صدام صاحب ( الفضل الاعظم ) في اتساع اكبر مقبرة اسلامية في العالم



النجف / النور

تعد مقبرة وادي السلام في النجف من اكبر المقابر الاسلامية في العالم، ويعزى ذلك الى اتخاذ المسلمين الشيعة منها مركزا لدفن موتاهم لقربها من مرقد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. وبحسب المهتمين بتاريخ النجف فانه كلما كان الشخص رفيع المنزلة في العلم كان دفنه الى الضريح أقرب من غيره ولذلك توجد مراقد علماء الشيعة في ضريح الامام علي عليه السلام او بالقرب منه كما هي الحال لمرقد المقدس احمد الاردبيلي/احد ابرز العلماء العرفانيين/الذي له باب في الضريح المقدس يسمى لدى خواص طلبة العلوم الدينية في النجف الاشرف بـ/باب المقدس الاردبيلي/.

وحتى وقت قريب كانت بعض العائلات العلمية تدفن موتاها في بيوتها القريبة من الضريح او في مساجدها الخاصة كما في مقبرة آل الحكيم في مسجد الهندي قرب الضريح او آل بحر العلوم في مسجد الشيخ الطوسي، او مقبرة آل الكرباسي في الضريح نفسه ومقبرة آل الجواهري في جامع الجواهري وفيها مراقد كبار علماء العائلة ابرزهم العلامة المجتهد صاحب الجواهر ومرقد الصحفي المعروف فرات الجواهري نجل الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.

أما المرجع الديني الاعلى الراحل آية الله العظمى السيد ابو القاسم الموسوي فقد دفن في جامع الخضراء الملاصق لجدار الصحن الشريف من جهة باب السوق الكبير، وهو نفس الجامع الذي كان يلقي فيه محاضراته لطلبة البحث الخارج.

ومنذ مطلع الثمانينات وبموازة اشتداد أوار الحرب العراقية الايرانية على جبهة طولها 1280 كليومتراً توسعت مقبرة وادي السلام بصورة ظاهرة للعيان، ولم تعد سراديب المدينة القديمة تكفي لتستوعب الاعداد الوافدة اليها كجنائز، اذ دأبت العائلات على بناء سراديب أما في المقبرة او في بيوتها يتسع الواحد منها أحيانا لأكثر من ثلاثين قبرا، وكان من غير الواضح سابقا ان يتضح التوسع في الاعداد المدفونة لان التوسع الذي يحصل فقط في السرداب المبني سلفا، اما بعد ازالة المناطق القديمة من النجف والتوسع العمراني فيها فقد اخذ التوسع الأفقي على الأرض يظهر سعة المقبرة.

وكان لصدام حسين "الفضل الاعظم"،كما قال الدفان قاسم عبد الحسين ابو البير في سعة تلك المقابر نظرا لمرور العراق في اثناء حكمه بحرب طويلة الامد مع ايران 1980-1988 وبعدها حرب الكويت 1990 ، وآخرها دخول القوات الاميركية الى العراق عام 2003 وما اعقبها من تداعيات تمثلت بكثرة التفجيرات والاغتيالات، وبرز اثر ذلك في توسعات خرجت عن مساحة المقبرة الكلية مثل مقبرة خاصة تمثل رفات الراقدين في المقابر الجماعية التي عثر عليها بعد سقوط النظام السابق ومقبرة خاصة بجيش المهدي الذين سقطوا في مواجهات مع الجيش الاميركي عام 2004 .

اسرار هذه المهنة التي تبعث على القشعريرة في النفوس لا يعرفها الا اولئك الذين توارثوها ابا عن جد ولكنها بأية حال نوع من التجارة المربحة المتأتية من التكسب من الموت او القتل او التفجيرات، ويختلط فيها أيضا العمل الدنيوي بالثواب الاخروي.

يقول صادق كريم ويعمل مغسلا لجثامين الموتى في مغتسل قديم يسمى (بير عليوي) : يعد هذا المغتسل من المغتسلات القديمة في النجف إذ يبلغ عمره اكثر من 120 سنة واكثر مدة كان عملنا كثيفا فيها هي مدة الحرب العراقية الايرانية وبعد سقوط نظام صدام 2003، إذ أخذت تصل إلى المغتسلات كافة ومنها مغتسلنا يوميا بمعدل 125 جنازة والنسبة الأكبر في ذلك كانت للقتل بالتفجير أو بالرصاص أو الاغتيال والنسبة الأقل كانت للموت الطبيعي.

