7 مليارات دولار خسائرنا سنوياً من حرق الغاز
التاريخ: Wednesday, January 23
اسم الصفحة: الحدث الاقتصادي


د. عبد الجبار عبود الحلفي
جامعة البصرة
منذ أن أكتشف النفط في العراق عام 1927 في بابا كركر في كركوك والغاز المصاحب للنفط المتدفق يحرق وكأنه سلعة لا قيمة لها. يمتلك العراق نحو (6,3) تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المؤكد وهذه الكمية تشكل نحو 2% من الاحتياطي العالمي و 6% من احتياطيات منطقة الخليج العربي، وتبلغ نسبة الغاز المصاحب (70%) والغاز الحر (30%) ولان العراق لا يعد منتجاً مصدراً للغاز حالياً فأن عمر الاحتياطي يقدر بـ(750) سنة، بينما الاحتياط السعودي 110 سنوات و350 سنة لايران و380 سنة لقطر و12 سنة للبحرين.

اما الاحتياطيات غير المؤكدة فتبلغ (3,4) تريليون متر مكعب وهناك دراسات عراقية تشير الى وجود (اقليم غازي) في المنطقتين الشمالية الشرقية من العراق والجنوبية، اذ تتشكل صخور عصر الجوارسي امكانيات كبيرة لوجود الغاز في جنوب العراق خاصة البصرة والعمارة، كما أن حقل (عكاش) في الجزء الغربي من العراق يشكل مكمناً غازياً عملاقاً تقدر قيمته باكثر من 2 تريليون دولار في حال استغلاله بصورة مثلى وبتقنيات عالية للاستخراج والانتاج.
ان حرق الغاز الطبيعي يعتبر كارثة بيئية، فهو يحتوي على عناصر ملوثه مثل كبريتيد الهايدروجين الذي يعد ساماً للغاية. ولذلك يعاني المواطنون في محافظة البصرة من امراض سرطانية كبيرة وامراض اخرى بسبب كثرة شعلات الغاز المحيطة بالبصرة من كل جانب كما يمكن ان يحتوي الغاز على الزئبق بشكل طبيعي. ولذلك يجب إزالته قبل ان يصل الى المستهلك.
منذ منتصف السبعينيات بدأ العالم يشهد نمواً مستمراً في استعمال الغاز بوصفه طاقه نظيفة. ولذلك تشير التوقعات الى استمرار التوسع في استخدام الغاز، حيث أن استخدام الغاز يرتبط بشكل قوي بانجازات تقنيات الغاز، خاصة في قطاع توليد الطاقة الكهرباء حيث يتطور استخدامه بسرعه في محطات الدورة المركبة. كما يستخدم في صناعة البتروكيمياويات ووقود في صناعة الحديد والصلب، ومادة خام في صناعة الاسمدة. وقد بلغ الطلب على الغاز نحو 195 مليار متر مكعب سنة 1995. انه وصل الى 2400 مليار متر مكعب في عام (2007) وسيصل الى (3100) مليار متر مكعب في العام (2010) وتعتبر سوق امريكا الشمالية الاولى للغاز التي تطورت في العالم حيث تبلغ حصة الغاز فيها نحو 25% من الطاقة الاولية.
لكن السوق الاوروبية شهدت نمواً مستمراً في الغاز ونتيجة لذلك فقد ازدادت حصة الغاز الطبيعي في ميزان الطاقة من 7,55 في عام 1970 الى 21% في عام 1992. والى 24% في عام 2006.
اما في الشرق الاوسط الذي تتراوح فيه حصة الغاز في موازين الطاقه بين 30 و40%، فأن المنطقة تقدم امكانيات واعدة للتطوير. ليس للاستهلاك المحلي فقط ولكن امكانيات كبيرة للتصدير. ولذلك تضم منطقة دول الكومنولث المستقلة والشرق الاوسط (70%) من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم. بينما تتراجع الاحتياطيات في امريكا الشمالية منذ اكثر من 20 سنة.
وتتسابق الدول المنتجة في مد الانابيب الناقلة للغاز عبر الاقاليم والدول للحصول على عقود طويلة الامد لبيع الغاز كما يحصل الان في قطر وبعض الدول الاسيوية. وبين ايران والصين والهند وباكستان. وبين الجزائر واوروبا(خط انابيب الجزائر – المغرب – اوربا) وبين النرويج وفرنسا خط غاز روسيا – اوروبا، الى غير ذلك من المشروعات الضخمة التي تدر مليارات الدولارات للدول المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي فضلاً عن نقل الغاز بواسطة الناقلات المتوسطة والضخمة.
لغة الارقام:-
