صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 22 من 22
  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي


    اذن، فالمؤشرات تدلنا الى واقع محرز كما نصت عليه بعض روايات صحيح البخاري وهو ان فهم على واهل البيت لمعاني القرآن كان من النمط الخاص بهم ((438))، وابن تيمية الذي وصفناه مؤسسا للتفسير السلفي لا يذكر الامام على(ع)في معرض ترجمته للصحابة في التفسير السلفي، بينما يعد عبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عباس من ذوي العلم التام بمعارف القرآن ((439))، كذلك فعل الدكتور الذهبي، حيث وضع ترجمته للامام على(ع) بعد ابن عباس وابن مسعود، مع انه يعترف بانه:

    (اعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التاويل)، وان ابن عباس قال عنه: (ما اخذت من تفسير القرآن فعن على بن ابي طالب)، حتى قال: (وغير هذا كثير من الاثار التي تشهد له » اي لعلى «بانه كان صدر المفسرين والمؤيد فيهم ((440)) رابعا دعوى نفي التعارض في آراء السلف التفسيرية نفى السلفيون بغية تدعيم مباني التفسير السلفي وجود التعارض في آراء السلف، ولهذا قال ابن تيمية:.

    (ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وان كان في التابعين اكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة الى من بعدهم، وكلما كان العصر اشرق كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه اكثر) ((441)) .

    وانطلاقا من هذا المبدا قدم ابن تيمية بعض نماذج الاختلاف في اقوال الصحابة محولا التوفيق بينها فوصفها بالتنوع الفكري، وهي فكرة تابعه فيها انصاره فروجوا لها ((443)) ((442)) وقد اوعز الذهبي منشا الاختلاف الى تفاوت الصحابة في ادوات الفهم والاستنباط ((444))، لكن الواقع المشهود لا يؤيدهذه الفكرة بتاتا، لا سيما اذا كان اختلاف السلف في مسالة كترجيح النقل على العقل، والتفويض على التاويل، فهي اختلافات من نوع الاضداد، وسياتي بيانه.

    خامسا ترجيح التفويض على التاويل والنقل على العقل كان من بين مدعيات المذهب السلفي واتجاهه التفسيري القول بالتفويض، وهو الامساك عن التاويل في مقابل ظواهرالايات والروايات، بدعوى عمق معانيها وقصور الفكر عن الاحاطة بها، من قبيل: الايات والروايات الواردة في صفات الحق تعالى، يقول النووي:

    (وهو مذهب معظم السلف او كلهم انه لا يتكلم في معناها »الصفات الالهية «، بل يقولون يجب علينا ان نؤمن بها ونعتقد لهامعنى يليق بجلال اللّه تعالى) ((445)) .

    وعلى ذلك مضى ابو المعالي الجويني، فنسب للسلف امتناعهم عن التاويل والابقاء على الظواهر وتفويض المعاني الى اللّه آعز وجل : (فالاولى الاتباع وترك الابتداع) ((446)) .

    واختصر الذهبي عبارته في سير اعلام النبلاء، فقال:

    (اما السلف فما خاضوا في التاويل، بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك الى اللّه ورسولهـ) ((447)) .

    وهذا هو راي ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري، والترمذي وآخرين ((449)) . ((448)) وكتب القرطبي في معرض تفسيره مفهوم الوزن من سورة الاعراف آية (8) نقلا عن القشيري: (وقد اجمعت الامة في الصدر الاول على الاخذ بهذه الظواهر من غير تاويل، واذا اجمعوا على منع التاويل وجب الاخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا) ((450)) .

    لكن، هذه دعوى لا توافقها الشواهد التاريخية، منها ما اورده القرطبي نفسه في شرح معنى الوزن، حيث قال بان مجاهداوالضحاك من التابعين كانا قد اخذا في ذلك بمعنى (العدل والقضاء)، وقال الطبري في تفسير آية (يكشف عن ساق):(قال جماعة من الصحابة والتابعين من اهل التاويل: يبدو عن امر شديد) ((451)) . كذلك نقل ابن الجوزي عن ابن عباس آالصحابي، ومجاهد وابراهيم النخعي وقتادة من التابعين وجمهور العلماء في معنى الاية ذاتها فقال: (اي يكشف عن شدة) ((452)).

    وتتجلى المسالة اكثر في تفسير آية (الى ربها ناظرة) كما سيمر بنا، حيث لجا جماعة من المفسرين صحابة وتابعين آالى التاويل هنا، فنفوا اصل الرؤية الحسية ((453)) .

    اما الدكتور صرصور، فقد خلص بعد تتبع جملة من الادلة الى القول:

    (ليس الامر كما يقال من التزام الصحابة الصمت تجاه المتشابه من الايات، وانما كانت طريقتهم ان لا يخوضوا فيما ليس لهم به علم، لا ان يفوض الحكم في كل آية متشابهة) ((454)) .

    يظهر ان جنوح الجمهور الى نسبة التفويض الى السلف جاء دفاعا عن موقف الخلفاء الثلاثة، وقلة بضاعتهم في المعارف القرآنية، وتحريمهم الخوض فيها ((455))، الامر الذي نتج عنه حكم (اللاادرية) بحق سائر الصحابة، فتاسس مذهبي(التفويض) ونسب للسلف.

    على اي حال، يبقى التاويل هو مذهب السلف وليس التفويض، الا فيما تعجز مداركهم عن التاويل فيه، وهذا ليس مختصابيات الصفات فقط. ويمكننا من خلال موضوع (رؤية الحق تعالى) رصد اهم الاسس في معادلة التفسير السلفي ونقدها،من قبيل:

    ترسيم حدود الدليل العقلي في التفسير النقلي، ومدى ضرورة الالتزام بالظواهر النقلية، وصحة او سقم دعوى نفي التعارض في اقوال السلف.

    يقع راي الشيعة والمعتزلة في رؤية الحق تعالى على طرفي نقيض مع راي الاشاعرة في المسالة ذاتها، فالشيعة والمعتزلة ينفون اصل الرؤية الحسية بجميع اشكالها، مستندين في ذلك الى الادلة العقلية والنقلية معا. وتقول الاشاعرة باحتمال الرؤية في الدنيا وقطعيتها في الاخرة، مستندين في ذلك الى ظواهر الايات، وما يعدونه متواترا من نصوص، مضافا لعقيدة السلف فيهذا الجانب.

    لا شك ان هذا النزاع التقليدي جاء نتيجة لبعض المبتنيات والمسلمات التي تبلورت خلف كواليس الحقب والفترات المتباعدة، وهنا تكمن اهمية البحث في موضوع (رؤية الحق تعالى) من خلال رصد تلك المباني والمسلمات الكلامية والتفسيرية، وما يمكن ان يوجه اليها من نقود، ذلك لان هذا الموضوع هيا مساحة لتعارض الاراء فيما بينها، وهو اكثرالمواضيع اتصالا بالاتجاه السلفي في التفسير، ومن خلاله سيتسنى لنا الموازنة بين تضارب آراء الفريقين وخلفياته.

    ولهذا نجد الدكتور الذهبي الذي كان قد قسم التفسير بالراي الى ممدوح ومذموم، لم يغفل موضوع رؤية الباري في معرض دفاعه عن التفاسير اشعرية الهوى او سلفيته سيرا على نهج ابن تيمية ((456))، ومن خلاله حاول توجيه نقوده الى تفسيرمجمع البيان ((457))، وامالي المرتضى ((458))، وتفسير شبر ((459)) وغيرها، متهما الجميع بالاخذ عن الفكر الاعتزالي في نفي مبدا رؤية الباري الحسية، وعدها من تفاسير الراي المذمومة.

    واستدل التفتازاني بالاجماع والنص على وقوع الرؤية، فقال:

    (اما الاجماع فاتفاق الامة قبل حدوث المخالفين على وقوع الرؤية، وكون الايات والاحاديث الواردة فيها على ظواهرها، حتى روى حديث الرؤية احد وعشرون رجلا من كبارالصحابة، واما النص فمن الكتاب قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة (#) الى ربها ناظرة)((460)).

    اما الاشاعرة الذين يعدون انفسهم امتدادا لافكار السلف، فقد صنفت رسائلهم الاعتقادية في الرؤية ضمن عقائدهم ((461)).وقد اخذ المفسرون عنهم الفكرة فتمسكوا بظاهر الايات في اثبات رؤية الباري، ولم يثنهم عن موقفهم شي نظرا لوفرة الروايات الواردة فيهذا المجال، فهم يقولون بتواترها من ((462))، وبنسبة القول بوقوع الرؤية الى السلف من جانب جانب آخر ((463)) اما الطبري (ت/310هـ) الذي تقدم بيان منزلة تفسيره عند اهل السنة، نظرا لنقله اقوال السلف وميولاته السلفية ((464))،فقد رجح، من تعارض بعض الروايات، القول بالرؤية ((465))، وقد صرح ابن كثير (ت/774هـ) الذي ابدى رغبة شديدة في تفسيره بروايات السلف التفسيرية، وبالسعي الى تفسير كلام اللّه وفقا لاحاديث وآثار السلف، مع الجرح والتعديل فيها((466))، بتاييده لراي الاشاعرة في الاقتصار على ظاهر الروايات، وعد اعمال اي نوع من التاويل ابطالا لاية (الى ربهاناظرة) ((467)) .

    القرطبي (ت/677) كذلك فسر قوله تعالى: (الى ربها ناظرة) بالرؤية الحسية استدلالا بظاهر الاية، والروايات القطعية،وراي جمهور العلماء ((468)) .

    لقد اكتفى مفسرو الاشاعرة باصل الرؤية في يوم القيامة دون الخوض في التفاصيل، وذلك وفاء والتزاما بالاخبار والاثار.فهذا ابو الحسن الاشعري يكتفي بالقول: (ان اللّه يرى في الاخرة بالابصار ((469))، وهكذا فعل كل من ابن كثير ((470))،والقرطبي ((471))، والبيضاوي ((472))، ولم يقدموا تعليقا او شرحا على الموضوع. لكن المحرز من عبائر الجميع تعارض فكرتهم مع فكر اصحاب القول بالتجسيم، فالمجسمة والكرامية يزعمون: (ان للّه نعوذ باللّه جسما يمكن رؤيته في مكان محدد وجهة معينة) ((473))، وهي نظرية لطالما نفوها اشاعرة اهل السنة من اتباع السلف عن انفسهم، الامر الذي يعكس ان الرؤية عندهم منزهة عن الجهة والمكان. وبهذا صرح التفتازاني (ت/793هـ) في معرض رصده الاجمالي لبدايات الاعتقاد بالرؤية بين علماء الاشاعرة، فقال:

    (ذهب اهل السنة الى ان اللّه تعالى يجوز ان يرى، وان المؤمنين في الجنة يرونه منزها عن المقابلة والجهة والمكان)((474))، وفي ذلك قال التابعي (ابن عطية العوفي): (هم ينظرون الى اللّه لا تحيط ابصارهم به من عظمتهـ) ((475)) .

    كما جاء في وصية ابي حنيفة التي دونت اواخر القرن الثاني حسب بعض المحققين ((476)) بيان للمقصود من مفهوم الرؤية: (نحن نسلم بل قاء اهل عدن باللّه تعالى، لكنه لقاء دون جهة ومكان). وقد عرف شارح الوصية مفهوم (اللقاء) هنابالمشاهدة البصرية ((477)) .

    البيهقي (ت/458هـ) بدوره نفى الجهة في الرؤية ايضا ((478))، ولعل هذه المفردات هي التي دعت الاشاعرة الى حمل شعار (انه يرى بلا كيف). وان كان الزمخشري وغيره وصفه بالجهل المقنع ((479)) .

    على اية حال، فاهل السنة من الاشاعرة قالوا بامكانية وقوع الرؤية في الدنيا وقطعيتها في الاخرة، خلافا لراي الشيعة والمعتزلة من جهة، وخلافا للكرامية والمجسمة من جهة اخرى، من حيث نفي الاشاعرة للمكان والكيف عن تلك الرؤية.

