الأسرة في الفكر المادي والفكر الإسلامي
تدعي الماركسية، أن الأسرة ظاهرة اقتصادية شأنها شأن كل ظواهر الحياة التي فسرتها الماركسية على أساس إقتصادي، فالأسرة بزعم الماركسية، نشأت بدافع اقتصادي، حيث لجأت المرأة إلى الرجل لأنها لا تقوى على الصيد فعاشت معه مقابل توفير احتياجاتها. وفي زمن تستطيع المرأة ذلك فلا حاجة للأسرة ولاضرورة للزواج، وبإمكان كل من الأنثى والذكر إشباع غرائزهم كما تشبع الحيوانات غرائزها. بل تعتبر الشيوعية– وهي مرحلة متقدمة من الماركسية – أن هدم الأسرة ضرورة من ضرورات الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي الذي يقوم على هدم الدين والدولة والإسرة والحرية الفردية. ولم تنجح الشيوعية في إقناع المجتمعات لقبول هذه المبادئ.
وفي ضوء الآديولوجيات الوضعية، وصلت الأسر في الواقع إلى الإنهيار، فكما دعت الشيوعية إلى تحطيم الأسرة وصلت الرأسمالية إلى نفس النتيجة ولكن ليس بدافع استغناء المرأة عن الرجل في الجانب الإقتصادي، ولكن من خلال الحرية الفردية التي تطال كل جوانب الحياة ومنها الحرية الجنسية فتطلق العنان للغريزة الجنسية بأي وسيلة ولو بالشذوذ أو العلاقات خارج نطاق الزواج. وتدعو للإباحية الجنسية.
إن موضوع الأسرة حضي باهتمام العلماء خصوصا علماء الإجتماع. وتعاملت المجتمعات مع واقعها. فجعلت نظاما للزواج وللأسرة. وإن أغلب العلماء على اختلاف تصوراتهم وآرائهم وعقائدهم، تكلموا عن هذه الحقيقة واعتبروا الأسرة وحدة إجتماعية يتكون منها المجتمع وأكدوا وجودها في كل المجتمعات الإنسانية، وتطرقوا إلى تعريف الأسرة ووظائفها وأشكالها وتطورها ومشكلاتها وأنماط الزواج وكل ما يتعلق بالزواج والأسرة. وكان التأكيد في التعاريف المختلفة لعلماء الغرب، أن الأسرة وحدة إقتصادية، ويجمع أفرادها وحدة المسكن. كتعريف ميردوك والذي يعتبر من التعاريف الشهيرة المعتمدة عند الكثير من العلماء. وينص تعريف ميردوك على إن الأســـرة هي ( جماعة إجتماعية تتميز بمكان إقامة مشترك وتعاون إقتصادي ووظيفة تكاثرية ويوجد بين إثنين من أعضائها على الأقل علاقة جنسية يعترف بها المجتمع، وتتكون الاسرة على الأقل من ذكر بالغ وأنثى بالغة وطفل سواء أكان من نسلها أم عن طريق التبني (عاطف وصفي، الإنثروبولوجيا الثقافية، الطبعة الأولى، بيروت، دار النهضة العربية ص165) فكان التأكيد في التعريف على الوحدة الإقتصادية والمســـكن الواحد. كما تأثر بعض علماء العرب والمسلمين وكتّابهم بعلماء الغرب فجاء تعريف الأسرة متأثرا بالفكر الغربي. فعرف بعضهم الأسرة بأنـــها ( مجموعة من الاشخاص يكونون وحدة اقتصادية ويجمعهم مسكن واحد) (محمد سند العكايلة، اضطرابات الوسط الأسري وعلاقتها بجنوح الأحداث، الطبعة الأولى،دار الثقافة،عمان، 2006 ص71). وينقص هذا التعريف أيضا، كون الأسرة ضرورة اجتماعية. فنرى أن بعض التعريفات للأسرة غير جامع لمعانيها ومضامينها سواء نظريا. أو عدم التعامل معها واقعيا كضرورة انسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
فالأسرة ضرورة إنسانية تنشأ عن الزواج وهو أساس تكوينها، وهي أساس تكوين المجتمع.
وكونها ضرورة إنسانية، تتضمن الكثير من المعاني ذات العلاقة بالإنسان والمجتمع. فالإنسان بجنبته الروحية والمادية وطبيعته الإجتماعية وجاجياته المتنوعة العضوية والنفسية والذهنية، أدت جميعها لنشوء الأسرة. فالأسرة تسد الحاجة الروحية والمادية للإنسان، وتتمخض الأسرة أيضا عن طبيعة الإنسان الإجتماعية فهي أول جماعة يحتاجها الإنسان منذ ولادته لإشباع حاجياته المتنوعة، تشبع جوعه وظمأه وتؤويه، وتكون له مصدر السكينة والطمأنية والإستقرار، وتنمي قدراته الذهنية والنفسية والإجتماعية لبناء شخصيته ليكون عضوا صالحا نافعا في مجتمعه الكبير، وتتضمن كلمة ضرورة إنسانية كذلك كون الأسرة اللبنة الأساسية المنظمة والقانونية لبناء الحياة الإنسانية الخالية من الفوضى والخاضعة للقوانين. من خلال وجود مجتمع قانوني منظم.
ولا يتم الكلام عن الأسرة بمعزل عن الزواج، فهو أساس تكوينها. وبالزواج تنشأ الأسرة وليس الغرض منه إشباع الغريزة الجنسية فقط. وإن كان الأشباع الجنسي يتحقق ضمنا بالزواج. وإن الزواج هوالأساس في تكوين الأسرة وتحقيق الحياة الإنسانية واستمرار المجتمع. وإلغائه يعني تحدي قانون الحياة الإنسانية، وعندما نتحدث عن الزواج نتحدث عنه كقانون إنساني ينشأ عنه بناء الإسرة. قال تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة﴾ (سورة الروم آية 21). ولذلك دعى الإسلام إلى الزواج وبناء الأسرة واعتبرها مصدر سعادة الفرد وأساس صلاح المجتمع. ونظّم الروابط الزواجية بمنظومة الزواج. ونظم العلاقات الأسرية بمنظومة النظام الأسري. فجعل هناك حقوق لكل من الزوجين وواجبات على كل منهما تجاه الآخر. كما حدد الحقوق والواجبات للأهل والأبناء في جوانب الحياة المختلفة.
ولذلك فالأسرة ضرورة إنسانية تنشأ عن الزواج فهو أساس تكوينها، وهي أساس تكوين المجتمع.