يوسف الفضل
Monday, 10 March 2008


اقتصاد السوق يعني سيادة قوانين العرض والطلب على تحديد الأسعار للسلع والأجور. ومن اجل تنظيم عمليات الأقتصاد الدولية كانت منظمة التجارة العالمية والتي من منهجها رفع الحواجز التي تؤثر على اسعار السلع والأجور من خلال تدخل الدولة في دعم سلعها او الأجور باسلوب مباشر او غير مباشر مثل دعم الدولة لسلع اساسية لمواطنيها او دعم صناعة ستراتيجية لبلدانها او رعاية صناعة ناشئة ترى الدولة ضرورة في ديمومتها لأعتبارات وطنية.


الهدف الأساسي لمنظمة التجارة العالمية المعلن هو خلق اجواء تنافسية متكافئة لجميع الدول من اجل رفع كفاءة واداء الأقتصاد والتي تؤدي بالضرورة الى تحسين الأنتاج وخفض الأسعار ولفائدة جميع الأطراف. وقد تضمنت لوائحها تنظيم نشاط الدول المنظوية تحت مظلتها ومن ضمنها عقوبات على الدول التي تخالف هذه الأتفاقية الدولية. علمأ ان الأنضمام لهذه المنظمة طوعيأ. وهناك عدد من المحفزات للدول التي تنضم مما يجعل لها مسوغأ للانضمام لهذه المنظمة الدولية املأ في جني امتيزات اقتصادية لبلدانها.

لم تمض فترة طويلة على نشوء منظمة التجارة العالمية حتى بدأ اللاعبون الرئيسيون في خرق تلك القوانين حينما وجدوا ان مصالحهم الوطنية تتضرر كما حدث في موضوع صناعة الحديد والصلب بين الولايات المتحدة واوربا وتجارة الخشب بين كندا والولايات المتحدة كذلك! لم تذكر وسائل الأعلام عن خرق للأتفاقية من اللاعبين الصغار!

النفط الخام هو احد السلع الرئيسية التي تخضع لقوانين العرض والطلب كغيرها من السلع ولكن منتجيها الرئيسيين لم ينضووا تحت مظلة منظمة التجارة العالمية بعد. اما المستهلكين الرئيسيين فهم لاعبون رئيسيون في تلك المنظمة. ولذا يعتقد ان موازين القوى الأقتصادية ستكون متأثرة الى حد كبير بيد اللاعبين الأقوياء!

ان اسعار السلع تتأثر بالعديد من العوامل والتي يمكن من خلال قوانين العرض والطلب مثلأ ان تتأثر. اغراق السوق بسلعة او خدمة معينة اسلوب تتبعه بعض الشركات من اجل اخراج منافسيها الضعفاء من السوق! وكذلك شراء سلعة واحتكارها يمكن ان يرفع سعرها في السوق بسبب قلة العرض لفترة محددة من الزمن وهذا اسلوب آخر تتبعه بعض الشركات والتجار من اجل جني الأرباح والتي تمنعه معظم الدول وتعاقب على ممارسته!

لقد سيطر على انتاج واستهلاك النفط الشركات النفطية الرئيسية في العالم خلال النصف الأول من القرن العشرين من خلال سيطرة دولها على مناطق الأنتاج وجني فائدة هائلة من جباية الضرائب العالية على هذه السلعة. مما جعل السيطرة على الأسعار عملية ممكنة وسهلة نسبيأ. ولذا بقي سعر النفط لا يتجاوز الدولار للبرميل حتى منتصف القرن الماضي تقريبأ. وخلال تطور المعرفة والوعي في بلدان العالم الثالث تمخض عن تجمع للدول المنتجة للنفط ونشوء منظمة اوبيك والتي حدد هدفها بتنظيم حصص انتاج اعضائها وتفويت الفرصة على الشركات من خلال منعها الضغط على الدول المنتجة وتخفيض الأنتاج لبعض الدول والتأثير على وارداتها! لقد كان تخفيض انتاج النفط عملية مؤذية للدول المنتجة للنفط لأن واردات النفط كانت ولا تزال في العديد منها المورد الرئيسي للدولة!

عمدت الولايات المتحدة المستهلك الرئيسي للطاقة في العالم الى اتخاذ العديد من الأجرآت من اجل حماية اقتصادها من التعرض الى مخاطر نقص امدادات الطاقة. وهذا بالضرورة يعني انها ستتمكن من السيطرة على اسعار النفط من خلال امكانيتها امداد السوق النفطية وخلق توازن بين العرض والطلب او تخفيض الأسعار من خلال زيادة العرض مقارنة مع الطلب! ولجأت كذلك الى التنقيب عن النفط في العديد من الأماكن لتنويع مصادر انتاج النفط بهدف تأمين حاجتها من هذه المادة والحصول عليها بسعر مقبول اقتصاديأ ومجزيأ. ولجأت الى تنويع مصادر الطاقة من خلال البحوث وتطوير بدائل للنفط كمصدر منافس للطاقة. فشهد العالم تطورأ تقنيأ كبيرأ في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية وتطوير الطاقة الهيدرولوجية وطاقة الريح والطاقة الشمسية والطاقة البيولوجية والطاقة الجوفية للأرض. وكانت بداية للأقتصاد في استعمال الطاقة وتطوير الطرق فنيأ من اجل منع الهدر والأسراف في استعمال الطاقة. وبالرغم من كل الجهود المبذولة لم تحقق الدول الرئيسية المستهلكة للنفط تغيير الصورة القاتمة بالأعتماد على النفط كمصدر رئيسي للطاقة لأسباب عديدة ومن اهمها كلفة البدائل العالية وما يصحبها من تلوث للبيئة!