    بعد تقديم وجهات النظر في مسالة الرؤية، ننتقل الى تحليل وتقييم مباني التفسير السلفي من خلال هذه المسالة، ونلخصهافي النقاط التالية

    1- لقد وضع الدليل العقلي على الرؤية مفسري الاشاعرة من السلفيين امام اشكاليات سديدة، تنبه لها بعضهم كالفخرالرازي، حيث عقب على تقريره للدليل العقلي بصورة اجمالية بقوله: (وهذه الدلالة ضعيفة) ((480))، وبعد استعراضه المناقشات العقلية غير المجدية انتهى للقول:

    (والمعتمد في المسالة الدلائل السمعية) ((481)) .

    ابن خلدون ايضا انتقد الدليل العقلي بقوله: (وما يمكن الاستناد اليه فيهذا الباب هو الادلة النقلية كقوله تعالى: (الى ربهاناظرة)) ((482)) . كما عد كل من السيالكوتي والجلبي في شرحهما على (مواقف الايجي) حكم العقل قاصرا لا قيمة له في اثبات الرؤية ((483))، وببطلان حكم العقل تعود الاصالة للدليل النقلي، فيستعيد النقل مكانته في التفسير السلفي، اي ان الاستدلالات العقلية لم تستطع تهميش دور النقل.

    2- لم يحاول الاشاعرة السلفيون الاستشهاد بية (رب ارني انظر اليك) (الاعراف/143) في معرض اثباتهم لرؤية الباري رؤية منزهة عن الجهة والمقابلة، لانهم كانوا بصدد توظيفها في غرض آخر هو اثبات امكانية الرؤية في الدنيا، اما دليلهم في اثبات الرؤية القطعية في الاخرة فجاء من خلال الاية (الى ربها ناظرة). لكن امكان الرؤية الدنيوية منزهة عن الجهة والمقابلة يكاد يكون من الامور المستحيلة، لذا فهناك فارق جوهري بين الرؤية الاولى والثانية، بحيث ان وقوع احدها لايثبت امكانية وقوع الاخرى.

    وعليه، اما ان تذعن الاشاعرة بمذهب المجسمة والكرامية او ان يتراجعوا عن الاستشهاد بية (رب ارني..). وكان من بين الذين تمسكوا بهذه الاية: ابو الحسن الاشعري ((484))، وابو بكر الباقلاني ((485))، ومحمد الغزالي، وعبد الكريم الشهرستاني . ((486))

    3- لا ينكر اشاعرة الاتجاه السلفي دور العقل بوصفه عنصرا ادراكيا في تفسير الوحي، فان منشا حجية العقل في التفسيرالسلفي مؤسس على مبدا السيرة العقلائية، اي ان اللّه تعالى اودع مقاصده في ظواهر الايات بما يتلائم والحوار العقلائي،والسيرة العقلائية تقضي بضرورة الاعتماد على عقل المخاطب في افهامه المراد.

    اذن، فمتى ما كان فهم العقل في دائرة اصول الخطاب فهو حجة. على ان طائفة من اهل السنة (اهل الحديث) كانت قدرفضت حجية العقل بهذا المعنى المتقدم ((487))، ومع ان الاشاعرة يلومون على المعتزلة والشيعة عملهم بالعقل ((488))، ويقدمون الصحيح من اقوال الصحابة اذا ما وقع التعارض بين النقل والعقل، وامتنع الجمع والتوفيق ((489))، الا انهم وخلافالهذا التصور يعتقدون نوعا ما بحجية العقل، لانهم وعلى العكس من المجسمة والكرامية نفوا جسمية الحق ومكانيته بدليل عقلي ((490))، ولم يكن لهم مناص في تفسير ظاهر (الى ربها ناظرة)، وما ورد من روايات دالة على رؤية الحق تعالى، من اعمال التاويل في نفي الجهة والمكان عن تلك الرؤية.

    4- يتحفظ السلفيون من التاويل بجميع اشكاله ما لم يستند الى اقوال السلف، وبهذا يؤاخذون على المعتزلة والشيعة تاويلهم بعض الايات، وكان ينبغي عليهم ان لا يغضوا الطرف عن بعض الحقائق، من قبيل: ما ذهبت اليه المعتزلة والشيعة في معنى النظر في الاية (الى ربها ناظرة) ونفي دلالته على الرؤية البصرية، واذا كان ظاهر الاية لا يوحي بهذا، فلا معنى لاستبعاده.فمفهوم (النظر) عندهم ليس من الرؤية، بل ولا يلتقي حتى مع ابسط معانيها، وانما هو بمعنى الانتظار والسبب في طريق الرؤية دون ان تستوفي العلة شروطها للتحقق . ((491)) اذن، ليس هناك تاويل يذكر لكي يؤاخذ عليه، وحتى ان كان التاويل موجودا، فالاشاعرة انفسهم قد خضعوا له كما مرآنفا في نفي الجهة والمكان، وعملوا بالتاويل العقلي في تفسير الاية ذاتها. وانصياعا وراء ذلك اولوا بعض رواياتهم ايضا.

    5- يعتقد بعض السلفيين ان اللّه يهب المؤمنين في الاخرة باصرة تختلف عن العين المجردة في الدنيا، بحيث ان النظر بتلك الباصرة يعدل، او هي ضرب من الرؤية القلبية منزهة عن المادة والجهة والمقابلة، وقد تنبه التفتازاني لهذا الموضوع فقال فيه:

    (ان لزوم المقابلة والجهة ممتنع، وانما الرؤية نوع من الادراك يخلقه اللّه متى شاء، ولاى شاء) ((492)) .

    ومن هذا المنطلق راح الرازي يستنبط ادلته على وقوع رؤية الباري يوم القيامة من رواية لضرار بن عمرو الكوفي، قال فيها:

    (وانما يرى بحاسة سادسة يخلقها اللّه يوم القيامة) ((493))، كذلك نقل الطبري عن بعضهم خبر الحاسة السادسة التي بهاسيرى الباري ((494)) .

    واذا سلمنا باصل الفكرة، تعينت علينا العودة الى تحديد اطر الخلاف بين الفرق الاسلامية، لان القول بهكذا نوع من الرؤية سيكون خارجا عن دائرة الخلاف. وعليه، لن يكون خلاف الاشاعرة مع الشيعة والمعتزلة الا خلافا لفظيا وحسب. وان كان الاشاعرة يتمسكون بظاهر الروايات في اثبات مدعياتهم، والحال ان ظاهرها هنا ينص على العين المجردة ((495))، الامرالذي اضطرهم هذه المرة الى العمل بتاويل ظاهر الروايات والعزوب عن العمل بظواهرها، كما حصل من قبل في ظاهر آية(الى ربها ناظرة)، مع ان اسس فكر الاشاعرة السلفي لا يسمح بهذه الدلالات اطلاقا.

    6- اخيرا، لا صحة للاجماع المزعوم من قبل البعض بخصوص راي السلف بوقوع رؤية الباري، وليس ذلك الا محاولة منهم لتدعيم نظريتهم براء السلف ((496)) . بل، وحسب الطبرسي ((497)) والقاضي عبد الجبار ((498)) كانت هناك طائفة من مفسري الصحابة والتابعين تنفي الرؤية جملة وتفصيلا. فهذا الطبراني ينقل عن عكرمة، والضحاك، وعطا عن ابن عباس في معنى الاية فيقول: اي (الى ثواب ربما ناظرة) ((499))، ونقل الطبري عن ابي صالح ومجاهد باسانيد متعددة عبارة: (لايراه من خلقه شي... يرى ولا يراه شي) ((500)) .

    وكان مجاهد قد اخذ تفسير القرآن عن ابن عباس (ت/102هـ)، وعلى تفسيره اعتمد سفيان الثوري والشافعي والبخاري واحمد بن حنبل ((501))، وهذا راي كل من منصور السدي، وعكرمة، وحسن البصري ايضا ((502)) .

    كما روى انس بن مالك عن الرسول(ص)قوله: (ينظرون الى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود، ولا صفة معلومة) ((503))،وعن عائشة زوج النبي(ص) نقل البخاري ومسلم روايات نفت فيها حصول رؤية الرسول للباري ليلة المعراج مستشهدة بقوله تعالى: (لا تدركه الابصار) ((504)) . كما روى مسلم والترمذي نفي ابن عباس للرؤية البصرية ليلة المعراج، وفسرهابالرؤية القلبية ((505))، وعن ابي ذر ايضا انه قال: سالت رسول اللّه:(ص)هل رايت ربك؟ قال: رايت نورا) ((506)) . تاسيساعلى ذلك تبقى مسالة الرؤية من المسائل الخلافية بين السلف وفي مقدمتهم الصحابة، ولا مجال للتوفيق بين آرائهم المتعارضة او وصف ذلك التعارض بالتنوع من جهة، والوحدة من جهة اخرى.





  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    السلفية الدينية والفتنة الطائفية دراسة في المنطلقات والدوافع

    ا. مجيد محمد علي

    يمكن القول ان هناك عشرات الاسباب التي تقود الى الطائفية والنزاع الطائفي، ولا يمكن استعراضها في مثل هذا البحث‏الموجز. ولكننا سوف نقتصر على مناقشة سبب واحد، وواحد فقط ربما يعتبره البعض الاهم، لانه يتفاعل مع ضمير ملايين‏الناس ويستفز مشاعرهم. وربما تاتي اهميته ايضا لكونه عنصرا تعبويا وتجييشيا قد يوظفه السياسيون لدى الشباب‏ويدفعونهم بسببه نحو الانتحار او الاستشهاد.

    ولذلك، يمكن اعتباره من اهم الاسباب التي يفترض مناقشتها والتركيزعليها قبل غيرها.

    هذا من جانب، ومن جانب آخر، يمكن القول ايضا ان الطائفية موضوع شائك ومعقد، ولعله يمتد في طول العالمين العربي‏والاسلامي وعرضهما تاريخا وجغرافية، عمقا وسطحا.

    صحيح ان السياسيين المحترفين استطاعوا توظيف موضوع الطائفية واستغلاله، كما استغل غيرهم الدين والمذهب لمصالح‏واهواء فئوية وآنية. لكنه في الحقيقة، فان مشكلة ستبقى قائمة ما دامت هناك مصالح وصراعات، ربما تستعصي على‏المحاولات التمويهية التي دفعت وحرضت على اثارته ونقله من الحالة الفكرية والعقائدية للمفكرين ورجال الثقافة، الى‏نعرة مريضة تم توظيفها سياسيا وفكريا لدى بسطاء الناس وعوامهم، وادخلوها الى عمق المجتمع، لتنخره وتاكله كالنارتاكل بعضها ان لم تجد ما تاكله.

    وكما ان مصيبة الدين في جميع العصور فئتان: فئة اساءت استخدامه، وفئة اتقنت استغلاله، فالتي اساءت استخدامه ضللت‏المؤمنين به، والتي اتقنت استغلاله اعطت الجاحدين حجة عليه، فان مصيبة المذهب هي الاخرى فئتان: فئة مصلحية‏جاهلة، ادركت عمق المذهب في نفوس منتسبيه فحولته الى طائفية بغيضة، يرى المنتمي فيها القشة في عيون غيره ولايرى الخشبة في عينيه، وفئة مجندة مرتزقة تتصيد كل اختلاف في وجهات النظر لتحوله الى معارك دامية تستخدم فيها كل‏انواع الاسلحة، وليس فيها شرف الحروب، ولا قيم النزال المعروفة في عوالم المعارك والصراعات.

    ولا نريد ان نستغرق في مقدمة قد تطول وتعرض حول الفرق بين المذهبية والطائفية، ولكننا نقول باختصار: ان الاولى آفي تعريفنا انتماء فقهى، وتعني ترجيح هذا المسلم او ذاك لفقه مذهب من المذاهب الاسلامية والانتساب اليه في عمل‏التزامي معين، او انها (اي المذهبية) انتساب خاص الى مدرسة خاصة من المدارس الفقهية التي ظهرت في تاريخ المسلمين‏بسبب تعدد الاجتهادات والقراءات للروايات والادلة على مستوى التقليد او الاتباع او الاجتهاد.

    اما الطائفية فانها انغلاق ابناء الطائفة الاسلامية الواحدة او طائفة اسلامية واحدة على انفسهم والسعي لاستئثارهم بالسلطة‏والحكم، بصرف النظر عن نوع هذا الحكم جاهليا كان ام اسلاميا، مستبدا ام ديمقراطيا، علمانيا ام ليبراليا، واتهام الاخرين‏من اصحاب المذاهب الاسلامية الاخرى بالكفر والضلال.

