العملات النقدية المزورة تغزو أسواق مدينة الحلة !!!! يرى خبراء عملات وتجار وصيارفة ورجال أمن تحدثوا عن خطورة العصابات التي تعمل في الخفاء على تنشيط أسواق العملة المزيفة، واشاروا إلى أن وراءها إمكانات دول تعمل على تعطيل أي حركة انتعاش اقتصادي في العراق.







ولا يستبعد هؤلاء وبينهم رئيس غرفة تجارة بابل أن تشكل أسواق التزييف مخاطر جسيمة على مستقبل العراق ربما أكثر من الإرهاب الذي قد ينتهي، لكن عملية استئصال عصابات المال آفة ابتليت بها دول عدة بسبب الحروب ولم تتخلص منها لعقود من الزمن. وظاهرة تزييف العملة،ليست غريبة على السوق العراقية، فقد سبق وان انتشرت بشكل لافت للنظر قبل سقوط النظام السابق، وبالذات خلال السنوات التي كان فيها العراق يعيش تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، إلا إن تجدد هذه الظاهرة وسط الظروف الأمنية والاقتصادية الاستثنائية التي يعيشها البلد يستدعي وقفة ، تعقبها إجراءات رادعة للحد من هذه الظاهرة الخطرة تمهيدا للقضاء عليها بشكل نهائي..وبالرغم من محدودية الحالات التي تم خلالها ضبط عصابات متخصصة بتزييف العملة أو الترويج لها، إلا إن ذلك لا يعني القضاء على هذه العصابات، كون العملة المزيفة مازالت تظهر بين الحين والأخر في السوق.
ولعل محافظة بابل واحدة من المحافظات التي تعد مركزا لترويج هذه العملة وبالذات بعد أن تمكنت الشرطة فيها من ضبط أكثر من عصابة متخصصة بهذا الجانب الإجرامي الذي يعد مصدرا خطرا يهدد الاقتصاد العراقي.وواحدة من المشاهد التي عادت بأذهان المواطنين في بابل إلى زمن العقوبات الاقتصادية العملة الورقية التي كان نظام صدام يطبعها بمطابع متواضعة وبورق رخيص ، تجددت اليوم عندما اضطر اغلب أصحاب المحال التجارية والعاملين في مجال الصيرفة إلى استخدام الجهاز المصنوع خصيصا لفحص العملة، إذ أصبح هذا المنظر شائعا واعتياديا ،وبالفعل عاد الجهاز بالنفع على أصحابه، فيوميا يكتشف أصحاب الحرف والتجار عشرات الأوراق النقدية المزيفة، وبالذات من فئة العشرة آلاف دينار و(الخمسة والعشرون ألف دينارا) بحسب ما يؤكده فاضل عبد الحسن صاحب شركة صيرفة لـصحيفة (المثقف)، إذ يقول "يتركز تزييف العملة في هاتين الفئتين كونهما من الفئات مرتفعة القيمة، وتسد قيمتهما تكاليف طبع الأوراق المزيفة، إلى جانب الإقبال الكبير عليهما في سوق الجملة".
ويبين "جميع شركات ومحال الصيرفة وكذلك المحال التجارية المختلفة ما عادت اليوم تستغني عن أجهزة الفحص، كون فحص الأوراق النقدية المزيفة بالاعتماد على العين المجردة أمر غير مضمون ، لاسيما إن بعض الطبعات المزيفة وصلت حدا من الإتقان لا يمكن معه تمييز الصحيح من الزائف".وإذا كان صاحب المحل محقا في فحص ما يقدم أليه من نقود ورفض ما هو زائف منها، فان حامل العملة المزيفة عادة ما يجد نفسه في موقف حرج، عندما يقدم على شراء سلعة ما ويهم بدفع ثمنها فيكتشف إن نقوده مزيفة وغير قابلة للتداول في السوق.وبهذا الصدد يقول احد أصحاب المحلات في المدينة "أن جميع أصحاب المحلات يعانون مشكلة العملة المزيفة والتي غالبا ما تتسبب لنا بمشاكل كثيرة مع الزبائن نتيجة رفضنا بيعهم سلعة ما لم يقوموا باستبدال العملة التي نشك في تزيفها".ويردف قائلا "المشكلة أن عددا كبيرا من أصحاب المحلات، وبالذات كبار السن أمثالي ليس لديهم إلمام كامل بمعرفة العملة المزيفة من السليمة، ولكننا نكتشف ذلك عند قيامنا بشراء الدولار من مكاتب الصيارفة التي يمتلك أصحابها خبرة واسعة تمكنهم من معرفة العملة المزيفة، مما يسبب لنا إحراجا مع أصحاب تلك المكاتب". ويضيف "بين فترة وأخرى يشهد السوق انتشار فئة معينة مزيفة كأن تكون فئة 25 ألف دينار أو العشرة آلاف دينار، ما يجعلنا نعزف عن استلام مثل هذه الفئات ونطالب زبائننا بفئات أخرى، وهو ما يحصل حاليا مع فئة العشرة آلاف دينار التي انتشرت في السوق حاليا وبشكل يفوق التصور".