يبقى الطرف المنتج للغاز الطبيعي بكميات صغيرة الخاسر الاكبر من بين الدول المنتجة للنفط والذي يصاحبه كميات هائلة من الغاز؟
وبلغة الارقام فأن العراق يسوق حالياً نحو (3و2) مليار متر مكعب ينصرف معظمه للاستهلاك المحلي (المنزلي والصناعي) بينما سوقت مصر (5و26) مليار والجزائر 84 مليار متر مكعب في حين استهلك العراق (85 الف برميل مكافئ نفط/يوم) في عام 2006. بينما استهلك 20 الفا في عام 2002 مما يؤشر فجوة في الاستهلاك تنعكس على معاناة المواطنين ومحطات الكهرباء والمصانع. كما ان الاستهلاك في الكويت بلغ (69 الف برميل مكافئ نفط/يوم) وفي سوريا 113 الف برميل وفي الامارات 60 ألفاً. في حين ينتج العراق (30 الف ب/ي) من سوائل الغاز الطبيعي. وهي كمية ضئيلة لا تسد الحاجات المحلية. مما يتسبب في حدوث أزمات حادة في الوقود. تضاف الى الازمات التي تحدث في المشتقات النفطية.
ويمكن للعراق ان ينتج كميات تعادل ثلاثة امثال انتاجه الحالي لو قامت وزارة النفط بمشاريع للانتاج والتسويق عبر الاتفاق مع الجانب التركي أو الكويتي تعود على الخزينة العراقية بمليارات الدولارات بدلاً من حرق هذه الثروة الطبيعية الهائلة. فالدول الاخرى تنقب عن الغاز في البحار والاراضي الوعرة بينما يتوافر الغاز الطبيعي في بلدنا بشكل مصاحب للنفط مما يقلل من تكاليف الانتاج. وثمة عوامل مميزة تجعل العراق رابحاً في اسواق الغاز العالمية الان... منها:-
1- أن ارتفاع اسعار النفط يسمح بنقل الغاز الى الاسواق، مما يعني مزيداً من الفرص.
2- ارباح المشتقات السائلة: لان ارتفاع اسعار النفط يعني بالضرورة حدوث ارتفاع شديد في قيمة السوائل المستخرجة كنواتج عرضية خلال عملية استخراج الغاز.
3- هناك ارتباط شديد بين النفط والغاز في عمليات التنقيب عن النفط لا يعني فقط مجرد زيادة كمية الغاز المرافق له، بل قد يصحبها اكتشاف حقول مستقلة للغاز. كما هو الحال في المنطقة الغربية من العراق حيث احتمال وجود (اقليم غازي) حسب دراسة الاستاذ (ثامر الغضبان) وزير النفط الاسبق.
4- أن إقامة خطوط انابيب لنقل الغاز العراقي خارج القطر لا تمر بمناطق تضم مياه ضحلة او عميقة مما يقلل من المخاطر والتكاليف.
5- ارتفاع اسعار النفط ادى الى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي.
وبما ان العراق يمتلك غازاَ مصاحباً الى جانب الغاز الحر، فأن الفرصة لارباح عالية ستكون متوفرة للعراق في الاسواق العالمية وسيكون منافساً قوياً للدول الاخرى فعلى سبيل المثال الغاز المستخرج من حقل (ترول) في بحر الشمال ما كان يسمح بتصديره تجارياً الى القاره الاوربية – في ظل التكلفة الباهظة لخطوط الانابيب – لولا أن ارتفاع اسعار النفط هيأ المظلة السعرية المناسبة، كما يشير الى ذلك الخبير النفطي (توماس ستوفر).
والتساؤل المطروح هنا: متى تبدأ وزارة النفط بإقامة مشروعات لتصدير الغاز وإقامة صناعة غاز عراقية كما هو الحال في معظم بلدان أوبك. ولماذا يبقى غاز العراق يحرق، وتهدر هذه الثروة الوطنية منذ اكثر من 70 سنة مرت.
أن المصلحة القومية العراقية تقتضي ايلاء هذا المشروع اهمية خاصة واعتباره من اولويات مشروعات بناء الاقتصاد العراقي. خاصة في ظل الارتفاع المستمر لاسعار الغاز في العالم وارتفاع الطلب عليه لاغراض متعددة في جميع دول العالم. ونحن على ثقة أن الجهات المعنية في القطاع النفطي تدرك اهمية الموضوع.. وتبقى المبادرة نحو الشروع في التنفيذ بين أيادي الحكومة الوطنية، رغم ما تواجهه من تحديات. وتقديرات أولية فأن العراق يخسر نحو 7 مليارات سنوياً من حرق الغاز الطبيعي.

http://www.almadapaper.com/paper.php...copy&sid=35897