    وهذا هو الجاري او الذي يراد له ان يجري في العراق اليوم من الاسف الشديد. حيث تندفع الاوضاع في هذا البلد نحوالتشرذم الطائفي والاثني، ولم يعد امام المكونات الاجتماعية والسياسية في هذا البلد او هكذا الصورة الظاهرة للعيان آالاالمساومات السياسية بين امراء الطوائف والقادة المحليين لاطلاق كيانية محلية، او مشروع لكيانية ضيقة، وبتراتبية‏عمودية تكاد تلغي مشروع المواطنة بشكل مباشر او غير مباشر.

    ولا اريد في هذا البحث الموجز، ايضا، المرور على كل الاسباب التي اد ت الى هذا الانجرار الطائفي، لانها عديدة‏ومتشعبة، ولها فروع وامتدادات، ولا يتسع له بحث او بحثان ولا مؤتمر او مؤتمران. وحتى اذا اردنا تعداد الاسباب فقط،فقد ياتي التعداد مبتسرا ومتعسفا، ربما يساء فهمه هو الاخر وربما يشارك في تعميق المشكلة بدل ان يحلها.

    اما خلاصة ما يمكن قوله اذا كان لا بد من المرور على بعض الاسباب، وليس كلها، فيمكن، وباختصار شديد، القول:

    بان‏العراق منقسم مذهبيا الى قسمين، وان الاكثرية المذهبية فيه لا يمكن ان تتحول الى اقلية، ما دامت المسالة في عمق‏المجتمع ولها جذورها التاريخية الممتدة في عمق الزمن، ولكن المشكلة بدات حينما تحكمت الاقلية، او قل حكمت‏العراق سياسيا عقودا طويلة، ويراد اليوم للاكثرية ان تتحكم على الاساس الطائفي او المذهبي (لا فرق)، وليس على اساس‏برنامج سياسي واضح المعالم والحدود.

    وهذا يعني، عدم السعي الى تحويل الاكثرية المذهبية الى اكثرية سياسية، وابقاء او محاولة ابقاء كل شي على حاله، اي منع‏تبلور اكثرية او اقلية سياسية بمعزل عن الاكثرية او الاقلية الطائفية والقومية، بمعنى محاولة ابقاء او اذكاء الخلاف المذهبي،وابعاد اي تحرك سياسي جمعي يسعى للتقريب والتسوية، وفي توجه مقصود يراد منه او من خلاله ابقاء الهيمنة السياسية‏والاقتصادية والاجتماعية لامراء الطوائف والجماعات القومية والاثنية، والحيلولة دون قيام اصطفاف سياسي للاكثرية على‏المستوى الوطني.

    وهذا يعني في نهاية المطاف، تغذية المشاعر الطائفية والقومية الانعزالية، وتشويه الوعي الوطني والطبقي للاكثرية المغلوبة‏على امرها، وربما بسبب هذا التوجه لهؤلاء الامراء ومن يمشي خلفهم، او بسبب الاجندات السياسية الدولية والاقليمية‏التي باتت تاخذ العراق طولا وعرضا ولاهداف باتت معروفة للقريب والبعيد.

    اقول مرة اخرى: لا اريد ان اعدد اسباب هذا الانجرار، لان فيه ما ينكئ الجروح، كما اتصور، ولعلي (نكات جرحا) في‏التصوير او التوصيف الذي قدمته آنفا حول الاكثرية، وربما انكؤه اكثر اذا تكلمت عن الفساد المالي والاداري، مثلا، كسبب‏آخر غذى ويغذي نيران الطائفية، والذي اعتبره، بل يعتبره الكثيرون حاضنة الارهاب واساس الشر ووقود الطائفية، وكيف‏ان بعض السياسيين في العراق اصبحوا يصنفون، مع الاسف، على ان نسبتهم في هذا البلد صارت الاكثر في كل العالم، وان‏الجماعة لم يتفقوا على شي كما اتفقوا على مناقشة حقوقهم المالية، لا سيما حين منحوا انفسهم رواتب لم يمنحها اي‏سياسي في العالم ايضا، بل واشترعوا لذلك قانونا كان، مع الاسف، نسفا واضحا وصريحا للمادة الثانية للمبادئ الاساسية‏من الدستور العراقي الجديد التي تقول بالحرف الواحد: ((لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام)).

    في وقت ‏يمكن القول ان قانون الرواتب الذي صوتوا عليه في البرلمان العراقي اليوم يعتبر خرقا فاضحا لابسط ثوابت احكام‏الاسلام.

    اقول: ان هذا التشريع لهذا القانون ربما جر البعض من العوام او جراهم على خلق قوانين خاصة بهم، تجوز لهم قتل كل من‏يتصورونه حسب فهمهم مشاركا في هذا الفساد، او هذه (اللصوصية المشترعة)، وبالتالي اضفاء صبغة قانونية على‏عملهم، باعتبار الجميع اي (جميع المحاصصين) من اعضاء البرلمان قد تخندقوا في قوائمهم الانتخابية، ولما استطاعوا الفوزلولا تلك التخندقات المذهبية ان لم نقل الطائفية.

    اقول مرة اخرى: ان هناك اكثر من عشرة اسباب للطائفية، لعل اولها الطائفية السياسية التي اغرقت العراق في بحر من‏الدماء، رافقها الفساد المالي الذي استخدمه اعداء العراق وسيلة تجييش للاجهاز على العملية السياسية برمتها. مضافا الى‏هذين السببين، سوء فهم مقصود او غير مقصود لمسالة المحاصصة التي راى البعض لابديتها في المراحل الاولى للعملية‏السياسية، وهكذا المقاومة (الشرعية) التي لا يمكن فهم (شرعيتها) في ظل حكومة شرعية منتخبة، وان كانت‏مشروعة.

    وهناك اسباب اخرى للفتنة الطائفية، ولعل الاهم منها القراءة المنغلقة للاسلام التي ينظر لها انصار (القاعدة) ومن يلف لفهم،وهكذا (الوهابيون) والنواصب وعداؤهم التاريخي المعروف لمذهب اهل البيت، ومعهم الصداميين المجرمين الذين ادمنواعلى الحكم لعقود طويلة، فقادوا العراق او جروه الى معادلة ظالمة ما تصوروا يوما ان القدر سيغيرها، وكذلك التكفيريين‏المغفلين الذين اعتبروا الشيعة كفارا (روافض)، والسنة المتعاونين معهم مرتدين، والاكراد خونة.. وهكذا، ناهيك عن سبب‏آخر يمكن ان ننسبه للمحتلين واخطائهم الكثيرة المقصودة وغير المقصودة في اذكاء نيران الطائفية.

    اذن، لو ناقشنا جميع هذه الاسباب وغيرها لاخذنا المقام بعيدا، وبعيدا جدا عن الموضوع الذي اردنا التركيز عليه، ولكنناتركنا كل ذلك، لرجال الفكر والثقافة والسياسة والدين، ليدلوا كل بدلوه لمعالجة هذه الاسباب وانقاذ العراق من شرور هذه‏الفتنة وتداعياتها على راهن العراق ومستقبلة.

    اقول: اترك كل هذه الاسباب، وابتعد عن كل ما من شانه زيادة الهوة بين (المتواجهين)، متحاشيا الانجرار الى مشروع‏القرصنة السياسية الذي يعرف رجاله قبل غيرهم ما يفعلونه في الواقع الديني والسياسي العراقي، واتوقف عند سبب واحد،وواحد فقط، لم يشا المتناحرون التوقف عنده اما جهلا او تعمية...

    لاضع على بعض حروفه بعض النقاط، لعل ذلك يساهم‏في اطفاء بعض الحرائق المشتعلة في العراق، او حقن محجمة دم من انهار الدماء التي تجري في هذا البلد المعذب‏المنكوب.

    هذا السبب، وبكل صراحة ووضوح، وضعته تحت عنوان (سب الصحابة بين الموجبة الجزيئة والسالبة الكلية)، وفيما يلي‏عرض موجز له.

    سبب من عشرة اسباب سب الصحابة بين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية لم يؤكد الاسلام على شي اكثر من تاكيده على الحب في اللّه والبغض في اللّه، حتى جاء في الماثور: وهل الدين الاالحب؟!وهل الجنة الا الحب؟! ولعل اول مظهر من مظاهر الحب هو الوئام والمودة والرحمة بين المتحابين، والدعوة الى التعايش‏والانسجام بين المختلفين، باعتبار الاختلاف الايجابي مسالة لا بد منها بين بني البشر، اي لا بد من اقرارها والاعتراف‏بها.

    (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين (#) الا من رحم ربك ولذلك خلقهم( (هود: 118 119) (ولو شاء لهداكم اجمعين) (النحل: 9، وانظر ايضا الانعام: 149).

    (ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا( (يونس: 99).

    (ولو شاء اللّه لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم( (المائدة: 48).

    ولما كان هذا الاختلاف هو الثابت الذي لا بد منه في الصراع البشري، وهو السلم الذي لا بد من ارتقائه نحو الرشدوالتكامل، ياتي العقل والدين فيفترضان ضرورة التعاط‏ي مع هذا النوع من الاختلاف واحتوائه واستيعابه، والحيلولة دون‏تحوله الى عنف وعنف مضاد، او ارهاب وارهاب مضاد.

    وياتي الاختلاف بين السنة والشيعة في هذا الاطار، فضلا عن كونه بابا من ابواب التكامل والرشد والمذكورين، اوجدته‏السنة الالهية لتحميص الناس واختبارهم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) (الانفال:42).





  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    بقلم :حسام تمام
    السلفية وإشكالية الدولة الحديثة

    [align=justify]
    ينتمي الفكر السياسي السلفي السائد، إلى ما قبل نشأة الدولة القومية الحديثة. ومن ثمّ، يعود تصوّر السلفيّين للدولة إلى ما قبل قرنين من الزمان هما عمر الدولة الحديثة التي عرفتها المجتمعات الأوروبية، ومنها انتقلت إلى بقية العالم. ويمكن القول إن «الدولة» كما يتصوّرها السلفيون، بل كما في التداول الإسلامي السائد، لا علاقة لها بالدولة الحديثة إلا بالاسم الذي هو ترجمة خاطئة لـ «state». وتحمل الأخيرة دلالات مناقضة تماماً لمعنى «الدولة» في تجربتنا التاريخية، الذي كان يُقصد به التغيّر والتبدّل (منها قوله تعالى «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، وقولهم «الأيام دول»)، فيما كانت الدلالة الواضحة في الاسم الغربي هي الثبات!
    وإذا ما اتضح الفارق، فيمكن القول إن ثمة مشكلات بل وتناقضات جوهرية للسلفية مع الدولة الحديثة على مستويات مختلفة. فهي في واقعنا الإسلامي دولة تجزئة ترسّخ لواقع الانقسام الإسلامي بل وتشرعنه بدلاً عن دولة الوحدة الإسلامية، ثم بالضرورة لا تتأسس على شرعية دينية، ولا تُناط بها مسؤوليات دينية خاصة، بل هي ـــــ وهذا هو الأهم ـــــ تطرح نفسها كمطلق وكمصدر للشرعية لا يحتاج إلى شرعية من خارجه حتى لو كان الدين مصدرها!
    لذلك، ظلت الأطروحة السلفية، وستبقى، في صراع جوهري مع فكرة الدولة الحديثة مهما كان الوعي السلفي بطبيعة هذه الدولة وفلسفتها، ومهما كان وضع السلفية في دول رأت نفسها ممثلة للسلفية أو حظيت بدعمها! وزاد من ذلك الصراع انشداد الأطروحة السلفية في طبعاتها الأخيرة التي تغلب عليها الايديولوجيا إلى «المثال» الإسلامي المتخيل، والمتمثل في دولة الوحدة الإسلامية الجامعة. فهي رفضت التراث الفقهي التقليدي، والسلفي أحياناً، الذي أعطى الشرعية لواقع الانقسام، ودول وإمارات وسلطنات الأمر الواقع، كما رفضت التراث القانوني والدستوري الحديث في أسلمة الدولة الحديثة، وإن لم يمنع هذا من الحديث عن «سلفية» وطنية استفادت منها دولة ما بعد الاستقلال في دعم وجودها.
    نتكلم هنا عن سلفية محمد عبده التي أسست للوطنية المصرية بالقطع مع أممية أستاذه جمال الدين الأفغاني، وسلفية عبد الحميد بن باديس التي أسست للوطنية الجزائرية وإن وضعتها ضمن دوائر انتماء أخرى للعروبة والإسلام متناغمة ومتكاملة وليست متعارضة (وذلك بشعاره الشهير: الإسلام ديني والعربية لغتي والجزائر وطني)، وسلفية علال الفاسي في المغرب كذلك.
    لكن، بشكل عام ، كانت نتيجة الرفض العميق للدولة الحديثة أن تحول الفكر السلفي وتمثلاته الحركية بشكل خاص ، إلى عامل إضعاف للدولة الحديثة في عالمنا العربي، وعقبة في طريق بنائها وتطويرها. فهو إما ساع إلى نزع الشرعية عنها، بما في ذلك الخروج عليها ومحاولة تقويض أسسها ـــــ وهو ما تصاعد بعدما أخذت السلفية أبعاداً حركية ـــ أو منصرف عنها ولا يرى له موقعاً فيها.
    ومن ثم، ظل «الخزان» السلفي طاقة مهملة في الحراك السياسي في عالمنا العربي، أو أداة تُوظّفها أنظمة الاستبداد والتسلط لدعم وجودها وشرعيتها، عبر تنزيل مقولات فقهية تاريخية في واقع حديث لا يمتّ إليها بصلة، كما في مقولات وجوب طاعة ولي الأمر وتجريم معارضته أو «الخروج» عليه بتعبيرها التراثي!