وأضاف: قبل أن تغلق المدينة القديمة كان يصل الى مغتسلنا يوميا من 15- 20 جنازة، لكن بعد اغلاق المدينة القديمة بالحواجز الكونكريتية قل العدد ليصل يوميا إلى 8- 10 جنائز، ونقوم بتغسيل الجنازة ونضيف إليها ورق السدر المطحون/من شجرة النبق/ وقليلا من الكافور ومن ثم نكفنها وبعضهم يريد أن نضيف إلى الكفن ما يعرف بـ/الحبرة/وهو قماش اسمر يجلب من مكة، تكتب عليه سورة يس وأسماء الأئمة ألاثني عشر مع اسم النبي وفاطمة الزهراء في حين يرغب بعضهم في ان نضع نايلونا في النهاية، وإذا رغب ذوو الميت بهذا كله فنأخذ منهم 20 الف دينار ولا نأخذ من الفقراء شيئا عادة طلبا للأجر ونكتفي بما يدفعه ذوو المتوفى. وفي ما إذا كان ذلك انعكس عليه ايجابيا من خلال المردود المادي قال صادق الذي يعيل ثمانية أولاد:نعم إن الدخل المادي يزيد، وأنا أحب عملي لأنه واجب كفائي علي ان اقوم به واشعر بان هناك ثوابا أخرويا ينتظرني فضلا عن الأجر المادي الدنيوي لقاء عملي في هذه المهنة.

وعن اغرب المواقف التي مرت به، ذكر صادق:إن هناك الكثير من الغرائب في عملنا، في حمى هجمات العنف الطائفي، جلبوا لي رأسا فقط وطلبوا مني تغسيله فغسلته وكفنته وذكر لي أهل القتيل انه بعد غياب القتيل "جاءت سيارة الى دارنا وسلمونا كيسا فيه الرأس وقالوا إذا رغبتم بتسلم الجثة فادفعوا دفترين/20 ألف دولار/ وأعطونا مع الرأس رقم هاتف للاتصال، ومرة تم تغسيل اشلاء انسان مقطع بمنشار كهربائي، ومرة غسلت عائلة كاملة تتألف من 11 فردا كلهم قتلوا في حادث تفجير ومن بينهم أطفال رضع.

ومن غريب ما وقع لي انه جيء لي بجنازة لفتاة من الناصرية وأرسلناها إلى النساء ليغسلنها لكننا وجدنا المغسلة قد هربت وقالت الميتة تحرك عينيها ولما وصلنا إلى التابوت وجدناها قد فتحت التابوت فقمت بالباسها عباءة وأخبرت أهلها وتبين أنها مغمى عليها، ورجعت إلى دارها إلا أنها بعد أربعة أيام ماتت فعلا، ومن أكثر المواقف إيلاما إن طفلا حديث الولادة جلب لي لأغسله في الشتاء وحينما صببت الماء البارد عليه شعرت ان الطفل لم يمت ارتعش جسمي من المنظر حاولت ان ادفيء الصوف واضعه عليه ولكنه بعد ساعتين مات لان والده قد وضعه طوال الطريق الى المغتسل في حوض السيارة البيك اب وكان تيار من الهواء البارد يمر عليه.

وعن أكثر يوم عمل فيه صادق، قال:في يوم واحد غسلت 20 جنازة وهذا اكبر عدد اغسله خلال يوم واحد. وعن عدد الموتى الذين غسلهم طوال مدة عمله في العشرين سنة الماضية قال صادق:يتجاوز العدد الذي غسلته اكثر من خمسين الف جنازة.

وعن ابرز الشخصيات التي غسلها، قال : قمت بتغسيل جثة السيد عبد المجيد الخوئي وآية الله الشيخ مرتضى البروجردي/ المرجع الديني الذي اغتيل في التسعينات في النجف/ وغسلت آية الله السيد محمد صادق الصدر وولديه وآية الله السيد يوسف نجل الامام السيد محسن الحكيم.

