقي. وبذلك يجنبوا انفسهم فوضى داخلية وحربا مستقبلية. كان اجداد آل سعود عمليون وقد انقذوا انفسهم مرتين في التاريخ من الموت السياسي. لكن يبدو أن تلك الجينات الوراثية القوية قد تلاشت الآن، ومانراه من نشاط السعوديين القليل انما هو ما تقوم به شركات العلاقات العامة واللوبي في واشنطن لتحسين صورتهم مقابل المال.

إن القيادة العليا لال سعود تبدو مرهقة وتعاني من الكهولة وعبء كروشها المتخمة بالكافيار. هم غير قادون على الصمود امام عاصفة الجهاديين.



ان العراق الجديد يعني ان ال سعود لم يعودوا بذي اهمية.واذا تبقى الامور على ماهي عليه فان البطل العراقي سيكون جاهزا لتصحيح الخطا. إن القيادة الشيعية للعراق هي كنز لايقدر بثمن للمستثمرين والمخططين العسكريين الذين يخططون كيف تقوم الحروب الاقتصادية والعسكرية المقبلة في القرن الحادي والعشرين. يجب ألنظر الى العراق الجديد كمنقذ محتمل ويجب تأهيل جيشه الجديد وتسليحه لهذا الدور.
ترجمة : اسامة النجفي

http://www.soitalsalam.net/news.php?readmore=426