    أتصور أن البحث عن أفق لعلاقة إيجابية يجب ألا يتغافل عن صعوبة أو ربما استحالة انسجام السلفية مع الدولة الحديثة، على الأقل في اللحظة التاريخية الحالية، وأن يدرك أن المحاولات التي تجرى على الأرضية السلفية ستبقى هامشية واستثنائية في مجملها، ولا يمكن أن تتطور لعموم الحالة السلفية. فمحاولات بعض السلفيين، كما في حالة لبنان، التأسيس لشرعية الدولة التي تقوم على تعددية دينية تضمن مشاركة كاملة لغير المسلمين (المسيحيين)، وتعترف بالتنوع داخل الإسلام (الشيعة)، تبقى حالة خاصة ربما محكومة بالطبيعة اللبنانية، وهي مع ذلك نادرة في محيط سلفي مضاد. أما الدول التي يشارك فيها السلفيون سياسياً، كما في الحالة الخليجية، فما زالت تنتمي إلى تقليد «الإمارات»، ولم تدخل بعد عصر الدولة الحديثة، ومن ثم فهي لا تصلح مثالاً لحالة تصالح السلفية مع الدولة الحديثة.
    المصالحة التامة قد تكون بعيدة إلى حد كبير، وغير مفيدة في بعض الأحيان. فثمة مشكلات جوهرية في طبيعة الدولة الحديثة، على الأقل لجهة علاقتها بالدين، تسمح للسلفية بالتحفظ على إعطائها الشرعية الكاملة التي يمكن أن تنالها من تصالح الأطروحة السلفية معها. فالدولة الحديثة في طبيعتها مطلقة، ترى في نفسها كما لو كانت إلهاً يملك كل السلطات، وهي تحتكر الشرعية وتعلو بها على أي شرعية، حتى لو كان الدين مصدرها، فتعيد توزيع الشرعية وتعطي منها وتمنع. وهي إن لم تصادم الدين صراحة في كثير من الأحيان، فقد صادرته لنفسها دائماً، وقامت وصية عليه، حتى يكفيها أن تتبنى رأياً أو اجتهاداً فقهياً ليصبح قانوناً يعاقب من يخالفه!
    تناقض الأطروحة السلفية مع منطق الدولة الحديثة ليس مشكلة في ذاته، بل تبدأ المشكلة حين تتحول السلفية إلى أداة من أدوات هدم هذه الدولة وتضييع كل مكتسباتها، دون أفق لتقديم بديل عنها باعتبارها الإطار المنظم للعلاقات الدولية في لحظتنا التاريخية الراهنة. وتزداد الفداحة في حال دول كبرى مهمة مثل مصر، التي تمثل كسباً للأمة العربية والإسلامية من حيث قوتها كدولة مؤسسات، وما قطعته من تقدم على مستوى الاستقلالية والتحرر الوطني، ثم عدم تعارضها الصريح مع فكرة المرجعية الإسلامية، وسعيها إلى التناغم معها على المستوى الدستوري والتشريعي.
    إن دخول السلفيين في العمل السياسي المباشر في الدولة الحديثة، ووفق منطقها، سيكون لمصلحة تعزيزها لجهة تفكيك الأطروحة السلفية وخاصة في بعديها الأساسيين: وحدة الأمة وما يستلزم من وحدة الإطار السياسي الناظم لها، والشرعية الدينية للدولة وما يتعلق بها وما يترتب عليها من مسؤولية دينية. وهو تفكك شمل كل الجماعات والأطروحات الإسلامية التي تبنّت منطق العمل السياسي المباشر ضمن مؤسسات الدولة الحديثة (الأحزاب والبرلمان وجهاز الدولة)، وأبرزها الإخوان المسلمون الذين انتهوا بعد مسيرة حافلة في العمل السياسي إلى صورة تقترب من الأحزاب الوطنية المندمجة تماماً في الدولة القطرية الحديثة.
    لكن استمرار البديل بالغياب عن الفعل السياسي لن يكون لمصلحة الأطروحة السلفية بالضرورة. ومن ثم، يبدو أن المخرج لا بد أن يكون بإبداع مقاربة سلفية جديدة للتعامل مع الدولة الحديثة، يتجاوز إما منطق القطيعة، أو منحها شرعية الاستبداد والتسلط.
    أولى خطوات إبداع تصور سلفي مختلف في العمل السياسي في إطار الدولة الحديثة، تبدأ بإعادة تعريف العمل السياسي، بحيث يتجاوز الفهم التقليدي له باعتباره تنافساً سياسياً مباشراً للوصول إلى السلطة عبر أدواتها، إلى فهمه كطريق للتأثير في المجال العام وإجبار صانع القرار على تبنّي الأطروحة العامة التي يتبنّاها. فالسياسة أبعد من منطق التنافس الحزبي المباشر والصريح، ومجالات تصريفها والتأثير فيها أوسع من الأحزاب والبرلمانات والأطر السياسية المعروفة، والحضور فيها يمكن أن يكون دون تحمل الكلفة السياسية والشرعية التي قد لا يقبل السلفيون تحمّلها في الوقت الراهن.
    بهذا التصور للعمل السياسي، يمكن السلفية التموقع سياسياً كحركة إصلاحية ضاغطة على الفاعلين السياسيين ـــــ على اختلاف مواقعهم ـــــ في اتجاهات مختلفة ينبغي أن تصبّ جميعها في دعم نهضة الأمة واستعادتها لديناميتها. ثمة مساحات واسعة في هذا الصدد يمكن التيار السلفي أن يمارس تأثيرات قوية فيها :

    ــ بإمكان التيار السلفي ممارسة التأثير السياسي الضاغط في مواجهة الحركة الدولية التي ترمي إلى إعادة تعديل القوانين والتشريعات المنظمة للمجال الاجتماعي بشكل خاص بغرض إنهاء المرجعية الإسلامية وسلطتها.
    ــ كذا، بإمكان هذا التيار أن يقف في مواجهة تيارات التجزئة القطرية وحصارها، والتأكيد المستمر على وحدة الأمة رغم واقع الفرقة، وحقها في السعي لإقامة إطارها السياسي الجامع، ومن ثم التحرك للضغط على قيادة دول التجزئة القطرية باتجاه تبني سياسات تقارب يمكن أن تترجم في مستوى من مستويات الوحدة المنشودة.
    وهنا ينبغي له إعادة فهم قضية الوحدة العربية بطريقة مختلفة تجعلها مرحلة ضرورية من مراحل الوحدة الإسلامية الجامعة لا بديلاً عنها أو نقيضاً لها.
    ــ الانتصاب كشاهد ورقيب على تيارات العمل السياسي الإسلامي ـــــ كالإخوان المسلمين مثلاً ـــــ موجِّهاً إليها، وناقداً أو داعماً بقدر اقترابها من أطروحته.
    ــ الدخول في العمل المجتمعي الداعم لقضايا الإصلاح، مثل مقاومة الفساد، والعمل على توفير شبكات الدعم والرعاية الاجتماعية التي تحفظ تماسك النسيج الاجتماعي للأمة من التفكك، ومن ثم من الاختراق من جانب المؤسسات الغربية.

    إن تحولاً في نظرة التيار السلفي للسياسة والسياسي من شأنه استعادة منطق السياسة والسياسي في الإسلام، باعتباره لا يخرج عن نطاق المجتمع. فالمجال السياسي في الإسلام ليس له الاستقلالية والإطلاقية والثبات، والذي عليه في الحالة التي نعيشها كما تمثّلها الدولة الحديثة، بل هو مرتبط بالمجتمع ارتباطاً عضوياً لا ينفصل عنه بل ويتبعه، والعمل المجتمعي سيظل هو الضامن لاستقلالية المجال الاجتماعي عن تدخلات الدولة، وهو الحامي من استنزاف مكوّناته باتجاه شرعنة السلوك السياسي لهذه الدولة، وهو في الوقت نفسه المجال الحي للتلاقي مع بقية مكونات المجتمع والتفاعل معها والتعرف على اهتماماتها وتجميع مصالحها، ومن ثم التعبير عنها سياسياً بحركة ضاغطة على الفاعلين السياسيين.
    غير أن تحول التيار السلفي في نظرته للسياسة والسياسي تقابلها عقبات وتحديات كبيرة لا بد أن يتجاوزها العقل السلفي. فهو من ناحية مطالب بالقطع مع الطابع السلطاني للفكر السياسي الإسلامي الذي يوظَّف في إسناد دولة الاستبداد والقهر والتسلط في واقعنا المعاصر، وهو ما يتطلب تحرير قضايا شرعية السلطة ومعارضتها أو الولاء لها، وفق اجتهاد فقهي معاصر يفهم فلسفة الدولة الحديثة، ليس لقبولها بل لتجاوزها.
    كما أنه مطالب من ناحية أخرى بالانفتاح على العالم والاستفادة من منجزاته حتى في نقد فكرة الدولة نفسها، والأهم لبناء خطاب إسلامي إنساني قادر على إدراك التنوع والتعددية في الخلق بقدر اعتقاده في وحدة الخالق، ومن ثم يكون قادراً على إدارة هذه التعددية واستيعابها تحت مظلة إسلامية جامعة حتى لمن يختلفون معه.

    إن الحالة السلفية التي نعيشها اليوم، تبدو كلغم دائم التفجّر في وجه الدولة الحديثة، وهو أمر مفهوم في ضوء ما نراه من تغوّل الايديولوجيا، ومن ثم طغيان السياسي عليها حتى وإن اعتزلت هي السياسة. ذلك لا يجوز بتصوري أن يصرف الأنظار عن منطق الإصلاحية الكامن في التيار السلفي العام. فأهم ما يغفل عنه الكثيرون في قراءة السلفية، هو نزوعها نحو إيجاد أرضية اجتماعية قوية تضمن وجود النطاق الشرعي للدين الإسلامي واستمراريته. وهي إصلاحية كامنة ربما حجبتها الرؤية السياسية التعيسة للحالة السلفية الراهنة بسبب ما ذكرناه من طغيان الايديولوجيا عليها.
    تميل السلفية بمنطقها الخاص المبني على أسبقية الشرع، إلى النزوع نحو المجتمع والفرار من سلطة «الدولة التحديثية» و«تدخليتها». وهي تتواءم وربما ترحب بنوع من الفصل بين المجال السياسي والمجال الاجتماعي، ليس بمنطق العلمنة الذي يفرض هذا الفصل، بل بمنطقها الخاص النافر من الطابع التدخلي في هذه الدولة، لا من وجودها في حد ذاته. السلفية لا تأخذ موقف الرفض التام للدولة الحديثة بقدر ما أنها لا يمكن أن تقبلها بإطلاقية.
    باختصار: تميل السلفية إلى تشكيل فضاء اجتماعي مستقل وغير محتاج إلى الدولة، فضاء مكتفٍ ذاتياً، ويمكن أن يكتفي قانونياً بفضل تركيزه على أهمية الشرع الإسلامي. لذلك فإنها إذا تمكّنت من الحضور في المجال العام والتأثير فيه عن طريق غير المجال السياسي، مع توسيع رؤيتها النظرية هذه باتجاه غير المنتمين فكرياً إليها، فستكون قد حققت إنجازاً في حماية النظام القانوني والشرعي للإسلام من تقلّبات السياسة وتنازلاتها، والنأي به عن نطاق التنافس والمساومة التي يفرضها المنطق المدني المتضمن في السياسة.





