واهيوانا*
أقيم مهرجان التمويل الإسلامي 2008 في جاكرتا في الفترة 16 - 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. وقد كان موضوع المهرجان، الذي استضافه بنك إندونيسيا هذا العام «التمويل والعمل المصرفي الإسلامي من أجل ازدهار إندونيسيا».

افتتح الرئيس سوسيلو بامبانغ يودهويونو هذا الحدث شارحاً كيف ساعد نظام العمل المصرفي الإسلامي على الحد من أثر الأزمة الاقتصادية العام 1998 في إندونيسيا. عندما أفلست المصارف التقليدية بسبب التخفيض الشديد للروبيّة الإندونيسية، بقيت المصارف الإسلامية قائمة وأضحت عماد الاقتصاد الإندونيسي من خلال توجيه معظم تمويلها نحو الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم.

وعلى رغم أن الحصة العالمية للتمويل والعمل المصرفي الإسلامي مازالت صغيرة نسبياً - إذ تشكل 1.7 في المئة من مجمل الموجودات الاقتصادية الوطنية في أندونيسيا - فإن السوق الاقتصادية المرتكزة على الشريعة الإسلامية التي تتبع مبادئ القانون الإسلامي تخدم احتياجات نحو 200 مليون مسلم.

بدأ التركيز الحالي على العمل المصرفي الإسلامي في إندونيسيا عندما بدأت الحكومة الإندونيسية، بعد ملاحظة الأداء الإيجابي للمصارف الإسلامية في إندونيسيا، بالنظر إليه كنظام بديل، يحمل احتمالات إصلاح الوضع الاقتصادي لهؤلاء الذين دمرت أزمة العام 1998 أعمالهم. ورأى الرئيس يودهويونو فرصة لإندونيسيا لكي تصبح مركز التمويل والعمل المصرفي الإسلامي في آسيا والعالم.

وكمثال على كيفية اختلاف العمل المصرفي الإسلامي عن غيره من العمل المصرفي، تقوم المصارف الإسلامية أحياناً بإقراض أموال إلى الشركات بأسعار فائدة معوّمة، ترتبط بمعدل نمو الشركة. وبذلك يصبح ربح المصرف من القرض معادلاً لنسبة مئوية محددة من أرباح الشركة. بعد دفع قيمة القرض الأصلية يتم الاتفاق على المشاركة في الأرباح.

ومن الأمثلة الأخرى التمويل الرأس مالي المغامر. يقوم رجل الأعمال الابتكاري بتوفير الأيدي العاملة بينما يقوم المصرف بتوفير التمويل بحيث يتم التشارك بكل من الربح والمخاطرة. تعكس هذه الترتيبات التشاركية بين رأس المال والعمالة النظرة الإسلامية بأنه لا يتوجب على المقترض أن يتحمل كامل مخاطرة/ كلفة الفشل، الأمر الذي يؤدي إلى توزيع متوازن للدخل ويمنع القرض من احتكار الاقتصاد.

في حالة عملية إجراء رهن بالأسلوب الإسلامي، وبدلاً من إقراض المقترض أموالاً لشراء المادة، يمكن أن يقوم المصرف بشراء المادة من بائعها وإعادة بيعها إلى المشتري بربح، بينما يسمح للمشتري بالتسديد للمصرف على دفعات، من دون عقوبات إضافية بسبب الدفع المتأخر. في هذا المثال الثالث وحتى يتسنى له حماية نفسه من عدم الدفع، يطلب المصرف رهناً شديداً.

جرى إدراك فوائد التمويل الإسلامي خارج إندونيسيا، حيث تخطط المملكة المتحدة لإصدار والاتجار بصكوك هي سندات لا تحتوي على فوائد مالية بدءاً من هذه السنة، بالجنيه الاسترالي، لصالح المسلمين المحليين وغيرهم من الباحثين عن طرح الجنيه وإبرازه كعملة. إضافة إلى ذلك هناك عدد من المؤسسات الأوروبية التي بدأت تظهر، كالبنك الإسلامي في بريطانيا وبنك الاستثمار الأوروبي الإسلامي. كما بدأت تايلند وسنغافورة باتباع هذا النظام. وحقيقة الأمر أن سنغافوره، إلى جانب هونغ كونغ، أصبحت أكثر أسواق التمويل الإسلامي جاذبية في آسيا.

كما تقدم مؤسسات مالية مثل Hsbc أمانة وسيتي بنك سيارية وأليانس سيارية عدداً من بدائل التمويل الإسلامية في قطاع التأمين.

ويقول نائب محافظ البنك المركزي الماليزي داتو محمد رازيف عبدالقادر إنه يوجد حالياً 300 مؤسسة مالية إسلامية تعمل في 76 دولة في العالم. وبلغت القيم الرأس مالية للموجودات العالمية لمؤسسات التمويل الإسلامي أكثر من تريليون دولار في السنة، ووصل مؤشر داو جونز الإسلامي 10 تريليونات دولار. مازالت هذه الحصة تعتبر صغيرة إذا قورنت بالقيمة الشاملة للصناعة المالية العالمية. إلا أنه في السنوات العشرين الماضية أصبح ظهور التمويل الإسلامي ظاهرة محفزة في عالم الأعمال بنسبة نمو بلغت 65 في المئة في السنة.

إغواءات الانخراط في صناعة تتمتع بمعدلات النمو هذه واضحة.

قد تكون واحدة من أهم فوائد التمويل الإسلامي أنه أثبت أنه الوجه الهادئ للصورة العالمية للإسلام، والتي لطخها الإرهاب خلال السنوات الأخيرة.

كما يدّعي الرئيس يودهويونو أن الخدمات المالية الإسلامية ليست موجهة فقط نحو المجتمعات المسلمة. هناك قيم مشتركة في التمويل الإسلامي والعمل المصرفي، الأمر الذي يجعلهما أكثر تقبلاً وأسهل وصولاً من قبل غير المسلمين. فالقرض الخالي من الفائدة، على سبيل المثال، تحترمه الأديان الإبراهيمية الثلاثة، إذ يمكن الاستشهاد بنصوص تشير إليه في القرآن الكريم (275:2، 279، 289) وفي نصوص دينية أخرى مثل العهد الجديد للإنجيل (لوقا: 34:6 - 35) والتوراة أو العهد القديم (سفر الخروج 25:22).

إضافة إلى ذلك يثمّن التمويل الإسلامي المساواة وتقديم الائتمان إلى الناس من خلال فرص الاستثمار المفتوحة وتَشَارُك الدائن والمدين بالربح والخسارة.

يجعل العمل على هذه الأسس التمويل والعمل المصرفي الإسلامي قابلاً للمقارنة مع «نموذج الاقتصاد النقدي الجديد» الذي وضع خطوطه العريضة جوزيف إي. ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001. إضافة إلى ذلك فإن جميع هذه المعتقدات الاقتصادية ملتزمة بمبادئ الديمقراطية - اقتصاد من قبل الشعب ولأجل الشعب قادر على محو التغريب الاقتصادي.

* صحافي مقره جاكرتا ومؤسس مركز مالوكو الإعلامي، وهو مؤسسة للسلام وحل النزاعات وصحافة السلام، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»