لقد تعارفت السوق النفطية على تسعير النفط بالدولار الأمريكي. ولا بد من وقفة عند هذا الموضوع لأهميته من تحديد القيمة الشرائية للدولار وللعملات المتعارف عليها بشكل عام على مدى الفترة الزمنية الماضية.

حينما نناقش هذا الموضوع لا بد من الرجوع الى حيثياته القريبة على الأقل. فالعملة الورقية ليس لها قيمة ذاتية! انها تمثل قيمة قانونية مكفولة من الدولة وكانت في بداية نشوئها معززة بقيمة معدنية ذهبية وفضية تماثلها في خزينة الدولة التي ترعى تلك العملة. ولكن هذا الغطاء المعدني سحب تدريجيأ من قبل الدولة ولم يبقى الا ضمان قانوني من قبل الدولة والتي ترفع قيمة عملتها او تخفضها بالنسبة للعملات الأخرى على اساس مصالحها الأقتصادية وتأثيرها على العمليات الأقتصادية الداخلية والخارجية التي ترعاها. واضحى ارتفاع وانخفاض العملة من العمليات التي ترى فيها الدول الغربية محورأ مهمأ لأستقلالها الأقتصادي ورعاية مصالها الوطنية والتي لا يمكن ان تسلمه الى دولة اخرى وان كانت حليفة وشريكة لها! وعلى هذا الأساس ترفض المملكة المتحدة التخلي عن الباون واستبداله باليورو العملة الأوربية للسوق الأوربية المشتركة!

وهنا ينبغي الأشارة الى ان الدولار لم يفك ارتباطه بالمعادن الثمينة الا في بداية السبعينات من القرن الماضي وان سعر النفط لم يتخطى اسعاره المتدنية الا بعد ان حدث ذلك الطلاق وتحديدأ بعد حرب عام 1973. لقد بدأ الدولار يفقد قيمته الشرائية ومقابل العملات الرئيسية الأخرى مما افقد الدول المنتجة للنفط واردأ مفترضأ من دخولها النفطية لأنها تعتمد في معظم استيرادها من كل دول العالم على تلك الواردات بالدولار. ويمكن النظر الى سعر الذهب كأحد المؤشرات لمستوى القوة الشرائية للدولار وغيرها من العملات! لقد كان سعر الأونصة من الذهب في بداية السبعينات اقل من 40 دولارأ! اما الآن فان سعر الأونصة قد تخطى 800 دولارأ! وهكذا يتضح ان عملية ارتفاع سعر النفط من دولار واحد في الخمسينات من القرن الماضي الى اكثر من 100 دولار حاليأ غير حقيقية! اما كيف تستطيع الدول الرئيسية المستهلكة للنفط التعامل مع ارتفاع اسعار النفط وتدوير تلك الأرباح الهائلة الى اقتصادها بهدوء وانسيابية فذلك يحتاج الى دراسة خاصة.

اقول هناك احتمال لجوء الدول الرئيسية المستهلكة للنفط الى رفع اسعار منتجاتها وخاصة ما يتعلق بالغذاء وذلك ان معظم الدول المصدرة للنفط من دول اوبيك تعتمد على استيراد معظم موادها الغذائية الرئيسية من الخارج وتحديدأ من الدول الرئيسية المستهلكة للنفط! ولكن عملية رفع الأسعار هذه قد تبدو مبررة لأول وهلة وربطها بارتفاع اسعار الطاقة. ويمكن ربط ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية باستعمال الأراضي الزراعية لأنتاج الكحول ولأنتاج الطاقة البديلة والاستغناء عن بعض المنتجات النفطية. ولكن هناك نظريات اخرى يتداولها العالم الغربي والتي تقسم العالم الى نصفين الغني والفقير والتي تعطي الحق للأغنياء بالحياة المرفهة وتحكم على الدول الفقيرة بالموت او التعاسة وما يسمى بنظرية قوارب النجاة!

هناك خياران امام الدول المصدرة للنفط: الأول تسليم مقاليد امورها الى الشركات الغربية والعيش على الهامش الى ان يقدر الله امرأ كان مفعولا. والثاني ان تعمل كل دولة فرادا وجماعات للسيطرة على ثرواتها النفطية واستثمارها من قبل ابنائها. وليس هذا فحسب بل اعتماد تطوير طاقاتها الغير مستثمرة وخاصة البشرية منها من اجل استثمار ثرواتها الزراعية والحيوانية وتطوير امكاناتها الصناعية بهدف الأستقلال الأقتصادي والأكتفاء الذاتي والحصول على مكان محترم للعيش بين شعوب العالم!