    [/align]





  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    بقلم:موسى الرضا
    العقيدة ألوهّابية: من إستئصال العقل الى عقل الإستئصال [line]-[/line]شهد التاريخ الإسلامي في أروقته العتيقة نقاشات وسجالات متتابعة عبر العهود. وكان العقل موضوعا دائما للطرح والنقاش الذي استعر في زمن الأمويين وامتد الى العصر العباسي . فنشأت الفرق وراح المتكلّمون يكيلون المدح للعقل أو الإنتقاص منه.
    وارتفعت اللهجة فقال الأشاعرة: إن الهداية للشرع ....متذرعين بالآية: لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

    وخالفهم المعتزلة : لا بل إن الهداية للعقل... محتجين بالنصوص القرآنية التي تحث وتستنكر على الناس عدم استخدام عقولهم : أفلا يعقلون.

    وظل الحوار دائرا وقائما فكان يشتد حينا ويخفت أحيانا الى أن حصل ما يشبه المساكنة والتعايش بين الفكرتين ودعاتهما من اصحاب المدرستين.

    في القرن الرابع للميلاد ظهر "عقل خاص" قام بهندسته ابن تيّمية مستعينا بإرث جدالي كبير لم تحسم نتائجه في أوساط الأمة الإسلامية. فموضوع أيهما أفضل علي أو معاوية وبالرغم من تقادم السنين لم يكن قد حسم بعد بين الجماعات الدينية الموحّدة لله , إلا انه ظلّ في إطاره الحماسي الثقافي بعيدا عن الطعن والتكفير ودون أن يؤدي بالمتنافسين بين الحزب الأموي من جهة و الدوحة المحمدية من جهة اخرى الى شحذ سيوفهم وسرج خيولهم وإتهام بعضهم بعضا بالخروج من عقيدة التوحيد.

    بناء على ما تقدّم ظل الجدال محصورا بالسلطة وأحقية الحصول عليها ومن أخطأ ومن أصاب. ولكننا مع ابن تيمية سنشهد مادة جديدة غير مسبوقة للصراع.
    مع ابن تيمية سيعاد الإعتبار الى نظرية " الكفرة الصلعاء" الذي يرتكبها كل من يجرؤ على الجهر بمخالفة معاوية والتي أوردناها في شهادة الشهود الأربعة الذين إختلفوا في إسلام حجر بن عدي من عدمه ولكنّهم إتفقوا على حق معاوية بن أبي سفيان المطلق في وضع حد فوري لحياة حجر دون أن يكون لإبن عدي أدنى حد في المرافعة أو المدافعة عن نفسه في محكمة الخليفة.

    مع ابن تيمية إتخذت تلك الإندفاعة العاطفية العمياء وراء معاوية وسلطته هيئتها الجديدة من مجرد كونها مشاعر وشهادات في الحب والبغض الى مصطلحات ومفاهيم وأحكام شرعية تترتب على آثارها مصائر الشعوب وتدق لأجلها الأعناق وتباد بسببها الممتلكات.

    لم يعد مهما في النقاش حول علي ومعاوية من أصاب منهما ومن أخطأ , بل أصبح السؤال: من هو المسلم الحقيقي؟ ومن هو المشرك "الخفي
    بعد ثورة بن تيمية الكودية الإصطلاحية في القرن الرابع الميلادي, لم تعد تسري مقولة أن للناس في ما يعشقون مذاهب. صار الإختلاف قرين الكفر إنتقل معه المسلم المخالف بالرأي آلياً وتلقائياً من درجة مسلم مختلف ومعارض فكري الى مرتبة مشرك خفي يلبس لبوس المسلمين.

    هنا تعالى النزاع على مستوى الحقوق الى مستوى الوجود وأخذ مداه الأقصى على طريقة كن أو لا تكون.

    " العقل الخاص" الذي أسسه ابن تيمية سيصبح أكثر مأسسة مع تلميذه ابن القيم ثم سيكتمل نموّه ويصل الى سن الرشد مع ابن عبد الوهاب الذي زاوج حركته العقلانية الإصلاحية الدينية مع الدولة السعودية الوليدة فوق حطام الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي حين باشر مدعوما بالسلطة النجدية الجديدة بتجريف القبور والمقامات كونها تخالف عقيدة التوحيد الصحيحة وحارب المتصوفة بضراوة شديدة بإعتبارها عقيدة باطلة مبتدعة .

    وعلى نهج بن عبد الوهاب سار من بعده أتباعه ومريدوه فهمّشت المدارس الشافعية الحجازية وانتشرت الدعوة الوهابية في العالم الإسلامي السني مدعمة بالمال السعودي الغزير على حساب باقي المذاهب الأربعة المعروفة.

    من الجدير ذكره في هذا المورد هو أن الطفرة الوهابية وتمددها كان على حساب شقيقاتها من المدارس السنية دون الشيعية. لا بل إن تلك الطفرة زادت من التجاذب المحوري الذي أدى الى تقوية الشيعة وتصليب عودهم في مناطق انتشارهم المختلفة من العالم.

    لم يستطع ذلك " العقل الخاص" أن يهضم الخرافات الشركية لبعض الفرق الضالة المخالفة طارحا نفسه حلا ً كاملا وشاملا لهزيمة الكفار وإستئصال شأفتهم ولكن... أولا بعد الإنتهاء من القضاء على الفرق الدينية المنافسة والمذاهب الإسلامية المخالفة.

    هنا تصبح النظرية السلفية شبيهة بالشيوعية الثورية التي كانت تنادي في سبعينيات القرن الماضي بالإعمار ولكن أولا بعد تهديم البناء القائم وإزالته تماما.

    من المثير للحيرة كيف وائم هذا "العقل الخاص" بين عقلانيته التوحيدية الخالصة المستنكرة للبدع والتبرك بالأولياء كون أنهم بشر ليس لهم قدسية ولا ينفعون ولا يضرون وجوّز لنفسه من جهة أخرى التمسك بآراء أوليائه ومفتيه الوهابيين بقداسة أكثر رديكالية رغم أن هؤلاء المفتين مجرّد بشر .. ورغم أن آرائهم الغريبة العجيبة مخالفة لمنطق العلم والعصر حيث يزعم مفتو الوهابية بضلالة من يعتقد بكروية الأرض وبأن إعتقاد المسلم بذلك مروق من الدين يوجب إقامة الحد عليه بالموت قتلا.

    وبناء على منطق ذلك " العقل" يصبح تبرك أحد المسلمين بقبر النبي بدعة بعينها, أما قتل مسلم آخر وإدخاله الى القبر لأنه اعتقد بدوران الأرض حول نفسها , فمن السنة المؤكدة والصنعة الحسنة.

    لذا يكاد يشابه المستحيل إمكان مقاربة ذلك "العقل الخاص" بناء على قواعد وثوابت عقلائية.

    علينا أن نبحث عن المبررات الكامنة بغض النظر عن مقبوليتها وعقلانيّتها من عدمها. ولعل معرفة الأسباب هي الخطوة الأولى في الطريق الى فهم الدوافع والمبررات.

    في هذا الصدد يبرز الفيلسوف الألماني شبنهاور سبّقا الى التفريق بين العقل والتفكير حين إعتبر العقل علاّقة الثياب التي تحمل الثوب أي التفكير. ولن نفهم الثوب إلا في سياق فهمنا لعلاّقة الثياب التي تحمله.

    في بحثنا لابد لنا من أن نجهد في فتح الخزانة المغلقة بعد قرون طويلة لننظر الى العقول المعلقة ثم لنحاول تلمّس "البصمات السلطانية" التي علّقتها في خزائن الإيديولوجيا المظلمة تلك المدّة بغض النظر عن الأثواب المتدلية منها و روعة زركشاتها التراثية البديعة .

    العقل الوهابي : لغته وإسقاطاته الأيديولوجية

    قلنا في مقالنا السابق أن العقل السلفي عصي على الفهم بوسائل الإستدلال أو الإستقراء العقليين. لذا لابد من مقاربته ذرائعيا لفهم أسبابه وظيفيا ومبرّراته ومراميه عمليا. وأولى وظائف ذلك العقل الأيديولوجية تتركز في الإنغلاق على مخزونه الثقافي. وإعتبار المخالف له خارجا من كل ذمّة. فإن تمكّن السلفي من تعميم رأيه بالقهر والغلبة, بطش وأمعن بطشاً وإلاّ لجأ الى الإنكار والتبرير.. ثم الى التجريح والتأويل أي "أنك أيها المخالف منحرف مدّلس وأنا قصدت كذا" أو الى التأويل والتجريح أي " كان قصدي كذا ولكنك ضال مفسد حملت كلامي على غير ما أردت".

    هذا العقل الممجد لذاته المنكر لما عداه يقوم على إرثه الخاص مبيحا لحراسه المقدّسين كل وسيلة ممكنة لأجل الديمومة والبقاء بدء بتكذيب الآخر وتكفيره.. وانتهاء بشتمه وتسفيهه. وأبلغ مثل لما تقدم هو تبرير ابن باز لفتواه القائلة بكفر المعتقد بدوران الأرض. فلما قامت قيامة الصحافة الخليجية عليه وعلى ما قال, أنكر فتواه مع أنها مثبتة في كتابه المطبوع بعنوان : الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض. الطبعة الثانية صفحة 23 .

    ثم زعم أن كلامه قد أوّل فهو لم يقل بكفر من إعتقد بكروية الأرض وإنما قال بكفر من إعتقد بسكون الشمس. يقول في ردّه بالحرف الواحد: (كما أني قد أثبت في المقال فيما نقلته عن العلامة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض، أما دورانها فقد أنكرته وبينت الأدلة على بطلانه ولكني لم أكفر من قال به، وإنما كفرت من قال إن الشمس ثابتة غير جارية ). هنا يصاب المرء بالدهشة بصرف النظر عن فساد رأي بن باز ونظرياته الغريبة في حركات النجوم والكواكب. فكيف أباح سماحة المفتي لنفسه بأن يهرف بما لا يعرف ثم زاد على ذلك بأن ظاهر واحتج بابن القيم؟ وكأن ابن القيم كان عالما فضائيا وفلكيا منجما؟؟

    نترك الشيخ بن باز يستريح من عناء الفتاوي التي عجزت وكالة الفضاء الأمريكية- ناسا على أن تأتي بمثلها ونعود الى البحث في محاولة جديدة لمقاربة اللغة الدينية للعقل السلفي والتي ستكون طريقنا الى مزيد من الفهم فيما لو قمنا بأخذ عيّنات وراقبنا تفاعلاتها الإصطلاحية وانماطها ومآلاتها "الكيميائية":

    من خلال الملاحظة العميقة لبعض المفاهيم الدينية الفقهية والمصطلحات السياسية للعقل السلفي يتبين لنا أن كثيرا من المفاهيم والمصطلحات قد تقاربت وتباعدت في مرور السنين. وقد مرت تلك الكوكبة من العبارات الإصطلاحية المفاهيمية بأطوار متعددة أدت في الختام الى أن تأخذ هويتها الراهنة. ويمكن أن نعدد بعض أنماط ( (Typusتلك العمليات التفاعلية وثمراتها الإصطلاحية:

    1. عملية الإستحواذ حد الإندماج (Fusion)

    من ثمرات تلك العملية ظهرت كلمة سلطان بمعناها المستجد. فكلمة سلطان تعني في الأصل سلطة, إلا أنها لاحقا وفي فترات متأخرة أي ما بعد زوال الدولة العباسية أصبحت تعني صاحب السلطة . وبعملية رياضية بسيطة تكونت المعادلة على الشكل التالي: الحاكم + السلطة = سلطان

    من الواضح أن دمجا قد جرى بين مصطلحي السلطة وصاحبها بفعل الإستحواذ والجنوح الشديد من الحاكم نحو سلطة مطلقة فصار هناك تماثل وتطابق ومن ثم إندماج بين كلمة حاكم من جهة وكلمة سلطة من جهة أخرى فبرزت كلمة سلطان لا بمعناها الأصلي أي السلطة وانما بمعناها المستجد أي الملك وصار السلطان هو نفسه الدولة ( لاحظوا لقب دولة الرئيس) وفي ذلك تفوق سلاطين العرب على لويس الرابع عشر وسبقوه بقرون عديدة.