وقال حسين الخفاجي تاجر جملة في سوق الحلة "أن حال تجار الجملة لا يختلف كثيرا عن أصحاب محلات المفرد بالنسبة لظاهرة العملة المزيفة، فهم أيضا يتعرضون إلى خطر تمرير تلك العملة عليهم، وبخسارة اكبر".ويضيف "أن المعاناة كبيرة في هذا المجال لان طبيعة عملنا تجعلنا نستلم مبالغ كبيرة لا يمكن فحصها ولا نكتشف المزيف منها إلا عند تحويلها إلى الدولار ، وفي بعض الأحيان يصل ما نكتشفه من تلك العملة المزيفة يتراوح ما بين 50-150 ألف دينار أسبوعيا".ويسترسل "إن استمرار هذه الظاهرة يهدد اقتصاد البلد ويجعلنا نحن التجار في حيرة من أمرنا، إذ لا يمكننا أن نفحص الأوراق المالية ورقة ورقة خصوصا وان ذلك يؤثر في علاقتنا مع الزبائن".أما كريم محمد وهو صاحب محل صيرفة، فيوضح "انه وبعد الطبعة الجديدة للعملة العراقية، ظهرت فئات مزيفة عديدة، وكانت تصنف إلى ثلاثة أنواع أولها البدائي ، وهذا يمكن كشفه ببساطة، وثانيها حملت طبعات محسنة يمكن تمريرها بسهولة على الناس البسطاء من دون المحترفين الذين لا يمكن تمريرها عليهم، حتى ظهرت النوعية الثالثة والتي تركز على تزيف المعالم السرية للعملة والتلاعب بها كالصورة المائية أو الكتابة السحرية أو الخيط الفسفوري". ولفت إلى "إن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة ، إذ لا يمكن الكشف عنها إلا من خلال جهاز الأشعة الليزرية أو من خلال أصحاب محال الصيرفة وبعض من أمناء الصناديق في المصارف".ويضيف "أن بدايات التزوير كانت في الفئات الخمسة والعشرين ألف دينار ، ومن ثم الخمسة آلاف دينار والفئات الصغيرة الأخرى، أما الفئة التي انتشرت حاليا في السوق فهي العشرة آلاف دينار، وبدأت تأخذ تحسينات كبيرة في عملية التزوير ومن الصعب الكشف عنها إلا من قبل المحترفين".وتابع قائلا "مراحل التزوير الثلاث التي ذكرناها، إنما تقف ورائها جهات مختلفة، فمنها مجموعات تشكل من قبل أفراد يستخدمون طرقا بدائية أو يستخدمون الحاسوب والطباعة الملونة، لكن الأخطر منها هو ما يتم طرحه حاليا من طبعات مزيفة تستخدم فيها إمكانيات ليست بالعادية، وتتعدى إمكانيات العصابات أو الإمكانات الشخصية.
إلى ذلك ، يؤكد اللواء فاضل رداد السلطاني قائد شرطة بابل لصحيفة (المثقف) "إن أجهزة الشرطة والأمن الوطني تعمل جنبا إلى جنب من اجل مكافحة هذه الظاهرة الخطرة"، ويشير إلى إن ثمة إجراءات رادعة تقوم بها الأجهزة الأمنية أثمرت مؤخرا عن إلقاء القبض على عدد من العصابات المنظمة المتخصصة بتزييف العملة أو التعامل بها ، كان آخرها عصابة من أربعة أشخاص في منطقة الحمزة الغربي(22 كيلو متر جنوب مدينة الحلة)، ضبط بحوزتها مبلغ 150 مليون دينار من فئة عشرة آلاف دينار و1800 دولار أميركي جميعها مزيفة".من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي مكي محمد ردام "إن ظاهرة إدخال العملة المزيفة إلى الأسواق لا تبتعد عن كونها ردة فعل عنيفة تستهدف العملية السياسية في البلاد كي لاتتمكن من تحقيق أهدافها المرجوة". ويرى "انه من الطبيعي أن تكون هناك جهات تحاول ابتكار وسائل تقوض العملية السياسية، ومنها تزييف العملة الوطنية العراقية بما يزيد من كمية المتداول من العملة النقدية في التداول اليومي، وبالتالي سيؤدي إلى تزايد معدل التضخم النقدي". ودعا الخبير الاقتصادي الحكومة إلى الإسراع في استحداث وتنشيط عمل وحدة مكافحة التزييف والاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال، فضلا عن تشجيع التعامل بالبطاقات الائتمانية كما هو معمول به في المجتمعات المتطورة وبلدان الخليج العربي.ويقول المهندس صادق الفيحان رئيس غرفة تجارة بابل "أن الغاية من إدخال العملة المزيفة إلى العراق في الوقت الحاضر هو لمنع انتعاش الاقتصاد العراقي كونه لا يتحقق إلا عن طريق خفض مستوى السيولة، الأمر الذي لا يكون إلا بطرح كميات من العملة المزيفة، وبالتالي فأن إدخال تلك العملات هو نقيض لسياسة البنك المركزي العراقي الذي يعمل على خفض حجم المتداول في السوق المحلية”.
ويبين الفيحان "أن العملة المزيفة يتم إدخالها إلى العراق من قبل جهات دولية لا تريد للشعب العراقي أن ينعم ويستقر، وهذا بحد ذاته نوع آخر من الإرهاب لا يقل ضررا وخطورة عن الإرهاب المسلح، وأعمال القتل العشوائي والفساد الإداري، كون انتشار ظاهرة تزييف العملة ستعمل على تدمير الاقتصاد العراقي، لاسيما إذا طرحت بكميات كبيرة في الأسواق".
المثقف