[align=justify]
[mark=33CC66]لا نحبّ البلاء..ولكنّنا مسؤولون![/mark]


البلاء..ظاهره العذاب وباطنه الرحمات !

جعفر فضل الله


يشيع أنّ البلاء من خصوصيّات الإيمان؛ فالمؤمن مبتلىً، وكأنّ غيره ليس كذلك! كما تتحرّك في بعض الأدبيّات الشائعة أنّ المؤمن ينبغي أن يحبّ البلاء ويقبل عليه؛ حتّى أنّ البعض قد يستغرب ممّن لا يحبّون البلاء.

والبلاء مصداقه المرض وخسران الأموال ونقص الأنفس والثمرات والحروب والكوارث والخوف والجوع وما إلى ذلك ممّا يدخل في إطار المصائب الفردية أو الكوارث ذات الطابع الاجتماعي.

أعتقد أنّ خطأ هذه الفكرة يرتكز إلى الخطأ في فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين الإنسان والبلاء، أو تربط بين الله تعالى وبين الابتلاء؛ لأنّ الفكرة الشائعة أنّ الإرادة الإلهيّة تتحرّك في شكل تفصيليّ في الحياة، بمعنى أنّ كلّ مفردة من مفرداتها لا بدّ لها من إرادة إلهيّة تحرّكها في هذا الجانب أو ذاك؛ بينما نجد ـ من خلال كثير من الآيات والروايات ـ أنّ إرادة الله شاءت أن ينتظم الكون في سنن وقوانين وأنظمة تحكم حركته كما تحكم حركة الإنسان، وهذه الأنظمة ليست منفصلة عن إرادة الله؛ لأنّ كلّ شيء قائمٌ به وموجود به ومستمرّ به سبحانه وتعالى.

هذا يعني أنّ تلك البلاءات التي ذكرناها، وغيرها، هي جزءٌ من تأثير طبيعة السنن والقوانين التي تحكم حركة الكون والإنسان، فلا يخلو منها إنسانٌ؛ فكلّ إنسانٍ يُصاب بتلك المكاره، أو بتلك الكوارث.. غاية الأمر أنّ المؤمن حيثُ تزداد قيوده، فإنّه سيكون أكثر ابتلاء ببعض الأمور في الحياة؛ لأنّ القيد يستتبع مسؤوليّة الوقوف عنده، ولا سيّما إذا كانت تلك القيود تعاكس نزوع النفس نحو إتباع الهوى والتفلّت من عقال الالتزام الشرعي وما أشبه ذلك؛ لكنّ هذا لا يعني أن غير المؤمن ليس مُبتلى؛ بل قد يكون بلاؤه أكثر من جهة انحرافه أو كفره إذا ما نُظر للمسألة من حيث نتائجها الأخرويّة، لا على مستوى مفردات البلاء الدنيويّة..

والذي يتميّز به المؤمن على صعيد البلاء هو أنّه يتحرّك بخطّين: الأوّل الأخذ بما تقتضيه سنن الله في الحياة؛ فإنّ للمرض أسباباً وعلاجاً في سنن الله، فينبغي على المؤمن أن يسعى إذا ما ابتلي بالمرض إلى الطبيب والدواء، وإن لنقص المال والأنفس أسباباً، فيُمكن للإنسان أن يعمل على الأخذ بأسباب الربح، أو أن يزيد من حذره تجاه ما قد يلاقيه.. فليس صحيحاً أنّ المؤمن لا بدّ أن يقبل على البلاء، أو أن يحبّ البلاء؛ فقد ورد عندنا في بعض الأدعية المأثورة أنّ العافية أحبّ إلى المؤمن من البلاء..
أمّا الخطّ الثاني فهو الإذعان إلى أنّ هذا ما اقتضته إرادة الله من خلال بنائها الحياة على أساس القوانين والسنن التي جعلت للموت أسباباً، وللمرض أسباباً، وللخسارة والربح أسباباً وما إلى ذلك، فلا يسقط الإنسان تحت وطأة الخسارة أو النقص، بل يتحرّك من خلال الله ليتوازن في مسؤوليّته، فلا ينحرف فيأخذ بأسباب الربح الحرام، أو يجزع أمام المرض فيعصي الله تعالى، أو يخلّ بمسؤوليّاته، وما إلى ذلك..

وبذلك يشكّل البلاء عنصر استفادةٍ للإنسان، تماماً كما هو الامتحان الذي يُخضع فيه الإنسان علمه النظريّ للاختبار العملي؛ حتّى إذا أدرك نقصاً في تعليمه عاد وتدارك، فكذلك إذا رأى أمام موقفٍ ما أنّ هناك نقصاً في إيمان، أو نقصاً في خطّة، أو نقصاً في عمل.. عاد وتدارك ذلك، وكان هذا زاداً يُضاف إلى خبرته في خطّ المسؤوليّة عن التطوير، على مستوى النفس أو المجتمع؛ ومن الممكن لنا أن نفهم بعض الأدبيّات التي تتحدّث عن أنّ الله ?إذا أحبّ عبداً ابتلاه? في سياق التسلية للنفس، أو في سياق الاختبار الذي لا يسقط معه، أو في سياق تصفية النفس من شوائبها مقدّمة للرحمة الإلهيّة في الآخرة؛ والله من وراء القصد.

[/align]