    2. عملية التسلسل التصاعدي ( :(aufsteigende Kette

    هذا النمط التصاعدي في العملية التفاعلية المركّبة بين التاريخ واللغة وسط جنوح كبير من الحاكم سوف يصل الى مستويات غير مسبوقة. فأبو بكر كان ينظر لنفسه كأمير للمؤمنين خليفة لرسول الله.

    لاحقا صارت كلمة خليفة تستخدم بشكل مجرد دون مضاف إليه.

    عندما استوثق الأمويون من استقرار دولتهم راحوا يجاهرون بفهمهم الخاص للخلافة بما هي ظل إلهي على الأرض . فالخليفة أو الحاكم ليس خليفة لرسول الله فقط كما كان الأمر في زمن الراشدين وإنما أصبح الخليفة خليفة الله وظلّه في الأرض وله من الصلاحيات في الأرض ما يعادل تقريبا صلاحيات سلطة السماء. ويمكن أن نتتبع أثر ذلك في زماننا الحاضر عبر الألقاب الملكية المعاصرة :" جلالة الملك", "صاحب الجلالة" حيث تتقاطع الجلالة الملكية مع الجلال الإلهي . وهذه المقاربة اللقبية هي أبلغ اثر ثقافي أموي معاصر لدى الملكيات العربية.

    فبعد أن كان الحاكم يملأ مكان النبي ويحكم باسمه , أصبح لاحقا " يملأ مكان" الله ويحكم باسمه في جنوح شديد وهائل نحو سلطة مطلقة مطبقة لا يحدّها حدّ ولا يجرؤ على القدح في مشروعيّتها أحد.

    3. الحذف والإضافة والإختيار الرغبي((selektive Wahrnehmung

    من أفضل ما يمكن تقدّيمه في هذا الصدد مفهوم ومصطلح الجهاد الذي يحمل في جذوره الأولى وشكله الأول معاني الجهاد الأكبر أي جهاد النفس بما يعنيه من مقاومة لرغبات النفس وأهوائها. إذن لقد حذف جزء أساسي من مضامين المصطلح لإسباب سياسية أيدولوجية وتحول الجهاد الى مجهود عضلي مجرد من خلفيتة الأخلاقية التربوية.
    هنا يبرز أبن تيمية كأحد المنظّرين المتحمسين لحذف البعد الروحاني التربوي عن مصطلح الجهاد معتبرا حديث النبي ( عدتم من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر) موضوعا ولا أساس له من الصحة. لا بل إنه ذهب الى القول أن هدف ذلك الحديث الموضوع هو توهين عزيمة المسلمين في قتال المشركين.

    وبذلك جرت توأمة سياسية نفسية لغوية واعية وحتى لا واعية بين الجهاد والسيف فلا يذكر الأول إلا ويحضر الثاني في تلازم غريب أحكمه بن تيمية في تركيزه على الجانب العنفي دون سواه انغرست على أثره في وعي العامة بعض مضامين وأبعاد المصطلح مبتسرا ومنتقصا بل ومتلازما مع تجاهل تام للمضامين والأبعاد الجوهرية الأخرى المتمّمة له.

    ختام : السلفيون وآلة الزمن

    إذن "العقل السلفي الخاص " ذو الطبيعة العنفية والذي لا يحتاج الى اي تخريجات عقلية أو مسوّغات عقلانية ما هو في المحصلة سوى ثمرة مبررات دينية-إجتماعية سلطوية أخذت تبني لنفسها عبر الدهور أدواتها المعرفية العصبية الخاصة مشفوعة بمبررات ودوافع حزبية سياسية عسكرية أيديولوجية ,دوافع راحت تتراكم وتتلازم ثم صارت تتابع تراكمها لكي تشكّل أخيرا العقل الأصولي المعاصر للسلفية بأشكالها المختلفة العلمية منها والجهادية.

    بل لعل تلك النزعة العنفية الأصولية المتوترة لدى بن تيمية قد أصّلت وركّزت ميلا إلغائيا لدى دعاتها السلفيين المعاصرين تمثل في محاولاتهم راهنا التعبير عن أنفسهم بطريقة جذرية قهرية عبر السعي الى طمس و إلغاء أكثر من عشرة قرون من عمر التاريخ والرجوع سريعا بالحياة – على الأقل عبر شكلهم وملبسهم- من القرن الخامس عشر للهبوط فورا في القرن الهجري الأول طلبا للعيش مع الصحابة والتماهي معهم وإعتبار القرون الواقعة على امتداد أربعة عشر قرنا ملغاة بناسها وتراثها وعلمائها واسهامات أهل زمانها.

    ومع التسليم بعبثية المحاولة إلا أن هذه النوستالجيا الدوغمائية تكشف إذ تتستر في زيها الرومانسي عن نزعة إلغائية كامنة لا تستند إلا الى ذاتها المؤدلجة.

    من المؤكد أنه لو قيض للسلفيين بتياراتهم المختلفة أن يبتكروا آلة للسفر عبر الزمن والعودة الى عصر الرسول , فلن يتمكّنوا – كما يتخيلون- من قضاء ساعات ولقاءات سعيدة هانئة بصحبة النبي وأصحابه والسبب ببساطة هو اختلاف العصور وما يستتبع ذلك من اختلاف المعايير وتباعد المفاهيم الدينية واللغوية بشكل أساسي. و لو قدّر لهم فعلا أن يحطّوا في القرن الأول للهجرة, فسيفاجأون بأنهم غرباء ومختلفون عن مجتمع يثرب "البدائي". وسيكتشفون أن قراءاتهم وفهمهم للإسلام ما هو إلا نتاج مفاهيم وليدة وجديدة لقراءات وآراء عديدة تراكمت عبر عصورمتأخرة جدا عن زمن الدعوة بحيث أن نصوصهم تلك قد تجاوزت "بحداثتها" المصطلحات والمواد "الخام" للقرآن كما عرفها النبي والمسلمون الأوائل.





  5. #20
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,040

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيد مرحوم مشاهدة المشاركة


    لبنات التفسير السلفي بين النفي والاثبات


    د. الشيخ فتح اللّه نجارزادگان

    ترجمة: محمد عبد الرزاق

    مدخل


    لا شك ان ما هو محرز من مفهوم (التفسير السلفي) هو ذلك التفسير المستند الى روايات وآراء الصحابة والتابعين، ولعل ابن تيمية هو اول من قعد للفكرة في سياق بحثه عن الاطر الكفيلة باثبات مبتنياته في الفكر السلفي بشكل عام. ولا بد في نقدهذا النوع من التفاسير من الولوج عبر قنوات الارتكاز التاسيسية لها، وهي عبارة عن: البراهين المقدمة، اثبات الحجية لتفسير الصحابة والتابعين، تقييم آرائهم، التفاوت المعرفي بين طبقات الصحابة والتابعين في فهم مقاصد القرآن، دعوى نفي التعارض بين آراء السلف، فكرة ترجيح الدليل النقلي على الدليل العقلي، والتفويض على التاويل.

    اذا ما تاملنا فيهذه المرتكزات لمسنا عن كثب نقاط الضعف فيها، الامر الذي يؤدي بطبيعة الحال الى سلب التفسيرالسلفي المنهجية والقداسة معا.

    اسس التفسير السلفي حسب دعوى اصحابه على اقوال وآراء الصحابة والتابعين، وتصدق كلمة (السلف) اصطلاحاعلى صحابة النبي(ص) وصدر التابعين لهم. ان التطرف في تبني آراء السلف في موضوع تفسير القرآن ومنحها ضربا من القداسة،والتاكيد على التزامها وترسيخها باصلب الحروف خشية الاعراض عنها واللجوء الى التفسير بالراي، كل ذلك يدلنا على تاصل النزعة السلفية عند هذه الفئة، وتمسكها بالتفسير السلفي بشكل مفرط. ومنشا هذا التزمت كامن في الاعتقاد باولوية آراء السلف، وقربها من مصدر الوحي، وبوصفهم قبل كل شي الجيل الطليعي بين علماء الاسلام المبرزين، حيث يرى السلفيون ان كل ما ينقله الصحابة عن النبي(ص) سواء في التفسير وغيره معتبر لا تعمد للخطا في اخذه من مصدرالتشريع، وان ما ينبعث من آرائهم الخاصة لابد وان يكون له جذور في الصميم الديني، مع استحالة تفردهم بالاراء الذاتية او التجاوز على حدود الدين المرسومة لهم، وهذا منطبق على التابعين ايضا مع تاخر مرتبتهم عن مرتبة الصحابة. يقول ابن تيمية في آراء كل من مجاهد بن جبر وقتادة التفسيرية، وهما من التابعين:

    (واما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من اهل العلم انهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم انهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم او من قبل انفسهم)((363)) .

    هذه هي فكرتهم في التابعين، فكيف بالصحابة انفسهم؟! اذن، هم من باب اولى ان يكونوا مصونين ايضا من التفسير بالراي او بغير العلم. ويظهر ان ابن تيمية كا ن منطلقه من الفكرة ذاتها عندما نظر اول مرة في كتابه (مقدمة في اصول التفسير)للاتجاه السلفي في التفسير، كما سيمر بنا. وعلى هذا الاساس جاء تقسيمه للتفاسير بين المقبول منها، وهو ما حضرت فيه آراء السلف بقوة، وبين ما هو مبتدع حسب قوله.

    ثم جاء من بعده السلفيون يقتفون آراءه بحذافيرها علهم يتقمصون مواقفه في مثل هذه المؤلفات نشرا لرؤاه فيهذا الباب.ولعل مما يقع في مقدمة النقود الموجهة للاسس الكلامية في الفكر السلفي الغاؤها مدخلية اهل البيت (ع) فيهذا الغرض بعدعصر الرسول(ص)، وهي ظاهرة ضربت عميقا في مصداقية المدرسة السلفية، وهو موضوع بحاجة الى دراسة مستوعبة.

    نعود الى الاركان التي اعتمد عليها التنظير للتفسير السلفي، ومن خلالها نستكشف الهفوات الكامنة وراءها:

    1- البرهنة وفرض الحجية بالنسبة لتفسير الصحابة والتابعين.

    2- تحديد آرائهم الواردة وتقييمها.

    3- التفاوت المعرفي بين طبقات الصحابة والتابعين.

    4- دعوى نفي التعارض بين تلك الاراء.

    5- فكرة ترجيح الادلة النقلية على الادلة العقلية، والتفويض على التاويل.


    اولا: البراهين والحجج

    يزعم السلفيون بالاجماع على ان مصادر التفسير بعد القرآن (تفسير القرآن بالقرآن) والسنة النبوية ترسو على آراءالصحابة ((364)) . في حين ليس هناك حديث نبوي في مصادر اهل السنة يؤيد حجية قول سائر الصحابة في باب التفسير،ولهذا لم يلتمس عماؤهم هكذا روايات فيهذا المجال ((365)) .

    لقد اعتمد اهل السنة في ذلك على الادلة العقلية الاعتبارية، وهي ادلة مكررة متحدة السنخية، قوامها انطباع القوم عن اصحاب الرسول(ص)في تواجدهم حوله عند نزول الوحي.

    وهذا ما اشار اليه ابن كثير (ت/774ه) في مقدمة تفسيره اخذاعن استاذه ابن تيمية ان لم تكن العبارات منقولة بالنص احيانا: (وحينئذ اذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنافي ذلك الى اقوال الصحابة فانهم ادرى بذلك، لما شاهدوه من القرائن والاحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالائمة الاربعة الخلفاء الراشدين والائمة المهديين.