الشطر الآخر من هذا العمل التجاري الواسع يتناول بيع الاكفان يقول حيدر حسن حرز الدين/23 سنة/ صاحب محل مقابل ضريح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لبيع الأكفان والتربة الحسينية والحبرة وغيرها: أبيع يوميا من 10 الى 25 كفنا وكنا سابقا نبيع جملة أكثر من 400 كفن لكن حينما أزيل محل والدي بسبب توسعة الصحن قل العدد فضلا عن أن الزوار الإيرانيين وغيرهم هم أكثر من يشتري الاكفان من النجف وكربلاء وقد تم تحديد اعداد الزائرين منهم بسبب الظروف الأمنية. وعن عدد المحال التي تتعاطى بيع الاكفان قال حيدر:في النجف مابين 200 الى 500 محل وصاحب عربة وبسطة متنقلة يبيعون الاكفان فضلا عن أصحاب الفنادق القريبة من الحضرة الشريفة.

وعن أسعار الأكفان قال:"أنها تتراوح بين عشرة آلاف دينار إلى خمسين ألف دينار وميزة الكفن ذي الخمسين الفا ان الكتابة التي عليه يدوية وهي دعاء الجوشن الذي هو من الأدعية المهمة عند الشيعة وسورة يس وأسماء الأئمة عليهم السلام، و يسمى هذا العمل عمل/توصاة/أي يجري بتكليف سابق.

ولاستكمال الفكرة عن اعداد الجنائز التي تفد الى وادي السلام وعن أسباب موت الذين يدفنون قال موظف الإحصاء في استعلامات مقبرة وادي السلام جادر صبار عواد:إن عدد الجنائز قبل العام 2003 كان قليلا أما بعده فقد أصبح العدد اكبر، إذ يبلغ معدل السجل اليومي الذي نسجل فيه الجنائز الواردة الى النجف 112 ويمكن اضافة 20 غير مسجل لان بعض الجنائز تأتي من دون شهادة وفاة لانها مجهولة الهوية فتدفن من غير تسجيل او لا يتم اعلامنا بها.

وعن أكثر عدد وصل الى الاستعلامات من الجنائز، قال:في حادثة جسر الائمة إذ تم إحصاء 780 جنازة المسجل منها 586 والباقي تبرع مكتب السيد مقتدى الصدر بدفنهم وخصص لهم مكانا قرب مقبرة شهداء جيش المهدي، وقد تطوع حينها مكتب المرجع اية الله العظمى السيستاني بالكفن وأجور الدفن.

وعن أسعار الأراضي المخصصة للدفن قال جادر:كانت قطعة الأرض المخصصة للدفن مساحة 50 مترا تباع سابقا بـ 500 دينار اما الان فقد زاد الطلب عليها وأصبحت تجارة مربحة ويبلغ معدل سعرها الان اكثر من مليون وربع المليون دينار. وعن عدد الدفانين قبل السقوط، قال:"يبلغ عددهم حسب الاحصائيات الرسمية 286 وزاد هذا العدد قرابة الخمسين دفانا بعد العام 2003".

وعن عدد المكاتب التي تتعاطى هذا العمل أفاد هاتف أنور أبو صيبع وهو من عائلة توارثت مهنة الدفن وصاحب مكتب دفن : يوجد في النجف 92 مكتبا وفي كل مكتب مابين ثلاثة الى ثمانية عمال مابين الحفار والبناء والوكيل وصاحب السيارة والدفان". وعن معدل السعر الذي يستوفى من صاحب الجنازة قال ابو صيبع:"إنه خمسون ألف دينار أما أجور الحفار فيدفعها إليه مباشرة ذوو المتوفى".

وعن اغرب الحوادث التي مرت به قال:جلبوا لنا من المدائن طفلين ربطت أيديهما من الخلف ووضعا في كيس واغرقا في النهر حتى ماتا، وأبشع ما رأيناه ونراه ما يجلب لنا من اشلاء في التفجيرات مثل تفجير شارع بنات الحسن في النجف والحلة وتفجيرات بغداد المستمرة