    منهم عبداللّه بن مسعود... وحبر الامة عبد اللّه بن عباس...) ((366)) وهذه عبارة متوفره نصا عند ابن تيمية في (مقدمة في اصول التفسير) ((367)) .

    ثم جاء دور الدكتور الذهبي بعد سبعة قرون ليسجل النص ذاته مع تغيير طفيف قال فيه: (ولاحتمال ان يكونوا سمعوه من الرسول ((368)) (ص) ويذهب الدكتور الذهبي الى ابعد من ذلك، وعلى ذلك تبعه الدكتور منيع عبد الحليم محمود تحت عنوان: (رسم المنهج السلفي للتفسير): (لقد شهد الصحابة الوحي والتنزيل واسباب النزول، ولهم المعرفة بالناسخ والمنسوخ، كما استوحوا مما لايمكن ان يؤخذ الا عن النبي(ص)، ولانهم ان فسروا برايهم فرايهم اصوب، لانهم ادرى الناس بكتاب اللّه) ((369)) .

    وينسب الكاتب الفكرة الى الاتجاه السلفي عند ابن تيمية معليا من شانها. وكتب ابن تيمية يقول:

    (... ونحن نعلم ان القرآن قراه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وانهم كانوا اعلم بتفسيره ومعانيه، كما انهم اعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله(ص)، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد اخطا في الدليل والمدلول جميعا) . ((370)) اما الدليل الثاني عند اهل السنة كابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فيقول: ان الرسول قد شرح لاصحابه معاني القرآن ((371)) .ويحتمل ان يكون الحاكم النيشابوري (ت/405ه) كان سابقالابن تيمية في طرح الفكرة ((372)) .

    الدليل الثالث هو عبارة عن حديث نقله ابن مسعود:

    (كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن) ((373)) . وعندما جاء الشاطبي ليقسم مراتب علم المفسرين في طبقات، وضع الصحابة والتابعين في اولاها بوصفهم الراسخين في العلم، نافيا امكانية مقارنة الاخرين بهم ((374)) . ويذكر اصحاب هذا الراي شخصيات من التابعين اخذوا تفسيرهم عن الصحابة ، الامر الذي يفضلهم على سائر المفسرين كمجاهد بن جبر (ت/102ه) الذي يقول:

    (عرضت المصحف على ابن عباس، اوقفه عند كل آية منه واساله عنها) ((375)) . وفي ذلك يقول سفيان الثوري: (اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به)، ولهذا اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري واحمد بن حنبل وغيرهم، ونقلوا عنه الكثير((376)) . ثم يقيم ابن تيمية دور التابعين ومكانة مجاهد في التفسير فيقول:

    (ومن التابعين من تلقى جمع التفسير عن الصحابة ، كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس، اوقفه عند كل آية منه واساله عنها...

    والمقصود ان التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة، كما تلقوا عنهم علم السنة، وان كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، كما يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال
    ) ((377)) .

    وردا على مقولة شعبة بن الحجاج وغيره التي تقول: (اقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟).

    قال ابن تيمية:

    (يعني انها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا الصحيح، اما اذا اجتمعوا على الشي، فلا يرتاب في كونه حجة)،حيث يمتنع تفسيرهم القرآن برايهم او دون علم . ((378)) مناقشة ادلة حجية قول الصحابي في التفسير لا بد قبل مناقشة هذه الادلة من التمييز بين نمطين:

    الاول: قول الصحابي بوصفه راويا للتفسير.

    الثاني: قوله التابع لاجتهاده في التفسير، او ما يصطلح عليه بالحديث (الموقوف، والاثر).

    النمط الاول:

    فان كان البحث في النمط الاول، خضع قوله للشروط المفترضة في سائر الاحاديث من دراسة للسند والدلالة، وذلك للاسباب التالية:

    ا) لعدم احراز عدالة جميع الصحابة، ولابد من التحقق من عدالة كل راو للحديث. وان كان اهل السنة يقولون بعدالة جميع الصحابة ((379)) . على ان هذا المبنى قد خضع للمناقشة ايضا لدى ع ضهم وفقا للنصوص القرآنية والقرائن التاريخية ((380)) .

    ب) لوجود احاديث متواترة عن الرسول ورد فيها النهي عن الكذب عليه: (لا تكذبوا على..) ((381)) ، هذا على عهده((382)) (ص)، واما بعده فقد وقع الكذب فعلا، فان كان هذا الحديث موضوعا لا صحة له، فان ذلك يثبت بشكل آخرالحقيقة ذاتها، وهي وجود حالات الوضع او الكذب على الرسول.

    ج) ثمة تفاوت ملموس في مستويات تصديق اقوال الصحابة، لا سيما فيما بين بعضهم البعض، فكان عمر بن الخطاب يصدق عبد الرحمن بن عوف، بينما يقول لابي موسى الاشعري: ائت بمن يشهد معك ((383)) .

    د) يذعن بعض الصحابة بان ليس كل ما يروونه عن الرسول(ص) مسموعا منه مباشرة، كما ورد عن البراء بن عازب((384)).

    ه) كثيرا ما يخطئ وينتقد الصحابة بعضهم البعض، كما ورد من تخطئة عائشة لحديث ابن عمر في منع البكاء على الميت((385)) .

    كل هذه الشواهد التاريخية والقرائن الحالية تكشف عن واقع الحديث المنقول عن الصحابي في التفسير وغيره بوصفه رواية ماثروة لابد وان تخضع للنقد والتحليل سندا ودلالة بغية التاكد من صدورها، فان مجرد النقل عن الصحابي لا يمنح الرواية الاطمئنان التوثيقي بسلامة صدورها ووصولها، الا ان يكون الخبر متواترا او محفوفا بالقرائن القطعية، فيعد بياناللنص القرآني. علاوة على ذلك، ثمة عقبات جمة تعترض طريق هذه الروايات على صعيد الاثبات، من قبيل ما حدث من منع لتدوين الاحاديث بما يناهز قرنا ونصفا من القرن عند اهل السنة، وهي قضية من ابسط تداعياتها طروء التغييروالتلاعب على نصوص الاحاديث ((386)) ، والاشكالية في تزايد اكثر عندما نسمع اقرار اهل السنة بوجود ظاهرة الوضع في الاحاديث المنسوبة للصحابة في تفسير القرآن الكريم.

    يقول الدكتور الذهبي: (ولا يغتر بكل ما ينسب لهم من ذلك، لان في التفسير كثيرا مما وضع على الصحابة كذبا واختلاقا)((387)) .

    ولهذا نجد احمد بن حنبل يقول: ثلاثة ليس لها اصل: التفسير، والملاحم، والمغازي ((388)) . ولاحمد الخولي بحث فيهذاالباب جدير بالاهتمام ((389)) .

    النمط الثاني:

    اما اذا كان قول الصحابي معبرا عن وجهة نظره في تفسير احدى الايات، فستكون الضرورة اكثر الحاحا في اخضاع الرواية للنقد والتحليل، وذلك للادلة التالية:

    ا) يذهب فهد الرومي وآخرون خلافا لابن تيمية الى ان ليس كل ما قاله الصحابة في التفسير فهو عن الرسول(ص)، وانه لم يلقنهم جميع معارف القرآن وعلومه.

    يقول القرطبي: (فان الصحابة رضي اللّه عنهم قد قرؤوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي(ص)، ويشهد بذلك دعاؤه لابن عباس حين قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التاويل)، فان كان التاويل مسموعاكالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك، وهذا بين لا اشكال فيه) ((390)) . وعلى ذلك يتفق البغدادي ((391)) ، وايده ابن عاشور،حيث قال: (وقد سال عمر بن خطاب اهل العلم عن معاني آيات كثيرة، ولم يشترط عليهم ان يرووا له الا ما بلغهم في تفسيرها عن النبي((392)) (ص) من هنا ينشا التفاوت المعرفي والادراكي لدى الصحابة في فهم معنى الاية، وهو قد ينطوي في بعض الاحيان على لون من التضاد ايضا خلافا لابن تيمية، بدليل عمل كل واحد من الصحابة باجتهاده الخاص، هذا من جهة.

    ومن جهة اخرى ليس بين الروايات ما ينص على عصمة الصحابة((393)).

    ويجمع علماء الشيعة على ان اجتهاد الصحابي في التفسير وغيره ليس حجة على الاخرين. يقول العلامة الطباطبائي في معرض تفسير الاية: (وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم( (النحل: 44):

    (وفي الاية دلالة على حجية قول النبي(ص)في بيان الايات القرآنية.. ويلحق به بيان اهل بيته لحديث الثقلين المتواتروغيره، واما سائر الامة من الصحابة او التابعين او العلماء فلا حجية لبيانهم، لعدم شمول الاية وعدم نص معتمد عليه يعط ي حجية بيانهم على الاطلاق... اما قوله تعالى: (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) (النحل: 43)، فقد تقدم انه ارشاد الى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل الى العالم من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة) ((394)) .

    ب) اقرار علماء السنة بوجود التفاوت المعرفي في فهم الصحابة لمعاني الايات القرآنية، وان المفسرين هم الطبقة النادرة بين اولئك الصحابة، وليس الكل ((395)) . فليس جميع الصحابة لهم القدرة على الفهم التام والاستنباط السليم من العلوم،فان ذلك مما يخالف الحقائق التاريخية والعلمية.

    ج) ثمة اشكاليات اخرى على صعيد الاثبات، حيث ان من جملة مصادر تفسير الصحابة هم اهل الكتاب، مما يستلزم بطبيعة الحال تسرب الاسرائيليات الى اقوالهم، لا سيما على عهد خلافة عمر كما يذكر ابن كثير من خبر بعض الرواة ككعب الاحبار، ممن وفرت له الظروف المؤاتية دس اسرائيلياته بين نصوص الصحابة وغيرهم (فجعل يحدث عمر عن كتبه... فربما استمع له عمر فترخص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها، وليس لهذه الامة واللّهاعلم حاجة الى حرف واحد مما عنده) ((396)) . وقد جاء عن الرسول(ص)نهيه عمر عن الرغبة فيهل الكتاب ((397)).

    وحسبك فيهذا المجال بحوث الاستاذ معرفت. وفي (التفسير والمفسرون) افرد الذهبي بحثا في الاسرائيليات في اكثر من مئتي صفحة ((398)) .

    وهكذا بالنسبة للتابعين، فقد نصت غالبية كتب التراجم والرجال على عدم توثيقهم بشكل مطلق، كما قيل عن الضحاك بن مزاحم (ت/105ه): (في جميع ما روى نظر)((399)). والضحاك من المشهورين بامر التفسير، كذلك الحال بالنسبة لعطية بن سعد (ت/111ه)، والسدي الكبير، ومحمد بن سائب الكلبي، والسدي الصغير، ومقاتل بن سليمان، وكلهم من التابعين الرواة في قضايا تفسير الايات ((400)) .

    تاسيسا على ذلك، تكون اقوال الصحابة معتبرة ان نقلت باسانيد صحيحة سواء كانت في احداث صدر الاسلام التاريخية، او في الحكاية عن تقاليد الجاهلية وعاداتها، او فيما يتعلق باسباب النزول وتفسير الايات، لا سيما فيما يتعلق ببيان المعاني اللغوية فيها، اذ هم اهل اللسان الذي نزل به القرآن، وهو ما يعين المفسر في الوصول الى المتداول من معاني اللغة عند نزول الوحي ((401)) ، حتى وان احتمل عدم مطابقة ذلك المعنى لما يصطلح عليه في اصل اللغة.

    ولا بد من عرض استنباطات علماء الصحابة في التفسير على القرآن والسنة، حالها في ذلك كحال سائر آرائهم واجتهاداتهم، فان تطابقت قبلت، على ان واقع الامر يشير الى قلة ما وردنا عنهم من روايات تفسيرية ((402)) ، فهي في احصاء (كنز العمال) حوالي 544 حديثا ((403)) ، وبحذف التكرار يصل العدد الى 350 حديثا فقط.

    ثانيا مناهج التفاسير وقيمتها يقدم السلفيون تفسير ابن جرير الطبري في الطبقة الاولى، لتمسكه براء السلف ((404)) ، مع ان الطبري يكثر من الاستشهاد بروايات التابعين ممن جرحوا من قبل الرجاليين، مضافا لنقله الكثير عن اهل الكتاب. لكن ذلك مدفوع في الفكر السلفي بما يفترضه من حصانة مطلقة للتابعين، وتجويز النقل عن اهل الكتاب برواية عن الرسول مفادها: (حدثواعن بني اسرائيل ولا حرج) ((405)) .

    وقد ذكر الطبري في معرض حديثه عن قصة هاروت وماروت روايات تنسب سحر اليهود للنبي، كذلك ذكر في الاية (52)من سورة الحج اسطورة الغرانيق دون تفنيدها او نقدها، كل هذا وغيره لم يمنع تفسير الطبري من تبوء هذه المكانة بين التفاسير، وليس ذلك الا لان مثل هذه الافكار لها اصولها في روايات السلف ، الامر الذي لا يضعف موقفه وحسب، بل يعدمن نقاط القوة ايضا، وياتي بعده بالدرجة الثانية تفسير ابن كثير، لانه حسب الذهبي (اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسري السلف) ((406)) .

    اما ما يقع على الطرف النقيض من هذه الفكرة الصائبة عند اتباع المذهب السلفي، فهو ان كل تفسير لا يستند في اصوله على ماثور السلف، هو تفسير بالراي ضال ومضل. ويرى ابن تيمية ان تفسير المعتزلة في حمل معاني الايات على الاراءبدلا من حمل الاراء على معاني الايات، لم يات الا نتيجة لاعراض المعتزلة عن آراء السلف، ويقول:

    (والمقصود ان مثل هؤلاء « المعتزلة »اعتقدوا رايا ثم حملوا الفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان، ولا من ائمة المسلمين، لا في رايهم، ولا في تفسيرهم) ((407)) .

    وقال في موضع آخر: (واما (الزمخشري) فتفسيره محشو بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من انكار الصفات، والرؤية،والقول بخلق القرآن، وانكر ان اللّه مريد الكائنات، وخالق لافعال العباد، وغير ذلك من اصول المعتزلة) ((408)) .

    وكان قد سبقه في الهجوم على تفاسير الاعتزال ابو الحسن الاشعري الذي عدها تفاسير بالراي الباطل الضال، فقال معللاذلك (لا رووه عن رسول رب العالمين، ولا عن اهل بيته الطيبين، ولا عن السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين) ((409)).

    وتابع ابن تيمية في اصدار الحكم ذاته تلميذه ابن القيم ((410)) . اما وجهة نظر المعاصرين في السلفيين فنجدها مستوحاة بشكل او بخر من الرؤى التي بلورها ابن تيمية، فمثلا جاء في (التفسير والمفسرون):

    (يقع الخطا كثيرا في التفسير من بعض المتصدرين للتفسير بالراي، الذين عدلوا عن مذاهب الصحابة والتابعين، وفسروابمجرد الراي والهوى) ((411)) .

    لقد بذل الذهبي قصارى جهده فيهذا الموضوع ليس الا لغرض التماس السبيل في الصاق هذه الفكرة بتفاسير الشيعة، لاسيما الروائية منها، فكتب يقول:

    (وفي تلك الاحاديث وهذه الاثار ما يخالف تعاليمهم مخالفة صريحة، لذا كان بدهيا ان يتخلص القوم من كل هذه الروايات، اما بطريق ردها، واما بطريق تاويلها. والرد عندهم سهل ميسور) . ((412)) وليس بعيدا عنه راي الدكتور فهد الرومي الذي حاول افراغ امالي ابن تيمية والذهبي وغيرهما في تقييمه المعرفي لتفسيرالميزان مرة واحدة، فافصح بشكل جلي عما يدور في خلجاته من نزعة سلفية عميقة، ومنها صاغ فكرة مفادها: ان مذهب الامامية في اقصاء اقوال الرسول التفسيرية هو الذي زاد من هزالة تفاسيرهم وهشاشة ركائزها ((413)) ، لان الصحابة هم المتلقي الوحيد عن الرسول، وعنهم تناقل سائر المسلمين تفسيره الايات القرآنية، فالرسول هو الطريق المؤدي الى شرح القرآن، والصحابة هم الوسيلة في قطع ذلك الطريق، وما خرج عن هذه الوسيلة انما هو انحراف وجهل بالحقائق . ((414)) في الواقع اقتصر فهد الرومي على تقديم مدعاه في اعراض الشيعة عن روايات الصحابة في التفسير، ولجوئهم الى وضع الروايات لسد هذا الفراغ ((415)) ، بينما كان حريا به ان يستعرض دليل الطباطبائي في نفي الحجية عن تفسير الصحابة والتابعين، وليس الروايات المنقولة عنهم ((416)) ، او ان يتناول وجهة نظره حول كمية اقوالهم في التفسير ((417)) ثم ان كان في انعدام النص الروائي حاجة الى الوضع لدى تفاسير الشيعة، لكان ذلك اكثر انطباقا على تفاسير اهل السنة،فكما يقول الطباطبائي وغيره من الشيعة والسنة كما سيمر بنا ان ابرز ما تتسم به اقوال الصحابة في التفسير هي قلتها،وهو امر يقودهم حسب نظرية الرومي الى وضع الاحاديث على الصحابة! وقد نسي الرومي نفسه، حيث كان في صدد تقييم تفسير الميزان معرفيا بوصفه اهم تفاسير الشيعة، حسب اعترافه، لكنه عدبحث صاحب الميزان في نفي تحريف القرآن ((418)) من تقية المؤلف!! فما الدليل الذي يمكن ان يقدمه في مثل هذاالنوع من الاتهام؟ في حين هو يرى ان تفسير الميزان جاء ممنهجاوفق معتقدات التشيع، بل بطابع من التطرف ايضا . ((419)) اذن، مع اعترافه هذا هل بامكانه ان يقدم دليلا من (الميزان) حرفت فيه معاني الايات بغية مطابقتها للعقائد الشيعية؟ واخال رد الكاتب عن هذا السؤال كفيلا بالكشف عن مدى مصداقية هذا المدعى، وهو القائل: (لم انتقد منهج الشيعة في التفسيربدافع الضغينة والتعصب) ((420)) .

    المسالة الاخرى التي يمكن من خلالها استكشاف منهجية ابن تيمية واتباعه في تقييم التفاسير، هي في حكمه على تلك التفاسير بالضلال والبدعة، وتعمية الحقائق، والكلام بالطبع عن تفاسير اهل السنة التي اثبتت روايات من السلف وضعت مبتنياتهم الكلامية في مواقف حرجة، من قبيل:

    الروايات المتعددة في خبر تصدق الامام على(ع) بالخاتم اثناء الركوع، وفيه اثبات لولايته ((421)) ، وقد احصت بعض المصادر طرق واسانيد نقل هذا الخبر في (26) سندا ((422)) ، منهم عدد كبير من الصحابة امثال: الامام على، عبد اللّه بن عباس، ابو رافع المدني، عمار بن ياسر، ابو ذر الغفاري، انس بن مالك، جابر بن عبد اللّه، المقداد بن الاسود، عبد بن سلام، ومن التابعين امثال: سلمة بن كهيل، عتبة بن ابي الحكم، السدي، مجاهد... كل هؤلاء فسروا الاية (55) من سورة المائدة بحادثة التصدق بالخاتم ((423)) ، لكن مع هذا كله ادعى ابن تيمية اتفاق اهل العلم على ان الحديث من الموضوعات على الصحابة ((424)) !! ثم عرج على التفاسير التي نقلت الخبر كتفسير الثعلبي موجها اشد الطعون لها بالقول:

    (اجمع اهل العلم بالحديث ان الثعلبي يروي طائفة من الاحاديث الموضوعات.. ولذلك يقولون هو كحاطب ليل.. ولهذا لماكان البغوي عالما بالحديث، اعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئامن الاحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي.. واما اهل العلم الكبار، اهل التفسير من تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقي بن مخلد، وابن ابي حاتم و.. فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات.. بل، ولا يذكر مثل هذا عند ابن حميد، ولا عبدالرزاق) ((425)) ، وقد سلم بهذا الحكم الكثيرون من اتباع ابن تيمية ((426)) ، وهو حكم مخالف للحقائق من جهة، وكاشف عن مدى التعصب في الافكار من جهة اخرى، وذلك واضح مما ياتي:

    ا- لم يقل احد عن الثعلبي بانه (حاطب ليل)، بل هناك اجماع لدى كل من ترجم له على تميز شخصيته وقيمتهاالعلمية((427)).

    ب لقد نقل البغوي الحديث نفسه عن ابن عباس الصحابي، والسدي التابعي، خلافا لمدعى ابن تيمية ((428))

    ج يعد تفسير الطبري كما مر بنا من اجل التفاسير في الوسط السلفي، وقد نقل سبب نزول الاية بخمسة اسانيد كلهافي على(ع)، ثلاثة منها نص في المعنى، واثنان بدلالة محرزة((429)). ولابن ابي حاتم ايضا نقل بسندين ((430)) .

    د وقد نقله السيوط ي في الدر المنشور عن (عبد بن حميد)، و(عبد الرزاق) عن ابن عباس ((431)) ، وهكذا ابن كثير عن عبد الرزاق ((432)) .

    اذن، كيف نفى ابن تيمية رواية علماء التفسير الكبار من امثال الطبري وابن ابي حاتم وابن حميد وعبد الرزاق لهذا الحديث((433)) ؟!! ويظهر من ذلك، ان هذه محاولات في طريق طمس الحقائق وتعمية السبل، وهو ما نلمسه في موضع آخر لدى آراء ابن تيمية في حديثه عن تفسير آية (...ولكل قوم هاد)، فشكك بالاحاديث التي نصت على ان الهادي في الاية هوعلى(ع)، وقال بانها من الروايات الموضوعة، وان اهل العلم مجمعون على ذلك، في حين انها مروية باسانيد متعددة عندالسيوط ي من المفسرين السلفيين وكذا الطبري، وابن ابي حاتم الرازي وغيرهم ((434)) ، ومن هذا القبيل مصاديق عديدة لا مجال لحصرها ثالثا تفاوت الصحابة والتابعين في فهم معاني القرآن يسلم اهل السنة بشكل عام والسلفيون بشكل خاص بتفاوت الصحابة المعرفي في فهمهم معاني الايات، وهي حقيقة لا مناص لهم منها. لكن، كيف طبقوا هذه النظرية على مصاديقها؟ لقد صنفوا الخلفاء الراشدين في الطبقة الاولى لتميزهم عن الاخرين بالعلم التام والصحيح ((435)) ، لكن هذا الحكم يناى عن الواقعية فيما يخص الخلفاء الثلاثة، ولايعدو ان يكون من الجزاف والتعصب. وقد التمسوا في ذلك مبررات عديدة اضافة لما قدموه في تبرير رجوع عمر في التفسير الى اهل الكتاب، وما تسبب ذلك في نشر الاسرائيليات كما مر بنا.

    فاذا سالنا عن خلفية موقف الخليفة الاول من معنى (الكلالة)، والخليفة الثاني من معنى (الاب)، قالوا: (كان بعض السلف يتوقفون فيما ليس لهم فيه علم) ((436)) ، في حين لم يعرف عن على(ع) انه سئل ولم يجب، او انه رجع في معرفة الامورالى اهل الكتاب.

    واذا ما سالنا عن قلة ما وصلنا في التفسير عن الخلفاء الثلاثة مقارنة باحاديث الامام على(ع)، قالوا ومنهم الذهبي (فابوبكر وعمر وعثمان لم يرد عنهم في التفسير الا النزر اليسير..

    ويرجع السبب في ذلك الى تقدم وفاتهم، واشتغالهم بمهام الخلافة والفتوحات، اضف الى ذلك وجودهم في وسط اغلب اهله علماء بكتاب اللّه، واقفون على اسراره، عارفون بمعانيه واحكامه..) ((437)) . لكن هذه تعليلات واهية، والحقيقة شي آخر، لان عثمان كان بعيدا عن مهام الخلافة مدة ثلاثة عشرعاما، وعمر لثلاثة اعوام، وكانت آراء واقوال على(ع) التفسيرية تصدر ابان السنوات الخمس من عمر خلافته
    https://youtu.be/7FH_FmCHUBQ

  6. #21
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,040

  7. #22
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,040

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني